روايات

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الثالث 3 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الفصل الثالث 3 بقلم مريم محمد غريب

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الجزء الثالث

رواية حتى اقتل بسمة تمردك البارت الثالث

حتى اقتل بسمة تمردك
حتى اقتل بسمة تمردك

رواية حتى اقتل بسمة تمردك الحلقة الثالثة

إخترقت”داليا”فناء شركة الـ “نصار”للنقل البحري و التي بنيت منذ زمن بعيد و تميزت بأروقتها النظيفة الملساء و المروج المحيطة بها ، فيما دهشت أيضا لروعة المكاتب التي إحتلتها الشركة ، حيت”داليا”العاملين بالممر الطويل في تواضع ثم أخذت طريقها إلي المصعد ، صعدت إلي الطابق الأول حيث يوجد مكتب رب العمل ..
كل شيء هادئ في هذا الطابق صمت تام كم أن تلك الأجواء مريحة للأعصاب ، إقتربت”داليا”من حجرة مكتب”عز الدين”و كادت تطرق الباب إلا أن صوت أنثوي أستوقفها:
-يا انسة ! .. علي فين حضرتك ؟؟
كان هذا صوت السكيرتيرة الخاصة بمكتب”عز الدين” .. بينما رفعت”داليا”يدها التي كادت تطرق الباب للتو ثم إلتفتت نحو مصدر الصوت قائلة:
-انا جاتلي مكالمة من شئون العاملين هنا و بلغوني اني اتقبلت للتوظيف و اني عندي مقابلة تانية مع مسترعز الدين
“هزت الفتاة رأسها بتفهم قائلة:
-أه طب ثواني هديله خبر.
ثم أجلستها في غرفة إنتظار أنيقة ريثما تبلغ”عز الدين”بحضورها .. في هذه اللحظات شعرت”داليا”بالتوتر الشديد و هي تسمع في شيء من الخوف دقات الساعة الزجاجية المثبتة في الحائط ، كانت منذ يوم واحد فقط يائسة من فكرة حصولها علي تلك الوظيفة و لكن هاهي عادت مرة أخري و في إنتظار إستعداد”عز الدين”لمقابلتها ..
و بينما كانت مستغرقة في تآملاتها قطعت السكيرتيرة حبل أفكارها قائلة:
-اتفضلي معايا يا انسة .. مستر عز الدين منتظرك في مكتبه.
ثم دعتها لترافقها إلي مكتب”عز الدين”حيث توقفا أمام باب عاجي عريض ، فتحته السكيرتيرة و أبتعدت مفسحة لها مجال للدخول إلي تلك الغرفة الواسعة ذات الأثاث الفاخر و التي أجرت بها”داليا”المقابلة الشخصية في المرة السابقة ..
أغلقت السكيرتيرة الباب خلف”داليا”التي تقدمت في بطء إستحياء من مكتب”عز الدين”الذي كان منكبا علي بعض الأوراق و الملفات ، فلم يرفع رأسه لتوه ، مرت لحظة مشحونة بالتوتر ثم رأته فجأة يوجه نظره إليها حيث رمق قامتها المتوسطة بعينين متفحصتين
ظلت”داليا”جامدة مكانها ، كانت خجلة من النظر إليه ، أحست بالدماء تجري حارة في وجنتيها تحت وطأة نظراته الفاحصة ، ذلك الهدوء ضاعف عصبيتها و توترها أكثر فحدجته بنظرة خاطفة حابسة أنفاسها كان أنيق الملبس كعادته يرتدي كنزة كشمير صوفية زرقاء اللون و بنطالا كحليا من الصوف الناعم.
بينما شعر هو بمدي توترها فإبتسم بسخرية قائلا:
-تعالي اقعدي يا انسة .. اتفضلي واقفة ليه ؟؟
تقدمت”داليا”ثم جلست قبالته علي مقعد قرب المكتب ثم رفعت رأسها لتواجه نظراته الساخرة ، شعرت بإنزعاج من تلك النظرة الدائمة التي يوجهها إليها بإستمرار ، تساءلت في نفسها .. هل مظهرها البرئ قد أوحي له بضعفها كي يتصرف معها علي هذا الأساس الساخر ؟ .. بينما سمعته يسألها:
-تشربي حاجة يا انسة ؟؟
كان حلقها جافا أثر قلقها و توترها و تمنت لو يقدم لها شرابا باردا لكنها عدلت عن رأيها حيث قالت باسمة:
-لا شكرا حضرتك مش عايزة حاجة.
أومأ رأسه موافقا ثم قال بلهجة جازمة باسطا يديه القويتين فوق مكتبه:
-ماشي .. نتكلم في الشغل.
-أيوه !
أجابته بإصغاء بينما قال:
-بالنسبة لتفاصيل شغلك هبعت انسة انجي توصلك مكتبك و هي هتشرحلك كل حاجة اما بالنسبة للمرتب فانتي اكيد خدتي فكرة عنه في الاعلان مش كده ؟؟
أومأت رأسها بهدوء بينما تابع بسخرية عينيه الذهبيتين:
-طيب .. شوفي بقي يا انسة .. لازم تعرفي حاجة مهمة جدا .. الوظيفة اللي اتعينتي فيها دي انا مشيت منها ناس كتير اوي لعدم الكغاءة اللازمة .. بصراحة انا راجل بحب شغلي يبقي مظبوط علي اكمل وجه و لازم تعرفي كمان ان لماوقع اختياري عليكي كان تفكيري في كلامك عن الشغل هو السبب حسيت انك جادة في التعامل علي عكس الباقيين اللي اتقدموا قبلك و بعدك بس زي ما بيقولوا التجربة خير برهان .. هجربك و اتمني فكرتي عنك تكون في محلها.
حاولت قدر إمكانها الأحتفاظ بمظهر هادئ حين حدقت بعينيه في ثقة قائلة:
-انا هثبت لحضرتك اني اد المسؤولية و اني اقدر ادبر امري كويس اوي و زي ما قلت لحضرتك قبل كده انا مش بعرف اتكلم كويس انما بعرف اشتغل كويس و شغلي هو اللي هيتكلم بالنيابة عني ان شاء الله.
هز رأسه متنهدا ثم ضغط زر الجرس المتصل بمكتب سكيرتيرته الخاصة قائلا:
-انجي جاية دلوقتي و هتاخدك عشان توريكي مكتبك و تفهمك تفاصيل الشغل.
أومأت رأسها فيما تمنت فجأة لو أنها تستطيع سحب طلب العمل ، ليس لإنها لا تتقن مهنتها ، أو تعجز عن التعامل معه بل لخوفها من أمر أعمق و أشد تعقيدا ، أنه شعور بالخوف فهمت معزاه لكنها رفضت إستمرار التفكير في الأمر ..
دخلت السكيرتيرة حجرة المكتب فتوجه”عز الدين”إليها بالحديث قائلا:
-انجي .. هتاخدي الانسة أاا ..
سارعت”داليا”معرفة:
-داليا.
فعاد يقول:
-هتاخدي الانسة داليا لمكتبها .. توريها كل حاجة و تفهميها تفاصيل الشغل طبعا و اي سؤال ليها اكيد عندك الاجابة عليه مش كده ؟؟
-تمام يافندم .. اتفضلي معايا يا انسة.
نهضت”داليا”إستعدادا لموافاة السكيرتيرة بينما أستوقفها”عز الدين”فجأة قائلا:
-استني يا انسة لو سمحتي.
فإلتفتت إلي في تساؤل فيما إنتصب واقفا و إتجه نحوها ، فحدقت به في حيرة بينما كانت عيناه تلمعان كعيني أسد متربص ، و في غطرسة وقحة أخذ يدور حولها ناظرا إليها من كل زاوية ثم أخيرا و قف أمامها وجها لوجه:
-اتفضلي يا انسة.
قال ذلك مادا يده ببعض الأوراق النقدية بينما تسمرت”داليا”في مكانها مندهشة بشكل كبير ثم سألته:
-ايه ده حضرتك ؟؟
هز كتفيه ساخرا ثم قال:
-فلوس !
-ايوه ما انا عارفة انها فلوس .. بس اخد فلوس ليه و انا لسا ماشتغلتش ؟؟
أجابها بهدوء بارد:
-المبلغ ده مش ليكي شخصيا يا انسة .. انتي دلوقتي وجهة الشركة يعني لازمك هدوم و حاجات تانية كتير لازم تكوني شيك قدام العملا و مظهرك مناسب .. انتي بتمثليني انا و شركتي .. فاهمة ؟؟
حدق مليا بوجهها الذي تضرج بحمرة الخجل فقد أصاب منها وتر حساس بينما نظرت إليه مباشرة بعينين ملؤهما الكبرياء و الرفض ثم قالت:
-انا مش محتاجة للمبلغ ده حضرتك .. و بالنسبة لمظهري فأنا شايفة انه مناسب جدا ده اولا .. ثانيا انا جاية هنا عشان اشتغل مش عشان اعمل Fashion show !
رفع حاجبه بذهول ، فكان ردها هذا هو أخر ما توقع سماعه من أنثي تحديدا ، حتما لو كانت فتاة أخري مكانها لكانت قبلت المبلغ بكل سرور و ترحيب بينما أحست”داليا”بموجة عارمة من الغضب تجتاحها فقد جرح مشاعرها بذلك العرض التافه و خاصة أمام سكيرتيرته الخاصة ، شعرت بالوهن يغلي بصدرها و لكنها تمسكت برباطة جأشها أمامه .. :
-طيب .. انا محترم وجهة نظرك.
قال ذلك بلطف هذه المرة ثم تابع:
-بس زي ما قلتلك انتي وجهة الشركة بتمثليها و بتمثليني كمان فلازم تقبلي المبلغ ده عشان تقدري تحسني من مظهرك شوية.
ها جرح أخر .. أغمضت عيناها بألم ثم قالت معترضة و قد زادت مشاعر التحدي و الكبرياء في نفسها:
-اسفة .. مش هقدر اقبل من حضرتك اي مبلغ غير مرتبي.
-و بعدين !
بات صوته أكثر حدة و حركاته أكثر قوة ثم تابع بغضب:
-اسمعي يا انسة .. انا مش فاضي للشد و الجذب ده انا ورايا شغل و قلتلك ان المبلغ ده مش ليكي شخصيا .. ده عشان الشغل اهم حاجة عندي لما تيجي شركتي تبقي في مظهر مناسب برا شركتي بقي لو لبستي ايه شيء مايخصنيش فاهماني ؟؟
شعرت”داليا”بالرعب يملأ أوصالها من عينيه الحادتين الغاضبتين ، لم تعد قادرة علي تحديه أكثر من ذلك ، فقد كان صوته مليئا بالعنف ، و نفسه مليئة بالإرادة و التصميم و بدا و كأنه مشمئز من المماطلة و الرفض اللذين تمارسهما بحقه و قبل أن تتفوه بحرف أمسك يدها و و ضع النقود بها مطبقا كفها عليها ثم قال بلهجة آمرة و هو يتجه إلي مكتبه:
-و دلوقتي اتفضلي مع انجي علي مكتبك و ياريت تبدأي الشغل فورا في شغل كتير متعطل.
لم يعطها فرصة للرد عليه أو الإحتجاج ، إذ أنه جلس معتدلا و بدأ بفتح بعض الملفات فوق مكتبه بينما كان الغضب يملأ شرايينها فها هي بطببعتها الضعيفة البسيطة أمام الرجل الذي يملك كل شيء ، و بكل الحنق الذي تخزنته في نفسها أطبقت بكفها علي النقود في شدة ثم إستدارت دامعة العينين و رافقت السكيرتيرة إلي مكتبها … !
*******************************************************************
وقف أمام المرآة و أخذ يحدق بوجهه جيدا ، لم يختفي أثر الكدمات بعد ، تأفف لهذا ثم إنحني إلي طاولة صغيرة و ألتقط هاتفهه و سلسة مفاتيحه الذهبية .. ألقي نظرة أخيرة علي نفسه مفعمة بالحسرة علي مظهره و ملامحه الجذابة التي باتت قاسية
غادر غرفته و أجتاز الرواق العلوي بخطوات واسعة ثم هبط الدرج بخفة و تابع سيره حتي وصل إلي ساحة المدخل أمام المنزل مباشرة حيث كانت سيارة مرسيدس بيضاء تلمع تحت آشعة الشمس الذهبية فيما صعد هو إلي السيارة ثم أقلع بهدوء و روية حتي توقف قليلا أمام بوابتا القصر الكبيرتين فإنفتحت له الأبواب سريعا ثم فجأة و عند خروجه من البوابة إعترضته سيارة تشبه سيارته و لكن لونها مختلف .. رفع نظارته الشمسية عن عينيه ليتفاجأ برؤية صديقته التي ترجلت بسرعة من سيارتها و إقتربت منه باسمة ، بينما تمتم بغضب:
-يادي النهار اللي مش فايت .. جاية تهبب ايه دي ؟؟
-عمر .. حبيبي .. ازيك يا بيبي عامل ايه ؟؟
قالتها الفتاة عندما وصلت إليه بينما حدثها بحنق عبر شباك سيارته:
-ايه اللي جابك يا يارا ؟ عايزة ايه ؟؟
-الله يا عمر ! .. بقي دي مقابلة تقابلني بيها ؟! و انا اللي دوست علي كرامتي و نسيت عمايلك فيا و قلت اجي اشوفك و اطمن عليك تقوم تقابلني كده !
-و ليه يا ستي تدوسي علي كرامتك عشان واحد ندل زيي لأ انتي كرامتك غالية و عشان كده بقي خدي بعضك و إتكلي من هنا يلا.
شهقت بصدمة قائلة:
-انت بتطردني يا عمر ؟؟
أومأ رأسه قائلا:
-اه بطردك و بصراحة مش عايز اشوف وشك تاني و منغير سلام.
قال جملته الأخيرة بتهكم ثم أدار عجلة القيادة و أنطلق بسيارته سريعا حتي قطع مسافة طويلة ثم توقف أخيرا أمام فيلا بسيطة تحيط بها الأشجار الكثيفة ، ترجل من سيارته و ألقي التحية علي البواب المسن ثم مضي في سبيله إلي الداخل ..
علي أعتاب المنزل طرق الباب لتفتح له إحدي الخادمات باسمة بينما أنزل نظارته قليلا بحركة رشيقة من أصبعه ، و تفرس فيها من أعلي رأسها حتي أخمص قدميها في وقاحة و بساطة حتي سمعها تقول مرحبة:
-اهلا اهلا يا عمر بيه .. اتفضل ادخل.
تقدم”عمر”إلي الأمام و عيناه لا تزال تتفحصانها جيدا:
-الست كاميليا قاعدة في الهول الكبير بتشرب قهوتها.
قالت ذلك باسمة ثم سألته:
-تحب اجبلك قهوة بردو و لا عايز حاجة تانية ؟؟
-اي حاجة يا قمر .. مش قمر بردو ؟؟
إبتسمت الفتاة مصطنعة الخجل ثم قالت:
-ايوه.
-اسم علي مسمي و ربنا.
إتسعت إبتسامتها لتضحك بإغراء ثم توجهت نحو المطبخ تتبخطر في خطاها ، بينما أخذ”عمر”طريقه إلي حيث أرشدته ، دخل إلي قاعة الجلوس ثم توجه بسرعة نحو إمرأة جلست بأناقتها المعهودة علي أريكة مغطاة بالصوف الأحمر ، لا يمكن تقدير عمرها بأكثر من أربعين عاما ..
تلك هي الممثلة الشهيرة التي تدعي”كاميليا فهمي”لا زالت تنبض بالحيوية و الجمال ، بشرتها بيضاء ناعمة جدا ، و عيناها زرقاوتان لا أثر للتعب فيهما و شفتاها قرمزية تضجان حياة و إغراء و دعوة .. إقترب منها”عمر”ثم دني نحوها قائلا بحرارة وهو يقبلها علي جبينها:
-مامي .. وحشتيني.
إبتسمت الممثلة القديرة بنعومة و هي تداعب وجه أبنها الذي يحمل شبها كبيرا لوجهها ثم قالت:
-يا روحي .. انت وحشتني اكتر يا حبيبي .. بس انا زعلانة منك.
-زعلانة مني ليه بس يا مامي ؟؟
-بقالك اد ايه مسألتش عليا؟؟
قال معتذرا:
-معلش سامحيني عارف اني قصرت معاكي الفترة اللي فاتت بس كان غصب عني انتي عارفة اني بجيلك من ورا عز .. و لما جاله شغل برا و سافر كنت مخطط اني اجي اقعد معاكي كام يوم والله بس حصلت ظروف بقي كده و كنت قاعد في البيت بقالي يومين بسببها.
سألته بإهتمام:
-ظروف ايه دي يا حبيبي ؟؟
صمت قليلا ثم نزع نظارته عن ن عينيه فشهقت أمه بهلع و صدمة قائلة:
-يا خبر ! .. ايه اللي في وشك ده ؟ مين اللي عمل فيك كده ؟؟
تحسس وجهه ثم أجابها:
-ماتقلقيش اوي كده يا مامي .. دي كانت خناقة بسيطة في الجامعة و انا قدامك اهو كويس.
قالت بصوت حزين و هي تتأمل ملامحه:
-كويس ايه بس ! .. ده وشك كان وسيم اوي زي اخوك عز الدين .. دلوقتي ملامحك بقت قاسية شوية .. انت عجبك اللي عملته في نفسك ده ؟؟
-خلاص بقي يا كوكو ماتكبريش الموضوع ما انا زي الفل قدامك اهو و كلها كام يوم ووشي يرجع زي ما كان.
نظرت إليه في عتاب فقال:
-خلاص بقي يا مامي انا جاي اقضي يوم حلو معاكي .. مش كده بقي ابتسمي عشان يبان جمال عنيكي.
فإبتسمت أمه رغما عنها قائلة:
-ماشي يا مجرم كل بعقلي حلاوة كل.
ثم سألته:
-المهم قولي .. اختك عبير عاملة ايه ؟؟
-زي القردة هتعمل ايه يعني.
ضحكت بنعومة ثم تابعت سؤالها:
-قولتلها اني عايزة اشوفها ؟؟
أومأ رأسه قائلا:
-اه يا مامي قولتلها .. بس ..
-بس ايه ؟؟
سألته بإرتقاب بينما تردد قليلا قبل أن يقول:
-اصلها خايفة من عز .. انتي عارفة هو ببمنعنا عنك ازاي .. بس وعد طالما عايزة تشوفيها انا هجبهالك لحد عندك قريب.
أومأت رأسها ثم تابعت سؤالها:
-طب و اخوك عز الدين .. عامل ايه ؟؟
نظر”عمر”إلي وجه أمه الذي إمتلأ بالحزن فجأة ثم قال في محاولة للتخفيف عنها:
-قرد هو التاني .. انا مش عارف بس انتي بتسألي ليه علي عيال مالهمش لازمة زي دول خليكي معايا انا يا كوكو .. انا حبيبك اللي بيدلعك يا قطة.
نجحت محاولته حيث إبتسمت أمه بعفوية بينما قال:
-بقولك ايه .. انا جعان طابخين ايه انهاردة و لا نطلب دليفيري ؟؟
أجابته ضاحكة:
-حالا يا حبيبي هقولهم يحضروا الغدا.
ثم هتفت بإسم أحد الخدم و أعطت أوامرها بإعداد مائدة الطعام … !
*******************************************************************
-داليا !
هتفت”ياسمين”و هي تنادي علي شقيقتها مستغربة لتوجهها من باب المنزل إلي باب حجرتها مباشرة ، و قبل أن تلحق بها”ياسمين”أوقفتها قائلة:
-ياسمين من فضلك سيبيني لوحدي دلوقتي و ماتدخليش علي خالص.
قالت ذلك ثم أغلقت الباب خلفها ، بدلت ملابسها سريعا فإرتدت قميصا خفيفا من القطن الأبيض بدون أكمام ثم توجهت نحو مرآتها و حدقت بوجهها ، رأت نفسها جميلة نوعا ما ، غير أنها كانت معتادة علي التعبير الصريح عن أعجاب الرجال بها تتلقاه دون حرج أو غرور منذ كانت في الثامنة عشر من عمرها و بعد أن تحولت من تلك الفتاة الصغيرة المكتنزة إلي تلك المرأة الجذابة ذات القوام الجميل و الأنوثة الصارخة رغم بساطتها ..
لكن هذا الرجل ، رب عملها الكامل الرجولة المعتد بنفسه سخر منها تصرف معها و كأنها نكرة و كأنها فتاة صغيرة أو غلام لا يثير فيه أي رغبة ، لم يضايقها هذا كله بقدر ما شعرت بالقهر عندما أعطاها المال من أجل شراء بعض الملابس و أدوات التجميل ، كادت تبكي و لكنها منعت نفسها بقوة و حزم .. عليها أن تقوم بإنقاذ نفسها فيما بعد ، فإلي متي ستظل ضعيفة واهنة مغلوبة علي أمرها ؟
تنهدت بثقل ثم سارت نحو فراشها و أستلقت عليه ، لم تنم كثيرا أو هكذا خيل إليها ، و ما أن أستيقظت في وقت لاحق حتي هبت من فراشها مذعورة و قلبها يخفق بشدة غريبة ، رفعت يدها لتغطي وجهها و كأنها تهرب من واقعها الأليم و من مسؤوليتها التي أثقلتها بينما نحيبها يملأ الغرفة بنشيج متقطع إختلطت فيه الدموع بالتنهدات و الآهات ، أحست و كأنها علي شفير الإنهيار العصبي ..
رفعت رأسها عن راحتيها قبل ثوان قليلة من فتح باب غرفتها و عندما إنتصبت جالسة في فراشها و جسدها مشدود كوتر قاس ، دلفت شقيقتها فزعة ثم إقتربت منها بسرعة و خاطبتها بقلق و لطف:
-داليا ! مالك يا حبيبتي في ايه ؟؟
أجابتها”داليا”بصوت ضعيف متقطع:
-مافيش حاجة يا ياسمين .. انا كويسة.
فإقتربت منها أكثر قائلة:
-لأ شكلك مش كويسة خالص .. قوليلي يا داليا مالك ؟؟
-قلتلك مافيش حاجة يا ياسمين.
أجابتها بضعف واهنة ثم سألتها:
-هي الساعة كام دلوقتي ؟؟
-12 بعد نص الليل تقريبا.
صرخت بإستغراب:
-مش معقول !
قربت”ياسمين”ساعة يدها من وجه شقيقتها لتؤكد لها الوقت فهزت رأسها قائلة:
-بيتهيئلي اني نمت دقايق مش ساعات.
ثم فجأة إرتجفت دون إرادة و أنهمرت الدموع الغزيرة علي وجنتيها الشاحبتين الناعمتين فصاحت أختها قلقة:
-لأ .. لأ إنتي فيكي حاجة مش طبيعية يا داليا قوليلي في ايه من فضلك .. في خاحة حصلت في الشغل انهاردة ؟ ده كان اول يوم ليكي حد ضايقك ؟؟
سألتها بإلحاح فقصت عليها”داليا”كل ما حدث:
-طب و انتي ايه اللي مضايقك في كده يا داليا ؟ ما هو قالك ان المبلغ ده مش ليكي شخصيا انما لشيء يخص الشغل و بعدين يا ستي لو الموضوع مضايقك اوي كده اعتبريهم سلفة و رديهم من اول مرتب ليكي.
-انا اتجرحت اوي من التصرف ده يا ياسمين.
قالت بصوت حاد ثم تابعت:
-كان هاين عليا اسحب ورقي و اسيب الوظيفة و ارميله فلوسه و امشي.
إبتسمت”ياسمين”ثم قالت تهدئها:
-يا داليا يا حبيبتي انا عارفة ان عندك عزة نفس و كرامة بس هنا الموضوع مختلف عن النقطتين دول .. ده شغل يا حبيبتي و زي ما بيقولوا الشغل شغل و اي بني ادم ذكي بيعرف يستغل الفرص في شغله اوي و هو مش هيحسن عليكي هو زي ما قالك انتي وجهة الشركة يعني طرف مهم و لازم تكوني في نفس المستوي اللي هو فيه لانك بتمثليه فعلا قدام العملا زي قالك .. بصراحة هو ماغلطش يا داليا انتي بس اللي حساسة زيادة عن اللزوم.
ثم صمتت قليلا و أضافت:
-و مع ذلك يا ستي زي ما قلتلك لو الموضوع مضايقك اوي اعتبري المبلغ سلفة و رديه من اول مرتب ليكي.
أومأت”داليا”رأسها تعبة فيما تركتها شقيقتها لتستريح بعد أن أطمئنت عليها تماما ..
رتبت”داليا”الوسادة تحت رأسها و أراحت جسدها المنهك و بعد قليل بدأت أجنحة النوم تحوم فوق عينيها و هي غير قادرة علي أبعاده عن ذهنها ، ستكون معجزة حقا إذا إستطاعت أن تهرب منه ، و لكنها إعتادت منذ صغرها علي الإنتصار في معاركها الحاسمة ..
و عندما دقت بمنزلهم ساعة حجرة الجلوس التي تردد صدي صوتها بالإرجاء معلنة حلول الواحدة صباحا كانت”داليا”قد أخلدت إلي نوم عميق … !
********************************************************************
أسدل الليل ستارة فوق قصر الـ”نصار” ..
في الداخل وقف”عز الدين”أمام السيتريو و إدار بعض الموسيقي الخافتة و الحالمة ، ثم تقدم من الأريكة التي توسطت حجرة مكتبه و أستلقي عليها بثقله واضعا يديه خلف رأسه و أغمض عينيه يستمتع بموسيقي”شوبان” .. كان يفكر بهدوء في أمور عديدة ، بدا شكله غير مرتب و قد تدلت خصلة من شعره الغزير الناعم فوق جبهته ، كان هادئا مرتاح البال حتي قفزت صورتها فجأة برأسه ، كم تعجب كثيرا اليوم ، تساءل في نفسه .. هل يمكن أن يتنازلن النساء عن أي مال مقدم لهن بهذه السهولة ؟ .. بل بهذه الصرامة و القوة التي إستخدمتها تلك الفتاة التي تدعي”داليا” ؟ ..
مازال لا يصدق و لن يصدق .. فكلهن في نظره سواء ، و كيف لا و قد أصابته والدته في الصميم ، حيث قتلت بداخله كل مشاعر الشفقة و العطف علي أي أنثي ، ثم فجأة طرد صورة وجهها الجميل البرئ من ذهنه في حين سمع صوت سيارة تصطف بالمرآب المنزلي قرب نافذة المكتب .. إستنتج أنه شقيقه قد وصل لتوه فنهض من موضعه و حمل إسطوانة الموسيقي و وضعها في غلافها ثم خرج من مكتبه لموافاة شقيقه ..
دلف”عمر”إلي المنزل في ساعة متأخرة من الليل ، و عندما كان يقف”عز الدين”بركن مظلم من البهو المؤدي للدرج هتف بقسوة:
-عمر.
إستدار”عمر”قبل أن يصعد درجات الدرج نحو الزاوية المظلمة التي أنبعث منها الصوت ، فيما إقترب”عز الدين”قليلا حتي سطع ضؤ الثريات المعلقة بالجدران علي وجهه الغاضب الذي تعلوه مسحة قسوة مفزعة ، تنهد”عمر”بضيق ما أن رآه ثم قال:
-نعم يا عز ؟؟
-كنت فين ؟؟
سأله بهدوء غاضب بينما أجاب”عمر”:
-يعني انت صاحي مستنيني لحد دلوقتي عشان تسألني السؤال ده ؟؟
فهمهم”عز الدين”قائلا:
-هممم .. واضح يا عمر انك ماسمعتش كلامي كويس امبارح لما قلتلك يا تيجي تشتغل معايا في الشركة يامالكش مكان في البيت هنا.
تأفف”عمر”قائلا:
-لأ سمعت يا عز و اطمن انا جاي بكرة الشركة .. انهاردة بس كان عندي مشوار مهم و ماحبتش آجله.
-مشوار ايه ده ان شاء الله ؟؟
-مشوار و خلاص يا عز.
-مساء التجمعات.
كان هذا صوت”عبير”التي إنضمت إليهم فجأة ثم تابعت:
-ايه خير ؟ متجمعين في تص الليل كده ليه ؟؟
ثم نظرت إلي”عمر”و سألته:
-و انتي يا عموري لسا راجع دلوقتي ؟ هي كوكو كانت ماسكة فيك و لا ايه ؟؟
إتسعت حدقتا”عمر”في فزع و غضب بينما قطب”عز الدين”حاجبيه مستغربا ثم قال:

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حتى اقتل بسمة تمردك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى