روايات

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الجزء الرابع والثلاثون

رواية حتى اقتل بسمة تمردك البارت الرابع والثلاثون

حتى اقتل بسمة تمردك
حتى اقتل بسمة تمردك

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الحلقة الرابعة والثلاثون

لم يمر وقت كثير و خرج الأطباء جميعهم ، فنهض”عمر”واقفا و علامات القلق تغزو وجهه ، بينما أقبل عليه الطبيب ، ثم مد يده و ربت علي كتفه قائلا بآسف:
-البقاء لله.
إتسعت عينا”عمر”في ذهول ، و هز رأسه مرارا في عدم تصديق ، فأمسكت”ياسمين”بذراعه ، وربتت علي كتفه بإشفاق ، بينما إندفع”عمر”من مكانه راكضا ، ثم تجاوز غرفة العناية ، تبعته”ياسمين”علي الفور ، فيما تجمد هو بموضعه عندما رأي أمه ممددة فوق ذلك الفراش المعدني ذا الأغطية البيضاء ..
تقدم”عمر”صوب أمه بخطي وئيدة مترددة ، حتي وصل إليها ، فحدق بوجهها مليا ، بدت و كأنها نائمة ، و لكنها أكثر شحوبا ، و إصفرارا ، فقد هرب الدم من لونها ..
مد”عمر”يديه ، وأخذ يد أمه بين راحتيه ، فشعر ببرودة بشرتها ، تلك السيدة الرقيقة الحنونة ، فقدت دفئها ، و رونقها ، و هنا فقط أيقن أنها حقا رحلت
فتلآلآت الدموع بعينيه ، و لم يعد قادرا علي حبسها بجفنيه أكثر ، فأطلق لسيل دموعه العنان ، فيما تهاوت قدماه ، و جثي علي الأرض منهارا ، و هو ينشج بالبكاء المر ..
فجثت”ياسمين”بدورها إلي جانبه ، ثم راحت تواسيه في لطف قائلة:
-بس يا عمر .. اهدا .. مش كده شد حيلك.
-امي .. امي يا ياسمين.
ردد باكيا ، فبكت”ياسمين”رغما عنها ، و قالت:
-ادعيلها يا عمر .. و بلاش تعمل في نفسك كده.
تعالت همهمات بكائه أكثر ، فما كان بها إلا أن تغدق عليه مزيدا من عطفها ، و لطفها ، علها تستطع تزويده بالصبر و التماسك …
*******************************************************************
مر إسبوعا علي ذلك القصر البيهيج المترف الذي بات كئيبا حزينا ،،
إنقلبت أحوال جميع أفراد الأسرة رأسا علي عقب ، حيث إضطر الجميع أن يخضعوا لشعور المرارة و الآلم الذي غلف الأجواء ..
لم يعد”عز الدين”إلي المنزل ، منذ إضطراره لمواجهة أمه تلك الليلة ، فتأثرت”داليا”نفسيا لغيابه ، شعرت بفراغ رهيب ، كما فقدت شهيتها تجاه كل شيء ، خاصة لأنه أبدي غضبه منها حيث رفض الحديث معها نهائيا ، فقط وجود”عدنان”قربها هو ما كان يهون عليها الآسي الذي تكبدته طوال ذلك الأسبوع
علي الطرف الأخر ، كان”عمر”منفرد بنفسه داخل غرفته خلال تلك الأيام السبع الفائتة ، غمره شعور هائل بالندم جعله غير قادرا علي إستعادة رباطة جأشه مجددا ، لقد تهشمت عفويته المحببة ، و قد خارت عاداته المرحة ..
إنطفأ بريق عينيه البنيتين الجميلتين ، كما تقيد بالصمت أيضا ، فيما تعددت محاولات”ياسمين”اليائسة للحؤول دون إسترساله في الحزن أكثر ، و لكن عبثا ذهبت كل محاولاتها ، فهو منذ وفاة أمه ، تغيرت أحواله كثيرا ، نفسيا ، و بدنيا ، فقد هزل جسده ، و شحب لون وجهه ، و لم يعد به شيئا من قديم صفاته علي الإطلاق …
بينما كانت”عبير”أخفهم حزنا ، و إضطرابا ، فهي لم تعهد أمها ، و لم تذكر عنها أي شيء ، كل ذكرياتها تضم أخويها و “خالد”حيث نشأت بينهم ، حتي إمتشقت قامتها و أصبحت شابة يافعة ، و لكنها لم تستطع إنكار شعورها المتعاطف و المنحاز إلي والدتها ، فقد قسي شقيقها عليها بدرجة كبيرة دون أن يهتم بعواقب أفعاله التي إنعكست علي توابع مرضها ..
كانت تجلس”عبير”قبال”خالد”إلي مقعد عاجي وثير بقاعة الجلوس ، لم تكن مستعدة بعد لملاقاته ، و رغم ذلك سعدت برؤيته ، و لكنها نجحت في عدم إظهار ذلك له ، حيث تبادلت معه حديث جامد ، متقطع ، بينما بدا هو مذبذب تلك المرة ، إذ لم يستطع ضبط إنفعالاته كما إعتاد أن يفعل مؤخرا ..
نظراته المرتبكة ، لهجته المختلجة ، و حركاته المتوترة ، كل هذه أشياء أوضحت لـ”عبير”مدي تأثره بغيابها عنه ، و ولعه بها ، و تلك أمور لطالما سهرت ليالٍ تفكر فيها ، و لكنها ما زالت متمسكة بقرارها ، إلا إذا نجحت خطتها الجهنمية التي رتبت لها بالغش ، و التحايل ، و كم شعرت بالآسف لذلك ، و لكن ما من حل أخر .. :
-و انتي عاملة ايه في دراستك ؟؟
قال”خالد”متسائلا ، فأجابته في هدوء:
-الحمدلله ، كله تمام.
أومأ رأسه مرارا ، ثم عاد يسألها:
-مش محتاجة اي حاجة طيب ؟؟
-اي حاجة زي ايه ؟؟
-فلوس مثلا ، المفروض انك مراتي يعني و مسؤولة مني.
إبتسمت”عبير”بخفة ، ثم شكرته برقة:
-شكرا يا خالد ، انا مش محتاجة اي حاجة .. بس اكيد لو احتجت هطلب مساعدتك.
تنفس بعمق ، وقد غمره سرور عارم جاهد في إخفاؤه ، ليس بسبب كلامها ، و إنما لتأكده بإنها قد نست فكرة طلاقهما .. :
-ماجبتش عز الدين معاك ليه يا خالد ؟؟
كان هذا صوت”داليا”التي جاءت فجأة دون تأهب ، فيما تطلع إليها”خالد”في إستغراب ، ثم سألها مقطبا:
-اجيبه منين ؟؟
-تجيبه منين !!
هتفت”داليا”في تساؤل مستنكرة ، ثم عادت تسأله:
-هو مش قاعد عندك ؟؟
أومأ”خالد”رأسه صائحا:
-اه هو كان قاعد عندي فعلا.
-كان ! يعني ايه ؟؟
أجابها”خالد”باسما:
-اصله سافر.
-سافر !!
هتفت”داليا”في صدمة ، بينما تابع”خالد”قائلا:
-اه ، راح ريو يتمم ورق صفقة مهمة اوي ، هو المفروض كان يفضل هنا و انا اللي اطلع مكانه ، بس لاقيته غير رأيه فجأة الاسبوع اللي فات.
-بس ازاي يسافر منغير ما يقولي ؟؟
تساءلت”داليا”بخفوت مقطبة ، بدت و كأنها تخاطب نفسها ، حيث إستدارت ، و عادت أدراجها و هي لا زالت تتحدث إلي نفسها ..
بينما تنهدت”عبير”بثقل ، ثم قالت و هي تحدق بعينا”خالد”:
-محدش عرف عز الدين ده الا و تعب نفسيا يا خالد.
ثم منحته إبتسامة عذبة ، فبادلها البسمة عينها …
*********************************************************************
-انا بجد تعبت معاك.
قالت”ياسمين”ذلك في ضجر مصطنع و هي تجلس إلي جانب”عمر”فوق آريكة غرفته الصوفية ، ثم تابعت:
-مش كده يعني يا عمر قدر اني واحدة دكتورة سايبة مذاكرتي و لازقالك ليل نهار و بحاول اخليك تفك.
لم يجبها”عمر”بل ظل صامتا ، و جامدا كما هو ، فزمت”ياسمين”شفتيها في عدم رضا ، ثم قالت:
-يعني هتفضل ضارب البوز ده كده كتير ؟ اوكيه .. براحتك يا عمر ، بس خد بالك بقي من هنا و رايح خلص الود بينا ، و انا مش عايزة اكلمك تاني خالص اصلا.
و هبت واقفة ، و ما كادت تخطو إلي الأمام بعيدا عنه ، فقد قبض علي رسغها ، و أعادها إلي مكانها مجددا ، ثم أخيرا فتح فمه ، و قال بلهجة صارمة:
-اقعدي يا ياسمين و كفاية كده بقي.
زفرت”ياسمين”في ضيق ، ثم راحت تخاطبه بجدية:
-انا بردو اللي كفاية يا عمر ؟ بتقولي انا كفاية ؟؟
قطب”عمر”حاجبيه ، و نظر أرضا ، فمدت”ياسمين”يدها و لامست لحيته التي نمت كثيرا ، ثم وبخته قائلة:
-عاجبك منظرك ده ؟ عاجبك الوضع اللي انت فيه ؟ هتفضل كده لحد امتي ؟؟
لم يعطها جوابا ، فعادت تسأله بإلحاح:
– ما ترد عليا ساكت ليه ؟؟
-عايزة ايه يا ياسمين ؟؟
صاح”عمر”بعصبية بالغة ، ثم تابع بنبرة أقل حدة:
-انا تعبان و محدش حاسس بيا ، مخنوق و قرفان من نفسي .. كل ما بفتكر اني جيت عليها في مرة بـ …
-هي اكيد مسمحاك و مش زعلانة منك يا عمر.
قاطعته”ياسمين”في لطف ، و أضافت:
-و بعدين حزنك ده لازم ينتهي ، كل يوم بيعدي عليك حالتك دي بتطور اكتر و بتبقي اسوء ، مامتك مش هترجع خلاص يا عمر ، و غلط انك توقف حياتك و تهمل في مستقبلك بالشكل ده ، ماتنساش انك لسا طالب ، و كمان انت فاتتك حاجات كتير جدا طول الفترة اللي فاتت .. يعني جه الوقت بقي انك ترجع تركز تاني في دراستك.
-مش هقدر اركز في حاجة يا ياسمين.
قالها بصوت منخفض ، فإبتسمت”ياسمين”بخفة ، ثم غمزت بعينها مرحا ، و قالت:
-ماتقلقش يا سيدي ، انا هساعدك.
إبتسم”عمر”رغما عنه ، و سألها:
– هتساعديني ازاي بقي ؟؟
-هشجعك و هفضل جنبك ، مش هاسيبك الا لما ترجع تقف علي رجليك من تاني.
مد”عمر”يده ، وأخذ يدها ، ثم رفعها إلي فمه ، و طبع قبلة رقيقة بباطن كفها ، و قال:
-ربنا يخليكي ليا يا سو.
تخضبت وجنتيها بحمرة الخجل ، و لكنها جاهدت و منحته إبتسامة رقيقة ..
******************************************************************
-يا دكتور مافيش داعي للاستعجال ، و بعدين اخويا سافر و لسا مارجعش.
قالت”عبير”ذلك تخاطب دكتور”أمجد”هاتفيا ، بينما إحتج برقة قائلا:
-ما بلاش تقوليلي دكتور دي يا عبير ، ارفعي الالقاب و ناديني بإسمي عادي.
أطلقت”عبير”شهقة قصيرة ، ثم قال:
– يا خبر .. لألأ ماقدرش يا دكتور.
-ليه بس يا عبير ؟ ما انتي لازم تتعودي علي كده من دلوقتي ، و لا انتي ناوية تعامليني برسمية بعد الجواز بردو ؟؟
قهقهت”عبير”بخفة ، ثم عادت تقول:
-مش لما الجواز يتم الاول يا دكتور.
– ان شاء الله هيتم ، انتي بس حدديلي ميعاد مع اخوكي اول ما يرجع من سفره بالسلامة ، و انا عليا الباقي ، اوعدك في خلال شهور قليلة جدا هتبقي مراتي ، يكون فات وقت الحداد علي والدتك بردو.
تجاهلت”عبير”خفقات قلبها السريعة ، و قالت بثبات مرتبك بعض الشيء:
-مش هينفع احددلك انا ميعاد مع عز الدين ، الموضوع هيبقي حساس بالنسبة لي.
-طيب هنتصرف ازاي ؟؟
– انت هتاخد الميعاد بنفسك …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حتى اقتل بسمة تمردك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى