روايات

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الفصل الثاني والخمسون 52 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الجزء الثاني والخمسون

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث البارت الثاني والخمسون

جعفر البلطجي الجزء الثالث
جعفر البلطجي الجزء الثالث

رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث الحلقة الثانية والخمسون

_______________________
فَقالوا أَينَ مَسكَنُها وَمَن هِيَ،
فَقُلتُ الشَمسُ مَسكَنُها السَماءُ،
فَقالوا مَن رَأَيتَ أَحَبَّ شَمساً،
فَقُلتُ عَلَيَّ قَد نَزَلَ القَضاءُ،
إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيَّ أَمراً،
فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلّا القَضاءُ.
_قيس بن الملوح.
_______________________
الفُر’اق أشد أنواع الألم الجسدي والنفسي..
فُرا’قٌ كُتِبَ على بني البشـ ـر وليس على المرءِ سوى تقبُل الأمر والتعا’يش معهُ، أينما فقـ ـدت؛ حيو’انٌ أليف، شخصٌ عزيز، حبيبٍ ورفيق، جميع الآ’لم تكون واحدة أيًا يكُن مَن يُفا’رق المرء، هلا’كٌ هذا الفُر’اق على الإنسان الذي يرتبط ويتعـ ـلق بما يُحب، مستنـ ـقعٌ للجـ ـنون وخاصةً للعا’شقين، وصد’مةٌ كبرى للحبيب، نز’يفٌ مستمر وهرو’حٌ تُهـ ـلَك وقوى زا’ئفة يُظهرها المرءِ لمو’اجهة الحياة والعالم، سيكون الفُر’اق سـ ـكينٍ حا’د تُرشـ ـق في الجسـ ـد تنشـ ـر آلا’مها بلا ر’حمة وتُعذ’ب رو’حٌ بر’يئة كُل أخطا’ءها أنها أحبت وبشـ ـدة..
<“مؤ’امرةٌ مُخـ ـططة لإسقا’ط الملك،
ولا شـ ـك في أن الملك لربما يُقتـ ـل.”>
مؤا’مرةٌ مُخـ ـططة ومدروسة بدِقةٍ لإسقا’ط الملك..
تخـ ـطيطٌ شيطا’ني وأفـ ـعى سا’مة تبُـ ـخ سمو’مها وإبليـ ـسٍ يوسو’س لبني البشـ ـر على الشـ ـر والضلا’ل، وبرغم ذلك لرُبما تشتعـ ـل النير’ان في السا’حة ولا تحر’ق بها سوى صاحبها، السعـ ـي في قتـ ـل الملك وإحتلا’ل المملكة ليست غا’ية مؤكدة بل هو تصـ ـفية حساباتٍ قديمة مرّت عليها سنواتٍ عديدة تم نسيانها مِن قِبَل الجميع عدى هذا المر’يض الذي مازال يُحاول ويسـ ـعى للفوز على غر’يمه وعد’وه الأول والأخير..
ساعة كاملة قضاها “يـوسف” أمام مقبـ ـرة والده الرا’حل مليئة بالنز’يف والأ’لم والإر’هاق، ساعة كاملة بها قال الكثير والكثير عمَّ يؤ’لمه دون أن يُعطي نفسه الفرصة لإلتقا’ط أنفا’سه وكأنه لا يُصدق أنهُ أصبح أمامه وإن لَم يَكُن جـ ـسدٍ فرو’حه تحاو’طه وتستمع إليهِ ولَكِنّ بدون أن تُجيبه وتو’اسيه، أراد أن يكون بجواره كي يدعمه ويوا’سيه ويكون الحا’مي الأول إليهِ إن سـ ـقط يومًا، أراد الشعور بالأ’مان وهو معهُ وليس وهو بعيدًا عنهُ، أنهـ ـى حديثه ومعهُ أنخر’ط فالبُكاء المـ ـرير دون أن يتوقف، أراد أن يبكي بتلك الحُر’قة حتى يشعر بعدها بالرا’حة التي يتمنى أن يحصل عليها كي يستطيع العـ ـيش بنمطٍ صحيحٍ..
