روايات

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل السادس عشر 16 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل السادس عشر 16 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الجزء السادس عشر

رواية حتى اقتل بسمة تمردك البارت السادس عشر

حتى اقتل بسمة تمردك
حتى اقتل بسمة تمردك

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الحلقة السادسة عشر

لمحت فجأة أسم الحي الذي كانت تقطن به ، فلا شعوريا فتحت الورقة ، فإذا بها وثيقة بيع منزلها !
إتسعت عيناها في ذهول بالغ و هي تحدق بالورقة الكامنة بيدها ، تداهمت الأفكار بعقلها و أخذت تتساءل .. هل فعل ذلك حقا ؟ .. هل حقا هو من تسبب بتجريدها من بيتها عنوة ؟ .. هل فعل ذلك كي يجبرها علي الزاوج منه ؟ .. لا مستحيل ! قالت لنفسها ثم راحت تحدق بالورقة جيدا ، فرأت التاريخ ، لقد تم البيع منذ ثلاثة أسابيع ، أي حتي من قبل علمها بخبر الإخلاء !
هذا يعني أنه هو .. هو من فعل كل ذلك ، كل شيء تم كان بتخطيط مسبق منه ..
هزت رأسها بعدم تصديق و الوهن يغلي بصدرها ، إذ تذكرت كل الإهانات التي تعرضت لها في الأيام السابقة ، أخر ما توقعت حدوثه هذا الفعل الذي بدر منه ، دمعت عيناها بشدة و لكنها منعت دموعها من الفرار من عينيها ، و أقسمت بأغلظ الإيمان بأنه سوف يدفع الثمن و لكن بالطريقة التي سلكها من أجل حصوله عليها ، سوف يدفع الثمن ..
أفاقت من نوبة صدمتها سريعا ثم عادت ترتب له ملابسه ، ليخرج هو من الحمام قي تلك اللحظة و قد لف منشقة بيضاء عريضة حول خصره ، فصوبت نظرها إليه و قد رسمت بسمة ناعمة هادئة علي وجهها ، فبادلها البسمة عينها ، ثم أخذ يقترب منها و الماء يقطر من شعره الأسود الغزير اللامع علي صدره القوي الصلب حتي وقف أمامها .. :
-لأ ذوقك حلو .. انا بحب الغوامق بردو.
قال ذلك و هو يتناول البذلة من بين يديها ، في حين تعلقت عيناه علي تلك الورقة البيضاء التي إنكمشت بكف يدها ..
لاحظت”داليا”نظراته فرفعت يدها ثم إبتسمت في إرتباك قائلة:
-و انا باخد البدلة من الدولاب وقعت منها الورقة دي.
ثم تابعت بنظرة ثاقبة و بلهجة هادئة:
-و غصب عني لمحت اسم الشارع اللي فيه بيتي !!
تجهم وجهه قليلا و لكن ملامحه بقت جامدة ، فأجابها بصوته العميق:
-انا مش قلتلك اني هشتري بيتك و هكتبه باسمك ؟ اشتريته فعلا يوم ما كتبنا الكتاب بس لسا ماسجلتوش باسمك.
رمقته بغضب دفين لكذبه ، بينما خطف الورقة من يدها و كذلك أخذ البذلة ثم إستدار مبتعدا عنها ، فتخضبت وجنتاها بحمرة الخجل حين رأته يهم بإرتداء ملابسه ، فبسرعة أدارت له ظهرها ، ثم راحت تذكر نفسها بالقسم الذي قطعته منذ قليل … !
*******************************************************************
ذات ليلة كانت جالسة بإسترخاء علي تلك الأريكة التي توسطت الغرفة الفسيحة ، تطالع كتاب تاريخي علي الأضواء الخافتة ، بينما “عز الدين”مستلقي علي الفراش و قد بدا واضحا إستغراقه في النوم ..
حانت منها نظرة عابرة نحوه ، ثم زفرت في ضيق و أخذت تقلب بذهنها الأفكار .. فكرت في أن”عز الدين”يشاركها الفراش منذ أسبوع كامل ، و لكنه لم يحاول يوما أن يلمسها ، بقدر ما سبب لها هذا من راحة بقدر ما أزعجها أن ينام هو قرير العين إلي جانبها بينما هي تقضي هب الليل كله متوترة ، متحفزة تصارع وحدها تلك المشاعر المتضاربة داخلها ..
إنتابها قلق مفاجئ حول إنجذابه لها ، ثم تذكرت بأنه قد تزوجها لهذا السبب أساسا ، تزوجها فقط لأنه يرغبها و ليس أكثر ، لطالما أراد الحصول عليها منذ وقت طويل ، و لكن ما الذي يمنعه ؟ ما سبب تأجيل هذا الفعل لكل تلك الأيام ؟ ..
رفعت يديها فجأة وصقت بهما أذنيها في محاولة لإسكات صوت عقلها دون فائدة ، ثم أدركت بأن النوم هو خير وسيلة للهروب من تلك الأفكار المرهقة ، فنهضت و تقدمت صوب الفراش و لكنها قبل أن تندس بمكانها ، وقفت إلي جانبه حيث مدت يدها كي تطفئ نور المصباح القائم علي الطاولة الصغيرة قربه ، إلا أنها و من دون أن تدري شعرت بذراعيه تلتف حول خصرها ، فصرخت بذعر جراء المفاجأة ، فيما سحبها بقوة لتجد نفسها خلال لحظة ممدة علي الفراش بمكانه و هو منحني عليها بثقله مكبلا حركتها .. خفق قلبها بسرعة جنونية و هي تري عيناه تلمعان كعيني صقر جاثم و هو يحدق فيها بقوة و بجرأة ، إبتلعت ريقها بصعوبة بالغة ، و قبل أن تتمكن من قول أي شيء ، أطبق شفتيه علي شفتيها بقبلة طويلة متسلطة ، متملكة .. إرتعدت كل خلية في جسدها و هي تشعر بملمس شفتيه القاسيتين ، و بقبلته تزداد حرارة و تملكا ، فلا شعوريا وجدت نفسها هادئة و مستسلمة تماما ، فقد كان يقبلها بطريقة أطاحت بصوابها ،ثم فجأة إستجمعت قواها متذكرة أفعاله و القسم الذي قطعته مسبقا ، فوضعت كفيها علي صدره و دفعته عنها بعنف جاهدة في التخلص منه ، و لوهلة قاوم محاولتها الضعيفة للهرب ، ثم أفلتها ، فإبتعدت عنه مسرعة حيث إلتصقت بحائط الفراش و هي ترتجف ذعرا و قد تهدجت أنفاسها جراء هجومه الغير متوقع ، بينما إعتدل جالسا ثم حدق فيها بإنزعاج قائلا:
-و بعدين يا داليا ؟؟
هتف بخشونة ثم تابع:
-لحد امتي هنفضل كده ؟ انا سيبتك لأيام طويلة عشان تقدري تتعودي عليا و علي وضعك الجديد بس انا شايف انك لسا زي ما انتي و انك مش عايزة علاقتنا تطور.
شعرت”داليا”بالرعب يملأ أوصالها جراء نظراته الغاضبة ، لم تكن قادرة علي تحديه في تلك اللحظة ، فقد كان صوته مليئا بالعنف و نفسه مليئة بالإرادة ، و بدا و كأنه مشمئز من المماطلة و التسويف اللذين تمارسهما بحقه ، فوجدت”داليا”أن أفضل إسلوب للتعامل معه هو اللين و الدبلوماسية ، فقالت بخفوت مضطرب:
-انا اسفة يافندم .. بس انا حاسة اني مش مناسبة ليك .. و مش قادرة .. مش قادرة اديك اي حاجة.
قال بحدة:
-اولا كلمة يافندم دي مش عايز اسمعها منك تاني ابدا.
ثم تابع بقسوة ساخرة:
-ثاتيا المسألة بسيطة جدا .. اي حاجة مش هتقدري تديهالي هاخدها انا بنفسي.
ثم أمسك بذراعها و جذبها إليه بقوة فقالت بصوت متهدج:
-انت قلت انك مابتحبش تاخد حاجة بالغصب !!
-و اظن اني كنت صبور بما فيه الكفاية.
أجاب بجمود ثم أضاف:
-و علي اي حال احنا اتنين متجوزين و انا بطالبك بحقوقي مش اكتر و ماتنسيش اني لبيتلك كل طلباتك و احتياجاتك فمن واجبك انتي بقي دلوقتي انك تلبيلي كل طلباتي و احتياجاتي.
إستطاعت أن تنطق بصعوبة من بين مشاعر الخوف التي إجتاحتها بعد أن لاحظت إصراره العنيف:
-طيب .. اديني فرصة تانية .. انا .. انا مش جاهزة دلوقتي.
أغمض عيناه في حنق و زفر بتفاذ صبر ثم عاد ينظر إليها و قال:
-ماشي يا داليا .. هديكي فرصة تانية .. بس ماتفتكريش اني هاسيبك اد المدة اللي فاتت.
ثم أفلتها بحزم ، فتنفست الصعداء و هي تراقبه يعود إلي مكانه كما كان ، بينما تمددت في هدوء و حذر ، شعرت بالعرق يبلل جسدها و وجهها من فرط التوتر الذي عصف بها ، فيما كان الغضب يملأ كيانها .. فها هي ضعيفة مجددا أمام الرجل الذي يملك كل شيء ، و في الواقع يملكها هي أيضا .. تصورت بأنها قادرة علي تلقينه درسا لن ينساه و لكنها كانت مخطئة تماما .. إذ تلاشت كل تصوراتها بمجرد أن نظر إليها بعينيه الحاديتين ، و بينما كانت تتخبط في أفكارها غفت مضطربة الأعصاب … !
*******************************************************************
في الصباح التالي ، إستيقظت”ياسمين”علي فراشها العريض المظلل ، و بصعوبة إستطاعت أن تنزع نفسها من الدفء المغري و الإرتياح الغامر اللذين شعرت بهما في موضع نومها ، ثم نهضت و توجهت إلي الباب الزجاجي الذي يطل علي الشرفة ففتحته و راحت تتأمل بسحر المنظر من أمامها ، حيث حديقة القصر الخضراء بأشجارها و أزهارها ، و خاصة تلك الأزهار البيضاء التي عبقت المكان بشدة ، لم يسبق أن رأت أزهار بهذا الجمال الكامل ، و لا أن تنشقت عطرا لذيذا كهذا ، فأغمضت عينيها و تنفست بقوة مرات عديدة لتملأ رئتيها بالنسيم المنعش و برائحة الزهور الغنية العطرة .. مرت بضع دقائق قبل أن تلاحظ أن رائحة مزعجة إختلطت برائحة الزهور ، إنها رائحة تبغ محترق !
نظرت إلي جانبها فرأته يقف بالشرفة المجاورة لشرفتها يدخن إحدي سكائره ، و قد لاحظت بإنه كان يراقبها منذ فترة ، بينما إنفرج ثغره بإبتسامة خفيفة و هو يمعن النظر فيها إلي أن حياها قائلا:
-صباح الخير يا دكتورة .. ايه مافيش مستشفي و لا كلية انهاردة و لا ايه ؟؟
رمقته بهدوء ساخر ثم قالت:
-صباح الخير يا استاذ .. و جمعة مباركة انهاردة اجازة.
ضرب جبينه بباطن كفه قائلا:
-اه صحيح .. انهاردة الجمعة .. معلش اسف.
و عاد ينظر إليها ثم قال بإبتسامة مرحة:
-بقولك ايه يا دكتورة .. ايه رأيك لو نعقد هدنة بينا ؟؟
رفعت أحد حاجبيها قائلة:
-مش فاهمة .. قصدك ايه ؟؟
-قصدي خير و الله .. بصي انا عارف اني بني ادم سافل و مش متربي.
-عظيم كويس انك عارف ده غير ان الاعتراف بالحق فضيلة.
صر علي أسنانه بحدة خفيفة ثم عاد يقول بنبرة هادئة:
-انا بقول يعني بما اننا بقينا عايشين تحت سقف واحد يبقي لازم نصفي كل الخلافات اللي بينا و نبدأ صفحة جديدة.
قطبت حاجبيها و هي ترمقه بشك ، لكنها إبتسمت فجأة ثم قالت ببساطة:
-من قلبي بتمني فعلا اننا نبدأ صفحة جديدة .. بس ياريت تفتكر كلامك ده باستمرار و ماترجعش تتصرف بقلة احترام.
ضحك بخفة ثم قال:
-اوعدك اني مش هخيب ظنك يا دكتورة.
بينما جلجلت بداخله تلك الضحكة الخبيثة … !
*******************************************************************
بعد أن أخذت حماما كاملا ، إتجهت صوب الخزانة الكبيرة ، ثم راحت تفكر بما سترتديه ، لو لم تكن زوجة”عز الدين نصار”الأن لأرتدت سروالا و قميصا عاديا كعادتها ، لكن في قصر زوجها العزيز ، تبدو هذه الملابس غير لائقة ، و لكنها إختارت ذلك الثوب الوردي القصير الذي إشترته منذ عدة أعوام و لم تجربه يوما ، أمسكت به في تردد و فكرت .. هل ترتديه أم لا ؟ .. فهو كان قصير بعض الشيء ، بحيث يصل إلي ركبتيها علي الأقل ، غير أنه عاري الكتفين يتمتع بالضيق الشديد أيضا ، ودت لو تعيده إلي مكانه و لكن ما من إختيارات أمامها ، جميع ملابسها مهترئة لا تناسب مكانة زوجها الحياتية أو الإجتماعية حتي ..
إرتدت الثوب القطني الرقيق الذي أظهر نحافة و جمال ساقيها الرشيقتين ، و إنتعلت صندلا من الفلين ثم جلست أمام منضدة الزينة تمشط شعرها ، فتركته ينسدل بحرية علي كتفيها و خلف ظهرها ، ثم وضعت في عنقها سلسلة ذهبية كانت لوالدتها و زينت وجهها أيضا بقليل من مساحيق التجميل البسيطة ، و قبل أن تغادر الغرفة ألقت نظرة فاحصة علي نفسها بالمرآة الكبيرة ، إن أرادت هي أن تدفعه الثمن كما أقسمت ، فعليها بأن تتسلح بأقوي أسلحتها .. جسدها ، جسدها هو العامل المؤثر الذي سوف يخضعه و لكن مع قليل من الحذر ، فهو حاد الذكاء و ليس من السهل إطلاقا أن يتلاعب به أحدهم !
إستدارت أخيرا و خرجت من الغرفة ، ثم هبطت إلي الطابق الأرضي سالكة سلالم الرخام مستندة إلي الدرابزين الحديدي المصقول الذي يشكل تحفة فنية صغيرة ..
راحت”داليا”تسمع صوت خطواتها علي الأدراج و حفيف ثوبها فوق ساقيها الناعمتين ، ثم إقتربت ببطء من البهو و هي تعي كل الروائع المحيطة بها .. كانت تبحث عنه هنا و هناك في هدوء شديد ، فاليوم عطلته و هو علي حد علمها يقضي يوم العطلة بالمنزل ، و كما توقعت عثرت عليه بحجرة المكتب حيث كان جالسا وراء مكتبه منكبا علي بعض الأوراق ، فلم يرفع رأسه لتوه ، بل مرت لحظة مشحونة بالتوتر قبل أن تتنحنح لتنبهه لوجودها ، فرفع رأسه عابسا و رأته ينظر إلي قامتها المتوسطة بعينين متفحصتين:
-صباح الخير.
هتفت”داليا”بثبات متوتر ، بينما إكتفي بهزة من رأسه ثم قال بهدوء آمر:
-تعالي .. تعالي يا داليا.
وقفت لحظة جامدة أمام مصراعي الباب و عيناها تحدقان في النوافذ العالية و الأبواب الزجاجية التي تطل علي ساحة القصر ، جميع المنافذ مقفلة و لا مجال للهرب منه ، فيما أطاعته بصمت حيث تقدمت صوبه بآلية ..
حجرة المكتب مريحة و مليئة بالكتب المرصوصة علي رفوف عريضة و سبق أن زارتها”داليا”مرة في الأيام السابقة .. قرب النافذة يقع مكتبه الخشبي الوثير الذي إعتلته بعض المستندات و الأوراق المختلفة ، كراسي و مقاعد جلدية كملت أثاث الحجرة أيضا .. :
-انا توقعت وجود حضرتك هنا بما ان انهاردة يوم الاجازة.
قالت”داليا”ذلك و هي تجلس في أحد المقاعد الجلدية الواقعة قرب مكتبه ، بينما رفع أحد حاجبيه متنهدا ثم قال متجاهلا تحفظها الرسمي معه:
-حبيت اخلص شوية حاجات مهمة قبل بليل.
ثم صمت قليلا و أخذ يحدق فيها بهدوء قائلا:
-انهاردة مش عايزك تسيبي اوضتنا خالص .. ماتخرجيش منها لاي سبب من الاسباب .. فهماني ؟؟
تطلعت إليه في دهشة عارمة ثم سألته:
-ليه ؟ ايه اللي هيحصل انهاردة ؟؟
-فاكرة مناقصة المراكب اللي دخلنا فيها؟؟
أومأت رأسها شاردة و هي تتذكر التفاصيل ، ثم عادت تحدق فيه قائلة:
-اه فاكرة.
ثم سألته باسمة:
-ايه رسيت علينا ؟؟
إبتسم بدوره ثم أومأ رأسه قائلا:
-ايوه .. رسيت علينا.
أطلقت ضحكة قصيرة ثم قالت مبتهجة:
-هايل .. هايل جدا .. حضرتك كنت مستني الخبر ده من فترة .. مبروك.
هز رأسه في هدوء ثم قال:
-عشان كده بقي انا قلت لازم احتفل بالمناسبة دي مع العملا و الموظفين يعني الليلة دي في حفلة كبيرة هنا في القصر .. و مش عايزك تظهري نهائي.
أومأت رأسها موافقة ، بينما قطع حديثهما مجئ أحد الخدم:
-عز الدين بيه .. مهندس الاضاءة وصل.
نظر”عز الدين”إلي الحارس قائلا:
-طيب شوفوه يشرب ايه و انا جاي حالا.
أطاعه الحارس بتهذيب ثم إنسخب فجأة كما آتي خلسة ، بينما أغلق”عز الدين”ذلك المستند الذي كان يتصفحه ثم نهض من خلف مكتبه قائلا:
-زي ما اتفقنا يا داليا .. مش عايزك تخرجي من الاوضة خالص انهاردة.
ثم غادر المكتب مسرعا ، بينما شردت هي و أخذت تحلل كلامه .. لماذا لم يدعوها إلي حضور الحفلة برفقته ؟ أليست زوجته الأن ؟ لماذا يريد إخفاءها عن الناس ؟
ثم فجأة أطلق هاتفهه الملقي علي المكتب نغمة صاخبة قصيرة معلنا عن وصول رسالة جديدة ، لوهلة ترددت عن الإقبال علي تلك الخطوة و لكنها أجبرت نفسها بدافع الفضول فتناولت الهاتف بسرعة ثم فتحت الرسالة ، فإذا هي من”جومانة خطاب” !
قرأت السطور الوجيزة بفتور”كده بردو يا عز .. نسيتني و اتجوزت ؟ بس علي اي حال انت ليا انا بردو ماتفتكرش اننا خلصنا لحد كده يا بيبي .. اشوفك انهاردة بقي” ..
عندما إنتهت من قراءة الرسالة ، بدت و كأنها تلقت صفعة علي وجهها ، حيث تلاحقت أنفاسها و تصاعدت الدماء إلي وجهها .. ثم أخذت تتساءل .. ألهذا السبب لا يريد إعلان خبر زواجه بها ؟ ألهذا السبب رفض إقامة حفل زفاف ؟ .. من أجل عبثه مع النساء ! فعل كل ذلك لهذا السبب ، و لتكون هي نوع جديد من الألعاب و الدمي التي لم يحصل عليها من قبل و لدي حصوله عليها سيحطمها بين يديه المدمرتين !
صرت علي أسنانها بقوة ، و لكنها إتخذت قرارها سريعا ، سوف تتجاوزه هذه المرة ، سوف تعصي أوامره و ليكن ما يكون … !
*******************************************************************
-لأ يا عبير انتي اتجننتي ؟ اوعي تعملي كده طبعا اوعي.
قالت”ريم”ذلك مخاطبة”عبير”عبر الهاتف بينما أجابتها”عبير”باكية:
-مافيش قدامي حل تاني يا ريم.
-عبير !
هتفت”ريم”بحدة ثم تابعت:
-ماتبقيش مجنونة كل مشكلة و ليها حل ده غير ان ماينفعش نهائي اننا نصلح غلطة بغلطة اكبر فاهمة يا عبير ؟ عشان خاطري اوعديني انك مش هتتهوري في تصرفاتك .. اوعديني يا عبير.
إرتفع صوت نشيجها و هي تقول:
-حاضر .. حاضر يا ريم.
ثم فجأة سمعت طرقا خفيفا علي باب غرفتها ، فأغلقت الخط مع صديقتها ثم كفكفت دموعها سريعا و أذنت بالدخول قائلة:
-ادخل.
دلفت”داليا”في هدوء و قد علت وجهها إبتسامة لطيفة:
-صباح الخير .. ازيك ؟؟
حيتها”داليا”بلطف فأبتسمت”عبير”بشحوب قائلة:
-صباح الخير يا داليا .. انا تمام الحمدلله تعالي ادخلي.
أغلقت”داليا”الباب من خلفها ، ثم تقدمت صوب”عبير”حيث جلست إلي جانبها علي الفراش ، ثم حدقت بملامحها لبرهة و سألتها:
-عيونك حمرة اوي كده ليه يا حبيبتي ؟ انتي كنتي بتعيطي ؟؟
إرتبكت”عبير”قليلا ثم أجابت متلعثمة:
-لأ .. لأ ابدا ماكنتش بعيط انا بس لسا صاحية من النوم.
أومأت”داليا”رأسها بتفهم بينما سألتها”عبير”باسمة:
-اول مرة من ساعة جيتي تزوريني في اوضتي ! يا تري في سبب ؟؟
ضحكت”داليا”بخفة”ثم قالت:
-بصراحة اه.
-في ايه ؟؟
سألتها في إصغاء ، فأطلعتها”داليا”علي تفاصيل الحفلة التي ستقام الليلة بالقصر .. :
-حفلة !!
هتفت”عبير”مستغربة ثم أضافت:
-عز الدين بقاله سنين ماعملش حفلة زي دي هنا في البيت.
ثم صمتت قليلا و قالت:
-المهم يعني في مشكلة بالنسبة لك و لا حاجة ؟؟
تخضبت وجنتا”داليا”و هي تقول:
-ايوه في مشكلة صغيرة.
-ايه هي ؟؟
كم وجدت صعوبة في ذلك و لكنها إستطاعت النطق أخيرا فقالت بثبات:
-انا ماعنديش فستان مناسب لحفلة زي دي .. و فكرت في انك ممكن تساعديني يعني !
رحبت”عبير”بحرارة قائلة:
-اكيد طبعا اساعدك اوي انتي بتهزري ؟ بصي دولابي قدامك اهو اختاري اللي يعجبك.
إبتسمت”داليا”بإمتنان و شكرتها ثم نهضت متجهة صوب خزانة”عبير”المكتظة بأثمن الملابس الغالية … !
******************************************************************
في المساء ، و عندما أسدل الليل ستاره علي قصر الـ”نصار” ..
كانت”داليا”بالغرفة تقف قرب النافذة المطلة علي الحديقة ، تراقب ما يحدث بعصبية داخلية ، كانت الموسيقي الصاخبة هي أول شيء لاحظته ، ثم ذلك الجمع الهائل من الناس ، بينما أدركت بأن الوقت قد حان لتنفيذ مخطتها ، فهي كانت حريصة حيث أنتظرت خروجه من الغرفة أولا بعد إنتهاءه من تجهيز نفسه لكي تبدأ هي بتجهيز نفسها ..
تركت موضعها مسرعة ثم تقدمت صوب الخزانة الكبيرة و أخرجت منها الثوب الذي إعارتها إياه”عبير” .. كان فستانا أسود قصير جدا و قد تعمدت”داليا”اختياره كنوع من أنواع العناد الذي و لابد و أن يثير غضب”عز الدين”بل أنه سيتحول إلي وحش كاسر لدي رؤيته إياها علي تلك الشاكلة .. نظرت إلي المرآة لتري النتيجة النهائية ، و بالكاد تعرفت علي تفسها ، فقد مشطت شعرها بطريقة غجرية حيث جعلته متموج في خصل حريرية ، و وضعت مكياجا جريئا و طلت شفتاها بلون أحمر داكن كلون الدماء .. كانت تبدو أكثر إغراء من أي وقت مضي بحياتها ..
و أخيرا نزلت إلي الحديقة و هي تتمايل بخطي رشيقة ، و كم ذهلت من نفسها و تساءلت .. من أين أتت بتلك القوة المدمرة ؟ .. ماذا سيفعل بها الليلة يا تري ؟
إرتعش بدنها و هي تفكر في النتائج لكنها إنتفضت بلا إكتراث ، ثم إبتسمت بثقة و تابعت سيرها وسط الجموع الغفيرة ..
أخذت تتجول ببصرها هنا و هناك ، بينما إزدادت قاعة الرقص بأفخر الزينات من أجل إستقبال المدعوون الكثر ، ذوات الطراز الذي يرتاح إليه سيد المنزل ، فهم من عُلية القوم و العوائل العريقة بإستثناء الموظفين الذين إتخذوا جانب فاصل عن الضيوف الأساسيين للحفلة ..
كانت الموسيقي الكلاسيكية تصدح و كان المدعوون منتشرين علي طول الحديقة ، يتحدثون ، و يضحكون ، و يشربون مما أضفي علي المكان جوا من المرح بينما حاولت”داليا”إيجاد”عز الدين”بين هذا السيل البشري ، فبقيت تمرر عينيها حتي رأته ، رأته في وضع مخزي جرح قلبها و جمد الدماء بعروقها ، فقد كانت المفاجأة الكبري و المذهلة أنه كان يرقص مع”جومانة خطاب”علي نغمات موسبقية هادئة ، كانا يرقصان بحميمية شديدة ، حيث كانا يحتضنان بعضهما البعض بقوة و كأنهما لا يشعران بوجود أحد !!
كادت”داليا”تقرص جلدها كي تتأكد بأن هذا حلم أو كابوس مزعج ، و لكن لا .. كل شيء حولها أكد لها أنها الحقيقة ، بقيت واقفة بمكانها حتي إنتهت الرقصة ، بينما كان يضحك بوقار كعادته حين إستدار و رأها أمامه ، تجهم وجهه و إتسعت عيناه لدي رؤيته إياها .. ترك ضيوفه فجأة و سار نحوها بخطي واسعة ، غاضبة حتي إقترب منها و وقف أمامها وجها لوجه:
-ايه اللي انتي عملاه في نفسك ده ؟؟
قال بغضب جامح ثم تابع بحدة:
-انا مش قلتلك تترزعي في الاوضة و ماتسيبيهاش خالص ؟ بتكسري كلامي ؟؟
رمقته بمرارة شديدة بينما أضاف بعنف ليزيد من خوفها المعدوم أساسا:
-اوعدك بعد الحفلة و لما افضالك .. حسابك معايا هيكون عسير .. الحركة دي مش هتعدي علي خير ابدا يا داليا.
ثم أمرها بحدة:
-ارجعي البيت فورا .. حسابنا بعدين زي ما قلتلك.
عند ذلك ضحكت”داليا”بقوة ثم قالت:
-انا نزلت بس عشان اتأكد من حاحة صغيرة يافندم .. و خلاص اتأكدت.
قطب حاجبيه مستغربا ، بينما إقترب منها نادل فإبتسمت لأنها وجدت الفرصة المناسبة للإنتقام منه ، فأخذت من الطبق الذي يحمله كأسا معبأ بالشراب ، ثم إقتربت من”عز الدين”بخطوات ثابتة ، و فحأة رمت محتوي الكأس بوجهه ..
تجمد بمكانه من الصدمة فأستغلت هي الفرصة و صرخت به باكية:
-اه يا ظالم يا مفتري .. ازاي تعمل فيا و في بنات الناس كده ؟؟
توقفت الموسيقي فجأة و ساد الصمت المطلق ، ثم أخذ الجميع ينقل نظراته بينهما فرفعت نحيبها قائلة:
-بعد ما صدقتك و قبلت اني اتجوزك اكتشف انك خاين و بتعرف عليا ستات و بنات كتير !!
سمعت همهمات المدعوون تتعالي من كل إتجاه ، فأختلست النظر إليه ، لتجد وجهه متجمدا من الغضب .. هذه علامة سيئة و لكنها لا تأبه فقد نال ما يستحقه !
بينما أقترب منها بخطوة واحدة و أمسك بذراعها و هو يقول للحضور:
-اسف .. راجع حالا.
ثم جذبها بعنف حتي وصل إلي داخل المنزل ، فحملها علي كتفه حيث كانت رأسها خلف ظهر و قدمها أمام صدره بينما أخذت تصرخ بقوة:
-نزلني .. نزلني يافندم .. نزلني.
و لكنه ظل صامتا حتي وصل بها إلي الغرفة ، فأغلق الباب بقدمه ثم توجه بها نحو الفراش و ألقاها بعنف قائلا بهدوء مرعب:
-من الواضح يا حبيبتي انك محتاجة لجلسة تأديب و هكون سعيد جدا و انا بقوم بيها.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حتى اقتل بسمة تمردك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى