روايات

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والستون 62 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والستون 62 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الجزء الثاني والستون

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث البارت الثاني والستون

جعفر البلطجي الجزء الثالث
جعفر البلطجي الجزء الثالث

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الحلقة الثانية والستون

يا رب قد عز الرفيق،
وضاق بي درب الطريق،
والعمر ولّى وانقضى،
والموت يخطف من يليق،
فاجعل لنا نورًا لديك،
واملأ قلوبنا بضياء حبك.
_نصر الدين طوبار.
______________________
الشـ.ـر لا يتوقف ولا يعلم معنى للاستسلا’م،
يأبى الخضو’ع ورفع راية الاستسلا’م، مازال يُماطل ومازال يُنا’زع ويُحا’رب حتى يصل إلى الغاية المطلوبة، يسعى للسيطـ.ـرة على الجميع ولكن يجد دومًا الخير يقف أمامه بالمر’صاد ير’فض نشر الفسا’د في الأرض، وتلك كانت الحر’ب الحقيقية بين الطرفين مهما تعددت الحرو’ب بين الدول والبلاد، تلك الحر’ب هي الأهم، تلك الحر’ب التي فيها فردٌ واحد مِن طرف الخير يُنا’زع مع أطراف لا آخر لها تسعى للشـ.ـر ونشر الفسا’د، تلك كانت الحقيقة الوحيدة التي ظلت قائمة على مر السنوات الماضية والحالية والمستقبلية فيما بعد، تلك كانت الغاية، وهو ر’فض تقبُل الأمر ورفع سلا’حه معلنًا عن بداية الحر’ب الأمدية التي حينما يحين موعد نها’يتها سيكون هو الطرف المنتصـ.ـر بها..
<“السعي وراء الخير كان حبيب القلب.”>
يسعى دون توقف ويأبى التوقف،
وكأنه إذا توقف سينتهـ.ـي أمره ويُعلن هز’يمته، مهما ضعـ.ـفت قواه وتوقف هُنَيْهة فكُن على يقينٍ تام بأنه سيعود ويُكمل طريقه..
منذ ما يُقارب الساعتين وهو يقود السيارة بلا توقف وصوت القرآن الذي يعلو مِن هاتف “رمـزي” هو الذي يكسـ.ـر حِدَّ’ة الصمت بينهما، كان “رمـزي” مستندًا برأسه إلى النافذة الزجا’جية وهو ينظر إلى القرى التي كانوا يمرون عليها حتى ظهرت لافتة القرية المُرادة، أدار “يـوسف” مقود السيارة جهة اليمين بعدما أبطأ سرعة السيارة وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أدينا وصلنا القرية، فين المكان بقى بالظبط.
دام الصمت بينهما هُنَيْهة بعد أن أنهى “يـوسف” سؤاله الخـ.ـفي ليأتي قول “رمـزي” الهادئ:
_أمشي زي ما هقولك يا “يـوسف” وإن شاء الله خير.
وبالفعل بدأ “رمـزي” يُرشد صديقه أيُ الطُرُقات يجب أن يسلُك حتى استغرق الأمر مِنهما عشرون دقيقة، أوقف “رمـزي” صديقه حينما رأى المكان الذي رآه مِن قبل قائلًا:
_بس أقف هنا يا “يـوسف”.
توقف “يـوسف” بالفعل وهو ينظر حوله قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_متأكد إن هو دا المكان اللِ شوفته يا “رمـزي”؟.
جاوبه “رمـزي” بعد أن طافَ بعينيه في المكان مِن حوله قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هو نفسُه أنا متأكد مِنُه.
لحظات وترجل “رمـزي” مِن سيارة رفيقه وهو ينظر حوله يبحث عن هذا المسجد، بينما جاوره صديقه بعد لحظات وبعد أن أغلق سيارته وطافَ بعينه في المكان، بينما كان “رمـزي” في عالمٍ آخر كُلّ ما يُفكر بهِ هي هذه الصغيرة، جاءته رؤية أخرى بموقع المسجد وأسمه ولحظة ولوج الفتا’ة مع هذا الشا’ب، أشار إلى رفيقه بعد أن تحرّك قائلًا:
_تعالى يا “يـوسف”.
نظر لهُ “يـوسف” بعد أن جاوره في سيره قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_عرفت مكانها؟.
_آه، إن شاء الله نلحقها.
جاوبه بعد أن شـ.ـد خُطاه وقد بدأ يسأل أهل القرية عن المسجد وقد دلهُ أحدهم على مكانه ولذلك شـ.ـد خطواته وهو يدعو المولى عز وجل أن يحميها ويلحقها هو في التوقيت المناسب قبل فوات الأوان، دقائق معدودة ووصلا إلى المسجد ليقف “رمـزي” ينظر لهُ ثوانٍ ثمّ صعد درجتي السُلَّم ونز’ع حذاءه وخلفه “يـوسف” الذي شَعَر بجدية الأمر وحسا’سيته ولوهلة وضع صغيرته مكان هذه الفتا’ة ولم يحتمـ.ـل فكيف بأهلها هي..
ولجا سويًا داخل المنزل ووقفا ينظران حولهما ليوقف “رمـزي” شا’بًا مِن المصلين قائلًا بنبرةٍ متوترة بعض الشيء ومتسائلًا:
_حمامات المسجد فين يا بلدينا.
أشار لهُ الشا’ب تجاه موقعه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_هناك أهو.
شكره “رمـزي” ثمّ شـ.ـد خطواته سريعًا نحوه، وَلَجَ وهو ينظر حوله يبحث عنها ومعهُ “يـوسف” الذي كان يطوف بعينه في المكان، شـ.ـهقات صغيرة وصلت إلى أُذُنهما في هذه اللحظة وكأن الفتاة تستعد للبُكاء، أقترب “رمـزي” مِن الأبواب وهو يستمع إلى مصدر الذي كان نابعًا مِن الباب الرابع، نظر إلى رفيقه الذي كان جادًا في هذه اللحظة ولم ينتظر لحظة ور’كل الباب بقدمه بحركةٍ عـ.ـنيفة والذي فُتِحَ فجأةً ورن صوت ارتطا’مه بالجدار عا’ليًا جعل المصلين الذي كانوا بدأو يستعدون للوضوء يلتفتون نحوهما..
في هذه اللحظة كان المشهد مر’عبًا وبشـ.ـدة يُصـ.ـيب أيُ أحدٍ غيرهما في مقتـ.ـلٍ، كان هذا الشا’ب ينتوي على أر’تكاب الكبا’ئر مع تواجد طفلة صغيرة لم يتعدى عُمرها السبع سنوات، وأين؟ ببيت الله؟ إلى أيُ درجةٍ مِن الإنحد’ار وصل لها المرء حتى يفعل جُر’مًا كهذا، جُـ.ـن جـ.ـنون “يـوسف” حينما رأى هذا المشهد فقد كانت الطفلة منكمشةً بنفسها وتكاد تلتـ.ـصق بالجد’ار وجسـ.ـدها الصغير ير’تعش بعـ.ـنفٍ وعَبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها الصغير..
جذ’به “يـوسف” في هذه اللحظة إلى الخارج وألقا’ه بعيدًا بعـ.ـنفٍ، بينما نظر “رمـزي” إلى الطفلة التي كانت ستمو’ت مِن الرُ’عب ثمّ حاول طمئنتها حينما قال بنبرةٍ هادئة حنونة وقلبه يعتـ.ـصر أ’لمًا لها:
_تعالي يا حبيبتي متخا’فيش، مش هيعملك حاجة تعالي.
حاول أن يبث فيها الطمأنينة ولو بنسبة واحد بالمائة فكانت تشعُر بالخو’ف مِن الجميع وخصيصًا هذا الحـ.ـقير الذي أستد’رجها بقطعة حلوى، ولأنها طفلة صغيرة لا تفهم نو’اياه الحـ.ـقيرة سارت معهُ، نظرت الصغيرة بعينيها الباكيتين إلى “رمـزي” لتراه بشوشًا ويبتسم لها وهذا يعني أنَّهُ لن يؤ’ذيها، ثمّ إلى “يـوسف” الذي كان برغم معالم وجهه الحا’دة بعض الشيء ألا وأنها شَعَرت بالأ’مان تجاهه..
أقتربت بخطى هادئة وحذ’رة تجاه “رمـزي” الذي شجعها على الاقتراب أكثر وهو يبتسم لها وكفه ممدودًا لها، مدَّت يدها الصغيرة نحوه تضع كفها الصغير بكفه الذي قبـ.ـض برفقٍ عليه ثمّ انحنى بجذ’عه العلوي نحوها يمسح بكفه الآخر على خصلا’تها النا’عمة تزامنًا مع قوله الهادئ الحنون:
_متخا’فيش يا حبيبتي مش هيعملك حاجة وأنا موجود، عملك حاجة؟.
سألها في نهاية حديثه وهو يشعُر بالقـ.ـلق مِن أن يتلقى جوابًا غير الذي يظنه لتضر’ب بأفكاره السو’دا’ء عرض الحائط وهي تتحدث أخيرًا بنبرةٍ طفولية رقيقة باكية قائلة:
_لا، بس خا’يفة أوي وعايزة ماما.
تأ’وه “رمـزي” بلُطفٍ حينما أستمع إلى صوتها ورأى براءتها التي كادت تُقتـ.ـل على يَد هذا الذ’ئب ولذلك جاوبها بنبرةٍ حنونة وقال:
_أنا هوديكِ لماما، هي كلمتني وقالتلي إنها مش لقياكِ وخا’يفة عليكِ وأنا قولتلها إني عارف مكانك وهاجي أخدك وأوديكِ ليها، أتفقنا؟.
وافقت على حديثه بعدما سألها ليحملها هو على ذراعه يُلثم خَدِّها الصغير بحنوٍ ثمّ نظر إلى هذا الحـ.ـقير الذي أقترب مِنْهُ “يـوسف” جا’ذبًا إياه مِن كنزته الشتوية جعله ينهض رغمًا عنهُ ثمّ جذ’به خلفه نحو الخارج وتحت نظرات الجميع الذين أدركوا حجم الكار’ثة التي كادت أن تحدث دون شعورهم، خرجوا مِن المسجد أحترامًا لبيت الله ليُلـ.ـكمه “يـوسف” بعـ.ـنفٍ بعد أن قرر عدم مـ.ـنع نفسُه أكثر مِن ذلك أسقـ.ـطه أرضًا..
نظر لهُ “رمـزي” هُنَيْهة دون أن يتحدث يسمعه يتأ’لم بعدما تلقى اللكـ.ـمة وقد جاء قوله حاضرًا وهو يشعُر بالاشـ.ـمئزاز مِنْهُ قائلًا:
_واللهِ عيـ.ـب عليك اللِ عملته دا، فبيت ربنا يا جا’حد؟ البيت الطاهر بتو’سخه بوسا’ختك، ومع طفلة صغيرة زي دي؟ دا الكا’فر نفسُه ميعملهاش ويخا’ف، بس هقول إيه العيـ.ـب مش عالطفلة دي لا العيـ.ـب عليك والحمدلله إني لحـ.ـقتها مِنك فأخر ثانية، الله أعلم كُنت ناوي على إيه، حسبي الله ونعم الوكيل فيك.
جاءهم صوت أحد الر’جال الذين كانوا يقفون ويُحاولون معرفة ما حدث حتى أوصلهم “رمـزي” إلى مُرادهم حينما تحدث أمامهم جميعًا، كان صوت الر’جُل يزرع الرُ’عب في القلوب، صوته قو’ي وخـ.ـشن، جادًا وصا’رمًا، كان صعيديًا لا يقبل بمثل هذه الأشياء ولذلك قال بنبرةٍ غا’ضبة:
_وه وه، الكلام دا صوح؟ دي باينلها القيا’مة هتقوم ولا إيه، هاتولي الحيو’ان دا عالدوار عندي، يمين بعظيم ما حد فالقرية دي هيأد’بوا غيري، نعلمه الر’جولة على أصولها.
مَن يراه يظن أنَّهُ كبير القرية، ر’جلٌ صا’رم وشامخًا كاللـ.ـيث، صدر أمره ووَجَبَ التنفيذ، تحركا رَ’جُلان يرتدون جلبابًا صعيدي ويبدو عليهما الصر’امة والجدية أخذوه وتحركوا بهِ نحو المنزل الكبير تحت نظرات الجميع الذين كانوا يُشاهدون ويضر’بون بكفوفهم ويتهامسون، نظر لهما هذا الر’جُل بعد أن رحل ر’جاله واقترب مِنهما بخطى هادئة يقف أمامهما قائلًا بنبرةٍ جادة بعد أن نظر لهما:
_أنتَ مين يا بلدينا أنتَ وهو، أنا أول مرَّة أشوفكم فالبلد إهنه.
أجابه “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ قائلًا:
_إحنا فعلًا مش مِن هنا يا حج، أنا الشيخ “رمـزي إبراهيم” ودا صاحبي، إحنا مِن عابدين، اللِ جابني هنا الطفلة الصغيرة دي.
أتـ.ـكئ الر’جُل على عصـ.ـاته وجاوبه بنبرةٍ جادة وهو ينظر لهُ قائلًا بتساؤل:
_أجدع ناس، بس برضوا معرفتش، عرفت كيف إن البـ.ـت دي فخـ.ـطر؟.
نظر “رمـزي” إلى رفيقه في هذه اللحظة بعد أن تلقى السؤال الذي كان يتوقعه ليراه هادئًا لا يُبدي أيا ردة فعل ولذلك نظر إلى الر’جُل وأخبره دون أن يكذُ’ب عليه بنبرةٍ خافتة قائلًا:
_عارف إنك ممكن متصدقنيش ودا حقك، بس صدقني أنا مبكد’بش عليك، أنا بتجيلي زي رؤىٰ باللِ هيحصل قبلها بوقت قصير فبروح ألحق الموضوع قبل ما يحصل.
_مبروك يعني.
هكذا جاوبه الرَجُل بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ ليجاوبه “رمـزي” بحركة صغيرة مِن رأسه، صمت الرَ’جُل ونظر إلى الفتا’ة الصغيرة التي كانت تقـ.ـبض بكفها الصغير على جلباب “رمـزي” والخو’ف مازال رفيقًا لها، نظر لهُ مجددًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_طالما ربنا وهبك بالحاجة دي، فأوعى فيوم تستخدمها فالشـ.ـر يا ابني مهما حصل، الشيطا’ن شاطر وبيعرف يغو’ي الناس كويس أوي، اللِ زيك الناس بتسـ.ـتغله ففتح مقا’بر الفرا’عنة وخروج الآ’ثار، وأنتَ بالنسبة ليهم كنز، بيعرفوا يغو’و اللِ قدامهم كويس أوي بالفلوس وقطع الآ’ثار اللِ واحدة مِنهم تساوي ملايين، خصوصًا الخو’اجات اللِ مِن بره بييجوا هنا عشان يسر’قوا أصل بلدنا، ما هو أصلها دا إيه؟ حضا’رات ومقا’بر وأثا’ر، وهما ملهومش أصل فبييجوا هنا يسر’قوا أصلك وبلدك ويبيـ.ـعوه بأضعاف الأضعاف، عندينا إهنه فالقرية دي طفل ما’ت بعد ما سخـ.ـروه ونزلوه عشان يفتح مقبـ.ـرة فرعو’نية فنزلة السمان، الو’اد فجأة أخـ.ـتفى مِن وسطينا وقلبنا البلد عليه فوقاني تحتاني مفيش أي أ’ثر، يخـ.ـتفي فجأة ويظهر فجأة كيف الچـ.ـن أكده.
تحدث “رمـزي” بعد أن جذبه الحديث وقال بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_وأزاي محدش عرف يتصرف فالموضوع دا؟.
أبتسم الرَ’جُل بسمةٌ ساخرة وقال بنبرةٍ تهكمية:
_أنتَ طيب أوي يا ولدي، الناس إهنه وخصوصًا الشيوخ بيتسخـ.ـروا ويروحوا يفتحوا مقا’بر ويطلعوا أثا’ر، بيقولك بعيدًا عن السامعين اللِ بينزل بيشوف حاجات تخليه فا’قد النطـ.ـق العُمر كُله، بيتعامل مع چـ.ـن وكا’ئنات حـ.ـية كيف التعا’بين والحاجات دي بتكون حا’رسة المقبـ.ـرة.
_اللهم أحفظنا بعينك التي لا تنام، لا حول ولا قوة إلا بالله.
هكذا قال “رمـزي” بعدما خُيّلت تلك المشاهد بعقله ليقول بعدها بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يعديها على خير ويحفظنا، تُشكر يا حج.
_العفو يا ولدي، ربنا معاك فاللِ جاي.
هكذا رد عليه الرَ’جُل مبتسم الوجه ثمّ تركهما ورحل تحت نظراتهما لهُ، بينما نظر “رمـزي” إلى الصغيرة التي كانت مازال الخو’ف يُسيطـ.ـر عليها ثمّ نظر إلى رفيقه الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_هنوصل لأمها أزاي بقى؟.
ألتزم “رمـزي” الصمت هُنَيْهة ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_هنسأل على أهلها لحد ما نوصلهم.
لحظات ونظر إلى الصغيرة وقال بنبرةٍ هادئة:
_تعرفي فين ماما؟.
حرّكت الصغيرة رأسها برفقٍ ثمّ أشارت على أحدى الطرقات ليتحركا سويًا يسلُكان هذا الطريق وكانت تُشير في كُلّ مرَّة نحو طريقٍ مختلف لبضع دقائق حتى وصلا إلى البيت، نظر “رمـزي” لهُ ليجد امرأة تتشـ.ـح بالسو’اد تجلس أمام المنزل وهي تبكِ وتُطالب مَن حولها بإعادة صغيرتها لها ويبدو أن هذه الصغيرة هي أول أطفالها، نظر لها ثمّ قال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_دي ماما؟.
حرّكت الصغيرة رأسها برفقٍ لهُ وعادت عَبراتها السا’خنة تتسا’قط على صفحة وجهها الصغير، زفر بعمقٍ ثمّ أقترب مِنهم بخطى هادئة وخلفه صديقه الذي رأى هلـ.ـع هذه العائلة على الصغيرة وأبيها الذي يكاد يفقـ.ـد صوابه وبجواره أخيه الذي كان يُشـ.ـعل الأجواء طيلة الوقت ويُلـ.ـقي اللو’م على الأم، اقتحـ.ـم “رمـزي” هذا التجمع وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بنتك دي يا مدام.
رفعت الأخرى رأسها لهُ تُطالعه بوجهٍ باكِ ثمّ أنتفـ.ـضت واقفة وهي تأخذ صغيرتها مِنْهُ تضمها بقو’ةٍ وتلهُف إلى د’فء أحضانها وهي تبكِ، شَعَرت بالراحة تغمر قلبها حينما عادت لها صغيرتها إليها ومعها زوجها الذي شَعَر بالراحة حينما رأى أبنته بخير أمام عينيه، نظرت إلى طفلتها لتراها مذ’عورة وجسـ.ـدها الصغير ير’تجف تعجبت ونظرت إلى زوجها الذي كان يجهـ.ـل ما أصا’ب صغيرته ولكنهُ نظر إلى “رمـزي” و “يـوسف” معًا واقترب مِنهما قائلًا بترقبٍ:
_أنتَ مين يا جدع أنتَ أنا أول مرَّة أشوفكم فالقرية إهنه، ومالها البت ليه خا’يفة أكده وبتعيط.
جاوبه “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ بوجهٍ بشوش قائلًا:
_أنا زي ما تقول فاعل خير، أنا مش مِن أهل القرية، أنا جيت عشان خاطر ألحـ.ـق بنتك.
تعجبت والدة الفتا’ة وكذلك زوجها لتقترب مِنهم تجاور زوجها قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_يعني إيه جاي عشان تلحـ.ـق البت، أنا مفهماش حاجة.
جاوبها “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وكأنه يستسـ.ـمحهما قائلًا:
_ممكن نتكلم على إنفراد لو مش هضا’يقكم.
_وليه إن شاء الله زينا زيهم ما إحنا أهل البت بردك ولا إيه يا “تَمام”؟.
هكذا رد عم الفتاة غير راضيًا عن قول “رمـزي” الذي نظر لهُ وعَلِمَ أنَّهُ ليس سهـ.ـلًا وما’كرًا، نظر “تَمام” إلى “رمـزي” وقال:
_معلش يا بلدينا متواخذناش، أتكلم عادي كُلنا عيلة مع بعض.
_أعرفكم بنفسي الأول، أنا الشيخ “رمـزي إبراهيم” مش مِن أهل القرية بس جيت عشان خاطر بنتك، تقدر تقول عليا مبروك زي ما بتقولوا يعني، بنتك كانت هتضـ.ـيع يا “تَمام” وأنتَ مش حاسس، أنا جاي سفر ساعتين مِن عابدين لهنا عشانها، شوفتها بتتئـ.ـذي، ومش أي أذ’ىٰ، واحد هنا فالبلد أستد’رج البت للمسجد اللِ قريب مِنكم هنا، كان عايز يعمل حاجة مش كويسة..
قا’طعته والدة الفتاة التي ضر’بت على صد’رها وهي تهتف بصدمةٍ بعد أن شحـ.ـب وجهها وعَلِمَت مقصد “رمـزي”:
_يا مُـ.ـري ..!!
بينما تلبـ.ـست الصدمة “تَمام” وجعلت عقله لا يستطيع استيعاب ما يُقال لهُ، بينما أكمل “رمـزي” حديثه قائلًا:
_الكار’ثة الكبيرة إنُه كان فالمسجد، بيت ربنا الطاهر، صاحبي فتـ.ـح عليه الباب فجأة بعد ما دخلنا وسمعنا صوتها وهي بتبدأ عياط، البت كانت مر’عوبة ومش فاهمة حاجة، حاولت أطمنها على قد ما أقدر بعدها خدتها وخرجنا بيه جه واحد شكله كبير البلد هنا حضر اللِ حصل وخده عالبيت عنده وأنا سألتها إذا كانت تعرف مكان البيت ود’لتني على هنا.
نظرت هي إلى صغيرتها التي كانت تتشـ.ـبث بها وتبكِ لتُشـ.ـدد مِن ضمتها إليها وحاوطتها بذراعيها تمسح على ظهرها بحنوٍ وهي لا تُصدق ما كانت ستتعرض لهُ صغيرتها دون أن تعلم هي عنها شيئًا، بينما كان “تَمام” وكأن أحدهم أسـ.ـقط عصـ.ـاه على رأسه، لا يُصدق ما كانت ستتعرض لهُ صغيرته الوحيدة، ولكنه عَلِمَ مَن يكون هذا الرَ’جُل الكبير كيف لا وهو كبير هذه القرية..
_شوفت يا “تَمام” اللِ حصل عشان تسمع كلامي بعد أكده لمَ أقولك لَبِس البت لبس شـ.ـرعي.
و’قع قول أخيه على مسامع “رمـزي” كالصا’عقة، نظر لهُ “رمـزي” يُحاول إنكا’ر ما سَمِعَه قبل لحظات، فهذا هو الجـ.ـنون بأم عينه، جاوبه “رمـزي” بعدما أشـ.ـعلت كلماته فتـ.ـيلة غضـ.ـبه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_يعني إيه يلَبِس البت لبس شـ.ـرعي؟ دي طفلة ٥ سنين لسه ..!!
_أيوه نلبسوها لبس شـ.ـرعي ومتخرجش مِن البيت كمان إلا مع أبوها أو أمها، العيـ.ـب عليها مش على الر’اجل.
هكذا جاوبه شقيق “تَمام” منفـ.ـعلًا وهو يُعا’نده، بينما كان “رمـزي” في صدمةٍ مِن أمره وكأن د’لوًا مِن الماء سقـ.ـط في رأسه، نظر إلى “تَمام” الذي كان في حالة تخـ.ـبطٍ شـ.ـديدة وقال بنبرةٍ جا’دة:
_أوعى تسمع كلامه يا “تَمام” العـ.ـيب مش عالبت خالص، دي طفلة عارف يعني إيه طفلة ٥ سنين يعني مفيهاش حاجة تفتـ.ـن را’جل العـ.ـيب عالتاني اللِ مبيسعاش غير إنُه يرضي نفسُه، دا اللِ بتحركه شهو’اته وبس ميفر’قش معاه طفلة أو حتى واحدة كبيرة، أوعى تقيـ.ـد حُرية طفلة بمعتقدات أخوك التعـ.ـبانة دي الأطفال بتعيش طفولتها زي ما هي عايزة، اللبس الشـ.ـرعي دا آه هو فريضة بس فتوقيت مُعين، اللبس دا بيتلبس أول ما البنت تتم سن البلو’غ غير كدا لا دي طفلة أوعى تد’مرها هتند’م يا “تَمام” صدقني أنا زيي زيك عندي بنت برضوا بس عندي عقل أفكر بيه، عايز تعمل حاجة صح لبنتك تفتكرك بيها لمَ تكبر وتبقى كبير فنظرها بجد إنك تسجـ.ـن الحيو’ان دا والناس شاهدة والبت هتقول اللِ شافته، لكن لو عملت زي ما أخوك بيقول صدقني هتعيش ند’مان طول عُمرك ومتفتكرش إنها هتنسى حتى لو كان سنها صغير، الحاجات دي مبتتنسيش يا “تَمام” وهتفضل متر’سخة فالعقل طول العُمر وأنتَ فإيدك تخلّي بنتك تشوفك بالصورة اللِ أنتَ عايزها.
جاء قول والدة الفتاة بعدما أقتنعت بحديثه قائلة:
_عندك حق يا شيخ، كلامك كُله صح، أنا حاولت أشـ.ـده مِن تأثير أخوه البت صغيرة ومش فاهمة أي حاجة، بس هنقول إيه بقى.
هـ.ـدر بها شقيقه بإنفعا’لٍ وكأنها أر’تكبت بحقه الجُر’م المشهود قائلًا:
_قصدك إيه يا بت أنتِ، شيفاني شيطا’ن ولا إيه.
وقف “تَمام” أمامه بالمر’صاد بعد أن رآه يُريد أن يهـ.ـجم عليها ليقول بنبرةٍ غا’ضبة وهو يد’فعه إلى الخلف:
_أنتَ أتجـ.ـننت ولا إيه هتمـ.ـد يَدك على مرتي قدامي كمان.
_مش سامع بتقول عليا إيه، ولا فالح بس تد’افع عنها لو غـ.ـلطت فأخوك ..!!
صر’خ بوجهه بغـ.ـضبٍ شـ.ـديد ليردعه “تَمام” الذي قال منـ.ـفعلًا:
_أد’افع عنها وأقف فوش اللِ يتشـ.ـددلها كمان حتى لو كان أنتَ، ولعلمك بقى كلامها صوح ومغـ.ـلطتش فحاجة وأنا مهعملش اللِ بتد’سه فعقلي طول الوقت بنتِ وأنا حُـ.ـر فيها وهتلبس اللِ العيال اللِ فسنها بيلبسوه ومغـ.ـلطتش فحاجة ولو زودت فالكلام هخـ.ـسرك ..!!
حر’بٌ واشتـ.ـعلت بينهم، معتقداتٍ غريبة تُسمع وسيـ.ـطرة غير معهودة تُفر’ض وكأن المسيطـ.ـر عليهم الشيطا’ن، ولكن هذه المرَّة كان شيطا’ن الإ’نس هو المتحـ.ـكم بهم، فبنظر “رمـزي” رأى أنَّ السبب الأول هو شقيق “تَمام” الذي كان يُحاول فر’ض سيطـ.ـرته عليهم دون أن يشعرون ولذلك جاء هو وجعل “تَمام” يأخذ القرار الصحيح ويقف أمامه وجهًا لوجه..
وبعد مرور القليل مِن الوقت،
كان “تَمام” يشكر “رمـزي” و “يـوسف” على ما فعلانه لأجل أبنته قائلًا:
_ميصحش يعني تيجوا وتمشوا أكده على الأقل نتغدى مع بعض.
أبتسم “رمـزي” وقال بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ:
_مينفعش لسه في مشوار سفر ساعتين وعُقبال ما نوصل لعابدين هناخد وقت وعندنا مصالح، المهم إن بنتك رجعت لحضنك عينك عليها وزي ما قولتلك، البت متستاهلش كدا.
زفر “تَمام” وجاوبه بقلة حيلة قائلًا:
_معتقدات أخويا غريبة حبتين بس أنا خلاص فهمت اللِ فيها، بجد بشكركم لتالت مرَّة مش عارف لو مكنتوش وصلتم فالتوقيت المناسب كان جرا’لها إيه، دي بنتنا الوحيدة وكُلّ حياتنا.
_ربنا يحفظها ويباركلك فيها وتشوفها عروسة إن شاء الله.
هكذا جاوبه “رمـزي” مبتسم الوجه وقبل أن يرحل رأى الصغيرة تقف خلف والدها وهي تنظر لهُ نظرةٍ هادئة بعدما قامت والدتها بتبديل ملابسها بأخرى نظيـ.ـفة وصففت خصلاتها البُنية النا’عمة بجديلة رقيقة، أبتسم لها “رمـزي” ليراها تقترب مِنْهُ وهي تَمُد كفها الصغير نحوه ثمّ منحتهُ بسمةٌ حنونة وجميلة وتو’هجت لمعة عينيها كوميض بين عـ.ـتمة الليل الطويل..
مد كفه ممسكًا بكفها ثمّ قرّبه مِنْهُ يُلثمه بحنوٍ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه وهو يسألها:
_أسمك إيه بقى؟.
_”ريماس”.
جاوبته بنبرتها الهادئة الرقيقة مبتسمة الوجه ثمّ سألته هي هذه المرَّة وقالت:
_وأنتَ أسمك إيه؟.
_أسمي “رمـزي”.
أتسـ.ـعت بسمتُها على ثَغْرها وجاوبته بنبرتها الهادئة قائلة:
_أسمك حلو أوي، طب وهو أسمه إيه؟.
أنهـ.ـت حديثها وهي تُشير بعينيها نحو “يـوسف” الذي قال مبتسم الوجه:
_عندك عروسة ليا؟.
حرّكت رأسها تنفي قوله ثمّ جاوبته بنبرةٍ هادئة قائلة:
_لا بس شكلك حلو.
أغلق عينيه نصف غـ.ـلقة وهو ينظر لها مبتسم الوجه ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة وقال:
_أسمي “يـوسف”.
_أسمك حلو برضوا.
أبتعدت حينها ووقفت بجانب أبيها الذي ضمها بكفه ونظر لهما وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_شكرًا ليكم، ربنا يجعلكم فكُلّ خطوة سلامة ويكفيكم شـ.ـر ولاد الحر’ام.
وبعد مرور القليل مِن الوقت،
كان “يـوسف” قد تحرّك بسيارته عائدًا إلى الحارة مجددًا بعدما أتما مهـ.ـمتهما، أراح “رمـزي” رأسه على المقعد وأغمض عينيه وأخرج زفيرة هادئة قائلًا:
_الحمدلله إنها عدت على خير، كُنت مر’عوب أوي مِن فكرة إني مقد’رش ألحـ.ـقها.
جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إلى الطريق قائلًا:
_الحمدلله، كملت على خير … كُلّ ما أفتكر كبير البلد وهو بيقولك مبروك ببقى عايز أضحك.
حرّك “رمـزي” رأسه تجاه رفيقه وجاوبه مبتسم الوجه قائلًا:
_بتتريق.
_لا خالص، حاشا لله أنا أتريق عليك أنتَ برضوا يا شيخ “رمـزي”.
هكذا جاوبه “يـوسف” متفاجئًا ليمنحه “رمـزي” ضر’بةٌ خفيفة على ذراعه ثمّ جاوبه بنبرةٍ حا’دة مصطنـ.ـعة:
_طب أتلـ.ـم وسوق وأنتَ ساكت أحسنلك.
قهقه “يـوسف” بخفةٍ ثمّ ألتزم الصمت بعد أن رأى الإ’رهاق باديًا على صفحة وجه رفيقه فقد كانت الرحلة طويلة ومتـ.ـعبة وها هي الساعة أصبحت الرابعة عصرًا، وردته رسالة مِن ابن عمّه ولذلك نظر إلى هاتفه وقرأ الرسالة التي كانت محتواها:
_فينك يا “يـوسف” أنا نزلت الحارة ملقتكش.
قام بتسجيل مقطع صوتي لهُ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_فمشوار كدا وراجع دلوقتي، قدامي ساعتين ٣ ساعات بالكتير وأكون فالحارة متقلـ.ـقش عليا.
أرسله إليه ثمّ ترك هاتفه وألتزم الصمت وقاد السيارة بهدوءٍ بعد أن رأى “رمـزي” قد استسـ.ـلم لبحو’ر النوم بعد يومٍ طويل عليهما.
________________________
<“أتتها الضر’بة القا’تلة طا’عنةً رو’حها النقـ.ـية.”>
في منزل العائلة الذي يبعُد عن الحارة قليلًا،
كانت هي تقف في المطبخ تقوم بإعداد الطعام بهدوءٍ بعد أن أخبرتهُ أنها تُريد أن تذهب إلى منزل العائلة حتى لا تظل وحدها في المنزل وحتى يعود هو مِن الخارج، وَلَجَت لها شقيقتها الكبرى ومعها صغيريها اللذان ركضا خلفها يأخذان قطعتين مِن الحلوى التي تُعدها، نظرت لهما “زُبيـدة” وأبتسمت بحنوٍ حينما رأتهما يتناولان مِنها لتقول بنبرةٍ هادئة:
_عجبتكم.
حرّكا رأسهما برفقٍ يُبديان موافقتهما على كلمتها لتتسـ.ـع بسمتُها ويركضان مِن جديد إلى الخارج، نظرت هي إلى شقيقتها الكبرى التي عقدت ذراعيها أمام صد’رها وقالت بنبرةٍ هادئة مبطـ.ـنةٌ بالخبـ.ـث الخـ.ـفي:
_إلا قوليلي صحيح يا “زُبيـدة”، هو أنتِ و “يعقـوب” مش ناويين تخلفوا.
تعجبت “زُبيـدة” ولذلك نظرت لها وقالت بنبرةٍ هادئة تملؤ’ها الشـ.ـك:
_وأشمعنى بتسألي السؤال دا يعني، أظن أنا مسألتكيش إذا كُنتي هتخلفي أنتِ و “سلمان” العيل التالت ولا لا.
تصـ.ـنعت “رانيا” الطيبة أمامها وهي تقول بنبرةٍ ملتو’ية:
_أبدًا يا حبيبتي، أنا بس مستغربة بقالكم ٤ سنين ومفيش حاجة، وبعدين يا ختي أنا شا’يلة هـ.ـمك مش أكتر يعني مِن باب العلم بس تطمني على نفسك، ليكون في حاجة كفالله الشـ.ـر وأنتِ مش در’يانة، وبيني وبينك “يعقـوب” حتى لو بيحبك هيكون نفسُه فحـ.ـتت عيل كدا يفرحُه، ويبقى مِنك أهوَن ما يكون مِن غيرك.
زرعت الشـ.ـك بداخلها بسلاسة ويُسرٍ حينما رأت تخبـ.ـطها على صفحة وجهها والخو’ف في عينيها، بينما أبتسمت هي وتركتها وخرجت بعد أن استطاعت إصا’بة هدفها ببراعة واحترافية، كانت “زُبيـدة” تقف بجسـ.ـدٍ متصـ.ـلب بعد أن زرعت شقيقتها الشـ.ـك بداخلها، اضطـ.ـربت خَـ.ـفَقات قلبها وشعرت بالخو’ف مِن احتمالية حد’وث الأمر فلن تتحمـ.ـل أن ينظر “يعقـوب” لغيرها، شَعَرت بالغـ.ـصة في قلبها ولذلك قررت أن تعود إلى شقتها بعد أن شَعَرت بعد’م الراحة..
تركت كُلّ شيءٍ وعدلت مِن حجاب رأسها وخرجت بعد أن أخذت حقيبتها وهاتفها لتراهم يجلسون جميعهم في الخارج وصوت ضحكاتهم يعج بالمكان، سارت تجاه باب المنزل ولكن أوقفها صوت “سلمان” الذي لمحها وهي تتجه نحو الخارج قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_رايحة فين يا “زُبيـدة” كدا ومال وشك مخطو’ف كدا ليه، أنتِ كويسة؟.
ألتفتت “زُبيـدة” لهم بعد أن أوقفها سؤال “سلمان” زوج شقيقتها الكبرى لتنظر بعدها إلى الجميع بعينين تغلفهما سا’ئلًا شفا’ف ثمّ قالت بنبرةٍ حاولت جعلها هادئة برغم تذ’بذُبها:
_مفيش حاجة، أنا بس حسيت إني تـ.ـعبت شوية فقولت أروّح بيتي، و “يعقـوب” زمانه راجع دلوقتي يا دوب ألحق أسـ.ـخنله الأكل عشان أكيد مكالش.
نظر لها والدها نظرةٍ ذات معنى ثمّ سألها بنبرةٍ هادئة وقال:
_أنتِ متأكدة يا حبيبتي إنك كويسة، شكلك يقول إن فيكِ حاجة ومش عايزة تقولِ.
أبتسمت “زُبيـدة” بسمةٌ خا’لية مِن الحياة وقالت:
_كويسة يا بابا متقلـ.ـقش عليا، عن إذنكم.
أنهت حديثها ثمّ ألتفتت وأكملت سيرها تجاه الباب الذي أخـ.ـتفت خلفه بعد ثوانٍ، تعجب “سلمان” كثيرًا ثمّ نظر إلى “رانيـا” زوجته التي كانت تجاوره وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_في إيه أختك مالها؟ أول مرَّة أشوفها فالحالة دي في إيه؟.
_وأنا هعرف منين يا “سلمان”؟.
سألته “رانيـا” بنبرةٍ جادة ليجاوبها هو في الحال قائلًا:
_قولت أكيد تعرفِ عشان هي مبتحكيش حاجة لحد غيرك يعني.
لم تُبدي أهتمامها بالأمر لتجاوبه بعدم أهتمام قائلة:
_معرفش تلاقيها متخا’نقة مع “يعقـوب” ولا حاجة.
شَعَر “سلمان” بعد’م الراحة ولكنهُ لم يتحدث وألتزم الصمت فلأول مرَّة يرى عد’م الاهتمام مِن زوجته تجاه شقيقتها وهذا بات يُقـ.ـلقه، بينما عادت “زُبيـدة” إلى شقتها وأغـ.ـلقت الباب خلفها بعنـ.ـفٍ ومعهُ سقـ.ـطت عَبراتها على صفحة وجهها بعد أن تلقت حديث شقيقتها الذي كان كالسـ.ـكين الذي يختر’ق جسـ.ـد المرء بلحظة غد’ر مِن الحبيب وتركتها تنزُ’ف دون أن تُقدم لها يَد المعونة وتد’اوي جرو’حها، وَلَجَت إلى غرفتها وهي تبكِ لتتفاجئ بوجود “يعقـوب” الذي كان ينز’ع سترته الشتوية ويبدو عليه أنَّهُ عاد منذ دقائق قبل مجيئها..
توقفت يَداه فجأةً وهو ينظر لها يراها تبكِ بطريقةٍ أثا’رت حفيظته وجعلت العديد مِن السيناريوهات السو’د’اء تتر’سخ داخل عقلُه، بينما أصا’بتها الصدمة حينما رأته أمامها ولذلك رفعت كفيها تُز’يل عَبراتها عن صفحة وجهها ثمّ ألتفتت لتخرج قبل أن ينها’ل عليها بالأسئلة اللانهائية ولكن كان هو أسرع مِنها حينما قطـ.ـع المسافة الفا’صلة بينهما بسرعةٍ فائقة ممسكًا بذراعها ير’دع فعلها، أدارها مجددًا لهُ وهو ينظر إلى وجهها الباكِ وعينيها التي أكتسـ.ـتهما الحُـ.ـمرة ليقول بنبرةٍ خشـ.ـنة متر’قبًا ردًا مِنها:
_في إيه راجعة معيطة ليه، مين هناك ضا’يقك ومشاكِ معيطة؟.
حا’صرها مِن جميع الاتجاهات حتى لا يكون أمامها فرصةً للهر’ب مِنْهُ فهو يعلمها جيدًا ويعلم أن أحدهم قد قام بمضا’يقتها ولذلك عادت مبكرًا عن طبيعتها، وهذه أول مرَّة تُحاول الهر’ب مِنْهُ ولا تستطيع الفر’ار مِن حصا’ره عليها، أنكـ.ـست رأسها للأسفل وسقـ.ـطت عَبراتها السا’خنة مجددًا على صفحة وجهها ولذلك مد هو كفه الأيسر يُمسك بذقنها ويرفع رأسها عاليًا لتواجه عيناه عينيها مباشرةً، أعاد سؤاله مرَّةٍ أخرى متر’قبًا وقال:
_هسألك تاني يا “زُبيـدة”، مين اللِ مشاكِ مِن عند أبوكِ معيطة ومش هعيد سؤالي تاني.
وهذه المرَّة خا’لفت توقعاته حينما أر’تمت داخل أحضانه تحاوط خصره بذراعيها وتضع رأسها فوق صدره تبكِ بعد أن عادت كلماتها ترن في أُذُنيها كطبول الحر’ب التي تُطرق دون توقف، كان يعلم أن ثمة شيئًا ما حدث وهي تخـ.ـشى إخباره فهي ليست بجديدة عليه ويعلم عنها ما لا تعلمه عن نفسها، رفع ذراعيه يحاوطها ضاممًا إياها إلى د’فء أحضانه يمسح بكفه على ظهرها صعودًا وهبوطًا قائلًا:
_أهدي وأحكيلِ اللِ حصل براحة عشان أفهم.
لأول مرَّة تشعُر بهذا الشعور، فلم تكُن تتخيل أن تر’تمي بأحضانه يومًا وتبكِ بهذه الطريقة وتشـ.ـكو لهُ بما يُثير خو’فها، وعن هذه اللحظة فبدأت تُخبره بما حدث وهي تبكِ قائلة:
_أنا خا’يفة أوي يا “يعقـوب” مِن حاجات كتير.
عقد حاجبيه متعجبًا ثمّ قال بنبرةٍ هادئة يسألها:
_خا’يفة مِن إيه يا حبيبتي؟ قوليلي.
بدأت تقـ.ـص عليه ما حدث في منزل العائلة بصوتٍ مخـ.ـتنق وهي تبكِ قائلة:
_”رانيـا” خو’فتني أوي النهاردة، “يعقـوب” هو أنا ليه لحد دلوقتي مخلّفتش، بقالنا ٤ سنين مع بعض وأنتَ مجيبتش أي سيرة فحوار الخلفة دا … هو أنتَ مش عايز تخلف مِني؟.
كان بداخله الشـ.ـك حاضرًا حينما بدأت تتحدث، كان يعلم أن السـ.ـر خلف حالتها تلك هي شقيقتها التي تتـ.ـلذذ بإخا’فتها وزرع الشـ.ـك داخلها تجاهه، وبدون أن ينتظر تلقي المزيد كان يعلم المقبل ولذلك لم يمـ.ـنعها مِن الإكمال، زفر بعمقٍ ثمّ قال بنبرةٍ هادئة:
_كملِ، “رانيـا” قالتلك إيه خلّاكِ بالمنظر دا.
جاوبته بنبرةٍ تملؤها القلـ.ـق والخو’ف وهي تسرد عليه ما حدث قائلة:
_قالتلي إني أروح لدكتورة أكشـ.ـف عشان أعرف أنا محملـ.ـتش لحد دلوقتي ليه، أنا وقفتلها فالأول بس هي خو’فتني أوي باللِ قالته، قالتلِ إن مهما كان مقدار حُبّك ليا هتعوز تخلّف ولو أنا مطلعتش بخلّف أنتَ ممكن تتجوز عليا وتخلّف، “يعقـوب” هو أنا بجد ممكن يكون فيا حاجة عشان كدا محـ.ـملتش لحد دلوقتي وأنتَ فعلًا ممكن تعمل كدا.
كانت تر’جوه خـ.ـفيةً أن يبدد كُلّ ظنونها تلك وأن يُخبرها عكـ.ـس كُلّ ذلك، فهي تُحبه بشـ.ـدة ولا تُريد أن تفتر’ق عنهُ أو يشعُر نحوها بالمـ.ـلل ويصحو شو’قه بداخله لأمتلا’ك طفلٍ صغير، شَعَر بوجفة صغيرة تُسيـ.ـطر على جسـ.ـدها ليُشـ.ـدد هو مِن ضمته لها تزامنًا مع قوله الهادئ بنبرته الد’افئة:
_أنا لمَ أتجوزتك، أتجوزتك عشان بحبك وعايزك أنتِ، مكانش فد’ماغي موضوع الأطفال دا خالص، وعلى مدار الـ ٤ سنين دول أنا مجيبتش سيرة الأطفال تمامًا ولا طلبت خلفة، عارف إن بييجي عليكِ وقت بتحسّي فيه إنك محتاجة للطفل دا وعارف إنُه مش بإيدك ومش بلو’مك دا حقك، أنا حاسس بيكِ وعارف إنك خا’يفة وبرغم علمي إنك كويسة بس حاضر، هوديكِ للدكتورة عشان تطمني على نفسك، وبخصوص إني ممكن أتجوز عليكِ عشان الخلفة فمستحيـ.ـل تحصـ.ـل، أنا لسه مِن كام يوم بقولك مصدقت لقيتك وحابب أفضل جنبك، مستحيـ.ـل أسيبك مهما حصـ.ـل يا “زُبيـدة”، أنتِ راحتي، وقت ما بتر’مي فحُضنك بلاقي الوَنَس وبلاقي نفسي معاكِ.
وبعد أن أنهـ.ـى حديثه ودام الصمت بينهما هُنَيْهة، رفعت هي رأسها بعد أن أبتعدت عنهُ قليلًا تنظر لهُ بعينيها الباكيتين لتراه ينظر لها وقد أبتسم لها بسمةٌ حنونة دون أن يتحدث، تلاقت الأعين، فالأعين نوا’طق، رأت الصد’ق في عينيه وكأنها تؤكد لها ما قاله قبل قليل، كانت تظن أنها لحظةٌ عابرة حتى تهدأ ولكن لم يكُن الأمر كذلك معهُ..
_بجد يا “يعقـوب”، يعني أنتَ مش مضا’يق مِن الموضوع ولا عندك مشـ.ـكلة إني أروح أكشـ.ـف صح؟.
كانت تأمل في الجواب المُراد، كانت تتمنى أن يؤكد لها حديثها وينفي ضـ.ـيقه مِن الأمر، وصدقًا لم يبخـ.ـل عليها بالجواب فقد أكد على حديثها بهزَّة صغيرة مِن رأسه ثمّ منحها بسمةٌ حنونة وقال بنبرةٍ هادئة:
_لا يا حبيبتي مش مضا’يق ولا عندي مشـ.ـكلة، اللِ يهـ.ـمني راحتك وبس وميهـ.ـمنيش لا كلام أختك ولا أي حد، أنا بحبك يا “زُبيـدة” وهفضل أحبك العُمر كلُه ومهما لفيت مش هلاقي فحنيتك وجمالك وحلاوتك، “يعقـوب” مستحـ.ـيل يكون مع غيرك يا “زُبيـدة” حتى لو هيمو’ت عالعيل.
ترقرق الدمع في المُقل وهي تنظر لهُ لا تُصدق أُذُنيها، لم يخد’عها قلبها حينما أختاره هو مِن بين الجميع، علت البسمةُ ثَغْرها وهي تنظر لهُ لا تُصدق ما سمعته أُذُنيها قبل قليل، وعنهُ فقد منحها بسمةٌ حنونة ثمّ رفع كفيه يُز’يل عَبراتها عن صفحة وجهها برفقٍ ثمّ ضمها إلى د’فء أحضانه يُلثم خَدِّها بحنوٍ، بينما شَعَرت هي بالراحة تغمر صد’رها بعدما أستمعت إلى حديثه ولذلك لم تفعل شيئًا سوى أنَّها تركت نفسها تلُـ.ـذ بتلك اللحظة التي أصبحت عشـ.ـقًا لها في الآونة الأخيرة غا’فلةً عن “يعقـوب” الذي كان يتو’عد لشقيقتها بداخله سـ.ـرًا.
________________________
<“تلاقت الأرو’اح ووجد الرفيق رفيقه.”>
منذ قرابة الساعة وهو يجلس أمامها،
لا يتحدث كُلّ ما يفعله هو الالتزام بالصمت منذ رحيل ابن أخيه للجلوس مع خطيبته قليلًا، بينما كانت هي تجلس أمامه تضغط على كفيها وهي لا تعلم كيف تكسـ.ـر هذا الصمت القا’تل القائم بينهما فهو أمامها كالمغـ.ـيب منذ أن جاء وتركتهما “شاهـي” وذهبت للاطمئنان على الفتا’تين..
أخرجت زفيرة عميقة وقررت كسـ.ـر هذا الصمت حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_لو حابب تتكلم فأي حاجة أنا سمعاك.
صوتها كان كصوت الإنذ’ار بالنسبةِ إليه في هذه اللحظة، أنتشـ.ـلته مِن قوقعة سواء كبيرة أبتلـ.ـعته دون أن يدري بها وترك نفسُه لها دون أن يقاو’مها، نظر لها بتيـ.ـهةٍ واضحة لتُعيد هي تكرار جملتها مبتسمة الوجه وبنبرةٍ هادئة قائلة:
_بقولك لو حابب تتكلم فأي حاجة أنا سمعاك.
ومِن جديد عاد الصمت يُلازم المكان هُنَيْهة، شَعَرت بالإحبا’ط ولذلك تركته ولم تتحدث مجددًا لمدة دقيقتين حتى جاء صوته الهادئ يكسـ.ـر حِدَّ’ة الصمت بينهما قائلًا:
_أنا مخنو’ق ومبقتش قاد’ر أستحمل ولا طا’يق نفسي، مبقتش قاد’ر خلاص، ولادي بيضيـ.ـعوا مِني وأنا حاسس بالعجـ.ـز مش قا’در أعملهم حاجة، جَت تاني تكمل تد’مير فيهم وتجر’يح، رجعت تقف فوش سعادة ولادي وتحر’مهم مِن أبسط حقوقهم، جَوزت أبني الصغير لواحدة على مزاجها كانت نسخة مِنها فكُلّ حاجة، ويوم بعد يوم أبني بدأ يتغيَّر، كُلّ يوم تتخا’نق معاه، جه مرَّة قالي بابا أنا مخنو’ق ومش طا’يق نفسي، قولتله ليه يا “محمـود” إيه اللِ حصل يا حبيبي، مرَّة واحدة لقيته بصلي وقالي هو أنا فيا حاجة تعـ.ـيبني وأنا مش واخد بالي مِنها..
_سكت شوية بحاول استوعب اللِ بيقوله، رديت عليه وقولتله لا يا حبيبي ليه بتقول كدا؟ قالي أصل “تماسـي” محسساني بالنقـ.ـص، مش عايزة تخلّف مِني يا بابا وبتتحـ.ـجج بمنظر جسـ.ـمها اللِ خا’يفة عليه يبو’ظ مِن الحمـ.ـل والخلفة، أنا أتو’جعتله وقتها وحاولت محسسهوش بأي حاجة، كانت خـ.ـنقاه أوي يا “هنـاء” أبني كان كُلّ يوم فالأسو’أ وهي ولا على بالها، كانت تيجي على أبنها عشانها أنتِ متخيلة؟!.
نظر لها ليراها تنظر لهُ وتستمع إليه وتنتظر استماع المزيد مِنْهُ بعد أن بدأ يتحدث، فقد شَعَر بأن شيئًا سيحد’ث لهُ إن لم يتحدث ويقول شيئًا، بينما أكمل هو حديثه بقوله:
_مؤخرًا ر’فضت تمامًا تديه حقو’قه، فضلت شهر كامل را’فضة بدون سبب وعلى طول تتخا’نق معاه وتنـ.ـكد عليه أول ما يصحى مِن النوم، لحد ما جه اليوم ور’مى عليها يمين الطلاق بالتلاتة، وبرضوا بعد كُلّ اللِ شافُه لسه واقفة معاها ضـ.ـد أبنها، مفيش كام يوم وأنا كمان ر’ميت عليها يمين الطلاق ومشيتها، مبقتش قا’در أستحـ.ـملها سعادتي مسر’وقة مِني، ور’افضة تديني حقو’قي مبقتش فاهم حاجة حتى أبنها الكبير عايزة تتحـ.ـكم فيه زي ما عملت مع “محمـود”، جَت النهاردة تاني عشان تر’فض البنت اللِ أختارها جابتله حالة نفسية، بقى عصـ.ـبي أوي وبيرزع أي حاجة فالأرض، حتى “محمـود” ر’ماها بره البيت وقالِ أنا يتيـ.ـم الأم مِن النهاردة، أنا أمّي ما’تت، متخيلة الو’جع يا “هنـاء” اللِ عايشين فيه بسببها، أنا وعيالِ منستا’هلش معاملة زي دي بجد دي د’مرتنا.
آ’لمها قلبها بشـ.ـدة حينما استمعت إلى حديثه ورأت الحز’ن يكاد يلتـ.ـهمه حـ.ـيًّا، نعم هي لم تُجرّب هذه اللحظات ولكنها تذوقت ما هو أ’مَر مِنها، أبتسمت بداخلها ساخرةً ثمّ وجدت نفسها تُخبره بما رأته مع “فارس” دون أن تشعُر وكأنها تُخبره أنها عا’نت مثله تمامًا ولكنها كانت تعيش في الجحـ.ـيم نفسُه قائلة:
_و’جعك ميجيش جنب و’جعي حاجة يا “عمـاد”، مجرّبتش شعور يكون مرغوب فيك وفجأة متبقاش مرغوب ولا اللِ كان راغبك بقى زي الأول، فيوم وليلة كُلّ حاجة أتبدل حالها وبقينا فالأسو’أ، جوزي اللِ ميجوزش عليه غير الرحمة دلوقتي كان هوائي، كلمة تجيبه ومليون توّديه، بعد ما كان بيثق فبنته ثقة عـ.ـمياء فلحظة أتبدل حاله وبقى شـ.ـكاك، أول واحدة شـ.ـك فيها كانت بنته اللِ رباها على إيديه، “بيلا” شافت أيام صـ.ـعبة أوي فحياتها وأنا معاها، فجأة عايز يجوزها لواحد أكبر مِنها بـ ٨ سنين، و “يـوسف” اللِ أتبهد’ل معانا وشاف المُـ.ـر وأتحمـ.ـل كتير أوي عشانا، تربيتي “يـوسف” دا، ربيته وعاملتُه زي ولادي بالظبط عُمري ما فرّ’قت بينه وبين ولادي كلهم كانوا عندي واحد، بس الشيطا’ن كان شاطر وفجأة “فارس” قرر فاليوم دا يكون كتب كتابها عالشحـ.ـط دا عشان يد’اري العا’ر اللِ ملهوش وجود أساسًا..
أنتبه لها “عمـاد” بجو’ارحه منتظرًا سماع المزيد مِنها بعد أن د’فعه فضوله لمعرفة الكثير عن حياتها السابقة فهذه هي الفرصة الذهبية المناسبة لهُ لمعرفة الكثير عنها قبل أن يُقرر أيُ شيءٍ نحوها، بينما أكملت هي حديثها وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أخو الواد اللِ كان عايز يجوزهولها لعب لعبة قذ’رة على “يـوسف” وقتها وبعت لبنتي رسالة مِن موبايله بيقولها فيها إنُه عايز يقابلها عشان وحشته، كانت لعبة **** مِنهم هما الـ ٢ عشان هو كان بيحب بنتِ وفنفس الوقت “يـوسف” كان بيحبها بس مِن زمان، لمَ كانت عيلة صغيرة، وهو الواد دا مِن يوم يومه عد’و “يـوسف” مبيجتمعوش فحاجة خالص، “بيلا” وقتها إنها’رت وحبـ.ـست نفسها، وفاليوم دا “فارس” كان زي التو’ر مش شايف حد نزل فيها ضر’ب وشـ.ـد شعر ومِن شعـ.ـرها للشارع تحت كان يوم ما يعلم بيه إلا المولى، أنا كُنت هتجـ.ـنن ورا’فضة قراره مستحيـ.ـل أر’مي بنتِ فالنا’ر، جريت على “يـوسف” وقتها أستنجـ.ـد بيه وهو مكد’بش خبر فدقايق كان عندي، حاولنا معاها مكانش فيه رد “يـوسف” أضطـ.ـر يكـ.ـسر الباب لقيناها فالأرض وفإيديها إزازة سـ.ـم معرفش جابتها منين..
أيقن “عمـاد” في هذه اللحظة أن ما عاشه لن يأتي شيئًا بجانب ما رأته “هنـاء”، وفي هذه اللحظة رأها امرأة قوية برغم الصعا’ب لم تأبى لأي شيءٍ ور’فضت الخسا’رة والخضو’ع، برغم كُلّ شيءٍ أثبتت قوتها وعدم خضو’عها مهما كلفها الأمر، أكملت هي حديثها قائلة:
_”يـوسف” كان جدع معانا ووقف معانا وفوش “فارس” وعيلة الجز’ار، خدها وجر’ي بيها عالمستشفى وهو اللِ د’فع مصاريفها مسابناش لحظة واحدة، كان عنده شقة جايبها عشان لمَ يتجوز قعدنا فيها وكُلّ طلباتنا جابها وكُلّ يوم ييجي يطمن علينا، وأنا لسه كُنت خا’يفة لـ “فارس” يلاقينا فأي لحظة فملقيتش طريقة غير إني أجوزهم على الأقل هبقى مرتاحة أكتر لمَ يكون معاها، وعدت الأيام وأتحطينا قدام الأمر الواقع صحيح شوفنا كتير و “يـوسف” شاف السو’اد بس رغم كُلّ دا متهز’ش ولا خا’ف، وعدت الأيام وأكتشـ.ـفت بنتِ التانية لسه عايشة والبيه هو اللِ مفهمني إنها مـ.ـيتة وهي أساسًا فغيبو’بة بقالها ٩ سنين، و’جع يا “عمـاد” عيشناه متمناهوش لأي حدّ بجد، وعدت السنين وأكتشـ.ـفت إنُه متجوز عليا ٣ ومخلف مِن ٢ وآخرهم واحدة مِن دور بنا’ته، لا أنا شوفت عذا’ب سنين قدام مكانش سهل عليا خالص اللِ شوفته.
أبتسم “عمـاد” بداخله ساخرًا بعد أن كان يظن أنَّهُ هو الوحيد الذي عاش حياة مأ’ساوية اليوم يكتشف أخرى عاشت حياة أكثر مِن مأ’ساوية وكأن الحياة أعطتها الأ’لم كُلّه ولم ترأ’ف بحالها يومًا، نظر لها مطولًا يسأل نفسُه كيف أستطاعت تحـ.ـمُل هذا الأ’لم وحدها دون أن تشـ.ـكو لأحدٍ، ويبدو أن هذا جذ’به أكثر لها، كسـ.ـر حِدَّ’ة هذا الصمت بينهما صوته حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_أنتِ سـ.ـت قوية أوي يا “هنـاء”، رغم كُلّ اللِ شوفتيه مستسـ.ـلمتيش ولا و’قعتِ رغم إن اللِ حصـ.ـلك مش سهل على أي وحدة بس أنتِ غير أي حد، بجد أنا مبهور بيكِ وأكيد هو ند’م إنُه جر’حك بالشكل دا، أنتِ تستاهلِ حياة أفضل مِن كدا صدقيني، ويمكن قريب تلاقي الحياة اللِ كان نفسك تعيشيها.
كان حديثه مُلَّغَمًا، أراد أن يرى ردة فعلها على كلماته الأخيرة دون أن تشعُر هي بالر’يبة وحتى يطمئن هو ويستطيع أن يُخبر ولديه بصد’رٍ مطمئن ما يُريد، رأى التردد فوق صفحة وجهها فيبدو أنها كانت لا تُفكر في هذا الشيء واختارت أولادها فضلًا عنها، ولكن لا يستطيع المرء أن يُكمل الدرب وحيدًا خصيصًا في حالة كحالة “هنـاء” فهي تفتقـ.ـر للكثير وتجهـ.ـل مكانه، نظرت لهُ لتراه ينظر لها نظرةٍ مختلفة عن تلك التي كان ينظر لها بها، ولوهلة شَعَرت بخَـ.ـفَقات قلبها تز’داد بشكلٍ ملحوظ حتى أنها بدأت تسمعها ترن في أُذُنيها..
توترت ولم تعلم ماذا عليها أن تفعل أمامه بعد أن بدأت تشعُر نحوه بشيءٍ مختلف تعلمه جيدًا ولكنها أرادت إنكا’ره، جاءها صوته الهادئ حينما قرر كسـ.ـر هذا الصمت بينهما مفصحًا ما بجعبته بقوله:
_إحنا الـ ٢ عيشنا تجربة صعـ.ـبة يا “هنـاء” بطريقة مختلفة، و’جعنا مش زي بعض بس قا’درين نحسّ ببعض ونفهم بعض، “هنـاء” أنا آه أعرفك مِن بدري، مِن ساعة ما عرفنا إن “يـوسف” و “مـها” لسه عا’يشين وصحيح متكلمناش قبل كدا زي النهاردة بس أنا حابب أقولك حاجة مش قا’در أخـ.ـبيها جوايا أكتر مِن كدا وواثق إن المرَّة دي هتكون مختلفة سواء كان ليا أو ليكِ، مِن قبل ما أطلق “زينـات” وأنا حاسس بحاجة بتشـ.ـدني ليكِ، معرفش إيه هي بالظبط بس حسيت بحاجة مختلفة معاكِ ملقيتهاش فـ “زينـات”، أو ممكن أقول أنتِ مختلفة عنها فكُلّ حاجة، لقيت نفسي معاكِ، لقيت اللِ كُنت بدوّر عليه ومش قادر ألاقيه، غصـ.ـب عنّي أتشـ.ـدتلك ومعرفتش أمـ.ـنع نفسي بس فضلت ساكت ومعرفتش أقول حاجة، بس بصراحة أنا مبقتش قا’در أفضل ساكت أكتر مِن كدا وحابب أصارحك عشان أرتاح شوية ومفضلش متعذ’ب كدا كتير، “هنـاء” … أنا بحبك.
وفي هذه اللحظة سيتبدل كُلّ شيءٍ وتشرق الشمس بعد أن غربت منذ سنوات ولم تأتِ مجددًا، في هذه اللحظة أفصح العاشق عن حُبّه لمَن يُحب، لم يأبى لأي شيءٍ مِن الممكن أن يحدث في هذه اللحظة، فقد فا’ض بهِ وأعلن استسلا’مه أمام مشاعره تجاه مَن طالبه بها قلبه، ألقـ.ـى ما بجعبته وأنتظر الجواب المُراد مِنها، بينما كانت هي تنظر لهُ مصدومةً، لا تُصدق حتى هذه اللحظة ما قاله، تصلَّـ.ـب جسدها وحُبِـ.ـسَت أنفاسها وأ’زداد خَـ.ـفَقان قلبها أكثر وأكثر، لقد أحـ.ـيا “عمـاد” مِن جديد مشاعرًا سَعَـ.ـت هي لسنوات لد’فنها بلحظة واحدة..
توترت أمامه ولم تعلم ماذا عليها أن تفعل أو تقول فلقد د’اهمها وأخبرها بما لم تكُن تتوقعه يومًا، تذ’بذبت نظراتها أمامه واضطـ.ـربت وتيرة أنفاسها بشكلٍ ملحوظ:
_عن إذنك يا “عمـاد”.
تحدثت بنبرةٍ متو’ترة ثمّ نهضت واقفة وذهبت إلى غرفتها سريعًا دون أن تُعطيه فرصة لقول شيءٍ آخر، نظر لأثرها هُنَيْهة متعجبًا ولكنهُ تَفَهَّم مشاعرها والتخـ.ـبطات التي تواجهها ولذلك لم يتحدث وقرر تركها تأخذ وقتها كيفما تشاء، في هذه اللحظة أقتربت مِنْهُ “شاهـي” بعد أن عادت مِن الخارج ولمحت “هنـاء” تذهب مسرعةً إلى غرفتها دون أن تتحدث معها، جلست مكانها ونظرت إليه لتراه يتكـ.ـئ برأسه أرضًا دون أن يتحدث، كسـ.ـرت هي هذا الصمت القائم بينهما بقولها المتسائل:
_في إيه يا “عمـاد” إيه اللِ حصل؟ مالها “هنـاء”؟.
لحظات مِن الصمت بينهما ورفع “عمـاد” رأسه ينظر لها بهدوءٍ يرى ترقُبها ونظراتها التي كانت مصوبةٌ نحو الداخل ليقول بنبرةٍ هادئة بدون تردد:
_أنا بحب “هنـاء” يا “شاهـي”.
تفاجئت “شاهـي” كثيرًا حينما أستمعت إلى تصريحه الذي لم يخجـ.ـل مِن إفصا’حه لها، كانت تنظر لهُ مذهولةً لا تُصدق ما تسمعه ليُكمل هو حديثه بقوله:
_أيوه بحبها، وقولتلها إني بحبها كمان، مش عارف أخبي أكتر مِن كدا أنا لقيت نفسي معاها وجوايا حاجة ليها بتشـ.ـدني وأنا مش حاسس.
تَفَهَّمت هي حديثه ولذلك لم تعتـ.ـب عليه فهي تعلم أن “عمـاد” نو’اياه دومًا طيبة وما بجعبته يُخرجه أيًا كان، أخرجت زفيرة هادئة ثمّ قالت:
_أنا فاهمة وحاسّة بيك، عارفة إن اللِ فقـ.ـلبك على لسانك على طول، أنا هشوفها وهقولك متقلـ.ـقش أنا فاهمة “هنـاء” وعارفة هي بتفكر فإيه.
نظر لها “عمـاد” في هذه اللحظة متأملًا بها خيرًا ليقول بنبرةٍ هادئة متسائلًا:
_يعني ممكن تساعديني؟ “هنـاء” بالنسبة لي دلوقتي طو’ق النجـ.ـاة يا “شاهـي” وأنتِ ممكن تساعديني.
أبتسمت لهُ “شاهـي” بسمةٌ هادئة ثمّ قالت بنبرةٍ حنونة:
_هساعدك أكيد يا “عمـاد”، هو في أخت تسـ.ـيب أخوها عا’يم كدا برضوا ومتساعدهوش، أوعدك مش هيهـ.ـدالِ بال غير وهي معاك وفبيتك كمان، “هنـاء” مهما بينت إنها قو’ية ومش محتاجة لر’اجل فهي مِن جواها مش كدا خالص وضـ.ـعيفة بس لازم تبان قو’ية للِ قدامها، سيبني بس أظبطلك الدُّنيا وهرسيك على الحوار.
أتسـ.ـعت بسمةُ “عمـاد” على ثَغْره حينما تلقى الدعم مِنها ولذلك شكرها بقوله:
_بجد شكرًا ليكِ يا “شاهـي”، مش عارف مِن غيرك كُنت هعمل إيه بصراحة.
_متقولش كدا يا “عمـاد” مفيش بينا شُكر، وبعدين إحنا أخوات يعني فرحتك وراحتك هي نفسها فرحتِ وراحتِ.
هكذا جاوبته مبتسمة الوجه ثمّ نهضت واقفة وتوّجهت إلى غرفة “هنـاء” بخطى هادئة بعد أن عزمت على مساعدة “عمـاد” مهما كلفها الأمر، وَلَجَت إلى غرفتها بعد أن طرقت فوق الباب لتراها تقف أمام النافذة تنظر إلى الخارج بهدوءٍ شـ.ـديد ويبدو التخبـ.ـط باديًا على صفحة وجهها، أغلقت الباب خلفها ثمّ اقتربت مِنها حتى جاورتها قائلة بنبرةٍ هادئة:
_حاسّة بيكِ وعارفة إنك متو’ترة ومشاعرك كُلّها أتلـ.ـغبطت مرَّة واحدة ومش عارفة تتصرفي ولا تاخدي قرار، بس إن جيتِ للحق أنا شايفة إن دي فُرصتك ترجعي تعيـ.ـشي تاني وتخرجي مِن الحـ.ـبسة والعُز’لة اللِ أنتِ فيها دي يا “هنـاء”، فكري فيها براحة تاني هتلاقيني بتكلم صح، وبعدين “عمـاد” كويس وبيحبك بجد، هو كمان زيك وشاف المُـ.ـر كُله معاها بس كمل ودوّر على نفسُه وهو زيُه زيك عنده شا’بين وشا’يل هـ.ـمهم زي ما أنتِ شا’يلة هـ.ـم ولادك، مش بقولك كدا عشان خاطر هو أخو جوزي بالعكس أنا قلـ.ـبِ عليكم أنتوا الاتنين وتهمني سعادتكم وأنتِ عارفة كويس أوي إنك أختِ يعني يهمني مصلحتك، فكري براحتك وأديني قرارك خُدي وقتك والقرار اللِ هتاخديه محدش هيعا’رضك فيه، أتفقنا؟.
هُنَيْهة ونظرت لها “هنـاء” بعد أن أنهـ.ـت “شاهـي” حديثها بعد أن فكرت فيه قليلًا بينها وبين نفسها لتُعطيها الجواب حينما حرّكت رأسها برفقٍ توافق على حديثها، ولذلك أبتسمت لها “شاهـي” وضمها إلى د’فء أحضانها دون أن تتحدث تمسح على ذراعها برفقٍ وهي تتمنى بداخلها أن توافق “هنـاء” على الزواج مِن “عمـاد” فهذه اللحظة ستكون الأفضل في حياتها إن حدثت.
________________________
<“بدأ التنفيـ.ـذ لمخـ.ـطط شيطا’ني عظيم.”>
مع مرور الأيام كان حما’س “عَـليا” يزيد كُلّ يوم لرؤية هذا الصغير يستقر بين ذراعيها في سلا’مٍ تام، كانت تطو’ق لعيش هذه اللحظات اللطيفة وتُفكر كيف سيكون الحال بعد قدومه فبالتأكيد لن يكون بمثل هذا الهدوء وسيكون صوته الصغير الباكِ يرن دومًا في أُذُنيها بعد تأخر عامين كاملين..
كانت تقوم بتنظيـ.ـف المنزل كعادتها منذ قرابة الساعة حتى أنـ.ـهته وهي تشعُر بالقليل مِن الإر’هاق، شَعَرت بحاجتها إلى الإسترخاء ولذلك اقتربت مِن “زايـد” الذي كان يجلس فوق الاريكة يعـ.ـبث في هاتفه، وقبل أن تجلس نظر هو لها وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_معلش يا حبيبتِ هتعـ.ـبك ممكن كوباية شاي عشان حاسس إن الصد’اع مش مفارقني مِن الصبح.
نظرت لهُ وبرغم حاجتها للراحة لم تستطع أن تر’فض لهُ مطلبه ولذلك قالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_حاضر يا حبيبِ، شوية ويكون عندك.
تركته وذهبت إلى المطبخ وهي تتحا’مل على نفسها تحت نظراته التي كانت تتابعها بخبـ.ـثٍ وبسمةٌ ما’كرة مرتسمةٌ على زاوية فَمِه ثمّ عاد ينظر إلى هاتفه بعدما جلس بشكلٍ أكثر أ’ريحية، بينما كانت هي تقف وتستند بكفها فوق الر’خامية تنتظر أن تغـ.ـلو المياه وهي تشعُر بأ’لم قدميها يز’داد بشكلٍ غير عادي يُرافقه أ’لمٌ خفيف بظهـ.ـرها، وبرغم ذلك تحا’ملت على نفسها لأجله فلا تُحب أن تر’فض مطلبه مهما كلفها الأمر..
هُنَيْهة وخرجت لهُ وهي تحمـ.ـل بكفها كوب الشاي تقترب مِنْهُ بخطى و’اهنة وهي لا تقد’ر على المشي، صدح رنين جرس الشقة يعلـ.ـو وكانت هي أقرب في هذه اللحظة، تقدَّمت مِنْهُ وقد بدأ الد’وار يقتحـ.ـم رأسها يعصـ.ـف بها بلا ر’حمة، فتحت الباب بو’هنٍ وقد بدأ الضبا’ب يُغطي عينيها ولذلك لم تنـ.ـتبه أن الواقف أمامها هو أخيها الذي ما إن رآها حاوطها بذراعه يدعم ثقـ.ـل جسـ.ـدها الذي كان سيهوى أر’ضًا ممسكًا بكفه الآخر كوب الشاي الذي سُـ.ـكِبَ مِنْهُ القليل على الأرضية واضعًا إياه فوق سطح الطاولة ثمّ نظر إلى الداخل يراه جالسًا فوق الأريكة لا يهتم بما يحدث..
ورغمًا عنهُ تمـ.ـلَك الغضـ.ـب مِنْهُ حينما رآه لا يُبالي وتلك المسـ.ـكينة تُعا’ني، ولذلك هـ.ـدر بهِ بأنفعا’لٍ واضح وهو يضم شقيقته إلى د’فء أحضانه بقوله:
_أنتَ للدرجة دي مفيش لا إحسا’س ولا د’م ..!!
رفع “زايـد” عيناه مِن على شاشة هاتفه ليرى “عَـليا” تقريبًا شبه فا’قدة الو’عي وقد تو’تر حينما رأى “يـوسف” قد حضر ورأى إر’هاقها البائن على صفحة وجهها، نهض واقفًا ثمّ أقترب مِنْهُ بخطى و’اسعة راسمًا القـ.ـلق على صفحة وجهه قائلًا بنبرةٍ متو’ترة أجاد صُنعها:
_إيه دا إيه اللِ حصل، “عَـليا” حبيبتِ في إيه مالك.
وقبل أن يأخذها مِن بين ذراعي أخيها مـ.ـنعه صوت “يـوسف” الخـ.ـشن والذي كان ينظر لهُ نظرةٍ حا’دة قائلًا:
_إيدك مِن على أختِ أحسنلك، أنا اللِ هدخلها لجوه.
أنهى حديثه ثمّ رفع ذراعها الأيمن يضعه على كتفيه ثمّ انحنى قليلًا بجذ’عه العلـ.ـوي نحو الأسفل يضع يَدًا خلف ظهرها والأخرى أسفل رُكبتيها ثمّ حمـ.ـلها ووَلَجَ بها نحو الداخل تاركًا “زايـد” الذي ألتفت ينظر لهُ نظرةٍ تملؤها الغضـ.ـب والحـ.ـقد بعد أن كاد “يـوسف” أن يكشـ.ـفه وبعد أن أستطاع لحا’ق شقيقته في الوقت المناسب ليُفـ.ـسد مخـ.ـططه الشيطا’ني..
وضعها “يـوسف” فوق الفراش برفقٍ ثمّ حاول إفا’قتها بضر’به الخـ.ـفيف المتواصل على صفحة وجهها وهو يقول بنبرةٍ غلفها القلـ.ـق عليها:
_”عَـليا” فوقِ، أنتِ كويسة مفكيش حاجة.
رآها بين الو’عي واللاو’عي، تهمهم بو’هنٍ وتتأ’وه أ’لمًا ليُزيد هذا مِن قـ.ـلقه عليها أكثر ليقول بنبرةٍ تملؤها الخو’ف عليها:
_مالك يا حبيبتِ إيه اللِ حصـ.ـلك مرَّة واحدة كدا ما أنا سايبك إمبارح كويسة ومفكيش حاجة.
_ضهـ.ـري وا’جعني يا “يـوسف”.
كانت تتأ’لم وقليلًا وسوف تبكِ أ’لمًا ليخـ.ـطف هو وسادة وثيرة ومُريحة ثمّ أقترب مِنها يحاوط كتفيها بذراعه ويرفع جسـ.ـدها قليلًا واضعًا الوسادة تحت ظهرها وأخرى تحت رأسها ثمّ أعادها مجددًا كما كانت وهو يقول بنبرةٍ متسائلة:
_كدا أحسن شوية ولا أعدلها؟.
جاوبته بنبرةٍ مر’هقة مغمضة العينين قائلة:
_لا كدا حلوة، تسلم.
جلس هو على طرف الفراش بجوارها ثمّ مد كفه الأيمن يُرتب خصلا’تها البُنية الد’اكنة بحنوٍ وهو ينظر إلى وجهها الذي كان يكسـ.ـوه الإر’هاق وهو مازال يشعُر بالخو’ف عليها، وَلَجَ “زايـد” في هذه اللحظة بعد أن رسم الخو’ف والقـ.ـلق فوق صفحة وجهه وبنظراته ليجلس على الجهة الأخرى مِن الفراش وهو ينظر إلى “عَـليا” قائلًا بنبرةٍ تملؤها القلـ.ـق والخو’ف الز’ائف:
_”عَـليا” حبيبتِ أنتِ كويسة يا عُمري ولا أتصل بالدكتورة.
نظر لهُ “يـوسف” بطرف عينه نظرةٍ محـ.ـتقرة ثمّ قال بنبرةٍ حا’دة وهو يضم كف شقيقته بين كفيه:
_لا أختِ مش محتاجة لدكتورة، محتاجة رعاية وأهتمام وأنا مشوفتش دا بصراحة مِن ساعة ما عرفت إنها حا’مل.
ابْتَـ.ـلَعَ “زايـد” غُصَّته بتو’ترٍ أجاد إخفا’ءه ثمّ قال بنبرةٍ جا’دة ينـ.ـفي تلك التُـ.ـهَم المو’جهة إليه:
_لا يا “يـوسف” أنتَ فاهم غـ.ـلط، أنا مبخليهاش تعمل مجهو’د كتير وعلى طول باخد بالِ مِنها بس أعمل إيه أختك عنيـ.ـدة ولازم تعمل كُلّ حاجة فالبيت ومبتسمعش كلامي.
_ما أنتَ لو را’جل بجد وليك كلمتك أختِ مش هتعا’ندك.
أصا’ب “يـوسف” ضر’بته غد’رًا بعد أن فاجئ “زايـد” الذي شَعَر بالنير’ان تشتـ.ـعل بداخل صد’ره حينما قـ.ـلل “يـوسف” مِن شأنه بكُلّ برود دون أن يُعطيه أحترا’مه، نظر لهُ نظرةٍ غا’ضبة وحا’قدة في آنٍ واحد تزامنًا مع قوله الحا’د:
_أنتَ قد اللِ قولته دا يا “يـوسف”.
جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ حادة وهو يُعا’نده قائلًا:
_أنا مبقولش حاجة غير وأنا متأكد مِنها.
نظر إلى شقيقته ثمّ نهض واقفًا وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_تعالى ورايا.
أنهـ.ـى حديثه ثمّ تركه وخرج دون أن ينتظر ردًا مِنْهُ، بينما نظر هو إلى أثره هُنَيْهة وهو يشعُر بالغضـ.ـب مِنْهُ ولكنهُ نهض واقفًا وخرج خلفه وهو لا ينتو’ي على الخير معهُ، بينما كان “يـوسف” يقف في منتصف غرفة المعيشة ينتظره وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ليراه يقترب مِنْهُ ويقف أمامه وهو ينظر إليهِ بضـ.ـيقٍ مِنْهُ، تبادلا النظرات قليلًا ثمّ كسـ.ـر “يـوسف” هذا الصمت بقوله الحا’د:
_أسمعني كويس أوي عشان أنا بعد كدا مش هنـ.ـبهك، هتشوف مِني رد ميعجبكش، أنا لو عرفت إنك بتغفـ.ـل أختِ أو بتخو’نها يمين بالله ما هعد’يهالك غير وأنا موريك أسوَ’د أيام حياتك، “عَـليا” عندي مش زي غيرها وأنا أطيـ.ـق العـ.ـمى ولا إني أطيـ.ـق أشوف دمعة فعيونها فأحذ’ر عشان مش هحـ.ـلك.
_آه أنتَ بتهـ.ـددني ..!!
قالها وهو ينظر لهُ نظرةٍ حا’دة ليجاوبه “يـوسف” الذي وقف لهُ نـ.ـدًا بند قائلًا بنبرةٍ صا’رمة:
_آه بهـ.ـددك ليك شوق فحاجة؟ خلّي بالك بقى عشان وعهد الله ما هسـ.ـيبك وقتها وأسأل عليا هيعرفوك أنا مين وأقد’ر أعمل إيه لو عزيز عليا أتخد’ش بس خد’شاية واحدة، أمين يابا؟.
أنهـ.ـى حديثه التحذ’يري وهو ينظر لهُ نظرةٍ متو’عدة دون أن ينبـ.ـث بحرفٍ آخر، يقف في مواجهته ينتظر ردًا مِنْهُ، بينما بادلهُ “زايـد” نظراته بأخرى متحـ.ـدية وهو لا ينتو’ي على الخير معهُ، ويبدو أن حر’بًا جديدة سوف تبدأ بين هذين الطرفين.
_______________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى