روايات

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الثامن 8 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الفصل الثامن 8 بقلم آية محمد رفعت

رواية زحليقة إلى زحل الجزء الثامن

رواية زحليقة إلى زحل البارت الثامن

رواية زحليقة إلى زحل الحلقة الثامنة

(حبًا فوق السحاب..)
ما يحدث معهم لا يصدقه عقل بشري عاقل، كانوا بحاجة للاسترخاء، فجلسوا جوار بعضهم البعض بصمتٍ تام، يراقبون من تقترب منهم بالطعام، تناولوا طعامهم بآلية تامة حتى انتهوا، فتمدد كلًا منهم محله بإرهاقٍ، أغلق يونس عينيه استسلامًا لنومٍ سحبه من دوامة يومًا شاق، مرت عليه ساعة كاملة استيقظ بها على هزة يد عنيفة، فتح يونس عينيه بتكاسلٍ فوجد مؤمن يلكزه بغيظٍ:
_كل ده عشان تصحى!
اعتدل يونس بمنامته متسائلًا بدهشةٍ:
_في أيه؟!
رسم بسمة خبيثة وهو يجلس جواره، فاستند على حافة الصخرة وهو يهمس له بمكرٍ:
_ما تطلع من الكهف المريب العجيب ده تشم هوا.
ضيق عينيه بذهولٍ:
_هوا أيه اللي هشمه في الوقت ده.. أنا تعبان ومش قادر أفتح عيوني!
دفع جسده بغضب:
_ما تخلي عندك دم يا اخي ده ابن عمك الوحيد حس بيا… عريس جديد وشايف أختك قدامي ليل نهار… حس بيا وبمشاعري!!
منحه نظرة خاطفة قبل أن تهاجمه نوبة من الضحك، فقال:
_يا ابني أنت مش بتستلم أبدًا… مصمم انها تهزقك قدام الكائنات الغريبة دي.
_ولو هفضل أحاول لحد ما أحقق هدفي!
قالها بتعصبٍ جعل الاخير يحمل جاكيته وهو يشير له بسخريةٍ:
_أنا بره.. ومتقلقش لو سمعتك بتستغيث مش هنجدك!
بحث جواره عن حجرٍ صغير يلقنه به درسًا لاستهزائه به، فما ان تأكد من خروجه حتى فرك يده وهو يردد بمكرٍ:
_الساحة فضت عليا أنا وانتي يا مسوكة.
******
تكورت بجسدها في محاولة بائسة بأن يشملها جاكت زوجها الكبير نسبيًا عن جسدها، علها تحفظ نفسها من نظراته التي لم تعد آمنة اليها بالمرة، شعرت ببرودة تتسلل إليها، فرددت قبل أن تفتح عينيها:
_سيب الجاكت يا مؤمن واتلم يونس نايم جنبك.
ابعده عنها وهو يخبرها بابتسامة تفترش وجهه:
_طرقته ومفضلش غيرنا يا جميل.
صعقت مما استمعت، فانتفضت بجلستها تبحث عن أخيها، تراجعت مسك للخلف وهي تشير له بتحذيرٍ:
_بلاش جنان يا مؤمن احنا مش في بيتنا ولا عالمنا أساسًا.. ايش ضمنك ميكنوش زرعين لينا كاميرات يسوحونا بيها قدام الكواكب الاخرى.. اعقل واهدى.
زحف خلفها حتى حاصرها بين الصخور، فقال وهو يمنحها غمزة ظنها تغريها:
_ولا يهمني.. وراك قتيل والعمر رهين!
وكاد بالاندفاع تجاهها، فتسللت من اسفل يده ليحتضن جسده الصخرة بشكلٍ مضحك ومؤلم لوجهه الذي تلبسها كلوحة فنية مرسومة بحرفيةٍ، شعرت وكأن اسنانه تهشمت لقبلة الصخور، فاستند عليها وهو يتأوه ويتوعد لها بغيظٍ:
_والله لأوريكي يا مسك… معرفش اطلع بيكي فين تاني عشان ترضي عليا!
كبتت ضحكاتها عليه بصعوبةٍ، وأجابته بصدمةٍ ادعتها بنجاح:
_تاخدني فين!! ليه شايفني حيوانة ماليش مشاعر ولا احاسيس، قولتلك اصبر لحد ما يتزرع في قلبي حب ليك!
اعتدل بجلسته بألمٍ، وهو يردد بسخط:
_يعني هستنى الزرع الشتوي ولا الصيفي.. ثم انك أرض يابس لا نافع معاكِ زرع ولا شيء.
وادعى تألمه الشديد وهو يشير لها:
_طب ساعديني أقوم.. مفيش في قلبك انتماء لأخوكي المسلم!
نهضت عن محلها، واتجهت اليه لتعاونه، فجذبها لتسقط فوق صدره، وفي لمح البصر أصبح هو من يحتل وجهتها، وصوته يهمس اليها بخفوتٍ:
_اللحظات اللي بينا هنا هتكون مميزة ومتتعوضش!
*******
بالخارج.
رداءها البنفسج يترنح طرفه انصياعًا لنسماتٍ الهواء الرقيقة التي تلامسه برفقٍ، ومن خلفها خصلات شعرها الطويل يحجب رؤياها وكأنه يحميها عن جدارة، اقترب منها بحذرٍ وهو يحارب انجذابه الغريب اليها، ربما جمالها يخدر حواس من يراها، ولكنه اعتاد غض بصره عن أي فتاة رأها يومًا، وسيفعل لأخر يوم يفارق به الحياة وقد صان عينيه من ارتكاب معصية قد تحول بينه وبين روضة الله عز وجل، تفاجئ بها يونس تردد دون أن تلتفت اليه:
_إلى متى ستظل تراقبني؟
ابتسم وهو يقترب حتى يجلس على مسافةٍ قريبة منها، فوجد سلاحها لجوارها وعلى ما بدى اليه مرقبتها للطريق لتأمين الحماية اليهم، فقال ساخرًا:
_كنتِ تودين قتلي منذ قليل والآن تقدمين الحماية والأمان لي!
استدارت تجاهه، فابتسمت وهي تخبره:
_الحياة تنجح دائمًا بتغير صف المعركة يوناس.. حتمًا ستجد نفسك تمر بين كل صف وأنت لا تعلم إلى أي جهة سيكون مصير بقائك.
غاصت كلماتها لتسحره رغمًا عنه، فأبعد عينيه عنها وهو يهمس بصوتٍ كان مسموعًا لها:
_اجتنبت الوقوع بالفتنة فتجمعت فتنة الدنيا بكِ!
رمشت بعدم فهم، فقال بصوته العذب:
_قد تظنين الامر جنوني ولكن بعالمي لم تستطيع أي فتاة سلب قلبي المعتوه، وفعلتي أنتِ من النظرة الأولى!
ضحكت ساخرة من حديثه، وقالت بتريثٍ:
_أجد الأمر غريبًا بعض الشيء، لسنا معتدون على سماع كلمات الغزل والسماح بالحب بين فريقنا، بسبب ما فعلته تلك اللعينة لم يصرح لنا بالزواج بعد قضائها على السلالة.
ارد الابتعاد عن سياق هذا الحديث الخطر، فقال:
_أخبريني.. لماذا وصفت صديقتك ذهابك لعالمنا بالتضحية؟
اجابته ببساطةٍ أوحت له تقبلها للأمر:
_لأن الطريقة الوحيدة لغلق الفجوة من داخل عالم البشر، وحينما تنغلق يصعب العودة لزحل مرة أخرى.
بفضولٍ غريب تساءل:
_وماذا ستفعلين بعد الانتهاء من تلك المهمة؟
هزت كتفيها وهي تخبره:
_لا أعلم.
واستدارت برأسها اليه، فتعمقت بالتطلع لحدقتيه، دفن داخل سحر عينيها، وكأنه كان يجابه موج عتي يرفض تركه دون أن يغرق داخله، ابتلع ريقه بتأثرٍ، فسحب عينيه عنها، ابتسمت زاد وهي تردد بعاطفةٍ:
_أنت مختلف عن هؤلاء المحاربين.. ربما اصابتني الدهشة حينما رأيتك فجسدك ضعيف للغاية لهزم محارب مثل حنتوش.
همس ساخرًا:
_ده مش محارب ده بغل بقرون!
ضيقت عينيها بعدم فهم، فقال:
_ما يميزنا بكوكبنا امتلاك العقل، وجدته يحتمي خلف هالة من الزجاج فعلمت بأنه دونها لن يتمكن من التواجد بيننا، لذا خلصته منها وقد تحقق الأمر.
صمتت قليلًا تفكر بحديثه ثم قالت بحماسٍ:
_ربما لأنه من المشترى فصعب عليه التعايش بأرض البشر.
سألها باهتمامٍ:
_وهل ينطبق الأمر عليكم!
اجابته بحيرةٍ:
_لا أعلم.. ولكن إن أصابني مكروه ستتمكن احدى صديقاتي من اتخاذ الاجراءات اللازمة لسد الفجوة.
_ستضحين بحياتك بتلك السهولة؟
=سأفعل أي شيء يهزم قوة ارثا، لحين أن يتمكن جيشنا الصغير من هزمها والاستيلاء على العرش، حينها سيتبدد ظلمها الى الأبد إن قمت بغلق أخر أمل تعتمد عليه.
_أعتقد بأنها لن تكون مسالمة وأنت تقصين لي عن أخر أمل تمتلك!
هزت رأسها وهي تؤكد له ظنونه:
_لذا أنا أحرص الا يهاجمنا جنودها.. فإن تزوجت بك ستحصل على قوتها كاملة في الحال.. وحينها لن يتمكن احدٌ من ايقافها.
كاد بأن يجيبها فقاطعهما صوت صراخ قوي يأتي من الداخل، نهضت زاد عن مكانها، فجذبت سلاحها واستعدت للاقتحام، اوقفها يونس وهو يخبرها:
_دعكِ من الأمر.. إنه زوج أختي الأحمق يحاول استغلال الاجواء الرائعة مع زوجته التي لا ترغب بشيءٍ سوى الذهاب لأمريكا المتسببة لما نحن عليه الآن!
انفجرت ضاحكة فحملت سلاحها على كتفيها، وأخبرته ببسمة رقيقة وهي تتجه للمخبئ الجانبي للكهف:
_سأترك لك المراقبة.. لأحصل على قسطٍ من الراحه.
هز رأسه وعاد ليحتل مكانها، توقفت زاد عن المضي قدمًا، فعادت اليه وهي تقدم له ما بيدها بتردد واضح:
_تركك بمفردك دون سلاحًا ليس أمنًا، فلتحمل سلاحي وكن حذرٍ.
ابتسم وهو يلتقطه منها، ثم جلس يتأمل الجبال التي تحيطه بانبهارٍ وشرود تام فيما يراه..
******
_أنا أسف صدقيني أنا غلطت وندمان!
قالها مؤمن وهو يحاول حماية عينيه اليمنى بعدما فقد اليسرى، كانت تستعد للكم عينيه الاخرى ولكن رجاءه واعترافه بالخطأ جعلها تتراجع، فعادت لتتمدد على الصخرة ثم طرحت الجاكت فوق جسدها هامسة بعنجهيةٍ:
_ناس تخاف متختشيش!!
احتضن مؤمن عينيه المتورمة، واردف بألمٍ شديد:
_سبق ليا التعامل مع كل الحيوانات بس فصيلتك دي متعاملتش معاها قبل كده.
فتحت نصف عين وقالت:
_عشان مستنضفتش ودخلت طب بيطري… خلي معلومات بعالم الحيوانات تنفعك!
اتكأ على الصخرة المقابلة لها وهو يشير لها بابهامه:
_انتي صح.. لو رجعنا الارض هحاول أخد كورس كامل عن الطب البشري.
اغلقت عينيها بنومٍ:
_طب نام بقا متقرفناش.. كفايا الفرهدة اللي فرهدتهالي في الضرب بقالي كتير مجربتش اتعارك مع حد فالموضوع مرهق وأنا بحاول استعيد خبراتي بالكارتيه!
ذم شفتيه بحزنٍ:
_جوازة سودة.. وأنا اللي كنت خايف اتغفل من البنات الغريبة، اتسحلت من مسوكة ام اربعة وأربعين!
_بتقول حاجة يا مؤمن!
ابتلع ريقه برعبٍ وهو يشير لها بتوتر:
_بقول ربنا يسهلنا ونرجع بقا.. لأن الوضع هنا خارج السيطرة!
*******
توسطت الشمس كبد السماء، لتنير بضيائها الكهف المغلق، فتسللت خيوطها من الفجوات الصغيرة المحفورة داخل كهوف المغارة المجوفة، فصنعت ستارًا ضخم من الضوء المدموج بلون الطيف السبع، فصنعت جوًا من بهجة الألوان المثيرة، فاستعدوا للمغادرة الآن، كانت زاد تجهز مركبتها الخاصة بمساعدة فريقها، بينما ينتظرها يونس ومؤمن بالخارج، أشار مؤمن ليونس بالاقتراب، فدنى منه وهو يردد بتأففٍ:
_عايز أيه تاني؟!
ببلاهةٍ تشكلت ببسمته قالت:
_عايزك في موضوع كده على جنب.
بتحذيرٍ استطرد:
_لو موضوعك السخيف ده هزعلك.
هز رأسه نافيًا وهو يشير له بالتمهل لسماعه، مرت الدقائق ومازال يونس ينتظره يخبره بأمره الهام، فزفر بضيقٍ:
__يا ابني بقالك ساعة واخدني على جنب، ما تنجز وتقولي في أيه؟!
اجابه مؤمن وهو يتفحص الكهف من حوله:
_أنا حاسس اني اتسرعت في قراري!
رفع أحد حاجبيه بدهشةٍ:
_ قرار أيه؟
رد عليه ببسمة بلهاء:
_بالجواز من أختك.. أنت مش شايف الطلقات الزحلية اللي وقعنا وسطهم، دول يحلوا من على حبل المشنقة!
ابتسامة ماكرة تشكلت على وجهه، فابتلع رده القابع على طرف لسانه، وانسحب من أمامه والاخير يراقبه بدهشةٍ، الى أن تسلل الي مسمعه صوت زوجته:
_طلقة تشيلك من على وش الدنيا كلها يا بعيد.. بقى احنا مخطوفين هنا ومش عارفين هنرجع الأرض ازاي وانت شاغل عقلك بحريم زحل!
تراجع للخلف بذعرٍ حينما رأها تحمل أحد أسلحتهم المخيفة، فعلى ما يبدو الساعات التي قضتها بصحبتهم بالمركبة نجحت بانشاء علاقة متوقعة بينهم كونها تنحدر لنوع نسلهم المغرور، فاجبر لسانه الثقيل على النطق :
_بهزر معاه يا مسوكة… هبص على مين بس وأنا معايا طلقة الكرة الارضية كلها.
وأشار لما تحمله بفزعٍ:
_ بس ايدك السلاح لو طول هنطلع المشترى المرادي وانا والله معاد فيا حيل لأي انتقالات غير ممهدة!
هبطت زاد من المركبة لتجد ما يحدث أمامها، وما أثار دهشتها مراقبة يونس لهما ببرودٍ دفعها للصراخ به:
_أراك تستمع بمراقبة ابن عمك وهي على وشك التهام لحمه بسلاحنا!
وضع حبات المانجو الغريبة، التي تتشكل على هيئة عنقود العنب، فتناولها بتلذذٍ وهو يخبرها:
_أود لو امتلكت أختي الجرءة لفعل ذلك.. فهو يستحق بالفعل.
والقى جسده عن الصخرة المرتفعه، ثم نفض الغبار عن بنطاله واتجه للمركبة الفضائية الغامضة وهو يخبرها بتريثٍ:
_لا تقلقي.. سينضمون الينا بعد دقائق.
لحقت به زاد للداخل، وصعدت لمقعدها الرئيسي لقيادة المركبة، بينما جلس يونس للمقعد المجاور لها، يحاول استكشاف ما تفعله على الأدوات المهولة من أمامه، التفتت للخلف بدهشةٍ حينما وجدتهما يجلسان بالخلف بهدوءٍ تام وكأنهما لم يفتعلان شجارًا أوشك بهما القتل منذ قليل، عادت ببصرها تجاه يونس الذي ردد ببسمة ساخرة:
_هكذا نحن البشر لا نعني ما نفعله أو مقصد حديثنا المطعن!
فعلت زر تشغيل المركبة لتنطلق بهم وهي تخبره بسخريةٍ:
_كائنات مثيرة للشفقة!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زحليقة إلى زحل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!