روايات

رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم نورهان العشري

رواية ذنوب على طاولة الغفران الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم نورهان العشري

رواية ذنوب على طاولة الغفران الجزء التاسع والعشرون

رواية ذنوب على طاولة الغفران البارت التاسع والعشرون

ذنوب على طاولة الغفران
ذنوب على طاولة الغفران

رواية ذنوب على طاولة الغفران الحلقة التاسعة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم
الإثم التاسع و العشرون ❤️‍🩹 بعنوان ” صراع من أجل البقاء”
أعتقد بأنني إمرأة صُنِعت من الألم، خُلِقت من أجل المُعاناة
لم ترحم الحياة ضعفها يومًا بل زجت بها في معركة داميه لا هُدنة فيها ولا نهاية لها، و كلما قاومت أغرقتها أكثر في صدامات لا تنتهي لتقضي على كل ذرة مقاومة لديها، والمؤسف في الأمر أنها لم تكُن تملك خيارات. بل تقاتل بصمت لا تجرؤ حتى على البُكاء، فهي لا تملِك كتف يُمكنه مواساة عبراتها، ولا احتواء ضعفها. صنعت الحياة بقلبها جراح تأبى الالتئام، و ندبات لن تُشفى بل ستَظل تُذكرها بالماضي الذي يأبى تركها تحيا المستقبل بسلام، و لكن المُثير في الشفقة أنه حين لاحت بوادر الأمل من بين سُحُب الظلام المُحيط بها هب أعصار غاشم قطع آخر خيط كان يربطها بالحياة، فهل تستطيع التجاوز أم ستُعلِن هزيمتها هذه المرة و يرفع قلبها راية الإستسلام؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ـ طمنيني يا غنى. حصل حاجه امبارح؟
ابتسامة ساخرة أوشكت بالظهور على شفتيها قبل أن تقمعها وهي تقول بتحذير
ـ ماما. بلاش أسألتك دي.
صابرين بحدة
ـ يا بت طب ريحي قلبي. قوليلي. قولتيله ولا لسه؟
غنى بصرامة
ـ اقفلي على الموضوع دا يا ماما.
صابرين بغضب
ـ ماهو لو مقولتيش انا هقول. حرام عليكي نفسك وحرام عليكي هو. انا عارفة أن دي الحاجة الوحيدة اللي هتقف بينكوا..
غنى بنبرة يشوبها القهر
ـ لو بيحبني مفيش حاجه هتقف بينا. اسكتي بقى.
صابرين بعناد
ـ دا جوزك و من حقه يعرفي يا بنتي.
افزعهم ذلك الصوت القادم من الخلف
ـ هو ايه اللي من حقي اعرفه؟
شعرت بالدماء تنسحب من أوردتها حين سمعت صوته من خلفهم، ولكنها سُرعان ما تداركت الأمر و حدجت والدتها بنظرة تحذير لم تُخطيء في فهمها لتزفر الأخيرة بغضب قبل أن تلتفت إلى ياسر قائلة بنفاذ صبر
ـ كنت عيزاها تعرفك هي عانت قد ايه مع المخفي أجله. عشان عارفه أن الموضوع دا هيفضل بينكوا و مش هترتاحوا.
غضب كثيرًا من ذكرها لهذا الأمر، فلا أحد يترك له المجال للنسيان أو التناسي ليهتف بصرامة اجفلتهم
ـ الماضي راح، و مش عايز اسمع حاجه عنه، و ياريت أنتِ كمان تقفلي عليه، و إيًا كان اللي حصل مش عايز اعرفه.
صُدِمت صابرين من حدته و تفرقت عينيها ما بين غنى التي تدعي اللامُبالاة باحترافيه و بين ياسر الذي يحترق من فرط الغضب ليقترب من غنى يحتضن كتفها بذراعه وهو يقول بجمود
ـ و بعدين احنا كويسين و مفيش حاجه واقفة بينا. كدا يا غنى ولا لا؟
ودت لو تُطلِق ضحكة ساخرة رنانه حين وقعت كلماته على أذنيها، ولكنها احجمت عن ذلك لتُمرر الأمر على خير حتى ترتاح من زن والدتها فتحدثت بنبرة لم تخلو من السخرية
ـ كويسين جدًا. هي دي محتاجة كلام!
لم تفُت عليه رنة السخرية في نبرتها، ولكنه لم يُعلِق انما غير دفة الأمر حين قال بجمود
ـ يالا عشان منتأخرش على الناس اللي جوا.
لم ترتح صابرين لما يحدُث ولكنها كان مكتوفة الأيدي أمام عناد ابنتها و حماقة زوجها لذا تبعتهم إلى الداخل بصمت، و هكذا استمرت الجلسة قرابة الساعه كان التحفُظ هو سمة الحديث إلى أن ودعت والديها، وهي تتوجه إلى الداخل مع الجميع على مضض ليأتيها صوت يزيد المرِح حين قال
ـ نورتي الدار يا شابه.
حاولت رسم ابتسامة باهتة على ملامحها وهي تقول
ـ منور بيك.
حاول كسر الجمود الذي يحيط بها إذ قال بسخرية
ـ طبعًا منور بيا. يا بنتي انا بجاملك أصلًا.
ابتسمت بهدوء، و لم تخفى عليها نظرات روضة التي كان الذنب يقرضها من الداخل، ولهذا فقد استأذنت للصعود إلى غرفتها، فالتفتت هيام ناظرة إلى غنى وهي تقول باهتمام
ـ عاملة ايه يا غنى؟ نمتي كويس؟
غنى باختصار
ـ الحمد لله.
لم تُعجبها اجابتها المُختصرة فلوت فمها وهي تنظر إلى الجهة الأخرى، فلم تُبالي لها بل نهضت من مقعدها وهي تقول بجمود
ـ طب عن اذنكوا هطلع اريح انا شويه.
اوقفتها جملة جابر الذي تحدث بنبرة يشوبها التعاطف
ـ لما تبقي قادرة يا بنتي خلينا نبقى نتكلم مع بعض شويه.
غنى باحترام
ـ حاضر. عن اذنك.
استحوذ طلبه على انتباه هيام التي ناظرته باستفهام، ولكنه لم يُعطيها أي اهتمام لتلتفت إلى ياسر الذي كان يتوقع السبب، فقد خاض جدالًا عنيفًا معه صباح اليوم و لازال يتذكر جملة جابر الذي للآن تتردد في أذنه
ـ اسمع يا ياسر. انت لما جيت وقولتلي تعالي اطلبلي غنى عشان أنا مش هطلبها من مرزوق. وافقتك علشان عارف أنه جه عليك زمان، ماضيها و عارفه موضوع جوازها و حافظه. تيجي دلوقتي عايز تدفع البنية ذنب اللي فات كله اعرف اني مش هسمحلك. مبقاش أنا بقعد في قعدات حق عشان ارد للمظلوم حقه، وييجي حد يتظلم تحت سقف بيتي. واجه شيطانك و صالح مراتك انت بتحبها وهي كمان. متسبش الدنيا تضحك عليك تاني.
زفر بقوة قبل أن يتوجه إلى سطح المنزل ليجلس بهدوء يُفكر فيما يحدث معهم. قرر المواجهة أخيرًا و الخروج من هذه الدائرة المفرغة التي ستهلكه لا محاله ليبدأ الصراع المرير ككل مرة، ولكن هذه المرة كان هناك طرف أشد عنادًا و قسوة و هو الضمير الذي أخبره بأن هناك قلبًا يرتجف من فرط الوجع الذي تسبب لها به.
عادت ذاكرته وهو يرى هذا الفستان الذي وقعت بحبه من اللحظة الأولى و هتفت بسعادة عارمة
ـ الله يا ياسر . الفستان دا حلو اوي. هو دا فستان أحلامي.
لم يستطِع نسيان فرحتها به و لن يستطِع نسيان مشهدها وهي تنظر إليه وهو يحترق شتان ما بين المشهدين. أي وجع الذي تسبب لها به لتفعل ذلك بجزء من أحلامها كما أخبرته؟ هل فعلًا أحرقت مشاعرها تجاهه مع هذا الفستان كما قالت؟ أم أنها تقول هذا لتُزيد من عذابه؟
تعددت الاستفهامات ولكن النتيجة واحدة هي تتألم بسببه وهو يموت لأجلها. يحترق من فرط الحزن عليها وعلى نفسه. لا يعلم كيف السبيل لتفادي كل هذا الألم أو حتى الهرب منه؟
و هُنا يتدخل صوت العقل لأول مرة ليُنصفه، فقد أصبح عذابه لا يُحتمل، فإذا به يُطالب بهدنة من هذا الألم و البُعد الذي ارهقه حتى لو أبى كبريائه، فلن يستمع له سيتحدث معها سيضع لعذابهم نقطه فاصلة لذا هب من مقعده وهو يترجل إلى غرفتهم ليضع يده فوق مقبض الباب يُديره، و إذا به يُصدم حتى وجده موصد من الداخل!
لقد صدقت حين أخبرته بأنه لن يجمعهما مكان أبدًا. اهتاجت جيوش غضبه دفعة واحدة، و كان قاب قوسين أو أدنى من تحطيم هذا الباب، ولكنه تراجع في آخر لحظة ليتوجه إلى القاعة الكبيرة و منها إلى الخزانه اللي تتوسطها ليجلب مفاتيح الغرف جميعها و هو يصعد الدرج إلى الأعلى و بداخله يتوعد لها سرًا، وهو لا يعلم أن دقات قلبها تخطت المليون دقة في الدقيقة الواحدة وهي تتخيل رد فعلها على فعلتها التي لم تندم عليها، فهو لابد من أن يدفع ثمن كلماته التي أحدثت جراح عظيمة داخلها تخشى انها لن تلتئم أبدًا، وفجأة حين كانت غارقة في التفكير وجدت باب الغرفة يُفتح و هو يطل عليها بجسده الضخم و أنفاسه الغاضبة و على الرغم أن الإضاءة كانت خافتة إلا أن ضوء المصباح بجانب مخدعها أظهر ملامحه المُتجهمة لتحاول هي التمثيل بأنها نائمة، ولكن لم تنجح حيلتها على هذا النمر الغاضب، فقد قام بغلق الباب خلف بقوة جعلتها تهب من نومتها وهي تناظره بصدمة، و من خلال نظراته الحارقة أدركت بأنها ستخوض معركة قوية معه الآن لتتفاجىء به يدلف إلى المرحاض دون أن يتفوه بحرف، و كأن اقتحامه للغرفة بهذه الطريقة كفيلة لإنذارها بألا تُكرر فعلتها مرة أخرى.
زفرت حانقة من هذا المغرور الوقح لتمضغ أسنانها غضبًا تجلى في نبرتها حين قال
ـ شوف البجح. ماشي يا ياسر أما وريتك.
هبت من مكانها وارتدت روب من الستان فوق هذه الغلالة السوداء التي ترتديها وأخذت تدور في الغرفة ذهابًا و إيابًا تنتظر خروجه من المرحاض و ما أن خرج حتى هتفت بانفعال
ـ انت مين أذنلك تدخل اوضتي؟
تجاهلها وهو يتوجه إلى الخزانة ليجلب تيشيرت يرتديه وهو يقوم بجفاء
ـ أنا هنا اللي بدي الأذن مش اللي باخده.
من شدة انفعالها لم تلحظ بأنه كان عاري الصدر، ولكن حين التفت يناظرها زحف الخجل إلى وجنتيها و سرعان ما استدارت إلى الحائط خلفها لتهتف بحدة
ـ انا قيلالك الصبح مش هتجمعنا أوضة واحدة، وقولتلك طول مانا هنا شوفلك اوضة تانيه لحد ما امشي.
لم تكد تّنهي جملتها حتى تفاجئت بيده التي ربتت على كتفها لتُنحيها من طريقه وهو يقول بنبرة جافة
ـ اوعي من قدام السرير، وروحي كلمي الحيط الناحية التانية اجري.
توسعت حدقتيها حين رأت بردوه وطريقته الجافة، و وقاحته وهو يتمدد فوق السرير براحة وكأنه لم يستمع إلى حديثها لتهتف بحنق
ـ استنى عندك. انت رايح تنام فين؟ انا اللي هنام على السرير.
وضع ذراعه فوق رأسه و بالآخر ضرب بقوة على الجهة الثانية من السرير قائلًا ببرود
ـ السرير واسع اهو ياخد خمسه. تعالي نامي.
تعاظم الغضب بصدرها حتى أعمى عينيها من وقاحته و بروده لتضرب بقدميها فوق أرضية الغرفة وهي تهتف بانفعال
ـ ياربي عالبرود. اروح انام فين انا دلوقتي ؟
ياسر بنبرة صارمة
ـ اعملي حسابك أن آخر حدودك باب الأوضة دي.
ناظرته بحنق وهي تسبه في سرها، فقد كانت تريد تعذيبه و وضع ألاف الحواجز بينهم، ولكنه وقح لم يُمهلها الفرصة لذلك، ولكنها ستفعل ما تُريده بطريقتها لذا توجهت لتجلب أحد الوسائد، فابتهج قلبه ظنًا منه أنها رضخت و ستتسطح بجانبه ليتفاجأ بها تتوجه إلى الأريكة التي تتوسط الغرفة و تنام فوقها. حاول كبت غضبه قدر الإمكان، فهي عازمة و بقوة على وضع الحواجز بينهم في الوقت الذي اختار هو ومليء إرادته هدمهم جميعًا، ولكنه أعطاها الحق، فهي قد تأذت منه، ولهذه فسيمنحها الوقت الكافي للنسيان.
مر بعض الوقت وقد ظنت بأنها لن تستطِع أن تغفو وهو معها في نفس الغرفة، ولكن من فرط انهاكها الجسدي و النفسي سقطت غارقة في نومًا عميق، بينما هو لا، فحضورها الطاغي و رائحتها العذبة أكثر من كافيان لسلب راحته، فروعة مظهرها وهي بهذا الروب القصير اشعل حمية العشق بصدره، و أيقظ نيران رغبة حارقة بجوفه ظن بأنها لن تتقد أبدًا ولكن يبقى لفتنتها سحرًا خاص جعله يعتدل جالساً على السرير يناظرها من بعيد جميلته ذات الشعر الغجري الذي يفترش الوسادة أسفل رأسها، فلم يقاوم رغبته من الإقتراب منها وهي نائمة بهذا السلام الذي يشتهيه بقربها ليجلس فوق ركبته يناظرها بنظرات تهيم بها عشقًا و إفتتانًا ليُقرب أنفاسه من مقدمة رأسها و يطبع قبلة دافئة فوق جبهتها لتأسره أنفاسها و يقترب واضعًا رأسه على الوسادة في مواجهة رأسها بعدما عدل جلسته على الأرض لتظل انظاره معلقة على ملامحها و هو يتنفس الهواء ذاته معها والذي اختلط بعبيرها الذي أسكره ليخلد إلى نوم هادئ بجانبها وهو يتذكر هذه القبلة الوحيدة التي جمعتهم.
داعبت أشعة الشمس ملامحها التي توهجت بفعل النوم المُريح التي خضعت له الليلة الماضية لتبدأ بفتح عينيها التي سرعان ما توسعت حين اصطدمت بملامحه الرائعة ذات الطابع الخشن لتهتاج دقات قلبها وهي تناظر رأسه الذي يرتاح فوق خصلات شعرها، و يديه التي تعانق يديها يضمهم إلى صدره بقوة و كأنه يخشى أن تهرُب منه. ليجف حلقها من فرط المشاعر التي عصفت بها، وهذا الخضوع الذي غزا أوردتها، فلم تستطِع الحركة حتى لا تُفسد نومه الهانيء و تخشى أن يستيقظ فتقع في فخ المشاعر التي يهيم بها قلبها الآن. ليقرر هو بدلًا عنها و يفتح عينيه ليصطدم بعينيها الجميلة التي كانت متسعة من فرط الترقب ليظل خيط النظرات موصول بينهم إلى أن بدأت يديه بالتحرك حتى وصلت إلى خصلات شعرها ليقوم بجذب إحداهما و يقوم بتقريبها من أنفه يشتم رائحتها بعُمق قبل أن يُعيدها خلف اذنها مرة أخرى لتتوجه أنظاره إلى حبتي التوت الشهي خاصتها، فتغيب عقله لثوان ود لو يقتطف ثمار ثغرها الشهي، ولكنها لم تُعطيه الفرصة، فقد استطاعت انتزاع نفسها من بين براثن عشقه لتنهض بقوة غير واعية لخصلاتها التي مازالت أسفل رأسه مما جعلها تشعر بألم شديد لتطلق صرخة قوية انتفض على إثرها وهو يهتف بلهفة
ـ ايه في ايه؟
نشب الغيظ كالحريق بداخل صدرها لتهتف بانفعال
ـ ايه اللي منيمك على شعري؟ ممكن اعرف؟
كانت تمسد فروة رأسها التي آلمتها لتمتد يده لتقوم عن المهمة بدلًا عنها وهو يقول ببرود
ـ وريني اتعورتي ولا ايه؟
لم تسمح له بأن يمس خصلاتها بل هبت من مكانها وهي تقول بجفاء
ـ سبتلك السرير و جيت نمت على الكنبة جاي ورايا ليه؟
نصب عوده وهو يناظر تمردها بأعيُن تلتمع من فرط الشغف ليُجيبها بنبرة مبحوحة من أثر النوم
ـ انا حر أنام في المكان اللي يريحني.
قربه منها لهذا الحد كان انذار بالخطر مما جعلها تهتف بانفعال
ـ يعني اروح انام تحت السرير مثلًا!
ياسر بنبرة ساخرة و أعيُن يتبلور بها العشق
ـ مش هينفع للأسف عشان تحت السرير في فران.
غنى بجفاء
ـ مبخفش منهم.
عاندها قائلًا
ـ كذابة.
هتفت بحدة
ـ مش كذابة.
تحديها وعنادها أضفوا بريق خاص على جمالها المُشِع ليقوم بمد ذراعه ليعتقل خصرها يقربها منه بقوة حتى تعانقت أضلعهم وهو يقول بنبرة خشنة ضد شفاهها
ـ أنتِ عايزة تعانديني وخلاص.
قربه بهذه الطريقة بالرغم من كونه مُثير إلا أنه ذكرها بهذا الصباح ليبزُغ انين جرحها من جديد، فسرعان ما أدارت رأسها إلى الجهة الأخرى وهي تقول بحدة
ـ ياسر.
يعلم مقدار ألمها الذي تسبب هو به لذا لم يمنع الكلمات من المرور عبر شفتيه حين قال
ـ أنا أسف. حقك عليا.
تجمع الدمع بمقلتيها، و اهتزت جفونها به وهي تناظره بألم طغى على ملامحها، فبهتت، وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي تستمع إلى اعتذاره ولكنه لم يشفع في مداواة آلامها الدامية لتقول بتحسُر
ـ اصرفها فين دي؟ ولا اداوي بيها ايه ولا ايه؟
انتقلت يديه لتحتضن وجهها وهو يقول بنبرة متألمة
ـ انا عارف أننا هنتعب اوي مع بعض . بس هنتعب اكتر من غير بعض، فخلينا نحاول نهدى، و اعذريني و افهمي اني مش قادر اتغلب على وجعي.
ترى الوجع بوضوح في عينيه مما جعل هذا السؤال اللعين يدور بعقلها كالطواحين لتهتف بأسى
ـ ولما هو كدا اتجوزتني ليه؟
صارحها بما يعتمل بداخله من قهر
ـ انا اهون عليا الموت ولا انك تكوني لحد تاني غيري.
كان الألم متبادل بينهم مما جعلها تقول بتحسُر
ـ هيام عندها حق. احنا كده هنموت بعض.
فاجأها حين قال بنبرة عاشقة
ـ انا راضي. لو نهايتي معاكي وعلى ايدك مش هعترض أبدًا
هتفت باستنكار
ـ يعني المفروض نفضل نجرح في بعض لحد ما نوصل للنهاية دي؟
احتوى كتفها بيديه وهو يقول بنبرة خشنة
ـ اكيد لا. خلينا نحاول نداوي بعض، واكيد هنلاقي طريق نمشي فيه مرتاحين.
بعد أن افرغ كُلًا منهما ما بجعبته و تعرت جميع الحقائق للعيان تحدثت بجدية نافضة عنها ما يعتريها من حزن و ألم
ـ تمام. بس عشان نبدأ في اللي انت بتقوله دا. لازم يكون عندنا رغبة له في الأساس.
انكمشت ملامحه بحيرة قبل أن يقول بجفاء
ـ هنا أنتِ بتتكلمي عن نفسك. بدل دا اقتراحي يبقى انا موافق. عرفيني بقى ليه معندكيش رغبة؟
أفصحت عينيها عن وجعها العظيم ليتناثر بغزارة فوق وجنتيها وهي تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ عشان مش قادرة اتأقلم لسه على كل اللي حصل، ولا حتى الوجع اللي هنا. طول مانا شيفاك انا هتعب.
كانت تتحدث وهي تضع يدها فوق قلبها ليتأثر قلبه بحزنها و يرتعد خوفًا من مغزى حديثها فاستفهم قائلًا
ـ يعني؟
غنى بجمود رغمًا عن تأثرها
ـ متضغطش عليا، ومتخنقنيش. خلاص انا بقيت مراتك يعني مفيش حد هيقدر يقرب مني. حجتك بطلت.
بدأ الغضب في الظهور على السطح ليقول من بين أسنانه
ـ ايوا يعني عايزة ايه من دا كله ؟
تحدثت بجدية و نبرة جامدة
ـ عايزة ارجع اشتغل في الحضانة من تاني.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال♥️
★★★★★★★★★★
دق جرس الباب فتوجهت لتفتح و إذا بها تتفاجيء حين شاهدت أمين يسد الباب بجسده و عينيه تقدحان الشرر لتشعر رضا بالرهبة من قدومه إليهم بهذا المظهر لكنها لم تظهر ما يعتمل بداخلها بل قالت بهدوء
ـ تعالى يا أمين اتفضل.
أمين بنبرة جافة
ـ الست هانم عندك ولا ما صدقت تخلص مني عشان يخلالها الجو مع حبيب القلب.
شهقت رضا بصدمة سرعان ما تحولت لغضب تجلى في نبرتها حين قالت
ـ أخرس قطع لسانك ليك عين تتكلم على بنتي بعد عمايلك السودا فيها!
دلف أمين الى الداخل و توجه ليجلس على أحد المقاعد وهو يتحدث بنبرة سمجة
ـ معذورة يا حماتي. طول عمرك طيبة و على نياتك. متعرفيش البلاوي اللي بتحصل من ورا ضهرك.
زحف القلق إلى صدرها من حديثه ولكنها استنكرته قائلة بغضب
ـ هو في ايه؟ أنت جاي ترمي بلاك علينا ولا ايه؟ احنا خلاص خلصنا خلينا نخرج بالمعروف و كفاية اوي اللي حصل.
أمين بحدة
ـ معروف ايه و أنا مطعون في ضهري من بنتك!
نصب عوده ليقترب منها وهو يقول بنبرة تقترب من البكاء
ـ بنتك خانتني. عارفة يعني ايه خانتني! خلت البيه بتاعها يحبسني عشان يخلالها الجو معاه، و مش بس دا دي خلته يوصي عليا في السجن عشان اتبهدل و اضرب هناك، و يوم ما وافقت تطلعني ساومتني أطلقها و تخرجني من السجن. كل دا و جاية تقوليلي نخرج بالمعروف ! أي معروف دا يا حماتي!
تيبست أطرافها من حديثه الذي انطبعت أثاره فوق ملامحها، فبدت مشدوهة و كأنها عاجزة عن استيعاب كلماته ليواصل لعبته الدنيئة قائلًا بنبرة مُنكسرة
ـ الباشا بيستخدم نفوذه و يظلم الناس علشان مرافق بنت الخدامة.
صرخة غاضبة خرجت من جوفها حين قالت
ـ أخرس. متقولش كدا على بنتي. انا بنتي أشرف من الشرف.
أمين بخسة
ـ و الشريفة دي تسيبه يضرب جوزها مرتين، و تروح تشتغل في شركته من غير ما جوزها يعرف ولو مش شكيت فيها ومشيت وراها كان زماني لسه متقرطس.
جف حلقها ولم تعُد تعرف لماذا تُجيبه ليُضيف بنبرة مسمومة
ـ لا و من بجاحتها البيه جه وراها لحد بيتي و خدها معاه عالمستشفى. تقدري تقوليلي لما هو مفيش حاجه بينهم ايه اللي دخله بيتي؟ و ايه اللي خلاه يضربني عند الشركة؟ للأسف بنتك خدعتكوا و قرطستكوا انتوا كمان.
ـ أخرس يا حقير.
هكذا هتف عزام و من خلفه أشجان المصدومة فقد استمعوا الى حديثه المسموم ليلتفت أمين ناظرًا إلى عزام ببغض و هو يُجيبه بنبرة شامتة
ـ أنا مش حقير. الحقيرة هي اللي باعت نفسها و شرفها و جوزها و بيتها عشان الفلوس. اهي واقفة اهي أسألها و حلفها عالمصحف إذا كان في حاجة بينه و بينها ولا لا؟
كانت تقف كالمشلولة أمام إعصار اتهاماته، فلم تكُن تتخيل أن يصل إلى هذه الدرجة من الحقارة، ولكنه لم يكتفي بل واصل هجومه الجائر حين قال بشماته
ـ كدا الروس اتساوت يا زوجتي العزيزة، و لو انا قذر فأنتِ أقذر.
إن كان الكبت يولد الإنفجار فالظلم قد يخلق من الضعف جبروت، وقد شعرت في هذه اللحظة بأنها قادرة على القتل لتقوم برفع يدها و تهوى فوق صدغه بصفعة قوية تركت بصماتها فوق خده، فقد كانت هذه الأمنية تلازمها طويلًا و اليوم تحققت و لكنها لم تحسب حساب لحقارة خصمها الذي اسودت معالمه و اندفع كالثور الهائج يريد القصاص منها، ولكن اوقفه تدخل عزام الذي حال بينه وبين ابنته التي صرخت بنبرة تحترق كمدًا
ـ حرام عليك بقى. انت ايه ؟حيوان! هتبعد عني امتى ؟ هخلص منك امتى؟
أمين بصياح
ـ عايزة تخلصي مني عشان تروحي لعشيقك يا زبا….
عزام بحدة وهو يدفعه إلى الخلف
ـ أخرس و غور امشي من هنا. أنت فاكر بنتي زيك!
خرج الأطفال على أصوات صياحهم لتقترب رضا تحتضنهم وهي تقول بحدة
ـ اخرج بقى . كفاياك فضايح. هتخلي حتى عيالك تكرهك.
رغمًا عنه و عن نوازع الشر بداخله توجه إلى الخارج ولكن قبل أن يغادر القى قنبلته التي تفجر بارودها في صدر أشجان
ـ اشبعي من ولادك يا حلوة عشان لما أثبت انك خاينة هاخدهم منك و مش هتشوفيهم تاني.
لم تعُد قدميها تستطيعان حملها، فجلست على الأرض تحتضن طفليها الباكيان لتقترب منها رضا وتقوم بتهدئه الأطفال لتأخذهم إلى الداخل فقام عزام بإسناد ابنته لتجلس على المقعد وهي تبكي بحرقة لامست قلبه الضعيف ليربت بحنو فوق ظهرها وهو يقول
ـ معلش يا بنتي. دا المتوقع من واحد حقير زيه. بس متخافيش انا عمري ما هسمحله يقرب من الولاد طول مانا عايش.
لم تفلح كل كلمات المواساة في لملمة ذلك الشق في روحها، فقد كانت تخشى من حدوث شيء يُفسد فرحتها، والآن طُمِست إلى الأبد
ـ قوليلي يا ست أشجان. ايه الكلام اللي سمعناه دا؟ ماهو مفيش دخان من غير نار، و أمين مهما أن كان زبالة مش هيتكلم بحرقة كدا اللي لما يكون شاف عليكِ حاجه.
هكذا هتفت رضا بانفعال لتبرق عينيها من حديث والدتها التي وكأنها انتزعت قلبها من مكانه لتغمسه بأخدود مليء بالجمرات، فإن كانت ظنت سابقاً أنها تعرضت للخذلان منها، فقد أدركت اليوم الموت على يديها.
ـ أنتِ اتجننتي يا وليه أنتِ بتقولي ايه؟ بقى مصدقة كلام الحقير دا على بنتك!
شعرت رضا ببعض الذنب من حديث عزام ومظهر أشجان التي كانت الخيبة تلون نظراتها لتحاول تصحيح الأمر قليلًا حين قالت بتلعثُم
ـ انا مقصدش. بس لازم نفهم. في شويه حاجات هو عنده حق فيها، وكمان عشان نعرف نرد عليه لو اتكلم تاني.
سابقاً وضعها ضعفها أسفل حذاء هذا الحقير لتقضي عمراً بأكمله في البكاء والنحيب و الآن فلو توقف قلبها سيحدُث ذلك وهي تدافع عن نفسها ولن ترضى بالمذلة مرة ثانية لذا هبت من مكانها تناظر والدتها بأعيُن تجمد بهم الدمع و ملامح شوها الخذلان وبنبرة جافة تحدثت
ـ عايزة تعرفي ايه؟ انا ليه روحت اشتغلت من وراه في الشركة ليه؟ عشان امه كانت مشعلاني في مكتب سياحة سكرتيره مطلوب منها تكنس و تنضف و تمسح و تقابل العملا الصبح و ترضي المديرين اللي فيه بالليل. طبعًا فهماني؟
بللت حلقها الجاف قبل أن تستكمل سرد معاناتها و لكن بنبرة قاسية تشبه ما تعرضت له
ـ و روحت اشتغلت في الشركة من غير ما أقوله ليه؟ عشان مرتبها أكتر بكتير من المرتب بتاع مكتب السياحة و كنت عايزة احوش الفرق عشان اعمل لنفسي اي حاجه اتسند عليها لما أطلق من أمين. عشان عارفه انك مش هتفتحيلي باب بيتك.
برقت عيني رضا من جملتها الأخيرة لتستطرد أشجان قائلة بسخرية
ـ طبعًا أنتِ ليك عذرك ما أنتِ كنتِ بتحافظي على بيت أمين بيه لا يتخرب أو كنتِ بتوهمي نفسك بكدا بس اقولك حاجه؟
اقتربت منها خطوة و ظلل الوجع عينيها ونبرتها وهي تقول
ـ ملعون أبو البيت اللي يقوم على دموع و وجع الست اللي فيه. ملعون ابو الجواز لما تكون الست عبارة عن خدامة بالنهار و أداة متعة بالليل. ملعون أبو البيت اللي الست تتهان فيه اكتر ما تتنفس.
محت عبراتها بعُنف تجلى في نبرتها وهي تقول بنبرة يفوح منها رائحة القهر
ـ ملعون أبو الراجل اللي يفكر انه لما يقتل شخصية الست اللي معاه ويموت الحياة جواها هو كدا بيكسبها العمر كله. الله ينتقم من كل واحد دي عقيدته و دا تفكيره.
توقف كلا الأبوين غير قادرين على الحديث لتُتابع هي جلد الجميع بسوط وجعها و تقترب من المصحف لتجذبه وهي تضعه فوق صدرها و كفها يحتضنه لتقول بنبرة احترقت من فرط اللوعة
ـ بحق من انزل هذا الكتاب انا عمري ما خنته ولا عملت اي حاجه غلط. انا في عز ضعفي و كسرته ليا كنت محافظة على نفسي، و عمري ما ضعفت قدام اي حد، وربنا واحده عالم اللي شفته و اللي عشته معاه.
أنهت جملتها و هرولت إلى الخارج، فقد كانت تتجهز للخروج قبل مجيئه، و دون وعي اخذتها قدماها إلى المكان الوحيد الذي شعرت فيه بالألفة و الراحة لتتفاجئ حين وجدته يترجل من سيارته في هذه اللحظة لينتفض قلبه بين ضلوعه حين رآى حالتها ليهرول إليها وهو يقول بلهفة
ـ أشجان.
ناظرته بأعيُن باكية و قلب محترق و جسد ينتفض من فرط القهر الذي تقع تحت سطوته لتخرج حروف اسمه متقطعه من بين شفاهها
ـ خالد.
خالد بذُعر
ـ حصل ايه؟
كان الدمع ينهمر كالمطر من بين مآقيها و الوجع يكاد يشطر قلبها إلى نصفين وهي تقول بنبرة تتضور وجعًا
ـ قال. عني خا. خاينة يا خالد. قا. قال إني. خنته معاك، و ما. ماما. صدقته.
مظهرها المُدمر و حديثها المُعذب أضرموا نيران هوجاء بداخله، و الذي لسوء حظه كان عاجزًا عن اخمادها و إخماد وجعها بعناق يرمم شقاق روحها، و يطمئنها بأنه إلى جانبها، ولكن فعلته سوزان بدلًا عنه، فقد كانت ترافقه في السيارة و حين رأت حالة أشجان ترجلت منها بلهفة على قدر استطاعتها لترتمي الأخيرة بين ذراعيها وهي تشهق بقوة وتنوح بألم
ـ ظلمتني المرة دي كمان. صدقته المرة دي كمان. كسرتني زي كل مرة. كسرتني يا سوزي كسرتني.
لم يستطِع احتمال وجعها أبدًا، فقد بلغ الألم مبلغه منه للحد الذي جعل أنفاسه تتسارع بقوة وعينيه تحد و كأنه عزم على ارتكاب جريمة قتل ليهتف بكلتاهمَ
ـ ادخلوا اتكلموا جوا. الناس بتتفرج عليكوا.
رفعت رأسها تناظره ليلتفت إلى سوزان قائلًا
ـ أشجان أمانة عندك. لحد ما اجي بنفس واخدها.
دقت طبول الذُعر بقلبها حين رأت مظهره الذي لا يوحي بالخير لتهتف بلهفة
ـ انت هتعمل ايه؟
قاطعها بنبرة حادة
ـ أنتِ متسأليش. أنتِ بس تقعدي و تتفرجي على حقك وهو بيجيلك.
اخترقت جملته أعماق قلبها ولكنه كانت تخشى من حدوث كارثة أخرى لذا هتفت بلهفة
ـ أرجوك متتهورش.
عانقتها نظراته الحانية و نبرته التي تُشبهها حين قال
ـ اوعي تخافي وانا موجود. عمري ما هعمل حاجة تأذيكي أبدًا.
كان وعدًا بالأمان الذي كان أقصى أمنياتها في هذه اللحظة لتوميء برأسها وهي تتوجه إلى الداخل برفقة أشجان تحت أنظاره التي تبدلت من الحنو إلى شيء آخر يشبه الجحيم الذي اقسم ان سيجعله هذا الحقير يحيا به الباقي من حياته.
اللهم ارزقني رزقاً واسعاً حلالاً طيباً من غير كدٍّ واستجب دعائي من غير رد، وأعوذ بك من الفضيحتين الفقر والدين♥️
★★★★★★★★★
ـ چهزتي حالك يا بت الناس؟
هكذا تحدث رحيم بنبرته الرخيمة لتوميء نجاة برأسها وهي تقول بخفوت
ـ چهزتها.
ـ عال. عال. يوبجى يالا بينا العربية مستنيانا تحت. هندلى عالبلد. المشوار طويل حبتين. بس العربية مريحة مش هتتعبي.
اومأت برأسها بهدوء جعله يقول بصوت جهوري
ـ ما تسمعيني حسك. اني مابحبش الإشارات دي. خُرس احنا ولا اي؟
نجاة بحدة
ـ لاه مش خُرس تحب أغنيلك اياك.
رحيم بمرح
ـ صوتك حلو على اكده؟
نجاة باقتضاب
ـ لاه عفش.
رحيم بسخرية
ـ يوبجى خليهولك، و نجطيني بسكاتك.
لا يعلم لما كان يود دائمًا مشاكستها يعلم بأنها ليست هادئة كما تدعي، فهو رأى جرأتها في السابق، و شراستها أيضًا، ولكنه لجأ للصمت طوال الطريق الى البلد لتشعُر هي بالملل و يأخذها النُعاس في غفوة طويلة مكنته من التمعُن في ملامحها على راحته دون تحفُظ، فقد كانت جميلة بحق. تضج ملامحها بإغواء قوي يجعل نبضاته تتعثر بداخل صدره رغمًا عنه، فبكل مرة ينظر إليها يستشعر حلاوة احساس ما يستوطن قلبه تجاهها، و ينتهي به الأمر وهو يُعنف نفسه و يُذكرها بمصابه، و هكذا أصبح يُعنف نفسه كثيرًا بسببها لذا قرر بأن يحد من هذا الشعور الذي ينمو و يترعرع دون اعتبار لأي شيء و هذا بتجاهلها.
أخيرًا وصلوا إلى البيت الكبير الذي يتوسط أرضهم الشاسعة ليقوم بهزها برفق و تحفُظ وهو يقول بجفاء
ـ يا بت الناس. اصحي. وصلنا.
لم تُجيبه في البداية ليضطر للاقتراب منها أكثر وهو يقول بنبرة أهدأ و أعيُن يلتمع بهم الإعجاب
ـ نچاة. اصحي.
حروف اسمها كانت مميزة من بين شفتيه مما جعلها ترسل ذبذبات حسية إلى سائر جسدها الذي لم يستنكر لمساته انما استجابت لها وهي تفتح عينيها لتقع على واحته الخضراء التي أسرتها لثوان كما أسرته ملامحها الرائعة لتظل النظرات دائرة بينهم إلى أن قطعها أصوات تهليل قادم من الخارج ليعتدل في جلسته وهي أيضًا، فتحمحم بخشونة قبل أن يقول
ـ يالا عشان اعرفك على أهل الدار اللي هتعيشي فيه، و اوعاكي تنسي حديتنا. عايزك تنفذيه بالحرف.
اومأت برأسها و ترجلت من السيارة برفقته وهي تضم وشاحها فوق رأسها وسط نظرات اعجاب و استنكار و ذهول من حولهم، فقد أرسل إليهم صباحاً يخبرهم بأنه تزوج و سيجلب زوجته معه اليوم.
لم تؤثر بها جميع النظرات بقدر ما فعلت نظرات هذه المرأة التي تشبه الشيطان في بشاعتها لتشتد يدها المُمسكة بيد رحيم الذي ضغط عليها و كأنه يطمأنها ليقف في وسط الدرج و يلتفت إلى الجميع وهو يقول
ـ سمعوني صوت سلاحكوا يا رچالة خلوا البلد كلاتها تعرِف أن العمدة رچع و معاه مرته .
اندفعت أصوات الأعيرة النارية من كل حدب وصوب و أصوات التهليلات التي خرجت من أفواه جميع مُحبيه ماعدا صوت هذه المرأة المسموم حين قالت
ـ بقى دي اللي هتحل محل ست الستات اللي راحت؟
ناظرها رحيم بقسوة قبل أن يقول بنبرة مُحذرة
ـ ست الستات جدامك اهي. ملي عنيكي منها. بس ابجي جولي ما شاء الله يا مرت عمي. اصل العين علينا حج.
برقت عينيها حتى أصبح مظهرها مُرعِب، ولكنها حاولت إدعاء القوة وهي تناظرها لتنتظر الأخرى دلوف رحيم إلى الداخل وتقول بجفاء
ـ بجى الخدامة دي ست الستات!
اغضبتها إهانة هذه الشمطاء لتقرر الثأر لكرامتها قائلة بسخرية
ـ الخدامة موچوده اهي، و چتلها ستها.
أنهت جملتها و توجهت خلف رحيم وهي تتمنى ألا تقتلها هذا المرأة من الخلف، ولكنها توقفت حين سمعت صوت مطاوع الغاضب وهو يقول إلى رحيم
ـ مبروك ياخوي. لساتك فاكر تجولنا انك أتچوزت!
ضيق رحيم عينيه قبل أن يقول بنبرة قاسية
ـ جولت افرحكوا يا مطاوع، ولا انتوا مفرحتوش يا واد عمي.
مطاوع بعتب
ـ لساتك فاكر اني واد عمك!
رحيم بغموض
ـ اومال! هي دي حاچة تتنسي؟ دي هي دي الشوكة اللي في ضهري.
مطاوع بصدمة
ـ تجصد اي؟
لمح ضي التي كانت تقف على مقربة منهم ليمد رحيم يده إليها وهو يقول بصوته الجهوري
ـ مش فاضيلك عاد يا مطاوع. اني عريس يا أخي حس على دمك.
أنهى جملته وهو يقوم بجذب ضي بقوة واضعًا يد خلف ظهرها والأخرى أسفل ركبتيها لتجد نفسها تطير في للهواء لتشهق بعُنف غطى عليه صوته الجهوري وهو يصيح بالخدم
ـ چهزوا الوكل و طلعوه على أوضتي فوج بعد ساعتين، ومحدش يزعچني اني عريس
هتفت ضي بصدمة
– يا مُري
لم يبالي لجملتها بل توجه إلى الدرج ليصعد بخفة و كأنه يحمل ريشة بين يديه، وقد كان يكبح ضحكته بصعوبة على هذه التي تخشبت بين يديه من فعلته الجريئة.
اللهم يا رازق السائلين، يا راحم المساكين، يا ذا القوة المتين، ويا خير الناصرين، يا ولي المؤمنين، يا غياث المستغيثين، إياك نعبد وإياك نستعين♥️
★★★★★★★★★
ـ يخربيتك وأنتِ قولتيله كدا في وشه!
هكذا استفهمت آسيا التي كانت تتمشى مع شروق في الحديقة بعد أن استطاعت الأخيرة التخلص من هذه الجبيرة فهتفت بحنق
ـ سيادته فاكر اني واحدة من إياهم. عايز يتسلى معايا يومين. قال ايه نعيش حياتنا زي اي زوج و زوجة!
آسيا بتفكير
ـ بصي هو أنتِ زنقتيه زنقة سودا بس هو ابن حلال و يستاهل.
شروق بحدة
ـ و من بجاحته يقولي انا معنديش مانع، وبعدها يهرب زي العيل الصغير.
حاولت أسيا تهدئتها قائلة
ـ عمر مش وحش. بس هو نتاج طبيعي لعيله زي دي. هيحتاج منك مجهود عشان يعترف أنه بيحبك، فلو عايزة نصيحتي استمري لحد ما يقول حقي برقبتي.
ما أن أوشكت على اجابتها حتى جذب اسماعهم صوت الخادمة التي اخبرت شروق بأن جدتها في انتظارها لتقول الأخيرة بلهفة
ـ جدتي صحيت من النوم هروح اقولها ان رجلي بقت كويسة و اجيلك، ولا تيجي معايا.
كانت آسيا مشغولة بالنظر إلى مكان آخر لذا قالت بتلعثُم
ـ هاه. لا. روحي وأنا هستناكي هنا.
غادرت شروق لتتوجه بخطٍ سُلحفية إلى منطقة محظورة دفنت بها قلبها ذات ليلة. تجردت بها من كرامتها و كبريائها و الآن هي تقف وجهًا لوجه مع هذه الشجرة التي كانت احن عليها من بعض البشر و سندتها حتى لا تسقط بعد أن جردوها من كل شيء و اتقنوا إهانتها، فأخذت تقترب منها و عينيها و كأنهم لوحة حية عن الحزن و الألم الذي عايشته تلك الليلة التي انحفرت كل دقيقة بها في صدرها لتمتد يدها و تضعها فوق هذا الجزع الذي اتكأت عليه ذلك اليوم و حين أوشكت عبراتها بالإنهمار تفاجئت بكف ضخم يغمر كفها فوق هذا الجزع ليستشعر جسدها حرارة قوية غمرتها من الخلف، فارتجف بدنها وهي تلتفت إلى الوراء لتصطدم بعينين اجتمع بهم العشق والشوق معًا، فظلت نظراتها عالقة بنظراته وهي تتذكر حديثه ذلك اليوم، وهو يتذكر ملامحها حين أخبرها بحبه ليُقرر قطع هذا الصمت قائلًا بنبرة خشنة
ـ دانا لو امي دعيالي قبل ما تموت مش هشوفك هنا.
لم تلتفت إلى مزحته بل هتفت بنبرة مُلتاعة
ـ كمال.
لمس حزنها فهتف بنبرة عذبة
ـ عيون كمال.
كلماته أعادتها من بئر ذكرياتها المريرة لتتراجع الى الخلف، و كفها لازال عالقًا بين اناملة
ـ انا. هو . انت مش مفروض في الشركة!
هكذا تحدثت بتلعثُم قابله بنبرته الواثقة
ـ الشركة مبقالهاش طعم من غيرك.
استشعرت الخطر في قربه و نظراته و حديثه لتحاول نزع يدها من بين يديه وهي تقول بخفوت
ـ سيب ايدي.
ـ لما تردي عليا.
ـ عايز ايه؟
كانت نبرتها يشوبها القلق ليقول باستفهام
ـ هربتي مني ليه؟
لم يكُن هناك مفر للهرب هذه المرة لتقول بنبرة خافتة
ـ معنديش إجابة لكلامك.
عاندها وهو يتعمق في عينيها الجميلة
ـ بطلي تكذبي عليا.
ضاقت ذرعًا من حصاره لها وضعفها أمامه الجديد كليًا عليها لذا قالت باستفهام
ـ كمال أنت عايز مني ايه؟
كمال بسلاسة ادهشتها
ـ انا بحبك. هكون عايز ايه؟
استفهمت بنبرة خافته
ـ طب و آخرة الحب دا ايه؟
اقترب منها وهو ينظر إلى الأعلى قائلًا
ـ شايفه البلكونه اللي فوق دي؟
رفعت رأسها إلى حيث أشار لتقول باستفهام
ـ مالها ؟
مازحها قائلًا
ـ كنت هنط منها لما شوفتك هنا..
لم تفلح في قمع ضحكتها الجميلة ليقول بجدية هذه المرة
ـ لا بجد ايه رأيك فيها؟
آسيا بعدم فهم وهي تجدد النظر الى الشرفة لتصل إلى مغزى حديثه
ـ مالها يعني؟ بلكونة عادية
كمال بنبرة تحمل من العشق و العبث ما جعلها خاضعة كلياً تحت سطوته
ـ لا طبعا مش بلكونة عادية. دي بلكونه واحد عازب و وحيد يتيم الأب والأم و نفسه في بنت حلال تكمل نص دينه و تعيش معاه فيها.
اقترب اكثر منها حتى احتضنتها عينيه و نبرته حين قال بعبث
ـ يعني تسقيله الورد اللي دبل دا. تجهزله لبسه. تنور حياته بضحكتها الحلوة. تحضرله فطاره ، تديله بوسة الصبح و عشرين بالليل. كدا يعني
لكزته في كتفه وهي تدير رأسها إلى الجهة الأخرى من فرط الخجل الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ بطل قلة ادب هو انت بتقول ايه؟
قلص الفارق بينهم وهو يقول بنبرة شغوفة
ـ بقولك تتجوزيني!
آسيا بنبرة تهيم من فرط المشاعر
ـ هاه.
كمال بوقاحة
ـ كلمة كمان و هطلبها منك فعليًا وأنتِ عرفاني في قلة الأدب مبتوصاش.
كانت تود الهرب منه من فرط الخجل و المشاعر التي غمرتها لتتجمد نظراتها فوق هذه الشجرة و تُعاد أصواتهم المُريعة إلى رأسها و كذلك مظهرها المُذري و القطع المُمزقة من فستانها التي لازالت تحتفظ بها إلى الآن لتُغمض عينيها بقوة تحاول الهرب لتجد يديه تمتد لتلامس خاصتها من الخلف وهو يستند بجبهته فوق كتفها قائلًا بنبرة محرورة من فرط العشق
ـ آسيا. وافقي. أنتِ بتحبيني زي ما بحبك.
دوامة من الأفكار والمشاعر جرفتها لتحاول الهرب منها و الإفلات من بين براثنها لتلتفت بلهفة وتقول بنبرة متهدجة
ـ انا فعلًا بحبك و موافقة اتجوزك.
اللهم إنّي أسألك أن توسع لي في رزقي، اللهم اكفني بحلالك وعطائك، وأغنني عن خلقك، اللهم إنّك كريم قدير فقدر لي الرزق الكثير وأكرمني بعطائك يا رب العالمين. اللهم إنك قلت ادعوني استجب لكم؛ اللهم إني أدعوك وأرجوك أن ترزقني من خيرك بخيرك الذي لا يملكه غيرك، اللهم ارزقني وبارك لي فيما رزقتني يا رزاق يا كريم”. ♥️
★★★★★★★★★
كانت تُعِد طعام الغداء في المطبخ ليدلف ياسر إلى الداخل وهو يقول بصوت خشن
ـ هيام.
التفتت تناظره بحنو تجلى في نبرتها وهي تقول
ـ يا عيون هيام. شكلك جوعت انا خلاص خلصت الأكل.
أوقفها ياسر من الاسترسال في الحديث ليقول بنبرة جافة
ـ لا مش جعان. عايز اسألك على حاجه مهمة.
ـ وماله يا قلب أختك أسأل.
احتدت ملامحه ونبرته حين قال
ـ مها قبل ما تتجوز كانت حامل من مين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الإثم التاسع و العشرون ج٢ ❤️‍🩹 بعنوان “طرقات ملغمة بلهيب الحب”
قد تكون نجوت ولكن هناك أشياء لازالت عالقه بداخلك، وكأن الحياة أقسمت على أن تظل جميع الألام والخيبات متعلقة بقلبك إلى الأبد حتى لو تجاوزت و عبرت إلى جانب آخر أكثر أمنًا و هدوءً، فستظل عيناك ترى الآخر، فهناك على ضفته فقدت جزءً من روحك و بعضً من قلبك، و الكثير من سنوات عمرك، و بالرغم من صعوبة الأمر إلا أن التعايش هو أكثر الحلول سلمية، و خاصةً أن كان الدرب وعِرًا يحتاج إلى إرادة قوية و قلب يؤمن بأن ذلك الليل الحالك مهما بلغت ظُلمته لابد وأن يأتي الفجر مُعلنًا انتصاره، حتى و إن تأخر الأمر واشتد الخِناق، فيكفي أنك نجوت، فكُن مُمتن لأجل ذلك، ولا تدع وقت للرثاء فالحياة لا تُنصِف الضعيف ولكنها تهاب القوي.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تسمرت هيام بمكانها لدى سماعها كلمات ياسر التي جعلت دقات قلبها تتقاذف داخلها من فرط الصدمة التي سرعان ما تحولت لفزع حين هتف ياسر بجفاء
مقدمناش النهار كله يا هيام. سمعيني صوتك.
تحمحمت بخفوت قبل ان تقول بتلعثم
كلام ايه دا يا ياسر؟ حمل ايه…..
قاطعها ياسر بحدة
متكذبيش عليا. انا متأكد من اللي بقوله. انا روحت المستشفى, و سألت و عرفت كل حاجه.
هيام باندفاع
ازاي؟ اذا كانت الدكتورة اللي عملتلها العملية اتقبض عليها من سنة!
ياسر بقسوة
مانا عارف, بس انا بقى قدرت اوصل للممرضة اللي كانت شغاله معاها, و عرفت اقررها كويس.
هيام بارتباك
خلاص يا ياسر اللي حصل حصل و اهي اتجوزت اللي حملت منه.
ياسر بانفعال
بالبساطة دي! تستغفلني و تحمل من صاحبي و انت تساعديها و تجرجروني وراكوا زي العبيط على ان الهانم هتعمل عمليه الزايدة و انتوا رايحين تعملوا جريمة!
لأول مرة تقف امامه كالطفلة المذنبة التي ارتكبت جُرم كبير, ولكنها كانت تحمل همًا أكبر منه بكثير لتقترب منه و هي تقول بترقب
انت ايه اللي عرفك الموضوع دا؟
ضيق ياسر عينيه قبل أن يقول بترقُب
الموضوع دا بدايه الخيط للي جاي, ماهو اصل الخاين لازم يجيله يوم و يتكشف. حبل الكذب قصير يا هيام.
تقصد ايه ؟
ياسر بقسوة
متستهليش تعرفي . بعد الجريمة اللي ساعدتي فيها دي متستهليش تعرفي.
صدمتها قسوته لتهتف باستنكار
كدا بردو يا ياسر! الكلام دا يتقالي انا؟ انا كنت بستُر بنت يتيمة ملهاش حد.
هتف بحدة
تساعدي في قتل روح و تقوليلي بسترها!
جف حلقها و احتارت بما تبرر له لتقول بضياع
انت جاي تحكي في الموضوع دا ليه دلوقتي ؟ خلاص قولنا اتجوزت و احنا وقتها كنا قلالات الحيلة, و هي…
ياسر بقسوة
هي تولع. انا اللي يهمني حياتي اللي دمرتها.
جف حلقها من حديثه لتهتف بترقب
تقصد ايه؟
ياسر بتهكم
ابقي أسألي الهانم اللي كانت بتتهرب منك من وقت ما كنا عندها، و كل ما اقولك قوليلها تيجي تزورنا ترفض.
هيام بتلعثم
ـ بلاش نظلم. يعني لا. هي مكنتش فاضيه و بعدين سافرت الغردقة مع جوزها..
ياسر بسخرية
تلت شهور مكنتش فاضيه فيهم ولا يوم تيجي تشوفك! بالرغم انك قولتيلها ضروري لازم تيجي ! دي عمرها ما حصلت بس انا بقى هعرف اوصلها و اندمها على كل اللي عملته.
انهى جملته و اندفع الى الخارج و كأن شياطين العالم أجمع تلاحقه, و كلماتها المعذبة تعاد على مسامعه مرارًا و تكرارًا
عودة إلى وقت سابق
نعم ! حضانة ايه اللي عايزة ترجعيلها!
هكذا تحدث ياسر بجفاء قابلته بالانفعال حين قالت
أنت ليه لما بجيبلك سيرة الحضانة بتتعصب و كأني بقول كدا عشان اضايقك!
ياسر بتهكم
اومال عشان ايه! عشان تجلطيني مثلاً!
تجاهلت سخريته وقابلتها بالهدوء حين قالت بنبرة يشوبها المرارة
انا مش عايزة ابقى تابع لحد, و لا اقعد في البيت وشي في وش الحيط من غير لا شغله ولا مشغله. انا جوايا طاقه غضب و حزن كبيرة هتتضاعف طول مانا بفكر في اللي حصل. محتاجه اشغل نفسي اخرج واتعامل مع ناس. اعمل أي انجاز و لو حتى كان بسيط أو تافه من وجهة نظرك.
أخفضت رأسها قبل أن تقول بشفاه مُرتعشة
ـ متفهمنيش غلط. بس انا مش عايزة اعتمد على حد تاني. تعبت من تحكم الناس في مصيري و أنهم هما اللي بيحركوني ولا كإني عروسة بخيوط.
هبطت عبراتها حزنا على حالها مع انتهاء جملتها ليدق قلبه معلنا تضامنه معها, و عصيانه له و غضبه على كل ما حدث معهم، ودفعها لتشعُر بهذا الشعور المُريع. زفر بقوة قبل أن يقول بتعب
أنت لو جابه الدنيا عشان تعذبيني يا غنى مش هتعملي كدا.
استشعرت مدى تعبه لتخفض رأسها بحزن لتمتد أنامله ترفع رأسها إليه وهو يقول بنبرة حانيه
اوعي توطي راسك تاني, و بلاش النظرة دي الله يباركلك انا ضميري مبينيمنيش بسببك.
غنى بألم
أنا موجوعه أوي يا ياسر, و قلبي زعلان مني و منك أوي.
احتوى رأسها بين يديه وهو يقول بنبرة اكتظ بها الالم
حقك عليا. هفضل اقولها لك عمري كله.
بكت بحرقه حتى أفرغت ما بجوفها من ألم احتواه صدره الذي أغرقته عبراتها لكنه كان اكثر من مرحب بكل شيء منها , و حين جفت بحور الدمع بمقلتيها جذب رأسها ناظرا الى عينيها وهو يقول مازحا
طب ممكن يا مس غنى تسبيني أنام في الأوضه هنا عشان في كلب بره لو شاف المهزلة بتاعت امبارح دي هيفرج عليا الناس؟
لم تفلح في قمع ضحكتها التي لونت ثغرها و هي توميء برأيها بالموافقة لتبدو كالفجر الذي انتصر على دُجى الظلام ليتجدد الأمل بصدره مما جعله يقول بنبرة يفوح منها رائحة العشق
انا عشت عمري كله بتمنى اني اصحى الصبح اول حاجه اشوفها ضحكتك. متحرمنيش منها.
عودة الى الوقت الحالي
غاضب و بشدة لقد فعل المستحيل طوال الأشهر المُنصرمة لمعرفة ما الذي دفع هذه الشيطانه الصغير لعمل جريمتها النكراء، و قد بذل قصارى جهده لكي لا يُفسِد حياتها مع زوجها، و الذي اتضح بأنه كان حقيرًا مثلها ليُقرر الوصول إلى الحقيقة دون الإلتفات لأي شخص غيرهم، فجملتها ذلك الصباح لازالت تتردد دويها في صدره كالشوك
ـ أنا وحشة في كل الحالات و مُلامة في نظرك مهما قولت.
نفض عنه الغضب و قرر البدء بخطته لذا قام بجذب هاتفه و هو يحادث عماد الذي ما أن أجاب حتى هتف ياسر بجمود
جيت من السفر ولا لسه؟
عماد بعدم فهم
لا لسه قدامي اسبوع. في حاجه يا ياسر ولا ايه؟
ياسر بسخرية
لا ابدًا بس ياسر الصغير واحشني, و كنت عايز اشوفه.
والله يا ياسر كان مفوض نرجع من عشر ايام بس مها كل ما تسمع سيرة الرجوع تتعفرت, و تقولي خلينا هنا شويه.
ود لو يصرخ في وجهه ولكن بدلًا عن ذلك تحدث بجمود
قول لمها محدش بيعيش في الغربة على طول، و بعدين لو أتأخرتوا هضطر انا اروح ازور الحاج مجدي، أصله حبيبي.
لم يفهم عماد المغزى من حديثه, ولكنها فعلت فقد كانت تقف بجانبه بقلب مفجوع من فرط الخوف ليقول عماد بمرح
دا هيفرح بيك اوي. بس اعمل حسابك اول ما نرجع هتيجي تقعد معانا شوية.
ياسر بجمود
لا متقلقش. دانا لازم هجيلكوا.
اغلق الهاتف وهو يتوعدهم في سره، و كل شخص تسبب في شقائه و محبوبته.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، “اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار”♥️
★★★★★★★★★★
ـ بتبصلي كدا ليه؟
هكذا تحدثت آسيا بخجل وهي تجلس في السيارة بجانب كمال ليقول الأخير بعبث
ـ عيني ملقتش أحلى منك عشان تبصله.
رغمًا عنها و عن عقدة النقص بداخلها و عن عنادها و انتقامها، فقد دق قلبها لحديثه و بشدة لتحاول الهرب من حصار نظراته وهي تقول بتلعثُم
ـ كمال هو أنت متأكد من كلامك اللي قولتهولي النهاردة؟
كمال بسخرية
ـ أنتِ قديمة أوي يا آسيا. متأكد أيه دانا بكرة بالليل هجيب الوحش واجي اتقدم لك، و نقرأ الفاتحة.
برقت عينيها من حديثه الذي جعلها تقول بصدمة
ـ كمال. بتقول ايه؟
كمال بمرح
ـ أنا مبقولش يا روحي. انا بعمل، وكمان مابحبش اضيع وقت. إحنا أولى بكل دقيقة بتمر من عمرنا.
لم تتخيل أن الأمور ستكون سهلة هكذا لذا عبرت عن مخاوفها بصراحة حين قالت بنبرة مُتحشرجة
ـ بس اكيد عندكوا في البيت هيعارضوا، و خصوصًا اخواتك البنات.
كمال بجدية
ـ اسمعيني كويس يا آسيا. خالد اخويا من زمان من اول ما اتجوز نادية، وهو حاطط قواعد لبيتنا، و أول قاعدة و إن كنت بشوفها زمان ظالمه شويه أن مفيش بنت من البنات تقول رأيها في أي حاجة متخصهاش.
آسيا بتبرُم
ـ بس دا خالد. انما أنت مدلعهم عالآخر.
كمال بابتسامة هادئة
ـ طبيعي واحد يشد و واحد يرخي. عشان دول بردو أخواتنا، و وصية بابا الله يرحمه لينا. لكن وقت الجد هو دا اللي هيتنفذ. متقلقيش من حاجه. الوحيد اللي ممكن اخد رأيه في موضوع يخصني هو خالد، وخالد أول ما هقوله هلاقيه سابقني على بيتكوا. أصل شكله هو كمان ضيع قلبه عندكوا. سركوا باتع أنتِ و أختك.
قال جملته الأخيرة بمُزاح جعلها تبتسم، ولكن هذه المرة كان الإطمئنان يجتاح قلبها لتقول بغرور هي الأخرى
ـ معلش احنا مش اي حد بردو.
كانت تتحدث بغرور لاق بها كثيرًا، فبدت فاتنة بطريقة أثارت حواسه مما جعله يقول بوقاحة
ـ طب بقولك ايه ما تيجي نخليها قراية فاتحة و كتب كتاب مع بعض؟
غمرها الخجل من نبرته و نظراته لتهتف بحزم
ـ لا كتب كتاب دا تنساه. انا مضمنكش من هنا لحد اخر الشارع. كتب الكتاب في الفرح.
كمال بنبرة يتخللها العبث
ـ طب جربيني. نكتب الكتاب، وانا اوعدك هبقى مؤدب، ومش هعمل اي حاجه تضايقك أبدًا.
ضيقت آسيا عينيها وهي تقول بتهكم
ـ مؤدب أه! دا انت قلة الأدب اتخلقت عشانك أصلًا. يالا سلام بقى عشان ورايا حاجات كتير اعملها.
أوقفتها يد كمال وهو يقول بلهفة
ـ لا معلش. رايحة فين؟ استني نتفق.
آسيا باستفهام
ـ نتفق على اي؟
كمال بتخابُث
ـ لو مش موافقه نكتب الكتاب. يبقى تعوضيني، و تنفذيلي طلبي.
ـ طلب أيه؟
كمال بمكر
ـ قربي وانا هقولك في ودنك.
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد♥️
★★★★★★★
ـ بقى كل دا يحصل في بنتي وانا معرفش؟ بنتي الوردة الجميلة تشوف كل العذاب دا بسبب زوج حقير و أم معندهاش رحمة.
هكذا تحدث عزام بنبرة تقطُر وجعًا لتشعر رضا بالذنب الذي حجم الكلمات فوق شفتيها لينظر إليها عزام بعينين ترسل سهام الاتهام إليها دون ذرة شفقة واحدة
ـ كنتِ بتحافظي على بيت مين يا رضا ؟ أمين ولا بنتك؟ كنتِ بتنامي ازاي وهي مكسورة و متهانه في بيت ناس بالوحشية دي؟ بنتك اللي عمرها ماكانت بتقول لحد فينا غير حاضر و نعم. قبلتي عليها تتبهدل البهدلة دي ليه يا رضا؟
حاولت الحديث، و لكن الحروف كانت تهرب من فوق شفتيها لتقول بتلعثُم
ـ مكنتش اعرف. انا كنت مفكره أنها خلافات عادية. والله يا أبو أشجان ما تخيلت أنه يكون قذر كدا.
عزام بغضب
ـ و النهاردة لما سمعتيه بيتبلى على بنتك عملتي ايه؟ صدقتي كلام حقير زيه و كسرتي بنتك.
انهمرت عبارات الذنب من مقلتيها بغزارة ليصرخ عزام بشراسة
ـ أنتِ أم أنتِ! أنتِ لو عدوتها مكنتيش هتعملي فيها كدا.
اندفعت الكلمات من فوق شفاهها بحرقة
ـ انا مقصدتش. والله ما قصدت. انا بس خوفت يكون انضحك عليها. أصلها كرهت جوزها فجأة وقالت عايزة أطلق. قولت يبقى في حد لعب في دماغها. دا اللي جه في تفكيري.
ـ هي مين دي اللي حد لعب في دماغها و كرهت جوزها فجأة! اوعي تقولي انك بتكلمي عن اشجان؟
هكذا تحدثت آسيا باستنكار، فقد وصلت لتوها لتستمع إلى جملة والدتها التي قالت بقهر
ـ اسكتي أنتِ سبب البلاوي كلها.
ـ أنتِ ايه يا ولية أنتِ! لسه بتقاوحي و بترمي اللوم على البنت كمان.
هنا تدخل عزام صارخًا وهو ينقض عليها يحاول ضربها، ولكن آسيا حالت دون ذلك وهي تقف بينهم قائلة بذُعر
ـ لا يا بابا بلاش أرجوك كفاية كدا بقى.
رضا بصدمة
ـ عايز تضربني يا عزام! هانت عليك العشرة!
عزام بقسوة
ـ زي ما بنتك هانت عليكِ، و اعملي حسابك أن دا بيت بنتي، وهتعيش فيه مُعززة مُكرمة، ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل.
ضاقت ذرعًا مما حدث لتهتف بانفعال
ـ ممكن اعرف حصل ايه و فين أشجان؟
عزام بتعب وهو يضع يده فوق قلبه
ـ خلي الهانم أمك تحكيلك.
جلست رضا مُطأطاة الرأس تقص على آسيا ما حدث، والتي صرخت بصدمة
ـ يا كلب يا حيوان. بقى انا أختي يقول عليها كدا!
أنهت جملتها و التفتت إلى والدتها قائلة بحدة
ـ و أنتِ ازاي تصدقي كدا على أشجان؟ ازاي جالك قلب تقوليلها كدا؟ بس هستغرب ليه ما أنتِ طول عمرك سبب كسرتها. تفكيرك و معتقداتك العقيمة سبب حزنها و بؤسها طول حياتها. أنتِ عايزة مننا أيه؟
رضا باستنكار
ـ دلوقتي أنا وحشة يا ست آسيا؟ بعد ما جريت عليكوا و اتمرمطت و خدمت في البيوت عشان أربيكوا! انا شفت المرار عشان تبقوا بني آدمين و اديكي اهو بسببي دخلتي احسن مدارس و احسن جامعات. كل اللي أنتِ فيه دا انا دفعت تمنه من صحتي و من كرامتي. أنتِ متعرفيش انا شوفت ايه من العيلة دي و اتحملت منهم ايه عشان خاطركوا. دلوقتي بقيت عدوتكوا و عايزة ايه منكوا! ولا حاجه انا هريحكوا مني خالص.
شعرت بتأنيب الضمير تجاه والدتها لتقول بجمود
ـ أنا أسفة لو صوتي علي عليكِ، و أسفة عشان اتماديت معاكِ في الكلام. بس مش أسفه في انك فعلًا سبب حزن أشجان اختي، و تعبها و بهدلتها مع الحيوان دا.
التقطت حقيبتها وهي تهتف من بين عبراتها
ـ أنا هروح أشوف أشجان و اطمن عليها.
عزام بلهفة
ـ أنتِ عارفة هي فين؟
آسيا بقسوة
ـ في شقتها. ماهي أجرت شقة عشان تعيش فيها هي وولادها بعد ما تطلق. مكنتش عايزة تتقل على حد.
قالت جملتها الأخيرة و عينيها على رضا التي أخفضت رأسها خزيًا، و ندمًا ليهتف عزام بلهفة
ـ خديني معاكِ يا آسيا. عايز اروح اشوف بنتي.
آسيا بنبرة لينة
ـ خليك هنا يا بابا. انا هجبها معايا.
رفعت رضا رأسها بلهفة تجلت في نبرته حين قالت
ـ طب وهي هترضى تيجي معاكِ؟
آسيا بجمود
ـ هترضى. مانا أصلي نسيت اقولك.
تبدلت نظراتها و ملامحها إلى الفخر و هي تقول
ـ كمال الوتيدي جاي بكرة يطلب ايدي للجواز هو وخالد اخوه.
برقت عيني والديها لتهتف رضا بصدمة
ـ بتقولي ايه؟
آسيا بابتسامة عريضة
ـ اللي سمعتيه ياماما، وقريب أوي البيت اللي كنتِ بتخدمي فيه هتدخليه هانم معززة مكرمة، وكل اللي عمل فيكِ حاجه في يوم من الايام هردهاله أضعافها.
خرجت من بناياتهم وحدها بعد أن أقنعت والدها بالإنتظار في البيت حتى تستطيع الحديث مع شقيقتها و إقناعها بالعودة لتقوم بجذب هاتفها لتحادث كمال الذي هتف بمرح
ـ متقوليش اني وحشتك والكلام دا. احسن هرجع اكتب الكتاب على طول.
لا إراديًا شعرت بالراحة حين استمعت إلى صوته، ولكن قلبها لازال يؤلمها بسبب ما حدث مع شقيقتها لتقول بنبرة مختنقة بالعبرات
ـ كمال أنت فين ؟ لو مبعدتش كتير ارجعلي.
ارتجف قلبه خوفًا عليها، و لتلك النبرة الحزينة التي تحادثه بها فهتف بلهفة
ـ طبعًا هرجعلك. انا لفيت أصلًا بس قوليلي مالك ؟ في ايه ؟
آسيا بتعب
ـ أنا كويسة. الموضوع يخص أشجان. لما تيجي هحكيلك.
كانت تتوجه بخطً مُتلهفة لتصل إليه وهي تحادثه بنبرة مُتألمة، فلم تلحظ نداءات رؤوف الذي احتدت نظراته، و تمزق قلبه حين رآها وهي تستقل السيارة بجانب كمال الذي انطلق في وجهته وهو يحاول تهدئتها بعد أن أخبرته ما حدث ليقول بحنو
ـ اهدي شويه. أن شاء الله هتروحي تلاقيها كويسه.
آسيا بألم
ـ أشجان غيري يا كمال. دي رقيقة اوي و ضعيفة جدًا، و اسهل حاجة عليها تكبت في نفسها و تقعد تعيط. انا مرعوبة عليها، و بدعي أنها تكون فعلًا في الشقة اللي أجرتها دي.
كمال بنبرة حانقة
ـ بصراحة بقى الحيوان دا اتمادى أوي، ولازم يتحطله حد. انا هكلم خالد و هحكيله، و هو اكيد هيتصرف معاه.
آسيا بتفكير
ـ أنا خايفة الموضوع يكبر اكتر، و ميبقاش دا في مصلحة أشجان.
كمال بحزم
ـ لا متقلقيش. خالد عاقل، و دماغه سم. يعني هيحل الموضوع بذكاء، و بصراحة بقى محدش هيقدر يوقف الزفت دا عند حده غيره.
آسيا بإذعان
ـ عندك حق.
اللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد ويا منجز الوعيد ويا من هو كل يوم في أمر جديد أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق بك أدفع ما لا أطيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم♥️
★★★★★★★
كانت تحتضن نفسها كالأطفال غارقة في سُبات عميق بفعل هذا المنوم الذي أعطته لها سوزان، فقد اشفقت عليها كثيرًا بعد أن قضت قرابة الثلاثة ساعات تبكي بحرقة حتى أُنهكت أحبالها الصوتية، و حفرت العبرات وديان الألم حول عينيها، و هاهي نائمة منذ ساعات، وكأنها وجدت في النوم ملجأً لها من هذا الواقع الأليم، فلم تشعر بهذا الطرق القوي على باب الشقة، و الذي جعل سوزان تهرول بقدر ما تحتاج لتصل إلى الباب و حين فتحته وجدت رجل و إمراة يدقون فوق باب شقة أشجان فهتفت بنبرة مُرتفعة قليلًا
ـ عايزين مين؟
التفتت آسيا بلهفة، و حين وقعت عينيها على سوزان تعرفت عليها فورًا، فلطالما سمعت عنها من شقيقتها لتهرول إليها قائلة بلهفة
ـ حضرتك مدام سوزان صح؟
سوزان بابتسامة هادئة
ـ و أنتِ آسيا صح!
حين وقعت عيني كمال عليها تعرف إليها هو الآخر، فقد رآها مرات عديدة مع شقيقه و خاصةً في المقابر ليقترب منها قائلاً
ـ ازيك يا مدام سوزان.
ـ اهلًا يا ابني. اتفضلوا.
آسيا بلهفة
ـ أشجان عندك صح!
كمال بتهكم
ـ لسه بتسألي! و عملالي فيها ذكية أوي. يالا قدامي.
حدجته بنبرة لائمة لتقول سوزان بمُزاح
ـ عيب تكلم حبيبتك كدا.
كمال بصدمة
ـ حبيبتي! معقول الوحش مسيحلي في كل حتة كدا!
سوزان بتخابُث
ـ لا حبيبي دا مؤدب مبيسيحش لحد بس باين على عنيك و هي بتبصلها انك بتحبها.
تراشقت الكلمات بصدر آسيا التي غزى الذنب أوردتها لترفع رأسها إليه و إلى عينيه التي تناظرها و كأنها المرأة الوحيدة على الأرض
ـ تشربوا ايه؟
انتشلتها كلمات سوزان من بئر الذنب الذي كانت غارقة به لتهتف بلهفة
ـ ميرسي اوي. انا بس عايزة أشوف أشجان.
عند ذكر اسمها كانت قد أطلت عليهم، فأصوات الجلبة في الخارج ايقظتها، فارتدت حجابها و خرجت إليهم لتهب آسيا مندفعة إلى أحضانها وهي تبكي بحرقة و الحروف ترتجف فوق شفتيها حين قالت
ـ أشجان.حقك عليا. حقك عليا انا. أنا أسفة اني مكنتش موجودة و دافعت عنك. سامحيني.
عانقتها أشجان بلهفة وهي تقول بنبرة مُهترئة من فرط الألم
ـ متتأسفيش يا حبيبتي. أنتِ ملكيش ذنب.
آسيا بأسى
ـ لو كنت جنبك وقتها مكنش حد هيقدر يقولك حرف، و كان زماني قطعت لسان الكلب دا.
امتدت أنامل أشجان تمحي عبرات شقيقتها بحنو تجلى في نبرتها حين قالت
ـ هوني على نفسك يا حبيبتي. بلاش تحملي نفسك ذنب مش ذنبك. انا مش طفلة صغيرة. انا اللي ضعيفة و الكل عارف دا و عشان كدا أستاهل كل اللي حصلي.
تدخلت سوزان قائلة بنبرة صارمة
ـ أنتِ طيبة يا بنت. معنديش بنات ضعيفة أنا.
ابتسمت أشجان بهدوء قبل أن تلتفت إلى كمال قائلة بتحفُظ
ـ أزيك يا كمال بيه. أسفة اتلهيت في آسيا و مسلمتش عليك.
كمال بجدية زائفة
ـ لا بقى. انا ليا عندك حق عرب. ايه كمال بيه دي؟ اسمي كمال. دا احنا خلاص بقينا أهل.
قطبت جبينها بعدم فهم لتقول آسيا مازحة
ـ اه نسيت اقولك أصل كمال عايز يخطبني بس انا لسه موافقتش.
كمال باستنكار
ـ نعم ياختي! مين دي اللي موافقتش؟ و لا مين قالك أن انا هاخد رأيك أصلًا
ابتسمت أشجان على جملته لتقول سوزان باعجاب وهي تنظر إلى آسيا
ـ البنت دي عجبتني. أيوا كدا لففيه حوالين نفسه.
كمال بنفاذ صبر
ـ لا بقى. دا انتوا كلكوا عليا! خلاص أشجان هتبقى في صفي.
أشجان بابتسامة بسيطة
ـ متقلقش انا في ضهرك.
احتضنتها آسيا بقوة وهي تقول بحنو
ـ أيوا كدا اضحكي.
بادلتها أشجان العناق وهي تقول بخفوت
ـ ربنا ما يحرمني منك أبدًا.
التفتت سوزان إلى كمال وهي تقول بمُزاح
ـ تعالى قومني نعمل قهوة بدل ما أنت عمال تسبل للبنت كدا.
شعر كمال بالإحراج ليهتف باستنكار
ـ طب وربنا انا قاعد مؤدب ولا عملت حاجة.
مدت سوزان يدها إليه ليساعدها في النهوض وهي تنظر إليه بنظرات ذات مغزى وصل إليه على الفور ليتوجه معها إلى الداخل حتى يفسحوا المجال للفتاتين للحديث براحة و ما أن تواروا عن الأنظار حتى هتفت آسيا بلهفة
ـ قبل اي حاجه لازم تعرفي اني سايبة ماما منهارة و حالتها صعبة بسبب اللي حصل، وأنها ندمانه على كل حرف قالته، وكانت لحظة شيطان مش اكتر.
زفرت أشجان وجعها مع ذرات ثاني أكسيد الكربون قبل أن تقول بجفاء
ـ مش مضطرة تبرريلي يا آسيا. انا بعدت ما قعدت مع نفسي و هديت، و فكرت كويس. اكتشفت انها معملتش حاجة جديدة هي دي ماما وهو دا تفكيرها. انا بس اللي ضعيفة وأقل نسمة هوا بتخسف بيا الأرض.
احتوت آسيا يديها وهي تقول بنبرة يتخللها الآسف
ـ طيب ماشي. دي ماما. بالنسبة لبابا بقى. دا هيتجنن عليكِ، و بالعافية اقنعتوا يستنى و ميجيش معايا. انا خايفة عليه أوي.
استفحل الخوف بصدرها لتهتف بلهفة
ـ طيب قوليله اني كويسة، و مش زعلانه…
قاطعتها آسيا بلهفة
ـ مش هيصدق مهما قولت. لازم يسمع منك ويشوف دا بعنيه. خلينا متفقين أن ماما و خالتي صابرين طول عمرهم تفكيرهم راجعي كدا، و مش أنتِ اول واحدة تتأذي منهم شوفتي غنى و اللي حصلها. بس في الآخر هنعمل ايه دول أهلنا، ودي تربيتهم ودا تفكيرهم.
هنا تذكرت كلمات خالد حين أخبرها بأن والدته كانت تُفكر بنفس الطريقة، فاخفضت رأسها وهي تقول بنبرة طابعها الحزن
ـ انا تعبت يا آسيا. مش عايزة حاجه غير اني أعيش مع ولادي بهدوء و سلام. نفسي يسيبوني في حالي بقى.
مسدت آسيا على كتفها وهي تقول بتشجيع
ـ كل حاجه هتتصلح أن شاء الله، وبكرة تشوفي الدنيا زي ما ضلمت هتنور، و بعدين بقى انا مش هقدر افرح غير و أنتِ جنبي
قالت جملتها بخفوت ليصل إليها صوت كمال من الخلف و الذي هتف بمرح
ـ سمعتك على فكرة.
لا إراديًا ابتسمت لتطغى السعادة على حزنها وهي ترى العشق يلون حدقتي شقيقتها، فقالت بسعادة
ـ كمال باين عليه بيحبك، و أنتِ كمان حبتيه ربنا يسعدكوا يا حبيبتي.
تجاهلت حديث أشجان الذي اشعل شرارة الذنب مرة أخرى بداخلها و قالت بجمود
ـ ربنا ما يحرمني منك. يالا بقى روحي معايا.
شعرت بالتردد، ولكن جرس الباب جعلها تفزع في مكانها ليقترب كمال وبجانبه سوزان واضعين المشروبات فوق الطاولة ليهتف كمال
ـ زي ما انتوا انا هفتح.
ماهي الا ثوان حتى استمعت إلى صوته الذي جعل كل خليه في جسدها تتحفز حتى دمائها كانت تندفع بعروقها بقوة جعلت نبضها يتسارع و كأنه يحثها على الهرب، ولكنه على عكسها منذ أن حادثه كمال وأخبره بأنهم عند سوزان، وهو يسابق الزمن ليذهب لرؤيتها و يقر عينيه بملامحها الجميلة، و ما أن التقمتها عينيه حتى أفصحت عن عشق فاض به القلب و طغى، عشق رمم ندبات روحه على الرغم من أنه لم يستشعر حلاوة قربها بعد، ولكن قلبه لا يجد راحته سوى في وجودها.
ـ مستر خالد.
هكذا تحدثت آسيا لتهب أشجان فجأة من مكانها وهي تقول بارتباك
ـ طيب يالا. عشان منتأخرش. انا جاهزة.
كانت بريئة أمام عينيه كطفلة مراهقة تهرب حين ترى حبيبها، و قد كان كل شيء منها يروقه كثيرًا، ولهذا اراد مشاكستها حين قال
ـ يعني عازميني على العشا، وأول ما آجي تمشوا!
كمال بمرح
ـ يا كبير دا اللقمة متتبلعش من غيرك. احنا أساسًا قاعدين مستنيينك. صح يا آسيا؟
ناظرتها أشجان بتحذير و خالد بتسلية لتجد نفسها في مأذق ولكنها قالت في النهاية
ـ صح .
برقت عيني أشجان وهي تنظر إلى آسيا التي بنظرها جعلته ينتصر عليها، و خاصةً حين اتسعت ابتسامته الجميلة التي ضاعفت وسامته الفذة ليحرك رأسه وكأنه يأسف على موقفها لترمق آسيا بوعيد جعل الأخيرة تقول بخفوت
ـ معلش ياشوشو دا الوحش بردو.
لم تُجيبها أشجان إنما اضطرت إلى الإذعان لتجلس وهي تحاول عدم الالتفات إليه، فتوجه برفقة كمال إلى الشرفة لكي يحافظ على وعده لها قدر الإمكان ليستغل كمال الأمر و يقول بمكر
ـ بقولك ايه يا كبير. عايزين نوطد العلاقات عشان نمهد الطُرقات.
فطن إلى ما يرمي إليه ولكنه أجابه بفظاظة
ـ ادخل في الموضوع على طول.
ـ عايزك تيجي معايا بكرة أخطب آسيا.
هكذا تحدث كمال إلى خالد التي كانت عينيه لاتزال على أشجان التي كانت تحاول تفادي نظراته ولكنه وقح لا يُعطيها المجال للهرب منه
ـ مش فاضي بكرة.
هكذا تحدث خالد باختصار ليقول كمال بلهفة
ـ لا بالله عليك. مش طالبة تأجيل. انا اتفقت معاها.
نقل نظراته الى كمال وهو يقول بتخابُث
ـ بس فاضي النهاردة.
توسعت عيني كمال من فرط السعادة التي تجلت في نبرته حين قال
ـ دا كدا تمام التمام اوي.
تحدث و عينيه لازالت تقتنص ارتباكها من هذه المسافة
ـ هتركبوا معايا عربيتي!
كمال باستنكار
ـ و عربيتي ؟
خالد باختصار
ـ عطلت.
كمال باندفاع
ـ هي أساسًا بايظة، و أنا كنت ناوي أغيرها.
بعد مرور ساعة كان الأربعة يقفون أمام سيارة كمال الذي قال بأسف زائف
ـ للأسف مش راضيه تدور. يالا بقى نروح بعربية خالد.
ما أن أوشك خالد على الحديث حتى جاءه صوتها المندفع
ـ لا طبعًا مش موافقة.
رفع أحد حاجبيه ولأول مرة يوجه إليها حديث حين قال بنبرة خشنة
ـ ليه؟
دارت نظراتها في جميع الاتجاهات ماعداه، وهي تقول بارتباك
ـ كدا. يعني هنروح بتاكسي انا و آسيا أفضل.
كمال باستنكار
ـ طب و ينفع! دا كدا عيب في حقنا، وبعدين دي سواقة خالد حلوة والله.
حدجته بنظرة ساخطة، وما كادت أن تعترض حتى بترت آسيا اعتراضها و قالت بحسم
ـ تمام يالا عشان اتأخرنا وبابا بيرن عليا.
خالد بنبرة خشنة
ـ هاتي رقم باباكي، و اركبوا انتوا العربية.
التفتت تناظره بلهفة لتجد نظرة تصميم تغلف عينيه، فلم تجد بُد من الإذعان لهم لتتوجه برفقة شقيقتها إلى السيارة والقلق يقرضها من الداخل، و خاصةً حين وجدته يعود إلى السيارة ليستقل مقعد السائق وينطلق نحو بيتهم دون حديث.
مر قرابة النصف ساعة إلى أن وصل الجميع إلى البناية القديمة التي يسكنون بها لتتبادل الفتيات النظرات قبل أن يوجه خالد حديثه إلى آسيا قائلًا
ـ اطلعوا و عرفي باباكي أن احنا تحت.
اومأت آسيا بصمت لتتوجه و خلفها أشجان إلى الأعلى وما أن رآها عزام حتى اندفع يحتويها بين ذراعيه بقوة و عبراته تنهمر على وجنتيه وهو يقول بنبرة متهدجة
ـ سامحيني يا بنتي. سامحيني. حقك على راسي. أنا أسفلك
ربتت أشجان بحنو على كتفه وهي تقول بلهفة
ـ يا حبيبي متقولش كدا، ولا عمرك تتأسف أبدًا.
كوب وجهها بين يديه وهو يقول بحنو
ـ دانا هفضل اعتذرلك طول عمري على كل اني مقدرتش احميكي.
تدخلت آسيا تعانقهم بقوة وهي تقول بحماس
ـ والله الدموع هتفر من عيني بس عريسي قاعد مستني تحت، و دا عينه زايغة و ممكن يعلق اي واحدة تعدي من قدامه.
كانت تقصد من حديثها رسم البهجة على وشوشهم وقد نجحت في ذلك ليهتف عزام بلهفة
ـ أيوا صح. ادخلوا انتوا وانا هنزل اطلعهم.
بعد مرور ربع ساعة كان الثلاثة رجال يجلسون في هذه الصالة الصغيرة ليتحمحم خالد بخشونة قبل أن يقول
ـ حاج عزام أحنا يسعدنا ويشرفنا أننا نطلب آسيا بنتك لكمال اخويا. أنت ايه رأيك؟
لا أراديًا شعر عزام بالغبطة من حديث خالد و طريقته في طرح الأمر ليقول عزام بسعادة حاول أخفائها قدر المستطاع
ـ والله يا خالد بيه. انتوا تشرفوا أي حد.
خالد بنبرة ودودة
ـ خالد بس يا حاج عزام. انت في مقام والدي، و طول عمرك راجل محترم و الحاجة رضا كمان ست محترمة، و ما شاء الله بناتك يزينوا و يشرفوا أي عيلة يدخلوها، و دي شهادة حق مش مجاملة.
قال جملته الأخيرة بنبرة صادقة فقد كان يود لو يهتف في هذه اللحظة بأن عشقه لإمرأه مثلها لهو وسام يعتز به أي رجل، و قد ابتهج صدر عزام كثيرًا و تهللت اساريره ليقول بنبرة مُتحشرجة
ـ والله يا أبني انت كلك ذوق و ابن اصول، وأنا أتشرف بنسبكوا طبعًا.
كمال بحبور
ـ طيب انا بقول بعد اذنك نقرأ الفاتحة و نحدد معاد كتب الكتاب و الفرح.
تفاجيء عزام من طلبه، و تلعثم حين قال
ـ بالسرعة دي يا ابني! لسه في ترتيبات و تحضيرات، وو
قاطعه خالد حين قال
ـ أنا متفهم وجهة نظرك. بس كل حاجة سهل تجهز في يوم وليلة. الموضوع بسيط كمال هيعيش في الفيلا بتاعتنا، و هو كدا كدا هيجهز كل حاجه. احنا ناس بنمشي حسب الشرع، يعني العريس بيفرش بيته و بيدي لعروسته مهرها، وهي بتجيب اللي نفسها فيه.
كان حديثه منمقًا حيث رفع الحرج عن عزام الذي تسللت الراحة إلى قلبه ليهتف كمال باندفاع
ـ وانا مستعد اتاقلها بالدهب، هي أساسًا خُف الريشة.
توسعت عيني الرجلين ليتدخل خالد لينقذ الموقف حين قال
ـ لو تسمح انا من رأيي منأخرش الموضوع، و خير البر عاجله.
عزام بنبرة ودودة و عينيه تعكسان فرحته
ـ والله انا معنديش مانع. بس ناخد رأي العروسة الأول، و أرد عليكوا.
وافقه خالد قائلًا
ـ مفيش مانع، و احنا تحت امرك، وأمر العروسة، و المهر اللي هي عايزاه هتاخده و زيادة كمان.
عزام بحرج
ـ يا ابني أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة.
خالد بابتسامة هادئة
ـ طبعًا مقولناش حاجة. بس بردو طلبات العروسة أوامر.
عزام بسعادة
ـ مش هنختلف يا ابني. آسيا تنزل مع عريسها و يجيبوا اللي هما عايزينه سوى
كمال باندفاع
ـ هو دا الكلام.
ـ طب نقرا الفاتحة بقى!
عزام بحبور
ـ على بركة الله.
رفع الثلاثة كفوفهم يتلون الفاتحة إلى أن انتهوا مؤمنين ليرتفع صوت عزام حين قال
ـ يا أم العروسة سمعينا زغروته.
كان يترقب رد فعلها و خاصةً حين تذكر طلبه منها عصر اليوم
ـ بصي بقى. إحنا أول ما نقرأ الفاتحة عايزة اسمه الزغروتة الحلوة دي. عشان اقسم بالله لسه بترن في ودني لحد دلوقتي، وبعدين ياسر مش أحسن مني عشان تزعرطيله، وانا لا.
ثواني مرت لتخترق أذنيه زغرودة قوية جعلت بسمة عريضة ترتسم فوق شفاهه، فحبيبته لم ترُد طلبه.
بسم الله الرحمن الرحيم يا إله البشر ويا عظيم الخطر ويا معروف الأثر ويا سريع الظفر ويا عزيز المن ويا واسع المغفرة ويا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين برحمتك يا أرحم الراحمين ( الدعاء دا لقضاء الحاجه يعني بعد ما تقوله اذكروا الحاجة اللي نفسكوا فيها و ربنا يحققهالكوا بإذن الله )♥️
★★★★★★
خرجت من المرحاض تجفف شعرها بعد أن أخذت حمامًا منعشًا، و ارتد بيچامتها التي كانت على قدر احتشامها على قدر جاذبيتها التي أبرزتها على استحياء لتتوجه إلى المرآة تمشط شعرها الذي استرسل بنعومة خلف ظهرها ثم التفتت الى خارج الغرفة تنوي الذهاب الى جدتها للإطمئنان من أنها أخذت أدويتها
ـ بتعملوا ايه؟ قفشتكوا.
هكذا تحدثت شروق بمرح وهي ترى جميلة و سعاد تتبادلان أطراف الحديث، فقد توطدت علاقتهم كثيرًا في الآونة الماضية
ـ قاعدين بنجيب في سيرتك.
هكذا تحدثت جميلة بمرح قابلته سعاد بالتحذير حين قالت
ـ بنت. اوعي تفتني أو تطلعي الأسرار اللي بيننا لحد.
نكش حديثها فضول شروق التي توجهت لتجلس بالمنتصف بينهم، وهي تقول بتهكم
ـ الله الله. بقى في أسرار من ورايا ايه يا تيتا؟ ايه يا ست جميلة! أنتوا بتقرطسوني ولا اي؟
سعاد بتخابُث
ـ معلش بقى يا شوشو. اصل دي حاجه متخصناش، دا واحد مأمني أمانة، و منبه عليا أنتِ بالذات متعرفيهاش.
دق قلبها بقوة، وهي تستمع إلى حديثها الذي يُشير إلى ذلك الغائب منذ ثلاثة أيام بعد آخر حديث بينهم، فما الذي أخبرهم به و اشترط عليهم إلا يخبرونها؟
حاولت ارتداء ثوب اللامُباله وهي تقول
ـ عادي. أنا أساسًا مابحبش اعرف حاجه متخصنيش.
سعاد بحنق
ـ بقى كدا ! طيب قومي بقى اعمليلنا حاجة نشربها على ما نخلص كلام في أسرارنا، و بعدين تعالي نتفرج على فيلم سوى.
جميلة بلهفة
ـ شوشو احلى واحدة تعمل فشار.
سعاد بحماس
ـ يبقى فشار. قومي يالا.
خرجت من الغرفة تنوي الذهاب الى المطبخ لعمل الفشار، فإذا بها تلمح نبيلة تقف أمام باب غرفتها لتهتف شروق بتهكم
ـ لو بتدوري عليا أنا أهو.
التفتت نبيلة تناظرها بتقييم قبل أن تتحول نظراتها إلى احتقار تجلى في نبرتها حين قالت
ـ الحقيقة كنت بدور عليكِ. بس ياريتني ما شفتك. ايه المنظر دا؟ في واحدة تبقى متجوزة واحد زي عمر الوتيدي، و يبقى دا منظرها!
اخترقت أهانتها صدر شروق التي قمعت غضبها، و رسمت ابتسامة واثقة على شفاهها قبل أن تقول بهدوء
ـ هو أنتِ متعرفيش! اهو المنظر اللي مش عاجبك دا عمر بيموت فيه.
تجعدت ملامح نبيلة، ولون الشر نظراتها ولكنها قمعته خلف قناع السخرية حين قالت
ـ فعلًا! و عشان كدا بقاله تلت ايام مجاش البيت! ولايكونش زهق. بصراحة يا شروق أنتِ مفكيش اي ميزة تلفت انتباه اي راجل، وخصوصًا راجل زي عمر. شاف بنات أشكال و ألوان، و كلهم من أجمل و أشيك البنات في المجتمع الراقي اللي أنتِ متعرفيش عنه حاجه. يا خسارة قصتكوا بدأت وانتهت من غير حتى ما احرك صوباع فيا عشان انهيها.
انكمشت ملامحها بألم لم يخفى على نبيلة التي ابتهج قلبها المريض من إيذاء هذه اليتيمة التي حاولت أن تحارب ببسالة لآخر نفس حين قالت بسخرية
ـ مشكلتك يا حماتي. انك دايمًا شايفه نفسك صح. مع انك عارفه انك ماشيه حلو اوي في طريق الغلط، و دايمًا بتنسي أن ربنا موجود. و ان مهما خططتي و نقذتي مش هتعملي غير اللي ربنا كاتبه، و عمومًا أنا مش هقدر للأسف احكيلك عن تفاصيل علاقتي الخاصة مع عمر، و قد ايه هو بيعشقني، و لو كنتِ بتعملي كل دا عشان اتنرفز و اقولك هو فين، فمش هعمل كدا. أصل جوزي حبيبي مابيحبنيش أقول أسراره لحد، و خصوصًا أنتِ.
نجحت في رد السهم بأقوى منه، ولكن نست بأن الحاوي لا تفرغ ثعابينه لترد نبيله بنبرة ماكرة، وهي تمد يدها بشريط لمنع الحمل
ـ بصي يابنتي. انا بردو لسه جوايا حتة طيبة قد كدا. تخليني أقولك خلي بالك. عمر مش ناوي يكمل معاكِ، و عشان كدا متنسيش تبقي تاخدي من الحبوب دي كل ليلة عشان لما يزهق ميرمكيش بعيل على ايدك. حرام يعني مش هيبقى موت و خراب ديار .
أنهت جملتها و توجهت برأس مرفوع إلى غرفتها لتوقفها كلمات شروق التي أرادت أن تكن لها الكلمة الأخيرة حتى ولو كانت مذبوحة القلب و الروح
ـ طيب ابقي اعملي حسابك في واحد كمان لهايدي بنتك. أصلها بصراحة شبهك اوي، و للاسف اللي زي خالي انقرضوا من زمان، فمش هتلاقي حد يتحملها، و تقوم رجعالكوا بعيل هي كمان.
اقتربت شروق أكثر وهي تقول باحتقار
ـ أصل انتوا بصراحة مبتعرفوش تربوا. عن اذنك.
على الرغم من أنها انتصرت ولكن داخليًا كان قلبها ينتفض من فرط الألم حين تظن بأن حديثها عن عمر صحيح، فهي وبكل أسف وقعت في المحظور و جرفها تيار العشق الذي استملك كل ذرة من كيانها تجاهه.
نظرت إلى المرآة بأعيُن اكتظ بها الدمع، وهي تتذكر كلمات نبيلة، فهي ليست فائقة الجمال، ولا تهتم لمظهرها، فمن المؤكد أنه مل منها ومن رفضها الدائم له، و قد طار إلى عشًا آخر ليظفر بما تمنعه عنه. القت شريط الحبوب بسخط بعد أن شعرت بطعنة قويه انغمست في قلبها وهي تتخيل أن يكون لإمرأة أخرى سواها، فتساقطت العبرات كالسيل من عينيها لتقوم بمحوهم بعُنف، و كأن ضعفها شيء مُخزي تستنكره، و بلحظة جنونيه فتحت أحد الأدراج و التقطت احمر شفاه بلون الكرز و ظللت شفتيها حتى بدت شهية قابلة للإلتهام. ثم ألقته من بين يديها، وهي تتوجه إلى الأسفل و منه إلى المطبخ لتُعد الفشار، فأخذ الأمر منها وقتاً طويلًا لتصل إلى ضالتها، و بدأت بالفعل في إتمام الأمر برأس مُشتت و عقل غاضب مما جعلها كادت أن تُسقِط أحد الأواني لتحاول التقاطها ولكنها وجدت كف ضخم قام بالأمر بدلاً عنها لترفع عينيها المصدومة إلى عينيه المُشتاقة، والتي سرعان ما هبطت إلى شفاهها المُغوية ليجتاحها تيار الخجل الذي زرع بتلات الورود فوق وجنتيها لتحاول التراجع إلى الخلف، ولكن يده أوقفتها، وهو يقول بنبرة مُتهدجة من فرط المشاعر
ـ ايه اللي منزلك من اوضتك دلوقتي ؟
حاولت قطع خيط النظرات الموصول بينهم، وهي تتلفت في كل الجهات قائلة بارتباك
ـ كن. كنت بعمل . فشار. لتيتا و جميلة.
خرجت الكلمات دون وعي من بين شفتيه
ـ وحشتيني.
ظلل بريق الاندهاش عينيها من كلماته ليُتابع بعتب
ـ معقول متسأليش عني التلت أيام اللي فاتوا؟!
ذهب هدوئها أدراج الرياح، ليحل محله التلعثُم و الارتباك الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ انا . اصل . يعني محبتش ازعجك. عشان شغلك وكدا.
عمر بخفوت وعينيه تطوف بنظرات موقدة بلهيب العشق والرغبة فوق ملامحها
ـ مين قالك أن سؤالك عني ازعاج؟ انا كنت كل شويه بمسك التليفون اشوفك رنيتي عليا ولا لا ؟
الهرب كان الحل الأمثل لها الآن لذا قالت بتوتر
ـ معلش. المرة الجاية هبقى اتصل.
واصل هجومه الضاري على مشاعرها خاصةً وهو يقلص الفارق بينهم أكثر
ـ مين قالك ان في مرة جاية ولا اني هقدر اغيب عنك تاني.
التفتت تعطيه ظهرها تحاول العبث بأي شيء حتى يتثنى لها الهرب منه وهي تقول بلامُبالاه
ـ عادي انت في شغلك يعني.
اقترب منها حتى صار على تماس مباشر بها، وذراعيه تعانق خصرها بقوة بينما شفاهه تهمس في أذنيها بنبرة خشنة
– انتِ اهم عندي من اي حاجه في الدنيا.
فاق الأمر حدود المعقول لتحاول استجداء ثباتها ومقاومته حين تململت بين يديه وهي تقول بجفاء
ـ عمر لو سمحت ابعد .
ادارها إليه لتكون في مواجهة مُباشرة مع عينيه، وهو يحاصرها بين الطاولة وبين جسده قائلًا بنبرة تكتظ بها مشاعره
ـ مبقتش قادر.
قاومته بنبرة تحمل العتب بين طياتها
ـ احنا اتكلمنا قبل كدا.
باغتها حين قال بلهفة
ـ وانا موافق. بعد السنة دي ما تعدي و تستلمي ورثك نعلن جوازنا للناس كلها.
برقت عينيها من تصريحه، ولكن نظراته كانت قادرة على إذابه عظامها في هذه اللحظة لتهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ تمام لما ييجي وقتها نبقى نشوف.
عمر بنبرة موقدة مستنكرة لما تفعله به عمدًا
ـ بطلي تعذبيني و تعذبي نفسك. على طول كنتِ شخص واضح، و صريح. عمرك ما كنتِ بتهربي. ايه اللي حصل؟
تود الصُراخ بأن قلبها الخائن وقف في الجهة المُضادة لها وسقط في فخ عشقه، ولكنها لم تستطِع الإفصاح عن مكنوناتها لتهتف بتوتر
ـ محصلش. انا زي مانا.
لاحت بوادر استسلامها في الآفاق ليهتف بتحدي
ـ لا و الدليل انك بتهربي مني.
صارحته بمخاوفها حين قالت
ـ انا بحافظ على قلبي و على كرامتي.
ـ مني!
هكذا تحدث باستنكار قابلته بالحزم حين قالت
ـ من اي حد.
اشتد طوق ذراعيه فوق كتفها وهو يقول بنفاذ صبر
ـ بس انا مش اي حد، و مش هاخد رأيك المرة دي عشان عنيكي معرية قلبك يا شروق و قايله كل اللي انتِ مخبياه.
دكنت نظراته و اشتدت معالمه بطريقة ارعبتها، فتسارعت أنفاسها و جف حلقها لتهمس بخفوت
ـ انت هتعمل ايه؟
عمر بتصميم و عينين التمعت بهم ألسنه الرغبة و قلب اجتاحه العشق كالطوفان
ـ هثبتلك انك بتحبيني زي ما بحبك و اكتر.
أنهى جملته و اندفع يقطف ثمار الكرز من فوق شفاهها التي أصابته بالجنون، ليقضم حُسنها بشغف فاق قدرتها على المقاومة، و جعل قلبها يُعلن استسلامه لينخرطوا في دوامة مشاعر عاتية ارتجت لها جدران المكان، وحين أوشك الأمر الخروج عن سيطرته وضع يده خلف ظهرها والأخرى أسفل ركبتيها وحملها ليصعد إلى الأعلى وعينيه مسلطه على خاصتها في محاولة منه بثها الأمان الذي ترتجيه منه ليصل بها إلى غرفة نومه ويقول بوصل خيط العشق مجددًا دون أن يُمهلها الوقت للتراجع، بل انخرط في محو كل شيء يمنعه عن الظفر بهذه الحورية التي ضربت بثباته عرض الحائط، و إن كان سابقًا ظن أنه تذوق طعم السعادة مع إمرأة، فاليوم تخطى الأمر حدود المعقول ليشعر باكتمال لم يخابره من قبل سوى معها وحدها هذه الفتاة الخجولة التي ما أن همهمت باسمه حتى صار كالنمر الضاري الذي كان يغترف من قربها بنهم إلى أن تآلفت أجسادهم و أرواحهم و تعانقت ضلوعهم بعد ساعات من جولات العشق الذي كلما خبت شرارته اشتعلت من جديد لتغفو أخيرًا بين يديه خائرة القوى بينما هو يبتسم وكأنه امتلك العالم بأسره.
لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين♥️
★★★★★★★★
ـ يا نهار مش فايت انت بتقول ايه يا كمال؟
هكذا صرخت نبيلة وهي تنتفض من مقعدها، فقد استدعاها خالد في الصباح ليُعلمها بقرار زواج شقيقه من آسيا، فلم تحتمل ما سمعته و كذلك ميرهان التي صرخت بانفعال
ـ آسيا مين اللي تتجوزها! ملقتش الا دي ! ملقتش الا بنت الخدا..
قاطعها خالد بقسوة جمدت الحروف فوق شفاهها
ـ ميرهان. كلمة زيادة، و هتسمعي مني اللي يزعلك.
اقتربت نبيلة من كمال وهي تقول بانفعال
ـ أنا مش موافقة على المهزلة دي. استحالة هوافق تعمل في نفسك وفينا كدا.
لم يُعطي خالد الفرصة لأحد في الحديث ليهتف بنبرة حادة
ـ نبيلة أنتِ سمعتي كويس انا قولت ايه؟
التفتت تناظره بحنق تجاهله وقال بنبرة جافة ولكن متمهلة
ـ انا قولت كمال خطب آسيا و فرحهم آخر الأسبوع. مفتكرش اني طلبت رأيك! فالأحسن تخليهولك.
كادت أن تُجن لتخرج الكلمات مندفعة من بين شفاهها
ـ بقى انت اللي بتقول كدا يا كبير يا عاقل. بدل ما تديله قلمين يفوقوه.
هنا تدخل كمال قائلًا بحدة
ـ نبيلة. لحد هنا واستوب. انا سيبتك تخرجي انفعالاتك براحتك، و تستوعبي الموضوع. لكن زي ما خالد قالك. دا أمر واقع، و محدش هيقدر يغيره.
نبيلة بحدة
ـ انت يا كمال دا يكون تفكيرك ! هتقول ايه للناس؟ هتقولهم اتجوزت بنت الخدامة!
ميرهان بسخط
ـ سمعيهم الكلمة دي عشان واضح انهم نسيوا.
تدخل خالد قائلًا بفظاظة
ـ لا احنا مبننساش، و عشان اثبتلك. لما والدتك اتوفت، والست نبيلة سابتك وسافرت مع جوزها بحجة أن أعصابها تعبانه و لفت العالم كله و اتفسحت محدش كان بيشيلك غير الست دي. محدش كان بيهتم بيكِ غيرها. كانت بتعاملك و كأنك بنتها. عرفتي أننا مبننساش.
لم تشفع كلماته في اختراق جدار الثلج الذي يُغلف قلبها لتهتف من بين أسنانها
ـ ماهي كانت بتاخد فلوس عشان تعمل كل دا. هي كانت بتعمله ببلاش!
تولى كمال الإجابة هذه المرة حين قال بتقريع
ـ بس الحنية مبتتشريش و لا بيدفعلها فلوس يا ميرهان، وهي كانت حنينة عليكي اوي.
تفرقت عينيه بين شقيقتيه وهو يقول بنبرة صارمة
ـ و بعدين كل دا برا عني. انا هتجوزها يعني هتجوزها!
نبيلة بتحسُر
ـ بس انت كدا بتخسرنا يا كمال. اشمعنى هي!
كمال بنبرة صادقة تحمل من الحزم ما جعلها تنهار
ـ قلبي اختارها هي ودا مش ذنبي!
نبيلة بانفعال أشبه بالجنون
ـ بس تقدر تكفر عنه، وتشوف غيرها تكون جديرة بيك.
اغتاظ من محاولتها للتحقير من شأنها فهتف بنبرة حادة
ـ عندك حق. لكن أنا مش عايز كدا. انا عايزها هي، و هتجوزها هي.
هسهست ميرهان بخفوت
ـ دا على جثتي.
حسبي الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون”.
“اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون♥️
★★★★★★★
مرت الايام سريعًا، وقد استقرت أمور الجميع و كانت التحضيرات على قدم وساق لحفل الزفاف الذي لم يبقى عليه سوى ساعات قليلة لتشعر آسيا بالسعادة العارمة، وهي ترتدي هذا الفستان الباهظ الثمن والذي اختارته من أحد المجالات العالمية لفساتين الزفاف، وهذا العقد الماسي الذي يعانق عنقها البض كان بريقه يخطف أنفاسها خاصةً وانه سعره يساوي ملايين، فقد تحققت أحلامها دفعةً واحدة ولكن على حساب قلب لم يدق لسواها، و لم يعترف بأنه هُزِم أمام القدر وأنها ستكون لرجل آخر ليتوجه رأسًا إلى غرفتها و يقوم بفتحها لتتجمد أوصالها حين رأت رؤوف يقف أمامها بهذه الهيئة المرعبة ووووووو

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ذنوب على طاولة الغفران)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى