روايات

رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نورهان العشري

رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نورهان العشري

رواية ذنوب على طاولة الغفران الجزء الثاني والعشرون

رواية ذنوب على طاولة الغفران البارت الثاني والعشرون

ذنوب على طاولة الغفران
ذنوب على طاولة الغفران

رواية ذنوب على طاولة الغفران الحلقة الثانية والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم
الإثم الثاني و العشرون ❤️‍🩹 بعنوان ” وجه في الذاكرة”
الصُدف ما هي إلا أقدار مُرتبة تحدُث لغرض ما قد لا نعلمه إلا بعد أعوام عديدة. ولكن هُناك صُدف تُمحَى من الذاكرة بمُجرد انتهاء وقتها، وصُدف تستوطِن العقل وتسكُن الروح مهما مضت السنين، وكأن هُناك شيء ما في أعماق القلب ينتظِر تِكرارها.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁
لا تعلم ما الذي حدث تحديدًا، فقد انتظرت أن تسقط يده فوق خدها، و إذا بجسدها يتراجع إلى الخلف فجأة، و ذلك الوحش الذي يخشاه الجميع و أولهم هي ينقض فوق أمين يُكيل له اللكمات و الضربات و صوته يصُم الأذان من فرط قسوته.
ـ بقى بتتشطر على واحدة ست يا حقير. طب انا اهو قدامك وريني نفسك.
لم يكن يرى في هذه اللحظة سوى هذه المسكينة وهي تتعرض للعنف من قِبل هذا الجبان، فصار يضربه بهمجية لا يعلم كيف تلبسته، قد كان يترجل من سيارته وعينيه معلقة على فتاة تلتمع النجوم في عينيها من فرط السعادة التي تحولت إلى كابوس حين انقض عليها هذا الحقير، فلم يستطِع منع نفسه من تلقينه درسًا قاسيًا ستظل علاماته محفوره فوق ملامحه لوقتًا طويل.
ـ خالد بيه سيبه هيموت في ايدك.
هكذا هتفت أشجان صارخة وهي تراه يكاد يُجهز على زوجها الذي على وشك الهلاك بين يديه من فرط وحشية ضرباته، ولكن دفاعها عنه لم يكُن سوى وقود إضافي لغضب يُشبه الجحيم الذي لون نظراته حين التفت إليها ليتراجع جسدها إلى الخلف من فرط الذُعر و خاصةً حين صرخ بوحشية
ـ ارجعي مكانك خليني أربي الكلب دا.
أخذ رأسها يهتز يمينًا و يسارًا بالرفض الذي لم تستطِع شفتاها التعبير عنه ولكن عينيها أبت الصمت فذرفت من الخوف ما اغرق وجهها و حجابها، و لحسن الحظ تدخل حرس الشركة في الوقت المناسب لينتشلوا أمين من بين يدي خالد الذي كانت عروق رقبته بارزة و ملامحه متجهمة مما جعله يشبه الوحوش قولًا و فعلًا إلى أن جاءت نبرته العنيفة حين صرخ بهم
ـ الكلب دا ترموه بعيد عن الشركة، و إياك ألمحه قريب من هنا.
كان الأمر شاقًا عليها بشكل كبير، فلم تكُن تدري ماذا تفعل؟ و كعادتها يلجأ عقلها للهرب، فبدأت الرؤية بالتشوش أمامها لتضع يدها فوق رأسها تحارب هذه الدوامة التي تُغريها بالإستسلام، ولكنها لم تكُن تدري انها محط أنظاره بطريقة لم يعهدها سابقًا، وكذلك شعوره في هذه اللحظة فقد ارتعب قلبه حين رآها تقاوم حتى لا تسقط، فاقترب منها بلهفة قابلتها بالرفض الذي خرج واهنًا من بين شفاهها حين قالت بنبرة يشوبها التوسل
ـ أنا كويسة أرجوك متقربش.
خليط من المشاعر الغريبة اكتنفته في هذه اللحظة، فكيف لأنثى بهذا الضعف أن تقاوم حتى وهي في أحلك لحظاتها؟ ترفض اقترابه حتى لا يخدش مبادئها و احترامها لذاتها، ولهذا اجبر نفسه على التراجع حتى لا يزيد من تعبها الجلي فوق ملامحها ليهتف بصوت جهوري
ـ كرسي هنا بسرعة.
أطاعه الحرس فورًا ليقوم بوضع المقعد بجانبها وهو يقول بنبرة مُتهدجة من فرط القلق الذي تجلى بوضوح في نظراته إليها، ولكنها كانت في عالم آخر وهي تتخيل الجحيم الذي ستراه على يد زوجها حالما تعود إلى المنزل، فقد كُشِف سرها العظيم وهو ظالم لا يرحم، فبدت ملامحها كشخص ينظر الى الجحيم عبر نافذة لا يراها سواه فاجتاحه شعور عظيم بالأسى على لوعتها و ذُعرها بهذا الشكل و لأول مرة لا يدري ماذا عليه أن يفعل؟ إلى أن سمع صوت خلفه
ـ أشجان مالك في ايه؟
كانت سلمى طوق النجاة أمامه ليقول بنبرة خشنة
ـ سلمى. ممكن تطلعيها المكتب فوق وانا هكلم الدكتور يطلع يشوفها.
اومأت سلمى بلهفة وهي تحاول إسناد أشجان التي تحركت بآليه وهي تفكر في هذه الكارثة التي وقعت فوق رأسها.
مرت دقائق عصيبة على الجميع إلى أن فحصها الطبيب الذي أخبره بأنها تعاني مع صدمة عصبية أدت إلى انخفاض كبير في ضغط دمها، ولأن اهتمامه كله كان منصب على المرأة التي احتلت الأريكة في وسط غرفة مكتبه وركنًا خاصًا بداخله فقد نسى أن شقيقتها تعمل معهم بنفس الشركة إلى أن تحدثت سلمى
ـ مستر خالد انا لازم اقول لآسيا دي بردو أختها ووو
قاطعها خالد الذي انتبه لهذا الأمر حالًا
ـ خليكي أنتِ جنبها انا هكلمها تيجي.
اطاعته سلمى و توجهت تجلس بجانب أشجان التي كانت بين اليقظة والنوم فلم تنتبه إلى صوته القلق وهو يهاتف شقيقه
ـ كمال آسيا عندك؟
ـ أيوا ليه؟
خالد بنبرة آمرة
ـ ابعتهالي حالًا
كمال بقلق
ـ حاضر بس ليه؟
في هذه اللحظة تنبه إلى قلقه الغير مُبرر الذي يحتل لهجته فحاول جعلها جامدة قدر الإمكان حين قال
ـ أختها تعبانه شويه. ابعتها على مكتبي.
اغلق الهاتف مع خالد و توجه بنفسه إليها، و لم يطاوعه قلبه أن يُخيفها لذا ما أن أصبح أمامها كتر تحدث بنبرة هادئة
ـ أسيا ممكن تيجي معايا على مكتب خالد؟
لأول مرة بحياتها لا تجد في نفسها القدرة على مواجهة أحد لذا هربت بنظراتها وهي تقول باختصار
ـ تمام.
توجهت خلفه إلى مكتب خالد الذي كان يقف أمام النافذة يحاول عدم النظر إلى أشجان الذي سكن جسدها إلا عينيها التي عبرت عن ألمها ولكن بصمت.
ما أن اقترب من مكتب أخيه حتى ألتفت إليها قائلًا بنبرة يتخللها الرفق
ـ بقولك ايه ؟ أشجان اختك تعبت شويه وجبنالها الدكتور . هي حاليًا كويسه يعني متقلقيش. بس قولت تطمني عليها
لأول مرة بحياته يكُن مراعيًا لمشاعر أحد بهذه الطريقة سوى عائلته، ولكنها لم تلحظ ذلك فقد ارتعبت حين سمعت حديثه عن شقيقتها فهتفت بلوعة وهي تدق تدفع الغرفة لرؤيتها
ـ أشجان. اختي فيها ايه؟
ما أن انفتح الباب حتى تفاجيء خالد بآسيا التي كان الذُعر يلون ملامحها و يتخلل نبرتها حين قالت وهي تهرول إليها
ـ أشجان. أنتِ كويسة؟
اهتز جسد أشجان حين ارتمت أسيا بجانب الأريكة التي تتسطح فوقها لتستفيق من سكونها وهي ترتمي بأحضان شقيقتها قائلة باستغاثة
ـ أسيا الحقيني. أمين عرف كل حاجه.
سيطرت الصدمة على ملامحها للحظات قبل أن يبددها استفهامها القلق
ـ عرف ازاي؟
أشجان بتحسر
ـ معرفش . بس اكيد مشي ورايا لحد الشركة و عرف اني بشتغل فيها.
آسيا بغضب
ـ طب ما يعرف ايه المشكلة؟
أشجان بنواح
ـ المشكلة أنه بهدل الدنيا و كان هيضربني بس مستر خالد لحقه و ضربه كان هيموته.
آسيا باندفاع
ـ كان ! ايه دا يعني ممتش؟
أشجان بغضب
ـ لا طبعًا.
آسيا بلهفة
ـ يا خسارة.
أشجان بانفعال
ـ انتِ بتستهبلي يا آسيا. أنتِ متعرفيش هو ممكن يعمل ايه؟
خيم القلق على ملامح آسيا و نبرتها حين قالت بخفوت
ـ ربنا يستر و ميقولش لماما تبقى كارثة.
انهمرت العبرات من مقلتي أشجان بغزارة لتجذبها آسيا إلى أحضانها تواسيها بصمت و قد كان مظهرها الآن جديدًا كليًا عليه، و أظهر جانب جديد من شخصيتها التي تخفي كم هائل من الحنان، فلم يُصدق نفسه حين رأى البلورات التي تجمعت في محجريها حزنًا على شقيقتها، و كعادتها تفاجئه حين انتزعت نفسها من بين أحضان شقيقتها وهي تقول بلهفة
ـ أنا هكلم رؤوف وهو اللي هيقدر يتصرف في الموضوع دا.
أشجان بلهفة
ـ هتكلميه تقوليله ايه؟
ـ هحكيله اللي حصل، وهو اكيد هيتصرف.
نبرتها وهي تتحدث عن هذا الرؤوف لم تُعجبه طريقة نطقها لحروف اسمه أثارت زوبعه من الغضب داخل صدره و خاصةً حين هبت من مكانها وهي تقول بلهفة
ـ هجيب تليفوني و رجعالك.
هتف خالد بفظاظة
ـ لو حافظه الرقم كلميه من تليفوني.
آسيا باندفاع
ـ اه طبعًا حفظاه.
توسعت حدقتيه بغضب هائل ليضغط على أسنانه بقوة وهو يراها تأخذ الهاتف من شقيقه و هي تقوم بالاتصال بهذا الرجل الذي شبة متيقن من أنه لن يُحبه كيف وهي تحادثه بهذه الطريقة
ـ رؤوف. تقدر تجيلي الشركة حالًا ؟ اه اه كويسة متقلقش عليا. الموضوع يخص أشجان. هو موضوع طويل و مينفعش في التليفون. لما تيجي هحكيلك.
صمتت لثوان قبل أن تضيف بلهفة
ـ أنا كويسة يا رؤوف والله صدقني. يالا مستنياك.
انقشعت غيمة الثبات التي يحاول الاختباء خلفها حين استمع إلى جملتها الأخيرة، فاحتدت نظراته حتى بدت مخيفة و كأن حفنة من الشياطين تتراقص بعقله في هذه اللحظة و لسوء حظه كانت في عالم آخر إذ توجهت لتجلس بجانب شقيقتها الي خانتها عينيها و ناظرت هذا الوحش الذي أيقنت بعد ما حدث اليوم بأنه يستحق هذا اللقب و بجدارة و لسوء حظها أو حسنه كانت عينيه تتلقفان كل حركة تصدُر منها لتلتقي النظرات بلحظة خاطفة أصابت وترًا حساس داخله و داخلها فأسبلت جفنيها بارتباك ليختار الهرب في هذه اللحظة، فهناك قوة خارقة تتحكم به الآن تأمره باحتواء هذا الألم الدامي في عينيها بين ضلوعه لذا توجه ناحية كمال الذي كان مظهره لا يوحي بالخير فخاطبه بجفاء
ـ تعالى تروح نشرب قهوة.
ضاقت عينيه المستعرتين وهو يناظرها قبل أن يقول بجهامه
ـ روح انت انا قاعد مستني اشوف سوبر رؤوف هيحل المشكلة ازاي ؟ أو احل انا رقبته من مكانها!
تنبه خالد إلى وضع أخيه لذا نهره بحدة
ـ قدامي يا كمال.
احتدمت النظرات بين الشقيقان، لكن كانت الغلبة لخالد الذي أخذ كمال و توجه إلى ركن القهوة و ما أن استقروا بمنتصف الغرفة حتى هتف خالد بنبرة فظة
ـ مش ملاحظ انك مكشوف أوي؟
كمال بجفاء
ـ مش فارقلي.
خالد باندهاش
ـ و دا اسميه ايه؟ عند ولا تحدي؟
لم تهدأ نوبة غيرته التي تضعه أمام حقيقة حاول مراوغتها كثيرًا ولكنه أذعن لها في النهاية ليقول بنبرة جامدة
ـ حبيتها.
توقف الكوب في منتصف طريقه الى فم خالد من فرط الذهول الذي خيم على نظراته و نبرته حين قال
ـ بالبساطة دي!
كمال بسلاسة
ـ عمر الحب ما كان صعب،
خالد باستهجان
ـ مش موضوع صعب. بس معداش غير كام شهر بس على شغلها في الشركة. لحقت تحبها أمتى؟
كمال موضحًا
ـ في ناس بتحب من أول نظرة على فكرة.
خالد بجفاء
ـ دي ناس مش ناضجة.
كمال بسخرية
ـ بالعكس. عارف المشكلة في ايه؟ أننا للأسف بنفضل نقاوح مشاعرنا و نخبي فيها كإنها جريمة في الوقت اللي مفروض نكون مستمتعين بيها.
أخذت الكلمات دورتها في عقله الذي أبى التسليم بصدقها ليقول بخشونة
ـ معلش يعني ايه مستمتعين بيها؟ انت عارف كويس ان آسيا مش شبهك ولا من بيئتك واللي بالنسبالك متعة بالنسبالها عيب وغلط.
كمال باندهاش
ـ انت ليه محسسني أن انا صايع و ضايع في ايه يا عم الوحش ؟
خالد موضحًا
ـ مش صايع. انا عارف انك راجل و عمرك ما هتلعب ببنات الناس. بس آسيا غير صوفيا و سالي و البنات اللي تعرفهم.
التمعت سماء الحب بعينيه التي سرحت في نقطة وهمية قبل أن يقول بنبرة خافتة
ـ انا عارف دا كويس.
لم يمنع هذا الاستفهام من العبور من بين شفتيه حين قال
ـ بما انك معترف انك بتحبها و متأكد من دا كمان، فخليني أسألك اشمعنى هي؟
و هل يعلم؟ فقد انتقاها قلبه من بين جميع النساء لتكُن ملكته. أعجبه كل شيء بها و كأنه لم يرى
قبلها امرأة في حياته. شراستها، كبريائها، غرورها، بالإضافة إلى جمالها المميز لذا قال بصوتًا أجش تفيض به المشاعر
ـ احساسي بيها مختلف. انا بعترف اني شوفت ستات كتير في حياتي. و دخلت في علاقات كتير . بس أول مرة أحس الإحساس دا. حاجة كدا مختلفة ليها هي وبس.
و كما قيل قديمًا كُلًا يبكي على ليلاه، فقد كانت الكلمات تعصف برأسه و صورة ليلاه الجميلة تتبختر أمام ناظريه. يحاول الفرار منها ولكنه ضل كل الطرق التي تبعده عنها و عن حقيقة مؤلمة بل مروعة وأن ليلى تنتمي إلى رجل آخر، وقد كان بصدد قتله اليوم!
وضع قهوته فوق الطاولة و أنفاسه الغاضبة تهتاج داخل صدره ليقول بفظاظة
ـ اتأكد من احساسك الأول عشان متظلمهاش معاك، وفكر في كل العقبات اللي بينكوا قبل أي خطوة هتخطيها.
أنهى جملته و توجه إلى مكتبه وهو يحارب شبح الغيرة و الخيانة معًا، فمشاعره الآن تجاه هذه الجميلة يُعد خيانة لذكرى زوجته الراحلة التي أقسم يوم عشقها بأنه لن ينظر لسواها وحتى بعد رحيلها حافظ على قسمه، والآن ينحدر نحو هوى مُحرم أن سكن قلبه قتله لذا كان لزامًا عليه المقاومة فتوجه إلى مديرة مكتبه سلمى وقال بجفاء
ـ جهزي بروجرام النهاردة و تعاليلي على قاعة الاجتماعات هكمل اليوم هناك.
ما أن أنهى حديثه حتى تفاجيء بها تخرج من مكتبه وهي تمسك بيد شقيقتها كطفلة صغيرة تتعلق بأمها خشية أن تضيع وسط الزحام. لتتلاقى أعينهم لثوان حاول قمع استفهامات عديدة تود العبور من بين شفتاه ليأتيه صوت أخاه من الخلف
ـ رايحين فين ؟
تولت أسيا الإجابة حين قالت بنبرة هادئة
ـ هننزل تحت نقابل رؤوف و لو حضرتك تسمح اني اخد اجازة النهاردة عشان مسبش أشجان لوحدها..
ـ لا مش هسمح.
هكذا قاطعها كمال بفظاظة اربكتها قليلًا ليُتابع بنبرة صارمة
ـ عندنا شغل كتير مينفعش يتأجل. تقدر هي تتفضل مع رؤوف دا ولا اسمه ايه؟
اغتاظت من كلماته و عدم مراعاته لما يحدُث لتتدخل أشجان قائلة
ـ خلاص يا آسيا روحي شوفي شغلك. انا كويسة بس هستأذن خالد بيه لو ينفع امشي انا النهاردة بس لحد ما اشوف حل للمشكلة دي.
لحظة هوجاء غيبت عقله حين هتف باستنكار
ـ هتروحي أنتِ مع اللي اسمه رؤوف دا ؟!
وكأن هذا الاسم يحمل عدوى الغيرة لكل من يسمعه، فقد ذل لسانه وكذلك نبرته و نظراته، فلم يفت ذلك على هذا الذئب الذي لاحظ اهتمام شقيقه بهذه المرأة، ولكنه لم يُعقب ليُصحح خالد من موقفه قائلاً بلامُبالاة
ـ مفيش مشكلة. تقدري تمشي و خدي وقتك الشغل مش واقف عليكي يعني.
أنهى جملته ولم ينتظر لرؤية وقعها على أشجان التي غمرها الخجل من كلماته إنما التفت الى سلمى قائلًا بنبرة آمرة
ـ اعملي اللي قولتلك عليه.
أنهى حديثه و توجه إلى الغرفة التي أشار إليها في حديثه ليظل كمال واقفًا عينيه على آسيا الغاضبة التي تجاهلته و تقدمت مع شقيقتها لتمر به وهي تتمنى لو تستطِع لكم ذلك المتعجرف الغبي، ولكنها توقفت حين شاهدت رؤوف يتوجه نحوه فتبدلت ملامحها إلى الارتياح و قد أثار هذا انتباهه ليلتفت إلى الجهة الأخرى فإذا به يجد أمامه شاب رياضي متوسط الطول ملامحه وسيمة تتسم بالثقة و ابتسامته هادئة يرتدي ثياب أنيقة و خطواته رشيقة ولكن عينيه كانت هي معضلته الآن، فقد رأى بها لهفة و شيء آخر يشبه العشق لهذه المرأة التي سرقت النوم من عينيه و لكنه رغم كل شيء اتخذ وضع المراقبة ليرى ان كان هناك أشياء متبادلة بينهم أم لا؟
ـ آسيا. طمنيني عليكوا؟
هكذا تحدث رؤوف بلهفة قابلتها آسيا باللهفة حين قالت
ـ متقلقش احنا كويسين. بس كنا محتاجين مساعدتك؟
رؤوف بلهفة
ـ طبعًا انا عنيا ليكوا.
لم يحتمل هذه اللهفة المتبادلة بينهم، ولن يقدر على الصمود أكثر لذا تحمحم بخشونة جذبت انتباه آسيا لتلتفت إلى الخلف و هالها مظهره المُتجهم لذا خرجت الكلمات مبعثرة من بين شفاهها
ـ رؤوف. دا مستر كمال المدير التنفيذي للمجموعة، و دا يا مستر كمال رؤوف ابن عمي.
تبادل الرجلان النظرات أولًا قبل أن يحدث بينهم سلام بارد و كأن كليهما يشعر بأن الآخر غريمه ليقول كمال بجفاء
ـ طب يالا عشان عندنا ميتنج مهم كمان عشر دقايق.
غضبت بشدة من طريقته في إلقاء الأوامر ولكنها تحدثت مجبرة
ـ تمام. تقدر حضرتك تسبقني وانا جاية وراك على طول.
لاح شبح ابتسامة على ملامحه قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى
ـ تمام التمام.
غزى الإحمرار وجنتيها و ابتلعت ريقها بحرج لا تعرف لما غمرها، وقد اقتنصت عيني رؤوف ما حدث ولكنه لم يُعقب لتلتفت إليه قائلة بلهفة تداري حرجها
ـ بقولك ايه أشجان هتفهمك في الطريق اللي حصل. عيزاك تروح تتكلم مع ماما قبل الزفت امين دا ما يروح لهم و كأن أشجان كانت قيلالك يعني أنك تقولهم بس انت اتشغلت.
طلبت منه هذا الأمر نظرًا لمكانته عند والديها و مدى ثقتهم به، وقد يخفف هذا من أمر كذبهم على الجميع بشأن عمل شقيقتها في الشركة لذا اومأ رؤوف بصمت ولكن عينيه كانت جامدة على عكس صفائها، وقد آلمها هذا الأمر و أغضبها من هذا الوغد لذا و بعد مغادرتهم قامت بالتوجه رأسًا إلى مكتب كمال الذي كان الغضب يتوهج في نظراته و يطمس وسامة ملامحه مما جعلها تُفكِر ألف مرة في الخطأ أمامه وهو في هذه الحالة
ـ مع حضرتك يا مستر كمال. اديني بس خمس دقايق و البلان بتاعت الميتنج هتكون على مكتبك.
كانت تتحدث و كأن شيئًا لم يكُن و على الرغم من أن هذا الشيء لم يُعجبه ولكنه لم يُعلق انما اكتفى بعبارة واحدة مقتضبة و مُختصرة قبل أن يتوجه إلى مكتبه
ـ متتأخريش.
بالفعل لم تتأخر فقد كانت بصدد انهاء هذا العمل قبل أن يخبرها بأمر شقيقتها لتنهيه في وقت وجيز و تتوجه إلى مكتبه فوجدته يطالع بعض الأوراق خلف مكتبه ولم يُكلف نفسه عناء النظر إليها حين وضعت الأوراق امامه بل قال بنبرة جافة
ـ اقعدي.
اطاعته فبدأ يُملي عليها بعض الملاحظات وهي تدون بصمت و تتساءل ما به ذلك الرجل من يراه الآن يظن بأنه يريد قتلها وهي التي لم تفعل أي شيء أو هكذا ظنت!
ـ هي أيه حكاية اختك وليه جوزها جه وعمل الفيلم دا؟
هكذا تحدث بعد أن انتهت من تدوين ملاحظاته، فاحتارت بما تُجيبه فلم تكُن تريد أن يعرف كل ماهو سيء عنها لذا اختصرت حديثها قدر الإمكان حين قالت
ـ هو شخص صعب التعامل شويه، و هما بينهم مشاكل أصلًا. المهم حضرتك محتاج مني حاجه قبل الميتنج؟
من حديثها المُختصر ظن أنها لا تُريد أن تتشارك معه أمورها الخاصة و عائلتها فبدأ غضبه يتقد تدريجيًا فجاءت لهجته خشنة حين قال
ـ وراكي حاجه مهمة؟
آسيا بعفوية
ـ لا
كمال بصوتًا أجش
ـ يبقى خليكي معايا.
للمرة التي لا تعرف عددها يتخلى عنها ثباتها و جمودها لتبقى أمامه كمراهقة خجولة تتبعثر الحروف فوق شفاهها على الرغم من أن هذه ليست طبيعتها.
ـ تمام.
قالت كلمتها بعفوية لترتسم ابتسامة عريضة فوق شفتيه مما جعلها تهتف باندفاع
ـ على فكرة انا بقول الكلمة دي على طول مش عشانك ولا عشان ترد عليا بجملتك الشهيرة.
كان مستمتعًا بارتباكها و تلعثُمها كثيرًا لذا عزز منه حين قال
ـ تمام التمام.
اغتاظت منه كثيرًا لتهتف بحنق
ـ هو ايه دا؟
كمال بنبرة مُستمتعة
ـ أقصد اني موافق على كلامك و مقتنع بيه. كملي و بعدين ؟
شعرت بأنه يسخر منها لذا رفعت احد حاجبيها بغيظ قبل أن تقول بجمود
ـ ولا قبلين.
فاجأتها كلماته حين نهض من مقعده ليجلس في الآخر المقابل لها وهو يقول بنبرة خشنة
ـ تعرفي انك بتفقدي نص جمالك لما تتصنعي دور البنت المغرورة اللي مش عاجبها حد!
أصابتها كلماته بالدهشة و خاصةً حين أضاف بإعجاب لم يحاول إخفاءه
ـ عيونك وهي على طبيعتهم بتبقى أحلى بكتير.
حاولت تفادي موجة الخجل التي غمرتها حين قالت بجمود
ـ أنا مبتصنعش اي دور، ولا احب اني اكون مغرورة انا بحب أحط حدود للناس في التعامل مش اكتر.
ـ و لو حبينا نشيل الحدود دي نعمل ايه؟
استفهام لم تكن تتوقعه، ولكنها لم تفشل في الرد عليه حين قالت
ـ بتتشال تلقائي لما بطمن للي قدامي، أو لما المواقف تثبتلي أن الشخص دا جدير بالثقة.
خرج من بين شفتيه استفهامًا كان مؤرقًا بالنسبة إليه حتى أنه لم يندم على تسرعه حين قال
ـ زي اللي اسمه رؤوف دا مثلًا؟
اغتاظت من تكراره الحديث عن رؤوف بهذه الطريقة التي فيها تقليل من شأنه لذا قالت بنبرة يشوبها الحدة
ـ معلش يعني ايه حضرتك كل شويه تقول اللي اسمه رؤوف دا ! على فكرة دا ولد مكافح جدًا و كان مجتهد في دراسته ولو البلد دي فيها شيء من العدل كان زمانه معيد لإنه جايب الأربع سنين امتياز. يعني شخص زي ظا يستحق أننا نثني عليه مش نتكلم و اكنه دون المستوى ؟
كل ما حدث منذ الصباح في جهة و في الجهة الأخرى دفاعها المُستميت عنه، والذي جعل الغضب يصل إلى ذروته بداخله فهتف بصوتًا أجش به عنف مكبوت
ـ والله دفاعك عنه هو اللي يستحق أننا نثني عليه فعلًا.
شعرت بأنها تمادت قليلًا لذا حاولت ارخاء دفاعاتها قليلًا وهي تقول بنبرة أهدأ
ـ رؤوف ابن عمي، و متربيين سوى فطبيعي اني ادافع عنه.
لم تفلح كلماتها في ردع غضبه الذي كان يطغى على كل شعور آخر لذا قال بقسوة
ـ مفهوم. اتفضلي على مكتبك.
شعرت بالحرج من حديثه ولكنها حاولت التعامل و كأن شيئًا لم يكن لذا قالت بهدوء
ـ طب والاجتماع؟
كمال بفظاظة وهو يستدير ليجلس خلف مكتبه يطالع بعض الأوراق
ـ لو اجتاجتك هبعتلك.
في هذه اللحظة شعرت بأن الأمور ستنقلب ضدها وهذا التقدم الذي وصلت إليه في خطتها ذهب هباء لذا ظلت بمكانها لثوان جعلته يرفع رأسها يناظرها باستفهام
ـ هو . هو حضرتك هتروح عند ياسر امتى؟
هكذا استفهمت بحرج قابله الجمود تجاهه الذي تجلى في نبرته حين قال
ـ ليه؟
لم تساعدها إجابته وملامحه و نبرته لذا قالت بخفوت
ـ عادي مجرد سؤال.
كمال بقسوة كان يقصدها
ـ مجرد إجابه ميخصكيش.
كان هذه الجفاء شيء جديد لم تتوقعه منه بتاتًا، ولدهشتها لم تشعُر بالحرج قط انما بالألم من معاملته لها لذا تمتمت بخفوت
ـ بعتذر. عن اذنك.
ما أن أغلقت الباب خلفها حتى القى بالورقة من يده وهو ينفث النيران من أنفه، فهذه المرأة حتمًا تتلاعب به. تتقصد كل شيئ تفعله حتى تجعله على حافة الجنون كما هو الآن فود لو يذهب إليها و يهزها بعُنف وهو يسألها ماذا تريد منه؟
لا إلا الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
★★★
ـ يا ميلة بختك في بنتك يارضا. هي دي اخرتها يا بنت بطني! بتقرطسي جوزك!
هكذا هتفت رضا ما أن أخبرها رؤوف بما هو متفق عليه لتثور كالبركان في وجه أشجان التي قالت بنبرة مقهورة
ـ ايه الكلام دا يا ماما بس! بقرطسه دي كلمة وحشة اوي
ـ اومال اللي عملتيه دا اسمه ايه ؟ تروحي تشتغلي في الشركة من غير ما يعرف دا اسمه ايه؟
هكذا تحدثت رضا بغضب فبررت أشجان فعلتها قائلة بنبرة مُلتاعة
ـ الشركة احسن مليون مرة عن المكتب الزفت اللي الهانم أمه كانت مشغلاني فيه، وبعدين هو ميفرقش معاه انا بشتغل فين. أهم حاجه الفلوس اللي بقبضها وبس.
رضا بانفعال
ـ أنتِ بتعايري جوزك يا قليلة الرباية! ما كل الستات بتشتغل و بتساعد رجالتها. مانا اهو بشتغل من يوم ما اتجوزت و بساعد ابوكي. عمرك شفتيني فتحت عيني فيه ؟
أشجان بانفعال
ـ بس بابا مش زي أمين. عمره ما هانك ولا ضربك ولا عمل اللي أمين عمل ربعه معايا.
ـ أمين دلوقتي وحش! مش دا حبيب القلب اللي مسكنا فيه و تبتنا! مش دا أمين اللي كان مستتك عشر سنين جواز، و جايبلك الحلو كله! دلوقتي بقى وحش!
لم تعُد تحتمل كل هذا القهر الذي تحياه أمام والدتها التي تخشى كلمة الطلاق كما يخشى المجرم العقاب لتصرُخ بأسى
ـ حرام عليكي بقى. أنتِ في كل مشكلة تفكريني أنه كان اختياري. عارفة اني انا اللي اتنيلت اختارته و اختارت غلط. لانا أول ولا آخر واحدة تختار شخص غلط وتبقى عايزة تطلق منه.
اهتاجت رضا و صرخت بانفعال
ـ تطلقي من مين يا عين أمك! لا يا حبيبتي معندناش حاجه اسمها طلاق. بدل خلفتي منه عيال يبقى تعيشي و تتحملي عشانهم. أنتِ ابوكي مش مليونير. أنتِ ابوكي على باب الله و اللي بيجيبه يدوب بيقضي علاجه وانا تعبت من الشيلة اللي انا شيلاها. مش ناقصة هم على همي.
انطلق بارود كلماتها في صدر أشجان التي قالت بنبرة تفوح منها رائح الوجع
ـ هم! أنا هم يا ماما!
شعرت بالألم و الندم على ما تفوهت به، ولكنها ظنت أنها تسير على الطريق الصحيح في جعلها تحاول بشتى الطرق الحفاظ على حياة ابنتها من الخراب لذا قالت بجفاء مزيف
ـ بلاش صعبنيات. أنتِ تسمعيني كويس. سيبي العيال معايا وروحي استسمحي جوزك و اعتذري منه عن اللي حصل، وربنا يهديه ويسامحك. أنتِ غلطانه والغلط راكبك من ساسك لراسك. دا لو قعد في قاعدة رجالة وقال الكلمتين دول هيحط راس ابوكي في الطين و دا ياحبة عيني مش ناقص. يموت فيها.
والحقيقة أنه في هذه اللحظة لم يمُت أحد سواها، فكم كان مؤلم أن تشعُر بأنها مجرد عبأ في هذه الحياة على أهلها ثم زوجها. كم تألمت في هذه اللحظة و ودت لو تكُن اخر لحظاتها في الحياة ولكن لسوأ حظها فمازال للعمر بقية، ولهذا ستعمل جاهدة حتى تقف على قدميها ولا تحتاج لأحد لذا قالت بجمود
ـ حاضر. هروح أراضيه.
تأثرت رضا من مظهر أشجان كثيرًا لذا قالت بحزن
ـ يا بنتي أنا خايفة على بيتك والله. إن كان عليكي أنتِ وولادك انا اشيلكوا في عنيا. بس خراب البيت مش سهل، والناس هنا مبترحمش.
لم تفلح كلمات والدتها في التخفيف من وقع الخذلان على قلبها لذا ولأول مرة بحياتها تقسو نبرتها حين قالت
ـ وانا هسمع كلامك وهرجع بيت جوزي. بس افتكري انك بعتيني و دي مش أول مرة، وافتكري كمان أن هييجي عليا يوم مش هكون محتاجة لحد فيه، ووقتها هعمل اللي يريحني أنا وبس، وحتى مش هاخد رأيك.
أنهت حديثها و توجهت إلى داخل الغرفة تجمع اغراضها وهي تقسم بداخلها أنها ستتحرر من هذا القيد، و سيكون ألمها هذا دافع قوي يجعلها تعافر أكثر حتى تحطم هذا القيد الذي يُحكم طوقه حول عنقها.
توجهت إلى باب البيت وهو تحمل حقيبتها و بيدها طفليها فهرولت رضا قائلة بنبرة يتغلغل بها ندم كبير
ـ سيبي الولاد معايا وهجبهملك باليل.
التفت أشجان إليها بأعين تفيض بالقسوة التي تجلت في نبرتها حين قالت
ـ ولاد هييجوا معايا. أنتِ مش ناقصة هم. ربنا يعينك، و لو مش عارفة هتقولي ايه لبابا لما ييجي. قوليله اني مشيت عشان أنا عايزة امشي. عن اذنك.
أستغفر الله العظيم ♥️
★★★
ـ و بعدهالك يا بدرية! ايه بتجاوحي ليه؟ زناتي جالي انك مريداش تبعتيلي البت اللي عِندك. صوح الحديد ده؟
هكذا تحدث رماح وهو ينظر إلى بدرية الي راوغته حين قالت
ـ صوح يا رماح.
رماح بوعيد
ـ و من امتى بتجفي جصادي يا بدرية؟
بدرية بنبرة جافة ولكن يشوبها الحسرة
ـ لما يكون فيها حرجة جلبي يا رماح.
ضيق عينيه بمكر تجلى في نبرته حين قال
ـ لساتك عم تعشجيني اياك.
بدرية بتحسُر
ـ بختي لمنيل هعمل ايه بجى في جلبي اللي چايبلي اللعنة طول عمري.
رماح بنبرة مُغترة
ـ لعنة! عشجك ليا لعنة؟
ـ مستغرِب إياك؟
قهقه رماح على حديثها قبل أن يقول بتقريع
ـ يا مرا يا نكارة للچميل. تنكري ان اني كمان عشجتك! داني متچوزتش مره غيرك.
بدرية بتحسُر
ـ صوح. متچوزتش غيري. لكن معشقتنيش. عشجك كان لبت الوتايدة. فاكر يوم ما عرفت اني حبلة چبرتني اسجط نفسي. عشان معيزش ولاد غير منيها.
رماح بجفاء
ـ لساتك فاكرة يا بدرية منستيش!
ـ لاه. منسيتش. هو في حد بردك بينسى حسرة جلبه.
هكذا تحدثت بحرقة ليقول رماح بنبرة صادقة
ـ عِندك حج. بس أنتِ عارفة اني مفتحتش جلبي لمرا غيرك، ولا حد يعرِف اللي أنتِ تعرفيه عني، ولما بتك ماتت جبلت انك تاخدي بت اخوكي زناتي تربيها معاكي بدالها. راضيتك اهو.
بدرية بحدة
ـ ودلوق چاي عايز تخلي البت اللي اعتبرتها بتي واحدة من حريمك وفاكرني هوافجك اياك!
رماح بنفاذ صبر
ـ اخوكي غلط و لازمن ياجد عقابه.
ـ عاقبه لحاله. البت ملهاش صالح.
رماح بحدة
ـ مش أنت ِ اللي هتجوليلي اعمل ايه و معملش اي؟
بدرية بتخابُث
ـ جولي يا رماح لساتك مجربتش من صافية؟
اتقد غضبه و اشتعل من استفهامها فاقترب منها بخطوات وئيدة وعينين تحملان من الغضب ما يُفزع أعتى الرجال ولكنها لم تفزع بل ظلت في مكانها ليقول رماح بشراسة
ـ لو خطيتي بحديدك الموضوع هزعل وأنتِ خابرة زين كيف زعلي؟
تساقطت عبرات التماسيح من بين مآقيها وهي تقول بمرارة
ـ خابرة، و جولتهالك جبل سابج. موتي على يدك، فمش خايفة اعمل اللي تعمله.
كانت تعرف نقاط ضعفه جيدًا و تعرف بأنها في يوم من الأيام كانت ترياق لوجع الرفض الذي تلقاه منا المرأة الوحيدة التي أحبها لذا اختارت كلماتها بعناية لتحول غضبه إلى منطقة أخرى و قد نجحت في مسعاها ليقول بنبرة مثقلة بالرغبة
ـ عيبك انك عارفة غلاوتك عِندي، وعشان أكده مش هجرب من البت. لكن بشرط.
لم تتحدث بل ناظرته بترقُب ليُتابع بخسة
ـ أن مكنتش البت تبجى انتِ. اتوحشتك يا بدرية. اتوحشت مرتي مش أنتِ مرتي بردك!
بدرية بقهر
ـ بطلنا يا رماح. مبجاش عندي دوا لچروحك. روح خلي اللي چرحك يداويك. لاني ولا البت. بعد عنينا.
عاد إلى جهامته مرة أخرى و قام بدفعها بقوة لتقع على المقعد في اخر الغرفة وهو يقول بشراسة
ـ يبجى البت، و جدامك كمان.
شهقت بذُعر حين وجدته يتوجه إلى غرفة ضي التي لم تكن موجودة بالغرفة، فصرخ رماح
ـ البت راحت فين؟
هرولت بدرية تبحث عن ضي فلم تجدها لتقوم بلطم خديها. وهي تقول بذُعر
ـ يا مصيبتي البت هربت!
اللهم ارحنا بعد التعب وأسعدنا بعد الحزن وكافئنا بعد الصبر ♥️
★★★
ـ أهلًا بالوتايدة. نورتونا يا رجالة.
هكذا تحدث ياسر مُرحبًا بأبناء عمومته و هم خالد، كمال، عمر، ورحيم ليقول الأول بوقار
ـ نورك يا ياسر. عامل ايه؟
ياسر بجمود
ـ بخير الحمد لله.
كمال بسخرية
ـ متقلش اننا وحشناك يا ريس!
ياسر بتهكم
ـ لا مش هقول متخافش.
تدخل عمر مازحاً
ـ وحشناه ايه بس اكيد في كارثة. العيلة دي مبتتجمعش غير في المصايب.
خالد بفظاظة
ـ ما نخف استظراف خلوا الراجل يعرف يتكلم.
رحيم بنفاذ صبر
ـ الله يباركلك يا واد عمي. واجعين في مصيبة و دول بينكتوا.
عمر بتهكم
ـ عيب انا قولت أن في مصيبة. اشرح يا واد عمي.
قال جملته الأخيرة مقلدًا رحيم الذي قال بنفاذ صبر
ـ يا مصبر الوحش عالجحش.
لم يفلح الجميع في قمع ضحكاته حتى خالد الذي
قال بابتسامة هادئة
ـ معلش يا رحيم خليها عليك انت.
اومأ رحيم برأسه قبل أن يقص عليهم كل شيء يخص هذه المرأة و ابنتها وهذا المجرم رماح ليهتف كمال باندهاش
ـ لحظة يعني عمتي صافية لسه عايشة؟
رحيم بحيرة
ـ دا اللي فهمناه من كلامها. لكن مش متوكدين منيه بردك.
عمر باستفهام
ـ طب وهنتأكد ازاي من الكلام دا!
خالد بفظاظة
ـ ما قالك شرطها أنه يتجوز بنتها و بعدها هتقوله كل حاجه.
عمر باندفاع
ـ طب ما تتجوزها مستني ايه؟
رحيم بسخط
ـ كنك حمار ياض. هي دي حاچة بتاجي خبط لزج أكده!
عمر بتهكم
ـ العمدة عايز يعمل خطوبة و مرحلة تعارف ولا ايه؟
زفر رحيم حانقًا، فتدخل ياسر بحدة
ـ بص يا رحيم سواء وافقت على عرضها أو لا انا مش هسيب اللي اسمه رماح دا، وهاخد تار ابويا من عنيه.
تدخل خالد مُصححًا
ـ اسمها مش هنسيبه و هناخد تار ابوك اللي هو عمنا.
تنبه الجميع لحديث خالد الذي بالرغم من ابتعاده عن موطن نشأته في الصعيد إلا أن دمائه لاتزال حارة، و شعوره بالانتماء لعائلته لم يتأثر ولو بمثقال ذرة لذا تابع بخشونة
ـ اسمعوني كلكوا و ركزوا كويس في اللي هقوله. الراجل دا كان السبب الأول والكبير في الشرخ اللي حصل في العيلة. بداية من اللي حصل لصافية، للي حصل لعم ربيع، واللي بسببه حالة جدك اتدهورت.
لم يبد أي أثر للاعتراض على حديثه من قبل الجميع لذا تابع قائلًا
ـ الموضوع دا يخص كل واحد شايل اسم الوتيدي، ولازم نخططله صح، عشان واضح اوي انا بنتعامل مع مُجرمين عارفين هما بيعملوا ايه، و مش سهل أبدًا يقعوا.
رحيم مؤكدًا على حديثه
ـ عِندك حق. شوف احنا بقالنا كد ايه بنحاول نوجعوه و مش عارفين. ده مدوخ الحكومة ذات نفسيها.
صحح كمال حديث رحيم حين قال
ـ أو مدعوم من الحكومة!
أثار حديثه ريبة الجميع ليقول خالد مُشددًا على كل حرف يتفوه به
ـ كلام كمال وارد جدًا ولازم نحطه بعين الاعتبار.
ياسر بتأييد
ـ و دا رأيي انا كمان.
خالد بتحذير
ـ رحيم مبدأيًا كدا مطاوع مش محل ثقة أبدًا. هي قالتلك هتسلم رقبة ابن عمك للحكومة واكيد مش قصدها كد فينا. كمان انت بتقول ان هو اللي كان معاك لما شفت نجيب، و في نفس الليلة هربت. يبقى بنسبة كبيرة هو اللي بلغها.
ياسر جمود
ـ أو بلغ رماح نفسه.
عمر بجدية
ـ سواء بلغها أو بلغه هو في الأحوال موضع شك.
هتف رحيم بحنق
ـ حديتكوا ده بيخلي راسي يغلي. رماح ده اخوي لصغير. مهيجدرش أنه يخونني. محدِش فيكوا يعرِف هو عِمل عشاني اي؟
تدخل خالد قائلًا بنبرة ذات مغزى
ـ مش شرط انك عشان بتعتبره اخوك يكون هو كمان بيعتبرك كدا. البشر كل واحد له حسابات تانية، وحتى لو عمل عشانك حاجه شايفها عظيمة هو اكيد له وجه نظر تانيه في اللي عمله، وعشان هو منها، فخلينا نقول انه متهم لحد ما نثبت العكس.
كمال بتأييد
ـ أنا كمان رأيي من رأي خالد. احنا مش بنقولك خاين روح خلص عليه بنقولك حرص الموضوع مش سهل، و لو كلام الست دي طلع صح هتبقى خراب عالكل يا رحيم. احنا أكيد مش هنسكت. دا عرض و شرف.
في هذه اللحظة دلف يزيد إلى داخل الغرفة ليجد كل هذه الجثث الضخمة أمامه بملامح متجهمة وعينين يتساقط منهمَ الوعيد الذي جعله يقول بذُعر
ـ مين الهجامة دول ؟
عمر بتهكم
ـ تعالى اهو أنا هتعلم النشان في وش الواد دا.
يزيد بسخرية
ـ مين الوغد اللي بيتكلم دا؟
عمر بتقريع
ـ وغد يا تافه.
تفرقت نظرات ياسر التحذيرية بينهم جميعًا فأومأ خالد بصمت ليلتفت إلى عمر قائلًا بسخرية
ـ ايه يا عريس. مش هتحكيلنا عن قصة جوازك العظيمة!
اعتدل عمر في جلسته وهو يقول بارتباك طفيف
ـ ايه يا خال التسليمة دي! قصة ايه و عظيمة مين!
كمال بسخرية
ـ عظيمة دي تبقى أمك اللي معرفش متحملاك ازاي لحد دلوقتي!
عمر بتهكم
ـ ماهي اختك انت كمان، وبردو متحملاك. بس انا بقى طلعت جدع وفلت من تحت أيدها. لو شاطر اعملها واهرب من العروسة اللي عايزة تلبسهالك.
ياسر بسخرية
ـ تخيل يا كمال تبقى زي الحيطة و أختك هي اللي تجوزك.
هنا هتف يزيد باندفاع
ـ مانت ياريس نفس القطعية بردو واختك مُصرة تجوزك.
صاح كمال باندهاش
ـ لا متقولش. هيام عايزة تجوزك غصب عنك ولا ايه؟
تولى عمر الإجابة قائلًا بخُبث
ـ لا بس الريس أضاع قلبه في أحد الطرقات!
لا إراديًا توجهت أنظار ياسر الى يزيد الذي تحدث باندفاع
ـ أنا مقولتلوش حاجه بالتفصيل . هو سألني ياسر مرتبط قولتله انك كنت مرتبط بس فركشت لكن لسه بتحبها. اكتر من كدا مقولتش.
قهقه كمال بصخب قبل أن يقول بخشونة
ـ أنت عايز تقول ايه اكتر من كدا يخربيتك دا انت وهو نفس القطعية.
كان يُشير إلى عمر بحديثه ليقول خالد بسخرية
ـ و انت بقى كنت بتسأل ياسر مرتبط ولا لا ليه؟ معجب بيه ولا حاجه ؟
هتف كمال بصخب
ـ اوبا. ضربة تحت الحزام دي يا وحش. جاوب بقى يا حلو.
قهقه الجميع على حديثه ليقول رحيم بشجن
ـ والله زمان يا ولاد عمي مش مصدج أننا متچمعين سوى زي زمان.
ياسر بنبرة تحمل الألم بين طياتها
ـ كانت أحلى أيام.
هتف يزيد بحنق
ـ لا بقولكوا ايه انتوا هتقلبوها غم. انا مش ناقص كفاية المرار اللي كنت فيه من شوية.
ياسر مستفهمًا
ـ مرار ايه؟
يزيد بلامُبالاه
ـ كنت قاعد مع صديقة ليا. الخالة اعتماد ما انت عارفها بنجيب في سيرة مخاليق ربنا هوب سمعنا صوت صويت جاي من عند بيت أمين أبو دماغين.
عمر باستفهام
ـ مين أمين أبو دماغين دا ياد انت؟
يزيد بملل
ـ خليك في حالك.
ياسر بجدية
ـ يا ساتر. طب كان في ايه عندهم ؟
يزيد بتحسُر
ـ الحلوف ابو راسين كان بيضرب أشجان مراته كالعادة.
مجرد ذكر اسمها جعل جميع حواسه تتنبه، ولكن تخطى الأمر هذا بكثير فقد استملك الغضب كل ذرة من كيانه حين سمع أن هذا الحقير يضربها لتاتي كلمات ياسر الغاضبة
ـ الحيوان دا لسه مش ناوي يتعدل بردو! مش كفايه أنها صابرة على قرفه كل دا.
تدخل كمال قائلًا باستفهام
ـ أشجان دي تبقى أخت أسيا اللي شغاله عندنا في الشركة. جوزها دا اللي جه النهاردة و
تلقى نظرة مُحذرة من عيني خالد ليبتر حديثه، وحينها هتف عمر باندفاع
ـ أسيا الكراش بتاعتي. اختها بتضرب دي فرصة عشان أبين لها شهامتي.
برقت عيني كمال من حديث عمر ليقول بجفاء
ـ مالك و مال آسيا؟
لم يستطِع التفكير بشكل صحيح بل حتى أن الرؤية تشوشت امامه من فرط الغضب، فقد كان في هذه اللحظة انسان في طور إنسان متوحش لذا تمتم بجفاء
ـ هعمل تليفون صغير واجي.
انطلق إلى الخارج دون أن يلتفت إلى الخلف وهو يقول بالاتصال بآسيا بعد أن أرسل إلى سلمى رسالة نصية لترسل له رقمها والتي أجابت بعد رنات عديدة ليأتيها صوته الحاد حين قال
ـ أنا خالد الوتيدي يا آسيا.
اعتدلت آسيا بفزع وهي تقول
ـ مستر خالد . في حاجه ولا ايه؟
احتار بماذا يُجيبها ليقول أول شيء أتى على باله
ـ بقولك ايه انا أديت أشجان ورق تخلصه في البيت، وعايز أسألها عن حاجه ضروري. ممكن تروحيلها دلوقتي حالًا.
أشجان بعدم فهم
ـ أروحلها فين ؟ أشجان عندنا مش في بيتها.
لاح الأمل بسماء عينيه ولكن حديثها لم يفلح في ردع قلقه لذا قال بجفاء
ـ طب اديها التليفون حالًا وأنا معاكي عالخط.
ـ تمام.
هبت آسيا من مخدعها لتتوجه إلى الغرفة الثانيه حيث تمكث شقيقتها لتتفاجيء بأنها خالية، فتوجهت إلى الصالة لتقابلها والدتها التي كانت تحمل حبات الدواء بين يديها فقالت آسيا بلهفة
ـ ماما أشجان فين ؟
رضا بخفوت
ـ وطي صوتك ابوكي تعبان. اشجان روحت بيتها.
آسيا بذُعر
ـ يا نهار أسود، ومين خلاها تمشي.
رضا بغضب
ـ أنا يا ست آسيا. ايه عايزة اختك تخرب بيتها. خليها تروح لجوزها تراضيه، و إن لزم الأمر تقعد من الشغل دا خالص.
هتفت آسيا صارخة
ـ حرام عليكي هو الحقير دا ينفع راجل اصلًا.
ـ أخرسي يا بت.
لم تُعيرها آسيا اهتمام بل توجهت إلى غرفتها وهي ترفع الهاتف الى أذنيها قائلة بإستغاثة
ـ مستر خالد.
قاطعها خالد بشراسة بعد ان اجتاحته نوبة ذُعر على مصيرها بين يد هذا الحقير
ـ حالًا تكوني عندها. الحقير دا مد أيده عليها، وانا لو مش خايف عليها كنت رحت دفنته بإيدي.
تساقطت العبرات من مقلتيها و هي تجذب عباءة سمراء من خزانتها لتضعها فوق بيجامة نومها وهي تقول من بين دموعها
ـ حاضر..
ـ أنا هفضل معاكي على التليفون مش هقفل، و على فكرة انا هنا عند ياسر في لحظة هتلاقيني عندك.
ـ تمام. أصلًا بيت ياسر جنب بيت الحيوان دا.
كان يستمع إلى انفاس آسيا اللاهثة وهي تهرول إلى بيت شقيقتها وهو يود لو يكُن هو مكانها حتى يستطيع إنقاذها من براثن هذا الحقير، وقد كان الغضب يعميه عن التفكير بطريقة صحيحة فقط ينتظر أن يطمئن عليها، ولو كان هذا الانتظار يقرضه كالعقرب المسموم، فاغمض عينيه بقوة و هو يرفض أن يتخيل هذه الصورة البشعة لكونها بين يدي هذا النذل لتضرب عقله ذكرى ليست بعيدة حين كان هُنا في المرة الفائتة و شاهد إمرأة تحتضر بين مشقات الحياة، صوتها ملامحها و عينيها. نعم هي. لقد تذكرها قالت له إنها تحتاج إلى معجزة.
توقفت الدماء بأوردته و كأن قلبه يتلوى بين أضلعه خوفًا ربما لم يعرف له مثيل طوال حياته.
ـ للدرجة دي يا خالد!
تجمد جسده للحظة حين استمع الى صوت كمال المندهش خلفه ليلتفت بهيئته المُرعبة وهو يقول بقسوة
ـ ولا كلمة.
اومأ كمال برأسه قبل ان يقول بخفوت
ـ يبقى حصل.
خالد بشراسة افزعته
ـ قلت ولا كلمة.
ولكن المُفزِع أكثر من نبرته و هيئته هو أن يرى شقيقه يتعذب هكذا لذا تحدث بجمود
ـ ظابط واطي، هلاس و بتاع ستات و خارج على ذمة قضية اداب، و بيحاول يثبت أنه كان معموله كمين وانه كان في مهمة رسمية لما اتقبض عليه.
خالد بجفاء
ـ عرفت كل دا منين؟
كمال بجمود
ـ كانوا بيحكوا جوا. اتصرف و ربيه بس بالطريقة يا وحش.
ابتسامة مرعبة ارتسمت على ثغره قبل أن يقول بوعيد
ـ هيحصل. اديني تليفونك، وخلي تليفوني معاك، و اوعى تقفل آسيا عالخط.
وهل يستطِع أن يغلق أبواب الجنة التي تتمثل بهذه الفتاة ؟ أخذ الهاتف منه ليضعه على أذنه يستمع إلى أنفاسها الهادرة ودقات قلبه تتقاذف بعُنف بينما خالد قام بالعبث بهاتفه ليُجري اتصالًا مهمًا للغاية و على الجهة الأخرى كانت ترقد بركن في اخر الغرفة و جسدها يهتز من فرط الألم و البكاء، فقد فقد عقله هذه المرة و لم يضربها فقط بل فعل ما هو أبشع، فقد أفرغ شحنات عجزه، و حقده مما قام له خالد في جسدها، الذي اغتاله بوحشية، و حين انتهى منها بدأ بضربها كالمجنون على الرغم من أنه لم يكُن بكامل قوته بسبب ضرب خالد له ولكن كان الحقد يُعميه بالإضافة لهذا المخدر الذي كان يتناوله مما جعله لا يرى و لا يشعر فقد يتعامل كالحيوانات حتى أن والدته لأول مرة تحاول ثنيه عن ما يفعله بها، ولكنها في النهاية لم تستطيع ردعه لتسقط فريسة لانتقامه الشنيع منها، وها هي ترقد كالخرقة الباليه و بجانبها طفليها يبكيان بصمت على حال والدتهما بينما كان هو في عالم آخر يشعر بالتخمة بعد أن أرضى غريزته الوحشية بها، ولكن تبدد صفاءه حين سمع صوت شجار في الأسفل، فتوجه ليرى ماذا يحدُث ليستمع الى صوت والدته التي كانت تتشاجر مع آسيا في الاسفل
ـ قال يا قاعدين يكفيكوا شر الجايين. عايزة ايه يا آسيا!
آسيا بوقاحة
ـ هعوز منك ايه يا حيزابونة أنتِ. اختي فين؟
مديحة بحنق
ـ يا قليلة الأدب مين دي اللي حيزابونة؟
_ أنتِ، ومش بس حيزابونة دا أنتِ بومة، و مخلفة غراب، ولو ممشتيش من وشي دلوقتي و سبتيني اطلع لأختي هكون مطيراكي على جهنم. اوعي من وشي.
كانت أقوى منها لذا لم تستطِع ردعا بعكس أشجان التي كانت ارق من النسمة، و لهذا كانت تمارس جحودها و تخرج نقصها على هذه المسكينة.
وصلت آسيا إلى باب الشقة بالاعلى فوجدت أمين يقف أمام الباب بهيئته المقيتة، فهتفت بغضب
ـ أختي فين ؟
لم يكُن في وعيه فطافت أنظاره على جمالها في هذه العباءة المُفصله على جسدها ليهتف بوقاحة
ـ الفرسة بنفسها جاية لحد عندنا.
آسيا بحنق
ـ فرسة أما ترفصك في قلبك. اوعى من وشي.
أمين بوقاحة
ـ طب والنعمة شراستك دي مجننة امي.
شعرت بالخوف من نظراته و كلماته، و فجأة أتاها صوت اهتزاز الهاتف الذي تحمله لذا تراجعت إلى الخلف وهي تنظر إليه فوجدت رقم خالد لتُجيب على الفور علها تُخيف هذا الأحمق
ـ أيوا يا بابا. انا عند أشجان و أمين واقف قدامي اهو.
ـ اياكي تدخلي الشقة، وانا ثواني هكون عندك.
تفوقت صدمتها على خوفها حين سمعت سوت كمال الصارخ لتقول بتلعثُم
ـ لا . لا خليك متطلعش. انا هشوف أشجان وهنزل.
كمال بتحذير بينما دقات قلبه تخطت المليون دقة في الثانية الواحدة من فرط خوفه عليها
ـ اوعي تدخلي الشقة سامعه ؟
آسيا بتلعثُم
ـ حاضر. سامعه.
أنهى خالد مكالمته و قام بجذب الهاتف من يد كمال وهو يقول بخشونة
ـ اسمعيني كويس يا آسيا. خمس دقايق وهتلاقي البوليس داخل عليكي.
آسيا بصدمة
ـ ازاي يعني ؟
هتف كمال بغصب
ـ افتح السبيكر
اطاعه خالد قبل أن يقول بجفاء
ـ متشغليش بالك. المهم شوفتيها ولا سمعتي صوتها؟
آسيا بقلق من نظرات أمين الزائغة
ـ لا. لسه. ماشي يا بابا. انا هستناك تحت نطلع سوى.
هكذا تحدثت حين وجدته يتقدم نحوها غير عابيء بحديثها المزعوم مع والدها، ولكنها لاحظت أنه في حالة غير طبيعية لتقيس المسافة بينها و بين باب الشقة، وهي تحاول أن تسايره
ـ أنت عايز مني ايه؟
أمين بوقاحة
ـ هعوز ايه من فرسة زيك! بقولك ايه ما تيجي نقول كلمتين في الشقة التانية.
جن جنون كمال حين سمع حديثه، ولكن فجأة سمعها وهي تقول بشراسة
ـ الشقة التانيه دي هتدفن فيها أن شاء الله.
هكذا صرخت وهي تدفعه بقوة ليسقط فوق الدرج بينما تهرول هي إلى داخل الشقة و تُغلِق الباب خلفها، وهنا لم يحتمل كمال ما يحدُث ليصرُخ بعُنف
ـ أنا هخلص على الحقير دا.
زمجر خالد بشراسة
ـ ورايا. انا عارف البيت.
ولكن أوقفه صوتها حين قالت بلهفة
ـ أنا زقيته ودخلت جوا الشقة و قفلت الباب.
كان خالد يحبس أنفاسه، وحين استمع الى صوتها قال بلهفة
ـ طب ادخلي اطمني على أشجان بسرعة.
جذب كمال الهاتف من يدها وهو يقول بزئير
ـ الحيوان دا قرب منك.
آسيا بلهفة
ـ لا. انا استغليت أنه مش في حالته الطبيعية و جريت على الشقة و قفلت الباب.
توقفت الدماء بعروقها حين رأت شقيقتها تفترش الأرض بدمائها لتصرُخ بفزع
ـ أشجان .
هوى قلبه ذُعرًا و كأن هناك فرصة حديدية أحكمت الطوق حول عنقه ليقول بنبرة مُتحشرجة
ـ عمل فيها ايه؟
لم تكد آسيا تُجيبه حتى سمعت صوتًا من خلفها يقول بنبرة مُرعبة
ـ أخيرًا العصفورة دخلت القفص برجليها.
انتفض جسد آسيا وهي تناظر أمين الذي كان يقف في مقدمة الرواق وهو يُمسِك بالمفتاح الذي دائمًا ما يضعونه في باب الشقة من الخارج ، وفي هذه اللحظة أيقنت بأنها هالكة لا محالة لذا هتفت بذُعر
ـ كمال. الحقني

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ذنوب على طاولة الغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى