رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل السادس عشر 16 بقلم نورهان العشري
رواية ذنوب على طاولة الغفران الجزء السادس عشر
رواية ذنوب على طاولة الغفران البارت السادس عشر

رواية ذنوب على طاولة الغفران الحلقة السادسة عشر
الإثم السادس عشر ج١❤️🩹 بعنوان” صراعات لا تهدأ وجراح لا تلتئم ”
لا أسف على من غادرونا بعد أن نصبوا خيمة الحب بقلوبنا ثم ذهبوا دون أن يمنحونا سببًا واحدًا لفراقهم. لا عتاب لهم، ولا ذريعة يُمكنها أن تجعل العقل ينسى تلك التساؤلات التي نهشت بواطنه دون رحمة، و جعلت القلب يسقط فريسة لاحتمالات أهونها مؤلم و بعضها مهلِك و لكن أشدها قسوة أن يسأل الإنسان نفسه ألم أكُن كافيًا؟ المرارة التي تُصاحب هذا الاستفهام تظل عالقة بالقلب طوال حياته.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ مش مصدقين نفسنا والله دكتور عمر مرة واحدة قاعد معانا عالسفرة!
هكذا تحدثت هايدي بتهكُم وهي تنظر إلى عمر الذي يجلس على جانب أبيها حول مائدة الطعام، فتجاهل حديثها كعادته، ولم يُعقِب عليه، فتدخلت نبيلة قائلة بتقريع
_ بطلي تريقة و اتكلمي عدل ما اخوكي الكبير.
تفاجئت هايدي من حديث والدتها، و كذلك عز الدين ما عدا عمر الذي لاح شبح سخرية فوق ملامحه، فهو يعلم أن انحيازها له الآن لأنها تريد منه شيئًا ما.
_ عمر كل يا حبيبي . الباستا اللي بتحبها. انا عملتهالك مخصوص.
هكذا تحدثت نبيلة بحنو كان دخيلًا على قلبها فاومأ برأسه وهو يرسم ابتسامة بسيطة على ملامحه قبل أن يقول باختصار
_ شكرًا.
لم يُعجِب عز الدين طريقة عمر مع والدته لذا تحدت بنبرة جافة
_ مردتش على اختك وبتكلم والدتك بالقطارة يا دكتور مع ان ضحكتك بتبقى مجلجلة في المستشفى مع الممرضين و المرضى و حتى عمال النظافة. مش شايف ده غريب شوية!
لم تُغادر عينيه طبقه بل تمهل وهو يضع الملعقة في فمه ليبتلع ما تحتويه قبل أن يقول بجمود
_ مش غريب ولا حاجه.
صمت لثوان قبل أن تطوف عينيه على الموجودين حوله ثم تابع بجفاء
_ شيء كويس أن الإنسان يلاقي مكان يضحك فيه من قلبه.
نبيلة بعتب
_ بقى كدا يعني انت مبتضحكش من قلبك وانت معانا يا عمر!
عمر ببساطة أغضبت الجميع
_ انا مبضحكش أصلًا معاكوا يا بلبلة. بيتكوا لو حد ضحك فيه ممكن حيطانه تشقق.
قال جملته الأخيرة بسخرية أغضبت عز الذي احتدت نبرته حين قال
_ مش عاجبينك يا عمر بيه! بتتريق و مش عاجبك عيشتنا! طب ما تفارقنا ؟
عمر باختصار
_ اوعدك هفكر في الموضوع دا.
غصب عز الدين من حديث ولده الذي لا يُجدي معه النقاش و قبل أن يستطيع أن يُجيبه تدخلت سعاد بحزم
_ عمر يعمل اللي هو عايزه، و يقول اللي هو عايزه و اللي مش عاجبه هو اللي يفكر يمشي.
اتسعت ابتسامة عمر الساخرة فهو يعلم أن جدته هي الأخرى تتملقه لأجل ما تُريده، فتحدث بتهكُم
_ تسلميلي يا غالية.
عز الدين بحدة
_ بطلي تعصيه عليا انا وأمه الغلبانة يا ماما. أنتِ كدا بتضليه.
كانت نبيلة ترتدي قناع الضعف الذي لا يتأثر له سوى زوجها مما جعل سعاد تقول بجفاء
_ معاشرني بقالك ستين سنة ولسه متعرفش اني امك بتعمل اللي هي عايزاها و مبيفرقش معاها حد، وبعدين دا اعز من الولد ولد الولد يا عز. يعني عمر دا أعز منك.
هتفت نبيلة بلهجة أتقنت تزييف الألم بها
_ اعملي اللي أنتِ عايزاه بعيد عن ابني لو سمحتي يا ماما، وانا عارفه انك بتحبي عمر. بس بلاش تبعديه عننا. عني على الأقل أنتِ أم زيي وووو
قاطعتها سعاد بلهجة جافة يشوبها التهديد
_ انا مش زيك، و ابنك قدامك اهو أنا مبعدتوش عنك ولا حاجه. يمكن هو بينفر منك بس دا مش مني. راجعي أنتِ نفسك.
عز الدين بغضب
_ ماما.
نصب عوده و هو يججذب المقعد ليضمه إلى الطاولة قبل أن يقول بلهجة جافة تحمل التهكم في جوف كلماتها
_ طب انا كلت يا جماعه. حد فيكوا عايز يكرعني ولا حاجه!
برقت أعين الجميع فتابع موضحًا
_ يعني بما انكوا عمالين تنتشوني من بعض زي العيل الصغير.
حبس الجميع أنفاسه من حديث عمر الذي كانت عينيه تحمل الغضب في طياتها، فلم يتحدث أحد
ليُتابع هو ناظرًا إلى هايدي بجمود تجلى في نبرته حين قال
_ لو بتفكري تخرجي فاطلعي غيري اللبس دا.
اغتاظت من أوامره فهتفت بانفعال
_مالو لبسي؟ و بعدين بابي و مامي شايفني و مقالوش حاجه.
لم يتنازل عن جموده حين قال
_ مش هكرر كلامي تاني، و اللبس دا تبقي تلبسيه لما أقرر اتبرى منكوا أن شاء الله، ودا هيحصل قريب متقلقيش.
توجه إلى مقعد سعاد وهو يجذبه الى الخلف قائلًا بجمود
_ يالا عشان تاخدي دواكي.
سعاد باعتراض، فهي لم تُكمل جولتها مع نبيلة بعد
_ انا لسه مخلصتش أكل.
يعلم ما الذي لم تكتفي منه لذت اجابها بتهكم
_ كفاية عليكي كدا. صحتك.
قام بإيصالها إلى الأعلى و قام بإعطائها دوائها في صمت قطعته حين رأته يتوجه إلى الخارج لتقول باستفهام
_ فكرت في اللي قولتلك عليه ؟
عمر باختصار
_ مش فاكر بتتكلمي عن ايه، و مش ناوي افتكر. سلام.
أنهى حديثه و توجه إلى الخارج، فمر من جانب غرفة أبية لتتجمد قدميه عن الحركة حين سمع حديث والدته الصارخ
_ شايف بتعمل ايه؟ كل دا عشان محملاني ذنب اختك اللي هربت و فضحتكوا.
عز الدين في محاولة لتهدئتها
_ اهدي يا نبيلة. أنتِ عارفة ماما وطريقتها. ايه جاب سيرة نسمة الله يرحمها دلوقتي ؟
نبيلة بصوت باكي
_ بناتها اللي طلعولنا من تحت الأرض. ما صدقت حياتي ارتاحت بعد ما قعدت عالكرسي دا. بس اهي لقت سبب عشان ترجع تحاربني تاني.
عز الدين بتعب
_ قولتلك نمشي و نروح فيلا تانية اكبر و احسن وأنتِ مردتيش.
نبيلة برفق و نبرة مخادعة
_ صعب عليا اسيبها لوحدها في حالتها دي. خفت تموت لوحدها، و كمان دا بيتي و بيت ولادي انت ليه كل حلولك عايزني انا اللي أتنازل.
احتضنها عز الدين قبل أن يقول بحنو
_ حبيبة قلبي مش عايزك تتنازلي ولا حاجه. بس أنتِ طيبتك دي هي اللي بتأذيكي، و ماما مبتقدرش. يبقى تمشي أحسن.
نبيلة بغل غلفته بالأسى حين قالت
_ وليه هي متمشيش! قولتلك قبل كدا نوديها دار مسنين. احسن دار موجودة في القاهرة، و هناك نضمن أنهم يهتموا بيها، و يعاملوها أحسن معاملة، و نرضي ضميرنا من ناحيتها.
عز الدين بتفكير
_ بس حاسس ان الحل دا سخيف اوي، و هيخلي شكلنا وحش.
نبيلة بإقناع
_ هو انت هترميها! دا انت هتوديها احسن مكان حد ممكن يقعد فيه، و هنعين لها ممرضة تقعد لها لوحدها. عايز ايه تاني؟
أجابها عز الدين بعد أن بدأ يقتنع بوجهة نظرها
_ طب تفتكري عمر هيسكت وهيوافق عالموضوع دا ؟ أنتِ عارفة هي اللي مربياه…
قاطعته نبيلة بلهفة
_ لا طبعًا عمر ايه احنا مش هنعرفه أصلًا حاجه. احنا نقوله أنها هتروح تقضي يومين عند اختها في امريكا عشان تعبانه، و نفهمها هي كمان الكلام دا عشان ترضى تطلع معانا من غير شوشرة.
عز الدين باقتناع
_ هي فكرة حلوة، و خصوصًا أنهم هيهتموا بيها و بصحتها يعني مش هنرميها ولا حاجه. طب . طب افرض موافقتش و بهدلتهم هناك ؟
نبيلة بتخابُث
_ متقلقش. أنا بنفسي اللي هتولى الموضوع دا. انت بس اديني الأوك.
لا إله إلا الله، الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين♥️
★★★★★★★★★★
اقتربت أشجان من والدها الذي لم ينظر إليها طوال جلستهم، فهي و بشق الأنفُس استطاعت أن تأخذ الأذن من حماتها حتى تحضر تجمع العائلة، فعمها و أولاده أتوا من البلد في زيارة و أتى معهم، وقد كانت مُشتاقة للشعور بالدفء و الحنان بين ذويها
اقتربت منه لتجلس بجانبه قائلة بخفوت
_ عامل ايه يا بابا ؟
عزام بجفاء
_ كويس الحمد لله.
لم تعتاد منه على هذا الجفاء لذا ترقرق الدمع في مقلتيها وهي تقول بصوت مُتحشرج
_ بابا انت زعلان مني؟
عزام بجفاء يتنافى مع أنين قلبه
_ زعلان عليكي و دي تفرق.
أشجان بخفوت
_ ليه يا بابا مانا كويسة اهو.
التفت يناظرها بعتب فاخفضت رأسها لا تقوى على النظر في عينيه ليُتابع بحزن
_ انا حزين عشان بنتي هاين عليها نفسها.
أشجان بلوعة
_ يابابا أمين كان في مأمورية. الموضوع مش زي…
قاطعها قائلًا بجفاء
_ الموضوع واضح للأعمى، وانا مستني اليوم اللي عينك هتشوف اللي قلبك شايفه.
كانت تود الإرتماء بين ذراعيه وهي تبكي حالها، ولكن نظرات والدتها جعلتها تحاول التماسك قبل أن تقول بخفوت
_ أن شاء الله هيخرج منها على خير، ويربي ولاده يابابا. انا مقدرش احرمهم من ابوهم أو احرمه منهم.
زفر عزام بتعب، فهو يرى ذبول وردته التي كانت أول شعاع للنور دخل حياتهم، و التي كان يرعاها منذ نعومة أظافرها يحاوطها بحنانه هي و شقيقتها، والآن عليه أن يُشاهد ذبولها دون أن يكن له القدرة على انتشالها مما هي فيه، و ذلك لأنها لا تُريد ذلك، ولا تُعطيه أي إشارة لكي يحاول انقاذها، و لكن في النهاية فهي طفله و حبيبته التي لا يقوى على أحزانها فمد يده يجذبها إلى أحضانه و هو يحتويها برفق و يربت فوق خصلاتها، فعانقته أشجان بقوة تشتم رائحته. رائحة الأمان التي تفتقدها
_ بقالي من يوم ما وصلت مش عارف اتلم عليكي وحشاني اوي.
هكذا تحدث رؤوف بجانب آسيا التي كانت تنظر إلى البعيد، وهي تحاول تنظيم دقات قلبها الذي يتلهف لهذا الحبيب الذي لم يعرف سواه منذ أن وعى على هذه الحياة، و بالرغم من أنها كانت تشتاقه كثيرًا إلا أنها نجحت في التملص من شوقها هذا و طمس معالم حبها له وهي تسعى بجد في عملها، و تدريبها في الشركة، والتي تعتبرها بوابة للعبور إلى العالم الذي تبتغيه لذا تحمحمت قبل أن تقول بجمود
_ معلش كنت مشغولة شوية.
رؤوف بنبرة عاشقة
_ طب بصيلي وحشتني عنيكِ، ولا انا مش وحشتك؟
اخفضت رأسها تسحب قدرًا كافيًا من الهواء داخل رئتيها قبل أن تنظر إليه، وهي تقول بجمود
_ انت اخبارك ايه؟
_ الحمد لله تمام. قضيت إجازة حلوة مع الحاج والحاجة، و أن شاء الله من بكرة هبدأ ادور على. شغل.
هكذا تحدث رؤوف بمرح قبل أن يُطلق غمزة مصحوبه بحديثه المليء بالحماس
_ على فكرة عندي ليكِ خبر حلو.
كل ما به رائع و خاصةً هذه البساطة التي تميزه، و طريقته المرحة التي تبعث الراحة في نفسها، ولكن كل ذلك يعوق طريقها، و يجذبها إلى الخلف بدلًا من التقدم إلى الأمام لذا التفتت إلى الجهة الأخرى وهي تقول بعدم اهتمام
_ خبر ايه؟
لاحظ جمودها ولكنه لم يكترث و أجابها بنبرة حماسية
_ بابا هيبيع قيراطين من الأرض و هيديهملي عشان ادفع بيهم مقدم الشقة، و بإذن الله أول ما احط رجلي في شغل هتقدم لعمي عزام عشان اخطبك.
رصاصة اخترقت قلبها الذي تحداها وهو يأن وجعًا أن تلتفت ناظره إلى وجهه وهي ترفض عرضه، والحقيقة أنه تحدي كبير و قاسي عليها، فهي لا تستطيع أن تجرحه، ولا تقوى على قلبها في هذه اللحظة. لذا تحمحمت بخفوت قبل أن ترسم ابتسامة مُتكلفة على ملامحها تتنافى مع الألم المُتجلي بوضوح في عينيها و لهجتها حين قالت
_ مبروك. ربنا يوفقك.
كان يتجاهل برودها معه منذ أن عاد، ولكن الآن لم يعد يستطيع ذلك لذا قال باستفهام
_ متحمستيش يعني لكلامي، ولا رديتي عليه كله.
حاولت الظهور بمظهر طبيعي حين قالت
_ ليه مانا قولتلك مبروك.
رؤوف بجمود
_ و بالنسبة لكلامي اني عايز اخطبك؟
أتقنت تزييف جمودها الذي صبغت به نبرتها حين قالت
_ الموضوع دا سابق لأوانه يا رؤوف. احنا لسه بدري قدامنا عالكلام دا. كل واحد فينا عايز يثبت نفسه الأول.
طافت عينيه عليها بخيبة أمل حاول قدر الإمكان قمعها ليقول بثبات يُحسد عليه
_ تمام. زي ما تحبي.
أنهى جملته و توجه إلى الناحية الأخرى من الصالة المتوسطة لتمر الجلسة دون أن ينظر إليها ولو مرة واحدة بالخطأ. لتهرول إلى غرفتها تذرف ألمها علها تتخلص منه إلى الأبد و تسير في مسعاها نحو الحياة التي تشتهيها.
اللهم من اراد بي سوء فاشغله في نفسه وراحته وصحته وعافيته ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا له يارب وارزقه اضعاف مايتمناه لي اللهم ارني فيه عجائب قدرتك وحسبنا الله ونعم الوكيل♥️
★★★★★★★★★★★
مر أسبوعًا كاملاً هاديء ظاهريًا، ولكن هناك قلوب كانت تتقلب على جمر الدقائق و الثواني التي لم تمر بسهولة بل كانت و كأنها تترك بصماتها على ملامحنا و فوق جدران قلوبنا، و هاهي تدلف إلى داخل الشركة بوجه حزين و عينين تكاد تكون الحياة معدومة بهم، فمن يراها يندهش من هذا الحزن الذي يخيم على تقاسيم وجهها، ولكنها لم تهتم، فتابعت صعودها الى الأعلى وهي تحاول صم تلك الكلمات المُقززة التي سمعت زوجها المحترم يتلوها على مسامع أحد فتيات الليل التي يُرافقها، ولم يكتفي بذلك إنما تفاجئت به يأخذ جميع النقود التي كانت تخبأها في حقيبتها حتى تستطيع أن تذهب الى الشركة في سيارة أجرة لكي تحفظ شكلها و شقيقتها أمام العاملين، وها هي استقلت الحافلة لتقطع منتصف الطريق، و أتت الباقي على أقدامها حتى بلغ منها التعب ما جعلها تسقط على مكتبها الصغير ، هي تحاول استرداد أنفاسها بصعوبة لتضع رأسها بين كفوفها من فرط التعب. حتى أنها ظلت هكذا لدقائق ثم شعرت بيد حانية تلامس يدها برفق فرفعت رأسها لتتفاجيء برنا تقف أمامها وهي تُمسِك وردة حمراء جميلة تُشبِهُها، فابتسمت أشجان وهي تقول بحنو
_ رنا حبيبتي. عاملة ايه؟
اقتربت رنا تعانقها وهي تقول بخفوت
_ الحمد لله. وحشتيني اوي.
احتوت أشجان وجهها لتضع قبل صغيرة فوق وجنتيها وهي تقول بحب
_ وأنتِ وحشتيني اكتر.
ناولتها رنا الوردة وهي تقول بخجل
_ ميرسي.
تناولت منها الوردة وهي تقول بسعادة بالغة
_ الله ايه الوردة الحلوة دي. تسلم ايدك يا حبيبتي.
رنا بسعادة أنها أعجبت بهديتها الصغيرة
_ انا بحب الورد أوي، وعشان كدا جبتلك وردة صغيرة من اللي انا زرعاهم في الجنينة عندنا.
قبلت أشجان يدها التي أعطتها الوردة وهي تقول بحنو
_ دي أحلى هدية جتلي في حياتي. تسلميلي يا قلبي.
شعرت رنا بالخجل حين رأت الموظفين ينظرون إليها فقالت بخفوت
_ انا هطلع لبابي فوق. عن اذنك.
أشجان بحب
_ خلي بالك من نفسك، و عايزة أشوفك دايمًا.
ترددت الفتاة كثيرًا ثم قالت بخجل
_انا هقضي اليوم مع بابي النهاردة. ينفع أشوفك تاني؟
كانت تشعر بالشفقة و الحب تجاه تلك الفتاة اليتيمة فلم تستطيع احزانها لذا قالت بحنو
_ طبعًا. بصي نتقابل وقت البريك. انا بكون تحن في الكافيتريا. ايه رأيك اعزمك عالغدا؟
شعرت الفتاة بسعادة بالغة تجلت في نبرته حين قالت
_ اوك. هقول لبابي و اخليه يجيبني اتغدى معاكي.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.♥️
★★★★★★★★★
_ كدا احنا خلصنا و عدلنا كل النقط اللي حضرتك قولت عليها. في حاجه تاني؟
هكذا استفهم وائل فأجابه كمال بعملية
_ لا تمام كدا. هعرضها على خالد بيه في اجتماع مجلس الإدارة، و أن شاء الله نعتمدها. تقدروا تتفضلوا.
خرج الجميع إلى مكتبه ليتمطى كمال بكسل فقد دام هذا الاجتماع أكثر من ساعتين ليشعر بالتعب الذي تحول فجأة إلى حالة من الترقب سيطرت عليه حسن استمع الى دقات على باب الغرفة و أطلت برأسها وهي تحمل بعض الأوراق التي من المفترض أنه سيوقعها، و كعادتها لها طلة رائعه منمقة تحمل لمسه جمالية تجلت في تلك البذلة التي تعانق جسدها بنعومة، و يتماشى لونها الأخضر الداكن مع ذلك الزمرد المدفون بين جفونها، فكانت إطلالتها اليوم جميلة و عملية، وغير مُبتذلة، ولكنها أيضًا مُثيرة لتلك الخصلات البنيه التي تنساب باسترسال خلف ظهرها و تُحيط بوجهها الرائع لتبرز جماله أكثر.
تنهيدة حارقة خرجت من جوفه وهو يناظرها قبل أن يتحكم في نظرات الإعجاب التي تغزو نظراته إليها و يرتدي قناع الجمود حين اقتربت منه وهي تقول بلهجة لينة
_ صباح الخير.
تفاجأ من جملتها، فهي المرة الأولى التي يسمعها منها، ولكنه لم يُعلق انما اكتفى بإيماءة بسيطة من رأسه قبل أن ينظر في الأوراق أمامه، فدام صمتًا لا يُطيقه لذا قطعه حين قال بجفاء
_ اومال سلمى فين؟
آسيا بنبرة هادئة
_ على مكتبها.
_ و جبتش هي الورق ليه؟
هكذا استفهم زعزعته لهجتها الخافتة حين قالت
_ حبيت انا اجيبه لحضرتك ؟
لم يستطِع التحكم في رد فعله حين التفت يناظرها و إمارات الدهشة على ملامحه و في نبرته حين قال
_ نعم!
آسيا بابتسامة رائعة
_ هو ايه اللي نعم؟
تأثر بابتسامتها الرائعة ولكنه ضمن التهكم لهجته حين قال
_ مالك ؟ أنتِ سخنة النهاردة ولا حاجه؟
آسيا باندهاش
_ ليه بتقول كدا؟
كمال بسخرية
_ أصلك بقيني بتتعاملي زي البني آدمين الطبيعيين يعني!
لم يصدمها حديثه، ولكنها زيفت ذلك حين قالت
_ اومال انا قبل كدا كنت بتعامل ازاي؟
كمال بتهكم
_ الصراحة مفيش وصف لطريقتك قبل كدا.
حاولت التلاعب له لتصل إلى نقطة معينة فقالت بنبرة يشوبها الدلال
_ للدرجادي؟ طب و ايه الفرق بين الطريقتين عشان اخلي بالي بعد كدا؟
نصب عوده ليقف قبالتها واضعًا يديه في جيوب بنطاله وهو يقول بنبرة خطرة
_ الفرق كبير بصراحة. يعني قولتي صباح الخير. ضحكتي ضحكة حلوة. اتكلمي بنبرة رقيقة.
طافت عينيه على ملامحها بشغف تفهمته على الفور ليُتابع بإعجاب
_ حتى عيونك لونهم مختلف النهاردة.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة متحشرجة
_ يعني ايه مختلف!
_ يعني حلو.
هكذا تحدث بجرأة ضايقتها، ولكنها حاولت ألا تُبدي ذلك، فأخفضت رأسها تدعي الخجل ليُتابع كمال بنبرة شغوفة
_ عيونك. حلوين أوي النهاردة.
رغمًا عنها تعثرت نبضة داخل صدرها من غزله، فحاولت تغيير الأمر حين قالت بخفوت
_ انا كنت عايزة اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم..
فطن إلى رغبتها في تغيير دفة الحديث، ولكنه كان غارق في جنة عينيها التي تجذبه إليها بطريقة لم يختبرها مُسبقًا مما جعله يقول
_ كمان أول مرة اشوفك مكسوفة كدا
قطع عليها السبُل ولكنها كانت ذكية لتجعل من حديثه طريق لتصل إلى وجهتها معه حين قالت
_ مش حوار كسوف بس بصراحة انا حسيت اني كنت سخيفة اوي مع حضرتك قبل كدا، و دا مش طبعي. بس انا مابحبش حد يفرض عليا شيء غصب عني.
كمال بإعجاب
_ و دي من ضمن الحاجات الحلوة فيكي. بس خلي بالك أنها بتتعارض مع شخصيتي.
هاهي جذبته إلى الطريق الذي تريد لتقول بنبرة ذات مغزى
_ حاجه كمان انا محبتش الكلام اللي قولتهولي اليوم دا.
كمال بتخابُث يُريد أن يختبر مدى خجلها، و أن كان صحيحًا أم لا
_ كلام ايه؟
تعلم إلى ماذا يرمي لذا لاعبته بطريقتها حين قال بثبات
_ مثلاً لما قولت عايز اتعرف عليكي.
_ و ايه الغلط في كلامي دا؟
آسيا بدهاء
_ حضرتك عارفني أصلًا، فمش محتاج تعرفني.
يعجبه الحديث معها كثيرًا، و خاصةً أنها كانت تلاعبه كالفأر الذي يحاول جذب انتباه القط دون اعتبار لما قد يفعله به أن وقع في قبضته لذا قال بمكر
_ يمكن عايز اتأكد اذا كنت اقدر أثق فيكي ولا لا؟
اغتاظت من مكره، فهو يُبرر طريقته معها، و إجبارها على العمل في مكتبه ليُتابع بعملية
_ أنتِ عارفة شغل الحسابات مش سهل، و مينفعش أثق في أي حد، و بما اني عارفك، فقررت اختبرك و اشوف هقدر أثق فيكي ولا لا.
كانت تود لكنه في تلك اللحظة، ولكن عوضًا عن ذلك آثرت الضرب بطريقة أخرى إذ أخذت نفسًا طويلًا متبوعًا بابتسامة رائعة اخترقت قلبه مُباشرًا قبل أن تقول
_ انا واثقه اني هنجح في الاختبار، و هكون قد ثقة حضرتك فيا.
تُحيره كثيرًا فهي لا تُعطيه ما يتوقعه منها، فقد ظن أنها ستغضب لحديثه ولتلاعبه بالكلمات، ولكنها فاجأته، و قرى بدوره أن يكُن سهل المنال حتى يصل الى ما يبتغيه، فقال بخشونة
_ مبسوط أننا حلينا سوء التفاهم اللي كان بيننا، و اتمنى انك تفضلي كدا على طول.
آسيا بابتسامة بسيطة
_ كدا ازاي ؟
كمال باختصار
_ صريحة.
باغتتها كلمته لثوان قبل أن تقول بثبات
_ دا شيء مفروغ منه طبعًا..
توجه ليجلس على طرف مكتبه قبل أن يقول بنبرة تحمل الكثير من الغزل في طياتها
_ أنتِ كدا تمام التمام.
ابتسمت بصمت ولكن قبل أن تُتاح لها الفرصة للحديث تفاجئت بباب المكتب يُفتح و تُطِل منه أكثر انسانه تبغضها في هذه الحياة والتي بدورها اقتربت من كمال وهي تناظرها باحتقار قبل أن تلتفت إلى شقيقها وهي تقول بمرح
_ أبيه كمال. وحشتني.
ابتسم كمال لشقيقته ولكن عينيه كانت تتابع آسيا التي رسمت الهدوء على ملامحها، وكأنها لا تراها
_ تعالي يا حبيبتي. الشركة نورت.
مريهان بدلال
_ ماهي الشركة هتنور كل يوم. تمام ولا ايه ؟
كمال بمرح
_ تمام التمام طبعًا.
التفتت آسيا إليه بهدوء يتناقض مع غليان دمائها حنقًا و اشمئزازًا من كليهما
_ مستر كمال اقدر أخرج.
كمال باختصار
_ اتفضلي.
توجهت إلى الخارج وهي تتهادى في مشيتها بطريقة أغضبت ميرهان التي قالت قاصدة استفزازها
_ يالا بقى عشان توريني مكتبي . عايزة ابدأ شغلي من النهاردة.
توقفت الدماء بعروقها حين علمت بأن هذه الفتاة ستعمل معها بنفس المكان، وتملكتها رغبة هوجاء في أن تعود للخلف و تمزق وجهها و وجهه هو الآخر، ولكنها ستفعل ذلك بطريقة أكثر إحترافية.
اللهم أنت ربي وبيدكَ أمري، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أجبت، أن تجمعني وما أتمنى من غير حولٍ مني ولا قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بك. – اللهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تُغنيني بها عن رحمة من سواك واقضِ عني ديني ولا تكلني إلى أحد سواك♥️
★★★★★★★★★★
_ اقدر افهم ايه الهبل اللي انا سمعته دا؟
هكذا هتف ياسر بحدة افزعتها، ولكن الفزع الذي يُعشعش داخل صدرها منذ أن رأت تلك الفتاة بين ذراعيه كان أقوى و أشد لذا تحلت بالقوة و الشجاعة حين قالت
_ هبل ايه؟
ياسر بانفعال
_ عريس ايه وزفت ايه اللي كان عندكوا امبارح؟
غزى الخوف أوردتها، ولكن خذلانه لها و خيانته لك يتركوا لها مجال للتراجع حين قالت
_ ايوا كان في عريس عندنا امبارح وانا قابلته.
ثارت الدماء في عروقه و غرزت الغيرة أنيابها في صدره ليهتف بحدة
_نعم ياختي! قابلتي مين ؟ أنتِ اتهبلتي في مخك! غنى اعمليلك قفله احسنلك.
غنى بانفعال
_ مش هعمل قفلة يا ياسر.
ياسر بصدمة
_ تقصدي ايه؟
حاولت استجداء الشجاعة من عمق جرحها المُستعر
_ يعني العريس كويس وانا موافقة عليه.
عاد من ذكرياته على ألم مروع اجتاح صدره فقام بدعك وجهه بكفوفه عليه يتخلص من تلك الذكرى الأليمة التي لازالت تغزو أحلامه، فتحولها إلى كوابيس، و قام بإخراج سيجارته ليضعها بين أسنانه وهو يُشعلها ظنًا منه أنه سيخرج ألمه و غضبه بها، ولكنها كانت تُزيد من لهيبه اكثر و اكثر.
_ مالك يا ياسر؟
هكذا استفهمت هيام بقلق فأجابها ياسر بجفاء
_ مفيش مصدع شوية.
هيام بعتاب
_ ما انت اللي اصريت نروح نودي الموسم لمها بدري.
ياسر بنفاذ صبر
_ خلاص يا هيام خليني اخلص.
هيام باندهاش
_ من امتى يا ياسر؟ دا انت طول عمرك بتعمل المشوار دا بحُب اشمعنى المرة دي عايز تخلص؟
كيف يخبرها بأنه لا يطيق التحمل يريد أن يعرف حقيقة ما حدث، يشعُر بالقهر يعشش داخل صدره حتى تضيق به الأنفاس. حتى لو استحال اجتماعهم، ولكنه كان يُريد أن يتأكد من صدق حديثها حتى يجد شيء واحد يمكنه التخفيف من مأساته كونها فضلت رجل آخر عليه. يريد أن يتأكد من كونها وقعت في فخ مُحكم، ولم تختار الغدر به عن طواعية. لم يغير هذا من واقعهم أبدًا، ولكنه سيُهديء من وجعه قليلاً.
_ يالا عشان وصلنا.
هكذا تحدث وهو يوقف السيارة أمام منزل مها و من الناحية الأخرى توقفت وسيلة المواصلات المسماة ب ( التوك توك) أمام هذا البيت الذي يحوي حية خدعتها وحولت حياتها الى جحيم، و الآن تنوي أن توقعها في خديعتها لكي تُثبِت له بأنها لم تكذب عليه.
زفرت غنى قبل أن تخرج محفظتها لتخرج بعض النقود و تضعها في يد السائق، وهي تنظر إلى شروق التي تجلس بجانبها والتي قالت بقلق
_ غنى. أنتِ متأكدة من اللي هتعمليه دا ؟
غنى بتصميم
_ مقداميش حل تاني. لازم اعرف اذا كانت بتكذب ولا لا؟ و لازم هو كمان يسمع كلامها و اواجهه بيه عشان اعرف مين فيهم كذاب. يالا معايا.
ترجلت الفتاتين وهما تلتفان حول المنزل و إذا بغنى تتجمد في مكانها حين شاهدت ياسر الذي يترجل من سيارته و بجانبه شقيقته هيام لتهتاج دقات قلبها حين رأته، ولكنها قررت أن هذا هو الوقت المناسب لمعرفة الحقيقة، فتقدمت تنوي الظهور أمامهم وووو
الإثم السادس عشر ج٢ بعنوان ” عذاب لا ينتهي”
أحكمت يد شروق الطوق فوق معصمها وهي تسحبها إلى الخلف قائلة بلهفة
_ غنى الحقي. مش دا ياسر ؟
غنى بجمود و عينيها يتراقص بهم الدمع من فرط الألم
_ أيوا هو.
شروق باستفهام
_ طب أنتِ هتتخليلها ازاي وهو هناك ؟
غنى بجفاء
_ دا فرصة ادخل وهو جوا. عشان اواجههم ببعض.
أطلقت شروق زفرة قويه قبل أن تجذب غنى من يدها إلى الخلف وهي تقول
_ طيب تعالي هنا نتكلم كلمتين الأول.
نزعت غنى يدها من يد شروق وهي تقول بانفعال
_ سبيني يا شروق. انا مبقاش عندي حاجه اخسرها خليني اكشفهم قدام بعض
شروق بحكمة
_ طب عرفيني الأول أنتِ معاكي دليل على الكلام اللي مها دي قالتهولك؟
غنى بخفوت
_ لا .
اومأت شروق برأسها قبل أن تقول بتقريع
_ مواجهة ايه اللي ناويه عليها يا غنى؟ هتدخلي تقولي لواحدة الكلام المُخزي دا قدام جوزها و أهله و ياسر كمان و أهله و أنتِ معكيش اي دليل على كلامك دا و منتظره انها هترد تقولك ايوا قولت!
بهتت معالمها من حديث شروق الذي يحمل الكثير من الصواب، فتابعت الأخيرة بحكمة
_ مليون في المية هتقول انك مجنونه و جايه ترمي بلاكي عليها، والكل هيفكر كدا. حتى ياسر هيبصلك بصة وحشة، و هيكون أول واحد يقفلك.
تناثر الألم من بين مآقيها و خالط نبرتها حين قالت
_ طب اعمل ايه ؟ انا هموت من يوم ما قابلته. معقول كل دا كذب وانا اضحك عليا، و شربت المُر دا كله وهو من الأساس مخانيش! انا لازم اكشفها قدامه. شيفاه رايح لها و شايل و محمل عشان يعززها قدام أهلها، وهي السبب في المرار اللي شفناه دا كله.
اقتربت شروق تحتضن كفوفها بحنو وهي تقول بتعقُل
_ وعشان كدا لازم تتصرفي بحكمة. عشان تقدري تثبتيله دا.
غنى بضياع
_ طب اعمل ايه؟
شروق بنبرة هادئة
_ هنستنى لما يمشوا و نروح نزورها كإننا اتنين أصحابها و لما تيجي تسلم عليكي قوليلها انك عيزاها في موضوع على جنب، و لما تبقوا لوحدكوا اتكلمي معاها، و افتحي التسجيل على تليفونك و سجليلها كلامها من غير ما تعرف، و بكدا هتقدري تثبتيله بالدليل القاطع.
دارت كلمات شروق في عقلها لثوان قبل أن تقول باستسلام
_ هعمل كدا فعلًا.
_ اذيك يا عماد عامل ايه؟ كل سنة وانت طيب.
هكذا تحدث ياسر بنبرة خشنة مع عماد زوج مها الذي أجابه بود
_ وانت طيب يا ياسر. نحمد ربنا و نشكر فضله. نورتنا والله انت والحاجه ام حمادة.
هيام بذوق
_ نيرة بأهلها يا ابو ياسر.
دلفت مها إلى الصالة الكبيرة وهي تقول بترحاب
_ يادي النور يادي النور.
ثم اندفعت تعانق هيام بحب، فبادلتها العناق وهي تقول بحنو
_ وحشتيني يا مها. عاملة ايه يا حبيبتي ؟
_ الحمد لله يا أبلة هيام. مش مصدقه نفسي والله لما عماد قالي انكوا جايين.
هكذا تحدثت مها بحبور قبل أن تلتفت إلى ياسر قائلة باحترام
_ اذيك يا أبية ياسر عامل ايه؟
ياسر بجمود
_ اذيك يا أم ياسر. كل سنة وأنتِ طيبة.
تباين الحديث ما بين الجد و المُزاح و اللهو مع ياسر الصغير إلى أن سمعوا أحدهم ينادي على عماد الذي أستأذن منهم قليلًا ثم تحدثت هيام الى مها قائلة
_ مها. الحمام فاضي؟
مها بلهفة
_ ايوا يا أبلة اتفضلي البيت بيتك.
حانت اللحظة التي أرادها، فتحدث إلى مها قائلًا
_ مها. ممكن كباية ميه بعد ما توصلي هيام للحمام؟
مها بلهفة
_ عيني.
و بالفعل توجهت إلى الداخل برفقة هيام لتعود وحدها وهي ممسكة بكوب من المياة أخذه ياسر منها قبل أن يقول بذوق
_ شكرًا يا مها.
مها بنبرة ودودة
_ العفو على ايه؟
ناظرها ياسر بصمت لم يدُم طويلًا ليقول بترقُب
_ بقولك يا مها. فاكرة أما الزايدة تعبتك و روحتي عملتيها ؟
باغتها استفهامه فبرقت عينيها قبل أن تقول بتلعثُم
_ اه. اه فاكرة. بس اشمعنى ؟
لم يخفى عليه تلعثُمها ولكنه تابع قائلًا بهدوء
_ أنتِ قولتيلي ان عماد كان جاي مع صاحبه بيعمل عمليه و شافك هناك و اعجب بيكي والكلام دا.
مها بلهفة
_ ايوا فعلا حصل.
ضيق عينيه وهو يُتابع ملامحها عن كثب قبل أن يقول بترقُب
_ بس انا سمعت انك كنتي عرفاه قبل كدا، و ليكي علاقه بيه.
مها بارتباك
_ انا! ايه . ايه الكلام دا ؟ لا طبعًا. مين قالك كدا؟
ياسر باختصار
_ غنى.
هبت مها من مقعدها وهي تقول بصدمة
_ ايه؟ غنى!
ياسر بتأكيد و عينيه لازالت عليها
_ أيوا غنى.
تغلبت على صدمتها قبل أن تقول بانفعال
_ كذابة، وانت عارف انها طول عمرها بتغير من علاقتك بيا، وانك كنت بتودنا بعد موت عادل الله يرحمه، و عايزة تشوه صورتي قدامك. بس ! بس هي قالتلك الكلام دا امتى؟ هو انت لسه بتشوفها مش كانت…
قاطعها ياسر بخشونة
_ قالتلي الكلام يوم ما أنتِ عملتي العملية.
تلاحقت أنفاسها من حديثه، و جف حلقها وهي تناظره بصدمة لا تعرف ماذا أخبرته تلك الفتاة أيضًا؟ أيمكن انها وشت بها أمامه؟ حاولت نفي التهمة عن نفسها لتقول بلهفة
_ هو انت شفتها تاني بعد اليوم دا؟
بدأ بالتحقق من ظنونه ولكنه تابع استجوابها بطرق ملتويه حين قال مُستفهمًا
_ طبعًا شوفتها. دي كانت مستنياني عند المستشفى عشان تطمن عليكي..
دائمًا لكل كاذب سقطة وكانت سقطتها هي القاضية حين هتفت بغباء
_ ازاي كانت جايه تطمن عليا دا كانت جايه تتأكد من كلامي…
ماتت الكلمات فوق شفاهها وهي تناظر عينيه التي ارتسمت بها خيبة الأمل مما جعلها تخفض رأسها بخزي لينهض من مكانه وهو يقف قبالتها قائلًا بجفاء
_ الكلام اللي غنى قالتهولي صح؟
نبرته و نظراته و ملامحه التي اسودت من فرط الغضب كل هذه أشياء جعلتها تفهم ما هو المغزى الحقيقي خلف استفهامه لتُجيبه عبرات الندم التي تدحرجت على وجنتيها وهي تقف أمامه حامله ذنب تدمير حياته، و انفصاله عن محبوبته، و شقاءه إلى الأبد.
خيبة أمل جديدة أصابته، و لكن هذه المرة كانت أمر من العلقم، فمن اعتبرها شقيقته الصغرى و أمانته التي حافظ عليها طوال السنوات الماضية هي من خطت بيدها فرمان تعاسته و شقاءه في الحياة.
سمع صوت هيام القادم من الخلف فتحدث بنبرة قاسية
_ من النهارده تعتبريني انا كمان مُت زي عادل الله يرحمه، و بيتك دا اتحرم عليا العمر كله.
توجه إلى الخارج فقابلته هيام بمنتصف الصالة لتقول باستفهام
_ رايح فين يا ياسر؟
ياسر بجفاء
_ ورايا مشوار مهم هنا في العزبة. هخلصه و اعدي عليكي اخدك.
_ طيب يا حبيبي. ربنا يعينك.
توجه إلى الخارج وهو يشعر بأن المكان يضيق به حتى كادت رئتيه أن تنفجر طالبه لبعض الأكسجين النقي، فقد تلقى اليوم صدمة قاسية لا يتحملها قلبه، ولا يستوعبها عقله. لذا استأذن بعُجاله من عماد ليستقل سيارته و يغادر وفي قلبه رغبة قويه بمغادرة هذه الحياة التي لم تترك شخصًا واحد عزيزًا على قلبه الا و انتزعته منه.
كان يقول السيارة بسرعة ويديه تقبض على المقود بقوة،فالغضب بداخله يجعله يكاد يجن، فلم يلحظ ذلك البروز في الأرض و الذي جعل السيارة ترتفع إلى أعلى ثم تهبط بقوة على الأرض مُحدثه صوت قوي لفت أنظار جميع المارة مما جعله يتوقف على جانب الطريق يسترد أنفاسه ويحاول التغلب على غضبه و ألمه، وفجأة لمح طيفًا لإمرأة يعرفها قلبه جيدًا و الذي بدوره انتفض حين لمح خصلاتها المتمردة، فقد كانت تُعطيه ظهرها، ولكنه متأكد انها هي، فقلبه لن يخطيء أبدًا لذا ترجل من سيارته ليتوجه إليها، وعقله ينهره بشدة، ولكن منذ متى يستطيع أي عقل التحكم به في حضرة وجودها؟
شهقت شروق بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
_ الحقي يا غنى. ياسر داخل علينا.
انتابها الُذعر الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ يا لهوي بتقولي اي؟ يارب ما يشوفنا اديله ضهرك بسرعه.
تأكدت ظنونه حين رآى شروق التي تحدثت بتعقُل
_ اهدي، و متتوتريش هو مالوش حاجه عندك. عادي كنا هنا بنشتري حاجات أو بنزور حد .
هيهات أن يستمع قلبها لأي حديث فقد كانت دقاته تتناحر بصدرها بقوة، و أنفاسها تتسارع كمن تخوض سباق للعدو، و تتمنى لو أنه يُغير وجهته فحالتها لا تسمح برؤيته الآن، ولكن صوته القاسي باغتها حين قال
_ أنتِ بتعملي ايه هنا؟
انتفض جسدها و التفتت تناظره، فتفاجئت بهذا الغضب الذي يلون عينيه بلون الدماء فيجعلها مرعبة تشبه ملامحه التي كانت قاسية خاصةً بتلك العروق البارزة في رقبته، ولكنها حاولت التحلي بفضيلة الشجاعة لتقول بنبرة مُهتزة بعض الشيء
_ بشتري. شويه حاجات. في ايه؟
توقع أن تكذب عليه، ولكنه لن يسمح لغبائها في أحداث كارثة أخرى لذا قال بحدة
_ متكذبيش، و ردي عدل.
افزعتها نبرته لوهله، ولكنها لم تعتاد على الخوف منه لذت هتفت بنبرة عالية بعض الشيء
_ انا حرة اروح في المكان اللي يعجبني.
قاطعها بشراسة
_ حرة في اللي يخصك. انما الغباء اللي في دماغك دا هيطول ناس كتير اوي، وانا مش هسمحلك تتمادي فيه.
كلماته أيقظت الجراح من سُباتها لتهتف بانفعال
_ الناس اللي انت خايف عليهم اوي دول دمرولي حياتي.
ياسر بقسوة
_ غبائك و قلة ثقتك هما اللي دمرولك حياتك. متجبيش التهمة في حد تاني.
حاولت رد الهجوم بآخر مُضاد حين قالت
_ حقك تقول كدا لكن لما اثبتلك واسمعك بودنك اللي حصل هتقول..
قاطعها بنبرة جافة تحمل طابع اللوعة
_ هقول نفس اللي انا قلته. غبائك وقلة ثقتك هما اللي دمروا حياتك. سيبي بنات الناس في حالها.
غنى بانفعال
_ مش هسيبها. اشمعنى هي مسابتنيش؟
لاحت ابتسامة ساخرة على شفتيه قبل أن يقول باستفهام
_ أنتِ عايزة ايه منها؟
غنى بقهر
_ عايزة أثبتلك أنها قالت كدا فعلًا
ياسر بنبرة محشوة بالوجع
_ و بعد ما تثبتيلي. ايه اللي هيتغير؟
كان استفهام من شأن أحد إجاباته قتلها. ما الذي سيحدُث حين يعلم الحقيقة ؟ هل سيغفر لها تلك الكارثة التي فعلتها بحقه؟ لم تسأل نفسها هذا السؤال بل و تعمدت ذلك خوفًا من تلك الاحتمالات المروعة، ولكنه قطع عليها الطريق ليقول بجفاء
_ الطعنة اللي طعنتيهالي في ضهري لسه بتنزف، ومفيش اي حقيقة هتداويها، فوفري على نفسك كل الجسور اللي بينا اتهدت.
تعلم بأن جميع السبُل بينهم تقطعت، وأنها فقدت اخر جزء من قلبها اليوم، ولهذا لم تريد أن تفقد كرامتها هي الأخرى لذا أجابته بنبرة مُتحشرجة، و جفون أثقلها الدمع
_ كل الكلام اللي انت قولته دا انا عرفاه، و متفكريش اني عايزاك تعرف الحقيقة عشان في دماغي حاجه من ناحيتك. لا . انا بس عيزاك تعرف الغدر كان جايلك من انهي ناحية.
من المؤسف أنه أكثر من يرى قلبها و يشعر به الآن، ولكنه لن يمد يديه ليمحي عبراتها أو ليربُت على جرحها فيبرد، فقد كان هو الآخر يحمل من الجراح ما يجعله يود الهرب من كل شيء حتى هي
_ الغدر ميبقاش غدر غير لو جه من اللي بنحبهم. غير كدا ولا بيهزنا.
أصابتها جملته في الصميم، فهاهو يخبرها بأن الغدر هو ما فعلته به لأنها حبيبته، فهي الوحيدة المُلامه بنظرة
_ انتوا جايين مع مين؟
هكذا تحدث موجهًا حديثه إلى شروق التي تحدثت بحرج
_ جايين لوحدنا.
برقت عينيه حين تفوهت بجملتها و تبدد كل شيء للحظات ليلتفت إليها قائلًا بحدة
_ انتوا جايين المشوار دا كله لوحدكوا؟
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة
_ عادي. هو احنا صغيرين.
ود لو يُحطم رأسها في هذه اللحظة، فهذه المرأة حتمًا ستكون سبب هلاكه بيوم من الأيام
_ للأسف انك مش صغيرة. لو عيلة صغيرة كان يبقى ليكي عذرك.
صمت لثوان قبل أن يتابع بتقريع
_ جايه من اخر الدنيا أنتِ و صاحبتك لوحدكوا، قاعدين لحد ما الليل دخل و تقولي احنا مش صغيرين!
غنى لاستفزاز
_ والله انا مش شايفه مشكلة في كل اللي انت قلته ؟
اغضبه حديثها ليهتف بغيرة هي لعنته الأبدية معها
_ افرض حد عاكسكوا، ولا اتعرضلكوا؟ أنتِ ايه مفيش فيكي عقل. اتفضلي قدامي بدل ما اروح فيكِ في داهيه.
اجفلتها جملته و نبرته العالية حد التفات الناس إليهم لهذا تداركت شروق الموقف و اقتربت لتمسك بذراع غنى وهي تقول
_ يالا بينا.
توجهت الفتاتين خلفه، فقام فإيقاف أحد وسائل المواصلات ( توك توك) و أخبره أن يوصلهم إلى قريتهم بعد أن أعطاه العنوان، واختتم جمله قائلًا بنبرة يشوبها التهديد
_ انا همشي وراك بالعربية.
أنهى جملته والتفت إلى حيث تقف برفقة شروق ثم قال بجفاء
_ اركبوا.
توجهت شروق لتأخذ مكانها بانتظار غنى التي التفتت تناظره بعتب تصدى له كبرياءه، فظلت عينيه على جمودها مما جعلها تقول بصوت يتعانق به الألم والحسرة معًا
_ شكرًا اوي. تعبتك معايا.
كان للكبرياء صوت آخر اخرس صوت القلب في الحال ليقول بجفاء
_ ياريت متتعبنيش تاني.
جملته اضرمت نيران الغضب داخلها لتقرر تحديه حين قال
_ بلاش انت تتعب نفسك عشاني تاني.
أنهت جملتها و توجهت إلى داخل مواصلة النقل لينطلق السائق بينما هو وقع فريسة لتأنيب عقله الذي يحتج و بشدة على سيطرة هذه المرأة عليه بهذه الطريقة، فقد وضعته وجهًا لوجه أمام ضعفه أمامها بجملتها الأخيرة، وكأنها تخبره إن استطعت التخلي عني فافعل.
نفض عنه هذه الأفكار التي تنهش بعقله و استقل سيارته ليتبعهم إلى القرية، و طوال الطريق وهو يفكر اي طريق يسلكه حتى يتخلص من لعنة الهوى التي اعيته، و تسببت في عذابه ولوعته لسنوات.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت♥️
★★★★★★★★★★
_ بابي . بليز ينفع اطلب طلب ؟
هكذا تحدثت رنا بخفوت ليُجيبها خالد وهو لازال منشغلًا بالنظر في الأوراق أمامه
_ قولي يا حبيبتي.
أخذت رنا تقضم في شفتيها لا تعرف كيف تخبره بما تريد، واي طريقة يمكنها أن تجعله يوافق على طلبها دون نقاش؟
التفت خالد يناظر توترها بترقب ثم رقق لهجته وهو يقول
_ في ايه يا رنا يا حبيبتي ؟
تحمحمت قبل أن تقرر أن تخبره بما تريد دفعة واحدة
_ ينفع انزل اتغدى مع أشجان تحت ؟
تفاجيء خالد من حديث ابنته كثيرًا، ولكنه لم يُظهر ما يعتريه إذ قال باستفهام
_ اشمعنى؟
رنا برجاء
_ هي صاحبتي يا بابي، وانا حبيتها اوي. ممكن تسيبني اروح اقعد حتى معاها شويه؟
اندهش خالد من حديث ابنته و رجاءها ولكنه قال بجمود
_ افرض هي مش فاضية ؟
رنا بلهفة
_ لا فاضية. دي هي اللي طلبت مني انزل اتغدى معاها في البريك.
رفع أحد حاجبيه قبل أن يقرر أنه لن يحزن طفلته، ولكن صداقتها مع هذه المرأة لم تعجبه كثيرًا لذا سيراقب من بعيد حتى يتدخل عندما يتطلب الأمر منه ذلك
_ تمام يا حبيبتي. يالا ننزل سوى.
رنا بفرحة
_ بجد يا بابي. هتيجي معايا؟
خالد باختصار
_ بجد يا حبيبتي.
_ أشجان أنتِ معيطة؟
هكذا استفهمت آسيا وهي تنظر إلى أشجان التي يلون الألم عينيها وملامحها و نبرتها حين اجابتها
_ لا عادي. عيني اطرفت بس.
أسندت آسيا رأسها فوق كفها، وهي تقول بحزن
_ مشكلتك أنك أول ما بتزعلي عينك بتطفي على طول. قوليلي حصل ايه؟
حاولت قمع عبراتها حتى لا تُثير بلبلة حولهم في الكافيتريا الكبيرة الخاصة بالشركة ولكن فاض الحزن و طغى، فلم تعُد عينيها تستطيع حمله لينهمر الدمع من عينيها يشكو وجعًا لا تفلح اي كلمات في وصفه مما جعل آسيا تجذب أحد المحارم الورقية لتناولها إياها وهي تقول بغضب
_ والله الدمعة من عنيكي اغلى منه و من بلده.
أشجان بأسى
_ انا ارخص حاجه عند امين يا آسيا.
أسيا بحنق
_ عشان دا واحد حيوان. مش مقدر النعمة اللي في أيديه. بقولك ايه أنتِ مينفعش تتحمليه اكتر من كدا. احنا لازم نتصرف و تطلقي من الزفت دا. انا فاضلي تكه وهاجي اخلصلك عليه.
أشجان بانفعال
_ هو الموضوع سهل كدا؟ انا معايا ايه ولا حيلتي ايه عشان اقدر اصرف بيه على ولادي لما اسيبه!
آسيا بحدة
_ نعم ! تقريبا أنتِ اللي بتصرفي عليه و عليهم دلوقتي ولا انا غلطانه!
اشجان بتعب
_ لا مش غلطانه. بس انا دلوقتي زي اللي عريانه بالظبط. ضهري للطل، ولو هاخد موقف لازم يكون معايا حاجه اتسند عليها. عشان اقدر اكمل للآخر.
زفرت آسيا بتعب قبل ان تقول
_ لو استنيتي في الوضع دا اكتر من كدا يبقى بتموتي نفسك بالبطيء و مش هتلحقي…
قاطعها صوت رنا التي اقتربت من أشجان قائلة بسعادة
_ أشجان. أشجان. انا جيت.
التفتت أشجان إلى الصغيرة ليتبدل حزنها إلى سعادة لونت ثغرها ببسمة جميلة شقت طريقها من بين كل هذه المآسي حين رأت هذه اليتيمة التي تشعر بالشفقة تجاهها
_ أهلًا يا قلبي.
احتضنتها أشجان بحب لتتعلق عينيها الباكية بذلك الجسد الضخم الذي يُطل عليهم مما جعل آسيا تهب من مكانها وهي تقول باحترام
_ مستر خالد. ازي حضرتك.
كمال بجمود
_ أهلًا يا آسيا ازيك.
_ بخير الحمد لله. ازيك يا رنا.
هكذا تحدثت آسيا وهي تنظر إلى رنا الواقفة بجانب أشجان التي نصبت عودها ورفعت عينيها إليه فشاهد آثار الحزن، و الدموع التي تلطخ ملامحها الجميلة، فتجعلها لوحة حية للجمال الحزين مما جعله يطلق عليها بداخله لقب ملكة الجمال و الحزن
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ رنا قالتلي انك طلبتي منها تتغدى معاكي النهاردة ؟
شعرت أشجان بالحرج من حديثه، و كعادتها لا تملك الثقة الكافيه للحديث أو الرد مما جعل الحروف تتأرجح فوق شفتيها وهي تقول
_ انا. انا فعلا طلبت منها دا. بس لو حضرتك معترض أو.
رغبة مُلحة بداخله أجبرته على أن ينتشلها من هذا الحرج و الخوف الذي يتراءى بوضوح في عينيها لذا قاطعها قائلًا
_ لا مفيش اي اعتراض. انا مش حابب انها تسبب أي إزعاج.
اندفعت الكلمات من بين شفاهها متلهفة
_ أبدًا دي رنا جميلة اوي، وانا بحبها اوي.
شعر بصدقها، والأدهى من ذلك تأثير حديثها على طفلته التي اتسعت ابتسامتها كثيرًا، و كأنها لم تسمع من قبل أن شخصًا ما يُحبها، وقد اغضبه هذا لوهلة، فهذه المرأة بكل مرة تتقابل مع ابنته تشعره بتقصيره في حقها لذا تحدث بجفاء
_ مفيش مشكلة. لما تخلصوا اكل طلعيها على مكتبي.
تدخلت آسيا هذه المرة قائلة باحترام
_ حاضر يا مستر خالد.
التفت من أمامهم وهو ينوي الصعود إلى مكتبه، ولكن وصل إلى مسامعه جملة طفلته
_ انا فرحانه اوي عشان هقعد معاكي شوية.
اندهش من تعلقها الغريب بإمرأة لم ترها سوى مرة واحدة، وقد كان هذا سبب كبير يجعله يتراجع عن نيته في الصعود إلى الأعلى ليتوجه إلى أحد طاولات المدراء التي لم يجلس عليها سوى مرات معدودة، فهرول النادل لمعرفة طلبه بينما انشغلت أشجان مع رنا التي كانت تبتسم بسعادة و ضحكتها تملء وجهها على غير العادة، و كذلك هذه المرأة كانت تعاملها بلُطف و حنان يعلم كم أن ابنته تحتاجه، و قد كان هذا الأمر مؤلم كثيرًا، فمن كانت تغدق عليهم من الحنان غادرت دون رجعة.
مر وقت الغداء بسرعه ليُنهي وجبته وهو يتوجه إلى الأعلى ليستقر خلف مكتبه ينتظر مجيأهم، وهو يُفكر في أمر هذه المرأة مع ابنته و هل من الصواب لقائها بها ام لا؟
طرق خفيف على الباب وصل إلى مسامعه ليسمح الطارق بالدخول وقد كانت رنا التي أشرق وجهها بالسعادة و ارتسمت ابتسامة رائعة على ملامحها وهي تتوجه إليه قائلة بحبور
_ انا جيت.
ابتسم خالد بدوره وهو يقول بحنو
_ اهلًا بحبيبه بابي. اكلتي كويس؟
رنا بسعادة
_ اكلت كويس، و شربت عصير و كلت أيس كريم كمان.
كمال بخشونة
_ بالهنا و الشفا. كل دا مرة واحدة! دي الناني بتتحايل عليكي تكملي الساندوتش بالعافية.
رنا بمرح
_ دي الناني بقى. انما انا كلت مع اصحابي. آسيا و أشجان.
كمال باندهاش
_ بقوا أصحابك كمان!
رنا بلهفة
_ طبعًا اصحابي. دا احنا حتى اتفقنا اني هخرج معاهم يوم الأجازة كمان.
برق الغضب بسماء عينيه من حديثه طفلته مما جعله يتحدث بجفاء
_ اتفقتي من غير ما ترجعيلي!
ارتبكت رنا و غزى وجهها الخوف الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ لا . انا. انا مقصدتش. بس أشجان قالتلي انها هتقولك..
تعاظم غضبه من هذه المرأة التي تتقرب من ابنته بطريقة تُثير ريبته ليتحدث بجفاء
_ نبقى نتكلم بعدين. يالا عشان السواق هيوصلك البيت.
اومأت رنا بصمت لتُغادر مع السائق بينما كان هو يغلي من شدة الغضب الذي جعله يقول بالحديث مع مديرة مكتبه قائلًا بحدة
_ ابعتيلي أشجان عزام من قسم الأرشيف.
ماهي إلا ثوان حتى سمع طرق على باب الغرفة فعلم هوية الطارق لذا أعطى أمره بالدخول لتُطل برأسها وهي تناظره على استحياء أثار ريبته كثيرًا، فهذه المرأة غريبة دائمًا حزينة و تبكي، و خائفة، وهو يكره بشدة هذه الصفات في أي امرأة، ولهذا آثر الدخول في الحديث مباشرةً حين قال
_ مدام أشجان انا عايز اعرف ايه علاقتك ببنتي؟
صُعِقت من حديثه و استفهامه مما جعلها تناظره بصمت و عينين التمع بهم وجه الزمُرد الذي استأثر باهتمامه لوهلة قبل أن يتشتت انتباهه حين قالت بتلعثُم
_ انا. انا . مش فاهمه . يعني . حضرتك تقصد اي؟
خالد بجفاء
_ كلامي مفهوم مش محتاج توضيح. بس مفيش مشكلة هوضحلك. بنتي بادئة تتعلق بيكي بطريقة مش عجباني، و عايز اعرف ايه السبب؟
اغتاظت من حديثه الغريب، ولكنها لا تستطيع التعبير عما يجول بخاطرها ولا تملك الجرأة لذلك لذا قالت بخفوت
_ حضرتك تقدر تسألها.
زفر خالد حانقًا حين استمع الى جملتها لذا أجابها بحدة
_ مش هلاقي عندها إجابه مقنعه. بس أنتِ اكيد عندك.
قررت أن تخبره الحقيقة حتى تنجو من هذه المقابلة المرهقة وهي لا تملك أي قدرة على احتمال امثالة من البشر
_ يمكن عشان حست أن انا بحبها.
خالد بجفاء
_ و أنتِ تعرفيها منين عشان تحبيها؟
أشجان بصدق
_ عندك حق انا فعلا يعتبر معرفهاش. بس لما عرفت انها يتيمة حسيت اني عايزة احضنها واطبطب عليها.
اغضبه حديثها كثيرًا، فزمجر بخشونة
_ أنتِ بتشفقي على بنتي!
لا تعلم لما انتابتها رغبة قوية في البكاء، فهذا الرجل بغضب لكونها تشعر بالشفقة على ابنته، وهي تتمنى أن تجد شخص واحد في هذا الكون يشفق عليها لذا خرجت الكلمات من بين شفاهها حزينة كحالها
_ كلنا محتاجين الشفقة صدقني.
لامس جرحًا عظيمًا في جملتها، فلم يمنع نفسه من الاستفهام قائلًا
_ هو أنتِ على طول كدا!
_ كدا ازاي ؟
لا يعلم ما الذي عليه قوله؟ ولا يريد التطرق لأمور شخصية، و حانق بشدة على هذا الشعور بالشفقة الذي لا يعلم من أي جهة تسرب إلى قلبه تجاهها من ذات علم بأنها تتعرض للتعنيف على يد زوجها لذا آثر تغيير دفة الموضوع و عدم الإنزلاق خلف فضول أهوج داخله، فقال بجفاء
_ انسي.
لم تُطيل في الأمر انما قالت بلهجة يشوبها المرارة
_حاضر. لو حضرتك متضايق من علاقتي برنا، فأنا مش هحاول اقرب منها. بس لو هي جت لحد عندي مش هقدر اصدها، ودا عشان بحبها فعلًا مش شفقة عليها ولا حاجه. عن اذنك.
أنهت جملتها وتمنت لو أن الرياح تأخذها إلى مكان يمكنها إسقاط جميع احمالها دفعة واحدة حتى تهنئ ولو لوقت قصير بأنفاس هادئه و تنعم بالسلام الذي أكثر ما تفتقر إليه في حياتها.
لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض، ورب العرش العظيم ثم يدعو مع ذلك بما يسر الله له♥️
★★★★★★★★
_ هو احنا هنفضل واجفين اهنه كتير ؟
هكذا تحدث مطاوع بحنق مما جعل رحيم يقول بصرامة
_ اجفل خشمك يا واد انت. هو أنت أكده في المُصلحة لازمن تجرفني. انما لو في مرجعة و جله حيا يِبجى الموضوع على كيفك.
مطاوع باندفاع
_ زين انك خابر اني ما عحبش غير المرجعة. چايبني اهنه ليه في الحزن دا؟
رحيم بنفاذ صبر
_ اباي عليك . بجولك الموضوع كبير. ايه البعيد حمار مبيفهمش!
_ ايوا يعني ايه كبير اللي ماسكهالي دي! رسيني ايه العبارة؟
هكذا هتف مطاوع بملل ليقول رحيم بترقُب و عينيه على باب المنزل أمامه
_ شاكك أن الولية بنت المحروج بتاعت الوشم ساكنه أهنه.
اعتدل مطاوع منتبهًا لحديثه قائلًا باستفهام
_ صوح الحديت ده يا رحيم! ازاي ؟ مش كانوا بيجولوا ماتت!
_ كذب. الولية دي عايشة، وان شاء الله ربنا مش هيخيب ظني و هتطلع هي و هجبض عليها.
هكذا تحدث رحيم بغل. ثم استرعى انتباهه أحد الأطفال الذي كان يهرول في الشارع ليلتفت رحيم قائلًا إلى مطاوع
_ اني عايز اعمل حاچة تخليها تخرچ چري من البيت
مطاوع بتهكم
_ نخضوها.
رحيم بغضب
_ اتعدل ياد و اتكلم زين .
_
اغتاظ مطاوع الذي لم يُجيبه بل ترجل من سيارته لينادي على الطفل الصغير قائلًا
_ يا عسل. خد أما اجولك.
اقترب منه الصغير قائلًا
_ عايز ايه؟
اقترب مطاوع من أذنه ليقول شيء ما، فاعترض الصغير ليخرج من جيبه ورقة ماليه ثم عاد ليملي عليه عرضه مرة أخرى، ولكن هذه المرة وافق الصغير على أمل الحصول على هذه الغنيمة الصغيرة، وما هي إلا ثوان حتى شاهده رحيم يتوجه إلى البوابة الكبيرة ثم قام برن الجرس مطولًا قبل أن يهرول و يختبيء في أحد الزوايا تزامنًا مع استقلال مطاوع السيارة وهو يقول بمرح
_ طلعت ولا لسه؟
ناظره رحيم بحنق تجلى في نبرته حين قال
_ ايه اللي انت عِملته ده؟
مطاوع بسلاسه
_ جولت للواد يرن الچرس و يهروب و هديله خمسين چنية.
رحيم بغضب
_ انت يا چحش ايه الأفكار المطينة بطين دي؟
مطاوع باستياء
_ الصبر بس. ماهو ده اول حب منفعش هننزل بالتجيل بعد اكده
رحيم بتهكم
_ وهو ايه التجيل ده أن شاء الله ؟
لم يكد ينهي جملته حتى تفاجيء بصوت تكسير زجاج و بعدها خرجت أحد السيدات والتي ترتدي ثياب سوداء و غطاء رأس اسود لتصيح غضبًا على من قام بكسر زجاج البوابة لتجحظ عيني رحيم وهو يناظرها بصدمة. لقد كانت هي بالفعل، و لدهشته وجد ضي التي جاءت من خلفها وهي تحاول تهدئتها ولازالت هذه اللعينة تصرخ بغض وهنا استرعى انتباهه شيء جعل جميع حواسه تتوقف عن العمل!
اللهم أنت ربي وبيدكَ أمري، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أجبت، أن تجمعني وما أتمنى من غير حولٍ مني ولا قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بك. – اللهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تُغنيني بها عن رحمة من سواك واقضِ عني ديني ولا تكلني إلى أحد سواك.♥️
★★★★★★★★
_ آسيا هاتيلي قهوتي وتعالي.
هكذا تحدث كمال إلى آسيا عبر الهاتف لتزفر الأخيرة بحنق وهي تتوجه إلى ماكينة صنع القهوة لتقوم بعمل قهوته وهي تشعر بالغضب منه ومن نفسها، فهذه الأيام ثقيلة كثيرًا على نفسها، و خاصةً حين يمر على ذاكرتها حديث رؤوف البارحة.
كانت تقف في انتظار أن تنضج القهوة لتتفاجيء بصوت ساخر من خلفها
_ حلو اوي انك عرفتي مقامك في الشركة زي مقام امك في البيت بالظبط.
هاهو كابوس حياتها بدأ مرة أخرى مع هذه الفتاة المُريعة والتي تتمنى لو تحترق في الجحيم السابعة ولا تجد من ينقذها، ولكنها قررت أن تُذيقها ما هو أقسى لذا التفتت تناظرها باحتقار تضمنته لهجتها أيضًا حين قالت
_ ايه دا الكلب اللولو بتاع كمال بيه جه !
صُدٍمت ميرهان من حديث آسيا الوقح، وكعادتها معها تُحقر من شأنها بطريقة تجعل الدماء تفور في عروقها لتصرُخ قائلة
_ أخرسي.
آسيا باستفزاز
_ تؤ تؤ تؤ تؤ تؤ. معقول تتعصبي بسرعة كدا. دانا حتى لسه معملتش حاجه.
ميرهان باستفهام
_ يعني ايه معملتيش حاجه؟
آسيا بغل
_ يعني خليكي تقيلة كدا. متتعصبيش من اقل حاجه. اصل على اخر اليوم الاقيكي اتشليتي ولا حاجه. اه . ماهو. أنا أصلي مقولتلكيش . مش انا ناوية تتسلى عليكي في الراحة والجاية .
ميرهان بانفعال
_ أنتِ اتجننتي! بتقولي ايه؟
لأول مرة الحظ يخدمها حين التقمت صورته التي تنعكس في الزجاج المقابل لها لتتبدل ملامحها إلى الآسى و نبرتها الى الانفعال وهي تتقن رسم الانهيار على وجهها حين قالت
_ لحد هنا ومش هسمحلك. تجيبي سيرة امي تاني، ولا تهينيني تاني.
اتبعت حديثها بشهقة قوية و التفتت تنوي المغادرة لتجد نفسها وجهًا لوجه مع كمال الذي لاحظ تأخرها و أتى لرؤيتها، ولكنه صُدٌم حين رأى انهيارها ولكن صدمته لم تدُم طويلًا إذ شاهد شقيقته تقف في الخلف ليهتف بلهفة
_ في ايه يا آسيا؟
آسيا بانفعال أتقنت تزييفه كهذه العبرات التي تنهمر على وجنتيها
_ انا مستقيلة من الشركة و التدريب وكل حاجه، و كفاية إهانات بقى.
قالت جملتها و دفعته لتهرول إلى الخارج فالتفت ناظرًا إلى ميرهان المصدومة مما يحدث و خاصةً حين قال بقسوة
_ المرة دي لو قليتي ادبك عليها انا اللي هقفلك.
ميرهان بصدمة
_ يا أبيه انا.
فزعت حين قاطعها بغضب
_ اخرسي.
صرخ بها ثم التفت يهرول خلف آسيا التي نسجت سيناريو واضح وصريح لما تريده أن يحدُث و مثلت دورها بإتقان، وها هي تستقل المصعد تنوي المغادرة وهي تعلم كل العلم أنه سيأتي خلفها، وقد صح ظنها فما أن أوشك باب المصعد على الانغلاق حتى حالت يديه دون ذلك لتهتف مُدعيه الصدمة من رؤيته
_ كمال بيه.
كانت العبرات تُغرق وجهها الذي لم تُمهله الوقت لتفحصه ولا لرؤية عينيها حتى لا يرى الكذب فيهمَ، فقد اخفضت رأسها بحزن مُفتعل ليشعُر بالحزن لأجلها مما جعله يقول بنبرة متعاطفة
_ رايحه فين ؟
آسيا بنبرة حزينة
_ همشي.
عاندها قائلًا
_ مش هتمشي.
رفعت رأسها وهي تقول بانفعال أتقنت تزييفه
_ ارجوك سيبني امشي.
عاندها بنبرة أكثر تصميم
_ مش هتمشي. مش هسيبك تمشي.
التفتت الى الجهة الأخرى ليتابع بنبرة خشنة
_ أنتِ مش دي. البنت الضعيفة دي مش آسيا. أنتِ قوية، و واثقة في نفسك.
رفعت رأسها تناظره بألم حقيقي إلى حد كبير
_بس الإهانات بتوجع، و بتدمر ثقة اي انسان في نفسه، ودي مش اول مرة.
هذه المرة تثنى له النظر داخل عينيها مما جعله يلامس وجعها الحقيقي ليقول بنبرة حادة كالسيف
_ بس الأخيرة. تعالي ورايا.
آسيا بتمنع و نبرة رقيقة
_ بليز . سيبني امشي.
التفت يناظرها بعبث تجلى في نبرته حين قال
ـ متضطرنيش أتجاوز حدودي. عشان مش عايز نرجع تاني ناقر و نقير. احنا في بنا معاهدة سلام تمام!
رسمت ابتسامة رائعة خجله فوق ملامحها قبل أن تقول بخفوت
_ تمام.
كمال بمُزاح
_ اقولك تمام. تقولي تمام التمام. في اتنين تمام. يالا تمام!
خرجت ضحكة رقيقة جميلة من بين شفتيها مما جعله يقول
_ دا كدا عشرة تمام و فوقيهم بوسة.
توجه إلى الداخل ليجد مريهان في انتظاره والتي تفاجئت حين شاهدت آسيا خلفه تتهادى في مشيتها مما جعلها تقول بلهفة
_ أبية البنت دي شتمتني…
قاطعها صوت كمال الصارم حين قال
_ اعتذري حالًا..
برقت عينيها من حديثه، فليس هو من يفعل بها ذلك! ولكنه تابع بصوت اكثر صرامة
_ اعتذري لآسيا واياكي تضايقيها تاني.
ميرهان بانهيار
_ بس هي اللي ضايقتني.
نهرها كمال بعنف
_ متكذبيش. انا سمعت كل حاجه. اتفضلي اعتذري.
قمعت صرخاتها، فقد أرادت قتل هذه الفتاة في التو واللحظة، فهذه هي المرة الثانية التي تقف أمامه في مثل هذا الموقف، ولكن هذه المرة أشد و اقسى، فكمال بمثابة كل شيء لها الاب و الأخ والصديق، والآن يناظرها كالمتهمين بل و يجبرها على الانحناء و الاعتذار من هذه الحُثالة، ولكنها لم تُطيل التفكير بل هتفت من بين أسنانها
_ انا أسفة.
_ اطلعي استنيني بره.
اطاعته دون الالتفات إلى غريمتها التي من المؤكد تشمت بها الآن لذا خرجت على الفور ليلتفت كمال ناظرًا إلى آسيا بغضب من نفسه يصاحبه حزن كبير على شقيقته، فجاءت لهجته جافة حين قال
_ ياريت تتجنبي التعامل مع ميرهان خالص لحد ما اقعد اتكلم معاها، وأشوف ايه اللي مشكلتها معاكي؟ تمام!
قال كلمته الأخيرة بعفوية استغلتها هي لتُشتت انتباهه عن أي شيء سواها، فقالت بنبرة يشوبها الدلال
_ تمام التمام.
تبدلت نظراته في الحال حين سمع جملتها التي نجحت في صرف انتباهه عن كل شيء، فتابعت خطتها إذ قالت بلهفة
_ حضرتك اللي قولتلي اقول كدا على فكرة.
كانت تتقن استخدام أسلحتها الأنثوية الفتاكة، و هو الرجُل العابث الذي يرى أمامه نوع مختلف بتوق لتذوقه، ولكن هذه اللحظة كانت حقيقية من قبله، خاصةً وأن دقاته بدأت بالتخبط أمامها و كأنها وقعت أسيرة لسحرها الخلاب مما جعل ابتسامة رائعة تُضيء وجهه وهو يقول بخشونة
_ خليكي كدا على طول.
اللهم استرني فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض عليك. اللّهم اعف عن ذنوبي، واستر عيوبي، واغفر خطيئاتي، إنك أنت الرحمن الرحيم. اللهم إنّا نرجو رحمتك ونخشى عذابك، اللهم نجّنا من خطايانا واغفر لنا وتب علينا يا غفور يا رحيم ♥️
★★★★★★★★
مر يومان دون احداث تُذكر إلى أن جاءت نهاية الأسبوع فدق جرس الباب الكبير بإصرار مما جعل الجميع يتنبه إليه، فهتفت نبيلة بجفاء
_ زفته ياللي اسمك علا. افتحي الباب.
هرولت الخادمة لتفتح، و ما هي إلا ثوان حتى تفاجيء كُلًا من نبيلة و نور الدين وهايدي حين شاهدوا عمر الذي اطل من الباب و بجانبه فتاة بشعر اسود كالليل تجر مقعد سعاد المتحرك مما جعل نبيلة تنتفض مكانها وهي تقول بصدمة
_ مين دي يا عمر!
ناظرها عمر بسخرية، فهو يعلم أنها تعرف هويتها حق المعرفة، ولكنه أراد التوضيح على طريقته حين قال
_ دي شروق صابر الجيار بنت عمتي نسمة الله يرحمها، و مراتي !
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ذنوب على طاولة الغفران)