رواية حين تساقط الزهر في قلبي الفصل الرابع 4 بقلم بشرى إياد
رواية حين تساقط الزهر في قلبي الجزء الرابع
رواية حين تساقط الزهر في قلبي البارت الرابع

رواية حين تساقط الزهر في قلبي الحلقة الرابعة
الصوت كان واضح…
“إما أن تُنقذيها… أو تموتي معها.”
رُبى التفتت بسرعة، والدمع يغرق عيونها…
باب الغرفة فُتح على مصراعيه، ووراءه ظهر ظل طويل لرجل يلبس معطفًا داكنًا، عيناه تلمعان في العتمة كأنهما تحرسان جحيمًا.
وفجأة…
صوت صراخ رُلى، وهي ترتجف:
– “هو… هو اللي حبسني! لا تصدقيه يا رُبى!”
رُبى وقفت بوجه الرجل، كأنها أم تحتضن طفلها في وجه إعصار.
– “ما رح تلمسها، حتى لو كان هاد آخر نفس إلي!”
صوتها كان مكسور بس قوي، يشبه صوت البيانو لما ينفجر حزن.
ضحك بصوت خافت، ثم قال:
– “عم تتحامي بذاكرتها المشوشة؟ صدقي… الحقيقة اللي بتعرفيها ناقصة، والباقي… مؤلم أكتر مما تتخيلي.”
فجأة…
انفجار ضوء قوي قطع الجو المتوتر!
كان عُدي.
دخل وهو يلهث، وعلى وجهه مزيج بين الخوف والغضب:
– “إنت شو عملت؟ شو عملت بحياة هدول البنات؟!”
والده التفت له ببرود:
– “أنا؟ أنا بس حميت العيلة من فضيحة كادت تدمرنا…
كلنا بنعرف شو كانت رُلى ناوية تعترف فيه.”
عُدي صرخ:
– “هي ما كانت ناوية تفضحك! كانت ناوية تنقذ وحدة من البنات يلي ضحيت فيهم عشان شركتك! ودفعت حياتها ثمن النية!”
**
رُبى تمسكت برُلى…
حاولت تسندها تقوم، بس جسمها ما عاد يقدر.
رُلى همست:
– “كل الملفات… بالدرج التحتاني… بجهاز كمبيوتر بالشركة، محفوظة تحت اسم (Eclipse).”
عُدي ركض، وسحب هاتفه، واتصل بأحد موظفيه:
– “افتح السيرفرات، ابحث عن ملف باسم Eclipse… وانسخه فورًا على فلاشة، وجهز نسخة للإعلام.”
**
صوت والده صار عالي:
– “إنت بتدمر حالك! بتقتل مستقبلك بإيدك!”
لكن عُدي قال، وعيناه تمتلئان وجعًا:
– “أنا خسرت مرّة، لما سكتّ… ومش رح أسكت تاني.”
**
لحظة صمت رهيبة…
رُلى فقدت وعيها بين إيدين رُبى…
ورُبى كانت تبكي كأنها عم تدفن قلبها مرّة تانية.
بس فجأة، الشرطة وصلت.
وأُلقي القبض على والد عُدي.
وهو يصرخ:
– “ما خلّصت القصة… راح تعرفوا الحقيقة الحقيقية قريبًا.”
**
بعد ساعات…
كانت رُبى قاعدة بغرفة طوارئ المشفى، ماسكة إيد أختها، تدعيلها بكل حروف الخوف والرجا.
دخل عُدي…
عيونه حمر، وصوته مبحوح:
– “فيكِ تكرهيني… بس بترجاكي، لا تبعدي عني هلأ.
أنا ما بعرف أعيش بدونك.”
رُبى ما جاوبت…
بس دمعة نزلت من خدّها، وانعكست على يد رُلى، اللي حرّكت أصابعها أخيرًا…
**
البارت ينتهي على:
أول تنهيدة من رُلى بعد غياب طويل…
وصوت داخلي في رُبى يقول:
“عُدي… قلبي عم يناديلك، بس ثقتي بعدا تايهة… فهل تقدر تخليني أصدقك… من جديد؟”
الساعة كانت تشير إلى منتصف الليل…
الجو خانق، والممرات فارغة إلا من صدى خطواتهم المرتعشة.
في غرفة الطوارئ، جلست رُبى على حافة السرير حيث ترقد رُلى فاقدة الوعي، تحيط بها أجهزة المراقبة وصفيرها الخافت، وكأن حتى الأجهزة تبكي بصمت.
يدها المرتجفة لم تترك يد أختها ثانية واحدة.
وجه رُلى كان شاحبًا… أنفاسها متقطعة… وروح رُبى تنزف معها بكل لحظة تمر.
دخل عُدي بهدوء، وكأنّ أنفاسه تخشى أن تُوقظ الألم.
اقترب، جلس قبالتها، عيونه كانت دامعة، لكنها مشدودة بخيوط من الألم والندم.
همس:
– “ما كنت أعرف… لو كنت عارف الحقيقة، كنت عملت المستحيل لأحميكِ… وأحميها.”
رفعت رُبى عينيها المبللة بالدموع إليه، ونظرت إليه نظرة مليئة بالخيانة، نظرة من فقدت كل شيء ولم يبق لها إلا أن تتشبث بحطام قلبها.
– “كل شي حلو فقدتو بسبتك… كل شي كنت بخاف عليه… ضاع.”
صمت ثقيل وقع بينهما، أكثر قسوة من أي صراخ.
**
قطع اللحظة دخول الطبيب بسرعة:
– “الحالة غير مستقرة… في نزيف داخلي. بدنا نجهز غرفة العمليات فورًا.”
تجمدت ملامح رُبى.
عُدي وقف مباشرة:
– “أنا متبرع بأي شي تحتاجه… دم، أعضاء، أي شي بس تنقذوها!”
الطبيب لم يعطِهم أي وعود، فقط أسرع مع طاقمه.
رُبى وقفت وحدها في الممر…
شعرت أن الجدران تدور بها…
الأصوات خفتت…
كل ما تسمعه هو صوت نبض قلبها المتحطم.
**
مرت الساعات ثقيلة، كل دقيقة كانت كسكين يشق صدرها.
عُدي جلس بعيدًا، يراقبها بعينين زائغتين، وكأن وجوده صار عبئًا عليها، لكنه رغم ذلك لم يغادر.
وأخيرًا… خرج الطبيب.
وجهه مرهق لكنه فيه بصيص أمل.
– “نجحنا نوقف النزيف… بس رُلى لازم تبقى تحت المراقبة الدقيقة. حالتها حرجة جدًا.”
رُبى ركضت نحوه:
– “رح تعيش؟!”
هز رأسه بهدوء:
– “بإذن الله… بس بدها وقت طويل للتعافي.”
**
في تلك الليلة…
جلست رُبى بجوار أختها، تحدثها وهي غارقة في غيبوبتها.
– “سامحيني… تركتك لحالك سنين… خفت… اختفيت ورا موسيقاي، بس الحقيقة كانت أقسى مني ومنك.”
أغمضت عينيها، واستعادت ذكرى الليلة المشؤومة…
رُلى تصرخ… السيارة المسرعة… الدماء التي غسلت الشارع…
وصرخة أمها وهي تنهار وسط الأنوار الزرقاء لسيارات الإسعاف.
**
عُدي اقترب أكثر… جلس على الأرض قبالتها، وكأنه يعلن استسلامه أمام أحزانها.
همس:
– “رُبى… لو بتحسي للحظة إنك بتكرهيني، أنا بقبَل.
بس لو بتحسي للحظة إني ممكن أكون سند الك، برجع أتنفس.”
رفعت رأسها ببطء، نظرت له…
وفي عينيها حرب ضارية بين الحب العميق الذي بدأ ينبت رغم الألم… والخوف الذي يخنقها.
ردت بصوت خافت:
– “أنا مش خايفة منك… أنا خايفة من حالي… خايفة أحبك أكتر من وجعي.”
**
وهي تتكلم…
رن هاتف عُدي بعنف.
أجاب بسرعة، وبعد لحظات قصيرة…
تغيرت ملامحه تمامًا.
نظر إلى رُبى، وعيناه تتسعان رعبًا:
– “في شي لازم تعرفيه… بسرعة!”
**
ركضت معه إلى الخارج…
وفي السيارة، أراه نسخة إلكترونية من ملف “Eclipse” الذي استخرجوه من الشركة.
صفحات طويلة مليئة بتفاصيل صادمة…
صفقات مشبوهة، أموال ملوثة، وأسماء من بينهم…
اسم رُلى.
تجمدت ملامح رُبى، قلبها سقط من بين ضلوعها.
– “هدول… لفّقوا لرُلى تهم مالية لتسكيتا… ولما حاولت تحكي،… صار اللي صار.”
**
أغمضت رُبى عينيها بقهر.
كل شيء كان كذبة.
حياتها، موت أختها، شعورها بالذنب… كله كان خدعة قذرة لحماية مصالحهم.
**
عُدي همس:
– “أنا وعدتك… رح نحارب مع بعض. ورح ترجع كل الحقيقة للنور.”
رُبى نظرت له، ودموعها تحرق وجنتيها، لكنها لأول مرة منذ سنوات… شعرت أن معركتها مش لحالها.
**
وهكذا…
كانت بداية حربهما الطويلة لاسترداد كل شيء سرق منهم…
حرب الحب، والحق، والأمل المكسور.
مضت الساعات ببطء خانق.
رُبى جلست قرب النافذة، عيناها تلاحقان قطرات المطر التي بدأت ترتطم بالزجاج، وكأن السماء نفسها تبكي ما عاشته الليلة.
في يدها كانت تحمل نسخة مطبوعة من الملف الأسود الذي سلّمها إياه عُدي…
كل سطر كان طعنة جديدة، وكل وثيقة كانت صفعة على قلبها المكسور.
رُلى لم تكن مذنبة…
بل كانت ضحية، بين مخالب الوحوش الذين لا يتورعون عن سحق الأرواح لتمرير مصالحهم القذرة.
**
اقترب عُدي منها بهدوء، يتردد في كل خطوة.
– “رُبى… في اجتماع بكرة… مع الشخص اللي كان ورا كل شي… لازم تكوني جاهزة.”
رفعت عينيها ببطء، نظرة جامدة تسكنها نار لا تنطفئ.
– “أنا جاهزة… جاهزة أواجه كل شي سرقوه مني… حتى لو كان آخر شي بعمله.”
**
في صباح اليوم التالي…
وقفت رُبى أمام مبنى ضخم مظلم النوافذ… المكان الذي خُططت فيه كل الخيانات.
شعرت بقشعريرة تسري بجسدها، لكنها تماسكت، وشدت على الملف بين يديها وكأنه سلاحها الوحيد.
عُدي كان بجانبها، متأهبًا، رغم أن وجهه بدا أكثر توترًا من أي وقت مضى.
دخلوا معًا…
وفي قاعة الاجتماعات، كان هناك رجل مسن أنيق المظهر، ذو نظرات باردة، يقطّب حاجبيه حين رأى عُدي.
– “ما كنت أظن إنك رح تخون دمك يا عُدي.”
رد عُدي بصوت ثابت:
– “أنا ما خنت حدا… إنتو اللي خنتو كل شي حلو.”
**
استدارت نظرات الرجل نحو رُبى…
واستقرت ببرود على عينيها المنتفختين من السهر والبكاء.
همس ساخرًا:
– “آه… أنتي التوأم الباقي… يلي كان لازم تختفي مع أختك.”
كلماته وقعت كالصاعقة في أذنيها.
شهقت رُبى، جسدها انتفض بغضب وقهر لم تعرف مثله.
صرخت:
– “قتلتوها! دمرتوا حياتي عشان أطماعكم القذرة!”
ضحك الرجل بسخرية مريرة:
– “كنتي مجرد عقبة صغيرة، كان لازم تتشال من الطريق.”
**
في لحظة فقدت فيها السيطرة على مشاعرها، ألقت رُبى الملف بقوة على الطاولة أمامه.
– “كل شي موثّق… ورح ينفضح الكل… وعد مني!”
وقف الرجل، اقترب بخطوات بطيئة ولكنها مليئة بالتهديد.
– “لو فكرتي تفتحي تمك… مش بس أختك يلي رح تدفنيها، رح تدفني نفسك كمان.”
**
ارتجفت يد رُبى لكنها تماسكت…
نظرت لعُدي الذي كان مستعدًا للتدخل بأي لحظة.
وقالت بصوت حاد:
– “خفت مرة… خفت كتير… بس مو بعد اليوم.”
ثم استدارت خارجةً من القاعة، وهي تحمل على كتفيها ثقل معركة لا تعرف إن كانت ستنجو منها، لكنها أقسمت أنها لن تهرب بعد الآن.
**
في الخارج، وقف عُدي قربها، ومد يده نحوها، كأنه يطلب منها الثقة.
ترددت لحظة… ثم وضعت يدها في يده.
وفي تلك اللحظة، كانت تدرك شيئًا واحدًا:
أن الطريق أمامهم مظلم، طويل، وخطر…
لكنها لن تسير فيه وحدها.
**
تحت السماء التي ما تزال تبكي فوق المدينة…
مشيا معًا نحو مصير مجهول، لكن مليء بوعد واحد:
أن تكون النهاية مختلفة هذه المرة.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حين تساقط الزهر في قلبي)