روايات

رواية شط بحر الهوى الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سوما العربي

رواية شط بحر الهوى الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم سوما العربي

رواية شط بحر الهوى الجزء الثاني والأربعون

رواية شط بحر الهوى البارت الثاني والأربعون

شط بحر الهوى
شط بحر الهوى

رواية شط بحر الهوى الحلقة الثانية والأربعون

وقف يسد عنها طريق المرور للداخل ، لن يتركها ترحل إلا بعدما يعرف كل ما يريد ، شعور بوهيمى تملكه حينما قالت نادين ما قالت و تركته راحله يتلظى بنيران فكره.
لكنه الآن لن يتركها تبرح مكانها إلا بعدما ترضى فضوله بإجابه و معلومات وافيه و البعيده ك (الجبله) بالضبط ، تنظر له بلا مبالاة غير مبالية او مراعيه لحالته.
و هى كانت كذلك بالفعل لكن لنزد على كل ما سبق أنها أيضاً متشفيه فيه ، فهى و منذ سنوات كانت شاهده على كل ما سببه لتقى من أذى نفسى كبير جداً قد لا تحصوه الكلمات .
صك أسنانه و الغضب يتمكن منه كلما زاد صمتها و برودها ألا متناهى و هتف بحده : ما تردى عليا أنا من الصبح عمال اسأل نفس السؤال و أنتى مش بتردى .
كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت ببرود أكبر : هدى نفسك شويه ، أنت مش شايف إنك أوڤر زياده عن اللزوم.
تقوست شفتاه بازدراء و قال : أو يمكن انتى إلى بارده.
ببرود مقيت هزت رأسها نفياً و قالت : تؤ ، بالعكس .. أنا بتعامل طبيعي ، أنت الى مش طبيعي يا برو ، واحده و لا تعرفها أو تعرفك ، حد معرفه معدى من جنبك ، يفرق لك ايه إن كانت مرتبطه أو لأ ، مش تعقل الكلام قبل ما تتكلمه !
زاد غيظه منها ، خصوصاً و أن كلامها كله منطقى جدا و هو لا يسعه الرد عليها .
و مع صمته العاجز لوحت له بيدها و قالت : سورى ضياء مضطره أسيبك و أمشى القاعده هناك احلوت أوى ، خليك أنت هنا عد النجوم و لو خلصت حصلنى .
استادرت مولية ظهرها له و قد فشلت في كتم شماتتها فيه يراها واضحه في عيناها
فهتف عالياً يردد بغيظ : أستنى عندك .
إلتفت له مستغربه فسأل بشك كبير : أنتى مالك كده عامله زي ما تكونى شمتانة فيا.
جعدت ما بين حاجبيها و ادعت الإندهاش مردده : أنا ؟! و أنا هشمت فيك ليه ؟ أنت يا دوب بتسأل عن صاحبتى هو أنت كنت واقع فى غرامها و لا حاجة ؟! مش هو سؤال بس بردو يا ضياء و لا إيه ؟
تملكه الارتباك لثوانِ ثم رد بقوه واهيه : لأ طبعا ، ايه الى بتقوليه ده ، ده أنا لسه شايفها الصبح .
هزت رأسها و قالت بإستغراب: ما هو ده بصراحه إلى أنا مستغرباه ، سؤالك الكتير عنها غريب شويه
حمحم بإستدراك يردد : أحمم .. لأ أنا بس عشان…
قاطعته تكمل بدلاً عنه : عشان منعتك تقرب لها و قولت لك أنها ملكية خاصه مش كده !
صمت بإرتباك يوضح أن الإجابة نعم فابتسمت بظفر و أكملت : بس هى فعلا ملكية خاصه و أنا متوصية عليها جامد ، تقدر تقول كده أنى الحارس الشخصي بتاعها … عنئذنك بقا الأكل وصل .
غادرت و تركته و هو مستاء جدا من نفسه ، كيف ترك روحه و لم يتحكم فى تصرفاته إلى أن خرجت تصرفاته مثيره للإنتباه و أوصلته لأن يقف و يستمع من أحدهم حديث كهذا ؟!
من جيجى هذه و ما مدى جمالها حتى ، هى جميله و هو يعلم بل مذهله و لكن عادى .. يوجد منها الكثيرات ، يجب أن يتماسك ، لن يهتز عرش الأسد أبداً .
لذا اتخذ قراره بكل قوة و حسم و صار ناحية الطاولة واثق الخطى يمشى ملكاً و بنفس يردد أن لا جيجى و لا عشرة مثلها قد يهتز لها ضياء شداد .
بالفعل نفذ بمنتهى الحسم ، و تعمد تجنبها بل و تجنب النظر لها حتى، من تظن نفسها هذه ؟
فجلس لجوار كلارا المنتشيه و هى تشعر بعودة ضياء القديم ، ضياء المهتم و لا يلتفت لأى فتاه هن من يلتفتن عليه .
تقترب له و هى تهمس فى أذنه بغنج تحتك به بتحرش واضح و هو يبتسم يصغى لها ، يتفاعل معها و مع الحضور … إلا جيجى أو ( تقى) .
أما تقى فكانت تجلس و هى تلعب فى صحنها بشرود تتعمق فى التفكير دون النظر لائ أحد .
لما تغيرت نظراته و ولى أهتمامه عنها بعدما فعل صباحا؟!
أقتربت منها نادين هامسه بصوت بالكاد وصل لأذن تقى تردد : من أظهر تجاهلك عن عمد ، أعلم إنك تلمع فى ذهنه كالبرق ..
أنهت حديثها بغمزة خبيثة شريره جدا أرتفع على أثرها ضحكة تقى العالية و التى أرغمت ملك الغابة ذاك على الإنتباه لها دون إرداته .
تلتف رقبته بحده و كانت على وشك الإعوجاج و هو ينظر لرائف الذى قال و عينه تقطر قلوب : ضحكتك حلوه اوي يا جيجي ، تجنن ، زى ما كل حاجه فيكى تجنن .
أبتسمت له تقى بنعومه و قالت : شكراً جدا ، أنت كمان زوق أوى ، و شيك كمان .
و بابتسامة خبيثة سألت : أنت قولت لى إسمك إيه ؟
أتسعت إبتسامته و حاول الرد بقدر عال من الجاذبيه : رائف ، رائف شكرى الرومى .. أكيد تسمعى عنها .
جعدت ما بين حاجبيها مفكره ثم سألت: أستنى .. أنا سمعت الإسم ده قبل كده أنا متأكده .
كذلك أسترعى الإسم تركيز نادين التى حاولت التذكر معها و قالت بشك : كان معانا واحد في المدرسة بنفس الأسم أو العيله.
ثوانى و صرخت عاليا و هى تصيح كأنها أكتشفت سر عظيم : أاااه .. رامى الرومى .. كان معانا فى ثانوى .. مش الولد ده إلى كان بيحبك يا ت.. يا جيجى .
أتسعت عينا تقى محذره .. الغبيه كانت ستخطئ فى إسمها و تقول إسمها الحقيقي.
بينما هناك على رأس الطاولة شخص .. كائن حى تخرج الأدخنه من رأسه من كثرة ما هو مشتعل و يتصنع العكس ، يكظم غيظه خصوصاً و هو يستمع لحديثها اللين بطريقة مبالغ بها جدا من وجهة نظره و تصل لحد الميوعه تسأله عن إسمه و الاخر يجيب.
لكن إلى هنا و لم يتسطع التصنع بالا شئ أكثر ، من هذا المعجب بها و كانا بأى مرحلة ؟
رفع رأسه ينظر لهم و هم يتحدثون ، منشغلين عنه.. تقريباً نسوه.
و رائف يقول بإندهاش : غريبه .. ده إبن عمى .
فقالت تقى : بجد ؟ ده كان معانا فى ثانوى .
أغمض ضياء عيناه بنفاذ صبر ليفتحها على مصرعيها و هو يستمع تلك الحرباء تقول : مش معقول هو قريبك ؟ ده رهيب .. طب أنت عارف أنه كان مانع أى حد يقرب من جيجى ؟ و دايما يقول انه هو و هى مرتبطين.
و مع حديثها هذا ركز ضياء بعيناه على جيجى بنظره حارقه .
لكنه كان بالقوى الكافيه كى يستمر فى المحافظة على صمته و ثباته .
