رواية حواديت الطب الشرعي الفصل الثامن 8 بقلم حبيبة ياسر
رواية حواديت الطب الشرعي الجزء الثامن
رواية حواديت الطب الشرعي البارت الثامن
رواية حواديت الطب الشرعي الحلقة الثامنة
“في قلب معركةٍ لا تنتهي بين قوى الخير والشر، يبقى الضعف هو الظل الذي يسكن النفوس التائهة بين الأمل واليأس، تنقضُّ الأمواج العاتية، كلٌ يغرق في فوضاه، وكلٌ يرى في نفسه الحق، ولكن ماذا لو كان الحق نفسه ضبابيًا، يتبدد بين أيدينا كلما اقتربنا منه؟ في ذلك الفراغ الذي بين السماء والأرض، حيث العواصف لا تميز بين البراءة والخطيئة، يصبح السؤال: هل من نجاة وسط هذا الصراع الأزلي؟”
_بابا، ساعدني، ساعدوني كلكوا.. مُراد!
كنت بتكلم بانهيار، محطوطة في موقف لا اتمناه لألد اعدائي، لان ألد أعدائي لو مكاني كانوا هيدمّروا العالم..
وقفت بينهم، بتنقل بنظري بين الجهتين بتشتت، منهارة عياط وحاسة اني خايفة جدًا، لأول مرة احس ان الدُنيا صُغيرة أوي وتصرفاتي هي اللي بتحدد مصيري
محتاجة اترمي في حضن بابا واعيط، استخبي فيه من كل اللي بواجهة دة، لكن حتى بابا بيستنجد بيا معاهم، بيبكي وانا بكره اشوف دموعه، جريت عليه علشان امسحله دموعُه واحضنه لكن كإن في حاجز بيني وبين الكل، والحاجز دة هو الاختيار بينهم، يا إما الأبيض يا إما الإسود، في الدُنيا مفيش رمادي، مفيش اختيار وسط، يا تعيش كل حياتك في ضلمة ياتعيشها في نور، وفي الحالتين دة اختيارك انت ولازم تتحمل نتايجُه..
غمضت عيني، بحاول اخُد نفسي اللي كان شبه مقطوع، الوقت بيعدي عليا كإنُه سنين، فضلت مغمضة عيني، بحاول اهرب من الواقع بتاعي، قعدت في الأرض وضميت ركبي لصدري وحضنتها، ومكانش في بالي وقتها غير الآيات اللي بابا كان بيقرأهالي دايمًا وانا صُغيرة وبرددها “كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ”
فضلت ارددها بصوتي المرعوش، نفسي اللي داخل مش طالع، الجو برد اوي.. قلبي بردان وجسمي بيطلع سخونة
يارب ساعدني، يارب انجدني مليش غيرك
حسيت ان في هدوء، فتحت عيني بخوف، لقيت الكل ساكت وبيبص في نقطة واحدة، قومت وقفت وبصيت تجاه المصدر، كان ضوء شديد اوي لدرجة اني مستحملتهوش وحطيت ايدي على عيني، بدأ الضوء يهدى شوية شوية، وظهر لوح كبير محفوظ فيه الكتاب
بدأت صفحاتُه تتقلب بعشوائية، لغاية ما وقفت على صفحة منوّرة مش شايفة ايه اللي مكتوب فيها بالظبط، قرّبت عليه، مسكتُه بإيدي وبدأت أقرأها بصوت عالي :
_”أيها الزمن، أنت الذي طالما ألهبتَ القلوب بجحيمك، وأغرقتَ النفوس في بحرٍ من الهموم، ألم تعلم أن في قلب كل ظلامٍ فجرًا، وأن ما خَفِيَ سيظهر ولو بعد حين؟
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}،
فتنتصر الأنوار حين تُدحض الجبال، ويصمت كل شيء في انتظار ما لا يُتوقع، ويُمحى الشر في لحظة، كما يغادر الليل الفجر
في كل مرةٍ ظنوا أن الهدوء هو النهاية، كان الصباح يولد من بين ركامهم، ويجرف الرياح الظلام كما يجرف الموج الرمال، فهل تعلمون أن الحق لا يزول،
وأن {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}؟
الخير باقٍ، لا تسقط رايته مهما تقلبت الأيام، أما الباطل، فيغرق في بحرٍ لا شاطئ له، وكأنما {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}، فلا ينجو الظالم، ولا يعفو الزمان عن من خالف.
إلى كل من ظن أن الليل طويل، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، سيأتي وقتٌ يكشف فيه الجدار، ويحترق كل كذبٍ طاله اللسان، وتنفجر الحقيقة كما البركان.
ألا يعلمون أن الأرض لا تتحمل إلا الحق، وأن الظلمات مهما طال ليلها، لا تلبث أن تفرغ للأضواء، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
ومع كل نصرٍ جديد، ينقشع الضباب، ويعود الفجر مُضيئًا، لا تُعكره السحب، فهكذا هو الكون، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} فلا يضيع أملٌ، ولا يضعف قلب، فالنهاية حتمًا ستكون نصرًا للحق.”
كنت بقرأها بصوت عالي واصل للجهتين، مع كل حرف كنت بزيد ثقة وخشوع في نفس الوقت، بلقي عليهم كلمات الكتاب بفخر وعزة، متأكدة وواثقة في الله انه هينصر الحق وهيقفل البوابات السبعة..
ودة فعلًا اللي حصل، بمجرد ما قرأت الآية الاخيرة بصوت عالي:
_كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡـٔٗا وَهُوَ شَرّٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ
كل الجهات سجدوا لله من قدامي، شايفة البشر ساجدين وحتى المردة، مشهد قشعر جسمي، برغم انهم مش مسلمين، الا ان قوة الآيات نزلت عليهم زي الصواعق لدرجة انهم متحملوش وحرفيًا “خَرُّوا سُجدًا”
وبعد سجودهم اتحولوا لرماد طار حوالينا في الأجواء، سمعت صوت المارد بيهمس في ودني بوداع:
_سنَظَل نحلِفُ بالوفَاءِ لكِ، حتى وان كان مَصيرُنا الرماد.
رفعوا البشر من السجود في وقت واحد، واتجمعوا حواليا بفرحة، بيحتفلوا بالنصر بطريقة غريبة جدًا، كانوا بيرددوا “يحتفل الخير حينما تشرق الشمس على الهدى،
وتغني الأرواح بألحان الفرح والندى.
ينقش النور على الأرض طرقًا من أمل،
ويزهر الربيع حيث كان الدهر في البعد مُدل.”
غمضت عيني بفرحة، قلبي بيرقص لكن المرة دي من لذة الإنتصار، مش مصدقة ان الدوامة خلصت بكل السهولة دي وفي لحظات وبمجرد كلمات، حقيقي النصر من عند الله، بمجرد التوكُل عليه كل حاجة اتحلت في ثواني..
فتحتها مرة تانية، لكن في حاجة غريبة، لحظة انا في المشرحة!
ازاي انا كنت لسة في المقابر وبحتفل مع اهلي، حتى.. حتى مُراد كان بيراقبني بفخر وفرحان بيا، هو ايه اللي حصل؟
بصيت حواليا، في ايدي المشرط وقدامي جثة متغطي وشها، كشفت وشها لقيت.. لقيته المارد!
_مُراد!
المشهد اتعاد، كإني معيشتش كل دة، رجعت لنقطة البداية! لحظة هو ايه اللي بيحصل؟
رميت المشرط وجريت من المشرحة، بعدت بعيد عن الكل وقعدت في ركن لوحدي، وبعد خمس دقايق جه مُراد ووقف قدامي وقال بابتسامة:
_متخافيش، انا جنبك
_بس انت ميت!
قولتها بخوف فقال:
_ميت ازاي يعني ما انا قدامك اهو زي الفل؟ يظهر قعدتك في المشرحة كتير قصرت على عقلك، كان معاهم حق لما يسألوكي “يعني ايه بتكلمي الجثث بليل؟”
تمّت.
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حواديت الطب الشرعي)