رواية حواديت رمضانية الفصل الثامن 8 بقلم مريم عثمان
رواية حواديت رمضانية الجزء الثامن
رواية حواديت رمضانية البارت الثامن

رواية حواديت رمضانية الحلقة الثامنة
حرب الفجار وحلف الفضول
الفصل الثامن ماقبل الرسالة✍️
في سطور التاريخ، بين أمواج الصحراء المتلاطمة، وحينما كانت الحياة في جزيرة العرب تُدار بحكمة الباطل، كان الناس يجهلون نور الحق، فلا عهد لهم إلا بالحروب المتواصلة التي تشعلها ثارات القبائل.
في قلب جزيرة العرب، حيث الرمال تلامس السماء، وتحت قبة من السحاب الثقيل، كان الناس يعيشون في عالم يعصف به الجهل، فتشتعل الصراعات بين القبائل على أتفه الأسباب.
وفي تلك الأوقات العصيبة، كانت حروب الفجار وسيلةً لتصفية الحسابات بين العرب ومع ذلك، كان الله سبحانه وتعالى قد أعدّ لحظة فارقة في هذا الزمان ليُظهر الحق، ويجمع بين قلوب الرجال في حلفٍ كان له شرف وصدق.
كانت مكة، بأرضها الطيبة وسماءها الملبدة بالغيم، شاهدة على أحداث عظيمة، منها حرب الفجار وحلف الفضول، تلك اللحظات التي اجتمعت فيها الظروف والمصائر لتغير مسار التاريخ. ووسط الزمان والمكان، في تلك البقعة التي شهدت صراعًا ونضالًا لا مثيل له، كان الله سبحانه وتعالى قد أعد لها لحظة فاصلة، تكون بداية للعدل والتوحيد.
في زمن لم يكن له إلا السواد، اجتمعت قبائل قريش وكنانة في حرب كان سببها أهون من أن يتخيله العقل.
لم يكن الأمر إلا معركة على أرض قاحلة، بعدما اندلعت الفتن بينهم بسبب دماء سُفكت في مكان بعيد عن الرحمة.
وكانت قريش وقبائلها تجتمع على أطراف مكة لتخطط لحرب جديدة، حرب تعيد رسم خطوط الدماء على الرمال، فاندلعت حرب الفجار.
كان القتال في هذا الزمان لا يحكمه سوى الجهل والطمع، فالعقول مشوشة، والقلوب مليئة بالحقد، تراق الدماء بين أبطال القبائل، ويتساقط القتلى دون أن يُحترم دمٌ أو عرض.
في أحد الأيام القاسية من أيام الجاهلية، أُعلن عن حرب جديدة. حربٌ لم يكن لها هدف سوى الانتقام، ولا كانت تفرق بين الحق والباطل. كان غضب قبيلة قريش من قبيلة كنانة قد بلغ ذروته، لتنشب بينهم معركة دامية، وسط عيون غاضبة، وألسنة لاذعة، وأيدي تتحين الفرص لتسفك الدماء. لم تكن حرب الفجار سوى تمثيل حي للعنف والفتنة بين أقوى القبائل في مكة.
تدور أحداث المعركة بشكل مرير، ويشهر فيها السيف بين أبناء الشعب الواحد. نيران الكراهية تشتعل في النفوس، ولا أحد يعرف إلى أين ستصل هذه المعركة.
كانت الأصوات تتعالى، والدماء تسيل على الرمل الساخن، والموت يُخيم على الجميع بلا تفرقة.
وحين اشتد القتال، وأدرك الجميع أن لا نهاية لهذه المعركة إلا بتدمير الجميع، كانت الأرض تستغيث، وكانت السماء تراقب.
لم يكن لهذا الصراع من مبرر سوى أن كل قبيلة ترى نفسها فوق الأخرى، في كل لحظة يتفجر فيها الغضب. كان الكرم والجود قد اختفيا، وحلت مكانهما الثأرات والحروب المستمرة.
كان وقع المعركة في قلوب الناس كالصاعقة، ومع كل يوم كان يمر، كان الضياع يتسع، وتشتعل المزيد من النيران في أرضٍ أُكلت فيها الأخضر واليابس.
ومع كل قطرة دم تُسفك، كان الأمل في قلوب بعض الرجال ينطفئ، لكن الله -عز وجل- كان قد شاء أن يغير هذا الحال.
لكن في تلك اللحظة، كان هناك رجال تميزوا بعقولهم الراجحة وقلوبهم الطاهرة، لم يكن لهم من هدف سوى حفظ الحق، وحماية الأبرياء من ويل الصراع.
وكان في مقدمة هؤلاء الرجال الزُهريّون من قريش الذين كانوا يعدون للم شمل القبائل، فكانوا يتجمعون في مكان ما بعيدًا عن صخب القتال.
كانوا يعلمون أن الحرب لن تعطيهم شيئًا سوى الخسارة، وأنه يجب عليهم أن ينهوا هذا الصراع بأيديهم.
كانت الحاجة إلى اتحاد جماعي أكثر من أي وقت مضى. وأثناء ذلك، اجتمع رجال مكة في دار عبد الله بن جدعان.
وعُرف هذا الاجتماع بعد ذلك باسم “حلف الفضول”. كان هذا الحلف بداية للسلام بين القبائل العربية، حيث اقسموا أن يكونوا على العهد، وأن يقفوا جميعًا ضد الظلم الذي يواجهه الضعفاء والمظلومون في مكة. كان الحلف بمنزلة النور الذي سطع في الظلام، والتاريخ الذي طُبع في صفحات الزمن.
في هذا الحلف، كان كل من اجتمعوا فيه يدركون الحقيقة الأسمى التي أمر الله بها في القرآن: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58).
فما كان هذا الحلف إلا تجسيدًا لهذا الأمر الرباني العظيم، حيث تعاهدوا أن يقفوا مع الضعيف ضد الجبار، مع الحق ضد الباطل.
وكان حلف الفضول، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت”.
وكأن هذا الحلف كان مشهدًا يُفجر في الصدور معاني جديدة للعدالة الإنسانية، تعاليم من شأنها أن تضيء الطريق في أعماق الظلام.
شهدت مكة بعد الحلف نهضة كانت بمثابة بداية جديدة، بداية تجمع فيها الحق مع العدل، ويُنظر فيها إلى الإنسان لا إلى قبيلته أو نسبه.
إذ كان حلف الفضول في ذلك الوقت بمثابة انبعاثٍ جديد للضمير الإنساني، فقد تحققت في تلك اللحظة معاني الآية الكريمة: “وَإِنَّ اللَّهَ لَيُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا” (الحج: 38).
وفي تلك اللحظات الحاسمة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في مرحلة الطفولة، يراقب ما يحدث حوله، ليتربى على مبادئ الحق التي غرسها في تلك الأيام القليلة من عمره.
كانت مكة تخطو خطوة جديدة نحو الوعي الجماعي، وكان العدل قد بدأ يرسخ في النفوس.
لكن من كان يعلم أن هذا الطفل الذي نشأ في تلك البقعة، سيحمل رسالة الحق إلى العالم بأسره، ويكون مصلحًا للأمة جمعاء.كان محمد بن عبد الله يشهد بأعينه البراءة والشرف.
وكان لا يدرك أنه سيحمل في قلبه أعظم رسالة في تاريخ البشرية، سيضع أسسها في زمنٍ غُرّ، سيعيد فيها ترتيب القيم البشرية وينشر العدل والمساواة.
مرت الأيام، ولكن مع مرور الزمن، أصبح حلف الفضول في ذاكرة قريش جزءًا من تاريخها الذي لن تُمحى ملامحه أبدًا.
فقبل أن يُبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قد شارك في هذا الحلف، وعندما سئل عن ذلك في ما بعد، قال: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت”.
ومع مرور الأيام، وكأنما كانت السماء تحنو على مكة، وتنزل عليها إشراقًا من نور السماء، بدأت تتضح معالم شخصية محمد صلى الله عليه وسلم. كان هذا الحلف، في الحقيقة.
قد ساهم في تشكيل وعيه العميق للعدالة، ولتطبيق المبادئ التي ستصبح جزءًا من دعوته العظيمة. فقد شهد بعيونه تلك اللحظة الفارقة، حيث كان الحق يعلو ويظهر في قلوب الرجال الصادقين الذين تعاهدوا أن يكونوا مع الحق أينما كان، وأن يقفوا مع الضعيف مهما كانت القبيلة.
لقد كانت حرب الفجار وحلف الفضول لحظات فارقة في تاريخ العرب، ولم تكن مجرد معركة أو تحالف، بل كانت بداية لفهم جديد للقيم الإنسانية.
واليوم، عندما نتأمل في تلك اللحظات، نجد أن هذه القيم لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في حياتنا، فالحاجة إلى العدل، والرحمة، والشجاعة لا تزال كما هي. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ” (النساء: 135).
لقد كانت تلك اللحظات في مكة بداية لتجسيد معاني العدل والحق التي تجسدت فيما بعد في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، التي شملت أرجاء الأرض، وجعلت من التاريخ مَعلمًا لا يُنسى.
يتبع…….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حواديت رمضانية)