روايات

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الحادي عشر 11 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الحادي عشر 11 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الجزء الحادي عشر

رواية حتى اقتل بسمة تمردك البارت الحادي عشر

حتى اقتل بسمة تمردك
حتى اقتل بسمة تمردك

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الحلقة الحادية عشر

إنعقد لسانها خوفا و دهشة فترنحت قائلة:
-هيغم عليا تاني يافندم.
أمسك رأسها بقوة و أحناها إلي الأمام قائلا:
-مش هيغم عليكي اتنفسي .. اتنفسي و اعصابك هتدا بسرعة.
و من الغريب أن لمسة يده إستطاعت أن تعيد إليها هدوءها و بعد لحظات قال:
-اللي قولته مش عرض عاطفي يا داليا خليكي فاهمة ده كويس .. ده بس مجرد اتفاق قصير المدي زي ما بيقولوا و اوعدك انه مش هيكون اتفاق وحش ابدا.
كانت لا تزال غير مستوعبة ما سمعته بأذنيها لذلك لم تنتبه لعبارته السابقة فقالت لاهثة:
-ارجوك .. استني عليا شوية يافندم.
-انا في الانتظار.
قال بهدوء بينما إنتظرت”داليا”حتي زال وقع المفاجأة عنها ثم نظرت إليه و قالت بأنفاس متقطعة:
-حضرتك قلت ايه بقي ؟؟
-قلت تتجوزيني ؟؟
إبتلعت ريقها بصعوبة ثم راحت تردد كلمة”لأ”بلا وعي فقاطعها بحزم:
-مافيش داعي للصدمة و اللخبطة دي كلها يا داليا ..اهدي عشان نقدر نوصل لاتفاق.
-اتفاق !!
هتفت في دهشة فأومأ رأسه قائلا:
-اه اتفاق .. قلتلك انا مش بعرض عليكي الحب.
جف حلقها و شحب وجهها فسألته:
-مش فاهمة ! حضرتك تقصد ايه ؟؟
لاحظت”داليا”لمعانا خاطفا في عينيه عندما أجاب قائلا:
-اقصد انك عجباني يا داليا .. و باين كده من تصرفاتك انك بترسمي علي تقيل شوية لكن كله الا الجواز انا هتجوزك اه بس بعقد مش رسمي و طبعا محدش هيعرف .. صحيح انا ماوعدكيش بالجواز الرسمي بس انتي بنت حلوة .. و ممكن تقدري تخليني اغير رأيي.
قال ذلك و هو يتفرس فيها بجرأة ، بينما فاجأها بكلامه بحيث لم تجد وسيلة للتعبير عن غضبها العارم سوي أن ترفع كفها بإتجاه خده الصارم و تصفعه ، و لكن الصفعة لم تحدث ، إذ أنه أمسك يدها و هي في الهواء و أعادها إلي مكانها بحزم قائلا:
-اهدي.
ثم أضاف بحدة بعدما جذبها إليه بقسوة و أطبق ذراعيه عليها:
-خلاص كفاية تمثيل بقي .. كنتي عايزة توصليلي مشاعرك عن طريق الموظفين و اديني عرفت كل حاجة و فعلا لفتي نظري عجبتيني و حطيتك في دماغي ده غير اني بعرض عليكي الجواز هو صحيح مش جواز رسمي بس معملتهاش مع واحدة قبلك خالص عايزة ايه تاني بقي بعد ما نجحت خطتك ؟ ايه غيرتي رايك فجأة ؟ خايفة و لا انتي اصلا متعودة علي الشباب الطايشين و انا راجل ناضج كلمتي واحدة و مبهزرش مش عاجبك !!
نظرت إليه في صدمة فأنفجرت بوجهه و قد نفذ صبرها:
-انا ماليش دعوة بأي كلمة اتقالت عننا هنا في الشركة الناس هما اللي ألفوا القصص من يوم وفاة امي فسروا مساعدتك ليا تفسير غلط .. و بعدين لازم تعرف حاجة مهمة اوي انا مش في نيتي خالص اني اربط اسمي باسمك ببساطة لاننا مستحيل نندمج سوا علي اي حال.
ثم أضافت بإستياء:
-انا كنت بحاول كتير احترمك و ابصلك من زاوية تانية مختلفة علي امل اني الاقي فيك فضيلة او جانب واحد انساني لكن للاسف .. انت فعلا عز الدين نصار اللي بيقولوا عليه .. الراجل القاسي اللي معندوش قلب اللي مابيهتمش لامر حد مش عز الدين نصار اللي رسمته في خيالي و اللي كنت بحترمه فعلا لكن لحد امبارح بس.
كانت عواطفها تتصارع بداخلها ، بينما تقلصت عضلات وجهه بغضب و هو يقول:
-داليا ! كفاية قلتلك شيلي قناع الانفعال و العصبية ده و اتعاملي معايا بنفسك الحقيقية .. قوليلي انتي عايزاه ايه بالظبط هسمعك و هنتفق كل ما قصرتي اسرع كل ما هنقرب لشروط اتفاقنا اسرع.
رمقته في خيبة ثم قالت بإشمئزاز:
-انا مش مصدقة .. انت فعلا مش محترم يافندم.
-و انتي غبية.
هتف بحدة ثم تابع في غضب:
-دي مش نكتة و لا لعبة يا انسة .. اللي بنعمله دلوقتي ده مش هزار و ماتتعشميش في صبري كتير مهما كان طويل مسيره يخلص فأحسنلك تقصري زي ما قلتلك.
هزت رأسها في مرارة غير مصدقة ثم إستدارت مسرعة و إتجهت إلي الخارج مهرولة و دموعها تنهمر بغزارة علي وجنتيها … !
******************************************************************
دقت جرس الباب ليفتح لها بعد لحظات ، وقفت أمامه وجها لوجه ثم نزعت نظارتها الشمسية الكبيرة عن عينيها و رمقته بنظرة ذابلة ، بينما تفاجأ لدي رؤيتها بل إنصدم للحظات ، فتلك ليست”عبير”إطلاقا إنما هي نسخة باهتة عنها ، لقد فقدت رونقها و مرحها و حتي إبتسامتها و لم يبقي منها إلا حطام ،حيث بدت ضعيفة ، واهنة ، قلقة و خائفة ..
لم يكترث كثيرا لوضعها و لما ظهرت عليه ، بل قبض علي رسغها و جذبها إلي الداخل بسرعة مغلقا الباب من خلفها ثم إلتفت إليها و سألها:
-ها يا عبير .. طمنيني .. عملتي ايه ؟؟
مشت إلي أقرب مقعد و ألقت بثقلها عليها في تعب قائلة:
-مش تقولي ازيك الاول و تطمن علي صحتي ؟ و لا انا خلاص مابقتش فارقة معاك !!
-ازيك يا عبير ؟؟
قال بضجر ثم عاد يسألها:
-ها طمنيني بقي .. نقول مبروك ؟؟
رمقته في حدة قائلة:
-نقول مبروك علي ايه ؟؟
أجابها بإبتسامة متوترة:
-نقول مبروك علي الاجهاض يا حبيبتي ! شكلك تعبانة .. اكيد نزلتي الحمل صح ؟؟
حدقت فيه بغضب ثم قالت في جمود:
-لأ.
تجهم وجهه فجأة ثم سألها متهكما:
-نعم ؟ لأ ! .. و لما هو لأ طلبتي تقابليني ليه ؟ عايزة مني ايه ؟ انا مش قلتلك مش هنشوف بعض تاني الا لما تخلصي من القرف اللي في بطنك ده ؟؟
رمقته في إشمئزاز قائلة:
-صح .. انت عندك حق .. هو فعلا قرف عشان جاي منك.
إحتقن وجهه بغضب فقال:
-لمي لسانك يا عبير احسنلك.
هزت رأسها في دهشة ثم أخذت تتساءل:
-انا مش مصدقة اني كنت بحبك ابدا ! انت ازاي قدرت تبقي كده ؟ و ازاي انا ماقدرتش افهمك ؟ ازاي ماقدرتش اتوقع انك ممكن تغدر بيا ؟ ازاي ماعرفتكش علي حقيقتك ؟؟
عند ذلك قبض غلي ذراعها و جذبها إليه حتي أوقفها أمامه ثم صاح بها في وقاحة:
-اديكي عرفتيني ياختي .. و بعدين ماتنسيش انك انتي اللي جريتي ورايا مش كل مرة هفضل افكرك.
-اد ايه انت طلعت ندل و حقير .. بتقولي انا كده ؟ للأسف الغلطة مش غلطتك بس و رحمة ابويا ما هسيبك يا حسام هشردك.
رفع رأسه عاليا و قهقه بقوة ثم عاد ينظر إليها قائلا:
-بأمارة ايه يا بيرو ؟ مين فينا اللي متورط ؟ انا و لا انتي ؟؟
قالت بتحد:
-هقول لأخويا .. هحكيله علي كل حاجة.
إبتسم بسخرية قائلا:
-جربي تعملي كده و هتكتشفي غلطتك فورا ده لو لحقتي تكتشفي اساسا.
لمعت عيناها كالنار و كادت تمطره بكلماتها الغاضبة لكنه قاطعها في سرعة قائلا:
-بقولك ايه .. كفاية كلام لا هيقدم و لا هيأخر و خلينا في المهم .. قدامك فرصة تانية عشان تروحي زي الشاطرة كده لدكتور كويس يعملك العملية و تخلصي بقي و تخلصيني معاكي من الصداع ده و انا عارفك يعني .. مش غاوية تعب و لا بتاعة مشاكل يا بيرو.
-لأ .. مش هنزل البيبي يا حسام.
قالت بعناد فشدد قبضته حول ذراعها حتي إنفلتت صيحة آلم من بين شفاهها ثم صاح بعصبية:
-ماتجننيش يا عبير .. قولتلك انتي هتتزلي الحمل ده لازم تنزليه بالذوق أو بالعافية انا مايتلويش دراعي فاهمة ؟ و زي ما قلتلك قبل كده ماتفتكريش انك تقدري تضغطي عليا بموضوع الحمل عشان اتجوزك.
-تتجوزني ! هو انت فاكر اني لسا عايزاك تتجوزني ؟ لا يا بابا انسي خلاص انت ظهرت علي حقيقتك و بعدين الطفل اللي في بطني ده لو ربنا قدرله انه يتولد هيكون اكبر ظلم ليه انك ابوه .. انه يتنسب ليك دي كارثة في حد ذاتها.
-يسلام ياختي ! دلوقتي مابقتش عاجبك ؟ ماشي مش مشكلة خالص انا مش زعلان منك بالعكس .. انا موافقك في الرأي جدا فعلا انا انسان ندل و حقير و جبان عشان كده اخلصي مني بكرامتك بقي و اسمعي الكلام و روحي نزلي العيل اللي في بطنك ده احسنلك.
قطبت حاجبيها بوهن قائلة:
-انت ايه ! معندكش دم ؟ مابتحسش ؟ ده انا ممكن اموت فيها !!
-تؤتؤتؤ .. لأ .. لأ يا عببر ماتقوليش كده .. ان شاء الله مافيش حاجة وحشة هتحصلك الموضوع كله علي بعضه هيخلص في كام ساعة .. ماتخافيش يا حبيبتي.
-اخرس !
هتفت بحدة مشمئزة ثم أضافت:
-ماتقوليش يا حبيبتي .. حبيتك جهنم.
-ماشي يا بيرو .. مقبولة منك.
قال ذلك ثم أمسك بذقنها فدفعت يده عنها بقوة بينما رمقها بسخرية … !
******************************************************************
مستلقية علي فراشها ، الصمت مخيم علي الغرفة من حولها ، كانت منهكة جسدها يؤلمها بشكل كبير ، و لكن الألم الداخلي الذي شعرت به كان أقوي و أشد و أكثر صعوبة علي التحمل ..
تنهدت بثقل و تمنت للمرة العاشرة مجددا لو أنها لم تتقدم إلي تلك الوظيفة حيث من خلالها قابلت مارد جبار أوقعها بحبه دون إرادتها ، هزت رأسها في ندم و غضب بالغين لأنها و برغم كل ما فعله بها بدأت تشتاقه ، و تمنت فجأة لو كانت قربه الأن !
ذلك الرجل الذي دغدغ مشاعرها بإسلوب لم يسبق له مثيل ، و الذي إثار غيظها أحيانا عندما كان يعاملها و كأنها فتاة صغيرة ثم يعاملها كأمرأة ناضجة يريدها إلي حد كبير !
و لكنها تفضل الإحتراق بنيران البعد عنه عوضا عن السكون بالجنة بين ذراعيه في وضع يجرح كرامتها و يقلل من شأنها و إحترامها لنفسها ..
إبتسمت فجأة بشيء من السعادة لتفكيرها في أن رجلا قويا مثل”عز الدين نصار”يريدها إلي هذه الدرجة ، فلو كانت فتاة غيرها رفضته بهذه القوة لكان رمقها بسخريته الهازئة و إدار لها ظهره و رحل ، لكنه بدا مصمم و راغب بها بشدة .. إختفت إبتسامتها بصورة تدريجية عندما تذكرت كلامه الجارح و طلبه المهين ثم شعرت بقهر و خيبة قاتلة ، خيبة لا تفهم الفتاة معاناها الحقيقي إلا عندما تلتقي رجلا يعني لها كل شيء في حياتها و يخذلها ، رجلا مثل”عز الدين”الذي و برغم قسوته تجد في لمساته و كلماته سحرا و جاذبية لم تجدهما أبدا في أي رجل أخر …
تألمت ، و بكت ، و نامت .. لتستيقظ بعد قليل علي صوت شقيقتها الهادئ:
-داليا .. داليا .. قومي يا حبيبتي الغدا جاهز.
فتحت عينيها ببطء و تنهدت بعمق ثم رفعت يدها و راحت تفرك عنقها عندما شعرت بوخز خفيف يسري بوريدها ، ثم نظرت إلي شقيقتها قائلة:
-في ايه يا ياسمين ؟ عايزة ايه ؟؟
-يلا يا دودو قومي عشان نتغدا سوا.
قالت”ياسمين”بلطف بينما تجاهلت”داليا”كلامها و سألتها واجمة:
-الراجل الزفت ده صاحب العمارة ماتكلمش تاني ؟؟
زمت”ياسمين”شفتيها قائلة:
-لأ ياستي ماتكلمش .. المهم سيبك منه دلوقتي و قومي يلا عشان نتغدا.
-مش عايزة .. ماليش نفس يا ياسمين كلي انتي بالهنا و الشفا.
-كده ماينفعش يا داليا .. بتعاقبي نفسك ليه دلوقتي ؟ احنا هنعمل اللي علينا و اللي عايزه ربنا هيكون.
-ازاي يعني بتقوليلي كده ؟؟
هتفت”دالبا”بعصبية ثم تابعت:
-هيعجبك يعني وضعنا لما نتطرد برا بيتنا ؟ هتتبسطي لما نترمي في شارع ؟ ماسألتيش نفسك هنروح فين ؟ هنعيش ازاي ؟ و كليتك يا دكتورة ! مافكرتيش في كل ده ياسمين ؟؟
أجابت”ياسمين”منفعلة:
-فكرت .. فكرت يا داليا .. بس هنعمل ايه يعني ؟ ايه في ايدينا ممكن نعمله ؟ مش معانا فلوس كفاية عشان نشتري البيت .. قولي في حالة خروجنا من البيت ممكن بمرتبك نسكن في اي فندق رخيص او نأجر شقة بسعر رخيص بردو و بمرتبي اللي بقبضه من المستشفي هنقدر نعيش عشان كده انا بهون عليكي و بعرفك اننا مش هنتبهدل ان شاء الله.
نظرت”داليا”إلي شقيقتها متخاذلة ثم قالت في تهكم مرير:
-مرتبي ! .. صحيح ما انا نسيت اقولك اني سيبت الشغل.
-سيبتي الشغل !!
هتفت”ياسمين”في صدمة ثم سألتها:
-ليه ؟ ليه يا داليا ؟؟
حجبت”داليا”وجهها بكلتا يديها ثم صمتت مترددة و عندما رتبت الكلمات في ذهنها جيدا عادت تنظر إلي شقيقتها و قصت عليها كل ما حدث ، أطلعتها علي كافة التفاصيل ، و عند بعض الأجزاء كاد صوتها يختنق ألما و قهرا … :
-ابن الـ …
هتفت”ياسمين”بلا وعي فبسرعة قاطعتها”داليا”في حدة قائلة:
-ياسمين ! اوعي .. اوعي تنطقي كلمة وحشة عليه.
-مستحيل ! انتي بتدافعي عنه ؟ لسا بردو بعد اللي حصل منه ؟ انتي ايه يا داليا ؟؟
أجابت”داليا”في هدوء:
-انا استقلت خلاص يا ياسمين .. بعدت عن طريقه نهائي مش هشوفه تاني خلاص .. فمش عايزة افتكره بحاجة وحشة.
تحدثت”ياسمين”بعنف من بين أسنانها:
-اه لو كنت معاكي .. اه لو اشوف الحيوان ده .. هو فاكرك ايه ؟ و ربنا لو الموقف ده كان حصل في وجودي كنت فرجت عليه الدنيا.
-خلاص بقي يا ياسمين قلتلك الموضوع انتهي.
-انا اللي غايظني بس انك سكتيله ده كان محتاج قلمين كده يفوقوه عشان بعدين يبقي يعرف يميز الصالح من الطالح.
– قلتلك خلاص بقي.
هتفت”داليا”بنفاذ صبر ثم تركت شقيقتها و إتجهت إلي الشرفة في عصبية … !
********************************************************************
عادت إلي منزلها و الألم يعتصر قلبها ، ستواجه الكثير من المصاعب بعد الأن ، و لكنها مضطرة لتحملها عليها تحمل مسؤولية أخطاءها و تصرفاتها الطائشة التي أدت بها إلي طريق الظلمات الوعر ..
تأملت القصر قبل دخولها إليه ، فلم تجده جميلا كما إعتادت عيناها علي رؤيته ، بل أن كل شيء و كل مكان بات في نظرها كسجن كبير ، و منزلها أيضا أصبح السجن الأكبر يجب أن تمضي فيه فترة عصيبة و أليمة حتي ينتهي الكابوس .. أو قد لا ينتهي أبدا !
ترقرقت الدموع في عينيها لكنها سارعت لإستعادة رباطة جأشها سريعا ، ثم ذهبت علي الفور إلي إحدي زوايا حديقة القصر حيث آشعة الشمس تضفي جمالا غير عادي للمكان من حولها ، أرادت الإنفراد بنفسها و الإبتعاد عن الأخرين ، و لكن أمنيتها لم تتحقق ، إذ كان”عز الدين”و”خالد”يجلسان إلي طاولة خشبية صغيرة يحتسيان القهوة و يأكلان الحلوي ، لم يكن لديها مجال للتراجع لأن”خالد”ما أن شاهدها إبتسم تلقائيا ثم وقف إليها محبة و إحتراما طالبا منها الإنضمام إليهما ..
إبتسمت”عبير”في إرتباك ثم تقدمت صوبهما بخطي مضطربة حتي وصلت إليهما ، فقال”خالد”بسرور فيما كان يساعدها علي الجلوس بمقعد بجواره:
-بيرو .. وحشتيني يا حبيبتي .. بقالي كام يوم ماشفتكيش.
إبتسمت له و كأنها مشتاقة فعلا لرؤيته ثم قالت:
-اصلي مشغولة يا خالد .. امتحاناتي قربت فبذاكر بقي.
ثم نظرت بسرعة إلي أخيها الذي كان يتابعهما في صمت دون أن تتتغير ملامحه القوية أو تتبدل ، كان بجلس بهيبة و عنفوان و بدا قويا عندما سألها فجأة:
-كنتي فين يا عبير ؟؟
إبتلعت ريقها بتوتر ثم أجابت بنبرة جاهدة في أن تبدو عادية:
-كنت في الجامعة يا عز بسأل علي مواعيد المراجعات و كنت بشوف يعني لو كان في اي جديد.
أومأ رأسه في هدوء بينما سألها”خالد”بنبرة قلقة:
-بس انتي مالك يا عبير ؟ شكلك بقي عامل كده ليه ؟ انتي تعبانة و لا حاجة ؟؟
إرتعش بدنها لدي سماعها ملاحظته التي لسعتها كالسوط فأغمضت عيناها لبرهة كي تستعيد قوتها ثم نظرت إليه باسمة و قالت:
-لأ يا خالد مش تعبانة و لا حاجة .. انا بس مرهقة شوية بسبب التفكير في الامتحانات و المذاكرة انت عارف انها اخر سنة ليا و لازم اجتهد فيها علي اد ما اقدر.
مرر”خالد”أصابعه علي ذراعها بحنان قائلا:
-لأ يا حبيبتي لازم تاخدي بالك علي صحتك ماتجهديش نفسك في اي حاجة بالطريقة اللي توصلك للحالة دي.
-كيس جوافة قاعد في وسطكوا انا ؟؟
قال”عز الدين”ذلك بلهجة صارمة بينما قهقه”خالد”في مرح قائلا:
-ايه يا عم خطيبتي و بحبها .. و بعدين احنا عملنا ايه يعني ؟ ما انت شايف اهو تصرفات عادية جدا في منتهي البراءة.
-خالد !
هتف”عز الدين”في حدة فقال”خالد”ضاحكا:
-خلاص خلاص .. هسمع كلامك دلوقتي بس عشان لسا حبيبتي في بيتك لكن لما تيجي في بيتي بقي مش هتقدر تنطق بحرف لا معايا و لا معها.
ثم حول نظره إلي”عبير”و سألها بنعومة:
-مش كده يا حبيبتي ؟؟
بينما شهقت”عبير”بصوت خافت و هي تحدق بذلك الشخص الذي كان يقف خلف أخيها مباشرة ، فيما صوب”خالد”نظره تلقائيا إلي حيث تنظر”عبير”فإتسعت عيناه في دهشة و خوف ثم أخذ ينقل نظراته بين الشخص الواقف أمامه و بين”عز الدين”الذي تطلع إلي”خالد”و”عبير”في تساؤل يطالبهما بالتحدث ، فلما طال الصمت قطعه بصوته العميق قائلا:
-ايه .. مالكوا في ايه ؟؟
لم يلقي إجابة من أيا منهما ، فقط لاحظ نظراتهما المصوبة علي شيئا ما خلفه ، فبسرعة إنتصب واقفا بقامته الطويلة القوية ثم إستدار ليتفاجأ برؤية أخيه ، نظر إليه بعينين فولاذيتين غاضبتين ثم صاح به و الشرر يتطاير من عينيه المتسعتين حنقا و عداء:
– و كمان ليك عين توريني وشك ! ايه اللي جابك ؟ رجعت ليه أ …
قاطعه”عمر”بقوة بحركة من يده ثم تنفس بعمق و قال:
-اسمع يا عز .. انا جاي اقولك اني غلطان و اسف و منغير ما ندخل في تفاصيل هقولك باختصار .. الست اللي اسمها كاميليا فهمي دي من انهاردة مش امي و كرهي ليها بقي اد كرهك بالظبط و يمكن اكتر .. انا قطعت صلتي بيها نهائي و رجعتلك رجعت لبيتي .. لبيت ابويا و خليك متأكد اني حتي لو شفتها بعد كده و لو صدفة هكمل في طريقي عادي و لا كأني اعرفها.
إستقبل”عز الدين”كلام أخيه في هدوء ثم سأله ساخرا:
-و ايه يا تري اللي غير رايك كده ؟ ايه اللي حصل ؟؟
– قلتلك مش عايز ادخل في تفاصيل .. تسمحلي ادخل البيت ؟؟
صمت”عز الدين”و ظل ينظر إليه فقط فقال”عمر”:
-عن اذنك.
ثم مضي في سبيله إلي داخل المنزل تتابعه نظرات أخيه إلي أن غاب عن نظره تماما ..
بينما لحقت”عبير”بشقيقها قائلة:
-طيب عن اذنكوا.
تنهد”عز الدين”بعمق و هو يتساءل في نفسه عن سر تغير شقيقه:
-عارف انت بتفكر في ايه .. بتسأل نفسك ايه اللي حصل مش كده ؟؟
أفاق من شروده علي صوت”خالد”فإلتفت إليه في هدوء ثم قال و هو يجلس قبالته مجددا:
-بصراحة اه .. بس في نفس الوقت قرفان من التفكير في الموضوع عشان كده هنسي خالص و كويس انه رجع ايا كان السبب انا اكيد مبسوط من قراره و من كلامه اللي سمعته منه.
-و انت متاكد من كلامه يا عز ؟ ده انت اكبر شكاك في الدنيا ! صدقته بسهولة ؟؟
– اه.
أجاب بقوة ثم تابع في ثقة:
-مصدقه .. النظرة إللي شفتها في عينيه مألوفة ليا جدا .. شفت جواه غضب و ندم شفت كسرة في عينه عمري ما شفتها فيه قبل كده .. بالنسبة لي يا خالد عمر خلاص كبر .. بقي راجل من انهاردة.
-بس كده مش كويس يا عز .. ماتزرعش فيه العقد اللي فيك مع احترامي يعني .. بالطريقة دي حياتكوا انتوا الاتنين هتقف و الامبراطورية اللي حواليك دي كلها اللي بناها ابوك في سنين و اللي ورثتها انت من بعده و كنت حريص عليها هتتهد بدل ما تلاقي اللي يكبرها اكتر و اكتر.
-محدش عارف بكرة فيه ايه يا خالد.
أجاب”عز الدين”ببساطة فأبتسم”خالد”بخفة ثم صاح فجأة:
-صحيح يا عز كنت عايزك في موضوع.
-خير موضوع ايه ؟؟
سأله”عز الدين”بإصغاء بالغ فأجابه:
-انا شايف ان عبير بقالها فترة احوالها مش مظبوطة.
-مش فاهم قصدك ايه ؟؟
-قصدي انها ممكن تكون مكتئبة مثلا .. انت مش شايف منظرها بقي عامل ازاي ! مش هي دي عبير حتي طريقة لبسها اتغيرت حاسس انها عايشة حالة مش مظبوطة حاسس انها مخنوقة.
همهم”عز الدين”موافقا ثم قال:
-انا بردو حاسس بكده .. و حاولت اتكلم معاها يمكن تحكيلي اي حاجة او تطلع اللي جواها بس كل ما كنت بسألها كانت بتقولي ظروف الامتحانات و المذاكرة.
-طيب انا مش حابب اشوفها في الحالة دي يا عز.
-يعني ايه ؟ عايز تقول ايه يعني ؟؟
-عايز اقول ايه رايك لو نقدم ميعاد الفرح ؟ هي هتخلص امتحانات اخر الشهر ايه رايك لو نعمل الفرح اول الشهر الجاي ؟؟
-اول الشهر ! هتاخدها من الدار للنار كده علطول دي لسا هتكون يدوب خارحة من الامتحانات و من ضغط كبير.
– طيب في نص الشهر يا عز !
صمت”عز الدين” لبرهة و كأنه يفكر بالأمر ثم رمقه بنظرة ثاقبة و قال:
-ماشي .. موافق .. بس ماتجبلهاش سيرة دلوقتي استني قرب ما تخلص امتحاناتها.
إكتسي وجه” خالد” بفرحة عارمة ثم أومأ رأسه قائلا:
-حاضر يا سيدي .. مش هقولها دلوقتي.
********************************************************************
مرت الأيام القليلة التالية بصورة شبه عادية ، حتي جاء يوم إخلاء منزل”داليا” ..
بعدما حزمت جميع الأمتعة و الأغراض وقفت إلي جانب شقيقتها تتأمل معها كل ركن بالمنزل ، متذكرة كل لحظة مضت بحياتها و كأن شريط ذكرياتها يمر في ومضات سريعة أمام عينيها ..
ربتت”ياسمين”علي كتف شقيقتها بحنان فيما إبتسمت”داليا”بمرارة مع سقوط دمعة حارة من عينها علي وجنتها ، بينما دوي صوت جرس المنزل عاليا فكفكفت”داليا”دموعها بسرعة ثم ذهبت و فتحت باب المنزل
إتسعت عيناها في ذهول بالغ عندما …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حتى اقتل بسمة تمردك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى