رواية حين تساقط الزهر في قلبي الفصل الخامس 5 بقلم بشرى إياد
رواية حين تساقط الزهر في قلبي الجزء الخامس
رواية حين تساقط الزهر في قلبي البارت الخامس

رواية حين تساقط الزهر في قلبي الحلقة الخامسة
بعد أن تركوا المبنى خلفهم، كان الصمت يلتف حولهما كضباب كثيف.
رُبى كانت تحدّق في الفراغ، أنفاسها متقطعة، وكل خطوة تخطوها كأنها تسير فوق شظايا الذكريات.
صوت عُدي قطع الصمت:
– “رُبى… رح يكون في خطر… كبير.”
رفعت رأسها نحوه بعينين غارقتين في الدموع المكابرة.
– “مو أكبر من الخطر يلي عشت فيه كل عمري… أنا جاهزة، ومستعدة أدفع الثمن… بس مو مستعدة أعيش مهزومة بعد اليوم.”
**
وصلوا إلى سيارته، وما إن دخلا حتى رن هاتفه.
نظرة سريعة إلى الشاشة جعلت ملامحه تتجمد.
– “لازم نتحرك… في ناس تبعتوا وراكي.”
صوت محرك السيارة علا كصرخة هاربة من تحت المطر، بينما شوارع المدينة الغارقة في الضباب بدت كمتاهة لا مخرج منها.
**
داخل السيارة، ضغط عُدي على دواسة البنزين بقوة، يقطع الأزقة بسرعة، بينما رُبى كانت تضغط على حزام الأمان بيديها المرتجفتين.
– “بدهم يسكتوني… مو هيك؟” همست.
رد بصوت خافت، لكنه مفعم بالألم:
– “بدهم يدفنوكِ مع أسرارك… متل ما دفنوا كل شي قبلك.”
**
مرت لحظات قبل أن تقطع السيارة الزاوية…
وفجأة، ظهرت سيارة سوداء خلفهم، تلاحقهم بلا رحمة.
صاحت رُبى:
– “في سيارة بتلحقنا!”
أومأ عُدي دون أن ينظر، وقاد بسرعة عبر الأزقة الضيقة، بينما أنوار السيارة السوداء تقترب أكثر فأكثر.
صرخت رُبى:
– “عُدي…!”
بصوت مشحون بالغضب والإصرار، قال:
– “مسكي حالك… رح نطلع من هالليل… ولو بالقوة!”
**
عبروا جسراً صغيراً، والسيارة السوداء ما تزال تلحقهم بجنون.
رُبى كانت تشعر أن قلبها سيقفز من بين ضلوعها، بينما عُدي كان يقود بجنون رجل يقاتل الزمن.
أخد نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
– “بدي توصلي لهدفك يا رُبى… ولو خسرت كل شي.”
نظرت إليه، وفي عينيها امتنان يائس.
– “لا تتركني… أنا فقدت كتير، ما بدي أخسرك كمان.”
**
لحظة صمت أخرى…
وفجأة، صوت ارتطام قوي!
السيارة السوداء اصطدمت بهم من الخلف بقوة، جعلت جسديهما يرتدان للأمام.
عُدي فقد السيطرة للحظة، لكن بمعجزة، استطاع أن يثبت المقود.
– “مسكي حالك!” صرخ.
**
في لحظة يأس، لمح زقاقًا ضيقًا، فانعطف نحوه بقوة.
السيارة المطاردة حاولت اللحاق بهم، لكنها عالقت بسبب ضيق الطريق!
أوقف السيارة فجأة خلف حائط مبني نصفه، وأطفأ الأنوار.
كانت أنفاسهما تتلاحق، وجسديهما يرتجفان.
سمعوا صوت خطوات خارجية… خطوات باردة، متحفزة… بحث عنهم وسط الظلام.
**
همس عُدي:
– “رُبى… مهما صار… لا تطلعي صوت.”
أومأت، والدموع تغرق عينيها دون صوت.
وضعت يدها على فمها تكتم شهقة الخوف، بينما عُدي أمسك بيدها بقوة، ينقل لها وعدًا صامتًا أنه لن يدعهم يأخذونها.
**
مرت دقائق بدت دهورًا…
حتى تلاشى صوت الخطوات أخيرًا.
عادت أنفاسهما تتباطأ.
**
همس عُدي وهو يضغط يدها:
– “نجينا… مؤقتًا بس.”
نظرت له رُبى، وفي عينيها لمع ذاك البريق… بريق شخص فقد كل شيء… ولم يعد لديه ما يخسره.
**
قالت بهمس مكسور:
– “أنا مستعدة… أحارب… حتى النهاية.”
ابتسم ابتسامة حزينة، وقال:
– “وأنا معك… لآخر نبضة بقلبي.”
**
تحت قبة السماء السوداء…
وسط ضجيج المطر والريح…
كان هنالك عهد وُلِد بين روحين مكسورتين، أقسمتا أن تقاتلا الظلام، حتى ولو احترقتا في نيرانه.
جلسا في السيارة المتوقفة خلف الحائط، وصمت ثقيل خيّم بينهما، لا يقطعه سوى دقات قلبيهما المرتعشة.
رُبى كانت تضم نفسها، كأنها تحاول أن تمنع نفسها من الانهيار، بينما عُدي بقي يراقب الطريق بعينين متحفزتين، يده لا تزال تمسك يدها بقوة، كأنها الحبل الوحيد الذي يربطه بالحياة الآن.
**
همست رُبى أخيرًا، بصوت بالكاد يُسمع:
– “عُدي… خايفة.”
ابتسم ابتسامة مكسورة، مسح على يدها برفق وقال:
– “وأنا كمان… بس الخوف مو معناته إنك ضعيفة، رُبى. الخوف معناته إنك لساتك بتقاتلي.”
**
اغمضت عينيها للحظة، وتركت دموعها تسيل في صمت.
رأت صورة أختها التوأم، صورتها وهي تضحك، وهي تركض نحوها… ثم صورة الدماء… الحادث… الصوت الذي لم يغادر أحلامها أبدًا.
شهقت شهقة خفيفة، وكأن قلبها انكسر من جديد.
**
نظر عُدي نحوها، رأى كل شيء في عينيها… الألم الذي لم يندمل، الندم، الخوف، والغضب الدفين.
وهمس، وكأنه يقسم وعدًا أمام السماء:
– “رح نحط حد لكل شي… لو كانت هاي نهايتي.”
رفعت نظرها له، ورأت في عينيه شيئًا لم تتوقعه… حزن رجل فقد كل شي، لكنه قرر، رغم الألم، أن يحارب معركة غيره.
**
فتح عُدي باب السيارة فجأة.
– “تعالي معي. ما في وقت.”
ترددت لوهلة، ثم لحقت به، خطواتها متعثرة، وقلبها يطرق صدرها بجنون.
**
دخلا عبر باب خلفي صغير لمبنى مهجور، كانت الجدران تتآكل، والهواء معبأ برائحة العتق والغبار.
أخرج عُدي من جيبه مفتاحًا صغيرًا، فتح به بابًا حديديًا صدئًا… ودخلا إلى غرفة صغيرة مضاءة بمصباح خافت.
على الطاولة، كانت هناك ملفات… كثيرة.
**
اقتربت رُبى بخطوات حذرة، قلبها ينبض بعنف، وعيناها تتنقلان بين الأوراق.
أمسك عُدي بملف ودفعه نحوها.
– “هاي… الحقيقة يلي كنتي تدوري عليها.”
**
يد مرتجفة امتدت، فتحت الملف…
وصدمت.
صور… تقارير… توقيعات تحمل اسم والد عُدي… تثبت تورطه في قضايا فساد وتلاعب طبي… قضايا مات بسببها أبرياء… ومن بينهم أختها التوأم.
شهقت شهقة مدوية، كأن قلبها انقسم نصفين.
**
سقطت على الكرسي خلفها، تمسك رأسها بيديها، بينما الدموع تغسل وجهها.
همس عُدي بصوت اختنق بالغصة:
– “أنا كنت صغير وقتها… ما كنت بعرف… بس لما كبرت، اكتشفت الكابوس… ولهيك وعدت نفسي… إني أحمي كل ضحية… حتى لو كان الثمن حياتي.”
**
رفعت رأسها إليه، عيناها مشوهتان من البكاء، والكلمات خرجت مكسورة:
– “أنت ابن اللي قتل أختي… كيف بدي سامحك… كيف بدي أثق فيك؟!”
اقترب منها بهدوء، جثا أمامها وقال:
– “ما بدي سامحيني… بدي تحاربي… متل ما كانت أختك بتحلم… بديك ترجعي للحياة… مشاني ومشانها.”
**
لحظة صمت طويلة عبرت بينهما…
لحظة صراع بين الحب الذي بدأ ينبض خائفًا في قلبها، والكراهية التي تغذي كل وجعها.
**
رفعت يدها، لمسته على وجهه، لمسة مبللة بالألم، وهمست:
– “أنا موجوعة، عُدي… موجوعة أكتر من إني أوصف.”
**
أغلق عينيه تحت لمستها، كأن الألم انتقل إليه، ثم قال بحزم:
– “خلينا نحط حد للدموع، رُبى… نبدأ ثورة على كل شي ظلمنا.”
**
بين جدران المبنى المهجور…
وسط أكوام الملفات السوداء…
ولدت ملامح خطة خطيرة، وعدا عميقًا بين روحين تائهتين… أن ينتقما من الذين دمروا حياتهما، مهما كلف الأمر.
**
كانت بداية طريق طويل…
طريق مبلل بالدموع، محفوف بالألم، لكنه أيضًا… لأول مرة… مشحون بالأمل.
لم تمضِ أيام قليلة بعد اكتشاف رُبى للحقيقة المروعة حتى وجدت نفسها تسير على طريق لا عودة منه.
كانت كل لحظة تمر، تلتهم قلبها أكثر…
كلما نظرت لعُدي، كانت ترى فيه صورتين متناقضتين:
واحدٌ أنقذها من الغرق، وآخر يحمل دم أختها بين طيات اسمه.
**
في ليلة مطيرة، اجتمعا في تلك الغرفة المهجورة مجددًا.
عُدي نشر الأوراق فوق الطاولة، عيونه لامعة بعزيمة متفجرة:
– “وجدت الشخص يلي كان شريك أبوي بالجريمة… إذا وقعناه، بيوقع الباقي كله متل أحجار الدومينو.”
**
اقتربت رُبى ببطء، نظرت إلى صورة رجل خمسيني، ملامحه قاسية، ونظراته مليئة بالشر.
– “مين هاد؟” همست.
– “الدكتور فادي الحجار… اليد الخفية يلي كانت توقع على العمليات المزورة.”
**
أحست رُبى أن الأرض تهتز تحت قدميها.
هذا الاسم… كانت قد سمعته من أختها قبل موتها، وهي تهمس به وهي تحتضر.
“الدكتور فادي… ما كان بدي أموت… ساعديني، رُبى…”
**
شهقت شهقة مكتومة، وعينيها اتسعتا برعب.
– “لازم نوقعه بأي طريقة.” تمتمت، ونار باردة اشتعلت في قلبها.
**
خططا معًا ليلًا ونهارًا…
مراقبات دقيقة، تصوير مستندات، تسجيلات سرية.
كل شيء كان يسير كما أرادوا…
حتى جاءت الليلة الموعودة.
**
في تلك الليلة، دخلت رُبى القاعة الكبيرة، متنكرة كصحفية جاءت لحضور مؤتمرٍ طبي، حيث سيكون الدكتور فادي الحجار ضيف الشرف.
عُدي كان خلفها، يتابعها بنظرات حارسة، رابطًا جهاز التسجيل تحت ملابسها.
**
اقتربت رُبى بخطوات مرتجفة من الدكتور فادي، أدعت أنها تريد إجراء مقابلة حصرية.
ابتسم الرجل ابتسامة متغطرسة، وسمح لها بالجلوس.
لكن في اللحظة التي بدأت فيها بالأسئلة، لاحظت شيئًا غريبًا…
عُدي اختفى من المكان.
**
أحست أنفاسها تثقل، وقلبها يصرخ في صدرها.
وبينما تهمس بأسئلتها المرتجفة، تقدم أحد الحراس منها، أمسك بذراعها بقوة.
– “معانا أوامر، أنسة… تعالي معنا.”
**
نظرت خلفها، تبحث عن عُدي…
لم يكن موجودًا.
**
اقتيادوها إلى غرفة جانبية باردة، قيدوا يديها بعنف.
جلست على الكرسي المهترئ، وبدأ الرعب ينهش أوصالها.
دخل الدكتور فادي الغرفة، عيونه مليئة بالسخرية.
اقترب منها، وانحنى نحوها هامسًا:
– “فكرتي حالك رح تلعبي معي؟… ابن نبيل (والد عُدي) هو اللي خبرنا عنك.”
**
صعقة اجتاحت كيانها.
– “عُدي… خانني؟!”
صرخت بداخلها.
**
تجمعت دموعها في عينيها، كادت تختنق.
كل ما بنت عليه أملها انهار فجأة فوق رأسها.
**
لكن قبل أن تغيب في دوامة الانهيار، انفجر الباب فجأة!
عُدي دخل كالعاصفة، عيونه مشتعلة، يصرخ بأعلى صوته:
– “إيدك عنها، يا فادي!”
**
أطلق أحد الحراس الرصاص، فارتجف جسد رُبى مذعورًا.
اندفع عُدي، تلقى الرصاصة بكتفه دون تردد، سقط على ركبتيه، لكنه رفع رأسه متحديًا:
– “قلتلك إني رح أحميها… حتى لو دمي هو التمن!”
**
في لحظة جنونية، تشابكت الأجساد، أصوات الرصاص اخترقت الجدران، والظلال تعانقت مع الدخان.
**
رُبى، المقيدة والمرعوبة، لم تستطع سوى أن تصرخ باسمه:
– “عُدييييييييي!”
**
في تلك اللحظة… عرفت.
رغم الخيانة التي أوهموها بها… رغم الدماء والخذلان…
كان عُدي يقاتل لأجلها.
**
وفي زاوية الغرفة، بينما العالم ينهار حولها، أدركت رُبى أن قلبها… رغم الألم… لازال ينبض باسمه.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حين تساقط الزهر في قلبي)