روايات

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الثالث عشر 13 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الجزء الثالث عشر

رواية حتى اقتل بسمة تمردك البارت الثالث عشر

حتى اقتل بسمة تمردك
حتى اقتل بسمة تمردك

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الحلقة الثالثة عشر

إتسعت عيناها في ذعر حين إقترب ذلك الجسد الضخم أكثر فأكثر حتي سطع ضؤ مصباح الرواق الخارجي علي وجهه الفظ الذي علته إبتسامة مفزعة ، فلا شعوريا أطلقت”داليا”صرخة عالية قفزت”ياسمين”علي أثرها من فراشها مذعورة ثم أشعلت الأنوار و هي تصيح:
-في ايه يا داليا مالك أ …
و لكنها ما لبثت أن تكمل جملتها حتي رأت ذاك البدين”فتحي”يقف في برودة و وقاحة علي بعد خطوات قليلة من فراش شقيقتها و قد أطلقت عيناه شرارة خبيثة:
-انت بتعمل ايه هنا يا عم انت ؟؟
سألته”ياسمين”في عنف غاضب و هي تنهض واقفة لمواجهته بينما إبتسم بخبث و أجابها:
-ايه يا حلوة مالك ؟ اهدي كده انا بس حبيت اجي اطمن عليكوا قلت يمكن تحتاجوا حاجة يعني.
-شكرا لكرم اخلاق حضرتك احنا مش محتاجين حاجة.
أجابته مستهجنة ثم تابعت:
-و لو محتاجين دي هتبقي مشكلتنا احنا و مش هنطلب تدخل حضرتك و لا تدخل اي حد تاني.
عند ذلك إنتقلت”داليا”بسرعة البرق من فراشها إلي جانب شقيقتها حيث إلتصقت بها في وجل ، بينما تبدلت ملامح الرجل و هو يتمعن جسد”داليا”البض من خلال رداء نومها الرقيق ، فأضأت وجهه إبتسامة شريرة ثم قال و هو لا يزال بتأمل قوامها المتناسق:
-طيب انا عملت اللي عليا و جيت اشوفكوا لو كنتوا محتاجين حاجة.
جابهته”ياسمين”في حدة قائلة:
-كتر خيرك يا سيدي قولنا مش محتاجين حاجة يلا بقي اتكل من هنا.
إبتسم”فتحي”ثم إسترسل في خبث:
-طيب مش الاصول بردو تشوفوني انا محتاج ايه ؟؟
إنطلق الشرر من عيني”ياسمين”و هي تصيح بغضب:
-نعم ! تقصد ايه يا راجل انت ؟؟
خنق قهقهته الشريرة بقوله:
-اظن الموضوع مش محتاج شرح يعني يا قمر ! ايه اللي ممكن يحتاجه راجل زيي في ساعة زي دي ؟؟
رمقته”ياسمين”في حدة سافرة ثم صاحت ملء صوتها:
-اما انك راجل زبالة و قليل الادب.
-ال ال ال طب ليه الغلط ده بس ؟؟
-غلط ؟ هو انت لسا شفت غلط ! ده الغلط جاي.
-لا ان شاء الله مش هيكون في غلط و لا حاجة احنا بس نتفاهم براحة و كله هيبقي تمام.
قال ذلك بلهجة مثيرة للإشمئزاز ثم أخذ يقترب منهن في بطء ، فقفزت”داليا”هي و شقيقتها فوق الفراش فبما صاحت”ياسمين”محذرة:
-خليك عندك يا راجل انت عارف لو قربت …
-هتعملي ايه يعني يا حلوة ؟؟
قاطعها بفظاظة ثم تابع:
-لو صرختي عادي خدي راحتك الناس هنا متعودين علي الاصوات دي.
إتسعت عيناها حنقا و ذهول ثم إندفعت بغضب قائلة:
-تصدق بالله شكلي هديك حاجة كنت بستحرم اديها للعيانين بتوعي.
قهقه”فتحي”بقوة ثم صفق بيديه بوقاحة قائلا:
-اموت انا في الحرام.
-و الله ! ماشي يبقي انت اللي جبته لنفسك بقي.
قالت ذلك مطلقة أخر سهم بجعبتها ، ثم توجهت بسرعة قصوي نحو حقيبتها الطبية و أخرجت منها حقنة حديدية ، ثم إلتفتت إليه و هي تلوح بها أمام وجهه فضحك بسخرية قائلا:
-بتهدديني بحقنة يا حلوة ؟ انا بقول ارميها من ايدك احسن ملهاش لازمة و تعالي نتفاهم زي ما قلتلك.
قال ذلك و هو يهم بالإقتراب منها إلا أن ركلة”داليا”كانت مؤثرة حيث إستدار إليها موجها ظهره إلي”ياسمين”التي ركضت صوبه مسرعة ثم غرزت الحقنة بأسفل قدمه ، فأطلق صيحة ألم حادة و ما هي إلا ثوان حتي كان طريح الأرض جسده يتنفض بتشنجات قوية ، نظرت”داليا”إلي شقيقتها في ذعر قائلة:
-ياسمين .. انتي عملتيله ايه ؟ ادتيه ايه ؟؟
-متخافيش يا داليا .. دي حاجة بسيطة كده.
أجابتها”ياسمين”و هي ترمق المدعو”فتحي”شزرا و إزدراء بينما ألحت”داليا”في توتر متسائلة:
-بردو قوليلي ادتيه ايه ؟؟
حولت”ياسمين”نظرها إلي شقيقتها ثم تنهدت قائلة:
-اديته حقنة بتشنج عضلات الجسم زي ما انتي شايفة كده .. كنا بنضطر نستعملها احيانا و احنا بنتدرب في مصحات الادمان و العلاج النفسي عشان نقدر نسيطر علي المريض و دلوقتي بردو اضطريت اديهاله عشان اوصله للحالة دي و كان حظه حلو و الله الحقنة كانت متعمرة علي اخرها.
-بس ده كده ممكن يموت يا ياسمين ؟؟
-لا ماتقلقيش .. كلها كام ساعة و هيقوم الهي ما يقوم الحيوان.
-طب هنعمل ايه دلوقتي ؟؟
-هنلم حاجتنا و هنسيب المكان ده بسرعة طبعا.
-و هنروح فين دلوقتي ؟ انتي عارفة الساعة كام ؟؟
-يعني لو قعدنا هنا هنبقي محمين مثلا ؟!
قالت”ياسمين”متهكمة فقطبت”داليا”حاجبيها بوهن قائلة:
-طب بس هنروح فين يا ياسمين ؟ هنروخ فين ؟؟
و خذلتها دموعها فأخذت تبكي بمرارة ، بينما أسرعت”ياسمين”و إحتضنت أيدي شقيقتها في حنان قائلة:
-ايه يا داليا بتعيطي ليه بس ؟ ماتعيطيش مش المفروض انتي اللي تعيطي ده انتي الكبيرة يعني .. و بعدين انا معاكي متخافيش.
إستطاعت”داليا”بصعوبة أن تكف عن البكاء ، فرفعت وجهها الغارق بدموعها ثم سألتها بهدوء:
-طب هنروح فين ؟؟
زاغت”ياسمين”ببصرها تفكر ثم صاحت بعد ثوان:
-المستشفي .. مافيش قدامنا مكان تاني نبات فيه لحد الصبح غير المستشفي.
-المستشفي !!
هتفت”داليا”مستغربة ثم تابعت سؤالها:
-و حاجة زي دي مسموح بيها يا ياسمين ؟؟
ضكت”ياسمين”بخفة ثم أحابتها ممازحة:
-جري ايه يا دودو انتي فاكراني قليلة هناك ؟ دول يتمنوا اني اعيش معاهم مش ابات ليلة.
حامت علي ثغر”داليا”إبتسامة شاحبة بينما قالت”ياسمين”:
-المهم دلوقتي يلا نلم حاجتنا بسرعة عشان نلحق نمشي قبل ما الحيوان ده يفوق.
أومأت”داليا”رأسها ثم أسرعت و أرتدت ملابسها ثم راحت تجمع حوائجها و كذلك فعلت”ياسمين”حتي إنتهيا في زمن قصير ، فغادرا المسكن الرديء معا في روية و هدوء ..
كان القمر شاحبا باعثا آشعة باهتة واهنة ، فيما ترامي الفضاء الشاسع المرصع بالنجوم فوق الشقيقتين صافيا تمتزج في رحابه ألوان إلهية مبهمة ، ألوان الليل الذهبية المشتعلة ، في حين خيم هدوء شامل يخبئ في طياته حشرجة أغصان الأشجار و خفيف أوراقها و أسرار الليل الوليد ..
تابعت الشقيقتين سيرهن و الخوف و القلق يستبدان بهن حتي وصلا أخيرا إلي المشفي ، أسرعت”ياسمين”إلي الداخل تتبعها”داليا”بخطي حزينة واجمة .. :
-دكتورة ياسمين !!
إلتفتت”ياسمين”خلفها مسرعة ما أن سمعت أسمها ، فأشرق وجهها بإبتسامة ودودة ثم إقتربت من محدثها قائلة:
-دكتور ايمن .. مساء الخير لأ اسفة اقصد صباح الخبر بما اننا بقينا الفجر.
ساد صمت غريب كان يتأملها”أيمن”خلاله مستغربا ثم أخيرا نطق فقال:
-انتي ايه اللي جابك المستشفي في وقت زي ده ؟ حد طلبك و لا ايه ؟؟
إبتسمت”ياسمين”بخفة ثم أحابته:
-لأ محدش طلبني يا دكتور .. هو بس في مشكلة حصلتلي انا و اختي داليا.
ثم أشارت نحو شقيقتها التي كانت تقف شاردة في حزن علي بعد خطوات منهم ثم تابعت:
-احنا دلوقتي سيبين البيت و للاسف مافيش عندنا اي مكان تاني نقعد فيه و بعد ما سيبنا الفندق اللي كنا قاعدين فيه من شوية فكرت مع نفسي قلت مافيش قدامي غير المستشفي بس ان شاء الله هنمشي الصبح مش مطولين يعني.
علت وجه”أيمن”علامات الدهشة و الحيرة فسألها بإلحاح:
-خير يا ياسمين ؟ قوليلي ايه اللي حصل بالظبط ؟؟
رمقته”ياسمين”في تردد ، إن طبيعتها قوية منذ نعونة أظافرها و تعرف كيف تضع حدا لتمادي بعض الرجال من دون أن تجرح مشاعرهم و إذا زاد التمادي فلا بأس من جرح المشاعر و لكن”أيمن”ليس ككل الرجال إنها تعتبره من أعز أصدقائها لذا تنهدت بعمق ثم راحت تطلعه علي كافة التفاصيل حتي إنتهت فسألها بإهتمام:
-طب و هتعملوا ايه دلوقتي ؟؟
هزت كتفيها قائلة:
-و لا حاجة .. هنقعد هنا لحد الصبح زي ما قلتلك و بعدين هنمشي.
-هتروحوا فين يعني ؟؟
-هندور علي اي مكان نعيش فيه بقي فندق شقة بالإيجار اي حاجة.
إزدادت ملامح”أيمن تجهما فقال بإعتراض:
-بس ماينفعش تقعدي انتي و اختك هنا في المستشفي يا ياسمين و كمان بعد ما حكيتيلي اللي حصل معاكوا في الفندق الزبالة ده مش لازم تكرري الغلطة تاني و تروحي برجلك لمكان شبهه.
-طب هنروح فين دلوقتي بس ؟؟
-هتيجوا عندي.
-نعم !!
تجهمت ملامحها بلحظة فسارع”أيمن”إلي التحدث فقال في إرتباك:
-اقصد هتيجوا تقعدوا في بيتي مع امي و انا مش هكون موجود ماتقلقيش هروح ابات عند واحد صاحبي عايش لوحدة.
عارضت”ياسمين”بقوة قائلة:
-لأ لأ يا دكتور ايمن .. كتر خيرك طبعا و شكرا انك عايز تساعدنا بس مش لـ …
-انا مش ممكن اسيبكوا تقعدوا هنا في المستشفي يا ياسمين.
قاطعها بحزم ثم تابع:
-انا هكلم امي تنزل بنفسها عشان تستقبلكوا قدام باب البيت و بعدها همشي علطول.
-انت بتقول ايه بس يا دكتور ايمن انا مش قصدي.
قالت”ياسمين”بإحراج ثم تابعت:
-انا عارفاك كويس و من زمان و اكيد بثق في اخلاقك.
-يبقي خلاص لازم تسمعي كلامي.
نظرت إليه في تردد بينما عبس قائلا:
-ماهو انا مستحيل اسيبك هنا لوحدك .. قصدي مستحيل اسيبك هنا انتي و اختك لوحدكوا.
إبتسمت”ياسمين”بخجل و بساطة فبادلها”أيمن”إبتسامة دافئة … !
*********************************************************************
في صباح اليوم التالي ، كان يجلس بحجرة الطعام ، يترأس المائدة ، كم إشتاق لأن يجتمع بإشقائه و لو لفطرة وجيزة أثناء الفطور ، إنتظر كثيرا و لم يأتي أحد ، فشعر بالملل و هتف بإسم إحدي الخادمات فأتت”فاطمة”مهرولة:
-امرك يا بيه ؟؟
أجابته بإحترام فأمرها في لطف حازم:
-اطلعي يا فاطمة شوفيلي عمر و عبير لو كانوا نايمين صحيهم و قوليلهم اني مستنيهم هنا عشان نفطر سوا.
-انا هطلع اشوف الست عبير حاضر بس عمر بيه طلب فطاره في اوضته من شوية .
أومأ”عز الدين”رأسه ببطء ثم تنهد قائلا:
-طب شيلي الاكل ده من هنا.
ثم نهض و صعد إلي حجرة شقيقه ، طرق الباب ثم دلف حين أتاه صوت أخيه سامحا لمن يطرق بالدخول ..
كان ممدا علي فراشه مغمض عينيه في إسترخاء عندما سمع صوت شقيقه العميق:
-صباح الخير يا استاذ.
فتح عيناه في سرعة ثم حدق بوجه أخيه الذي جلس إلي جانبه علي حافة الفراش ، بينما إستوي في جلسته قائلا:
-صباح الخير يا عز.
حملق”عز الدين”بوجهه لبرهة ثم قال:
-ايه .. من ساعة ما رجعت و انت قاعد في اوضتك و قافل علي نفسك بتفطر و بتتغدا و بتتعشا هنا لوحدك .. ليه ؟ انت زعلان من حد هنا في البيت و لا حاجة ؟؟
منحه”عمر”إبتسامة باهتة لم تصل إلي عينيه ثم أجاب:
-لا ابدا مش زعلان من حد.
-اومال مش بشوفك ليه ؟؟
-عادي يا عز .. بكون قاعد مع نفسي زي العادة.
ثم سأله:
-بس من امتي يعني بتهتم بتفاصيلي كده ؟؟
صمت”عز الدين”قليلا ثم ضحك ملء فمه في سخرية قائلا:
-ده علي اساس ان حد غيري كان بيهتم بيك اساسا طول السنين اللي فاتت دي كلها !!
-مش قصدي يا عز .. انا بس مش متعود علي اهتمامك الزايد ده.
أومأ”عز الدين”رأسه بتفهم ثم جال بنظره علي شقيقه و سأله:
-قولي رجلك بقت عاملة ايه دلوقتي ؟؟
وضع”عمر”يده في تلقائية علي ساقه ثم أجاب:
-خفت الحمدلله.
-المستشفي اللي كنت قاعد فيها كانت كويسة ؟؟
-اه.
كان يجيب”عمر”علي الأسئلة في إيجاز و هو مطرق الرأس ، فقد كان يتحاشي النظر بعيني أخيه الثاقبتين ، بينما هتف”عز الدين”بعد صمت:
-مش تباركلي ؟؟
-اباركلك علي ايه ؟؟
سأله”عمر”و هو لا يزال علي وضعيته ، فإبتسم”عز الدين”ثم أعلن بعد صمت:
-انا هتجوز.
عند ذلك رفع”عمر”رأسه في سرعة و راح يحدق بأخيه في صدمة و ذهول بالغين حتي تمكن بعد لحظات من التحدث فسأله:
-انت قلت انك هتتجوز ؟؟
أومأ”عز الدين”رأسه في هدوء فرمقه”عمر”بشك قائلا:
-عز الدين ! انت بتتكلم جد و لا بتهزر ؟؟
-هو في حد بيهزر في الامور اللي زي دي ؟؟
هز”عمر”رأسه غير مصدق ثم سأله:
-و تبقي مين اللي هتتجوزها ؟؟
تمهل”عز الدين”قليلا ثم أجابه:
-داليا.
-داليا !!
هتف”عمر”مقطبا جبينه ثم طرف يفكر من تكون”داليا” ؟ .. إنتفض فجأة ثم عاد ينظر إلي شقيقه بقوة و سأله:
-انت قصدك داليا ؟ داليا السكيرتيرة بتاعتك ؟؟
إبتسم”عز الدين”متلذذا بدهشة أخيه ، بينما تصاعد رنين هاتقهه فأخرجه من حيب سترته و أجاب:
-الو .. كل ده مستنيك عشان تجبلي الاخبار ؟ .. اه .. و بعدين ؟ .. مشيت وراهم امبارح لما سابوا البيت ؟ .. و راحوا فين ؟ .. بانسيون ؟ .. ماله ؟ .. بتقول ايه ؟؟ … !
******************************************************************
إستيقظت”داليا” قلقة نحو منتصف النهار ، سمحت لنفسها بعشر دقائق من الترف تقضيها تفكر مستلقية علي الفراش البسيط ، تذكرت تعب الليلة الماضية و زوالها ، فلولا إقتراح”أيمن”زميل”ياسمين”بالمشفي و إصراره علي جلبهن إلي منزله ليقضيا ليلتهن تحت سقف آمن لكان توقف عقلها من كثرة التفكير بمصيرها هي و شقيقتها ، و لألاف المرات و بدون إرادة منها تراقصت صورة”عز الدين”بذهنها ..
إسترسلت بالتفكير فيه ، إنها تحبه و لا يمكن أن تنكر ذلك ، و لكن فكرة الزواج منه تثير الخوف و القلق بنفسها ، صحيح أن العيش بجواره هو حلمها الوحيد الذي تتمني بكل جوارحها أن يتحقق و لكن ماذا لو تحول ذلك الحلم إلي كابوس حين تراه يطردها ذات يوم من حياته شر طرده بعد حصوله علي هدفه المنشود الذي يتوق إلي تحقيقه بأي شكل ، فكرت يجوز أن إصراره هذا مبني علي العناد فهو حتما لا يستطيع تقبل فكرة أن هناك إمرأة رفضته و بهذه القوة !
ثم فجأة تذكرت جملته التي أشغلت تفكيرها”هتتجوزيني يا داليا .. للأسف ماعندكيش اختيار تاني” .. تري ماذا كان يقصد ؟ كرهته وقتها قليلا بسبب قسوته و في الوقت نفسه عجزت عن نفي الصخة بكلامه ، لقد نجح ربما في تبديد شيء من حيرتها الذهنية لكن ذلك لم يخفف قلقها حياله ..
تململت بالفراش في ضيق و إتسعت عيناها و هي تنظر حولها إلي الغرفة البسيطة ، بحثت عن شقيقتها بالفراش المجاور فلم تجدها ، إستنتجت أنها ربما ذهبت إلي الجامعة ، عند ذلك إنتصبت نصف جالسة تتلفت يمينا و يسارا باحثة عن هاتفهها ، ثم فجأة تذكرت أين تركته ، شهقت بهلع و تساءلت ..ماذا الأن ؟ عليها إسترجاع الهاتف طبعا ، هكذا أجابت نفسها ، و لكن كيف ؟ .. لم تجد إجابة علي هذا السؤال سوي أنها سوف تغامر و تذهب لإعادته ، و طمئنت نفسها بإن ذهابها الأن في وضح النهار بين الناس و الجموع سيكون آمن و بالتالي لن يجرؤ ذاك البدين علي النيل منها ..
بعد أن توصلت إلي تلك الفكرة نهضت من الفراش بسرعة ثم إرتدت ملابسها متعجلة و خرجت من الغرفة ، لتصطدم بسيدة المنزل و هي تجتاز الرواق الصغير:
-صباح الخير يابنتي.
حيتها السيدة المسنة ببشاشة فمنحتها”داليا”إبتسامة بسيطة ثم حيتها بدورها:
-صباح النور يافندم.
قهقهت السيدة بخفة قائلة:
-ايه يافندم دي يابنتي ؟ انا اسمي سوسن و ممكن تناديني بيه كده عادي منغير ألقاب زي ما بيعمل ايمن ابني.
إبتسمت”داليا”قائلة:
-ربنا يخليهولك.
ثم تابعت في إستحياء:
-و انا بعتذر لحضرتك لو كنت انا و اختي اتسببنا في اي ازعاج.
-كلام ايه ده يابنتي عيب ماتقوليش كده طب و الله انا قلبي اتفتحتلكوا اول ما شفتكوا ده غير ان ايمن علطول بيكملني عن اختك ياسمين لما خلاني هتجنن و اشوفها و ماتتخيليش بقي انا مبسوطة اد ايه بوجودكوا معايا حساكوا بناتي و الله تقومي انتي تقوليلي ازعاج ! ده لو ماشالتكمش الارض اشيلكوا في عنيا.
-ربنا يخليكي شكرا.
-انا بتكلم جد علي فكرة مش بقول اي كلام لكن خلينا في المهم دلوقتي .. بما انك صحيتي بقي يبقي تعالي يلا افطري معايا انا لسا مافطرتش.
-معلش حضرتك مش هقدر انا عندي مشوار مهم و لازم انزل دلوقتي.
-هتنزلي منغير فطار يابنتي ؟؟
فإبتسمت بلطف قائلة:
-معلش بقي .. عن اذنك.
ثم تركتها و غادرت مسرعة ، و في غضون نصف ساعة كانت أمام”بانسيون السعادة” .. بلعت ريقها بتوتر فيما تسارع وجيب قلبها ، فكرت في أن تتراجع بأخر لحظة ، لكن عقلها أجبرها علي الإستمرار في خين خاطبتها نفسها الشيطانية”كفاياكي جبن بقي .. ادخلي” .. قطبت حاحبيها بإستياء ثم شمخت برأسها في شجاعة شوبها إرتباك بسيط ، ثم إتجهت بخطي ثابتة نحو المسكن الرديء ، كم كانت فرحتها عارمة حين دلفت و لم تجد المدعو
“فتحي”، تنهدت بسعادة و قد زادت شجاعتها فصعدت الدرج الخشبي بحذر حتي وصلت إلي الطابق العلوي ثم توجهت إلي الغرفة ، دلفت إليها في هدؤ و تمهل ، ثم تقدمت صوب الفراش و أخذت تفتش عن هاتفهها حتي وجدته بين طيات الأغطية ، تناولته بسعادة بالغة ثم إستدارت عازمة علي الرحيل ، لكنها إنتفضت مذعورة و إمتدت يدها إلي شفتيها تطبق عليهما و تكبت صرخة الهلع التي إندفعت من أعماقها حين رأته أمامها ..
كان”فتحي”يقف علي بعد خطوات منها ، يحدق فيها بغضب و عداء بينما إختنقت الكلمات بحنجرتها فلم تستطع التفوه بحرف ، إستبد بها الخوف و هي تري ذاك البريق الخبيث الغاضب يتراقص بعينيه بينما قال و هو يقترب منها ببطء:
-اهلا اهلا يا قمر .. شرفتي.
ثم تابع بلهحة حادة:
-بقي بنتين زيك انتي و اختك يعملوا فيا انا كده ؟ كنتي فاكراني هيسيبكوا ! بس كويس انك انتي اللي جيتي برجلك يا حلوة.
إرتعش صوتها و هي تقول:
-بقولك ايه يا استاذ انت احسنلك تبعد عن طريقي و تخليني امشي انا مش جاية اعمل مشاكل انا بس نسيت حاجة هنا و رجعت عشان اخدها و اديني ماشية اهو.
و تقدمت صوب الباب إلا أنه سارع يقف بوجهها حيث بدا جسده الضخم سدا منيعا يلغي أمامها كل المنافذ ، فألحت بخوف قائلة:
-لو سمحت .. خليني اعدي.
-ابدا .. هو دخول الحمام زي خروجه يا قمر انتي ؟؟
قال ذلك بإبتسامة شريرة ، بينما تراءي لها أن هذا الرجل الضخم خفيف الحركة سريعا ، و ما أن حاولت تجاوزه حتي أمسك بها و جذبها نحوه ، فأطلقت”داليا”صرخة ألم و هو يغرز أصابعه الغليظة بذراعها الرقيق ..
قاتلته بعنف و ضراوة ، لكن دون جدوي ، طوقها بذراعيه بقوة حيوانية خانقة فكادت تفقد وعيها من شدة هلعها ، بينما رفع وجهه ليتنشق بعض الهواء فإنتهزت”داليا”الفرصة لتلكمه علي وجهه بجماع قبضتها ، فأصابت أنفه ، ثم رأت الشرر يتطاير من عينيه و هو يصيح:
-هتندمي .. هندمك علي اللي حصل امبارح منك انتي و اختك و علي اللي حصل منك دلوقتي.
و ألقاها أرضا ف
في عنف و هي ترتجف ذعرا ، انه ينوي علي إخضاعها عنوة .. ماذا تفعل ؟ هل تقاومه ؟ و لكن كيف ؟
دمعت عيناها بوهن و تصاعدت من أعماقها صرخة حادة لكن لا حياة لمن تنادي ، هاهو ينحني عليها ، رفسته بقدمها فلم يرتدع بل إزداد عنفا و إصرارا ، ثم أخذ يمزق ثيابها ، حاولت”داليا”بيأس مقاومته لكنه كان أقوي و أكبر حجما منها حيث ثبت جسدها جيدا محبطا بذلك أي محاولة لها بالفرار ، لكن فجأة أطلق”فتحي”صيحة عالية و لشدة دهشتها رأت”عز الدين”يمسك به في عنف من ثيابه و يلقيه علي الأرض بعيدا عنها ، ثم إنهال عليها بالركلات و اللكمات القاسية ، أبرحه ضربا عنيفا ، حيث بدا غضبه العارم و بنيته القوية دافعا صلبا يضارع وزن ذاك البدين الثقيل ..
و لم يتركه”عز الدين”إلا عندما إنبثق الدم من وجهه و جسده المتراخي ، تسارعت إنفاس”عز الدين”بقوة هائلة من فرط إنفعاله ثم إستدار إلي”داليا”التي أخذت تتراجع للخلف زاحفة علي مرفقها و هي تتطلع إليه باكية ، بينما كانت عيناه تتفحصانها في غضب ، حاولت بيأس إخفاء عريها و لكن أعصابها المحطمة لم تسعفها علي ذلك ، فأحنت رأسها بخجل واهنة فيما إقترب منها و أمسك بذراعيها بقوة حتي أوقفها أمامه ، إرتجفت ساقاها و كادت تسقط عندما رفع يده عنها إلا أنه خلع سترته بعنف غاضب ثم وضعها علي كتفيها كي تخفي ذاك الشق الذي أصاب قميصها ، تشيثت بسترته و ضمتها حولها بقوة بينما أسندها إليه ثم جذبها بقسوة قائلا:
-اتحركي قدامي !
*******************************************************************
ترجلت من سيارتها في ضيق ، ثم إستندت إلبها و أخرجت هاتفهها من حقيبة يدها ثم أجرت الإتصال به .. ليأتي صوته البغيض بعد لحظات:
-اهلا يا بيرو .. معلش قبل ما نتكلم في اي حاجة قوليلي .. عملتي ايه ؟ نزلتي الحمل ؟؟
إبتسمت”عبير”بمرارة ثم أجابته متجهمة:
-اي حاجة من واحد واطي و ندل زيك ماتلزمنيش .. انا انا بس بتصل بيك دلوقتي عشان اقولك اني فعلا هنزل البيبي و عشان اقولك حاجة تانية كمان.
-ايه هي ؟؟
سألها بإصغاء فأمطرته بعدد هائل من الشتائم المتنوعة ، و لما أكتفت أغلقت الخط بوجهه و تنفست الصعداء و قد تصاعدت الدماء إلي وجهها الشاحب ، هدأت ثورتها قليلا ببنما تصاعد رنين هاتفهها بنغمته الصاخبة ، نظرت إلي الهاتف لتجد المتصل صديقتها”ريم” ، أجابت في لهفة:
-الو .. ريم .. ها عملتي ايه ؟ .. كلمتي قريبتك ؟ .. و عملتي ايه ؟ .. خدتي منها عنوان عيادة الدكتور ؟ .. طب هنروحله امتي ؟؟
-هتروحي لمين يا عبير ؟؟
تجمدت بمكانها عندما سمعت صوته المستفهم آت من خلفها … !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حتى اقتل بسمة تمردك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى