رواية شهادة قيد الفصل الأربعون 40 بقلم دودو محمد
رواية شهادة قيد الجزء الأربعون
رواية شهادة قيد البارت الأربعون

رواية شهادة قيد الحلقة الأربعون
كاد مهران يمسك بمن كان يريد إيذاء ذات، وقف ماهر أمامه، ملامح وجهه مشدودة بتوتر، كأنما كانت كل عضلة في وجهه تعبر عن صراعه الداخلي. كان قلبه ينبض بشدة في صدره، ويديه ترتجفان مع كل لحظة تمر.
“اهدا يا مهران، نبقى نشوف الكاميرات، ونجيبه.”
تحدث مهران بنبرة مشحونة بالغضب:
“أكيد ابن الكلب عاصم هو اللي بعته علشان يأذي ذات، أنا مش هسمح لحد يأذيها تاني، يا ماهر.”
الكلمات زلزلت أرجاء المكان وكأنها صرخة ضمير. أومأ ماهر برأسه بتوتر، ثم أجاب بصوت مفعم بالقلق:
“م متخافش، كلنا معاك وجنبك، ومش هنسمح لحد يأذيها.”
حاول صوته أن يكون هادئاً، لكن الهمسات الداخلية كانت تعزز مخاوفه. أغمض مهران عينيه بغضب، يحاول طرد تلك المشاعر المضطربة التي كانت تعتمل في صدره تجاه أخيه، واندفع بعيدًا للهروب من تلك الأحاسيس المقلقة، مثل من يحاول الفرار من ويلات حروب النفس.كانت سارة تتابع ما يحدث من بعيد، وعندما ابتعد مهران، اقتربت من ماهر، وعلامات القلق واضحة في عينيها. نظرت إليه بعمق وسألته بتردد:
“ماهر، ليك يد في اللي حصل ده؟”
جاء سؤالها كخنجر يحفر في قلبه، فحرك رأسه نفياً، وكلماته خرجت مختنقة، كأنها تحاول السقوط من بين أغلال مشاعره:
“لا، طبعاً يا سارة، وبتهرب من وقتها من بابا، بس أنا متأكد إنه هو ليه يد في اللي حصل ده لما فقد الأمل فيا، أني أنفذ كلامه.”
لقد كان يشعر أن الغموض الذي يكتنف ماضيهم هو اللغز الذي يبحث عن إجابة.رفعت سارة حاجبيها بنفاذ صبر، وقالت بحزن:
“ربنا يهديه، أنا بجد مستغربه من اللي بيعمله ده. يعني هو المفروض يوقف مع ابنه في ظرف زي ده، مش يوجعه ويأذيه. ربنا يصلح حاله، يارب، وينور بصيرته.”
كلماتها كانت كمسكن للألم. رد عليها ماهر بصوت مختنق، وكأن الأحزان تثقل كاهله:
“يارب، يا حبيبتي، تعالي ارتاحي شويه، أنتي من الصبح واقفة على رجلك.”
كان يدرك أنها تحتاج إلى الراحة بقدر ما يحتاج هو إلى دعمها. ابتسمت له ابتسامة حنونة، عذبة كشمس الصباح، ولكن في عينيها كان هناك شيء من القلق الذي لم تفصح عنه. وقالت:
“متقلقش عليا، أنا كويسة ومتعبتش والله، روح انت خليك جنب أخوك.”
أمسك يدها وقبلها بحب وامتنان، مشاعر عميقة تعبر عن مدى تقديره لها بل وأهميتها في حياته. قال:
“ربنا يخليكي ليا، يا جيشي وعزوتي، وميحرمنيش من وجودك جنبي، يارب.”
نظرت له بخجل، وابتلعت ريقها بصعوبة، ثم قالت:
“ط طيب، مش يلا بينا بقى؟”
كانت لها قدرة غريبة على تغيير مزاجه، وتحويل أزمته إلى لحظة من الإيجابية. تعالت ضحكاته الرجولية على خجلها، وأمسك بيدها ليعودوا معًا إلى غرفة ذات.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»»
جلس مهران بجوار ذات، وحرك يده بحنو على شعرها الحريري الذي كان يتلألأ تحت أضواء الغرفة الدافئة، قائلاً بتساءل حنون:
“عامله ايه دلوقتي يا حبيبتي؟”
نظرت له بابتسامة هادئة تنم عن الأمل والشوق، وكأنها تهدف إلى طمأنته بكل ما تملك من مشاعر. فأجابته:
“الحمد لله يا مهران، أحسن بعد ما أخدت المسكن. طمني، مسكت الراجل اللي كان عايز يموتني؟”
حرك رأسه بالرفض، وبدأ يتحدث بصوت مختنق يحمل في طياته الكثير من الحزن:
“لا، بس هراجع الكاميرات اللي في المستشفى وهجيبه.”
نظر إليها بحزن عميق كأنه يتجرع مرارة تلك اللحظة، فتحدثت بصوت مختنق وحزين:
“هو إحنا هنخلص من الحرب دي أمتى؟ أنا نفسي نعيش في سلام يا مهران.”
ربت على يدها بحب وعطف، وكانت نبرته هادئة كنسيم عليل يأتي مع شروق شمس جديدة:
“قريب أوي كل ده هينتهي، وهتبدأ أجمل حكاية حب بين قلبين تخطوا كل الصعاب، وربنا جمعهم وعوضهم خير بأجمل ذرية.”
وضعت رأسها على موضع قلبه، وتنهدت بتمني عميق:
“يارب، يا مهران، يعدي الأيام دي بقى علشان تقيلة على قلبي أوي.”
في تلك اللحظة، دخلت نور بمقعدها المتحرك، ونظرت إليهما بضيق عندما رأت المشهد الحميم الذي يجمع بينهما.
“عاملة إيه دلوقتي يا ذات؟”
نظرت لها ذات بضيق، وكأن شيئًا ما يشغل بالها، وقالت:
“أهو الحمد لله، المسكن ريحني شوية.”
أنهت كلامها، وتمسكت بمهران أكثر، وكأنها تبرهن للجميع على حبها وملكيتها له بفخر كبير. شعر مهران بتوتر غارتها، فضمها أكثر داخل أحضانه، متحدثاً بنبرة جادة وعازمة:
“شكراً يا نور على سؤالك، وأنا شايف كفايه كده. هخلي شريف يرجعك الشقة، بقالك مدة معانا في المستشفى، وتعبتي معانا.”
ردت عليه بسرعة، وكأنها تشعر بأنها يجب أن تبقى:
“بس أنا مش تعبانة يا مهران، هفضل مع ذات لحد ما ترجع معايا البيت.”
أجابها بنبرة هادئة، وهو ينظر إلى ذات بحب وحنان:
“بس ذات مش هترجع معاكي الشقة، علشان هنتجوز أول ما نخرج من هنا، وبعد كده هخدها نقضي شهر العسل في الساحل.”
تغيرت ملامح نور، وارتسمت صدمة قوية على وجهها، ثم تحدثت بتوتر واضح:
“تتجوزوا؟!”
أومأ برأسه بالتأكيد، وقال بنبرة عاشقة مملوءة بالعاطفة:
“أيوة، نتجوز، أصلاً إحنا اتأخرنا أوي على الخطوة دي، بس خلاص مش هنتأخر تاني بعد كده.”
دقات قلب ذات كانت تتراقص من شدة السعادة، ونظرت له بحب عميق، وكأنها ترغب في البوح بكل ما بداخلها:
“وأنا محتاجة الخطوة دي جداً، خلاص مبقتش قادرة أعيش بعيد عنك أكتر من كده.”
شعرت نور بالضيق، وابتسمت لهما بتوتر، كأنها تحاول أن تخفي مشاعرها:
“ربنا يسعدكم يا رب، عن إذنكم.”
ثم خرجت بسرعة بمقعدها المتحرك، تاركة وراءها أجواء مشحونة بالمشاعر المتضاربة. نظرت ذات إلى أثر نور وتحدثت بضيق وقلق:
“مهران، أنا مش مرتاحة لوجود نور عندك في الشقة، أنا متأكدة أنها لسه بتحبك، ونظراتها ليك كلها حب، وأنا مش قادرة أستحمل أشوف نظراتها ليك، بموت من غيرتي عليك.”
ابتسم لها بحب واهتمام، وتحدث بنبرة هادئة تقوم بدور المهدئ:
“وأنا مش تلميذ يا ذات، وشايف ده، بس برضه مينفعش أتخلى عنها، وهي في الحالة دي. ومعندهاش حد تروح ليه، بعد ما عاصم قتل أبوها، وأمها ماتت وهي صغيرة. اعتبريها حالة إنسانية، وبعدين، أنا عيوني مش شايفة غيرك إنتي. لو قدامي مين، ثقي فيا، وبلاش غيرتك المجنونة دي يسلملي قلبك الطيب، يا أبو قلب أبيض يا طعم.”
ابتسمت له بخجل وتفاؤل، وأومأت برأسها وكأنها تجد بعض الراحة في كلماته:
“ماشي، بس أول ما نرجع من شهر العسل، ملكش دعوة بيها خالص، وأنا هتابعها وهجيب ليها الطلبات كلها اللي تحتاجها.”
ابتسم على غيرتها العمياء، وداعب وجنتيها بأصابعه كطفلة صغيرة، قائلاً بنبرة مرحة:
“بموت فيك إنت يا واد يا غيور.”
تمسكت به بقوة، وتحدثت بسعادة منبعثة من قلبها:
“أنا بحبك أوي يا مهران، بحبك فوق ما تتصور، إنت كل حاجة جميلة في حياتي، إنت العوض اللي ربنا بعته ليا علشان يطبطب عليا ويراضيني.”
ضمها بذراعيه، وتحدث بحب صادق:
“إحنا بنكمل بعض يا ذاتي، بعشقك.”
ابتسمت له بشقاوة، وكأنها تعبر عن المشاعر التي تعكس جمال حبهم:
“وأنا بموت فيك يا مهورتي.”
قبل رأسها وتحدث بمزاح وحنان:
“أنا بقول نتلم شوية، وبلاش شقاوة، علشان متهورش، وأعمل حاجات أنا مانع نفسي عنها بالعافية.”
تعالت ضحكاتها الشقية، ووضعت قبلة على وجينته، ثم وضعت رأسها على صدره، وأغلقت عينيها، واستسلمت لنوم هادئ على دقات قلبه، وكأنها وجدت ملاذها في تلك اللحظة. ابتسم مهران بسعادة، وتضخم قلبه من شدة حبها، وتمسك بها كأنها كنز غالي، خائف من فقدانه.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»
جلست هالة أمام يزيد، عيناها تتلألأان بالغضب الشديد، وهو يدرك تماماً حجم غضبها الذي كان يتصاعد مثل اللهب. كانت تعبيرات وجهها تعكس مشاعر متناقضة، من الألم إلى الإحباط، كأنما كانت تتنفس الغضب نفسه. زفر بضيق، وهو يتحدث بألم، قائلاً:
“هتفضلي تبصيلي كده كتير؟ يا ماما، أنا عملت كده علشان أتأسف ليها عن كل اللي عملته فيها، واللي كان السبب هو انتي. من كتر كرهك لأمها، فضلتي تكبري الحقد والكره جوايا ليها لحد ما عملت معاها كل أنواع الندالة. لدرجة أني سلمتها بأيدي لعاصم الكلب، ومعملتش حساب لدم اللي ما بينا، و أنها عرضي ولحمي. أنا مش وحش يا ماما، أنتي اللي وصلتيني لكدة. ادعي بس إنها تسامحني بعد كل اللي حصلها بسببي ومني.”
ضغطت هالة على أسنانها بغضب، وكأنها كانت تسحق كلمات يزيد تحت وطأة مشاعرها المتأججة، وقلبها يخفق بشدة كأنما يحاول أن يهرب من حبس الغضب الذي يعتريها. وقالت بعصبية:
“خلاص، بقيت أنا الست الشريرة والأم الظالمة اللي زرعت جواك الحقد والشر؟ وليه متقولش إننا كنا ضحايا؟ لو مكانتش أمها خطفت العريس مني، و أهل أبوك حبوها اكتر مني، ويتباهوا بيها قصاد الناس كلها، و فرقوا في المعاملة ما بينا، كان زمان حاجات كتير اوي أتغيرت، لا هي ولا أمها فيهم حاجة أحسن مني. وفي الأخر، جاي تعاتبني وتقولي أنا اللي وحشة؟ لاااا، أنا كنت بدافع عن حقي وباخد بتاري.”
حاول يزيد تهدئة والدته، وتكلم بصوت هامس من شدة الألم، قائلاً:
“طيب ما تيجي نبقى أحسن من الأول؟ تعالي نعيش كأسرة، ونرجع إخواتي اللي هربوا من أفعالك. أنتي عارفة إنهم كانت عندهم أحلام كبيرة، لكن كنتي عايزة تخليهم زي، يعيشوا في ضلمة الحقد والكره. للأسف، هما اختاروا الطريق الصح، وأنا اللي مشيت وراه الشيطان، ودفعت التمن غالي. أكيد لما يرجعوا تاني لحضنك، حيفرق في حياتنا جداً؛ هنحس بدفء الأسرة اللي ولا مرة حسيت بيه. كفاية بابا اللي خسرناه، بسبب كل الظروف اللي مرينا بيها، وهو كان دايمًا بيشوف فينا الأمل. أبوس إيدك، يا ماما، سيبك من اللي في دماغك، وتعالي نعيش حياة نضيفة، مفيهاش كره و حقد.”
نظرت له بدموع، شعرت بضعفها الذي بدأ يظهر أمام ابنها، وكانت تلك اللحظة نقطة تحول. وقفت سريعاً، تتحدث بصوت مختنق وكأن الكلمات تقاوم الخروج:
“أنا رايحة الحمام، أوعى تتحرك عشان الجرح.”
ثم تركته ودلفت إلى المرحاض، وكأنها بحاجة لتفريغ كل تلك المشاعر المضطربة. نظر إلى أثر والدته وهي تبتعد، متمنياً أن تأتي كلماته بثمارها، وأن تتراجع والدته عن أفعالها التي جعلتهم يعيشون في بحرٍ من الخلافات والفوضى. كان يعتقد أن العودة إلى جادة الصواب ستبدأ بتحقيق تلك الرغبة في الحياة الجديدة؛ حياة خالية من المشاكل، يعيشون فيها بسلام، بحيث تعم السعادة والعلاقات الطيبة بينهم. كان في قلبه أمل كبير أن هذه الكلمات قد تكون بداية لشفاء عائلته.
«««««««««««««»»»»»»»»»»»
بعد عدة أيام…
جلست ذات على السرير ونظرت إلى ساعة يدها، فوجدت أن الوقت ما زال مبكراً ولم يعد مهران من عمله بعد. زفرت بضيق ونهضت من على السرير بصعوبة، ثم خرجت من غرفتها متحركة بخطوات هادئة نحو الرواق. هناك، رأت شريف يدلف إحدى الغرف، فتوجهت إليه وطرقت على الباب. فتحوا لها، فنظرت مهرة إليها باستغراب وقالت:
“ذات، إنتي إية قومك من على السرير؟”
أجابتها ذات بضيق واضح في صوتها:
“زهقت من القعدة لوحدي في الأوضة، ومهران من إمبارح في الشغل ومجاش لحد دلوقتي، وأنتي هنا قاعدة مع سي روميو بتاعك، وماهر ومراته روحوا، وماما كمان مشيت، ونور كم…”
توقفت فجأة عندما تذكرت نور، وأخذت تنظر إليهم بتوتر. قالت:
“أنتوا تفتكروا مهران عند نور في الشقة علشان كده اتأخر ومجاش لحد دلوقتي؟”
نظر الاثنان إليها بصدمة. تحدث شريف بعدم تصديق:
“ذات، أنتي عارفة إنتي بتقولي إيه؟ إيه اللي هيودّي مهران عند نور وهو أصلاً لسه باعت ليها طلبات البيت معايا أنا؟”
نظرت له بتوتر وقالت:
“خ خايفة يحن ليها تاني وتحلو في عينه.”
في تلك اللحظة انتفضت ذات مكانها عندما سمعت همسات بجوار أذنيها، وصوت مهران يقول لها:
“محدش يملا عيوني غيرك أنت يا بطل، استهدا بالله كده يا وحش، وهدّي الغيرة شوية.”
التفتت سريعًا ونظرت إليه بشوق، وقالت:
“وحشتني أوي يا مهران، كل ده كنت في الشغل؟”
ابتسم لها بحب، وأحاط خصرها بذراعيه، وتكلم بنبرة عاشقة:
“وأنتي وحشتيني أوي يا قلب، ونور عيون مهران. حقك على قلبي يا ذاتي، كان عندي شغل كتير أوي، ده أنا حتى مكملتهوش، سبتُه لبكرة وجيت ليكي جري.”
تكلم شريف بنفاد صبر وقال:
“المرارة هتفرقع، خف شوية يا عم سوما إنت.”
نظر له مهران بنظرة ذات مغزى، وقال بمرح محذراً إياه:
“خف تعوم يا حليوة، بدل ما أشحطف قلبك وأفقعلك المرارة بإيدي.”
تنحنح شريف بمرح وقال:
“هي الدنيا بتمطر ولا ده عرق ولا إيه بالظبط؟”
تعالت ضحكات الفتيات، وقالت مهرة:
“والله يا أبيه، يا بخت ذات بيك شاب طول بعرض، وليه مركز وهيبة، وفوق كل ده دمك زي الشربات، أوعدنا يا رب.”
نظر شريف إليها بتهكم، وقال:
“أيه البعيدة عامية مبتشوفش، ده أخوكي فولة وانقسمت نصين مني، بس يا كش بس، الفورمة اللي عامله شغل، شوية تمارين من اللي بيخدها في القوات الخاصة، وهحصله.”
حركت ذات رأسها برفض، وتكلمت من بين ضحكاتها:
“فشر إش جاب لجاب؟ ده انت عاملّ شبه الفار المبلول، إنما مهورتي ما شاء الله عليه، كولكشن من كل حاجة على بعضها، مكس عسل، وصعب تلاقي زيه، قمررر أوي.”
أغلق مهران عينيه واقترب من ذات، وتكلم بهمس:
“اتلمي أحسنلك ولينا أوضة تلمنا.”
تعالت ضحكات ذات الشقية، وتكلمت بصوت مرتفع:
“إيه مش سامعاك، لينا أوضة إيه!”
سقطت مهرة على الأرض من كثرة الضحك، وتكلمت بصعوبة:
“مش قادرة، ربنا وعدني بمراتات أخواتي عبط، ده اللي ستره ربنا تيجي ذات وتفضحه.”
نظر لها شريف وتكلم بمزاح:
“أنبي إنت اللي عسل وفاهم.”
أمسكه مهران من تلابيبه وتكلم بغضب مزيف:
“نعم يا روح أمك، بتعاكس أختي قصادي.”
رد عليه شريف بمزاح:
“آه دي عدت عليا، دي لف طيب علشان أعاكسها من وراك.”
رد عليه مهران بنفاد صبر:
“ولااا، هات أهلك يوم الجمعة وتعالى أخطبها وخلصني من صداعك وزنك المتواصل ده، وبعدين من الأسبوع الجاي مش هكون فاضي عندي تحضيرات ليلة العمر بتاعتي أنا وذاتي.”
نظرت مهرة بسعادة إلى شريف، ثم ركضت سريعًا داخل أحضان ذات واحتضانتها بسعادة، وقالت:
“أخيراً، مبروك يا زوزو، فرحانة أوي إنكم ربنا هيجمعكم ببعض من تاني، وربنا هيجمعني مع أبيه شريف.”
ونظرت له بلؤم وقالت:
“فاكر يا أبيه.”
ضغط شريف على شفتيه السفلى بغضب، وتكلم:
“قلبك أسود أوي، بس أوعدك تبقى بتاعتي وهوريكي أبيه هيعمل إيه فيكي.”
زفر مهران بضيق مزيف وقال:
“قسماً بالله لو مختفتش من قدامي دلوقتي هعملك شاورما بإيديا دول وابقى وريني هتعرف تتجوز أختي إزاي.”
نظر لهم بضيق مزيف وقال:
“أشوف فيكم يوم يا ولاد الشرنوبي.”
أنهى كلامه، وركض سريعًا إلى خارج الغرفة وتركهم.تعالت ضحكات الجميع، ونظر مهران إلى ذات وقال:
“تعالي يا حبيبتي، عايزك.”
أومأت برأسها بالموافقة، وتحركت إلى الخارج معه. جلست مهرة تقفز بسعادة، أخيرًا تحقق حلمها وستصبح ملكاً لهذا العاشق المجنون.
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»»
دخل كل من مهران وذات إلى الغرفة بهدوء، حيث كانت الأضواء الخافتة تضفي أجواءً دافئة وحميمة. ساعدها مهران برقة بالغة على الجلوس فوق السرير، متأنياً في كل حركة حتى لا يشعرها بأي إزعاج. أخذ الغطاء ولفّه على جسدها بعناية فائقة، كأنه يغلفها بحبه وحمايته، محاولاً أن ينقل دفء قلبه إليها من خلال ذلك الغطاء البسيط. نظر إليها بعينين مفعمتين بالحب والحنان، وتكسرت نبرته بنعومة وعشق قائلاً:
“يا مجنونة، بتشكي فيا؟ طيب إزاي أقدر أبص لواحدة غيرك وإنتي مستحوذة على عيني وقلبي وكل حتة فيا؟ أنتي ملكة قلبي يا ذاتي.”
كان صوته مليئاً بالصدق، تحمله تعابير وجهه التي لم تخفي تردده وخجله العميق. عندها، ضغطت ذات على شفتيها متوترة لوهلة، وقالت بخجل واضح في حروفها:
“أحم.. طيب، أعمل إيه؟ ما أنا بحبك أوي وبغير عليك. ولما مشيت نور وأنت اتأخرت، فكرتك عندها.”
أمسك يدها بحنان، وشبك أصابعه بأصابعها كأنها تمنحها عالماً من الأمان، ثم تحدث بحب:
“مدام وعدتك إني مش هروح عندها، وإنتي مش معايا يبقى اطمني. أنا ببعت طلباتها كلها مع شريف لحد ما تبقى كويسة، وتروحي إنتي بداله.”
حركت يدها على صدره بدلع، تداعب قلبه وكأنها تعبر عن حبها الممزوج بالأسف، وقالت بأسف عميق:
“أنا آسفة يا حبيبي، مش هشك فيك تاني.. بس أعمل أيه؟ بحبك أوي خالص وبغير عليك خالص خالص، مش قادرة أتحكم في مشاعري.”
رفع إحدى حاجبيه بنفاد صبر واضح، وكان في نظره مزيج من التحذير والمزاح، وقال:
“بت أنتي، بلاش تلعبي بأعصابي، أنا على آخري، وممكن أتجنن وأعمل حاجات هتفاجئك مني، وما تتوقعيهاش أبداً.”
تعالت ضحكاتها المرحة، وتحدثت بدلع محبوب:
“اهدا يا كبير، مش واخده عليك و إنت كده! فين مهورتي الخجول اللي كان بيتكسف من أقل حاجة؟”
تقاربت أنفاسه من أنفاسها، وكانت الدفء ينتشر في الجو بينهما، وقال بنبرة هامسة وكأنهما يتشاركان سرّاً خاصاً:
“مش خجل، بس يا قلبي كنت بخاف عليكي مني، علشان وقتها لو قربت منك كنت هفترسك ومش هرحمك. ولو تفتكري، قبل كده قولتلك إنتي مش قد قدراتي، يعني كنت عارف إنك أقوى وأصعب تحدي ليا.”
احمرت وجنتاها من وقاحة كلمات مهران، وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها من سخونة أنفاسه التي تلفح وجهها. حاولت أن تبتعد بخفة، لكن مهران جذبها نحو صدره بذراعيه القويتين، اقترب أكثر، وقال مازحاً:
“إيه يا وحش، قلبت على قط سيامي كده ليه؟ ما إنتي كنتي بتلعبي على الوتر الحساس من شوية.”
تكلمت بصعوبة، وبصوت خافت ملؤه الخجل:
“م.. مهران.. أبعد شويه، مينفعش كده، حد يدخل يشوفنا بالمنظر ده.”
ظل ينظر إلى شفتيها بأشتياق لا يخفيه، وعلق أنفاسه لتتوافق مع نبض قلبه، دقت نقوس الخطر في قلبه بحدة، فقرر وضع قبلة سطحية رقيقة عليهما، ثم ابتعد عنها قليلاً، وتكلم بصوت متقطع من فرط إحساسه:
“بلاش بعد كده تلعبي بالنار، يا قطة، علشان مش كل مرة هقدر أتحكم في نفسي. أنا بجاهد علشان تعدي الأيام دي وتبقي معايا وفي حضني، وأقدر أوصل عشقي ليكي بطريقتي الخاصة.”
وضعت ذات يدها على وجهها، مغطيةً خجلها الشديد، وقالت بصوت متلعثم مخلوط بالحب:
“أنت قليل الأدب.. غلس.”
تعالت ضحكاته الرجولية الصادقة، وقال وهو يعبّر عن عمق حبه:
“بعشقك يا مجنونة. المهم، خلينا بقى في الكلام اللي عايز أقوله ليكي.”
نظرت له باهتمام بالغ، وتحدثت بقلق واضح في صوتها:
“خير يا مهران؟ قلقتني.”
جلس بجوارها بلطف، وأمسك يدها برقة، متشبثاً بها كأنها أغلى ما يملك، وقال بنبرة هادئة مطمئنة:
“اهدي يا حبيبتي، متقلقيش. أنا عايز أقولك على الخطوة الجاية اللي هنعملها إن شاء الله. أنا اتفقت مع يزيد يكون وكيلك في كتب الكتاب، وهنخرج من المستشفى على المأذون ونكتب الكتاب، وبعدها بأسبوع هنعمل الفرح اللي بتحلمي بيه. أنا حجزت القاعة، وحجزت الفستان، وجهزت كل حاجة بالتفاصيل الصغيرة، مش ناقص غير حضورك بس علشان تكمل الفرحة.”
انهمرت دمعة من عينيها من شدة السعادة والفرح، ونظرت له بعمق ملؤه الحب والامتنان، وتكلمت بنبرة حنونة:
“أنا بحبك أوي يا مهران، من أول لحظة اتقابلنا فيها وانت بتقدم ليا الدعم. في كل خطوة بخطيها، كنت بتقف في ضهري وتدعمني، سندني واخد بأيدي لبر الأمان. وقفت جنبي في مرضي، كنت العلاج اللي بيداوي جروحي ويديني أمل جديد. بتعمل أي حاجة علشان تفرحني وترسم الضحكة على شفايفي رغم كل التعب. إنت كتير أوي عليا، رحمة ربنا وجبره ليا اتصورت في هيئة ملاك، واللي هو إنت يا مهران.”
حرك يده برقة متناهية على وجنتيها، ونظر لها بحب تام، وتكلم بنبرة عاشقة:
“أنا عملت كده علشان إنتي تستحقي أكتر من كده يا ذاتي. أنا اللي المفروض أشكرك على وجودك في حياتي، على إنك غيرتيها وخليتي ليها طعم ولون. إنتي كنتي البلسم لكل جراحي، وربنا يقدرني وأخليكي أسعد مخلوقة على الأرض. بعشقك يا ذاتي ومقدرش أتخيل حياتي من غيرك.”
ارتمت في أحضانه وتمسكت به بقوة، كأنها تخشى أن تفقده في أي لحظة، وقالت بنبرة عاشقة مليئة بالأمل:
“ربنا يخليك ليا، وميحرمنيش منك أبدا يا عمري، اللي راح وعمري اللي جاي.”
ربّت على ظهرها برقة وحنو، قبل رأسها بحب وغرام، ثم نظر أمامه بتفكير عميق، يشعر بالخوف والقلق على ذات، لكنه يعلم أن ليس أمامه خيار آخر. تظل التساؤلات في صدره مشتعلة، ماذا يخبئ القدر لهما من مفاجآت؟ وما هو السر الذي لا يزال مخفياً عن ذات؟…
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»
بعد وقت طويل من التردد والقلق، وصل ماهر أخيرًا إلى القصر الفخم الذي ينعكس فيه ظل عائلة الشرنوبي القوي والمهيب. وقف لحظة أمام الباب الكبير المزخرف، يتنفس بعمق محاولًا تهدئة أعصابه قبل أن يخطو داخله. حينما دخل القصر، لم يلتفت يميناً أو يساراً، بل اتجه مباشرة نحو الدرج الرئيسي الذي يؤدي إلى الطابق العلوي. صعد الدرج بخطوات مترددة وثقيلة، وكأن كل خطوة تزيد من ثقل المسؤولية التي يحملها على كتفه. فجأة، توقفت الحركة في صدره عندما وصل إلى منتصف السلم وسمع صوت والده الغاضب يهتف باسمه بصوت جهوري يملأ أرجاء القصر، ملئه الغضب والازدراء. ابتلع ريقه بصعوبة، وشعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه استدار ببطء نحو الصوت، وابتسامته المرتجفة ذهبت مع التوتر الذي ظهر جليًا على وجهه.قال بهمس وهو يشعر بالرهبة:
“ن نعم يا بابا.”
حاول أن يخفف من وقع كلماته لكنه شعر بأن صوته لم يكن أكثر من همسة متلكئة. والده، الذي كان يقف بثبات في نهاية الدرج، ضغط على أسنانه بقوة كأنه يحاول كبح موجة الغضب المتدفقة بداخله، ثم تحدث بنبرة جامدة تملؤها السيطرة والقسوة:
“اتفضل ورايا على المكتب يا سيادة الرائد.”
رأى ماهر في عيني والده تلك القوة التي تعني استدعاء لمواجهة لا مفر منها، فأومأ برأسه بخوف واضح، وانزلقت قدماه ببطء عن الدرج كأنه يجر خلفه ثقل كل الكلمات غير المنطوقة. تتبع خطوات والده إلى غرفة المكتب التي كانت بابها يئن تحت ثقله بعد إغلاقه بإحكام، ثم توقف هناك واقفًا، خافضًا نظره إلى الأرض، مدركًا تمامًا أن الحديث الذي سيحدث لن يكون لصالحه، وأن كل كلمة سيقولها أو يصمت عنها ستترك أثرًا لا يمحى في حياته.نظر مراد إليه بصرامة، ووجه له سؤالًا بتساؤل حاد:
“طبعا كلمتي متنفذتش؟ وسايبهم يخططوا وينفذوا اللي ناوين عليه؟”
تلعثم ماهر و ظهر عليه التوتر، وصوته اختنق قائلاً:
“مقدرتش أعمل كده في أخويا يا بابا، مهران بيحب ذات وموتها يعني نهايته. صدقني، هي مش وحشة، ولما اتعالجت بقت إنسانة تانية خالص. هي كانت محتاجة بس فرصة عشان تتغير، ومهران عمل ده، وهي استغلت الفرصة وبقت شخص كويس.”
صرخ به مراد بغضب شديد:
“بنت حازم الزويدي مستحيل تكون مرات ابني. دي، لو كانت آخر بنت على كوكب الأرض، مش هتدخل عيلة الشرنوبي، فاهم؟”
نظر ماهر له بدهشة واضحة، وسأل باستغراب:
“إيه السر وراه رفضك لذات حازم الزويدي يا بابا؟”
كاد يجيب عليه والده بغضب، وقبل أن يبدأ بالكلام، قاطعهما صوت مهران الحاسم:
“أنا هقولك سر رفض أبوك لبنت حازم الزويدي.”
اتسعت عيون مراد بصدمة لا تخفى عليه. قال ماهر بتعجب واضح:
“انت تعرف السبب يا مهران؟”
أومأ مهران بثقة متزايدة، وبدأ يروي القصة بصوت منخفض، يحمل في طياته صدقًا وألمًا كان يكبته طويلاً:
“أبوك كان شريك عاصم الدويري في كل الأعمال الفاسدة. وعلشان كدة كان بيحاول يبعدني عنه علشان معرفش تاريخه المشرف. و هو اللي ساعد عاصم يهرب من البلد، وساعده يخفي نور عني في مقابل أنه ميجيبش سيرته في أي حاجة، علشان أبوك وقتها قرر يعتزل اللعب علشان كبر في السن، ودي كانت اتفاقية أبوك الموقر مع عاصم الدويري.”
ثم أكمل بصوت مختنق وقهره:
“كره أبوك لذات، علشان بنت حازم الزويدي، اللي هدده أنه لو موقفش جنبهم وأنقذهم من المافيا بعد ما كانوا عايزين يقتلوهم، هيسلم نفسه وهيقول إن أبوك وعاصم بيساعدوا في شغل المافيا في مصر. علشان كده اتفق عاصم ومراد الشرنوبي على قتله وقتل مراته، زي ما بيحاول دلوقتي يخلص على بنتهم. وحصل بعد سفر عاصم، خلاف كبير بينه هو وأبوك بسببي لأنه آذاني، وكان السبب في أن أسيب الشرطة.”
ثم أخذ نفس عميق وأكمل وهو ينظر إلى والده بحسرة:
“و من هنا بدأت العداوة بينهم هما الاتنين. علشان كده أبوك كان بيبعتك ليا ترمي المعلومات علشان أمسك أول الخيط، كان عايز يوقع عاصم عن طريقي وفي نفس الوقت يخلص من ذات عن طريق عاصم كأنتقام من عاصم ليا، بس اللعبة اتقلبت وعاصم انتصر في الجولة الأولى، وده قلق أبوك. علشان كده اتقابل معاه، علشان يرجعوا يعملوا معاهدة سلام، والاتفاق حصل بالظبط لما كان خاطف ذات، هو يساعده انه يهرب من البلد مقابل أنه يخلص على ذات، ويبعد عن طريقي، أنا وأنت ومهرة.”
ثم أبتسم بسخرية وأكمل حديثة:
“طبعًا عاصم مش سهل، وافق أنه يعمل كده، وأقنع أبوك إنه قتلها، بس في الحقيقة رماها وهو عارف أنها هترجعلي تاني، عشان يعكر مزاج أبوك وفي نفس يقهرني على اللي عملوا فيها. لانه كان عرف أنها عندها فشل كلوي، وفاضل ليها أيام قليلة في الدنيا. أبوك أداله الأمان وهربه بره مصر، وبعدها على طول أتفاجئ بذات بتدخل البيت بتدور علي، أخدتها وعذبها ورماها بره مصر. بس القدر كان ليه الدور الأكبر، لما صديق شريف شاف ذات وبلغنا مكانها، وروحت جبتها وعالجتها. يسكت!؟ لا طبعًا، يبعت حد يخلص عليها، واللي أنت منعت وصولي ليه علشان معرفش أن أبوك وراه، بس بقى يا سيدي، هي دي حكاية أبوك كلها.”
رأى التساؤلات تملأ أعين أخيه ماهر تكلم بتهكم:
“هتقولي عرفت منين؟ هقولك من أول لحظة مسكت فيها القضية دي، وأنا عارف أن أبوك وراه كل ده. ودور الملاك الطيب اللي عايشه قصادك وإنه عايز مصلحتنا ده ما هو إلا ستارة بيخفي بيها وشه الحقيقي.”
ماهر كان مستمعًا بذهول وصدمه عميقة، لم يتوقع أن يكشف له هذا القبح والخيانه. نظر إليهما بصوت مرتعش:
“الكلام اللي مهران قاله… ده حقيقي؟”
جلس مراد بلا مبالاة، وأخذ مقعده بهيبة وغرور، وتحدث بثقة مستعلية:
“هات اللي يثبت كلامك يا قناص.”
رد مهران بابتسامة مليئة بالغطرسة والثقة:
“أه صح، ده أنت محيت كل حاجة تدينك ولا تورطك أو تثبت التهم عليك. بس يا ترى، ده هيصعب على القناص؟”
حرك شفتيه بلا اهتمام، وقال:
“قصادك حل واحد بس علشان تعرف تثبت كلامك ده، إنك ترجع بآلة الزمن لورا، تحتفظ بالأدلة اللي أنا ولعت فيها بأيديا، وتيجي بيها تاني هنا.”
هز ماهر رأسه باستهزاء، وتحدث بنبرة لئيمة:
“وليه أكلف نفسي بآلة زمن وغيره؟ طيب، ما أنا أقدر أجيب أدلة حية يا مراد باشا، بس مين يا ترى؟ مين يا ترى؟ آه، زين سليم الزويدي، فكره؟”…
«««««««««««««««»»»»»»»»»»»
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)