رواية حواديت رمضانية الفصل التاسع 9 بقلم مريم عثمان
رواية حواديت رمضانية الجزء التاسع
رواية حواديت رمضانية البارت التاسع

رواية حواديت رمضانية الحلقة التاسعة
🪔الفصل: التاسع بيت النبوة🪔
في المدينة المنورة، حيث تلامس الأرض أطياف النبوة، كان بيت رسول الله ﷺ شعلةً من النور، لم يكن قصرًا مشيدًا، ولا قبابًا مذهبة، بل كان واحةً من الرحمة، سكنه الحب، واحتواه الصبر، وأقامه العدل. كان بيتًا صغيرًا في حجمه، لكنه في معناه عرشٌ للأخلاق، ومدرسةٌ للحياة، وصفحةٌ من الرحمة تُقلب على مرّ الأيام.
هنا، حيث كان النبي ﷺ زوجًا لا كالأزواج، وأبًا لا ككل الآباء، وصديقًا لنسائه، ومربيًا لقلوبٍ عاشت تحت جناحه، عرفت الحب الحقيقي والاحترام النبيل، وتعلمت كيف يكون الرجل قائدًا بقلبٍ يفيض حنانًا، ومعلّمًا بروحٍ تطوّف بالمودة.
كان النبي ﷺ في الخامسة والعشرين من عمره حين خفقت روحه لحبٍ سماوي، حب لم يكن يشتعل بشرارة الهوى وحدها، بل كان ضياءً من الأقدار، فاختارته خديجة بنت خويلد زوجًا وهي في الأربعين. لم تكن مجرد امرأة أحبها فحسب، بل كانت السكن والأمان، كانت يدًا تمسح عنه تعب الأيام، وكانت نورًا أضاء دربه حين خبت أنوار العالم.
رأته في السوق، ورأت فيه الصدق قبل أن ترى وسامته، وأدركت أن هذا الرجل سيحمل شيئًا عظيمًا، فاختارته لا كما تختار النساء رجالهن، بل كما تختار القلوب موطنها الأبدي. وحين بعث، كانت أول من صدّقه، وأول من واساه، وحين عاد إليها يرتجف من غار حراء، ضمّته إلى قلبها، وقالت كلمتها التي كانت أول دعامة لرسالته: “كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا.”
لم تكن خديجة مجرد زوجة، بل كانت ذكرى لا تفارق قلب النبي ﷺ حتى بعد وفاتها، فكان يذكرها في كل مجلس، ويشتد شوقه لها كلما رأى هديةً تحمل اسمها، بل كان يذبح الشاة، ثم يوزعها على صديقاتها، وفاءً لها، واعترافًا بمكانتها. حتى غارت عائشة يومًا، وقالت بحزنٍ: “هل كانت إلا عجوزًا قد أبدلك الله خيرًا منها؟” فاحمرّ وجهه الشريف وقال: “والله ما أبدلني الله خيرًا منها، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء.”
بعد وفاة خديجة، لم يكن قلب النبي ﷺ يتسع لفراغ، فشاء الله أن يملأ حياته بزوجاتٍ كنّ جزءًا من الرسالة، لم يكن زواجًا يخضع للعاطفة وحدها، بل كان نسيجًا محكمًا بين الحب، الحكمة، والسياسة.
سودة بنت زمعة، كانت أول من دخل بيته بعد خديجة، امرأةٌ لم تكن جميلة الشكل، لكن قلبها كان جميلًا بما يكفي ليحمل همّ النبي ﷺ. تقدم بها العمر، لكنها كانت تمزح مع النبي ﷺ وتقول: “يا رسول الله، صليت خلفك الليلة، فأطلتَ الركوع حتى أمسكتُ بأنفي خشية أن يقطر الدم!” فيضحك النبي حتى تبدو نواجذه، فقد كان يرى الجمال في القلب قبل المظهر.
عائشة بنت أبي بكر، أحب النساء إلى قلبه، كانت صبيةً صغيرة، لكنها حملت علمًا ملأ الدنيا، وكانت تجادله وتمازحه، فكانت الوحيدة التي تسأله: “كيف حبك لي؟” فيقول لها بعبارته الخالدة: “كعُقدة الحبل.” فتضحك وتسأله بين الحين والآخر: “كيف حال العقدة؟” فيجيبها: “هي كما هي.”
حفصة بنت عمر، ابنة الفاروق، كانت صوامةً قوامةً، تشبه أباها في الحزم، وكانت يومًا تبكي بعد أن طلقها النبي ﷺ، فلم تتحمل فراقه، حتى جاء جبريل عليه السلام برسالةٍ سماوية: “إنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.” فأعادها إليه.
زينب بنت خزيمة، كانت تسمى “أم المساكين”، لم يمكث زواجها بالنبي طويلًا، لكنها كانت امرأةً حنونًا، تعيش لتعطي، وتحب لتسعد غيرها.
أم سلمة، كانت مثالًا للحكمة، دخلت بيت النبي أرملةً حزينة، لكنها وجدت فيه الأمان، فكانت صاحبة رأي، شهدت صلح الحديبية، ولما شاور النبي ﷺ الصحابة ولم يجيبوه، أخذ برأيها، فكانت حكيمة البيت النبوي.
زينب بنت جحش، كانت مثالًا للرضا بالقضاء، تزوجت النبي ﷺ بأمرٍ من السماء، فكانت تفخر وتقول: “أنا التي زوجني الله من فوق سبع سماوات.”
جويرية بنت الحارث، كانت سببًا في إسلام قبيلتها، أسيرةٌ تحولت إلى ملكة، أدركت أن بيت النبوة ليس سجنًا، بل حريةً أعظم مما عرفت يومًا.
صفية بنت حيي، ابنة زعيم يهود بني النضير، عاشت بين العداء، ثم وجدت في النبي ﷺ رجلاً ينزع الكراهية من قلبها، وحين بكت يومًا وقالت له: “يا رسول الله، يقولون عني إني ابنة يهودي!” مسح دموعها وقال: “قولي لهم: إن أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد.”
ميمونة بنت الحارث، آخر زوجاته، سميت “ميمونة” لأن زواجها منه كان فألًا حسنًا.
كان النبي ﷺ يعدل بين زوجاته، يداوي قلوبهن بحبٍ لا يعرف الخيانة، يعاتب برفق، ويغضب بعدل. كان يخيط ثوبه، ويكنس بيته، ويلاعب الحسن والحسين، وكان إذا سجد أطالت ابنته فاطمة السجود، لأنه كان يطيل السجود حتى تقوم.
وفي لحظة وداعه، حين ثقل به المرض، لم يختر بيتًا ليقضي فيه أيامه الأخيرة، بل كان يطلب: “أين أنا غدًا؟ أين أنا بعد غد؟” حتى فهمت زوجاته أنه يريد أن يكون في بيت عائشة، فأخذوه إليه. وحين فاضت روحه الطاهرة، كان رأسه على حجرها، وكانت آخر كلمةٍ قالها: “بل الرفيق الأعلى.”
لم يكن بيته قصرًا، لكنه كان أعظم بيتٍ عرفه التاريخ، لم يكن محاطًا بالذهب، لكنه كان أنقى من كنوز الأرض، لم يكن مليئًا بالخدم، لكنه كان عامرًا بالحب، فكان بيتًا لا تغيب عنه الشمس، لأن شمسه كانت في قلبه ❤.
يتبع…….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حواديت رمضانية)