يستمع لرائف الذى قال : و انتو كنتوا كده فعلاً ؟
أبتسمت جيجى ساخره و قالت: أنا و لا كنت أعرف عنه غير إسمه بس ، مش عارفه ليه كان بيقول و يعمل كده ..هو فين دلوقتي و عامل إيه؟
تشنج فك ذلك الذى يترأس الطاولة بينما سألت نادين هى الأخرى: ايوه صحيح ده أختفى مره واحده و ما نعرفش عنه حاجه.
إلتف رائف يوجه حديثه لتقى يسأل : و أنتى مهتمه ليه كده ؟
زاد ضياء من الضغط على كأسه لو لم تكن بالمتانه الكافيه لتهشمت ، و كلارا تلاحظ ما يفعل .
حاولت تغيير الأجواء فاقتربت منه قائلة : الميوزك الى بتحبها شغاله ، إيه رأيك نقوم نرقص .
لم ينظر لها ، إكتفى بهز رأسه رافضاً ينظر لسطح الطاوله و كأن عقله يراوده بأن يقلبها على رؤسهم جميعاً خصوصاً تلك الظريفه ذات الصوت الناعم و الجسد الممتلئ الذى يثيره حتى و هو مختفى خلف الطاولة الضخمه .
و ظل على وضعه يستمع لهم و هم يتجاذبون أطراف الحديث إلى أن بادر واقفاً يعلن عن انتهاء وقتهم معه و أنه مل و سيغادر .
انتبه له رائف قائلاً : وقفت ليه ؟ دى السهره لسه فى أولها .
بكل الفخامة إلتى توجد فى العالم جمع أغراضه من على الطاولة و قال: مليت من الجو هنا ، هكمل سهرتى فى مكان تانى .
أنهى حديثه بغمزه متعمدة و هو يشبك يده بيد كلارا التى وقفت بأنف شامخ تطلع لهن بكبر و زهو .
يحاول التغاضى عن الغضب الثائر داخله ، فهى تنظر له عادى .
لم تحاول حتى تجنبه، لو تجنبته كما فعل لأطمئن أنه يمثل لها شئ ما لكنه لم يفعل.
من يثق فى نفسه لا يغار و لا يحقد ، لا يتعمد تجاهل أحد و لا حتى يتعمد إهانته .
لو أمتنعت عن التعامل مع شخص ما فهذا أكبر دليل على شعورك بالنقص لجواره ، لكن طالما أنك تتعامل و لا يوجد لديك أى موانع هذا يعني أنك لا تغير منه و لا تحقد و لو أمتنع هو فهو من يفعل و ليس أنت.
و هذا ما تأكد منه ضياء أثناء مغادرته المكان.. كانت تنظر له بلا مبالاة حقيقة.
جلس فى أحدى القاعات بالطابق السابع من السفينه و أمامه كلارا ترقص على الأنغام الصاخبه بالمكان و أصوات هتاف الناس متداخله معها و هم يرقصون … لكن هو بمكان أخر و تلك الأصوات العالية لم تمنعه من التفكير العميق .
و سؤال ملح يتردد داخله ، ماذا تفعل الآن و ماذا حدث بعدما رحل .
لكنه تمالك نفسه و لجمها بقوه ، لن ينهار عرشه أمام فتاة مجهولة الهوية بالنسبة له و لم يراها منذ كثير .
أنتبه على يد كلارا التى تجذبة كى يقف و يذهب للرقص معها فوقف معها متجاوب ، ربما سيفيده الرقص كثيرا فى هذه الحالة .
صباح اليوم التالى .
صعد لسطح السفينه ، لم ينم ليلته و لا يريد مواجهة نفسه عن سبب جفاء النوم له .. فترك كلارا و خرج ليشتم الهواء المنعش و يشاهد الشروق .
و ما أن صعد و تمشى قليلا حتى توقفت قدماه ، اوقفة منظر رائع كأنه لوحه مرسومة على يد فنان بارع من زمن بعيد .
فقد وقفت تقى أو (جيجى) و هى ترتدى فستان أبيض يتجسد على جسدها و يفصله بطريقه موجعه تضع على كتفيها شال من الصوف المشغول تتشح به عن نسمات الصباح البارده و كما شاهدها أول يوم كانت تستند بذراعيها على حافة المركب و ترفع رأسها لأعلى كى يداعبها الهواء و تشعر ببعض الحريه.. يطير شعرها الطويل خلفها بطريقه خلابه.
مظهرها المنعكس عليه أشعة الشمس خطف قلبه و أوقف تفكيره لكن ابدا لم يوقف خطواته التى بدأت تقترب منها و كأنه قد فقد سلطانه على جسده ، هو يسير إليها و كأنه مجذوب .
توقف بالقرب منها يراها و يشترب ملامحها التى كانت على بعض إنشات معدوده منه .
يمرر عيناه على شفتيها ، خديها ، وصولاً لعيناها المغمضة يبتسم دون إرادة منه ، معجب جدا بشعرها المذهل .
يبدو أن عطره قد سبق صوته ففتحت عيناها بتوجس تنظر له ببعض من الضيق و الإستغراب .
حمحم بإستدراك ثم قال: صباح الخير.
نظرت فى كل مكان ، تبغض النظر له ، وجودها وحدها معه يذكرها بأيام من طفولتها و مراقتها تحاول نسيانها .
استغرب فعلتها فقال من جديد بطولة بال لم يكن يعلم أنه قد يمتلكها يوماً : بقول صباح الخير ، إيه مش تردى عليا.
نظرت له و قالت بإقتضاب و وجه متجهم : صباح النور.
ثم استعدت كى تذهب ، أوقف خطواتها و قد ناقض العهد الذى اتخذه فى الليل و سأل و هو يقبض على ذراعها ببعض الحده لفعلتها التى لم يسبق و أن تعرض لها مع إحداهن : رايحه فين ؟ مش كنتى واقفه و لا إذا حضرت الشياطين .
بقوة كافية استطاعت القبض على كفه التى تقبض عليها و أزاحتها عن ذراعها و هى تكمل ببرود و ثبات : ذهبت الملائكة .
أتسعت عيناه بصدم ، أعطتها له فى منتصف الجبهة ، ود سبها بكل أنواع السباب التى يعلمها و هى تسير بلا مبالاة مغادرة على فعلتها الأكثر من وقحه لكنه لم يستطع ، لسبب ما لم يستطع.
وقف يكور يده من الغضب و هو يقرر العودة مره اخرى لتجاهله لها ، لقد تمادت كثيراً ، بالتأكيد تريد لفت نظره بأفعالها ، يعرف تلك التصرفات جيداً ، أكثر من فتاة تعمدتها معه ، إذا سيريها .
لا يعلم أنها تجلس على الجهة الأخرى من المركب ، تتذكر لمحات من أيام صباها و وهى شارده تنظر للمياه..
عودة بالزمن قليلا.
على حمام السباحة الكبير بقصر عائلة شداد كانت تجلس و هى تقرأ إحدى رواياتها الحالمة ، تغوص معها فى عالم جميل ينسج لها بعض من الخيال مما تتمنى أن تعيشه مع بطل حكايتها المستقبلى .
شعرت بالكرة تقترب منها من حيث لا تدرى حتى توقفت عندها ، نظرت لها مبتسمه ، إنها كرة ضياء الجديدة جلبها له خالها عاصم من سفرته الأخيرة و قد سمعت أن أحد أساطير الكره فى أسبانيا قد وقع عليها بنفسه و كانت تريد رؤية توقيعه و ملامسة تلك الكرة كثيرا لكن لم ترغب فى طلبها من ضياء فهو بلا زوق او أدب ، و قد تربى على الدلع الزائد ، قليل الزوق إلى درجة كبيره و عصبى.
لذا فهذه هي فرصتها ، عضت على شفتها بضحكة شريرة و تمطأت بجسدها قليلاً حتى إستطاعت جلب الكرة و تناولتها بين يديها تديرها يميناً و يساراً بفرحه شديده تحاول قراءة ما دون عليها فعلياً بحروف أجنبية لكن الكلمات لم تكن إنجليزية لذا ظلت تقرأها لفترة ولم تستطع.
لتنتفض فجأة على صوت ضياء و هو يصرخ عالياً : عم عوض ، يا عم عوض ، كل ده بتدور عليها ، أتفضل لاقيها لى حالاً .
توقف خلفها بصوته و هو يقول: أوووف .. هو أنتى.
تقدم منها و أنتشلها من بين يديها فأنتفضت واقفه بفزع لتتفاجئ بوجود أحد أصدقائه القدامى يقف بجواره و هو يضحك عليها ساخراً ، تزداد ضحكته السمجه مع زيادة توبيخ ضياء لها خصوصاً حين قال : أنتى يا مقرفة إنتى إزاى تمسكى حاجه بتاعتى .
تجمعت الدموع في عينيها و قالت : أنا مش مقرفه و ما عملتش فيها حاجه أنا كنت عايزه أشوفها بس .
صرخ فيها عاليا و قال : لا مقرفه روحى شوفى شكلك فى المرايه ، شوفى شعرك المعفن و لا جسمك المفشول يا تخينه يا عجلة .
زاد فى بكائها من كلماته خصوصاً مع إرتفاع ضحكات رفيقه و صرخت فيه : أنا مش تخينة و مش عجلة و أحترم نفسك بدل ما أقول لجدى .
اقترب منها بغضب و تطاولت يده عليها فبدأ بضربها بكفه على أكتافها و خصرها بعشوائية يردد : لأ تخينه و شكلك يقرف .. ده انا بتقرق أكل معاكى على نفس السفره .. إنتى بتهددينى يا بت انتى.. مش كفاية سايبك عايشه فى بيتى ، أنا إلى هقول لجدى يمشيكى من هنا ، جتك الأرف عيلة باردة .
كانت تتلقى ضرباته و هى تبكى بصمت ، لم يكن لديها جرئة أو كما يقال ( لم يكن لديها عين) لترد له ما يقول ، هى بالأساس كانت فتاة خجوله و لم تكن يوما سليطة اللسان ، والدها هو من رماها هنا مع أمها التى لم تستجب لها يوماً فى العيش بشقة وحدهم مع أنها تمتلك القدرة المادية على ذلك ، بكت بصمت و قهر و هى تستمع لصديقه يقول: حرام عليك يا ضياء دى بتعيط .
أشاح ضياء برأسه لكى يتحرك معه و هو يقول : بتعيط إيه و هى دى عندها دم أصلا دى عيلة دمها ساقع زي شكلها ، قسماً بالله لأوريها .
إلتف ينظر إليها قائلاً : إنتى يا بت انتى.. لو شوفتك بس هوبتى من حاجه بتاعتى تانى أو لمستيها بأيدك أنتى حره … و مش هتقعدى معايا على سفرة واحده و أنا هقول لجدى كده .
و بالفعل ذهب لجده الذى نفذ رغبته.. كان شداد يحبها لكنه يحب ضياء أكثر و هو فى المرتبة الأولى و الأهم فنفذ طلب ضياء و راضى هو تقى بكلمتين ظناً منه أنها طفلة و ستنسى لكنها أبدا لم تنسى و منذ ذلك اليوم لم تجتمع مع جدها او عائلتها على مائدة واحدة حتى بعد سفر ضياء ليدرك الجد أنها حتى لو كانت طفلة فهى شخص.. كائن حى يشعر بل على العكس تماماً فتلك الموافق بذلك العمر لا تنسى و تساهم في تكوين شخصية البنى آدم و هذا ما حدث مع تقى تماماً.
عادت من شرودها على صوت نادين التى جلست لجوارها تمسح دموعها و هى تقول: حاولى تنسى يا حبيبتي.. قومى معايا يالا عشان الفطار .
هزت تقى رأسها برفض و قد تجمعت غصة مريرة بحلقها و صدرها.
لكن نادين لم تتركها لذكرياتها تبتلعها و تتغلب عليها بل وقفت تشدها بقوة و هى تقول: مش بمزاجك ، هتقومى يعنى هتقومى يالا كلهم مستنينا تحت .. القعده فى دوشة و وسط ناس أكيد هتنسيكى الذكريات الوحشة دى كلها .
ذهبت معها مرغمة ، ربما تنسى بالفعل ، لكن يبدو أن القدر يعاندها ، أو تقريباً يعالجها بالصدمة فعلى كل تلك الطاوله الطويله العريضه لم يتبقى سوى مقعدان على طرف المائدة التى يترأسها ضياء كالعادة .
و جلست نادين بأحد المقاعد تاركه لها المقعد الملاصق له متعمدة.
بدأ يأكل بواطن فمه من الداخل فى محاولة منه للتغاضى عن الغيظ النابع داخله و هو يراها تقف مترددة و كأنها لم تكن تحبذ الجلوس بجواره .
تتقدم ببطئ و كأنها تغصب نفسها على ذلك إلى أن جلست بالفعل و عينها لا تفارق الصحن الفارغ أمامها.
نظرت لها كلارا بغضب ، لا يخفى عليها تصرفات ضياء الجديدة كلياً عليها و على من يعرفه ، مستاءه و مستغربه من تأثره السريع بها .
أقترب النادل يضع لكل منهم الطعام فى صحنه و هى تشعر برائحة ضياء تقتحم صدرها مختلطة برائحة الطعام الذى كان يرفض تناوله معها مسبقاً و كأنها تحمل مرض جلدي معدى يمر عليها شريط سريع من الذكريات و هى تجلس فى غرفتها و تدخل عليها الخادمه تضع لها الطعام و عيناها يفوح منها نظرات الشفقة على تلك الطفلة المسكينه التى تحكم فى طعامها و شرابها ذلك المراهق .
دمعة ساخنة فرت على وجنتها و صوت بعض الحضور يشجعونها على البدء في تناول الطعام مع صوت نادين الذى أختلط بصوت رائف و الكل يردد : كلى .. كلى.
لم تدرى أى حالة تلبستها و هى تنتفض صارخة بقهر مخزون تقلب صحنها بمحتوياته الساخنه على ملابس أول شخص يجاورها ثم تركض من المكان.
انتفض عن كرسيه ملسوع بما سقط عليه و كلارا قلقة جدا عليه تردد : يتوجعك حبيبى ؟ البنت دى متخلفة انا قولت كده من بدرى.
وقفت على الفور نادين تدافع عن صديقتها فنشب العراك على الفور بينهما و هو غادر سريعاً ليرى ما أصابه و يبدل ملابسه .
ليراها و هى مازالت مستمرة فى الركض قاصدة الغرفة التى تسكنها هى و نادين .
دلفت و أغلقت الباب خلفها بقوه ثم سقطت على السرير تبكى بقوة أكبر.
لتنتفض على يد غليظه ترفعها ، نظرت مجفلة لتجد ضياء أمامها ينظر لها بإستغراب ثم سأل بلا أى مقدمات: انتى تعرفينى من قبل كده ؟
أتسعت عيناها برعب ، هل عرفها ؟؟
___________________
أستيقظت بفزع على فراش وثير بغرفه لا تعرفها ، بدأت تلتف حولها يميناً و يساراً لا ترى أى شىء قد يفسر او يوضح أين هى .
خرجت من الغرفة حافية القدمين تسير فى رواق صغير و بنهايته نافذة حين وقفت فيها رأت البحر مباشرة أمامها .
فاتسعت عيناها برعب ، متى و كيف أتت هنا ، أخر ما تتذكره حين انشق بها هارون عن مركب لمى و ذهب بها للطبيب .
إلتفت سريعاً إلى حيث الدرج المؤدى للطابق الأرضى ، ظلت تتلفت حولها و تبحث يميناً و يساراً حتى وجدته يجلس على أحد المقاعد حول مسبح صغير يتأمل الصباح الهادئ بشرود .
أنتبه على صوتها و هى تصرخ : مين الى شالنى و جابنى هنا يا إبن الصواف ؟
وقف عن كرسيه يصد هجوما الشرس عليه يكتف ذراعيها و يلوهما خلف ظهرها جاعلاً إياها تلتف رغما عنها و أصبح ظهرها مقابل صدره و هى تتحدث بغيظ من بين أسنانها : و كمان بتكتفنى ، بتستقوى عليا؟
همس لجوار أذنها يردد : أيوه ، إفترى ، نوع من أنواع القهر النسوى .
حاولت إفلات يدها و ضربه بها و هى تقول من بين أسنانها: رد بقولك مين جابنى هنا ؟
تخلى عن القوة و الضغط على جسدها و ضمها له بحنان شديد يتمايل بها يميناً و يساراً مردداً بحنان و هو يدفن رأشه بعنقها مدمداً بتلذذ : و هو مين ده اللي يقدر يقرب منك و يلمسك أو يشيلك غيرى يا حبيبة هارون .
حاولت الخروج من سحر لمساته تردد بحدة واهيه: و انت مين إلى إدالك الحق ده ؟
رد عليها بخمول أثر عناقه لها : أنتى يا روحى ، نسيتى أنك مراتى و لأ ايه ؟
غنوة : الغريبة يا هارون إنك أنت الوحيد إلى شايف إن إحنا كده متجوزين و أنى مراتك .
فرد بثقة كبيرة : عشان العقد الموثق إلى ما بنا ، أصلى نسيت أقولك أنى وثقته خلاص ، و فوق كل ده الجواز إيجاب و قبول و انتى موافقة تتجوزينى يا حياتى ، فاضل بس الإشهار ؟ اعملهولك .. سهله.
ضربته بيده التى أفلتها بمزاجه تقول : يا نهار اسود ، وثقت العقد ازاى ، و بعدين مين دى الى موافقه تتجوزك ؟
لفها له بحيث أصبحت فى مواجهته فقال : إنتى يا غنوة بتحبيني و عايزه تتجوزينى ، ما شوفتيش نفسك بتبقى عامله إزاى و انتى معايا! فاكره آخر مره كنتى معايا فى أوضتى ؟
اهتز فكها من العيظ فدفشته بيدها فى صدره ليرتد خطوة للخلف و هى تقول : كنت عارفه إنك هتعايرنى بيها فى أول خناقه.
تقدم منها يقبض على وجهها قاصدا هز فمها بالخصوص و يقول: هو دهو سبب كل مشاكلنا مع بعض ، لسانك…و حاسس إننا لو قطعناه ممكن حياتنا تبقى الفضل و الجوازة الجملى دى تتم بقا .
ثم أستكمل بغيظ يقول: هو ده كلام تقوليه ، ليه كل الكلام بتقلبيه و تحويله عشان أطلع غلطان و غرضى وحش ، و لا يمكن حبيبتي تغلوشى على حقيقة بتصدمك كل مره ، خدى بالك من كلامك مايصحش تقولى كده ابدا انتى مراتى يا أستاذه.
نفضها عنه ببعض العنف يقول و هو يشير عليها بتحذير شديد: و يكون فى علمك ، أنا جبتك و جيت هنا عشان ننهى الموضوع ده.
وضعت كفيها على كتفيها كأنها تحمى نفسها و سألت : أنت قصدك إيه ؟ هتغتصبنى ؟
أبتسمت لها ببرود و قال : ما هو أنا هتمم الجوازة يعنى هتمم الجوازة فلو أنتى ماسبتليش حل غير الإغتصاب ف يا أهلاً بالمعارك .
حاول وئد ابتسامته الناتجة عن رعبها ثم قال: أنا رايح أعمل لنا أتنين نسكافيه عشان نتكلم بعقل و زى الناس ، و اتمنى أن ده يحصل بدل ما يبقى إغتصاب بطعم النسكافية ، أنتى حره بقا .
غادر سريعاً و تركها متسعة العين تفكر فى كلماته و تهديده الصريح .
ثم اتجهت للداخل كى تتعارك معه ، من هو ليهددها ، يعنى سارق لقلب والدها و أيضاً يددها ما هذه البجاحة .
لكن بينما هى تتقدم للداخل استمعت لصوت جرس الباب مع دقات عاليه يبدو أن الطارق متلهف جدا كى يفتح له الباب.
وقفت و لم تتحرك فتقدم هارون و قال : مش سامعه الخبط ، ما تفتحى .
كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت: و أنا مالى ، عيب ، و بعدين أنا ضيفه هنا و ياريت أتعامل معاملة الضيوف أنا مش خدامة عندك عشان افتح للى يخبط عليك الباب.
هز رأسه منها و تقدم نحو الباب يفتحه و هو يقول: ده هيبقى إغتصاب و قص لسان ، أتنين فى واحد يعنى.
أنهى حديثه و هو يستمع لصوت صرخة نسائية قادمة من فتاة شقراء تشبثت بأحضانه على الفور تردد : هارون حبيبى ، ما صدقتش لما لاقيت عربيتك برا ، مش كنت تقول إنك جاى .
حاول أبعادها عنه ليرى حتى من هذه غافلاً عن تلك التي تغلى خلفه و تقدمت هى تعفيه من تلك المهمه و تنفضها بغضب بعيداً عنه مردده بصراخ : اييييه إلى بيحصل قدامى ده ، مين دى ؟
وقفت تلك الشقراء بترنح تنظر لغنوة بإذدراء ثم سألت : مين دى يا هارون.. شغاله جديده ولا كنت جايبها تيات معاك ، طيب كنت كلمنى بدل ما زوقك إنحدر كده .
فلم تستطع غنوة السيطرة على ردود أفعالها و هجمت على تلك الفتاة (تنتف) لها شعراتها التى تتباهى بها و هى تسبها و تنعتها بكل انواع السباب و هارون يقف خلفها يرقص من الفرحه حتى أنه حاول الفصل بينهما لكن ذلك المشهد يفرحه جدا فتركه يستلذ به قليلا و هو يشاهد غنوة تهم بإلتهام تلك الفتاه التي لا يتذكر إسمها حقا للأن .
_________________
جلست زينب بحرج على مائدة الإفطار و لأمامها فى المقابل يوسف الذى يحاول تجنب النظر إليها و الضيق واضح جدا على ملامحه .
تتذكر ما حدث بالأمس.
عودة بالزمن قليلا.
صرخت بأعلى طبقة صوت قد تصل إليها فى يوم و هو إرتد للخلف متفاجئ من فعلتها و صراخها الذى تجمع له كل سكان المنزل و الكل مصدوم أيضا مما يحدث ، الصدمة الأكبر هى كيف و متى عاد يوسف .
نور : يوسف حبيبى . . مش معقول .. جيت أمتى .
يحيى : جيت إمتى و ما قولتش ليه إنك جاى .. و عملت ايه للبنت ، هى بتصوت ليه ؟
فصرخ هو فيهم : مييين دى و بتعمل هى إيه فى أوضتى أصلا ؟
حاول يحيى إحتواء الموقف و قال: أهدى يا يوسف ، إحنا ما كناش متوقعين ابدا أنك ممكن ترجع دلوقتي أصلاً ف هى أخدت أوضتك.
هز يوسف رأسه بعدم تصديق ثم قال: ايوه بردو مين دى و بتعمل ايه هنا.
وقفت زينب عن فراشها و هى تشعر بالحرج الشديد فى موقف و لا أبشع تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها تقول : أنا أسفه أنا همشى دلوقتي مش عايزه اتسبب فى مشاكل .
و فرت دموع عيناها رغماً عنها ليشتعل غضب يوسف و يراها تبكى و لم يمسها أحد من الأساس فهتف عالياً بغضب : هى بتعيط ليه أنا عايز أفهم هو حد كان جه نحيتها ، هى هتلبسنا تهمة .
زاد نحيبها فقال يحيى : أتكلم كويس يا ولد ، البنت حساسة جدا … تعالى يا زينب معايا تعالى .
حاول جذبها يخرج بها من الغرفة فى الذى تقدمت فيه شقيقته الاخرى تخبره من هذه ليردد : هى ناقصة فلاحين فى البيت ، انا قولت ده خبث فلاحين من أول نظرة.
سقطت كلماته على أذن زينب كالسهام الحارقة و إلتف يحيى و قال بغضب : لم لسانك يا ولد بدل ما أجيلك .
عادت من شرودها على صوت نور التى تجلس لجوارها و تحسها على تناول أى شىء من فطورها .
بينما على الجهه المقابله جلس يوسف ممتعض الملامح و لجوراه الأخت الأكبر من نور و التى تشاركه نفس الإمتعاض .
قطع كل ذلك الصمت صوت يحيى الذى قال يتروى : طبعاً مش محتاج أقول إن ماحدش يجيب لعمكم عبد العزيز سيرة عن إن يوسف رجع .
لكن زينب قالت: ماعلش أعذرنى يا عمى ، بس انا فضلت أستنى للصبح عشان إقدر أتحرك ، و لو كان ينفع أمشى فى الليل كنت عملت كده بس صبرت نفسى و قولت الصباح رباح .
لتستمع إلى تمتمات يوسف الجانبية مع شقيقته : أيوه أمثال المصاطب بدأت أهى … أوووف أنا لو كنت أعرف كده ما كنتش جيت .
أبتعلت غصة مريرة بحلقها و إلى هنا و لم تستطع التحمل فوقفت تقول : متشكره جدا يا عمى على استضافتك ليا إمبارح و على الفطار كمان ، أنا مجهزة شنطتى من إمبارح و همشى دلوقتي… عنئذنكم .
همت لكى تتحرك مغادرة لكن صدح صوت قوى خلفها يردد بحدة : إستنى عندك ……
******★

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شط بحر الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى