رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل السابع عشر 17 بقلم نورهان العشري
رواية ذنوب على طاولة الغفران الجزء السابع عشر
رواية ذنوب على طاولة الغفران البارت السابع عشر

رواية ذنوب على طاولة الغفران الحلقة السابعة عشر
الإثم السابع عشر ❤️🩹 بعنوان ” آثام الماضي وضحايا الحاضر”
لم اعتد يومًا على المبالغة.. بل كنت أتجنب الكثرة في كل شئ! في الحزن ، الغضب ، التعلق و حتى في الفرح و لكن معكِ تخليت عن خارطتي التي كنت امشي على نهجها طول حياتي ووجدتنى غارق في الكثير من الحب ، اللهفة و الشغف. و هنا بدأت معاناتي فـ على قدر كثرة شعوري نحوك كان ألمي عظيمًا وجراحي غائرة وأبواب الغفران مصفدة بسلاسل الكبرياء الذي يقف معاندًا أمام ثورة قلب لا يبغي سواكِ. سلاحه الوحيد عشق أهوج يجتاحني كطوفان لا اقدر على مواجهته أو الفرار منه، و بنهاية تلك الحرب الضارية أجد نفسي أمام حقيقة ثابتة..
أنني أريدك و بشدة. فما الحل ؟؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تفشى الصمت كالعدوى التي انتقلت لجميع من بالغرفة فقط أعين جحظت من فرط الصدمة و أنفاس متلاحقة من هول ما سمعت لينتفض عز الدين من مكانه وهو يقول بحدة
_ انت بتقول ايه يا ولد؟
تنبهت نبيلة حين سمعت جملته لتهتف بانفعال
_ مين دي يا عمر؟ و جواز ايه ؟ انت اكيد بتهزر!
لم تتغير ملامحه و كذلك نبرته حين أجابها بجمود
_ قولتلك شروق بنت عمتي نسمة بقت مراتي. ايه مسمعتيش ولا ايه؟
جملته أضرمت نيرانًا هوجاء داخل صدرها مما جعلها تهتف صارخة
_ و كمان بتعيدها تاني. حرام عليك . بتعمل فيا ليه كدا؟ ملقتش إلا دي تتجوزها! ملقتش إلا أنت نسمة يا عمر! عايز تحرق قلبي ليه ؟ حرام عليك.
كانت الشماتة تتساقط من عيني سعاد التي بنبرة حادة كالسيف
_ مالها بنت نسمة يا نبيلة! مش عجباكي! وانت يا عز الدين عادي كدا تتكلم عن اختك ! يا خسارة والله.
لم تدع المجال لأحد بالحديث حين صرخت بعنف
_ أنتِ السبب. أنتِ اللي مليتي دماغه و خلتيه يعمل عملته عشان تحرقي قلبي.
اقترب عز الدين من زوجته يحتضنها وهو يقول بعتب
_ نبيلة مقالتش حاجه وحشة عن نسمة يا أمي. نبيلة زيها زيي و زيك مش عاجبنا اللي عملته زمان، و خلت راسنا في الطين. متجيش تلوميها على أخطاء غيرها. أما انت فلو مُصر عالبنت دي يبقى تخرج من بيتي و مش عايز اشوفك وشك فيه تاني.
أوشك عمر على الحديث، فلم تمهله سعاد الوقت لذلك لتتحدث هي بنبرة جافة قاسية
_ دا مش بيتك لوحدك. البيت دا بيتي و بيت بنات نسمة الله يرحمهم. كلنا لينا فيه، ولو هنقسمها نسب يبقى انت أقل نسبة فينا، فلو حد هيخرج يبقى انت و مراتك، و بصراحة بقى تبقى أحسن حاجه ممكن تعملوها في حياتكوا.
نبيلة بانفعال
_ أنتِ بتقولي ايه؟ دا بيتي و بيت ولادي. نسمة ملهاش في اي حاجه.
سعاد بصراخ
_ نسمة ليها فيه وأنتِ اللي ملكيش ولا شبر هنا. ورثك هناك الناحية التانية ابقي روحي خديه من اخواتك.
عز الدين بانفعال
ـ كفاية افترى بقى يا ماما لحد كدا. انا نفسي اعرف نبيلة عملت فيكي ايه عشان تكرهيها الكره دا كله.
تجاهلت سعاد حديثه لتقول بنبرة شامته
_ انا مبكرهش حد، و لو كنت بكرهها مكنتش هكتب لابنها نصيبي كله. كدا ولا ايه يا بلبلة!
برقت أعيُن الجميع من حديثها ليهتف عز الدين دون وعي.
_ يعني ايه كتبتيله نصيبك كله!
سعاد بجمود
_ يعني عمر له بقى شريكك في كل حاجه و أولهم الشركة بنسبة خمسة و خمسين في المية. و له نص القصر و كل شيء بنملكه. شوفت بقى انا بحبك انت و مراتك قد ايه!
لم يدع عمر لهم المجال لاستيعاب ما حدث انما امتد ذراعه ليُحيط به كتف شروق وهو يقول بجمود
_ انا هاخد شروق واطلع نريح شويه في اوضتنا، ولو حد حابب يتعرف على مراتي هو عارف الطريق.
أنهى جملته و التفت إلى جميلة التي كانت تقف في الخلف كعصفورًا خائف بل مرتعب ثم قال بابتسامة صادقة
_ و دي جميلة اخت شروق. ياريت تخلي حد من الخدم يفتح اوضة عمتي نسمة الله يرحمها و ينضفها عشان جميلة حابه تقعد في اوضة مامتها.
كان كل هذا يحدُث أمام شروق التي أتقنت رسم الجمود في عينيها و على ملامحها و كأن ما يحدُث لا يعنيها، ولكن في الحقيقة فقد كانت مُستمتعه بمشاهدة ملامح كُلًا من عز الدين و نبيلة التي كان البُغض يتجلى كالشمس في عينيها لتبتسم شروق بتهكم قبل أن تلتفت ناظره إلى عمر وهي تقول بهدوء
_ ميرسي يا عمر.
أعطاها ابتسامة مُطمأنه قبل أن يلتفت إلى سعاد وهو يقول بجمود
_ يالا عشان تطلعي اوضتك تريحي شويه قبل الغدا.
التفتت سعاد إلى جميلة قائلة بحنو
_ اطلع انت مع عروستك جميلة هتطلعني و تقعد معايا لحد ما يجهزولها اوضة الغالية.
لأول مرة تقف مكتوفة الأيدي أمام شيء بل أكثر الأشياء بغضًا إلى قلبها. هي التي كانت تُسير الجميع كيفما تشاء تقف عاجزة أمام ما يحدُث في بيتها مع ولدها الذي كان سلاحًا فتاك قسم ظهرها، و اذاقها ويلات ما أذاقته لغيرها بيوم من الأيام، ولهذا لم تستطِع الاحتمال إذ صرخت بقهر
_ لاااا. اكيد انا بحلم. استحالة يكون دا حقيقي.
اقترب عز الدين من زوجته يُحيطها بذراعيه وهو يقول بقلق
_ اهدي يا حبيبتي. كل حاجه و ليها حل متقلقيش.
دفعته نبيلة في صدره وهي تقول بانفعال
_ اسكت. انت السبب في كل اللي بيحصل. لو كنت سمعت كلامي من البداية مكنش دا كله حصل واديني بدفع التمن اهو. ابني بيعصاني و امك بتستخدمه سلاح عشان تكسرني بيه.
عز الدين بتوتر وهو يحاول الاقتراب منها
_ انا ذنبي ايه بس، وبعدين ابنك هو اللي عليه كل اللوم مش امي. أنتِ عايزة تقنعيني انه بيسمع كلام حد غير نفسه.
أخذت تدور حول نفسها وعقلها يغلي من شدة الغضب، ولازالت غير مستوعبة ما حدث ليأتي صوت هايدي القادمة من الخارج وهي تقول باستفهام
_ مالك يا ماما في ايه؟
توقفت نظرات نبيلة فوقها لثوان قبل أن تقول بغل
_ الست هانم جدتك. جوزت عمر لبنت بنتها اللي هربت مع واحد زمان و حطت راسنا في الطين و دلوقتي هي جايبة بناتها و عايزة تحطها فوق راسنا.
هايدي بصدمة
_ بتقولي ايه يا ماما؟
نبيلة بانفعال
_ اللي سمعتيه. اخوكي اتجوز واحدة و التانيه فوق مع جدتك بيخططوا ازاي يخرجونا من البيت دا.
تبدلت صدمة هايدي إلى غضب كبير تجلى في صراخها حين قالت
_ الكلام دا لا يمكن يحصل أبدا. لو حد مفروض يخرج من هنا يبقى هما.
أنهت جملتها وهي تتوجه إلى الأعلى قاصدة غرفة جدتها، فتقدم عز الدين ليمنعها، ولكن أوقفته يد نبيلة التي قالت بجفاء
_ سيبها. خليها تعرفهم أن قعادهم في البيت هنا مش هيكون بالسهل، أن كان عمر في صفهم، فاحنا ضدهم..
في الأعلى كانت عيني سعاد منصبه على جميلة التي تجلس منكمشة على نفسها بخوف، وكأنها دخلت بيت الأشباح مما جعل سعاد تقول بنبرة حانية
_ قربي مني يا جميلة.
ناظرتها جميلة لثوان قبل أن تقترب منها لتجلس على المقعد بجوارها، فمدت سعاد يدها لتحتوي يدها الباردة قبل أن تقول بحنو
_ انا عارفه انك مخضوضة و خايفة و حقك بعد اللي شفتيه تحت. بس نصيحة مني اوعي تبيني خوفك أو ضعفك لحد. عشان الناس مش هتتردد تستخدمه ضدك.
جميلة بخفوت
_ انا متخيلتش أن الناس هنا عامله كدا أبدًا. كنت بلوم على شروق لما خدتنا بعد موت بابا و مشينا عشان متعرفوش توصلولنا بس طلع عندها حق.
سعاد بنبرة صارمة
_ غلط. الهروب وانكوا تسيبوا حقكوا دا مش حل. هتهربوا مننا و من غيرنا و بعدين؟ هتقضوا حياتكوا كلها كدا! مش هتعرفوا تستمتعوا بحاجة. طول ما معاكي الحق خلي عينك قوية.
لم تكد تنهي جملتها حتى تفاجئت باقتحام الغرفة من قبل هايدي التي وقعت نظراتها الغاضبة على جميلة التي انتفضت حالما رأتها لتهتف هايدي بسخرية
ـ هي دي بقى اللي مفكره نفسها هتقدر تاخد مكان أسيادها !
تفشى الذُعر بجسد جميلة من كلمات هايدي لتتدخل سعاد قائلة بحزم
_ اخرسي يا بنت، و اتكلمي مع بنت عمتك عدل. أسياد مين يا ماما! فوقي، وكلام امك دا مسمععوش تاني.
هايدي بحنق
_ ايوا أسيادهم. ولاد نبيلة الوتيدي أسيادهم يا تيتا و مهما عملتي مش هتساوينا بيهم، و لازم يعرفوا أن نبيلة هانم هي ست البيت دا، و أنهم مش مرغوب بيهم فيه.
سعاد بنبرة أحد من السيف
_ الكلام دا تقوليه لما اموت. غير كدا مسمعهوش منك. البيت دا بيتي، و لو مش عاجبك خدي امك و ابوكي و امشوا منه، واللي بتقولي عليهم أنكوا أسيادهم ليهم في البيت دا اكتر منكوا.
ما أن أوشكت على الحديث حتى تفاجئت بصوت عمر القادم من الخلف
_ صوتك جايب اخر الشارع ليه؟
التفتت هايدي قائلة بغل
_ اهلا يا دكتور عمر. معلش بس أسألك سؤال! هو لو ماما دي جرالها حاجه هتبقى مبسوط!
اصابه هذا الاستفهام في مقتل، ولكنه لم يُظهِر تأثيره عليه بل أجابها بنبرة باردة
_ وأنتِ بقى مين عشان تسأليني السؤال دا!
هايدي بسخرية
_ اختك لو كنت نسيت.
عمر بسخرية
_ تصدقي فعلا نسيت، و واضح أن أنتِ كمان نسيتي. بس انا هفكرك. لو صوتك علي عليا تاني هقطعلك لسانك. دا أولًا.
أوشكت على الحديث، فأوقفها اصبعه الذي رفعه للأعلى ليوقفها عن الحديث وهو يتابع بجفاء
_ ثانيًا لا أنتِ ولا اي حد يجروء يحاسبني على اي شيء بعمله دي حياتي وانا حر فيها. ثالثًا شروق مراتي و احترامها من احترامي، و جميلة نفس النظام واي حد هيفكر يضايقهم هيواجهني. كلامي مفهوم!
قال جملته الأخيرة بنبرة عاليه دوى صداها بأؤجاء القصر الكبير، و كأنه أراد من الجميع سماعها ليأتيه صوت نبيلة القاسي من الخلف
_ مفهوم. طبعًا مفهوم يا دكتور عمر. بس الكلام دا يمشي عالكل إلا انا. عارف ليه؟ عشان أنا امك، ولما تخرج عن طوعي مش هتردد ثانيه اني ارجعك تاني للطريق الصح.
أنهت جملتها ثم قامت برفع يدها و هوت بقوة فوق خده ليدوي صوت صفعتها في أرجاء المكان لتتعالى شهقات الجميع حولهم بينما التفت عمر يناظرها بأسى احتل قلبه منذ سماعها وهي تخطط للتخلص من جدته، و ضاعفته فعلتها معه، ولكنه لم يُفصِح عما يدور بداخله بل تحدث بجفاء اذهل الجميع
_ الطريق الصح دا أنا من نفسي همشي عليه لما اشوفك ماشيه عليه. انا ماشي على نفس نهجك بالظبط. بس أنتِ اللي مش واخده بالك عشان اللي بعمله مش على كيفك، و اللي قولته هيمشي على الكل هنا، وإلا رد فعلي هيضايقك أكتر.
أنهى جملته و توجه إلى الأسفل ثم إلى الخارج وبداخله يلعن كل شيء و أولهم انتمائه لهذه العائلة.
★★★★★★★★
برقت عين رحيم و تسارعت أنفاسه حين شاهد ذلك الوشم فوق قدم ضي التي كانت ترتدي فستان بيتي يصل طوله ما بعد ركبتيها بعدة سنتيمترات، فظهر له ذلك الوشم الذي رأى مثله فوق أقدام جثث الفتيات، ولكنه سرعان ما تدارك صدمته ليقول بتفكير
_ طب ازاي؟ و اشمعنى هي؟ لو دي بتها فعلًا ليه الوشم دا على رچليها؟
اندهش مطاوع لحديثه وقال بعدم فهم
_ في ايه يا واد عمي؟ وشم ايه وبت مين؟
رفع أنظاره مرة أخرى إلى ضي التي تحاول تهدئة والدتها و التي ظهر وجهها بوضوح ليتأكد من أنها هي المرأة التي يبحث عنها، فتسارعت أنفاسه وهو يقول بوعيد
_ يا بت الرفدي. جاعدة اهنه كلات دا وسيبانا بندوروا عليكي كيف المچانين!
مطاوع بنفاذ صبر
_ في ايه يا راچل انت؟ ما تجولي بتبرطم تجول ايه؟
زفر رحيم بحدة قبل أن يقص عليه كل شيء إلى أن اختتم حديثه قائلًا بغل
_ هي دي الولية اللي بندوروا عليها، و بإذن الله دي اللي هتچيب رجبة الكلب رماح. اني لازمن ابلغ محمد بيه.
داخله شيء يخبره بأن هناك الكثير من الألغاز حول هذه الفتاة التي لا يعلم لما شعر بالشفقة عليها، ولكنه تجاهل شعوره نحوها مُذكرًا نفسه بأنها مجرد وسيلة ليصل إلى مُبتغاه وها هو قد وصل إليه، و لن يتراجع عن ما انتواه مهما كلفه الأمر.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .♥️
★★★★★★★★★
اتسائل كيف يأتي الصباح مُشرقًا هكذا دون اعتبار لما فعله الليل بقلوب البشر؟ كيف له أن يتجاوز هذه الألام و الجراح التي نبشها الليل لتستنزف كل طاقتنا في المواجهة، و مع ذلك مُجبرين على مواصلة حياتنا و لكن بقلوب أهلكها الوجع. أصبحت انظر الى العالم من حولي وأنا أتساءل بأسى لا يفارقني” متى ستُشرِق الشمس على عالمي ليُضيء أم أن عتمتي ستدوم إلى الأبد و جراحي التي تهدأ ولا تتوقف عن الأنين هل ستُشفى ذات يوم ام ستظل حية إلى أن أفنى انا ؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ حضريلي الفطار قبل ما تمشي.
هكذا تحدث أمين بجفاء قابلته أشجان بالصمت كعادتها و تنفيذ أوامره دون جدال ولكن ذلك لم يُعجبه إذا قال بحدة
_ مش بكلمك!
أجابته باختصار دون أن تلتفت إليه
_ سمعت اللي انت قولته.
_ و مبترديش ليه؟
كانت في اسوأ حالاتها بعد ليلة أمس التي كعادته أجبرها عليه لذا خرجت لهجتها جافة حانقه حين قالت
_ هو انا لازم اقولك أمرك يا سيدي. ما خلاص هعملك اللي انت عايزه.
تفاجيء من نبرتها الحادة و حديثها الغاضب، فهو لم يعتد منها على ذلك لذا دنا منها بخطوات بطيئة وعينين تحملان من الوعيد أطنانًا
_ أنتِ بتعلي صوتك عليا يا أشجان!
وصلت لمرحلة من الألم و الوجع جعلتها لا تهتم لما قد يفعله بها ولا تخشى حدوث أي شيء فماذا سيفعل أكثر مما فعل بها لذا هتفت بجفاء
_ أشجان قرفت من حياتها كلها.
توقف بمكانه من فرط الصدمة التي سرعان ما تداركها حين قال بقسوة
_ حياتك اللي مكنتيش تحلمي بيها دلوقتي قرفتي منها؟
أشجان بتهكم
_ ياريت تتكرم عليا و تحرمني منها.
لم يُجدي معها التعنيف الجسدي، فالمعنوي به لذة اكبر لذا قال بهسيس مُرعِب
_ مش مستغرب كلامك على فكرة. واحدة زيك مفهاش ميزة واحدة تتباهى بيها، فلازم نطلع العيب في غيرها.
أصابت كلماته عمق قلبها فالتفتت تُكمِل ما في يدها ليقترب منها قائلًا بحقارة
_ اوعي تفكري أنك لما اشتغلتي بقيتي بني آدمه! لا . أنتِ بتسددي اللي عليكي وطول مانتِ في بيتي تحمدي ربنا و تبوسي ايدك وش وضهر اني متحملك، و اعرفي انك لو فكرتي تخرجي يبقى مش هتشوفي ولادك تاني. مانا مش اهبل عشان اخلي ولادي يتربوا بعيد عني مع واحدة زيك.
و كأنه يرى مكامن ضعفها ،و بواطن النقص داخلها و يضغط عليهم بقوة، فهاهي تصمت رغمًا عن ألمها الهائل فقط لأجل أولادها تتغاضى عن جراحها النازفة عن عمد حتى لا تفقد أثمن شيء بحياتها
انتظرت دخوله إلى المرحاض لترفع رأسها إلى السماء وهي تهتف بقهر
_ يارب. ارحمني من الإنسان دا. حسبي الله ونعم الوكيل.
مرت الدقائق على ظهر سُلحفاة حتى أنهت ما بيدها و توجهت إلى عملها الذي كان المهرب الوحيد أمامها لتخرج من هذا المكان الذي تبغضه كما لو انه جهنم. لتتوجه رأسًا إلى قسم الأرشيف، فقابلتها أحد الفتيات العاملات معها بالشركة وهي تقول بلهفة
_ أشجان كويس اني قابلتك. دي الفيزا بتاعتك طلعت يعني تقدري تصرفي المرتب بتاعك عادي.
أشجان بامتنان
_ شكرًا يا هدى بس لو هتعبك تعرفيني اتعامل ازاي عشان مبفهمش في الحاجات دي بصراحة.
هدى بسماحة
_ طبعًا. عيوني.
جلست أشجان بجانب هدى التي شرحت لها كل شيء وقامت بتنزيل أحد التطبيقات لتُسهِل عليها الأمر و أنهت حديثها قائلة
_ بس يا ستي ومن التطبيق دا تقدري تحولي فلوس و تستقبلي تعرفي رصيدك كام.
أشجان بامتنان
_ تسلميلي يا هدى. مش عارفة أشكرك ازاي بجد؟
هدى بمرح
_ يا بنتي ولا اي شكر. الناس لبعضيها. هسيبك انا بقى عشان ورايا شغل كتير.
اومأت هدى بابتسامة قبل أن تُمسِك بهاتفها وهي تتصفح هذا التطبيق لتحاول معرفة رصيدها، فتفاجئت حين وجدت أنه أكبر مما توقعت، فاعتلت الدهشة ملامحها حين وجدت زيارة عشرة آلاف جنيهًا زيادة عن راتبها الشهري، فأخذت تفكر ربما وصلت إليها هذه النقود بالخطأ؟ ولكنها في نهاية الأمر عزمت على الذهاب لشقيقتها لاستبيان الأمر، فهي لن تقبل بقرشًا واحدًا ليس من حقها، و بالفعل استقلت المصعد للطابق الأعلى وهو طابق المُدراء وحينها شعرب بالحيرة فهي لا تعلم اي مكتب تكون شقيقتها، وحين هاتفتها لم يُجيب على اتصالاتها.
طافت عينيها المكان لتتوجه إلى مكان تخشاه بشدة، ولكن هو سبيلها الوحيد لمعرفة مكان شقيقتها لذا اقتربت من عرين الوحش وهي تتوسل إلى خالقها حتى لا تقابله، فقد كان هناك مكتب كبير يضم طاقم السكرتارية الخاص به، وهي لا تعرف منهم سوى هذه الفتاة التي هاتفتها أكثر من مرة حين بعث في طلبها لذا توجهت إليها بالفعل لتسألها عن مكتب كمال الذي تعمل به شقيقتها وما أوشكت على الحديث حتى أشارت لها الفتاة بالصمت حتى تنهي مكالمتها، فأومأت برأسها بتفهم، و لكنها سُرعان ما تجمدت في مكانها حين سمعت صوت أحد الفتيات التي تقول لفتاة أخرى
_ كدا يبقى خلصنا القايمة بتاعت كل شهر. راجعي معايا كدا عشان مستر خالد بيشدد في الموضوع دا اوي. تقريبًا بيطلع الفلوس دي على روح مراته ولا ايه؟
تحدثت الفتاة الأخرى قائلة باستفهام
_ فلوس ايه ؟
_ دي مبالغ بتطلع كل شهر من حساب مستر خالد الشخصي . بتروح لناس غلابه هو بس اللي عارفهم انا معايا ارقام حساباتهم بحولهم الفلوس، و كل كام شهر بيزود عليهم لو لقى حد يستحق. بس الحمد لله مزادش الشهر دا غير واحد. انا بخاف اتلخبط و خصوصًا أن هو بنفسه بيراجع ورايا ولو نسيت حد ياويلي منه.
هكذا تحدثن الفتاة لتقول الأخرى بانبهار
_ تصدقي راجل محترم. طب قوليلي هي المبالغ دي بتكون كبيرة ولا اي؟
_ مقدرش اقولك كام بالظبط بس اه يعني مش قليلة. اخر شخص مدينه رقمه دا واخد مبلغ محترم تقريبًا مرتب كامل في ناس بتاخد زيه في الشركة.
بهتت ملامحها، و شعرت بألم قوي يجتاح داخلها، كيف له أن يفعل ذلك ؟ و هل يعتبرها ممن يحتاجون لشفقته؟ و هنا زارها هاجس ضاعف من ألمها كثيرًا هل يُعاملها هكذا لأجل والدتها التي تعمل عندهم؟ كاد الدمع أن يقفز من بين مآقيها ولكنها قمعته بصعوبة حين سمعت صوت الفتاة تقول باستفهام
_ اقدر اساعدك في حاجه؟
غيرت خطتها لتقول بجمود
_ عايزة اقابل خالد بيه ضروري. لو سمحتي قوليله أشجان عزام عايزة تقابلك .
شملتها نظرات الفتاة بتمعُن قبل أن تقول بجفاء
_ خالد مش فاضي. عنده مواعيد مهمة.
أشجان بإصرار
_ لو سمحتي انا كمان عايزاه في موضوع مهم. قوليله أشجان عزام بس من فضلك.
تنهدت الفتاة بنفاذ صبر قبل أن تُمسِك الهاتف و تحادثه قائله باحترام
_ مستر خالد . في موظفه في الأرشيف اسمها أشجان عزام عايزة تقابل حضرتك بتقول في موضوع مهم .
قاطعها خالد باختصار
ـ دخليها.
أغلقت الهاتف و التفتت تناظرها بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
_ اتفضلي.
التفتت تتوجه إلى الداخل وهي تود أن تصرُخ في وجهه قائلة كيف تجروؤ؟ ولكنها تعلم بأن ذلك مستحيل الحدوث، فهي لا تملك الشجاعة للوقوف بوجه اي احد، و رغمًا عن ذلك فهي ستخبره ان يحتفظ بنقوده لنفسه هي لا تريد اي صدقة من أحد.
رفع رأسه حالما شعر بوجودها أمام مكتبه تناظره بأعين تأجج زمردها من فرط الغضب، وقد كانت هذه هي أول مرة يرى بهم شيء غير الحزن، ولكن بجميع الأحوال فتوهجه هذا افضل من انطفاءه
_ سامعك.
هكذا تحدث باختصار و بنبرة جافة جعلتها تغضب أكثر لذا كانت لهجتها حادة بعض الشيء
_ أسفة لو هاخد من وقت حضرتك بس كنت عايزة اعرف الفلوس اللي وصلتني زيادة على مرتبي دي من حضرتك؟
تفاجيء كثيرًا من استفهامها، فهو اعتاد على فعل هذا الأمر مع الكثيرين من موظفي الشركة مصدقه جارية على روح زوجته الراحلة، وحسن استمع عن طريق الصدفة لحديثها مع شقيقتها بأنها بحاجة للمال حتى تتخلص من زوجها الذي لا ينفك عن إه
هانتها وضعها على قائمة اولئك الناس ولم يتوقع أن تسأله هذا السؤال ظنًا منه أنها ستفرح، فهذا من شأنه أن يُقلص المسافه بينها وبين حريتها من ذلك الوغد ضارب النساء
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ فلوس ايه؟
أشجان بنبرة حانقة
_ العشر تلاف جنيه اللي وصلوني فوق مرتبي. حضرتك اللي بعتهم؟
خالد بخشونة
_ وانا هبعتلك فلوس فوق مرتبك ليه؟
أشجان بألم
_ صدقة مثلًا زي ما بتعمل مع ناس كتير!
بدأ الغضب داخله بالتصاعد تدريجيًا لهذا احتدت نبرته حين قال
_ وأنتِ عرفتي الموضوع دا منين؟
أشجان بثبات
_ سمعت عنه. لو سمحت جاوبني على سؤالي. انت اللي بعتلي الفلوس دي؟
ضاق ذرعًا من الحاحها خاصةً و هو شخص لم يعتد على الاستجواب من قبل اي احد لذا قال باختصار
_ ايوا انا.
على الرغم من أنها كانت متأكدة من هذا الأمر بنسبة كبيرة ولكن صراحته ضاعفت من غضبها مما جعل نبرتها مُستاءه حين قالت
_ طب انا هحول لحضرتك الفلوس تاني عشان أنا مش محتجاها. انا ظروفي كويسة جدًا و الحمد لله ميجوزش عليا الصدقة.
لونت الدهشة معالمه من حديثها و الأكثر معالمها التي كانت مُستاءة إلى حد كبير مما جعله يقول بجمود
_ غريبه مع اني متأكد انك فعلًا محتاجة الفلوس دي.
أشجان بصدمة
_ يعني ايه الكلام دا؟ و مين قالك أن انا محتجاهم؟
تباين ملامحها من الغضب للصدمه و غيرها من مشاعر تتجلى بوضوح على وجهها كان شيئًا مُثير للإهتمام، فقد تبددت لوحة المرأة البائسة التي كان يراها بها دائمًا مما جعله يقول ببرود
_ سمعت!
اغتاظت من ترديده لجملتها، فهتفت مُستفهمة
_ سمعت ايه بالظبط؟
ترك القلم من يده و تراجع للخلف يستند على ظهر المقعد قبل أن يقول بخشونة
_ انك عايزة تخلصي من وضع مؤذي بالنسبالك، و محتاجه تجمعي فلوس عشان تعرفي تعملي دا.
برقت عينيها حتى كادت أن تخرج من محجريها من حديثه من المفترض أنه لا أحد يعلمه سوى شقيقتها، و سُرعان ما تحولت صدمتها إلى خزي من أن يعلم ما تتعرض له على يد زوجها مما جعل طبقة كرستاليه من العبرات تتشكل كحاجز زجاجي بينهم وبين الرؤية، فخرجت نبرتها مُتحشرجة حين قالت
_ الكلام دا مش صح و معرفش حضرتك جبته منين؟ لكن احب اقولك اني مش محتاجه فلوسك، ولا محتاجه حاجة من حد.
التفتت تنوي المغادرة و عبراتها تفرش الأرض أمامها ولكن سرعان ما تجمدت بمكانهاحين استمعت إلى صوته الحاد خلفها
_ استني عندك.
مدت يديها تحاول محو عبراتها حتى لا يراها هذا المعغطرس الذي اقترب منها يفصله عنها بضع خطوات لتلتفت تناظره بعينين يتراقص بهم الألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ أفندم.
هذه المرأة أدهشته حقًا ما الذي حدث لتبكي بهذه الطريقة؟ جزءً منه تعاطف معها، و آخر استاء من بكائها الغير مُبرر ليناظرها بحيرة منها و من شعوره تجاهها مما جعله يقول بخشونة
_ أنتِ ايه حكايتك بالظبط؟
ودت لو تخبره بأنها المرأة التي تحمل أسوأ حظ في هذا العالم ولكنها اكتفت بإجافة مُقتضبة
_ مفيش حكاية ولا رواية. فلوس حضرتك انا مش محتجاها.
لدهشتها و دهشته حين اقترب يجلب أحد المحارم الورقية و يناولها إياها قبل أن يقول بلهجة لم تكُن جافة كعادته انما هادئة
_ مبتكلمش على الفلوس دلوقتي. بتكلم على حالتك الغير مُبررة. انا عملت ايه يستدعي الدموع دي كلها ؟
تناولت منه المحرمة وهي تمحي عبراتها قبل أن تقول بخفوت
_ الدموع دي مش بسبب حضرتك. انا بس متضايقة .
خالد بتهكم
_ أنتِ على طول متضايقة باين عليكي. انا مشوفتكيش أبدًا غير وأنتِ معيطة.
اغتاظت من حديثه فلم يكن ينقصها سواه، و ارتفع أحد حاجبيها تناظره بسخط تجلى في نبرتها حين قالت
_ والله مفيش حد بيعيط من غير سبب. محدش عاقل بيحب النكد يعني!
خالد بجفاء
_ في . الستات بيحبوا النكد قد عنيهم، وانا بالمناسبة بكرهه، فبلاش الدموع دي عمال على بطال.
اغتاظت من حديثه الوقح، و هتفت بنبرة حادة بعض الشيء
_ بعتذر لحضرتك والله. بس لو مكنتش بعتلي الفلوس اللي انا مش محتجاها مكنتش هزعجك بدموعي.
لوهلة أحتار بماذا يُجيبها، فشراستها أضفت بريقًا فريد من نوعه على عينيها أثره لوهله قبل أن يُعنف نفسه على تفكيره الغريب هذا ليلتفت متوجهاً إلى مكتبه وهو يقول بقسوة
_ الفلوس دي خرجت من ذمتي خلاص. لو مش محتجاها تقدري تصدقي بيها.
أوشكت على الاعتراض فاحتدت نبرته حين قال
_ مش عايز جدال كتير. انا قولت كلمتي والموضوع انتهى. تقدري تتفضلي على مكتبك.
اغتاظت منه و كادت أن تصرُخ في وجهه ولكنها للأسف لن تفعل ذلك لذا توجهت تنوي المغادرة وهي تسبه في داخلها هو وزوجها و جميع الرجال .
اللهم إني توكلت عليك فأعنّي، ووفقني، واجبر خاطري، جبرا أنت وليّه. – يا رب، أدعوك بعزتك وجلالك، أن لا تصعّب لي حاجة، ولا تعظم علي أمراً، ولا تحنِ لي قامة، ولا تفضح لي سراً، ولا تكسر لي ظهراً. – اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي، ولا في مالي، ولا في أهلي، وسهّل علي ما استثقلته نفسي♥️
★★★★★★★★
يحدث أن تشعر بالشوق لشخص دون أن تعلم السبب ؟ تفتقد حضوره، ضحكته، و حتى النسيم الذي يحمل رائحته، لا تحلو الحياة إلا عندما تشرق شمسه على عالمك. هذه ليست معضلة يا صديقي بل انها كارثة الوقوع في العشق، و بكل أسف فالنجاة منها أمرًا مستحيل.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
زفر بقوة و كأن الأكسجين المُحيط به لا يكفي لكي تتنفس رأتيه هناك شيء آخر يفتقده وكلما حاول التملص من شعوره تشتد وطأته على قلبه أكثر إلى أن اخذ قرارًا لا يعلم أن كان صائبًا أم لا ولكنه لن يقاوم ما يشعر به أكثر، فهو يشتاقها لذا جذب هاتفه الداخلي و ضغط على زر ما ليأتيه صوت سلمى التي أجابت باحترام
_ أمرك يا مستر كمال؟
تحمحم كمال بخشونة وهو يقول باستفهام
_ سلمى هو انتِ لسه مستلمتيش شغلك في مكتب خالد ؟
سلمى بتوضيح
_ الحقيقة استلمته النهاردة بس كان عندي وقت فاضي، و آسيا طلبت مني استنى هنا عشان لو حضرتك احتجت حاجة اكون موجودة.
نبض الفضول دواخله ليقول بلهفة
_ وهي فين؟
_ هي عند مستر وائل.
هكذا أجابته سلمى بسلاسة ليشعر ببداية اشتعال حريق داخل صدره لا يعرف سببه أو ربما لم يهتم للسبب، فهو غاضب و بشدة مما جعله يهتف بجفاء
_ طب كلميها خليها تيجي عندي ضروري.
اندهشت من طريقته في الحديث، ولكنها لم تعلق بل رفعت رأسها لتُطالع الساعة التي أمامها قبل أن تقول باحترام
_ تمام هتصل عليها حالًا..
اغلق الهاتف بغضب لا يعرف كنهه، ولكنه هائل يجتاح صدره بطريقة لم يعهدها مُسبقًا، فهو لم يكُن شخصًا عصبيًا من قبل ما الذي يحدُث له الآن؟
رن هاتفه الداخلي فالتقطه وهو يظن أنها المتصل ليتفاجيء بسلمى التي قالت
_ مستر كمال الكل في الكافيتريا دلوقتي لأن وقت البريك ابتدا.
قاطعها كمال بحدة
_ طب اقفلي.
اندهشت من طريقته،و لكن تضاعفت دهشتها حين وجدته يخرج من مكتبه كالإعصار ليتوجه إلى الكافيتريا الخاصة بالشركة ليتعاظم غضبه حين شاهد ضحكتها العذبة التي تُرسُلها لهذا الغبي الذي يضحك كالأبله المتيم بها نعم، فهو يعلم كيف تكون نظرات الرجل لإمرأة تُعجبه، وحين أوشك على التقدم نحوها وجد جميع الأعين تلتفت نحوه باحترام جعله يعود إلى رشده، و يتذكر موقعه في هذا المكان مما جعله يُغير وجهته إلى طاولات المدراء بعد أن أتقن رسم الجمود فوق ملامحه، ولكن لسوأ حظه، فقد التقمت عينيها غضبه و طريقته في التحديق بها ما أن دلف إلى المكان لذا لم تُعطيه أي اهتمام و واصلت حديثها مع وائل، وقد أتقنت التلاعب بملامح وجهها الجميل و تعبيراته للحد الذي ضاعف من اعجاب وائل و غضب كمال إلى أن اقتربت منها أشجان قائلة بتقريع
_ اتلمي يا بنتي لو رؤوف شافك وأنتِ بتتكلمي مع وائل دا هيزعل اوي.
تجاهلت ذلك الهياج الذي اصاب دقات قلبها عند ذكرها اسم رؤوف و اقتربت بجانب أشجان قائلة بخفوت
_ دا رئيسي في الشغل ايه المشكلة لما اتكلم معاه، وبعدين انا عارفه حدودي مع الناس كويس و مبتخطهاش و دا عشاني مش عشان حد.
زفرت أشجان بتعب، فيكفيها ما تمر به كما أنها تعلم كم شقيقتها عنيدة، فالتفتت إلى الجهة الأخرى لتصطدم بأعيُن سوداء كبئر عميق يرهبها النظر إليه خوفًا من أن تسقط به، ولا تجد من يساعدها، فقامت بالإلتفات إلى الناحية الأخرى وهي تتناول غدائها بهدوء، فقام وائل بتوجيه سؤال لها، فرفعت رأسها تطالعه بتيه وهي تبتسم بمجامله كي لا تُحرجه، فتابع مزاحه معها مما جعل ابتسامتها تزداد. مما جعل أحد حاجبيه يرتفع وهو يطالع ضحكتها، فقد كانت المرة الأولى التي يراها تضحك، و كم كانت ابتسامتها رائعة للحد الذي جعل استفهام مُثير يندفع إلى رأسه
_ كيف لشخص أن يطمس هذا البسمة الرائعة ؟
_ غريبة يعني أول مرة اشوفك بتتغدى هنا؟
هكذا استفهم كمال بجفاء قابله خالد بالجمود حين قال
_ عادي . زهق، و انت ايه اللي منزلك؟
أضاف خالد هذا الاستفهام ولكن سرعان ما استرعى انتباهه نظرات شقيقه المتعلقة بهذه الفتاة ليُضيف بسخرية
_ كدا انا عرفت ليه؟
التفت كمال قائلًا باستفهام
_ بتقول ايه؟
خالد بغموض
_ بقول متحومش حوالين النار لو مش هتتحمل حرارتها.
اندهش كمال من حديث خالد الذي أعطاه غمزة ماكرة قبل أن يتناول فنجان القهوة ليرتشف منه فاستفهم كمال وهو يتصنع عدم الفهم
_ تقصد ايه ؟ مفهمتش!
خالد بسخرية
_ متبقاش كمال الوتيدي لو مفهمتش.
تحمحم كمال قبل أن يقول بمُزاح
_ الكينج بتاعنا مبيفوتش عليه حاجه أبدًا. بس لا الموضوع مش زي ما انت فاهم. دا مجرد اعجاب بشخصها و أنها اتحدت ظروفهم و قدرت توصل للمكان دا.
خالد بابتسامة هادئة
_ فاكر واحنا صغيرين لما كنا بنلعب و كان بابا بيسميك فوكس.
كمال بمرح
_ عشان كنت ذكي.
أضاف خالد بمزاح
_ و مكار.
اتسعت ابتسامة كمال قبل أن يقول بتوضيح
_ بس طول عمري بلعب بنزاهه تنكر؟
خالد بهدوء
_ لا منكرش. بس عارف المشكلة دايمًا مبتبقاش فينا احنا. يا بتبقى ظروفنا معندانا. يا بتبقى الناس مش سالكة. يا بيبقى القدر عايز كدا.
لون الحزن معالم كمال حين قال
_ بتتكلم عن نبيلة صح؟
قست ملامحه و نبرته حين قال
_ هي واللي زيها.
_ بس نبيلة مش بالسوأ اللي انت شايفها عليه.
هكذا تحدث كمال ليقاطعه خالد بجفاء
_ انا عمري احساسي ما خاب تجاه حد.
فرغ من ارتشاف قهوته ليضع القول فوق الطاولة قبل أن ينهض من مكانه وهو يقول بجفاء
_ قول للفوكس يركز على هدفه قبل ما يطير منه. سلام .
كانت كلمات خالد تطن في أذنيه أثناء عودته إلى مكتبه وهو يعاند نفسه تارة و تارة أخرى يحاول إقناعها بأن الأمر لا يستحق، و في النهاية قرر أن يُلاعب فريسته حتى يصل إلى حقيقة ملموسه لما يشعر به لذا لم يطلب رؤيتها حين عاد إلى مكتبه بل انكب على عمله إلى أن مرت ساعة وأكثر وهي بالخارج تفكر لما لم يُرسِل في طلبها ؟ تكاد تقسم بأنها رأت ألسنه اللهب تتراقص في مقلتيه حين كانت تجلس مع وائل بالأسفل، و قد ظنت بأنه سيُرسِل في طلبها، ولكنها لم تنتظر حتى يفعل ذلك لذا قامت بجمع بعض الأوراق التي تنتظر توقيعه و توجهت إلى مكتبه تطرق الباب الى أن سمح لها بالدخول لتتقدم نحوه بخطوات مدروسة، وعلى وجهها ابتسامة بسيطة لتقول بهدوء
_ مساء الخير يا مستر كمال.
اومأ برأسه دون حديث لتقول بوضع الأوراق أمامه وهي تتعامل بطريقة طبيعية جعلت الغضب يتصاعد إلى رأسه، ولكنه لم يُظهُر ذلك لتُتابع وهي تقول بعملية
_ كمان نص ساعة في اجتماع مع رؤساء البنوك. لو تحب حضرتك اجيبلك قهوتك قبل الاجتماع؟
كمال بجمود
_ انا شربت تحت في الكافيتريا.
أتقنت تزييف العفوية في لهجتها حين قالت بلهفة
_ لا حضرتك أكلت بس مأخدتش قهوة خالد بيه بس اللي طلب قهوته.
صُدِم حين لمس اهتمامها الصريح له الءي جعل دقات قلبه تبدأ بالشجار داخله فرفع رأسه يقول بسخرية
_ دا أنتِ مركزة بقى؟
للمرة التي لا يعرف عددها تفاجئه حين قالت بصراحة
_ أيوا فعلًا انا كنت مركزة عشان اشوف حضرتك هتحتاج حاجة ولا لا. سلمى قالتلي أن هي اللي كانت بتهتم بموعيد الغدا بتاعت حضرتك و كمان مواعيد القهوة.
لا يعلم لما شعر في هذه اللحظة بأنه يود صفعها و بقوة، فهي تهتم لأجله فقط لأنه عملها! لم ينجح في محو الغضب الذي تراءى في عينيه، ولهجته حين قال
_ هاتيلي فنجان قهوة و جهزي الورق اللي هحتاجه في الاجتماع.
تمام يا فندم.
آسيا بعملية يكمن خلفها سعادة عظيمة بأنها استطاعت اخراج ما بداخله لتلتفت تنوي الخروج قبل أن توقفها كلماته الجافة
_ صفقة مصنع الغزل كنت مكلف وائل يعملي عليها دراسة مبدأيه اتناقش معاكي فيها؟
توارى المكر بعينيها خلف نظرات جامدة و نبرة تشبهها حين قالت
_ اكيد مستر وائل مش هيتناقش معايا في اي حاجه غير لما ياخد برميشن ( أذن ) من حضرتك.
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ اممم. اومال كنتي بتتناقشي معاه في أي الصبح؟ انا احتجت كام حاجه و سلمى اللي كانت موجودة..
تراجعت بخطوات تميل إلى الدلال الذي شاب لهجتها حين قالت
_ اه في الحقيقة كنت بتناقش معاه في كام بوينت كدا مكنتش عارفة اتعامل ازاي؟
غضب منها و من عفويتها التي تقوده إلى جحيم لا يستطيع النجاة منه ولا الانغماس فيه لذا هتف بجفاء
_ و مجتيش اتناقشتي معايا فيهم ليه؟
آسيا بعفوية
_ لإن مستر وائل الليدر بتاعي، وانا من يوم ما جيت الشركة وهو قالي اي حاجه اتناقش معاه فيها، و بصراحة مفيش مرة سألته على حاجه، و اتأخر عني فيها. بالعكس حتى لو وراه حاجه بيفضي نفسه و يقعد يتناقش معايا.
زحفت السخرية إلى ملامحه و نبرته حين قال
_ والله ! مكنتش اعرف انه حنين اوي كدا!
آسيا بعفوية
_ سوري! يعني ايه مفهمتش ؟
كمال بجمود يتنافى مع بريق الغضب في عينيه
_ مستر وائل لما جه الشركة كان زيك كدا. بس هو كان اذكى منك. لما حب يتعلم اتعلم من الأستاذ نفسه مرحش لتلميذ زيه عشان يعلمه.
فطنت إلى ما يقصد و غرق داخلها في سعادة عارمة من حديثه بينما من الخارج ارتدت قناع الخجل حين قالت بخفوت
_ فاهمه حضرتك تقصد ايه. بس. انا مكنتش حابه ازعجك، و اكيد يعني مش هتسيب اللي وراك عشاني! اقصد عشان تتناقش معايا يعني.
كمال بخشونة و عينين تتشبعان من ملامحها الجميلة
_ مين قالك كدا؟
آسيا بخفوت
_ مش محتاجه حد يقولي.
كمال بمزاح
_ يبقى متجوديش من نفسك.
ابتسام خافتة انفلتت من بين شفتيها قبل أن تقول بخجل
_ تمام.
لونت ثغره بسمة رائعه و ربما عاشقة كما أن عينيه كانت تُحيط بها بطريقة جعلتها تشعر بعدم الراحة، وحين قررت المغادرة بادرها هو الحديث قائلًا
_ بتعرفي تعملي قهوة؟
لون المرح معالمها قبل أن تقول بنبرة رقيقة
_ يعني مش اوي.
دار بكرسيه ثم توجه إلى حيث تقف واضعًا يديه بجيوب بنطاله قبل أن يقول بصوته الأجش
_ تحاولي عشاني ؟
اشتبكت الأعين بحديث صامت ارادت الهرب منه عمدًا حين قالت بتحدي مُبطن
_ عن نفسي معنديش مشكلة. المشكلة أنها لو وحشة انت اللي هتزعل.
_ مش هزعل.
_ يبقى خلاص هحاول.
كمال بنبرة يشوبها العبث
_ تمام.
ابتسمت بخفوت قبل أن تقول بمرح
_ تمام التمام.
قهقه كمال فتضاعفت وسامته قبل أن يقول بغزل مُبطن
_ انا واثق أنها هتبقى تمام التمام زي اللي عملتها.
اخفضت رأسها بخجل كان صادقاً هذه المرة لتقرر الهرب حين قالت بخفوت
_ عن اذنك.
كانت عينيه تتابعها بشوق لأول مرة يغزو قلبه الذي لم تكفيه هذه الدقائق معها بل يريد الكثير و الكثير، ولا يجروء عن تفسير. ماهية شعوره نحوها.
اللهمّ أعنّي ولا تعن عليّ، وأنصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، رب اجعلني لك شكّارًا، لك ذكّارًا، لك رهّابًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا، لك أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبّت حجتي واهدِ قلبي وسدّد لساني♥️
★★★★★★★★
_ جومي بينا عشان هنمشي من المكان ده.
هكذا هتفت بدرية بلهجة آمرة جعلت ضي تنتفض في مكانها وهي تقول بفزع
_ وه . بتجولي ايه ياما ؟ نمشي نروح فين؟
بلعت بدرية ريقها بخوف اخفته خلف جدار الحدة حين قالت
_ جولتلك هنمشي من المكان اهنه.
_ ايوا هنروحوا فين يعني؟
_ ملكيش صالح. جومي فزي. لازمن نمشي جبل طلوع النهار
هكذا هتفت بدرية بصراخ جعل ضي تسقط في نوبة بكاء عاتيه وهي تصرخ قائلة
_ حرام عليكي بجى بعد ما بجالنا عزوة و اهل عايزة تخلعينا منيهم؟
بدرية بحدة
_ جولتلك بطلي رغي و جومي بلا أهل بلا حديت ماسخ.
احترقت للمرة التي لا تعلم عددها بجفاء و قسوة هذه المرأة مما جعلها تهتف بانفعال
_ مش هاچي معاكي. روحي مُطرح ما انتِ عايزة اني هجعد اهنه وسط اصحابي واخواتي
لم تحسب حساب لفعلة بدرية التي رفعت يدها و هوت فوق خدها بصفعة قوية وهي تصرخ بقسوة
_ اخرسي يا بت. بجى بتعارضيني و بتجفي جدامي. اني هوريكي.
أنهت حديثها و أخذت تضرب ضي بعنف و الأخيرة تصرخ من فرط القهر و الألم، فوصل صوتها إلى جميع سكان المنزل و المنازل المجاورة و بعد لحظات أنقذها الطرق على الباب من بين يدي والدتها التي ذهبت لرؤية الطارق، فوجدت رضا التي قالت بلهفة
_ في ايه يا بدرية؟ ضي بتصوت ليه؟
بدرية بقسوة
_ ضي و زفت. بت جليلة الرباية، واني كنت بربيها.
دفعتها آسيا بعنف لتدلف إلى ضي المنكمشة على نفسها تبكي بأسى، فقامت باحتضانها وهي تقول بانفعال
_ حرام عليكي هي صغيرة عشان تضربيها بالشكل دا؟ عملت ايه يعني ؟
بدرية بغضب فلم يكن أمامها وقتًا لهذا الهراء
_ ملكيش صالح. بتي و بربيها، و هاخدها و نهملوا المكان ده كله.
شهقت رضا بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
_ يا ندامه! تمشي و تروحي فين يا بدرية؟ هو حد زعلك ولا داسلك على طرف ياختي؟
بدرية بجفاء
_ لاه يا رضا. بس لازمن نمشي من اهنه
آسيا بانفعال
_ ايوا ليه؟ حصل ايه؟
بدرية بحنق
_ مالكيش صالح. جولتلك هنمشي يعني هنمشي.
_ بس يا بت يا آسيا اسكتي و اتكلمي مع خالتك عدل.
هكذا تحدثت رضا بغضب قابلته آسيا بالامُبالاه ثم قامت بجذب هاتفها لتهاتف غنى التي كانت تتقف أمام مواجهة ضارية بينها وبين والدتها التي قالت بعتب
_ رجعتي تكلمي ابوكي وانا لا يا غنى؟ قد كدا مش صفيالي؟
غنى بجفاء
_ اصفى للدنيا كلها بس أنتِ لا.
شهقت صابرين بصدمو تجلت في نبرتها حين قالت
_ للدرجة دي يا بنتي ؟
حاولت قمع عبراتها و اشواك الحروف التي تنغز بداخلها حتى لا تؤلم والدتها أكثر لذا قالت بجفاء
_ سيبيني في حالي الله يباركلك..
صابرين بنبرة ناكنة
_ طيب قوليلي كنت اعرف منين الخيبة التقيلة اللي هو فيها دي؟
التفتت غنى بغضب تجلى في نبرتها حين قالت
_ هي دي غلطتك الوحيدة؟ طب خدي عندك بقى ياسر مخانيش! مطلعش خاين ياما، و كل اللي مها قالته كذب!
ضربت صابرين فوق صدرها بصدمة تجلت فوق ملامحها و نبرتها حين قالت
_ يالهوي. بتقولي ايه؟
_ بقولك اللي سمعتيه. ياسر مخنيش، ولا كان له علاقة بمها. دا هو اللي مجوزها وبيودها مكان عادل الله يرحمه. شفتي بقى أن اللي عملتيه كتير! و لا يمكن اسامحك عليه.
ما أن أوشكت صابرين على الحديث حتى قطع عليها رنين الهاتف فامتدت غنى لتُجيب
_ ايوا يا آسيا.
_ تعالي بسرعة وهاتي خالتو صابرين معاكي. الست المجنونة بدرية دي عايزة تمشي من هنا و تاخد ضي معاها.
لم تمر ربع ساعة حتى هرولت غنى و خلفها صابرين إلى بيت خالتها ليتفاجئوا بوجود حشد من الناس أمام المنزل، و دلفت إلى داخل المنزل لتجحظ عينيها حين رأت…
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ذنوب على طاولة الغفران)