وبعد دقائق قِلة فيها هدأ “يـوسف” قليلًا ر’فع كفيه يُز’يل عبراته عن صفحة وجهه ثم ألتقـ ـط أنفا’سه التي أُز’هقت لينهض بهدوءٍ أسـ ـفل نظرات صديقه إليهِ المتر’قبة والذي يُريد الإطمـ ـئنان عليهِ في نفس الوقت، ثوانٍ وألتفت إليهِ “يـوسف” ينظر لهُ قائلًا:
_خليك هنا هروح أجيب الورد مِن العربية وجايلك.
_متأكد ولا أجي معاك؟.
هكذا سأله “سـراج” بنبرةٍ قلـ ـقة وهو ينظر لهُ حينما رأى الإر’هاق باديًا على تقا’سيم وجهه ليأتيه جوابه في نفس الوقت حينما قال بنبرةٍ هادئة ير’فض مجيئه:
_لا خليك أنا كويس، هروح وأرجع على طول.
أنهـ ـى حديثه وهو يُربت على ذراعه برفقٍ وتركه وذهب أسفـ ـل نظرات “سـراج” الحز’ينة التي كانت تُتابع ر’حيله بهدوءٍ مستشعرًا بأ’لم قلبه على أخيه الحبيب الذي قـ ـضى حياته بأكملها يُعا’ني دون أن يشعر بالرا’حة ولو ليومٍ واحدٍ فقط، لَم يرى شخصٍ مثله يتحمـ ـل جميع هذه الآلا’م دون أن يشـ ـكو بل يتعا’مل ويواجه ويضحك دومًا حتى لا يشـ ـكو لأحدٍ ويكون عبـ ـئًا على غيره، كم هو محظوظٌ لأمتلاكه صديقٍ وأخٍ مثله لا يخـ ـشى شيءٍ ويواجه دومًا كُل شيءٍ..
فيما خرج “يـوسف” مِن المقا’بر متجهًا إلى سيارة صديقه بخطى هادئة حتى يجلب الورود التي قد أشتراها صديقه في طريقهم إلى المقا’بر لوضعها على مقبـ ـرة أبيه حتى تُتيح إليهِ فرصة زرعهم لهُ بنفسه، وبنفس اللحظة كانت هُناك أعينٌ تتابعه عن قربٍ منذ أن خرج مِن خلفه وبيده عـ ـصا خـ ـشبية، لحظةٌ حا’سمة لدى هذا الطر’ف لتنفيـ ـذ ما جاء إليهِ فهذا أنسب وقتٍ للطرق على الحـ ـديد وهو سا’خنٌ، بدأ يقترب مِنهُ بخطى هادئة بعد أن خرج مِن مـ ـخبئهِ يُتابعه بعينيه الحا’دة مشـ ـددًا مِن قبـ ـضتهِ على العـ ـصا التي يحـ ـملها..
أنتهـ ـز فرصته بخـ ـلو المكان مِن حوله ولا يوجد بهِ سواهما الآن، لَم يحترم حُر’مة المكان المتواجد بهِ وجاء لتنفيـ ـذ ما تم أمره بهِ فحسب حتى يحظى بالكثير مِن الأموال المتـ ـلتلة بعد ذلك مِن ر’ئيسه، لا يَهُـ ـم كيف تكون الطريقة كُل ما يُريده الآن أن يجني الأموال حتى وإن قام بالقـ ـتل، أصبح خلفه مباشرةً يترقب اللحظة الحا’سمة وهو ينظر إليهِ بأعينٍ تنـ ـطق بالشر، فيما توقف “يـوسف” فجأةً على بُعد سنتيمترات مِن السيارة بعد أن شعر بأن هُناك أحدٍ ما يسير خلفه بعد أن أنذ’رته حاسته السادسة بذلك حتى وإن كان الماكث خلفه ماهرًا في التخـ ـفي فلن يفلـ ـت مِن هذا الذكي الذي لا يخفـ ـى عنهُ شيئًا..
ترقب الآخر حركته ملتزمًا الصمت وهو ينظر إليهِ، تعا’لت نبـ ـضات قـ ـلب “يـوسف” الذي شعر بالآخر يقف خلفه ولذلك نظر إلى الأرض ليرى ظل الآخر يوازي ظله فقد كانت الشمس في الإتجاه المُعاكس لوقوفه ولذلك أظهرت ظل الآخر الذي كان يمسك بالعـ ـصا، ثوانٍ معدودة مِن الصمت التام فيها ألتفت “يـوسف” سر’يعًا إلى الآخر الذي ر’فع العـ ـصا سريعًا إلى الأ’على لإسقا’طها على رأ’سه ليقوم “يـوسف” بإيقافه وهو يُمسك بالعـ ـصا وينظر إليهِ نظرةٍ حا’دة ليصدُر رد فعل الآخر سر’يعًا حينما با’غته ور’كله بقد’مه في معدته جعل “يـوسف” يتأ’وه والذي أبى ترك العـ ـصا لمعرفته بماذا يُريد هذا الحـ ـقير تنفـ ـيذه..
أعاد الآخر ضر’بته بقد’مه الآخرى ليعلـ ـو تأ’وه “يـوسف” عا’ليًا ليترك العـ ـصا مر’غمًا وهو يضع كفيه على موضع الأ’لم منكمـ ـشًا بنفسه بعد أن تلقى ضر’بةٌ أكثر قو’ة عن سابقتها، أسقـ ـط الآخر العـ ـصا على كتف “يـوسف” الأ’يسر ثم د’فعه ليسقـ ـط “يـوسف” أرضًا متأ’لمًا وهو يُمسك بكتفه مغمض العينين متجهـ ـم الوجه بعد أن شعر بإنتشا’ر الأ’لم في كتفه، نظر لهُ الآخر متـ ـشفيًا ثم لَم ينتظر كثيرًا وأسقـ ـط العصـ ـا على قدمه بعز’م قو’ته لتعـ ـلو صر’خات “يـوسف” أكثر وأكثر وتسقـ ـط العـ ـصا مِن جديد على قد’مه عمـ ـدًا ليصر’خ “يـوسف” بنبرةٍ متأ’لمة يستـ ـغيث بصديقه “سـراج” الذي لَم يستغرق ثوانٍ وخرج راكضًا بعدما أستمع إلى صر’اخ صديقه ومعهُ حارس المقا’بر..
_”سـراج” … ألحـ ـقني يا “سـراج” !!.
هكذا صر’خ “يـوسف” عا’ليًا برفيقه مستـ ـغيثًا بهِ ليخرج “سـراج” في هذه اللحظة يرى صديقه مُلـ ـقى أرضًا والآخر يقم بضر’به ليصر’خ بهِ بعدما أشتعـ ـل غـ ـضبه وجنو’نه وهو يرى رفيق دربه مُـ ـلقى هكذا لا يقدر على النجا’ة مِن هذا الحـ ـقير الذي حينما سَمِعَ صر’اخ “سـراج” فَـ ـرَّ ها’ربًا مُلـ ـقيًا العـ ـصا أرضًا ليُحاول “سـراج” الإمسا’ك بهِ في محاولةٍ فا’شلة مِنهُ، توقف وهو يلهث وينظر إلى أ’ثر هذا المتخاذ’ل الذي قام بتنـ ـفيذ جر’يمته وهر’ب، أقترب حارس المقا’بر مِن “يـوسف” وهو يجلس عند موضع رأ’سه يقم بمساندته قائلًا:
_على مهلك يا ابني، على مهلك، حسبي الله ونعم الوكيل فيه مفيش د’م ولا أحترام لحُر’مانية المكان.
ألتفت “سـراج” ينظر إلى صديقه الذي كان يتأ’لم بشـ ـدة واضعًا كفه على كتفه وثيابه تملؤها الأتر’بة، أقترب مِنهُ بخطى وا’سعة حتى جلس بجواره يتفحصه بخو’فٍ وهو يقول بنبرةٍ قلـ ـقة:
_عمل إيه الحيو’ان دا؟ ضر’بك فين وإيه اللي حصـ ـل؟.
تأ’لم “يـوسف” أكثر حينما لا’مس صديقه قدمه المصا’بة ليقول بنبرةٍ متأ’لمة:
_ر’جلي يا “سـراج” مش قا’در.
أبعد “سـراج” كفه سريعًا عن قد’م رفيقه ليقول بنبرةٍ متسائلة:
_ضا’ربك عليها مش كدا؟.
_حاول يضر’بني أول مرة على د’ماغي بس أنا لحـ ـقت نفسي ومـ ـنعته، قام ضا’ربني برجله فمـ ـعدتي، حاول يعجـ ـزني بس ملقاش رد بعدين حاول تاني وأول ما سيبت العـ ـصايا ضر’بني بيها على كتفي الشما’ل وز’قني … بعدها فضل يضر’بي على ر’جلي الشما’ل لحد ما خرجت أنتَ وهر’ب هو.
أنهـ ـى “يـوسف” حديثه المتأ’لم وهو يلهث ليشعر “سـراج” بالغضـ ـب حينما لَم يستطع الإمساك بهِ ليقول مطبـ ـقًا على أسنانه بنبرةٍ غا’ضبة:
_هر’ب مِني ابن الـ*** ملحقتهو’ش، يميـ ـن بالله لو كُنْت مسكـ ـته ما كُنْت خليت فيه حـ ـتة سلـ ـيمة.
_ولاد الحر’ام كتير يا ابني، الحمد لله إنه مضر’بهوش ضر’بة تمو’ته شكله كان جاي ونا’ويها إحمد ربنا.
هكذا قال حارس المقا’بر لينظر “سـراج” إلى صديقه وهو يشعر بالضـ ـيق والند’م ليقرأ هذا “يـوسف” بكُل سهولة مِن نظرته ليقول بنبرةٍ متـ ـعبة وهو ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ وا’هنة:
_متشيـ ـلش نفسك هـ ـم يا صاحبي، أنتَ معملتش حاجة كُل الحكاية إنك ملحقـ ـتوش بس ودا أنا مش بلو’مك عليه، المهم عندي إنك أنقـ ـذتني يا صاحبي.
نظر إليهِ “سـراج” بنظرةٍ نا’دمة وحز’نٍ على ما أصا’ب صديقه وهو لَم يَكُن بجواره لحما’يته والد’فاع عنهُ مثلما أعتاد كليهما لتلـ ـتمع العبرات في مُقلتيه قائلًا بنبرةٍ نا’دمة معتذرة:
_أنا آسف يا صاحبي ملحقتش أمـ ـسكه ولا أكون جنبك.
أنهـ ـى حديثه وهو يضمه إلى أحضانه معتذرًا مِنهُ والند’م يتآ’كله ليبتسم “يـوسف” بسمةٌ هادئة خـ ـفيفة ليقم بمحاوطته بذراعه السلـ ـيم مربتًا على ظهره برفقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة ممازحًا إياه:
_متأ’ڤورهاش يا’ض بقى خلاص دا هما ضر’بتين يعني، وبعدين بيقولك ما يُـ ـقع إلا الشاطر يعني تخا’ف عليا لو و’قعت فيوم ومقومتش تاني … متعتذرش على حاجة خارجة عن إراد’تك يا “سـراج” وبُص لنُص الكوباية الملـ ـيان دايمًا.
أبتعـ ـد عنهُ “سـراج” وهو ينظر إليهِ بعينين ملتـ ـمعتين ليبتسم لهُ قائلًا بنبرةٍ بها بُحَّةُ البُكاء:
_مش قا’در أتخيل حيا’تي مِن غيرك يا صاحبي، لو مَكُنْتش معاك فاللحظة دي كان مو’تك، بس صدقني ما هسـ ـيبه وهعرف مين وراه وليك عليا عهـ ـد لد’وقه مِن نفس الكاس قدام الناس كلها.
أبتسم “يـوسف” وربت على ذراعه برفقٍ دون أن يتحدث، فيما نهض حارس المقا’بر ومعهُ “سـراج” يُسا’ندان “يـوسف” لإنهاضه والذي تأ’لم بسـ ـبب أ’لم قدمه القو’ي الذي كان يتمركز بها، قام بإسنا’ده “سـراج” شاكرًا حارس المقا’بر الذي أطمـ ـئن أنهُ بخيرٍ ثم تركهما وعاد إلى مكانه مِن جديد، فيما نظر “سـراج” إلى “يـوسف” وقال:
_تعالى نمشي يا “يـوسف” أحسن وضعك صعـ ـب لازم تروح للدكتور أنتَ مش قا’در تمشي على ر’جلك.
ر’فض “يـوسف” قوله وهو يقول بنبرةٍ جا’دة:
_لا، مش عايز أمشي، أنا عايز أفضل معاه شوية.
_بس ر’جلك وكتفك..
قام “يـوسف” ببَـ ـتر حديث صديقه وهو يُعا’نده قائلًا:
_أيًا يَكُن يا “سـراج”، مش همشي غير لمَ أعوز إني أمشي، متخا’فش عليا بس سيبني أعمل اللي ير’يحني عشان خاطري.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر لهُ نظرةٍ را’جية أمامها عجـ ـز “سـراج” عن معا’رضته ولذلك حرك رأسه برفقٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_حاضر يا “يـوسف”، هسيبك تعمل اللي أنتَ عايزُه.
تركه “يـوسف” وسار متحا’ملًا على قدمه اليُـ ـمنى أمام أعين “سـراج” الذي حاول مسا’ندته لير’فض “يـوسف” ذلك حينما نظر لهُ وقال بنبرةٍ هادئة:
_متخا’فش أنا كويس، ر’جلي التانية سلـ ـيمة.
أصبح “سـراج” غير راضٍ عمَّ يفعله صديقه يرى العنا’د قائمٌ بينهما ليتركه يفعل ما يُريد وهو يُتابعه على أتم الإستعداد للتدخُل إن تطّلب الأمر مِنهُ ذلك، فيما سار “يـوسف” متحا’ملًا على قدمه اليُمـ ـنى ويسير بالأخرى بخـ ـفةٍ فبدلًا أن تكون خطواته طبيعية أصبح يعرُ’ج بسـ ـبب ما أصا’ب قدمه اليُسرى متقدمًا مِن صند’وق السيارة الذي قام برفعه عا’ليًا ليأخذ الزهور البيـ ـضاء الچورية بهدوءٍ حتى يضعها على مقـ ـبرة والده وكأن لَم يُصـ ـيبه شيءٍ ما منذ قليل، هكذا كان “يـوسف” دومًا..
أغـ ـلق صند’وق السيارة بعد أن أخذ مبتـ ـغاه وعاد إلى صديقه مِن جديد بخطى هادئة للغا’ية ليقم الآخر بمسا’ندته ممسكًا بكفه يصطـ ـحبه إلى الداخل، أقتربا سويًا مِن مقبـ ـرة “عـدنان” ليترك “يـوسف” صديقه ويسير بخطى متعر’جة مقتربًا مِن مقبـ ـرة أبيه ليقف أمامها ينظر لها قليلًا بنظراتٍ هادئة وشاردة لينزل بقد’ميه إلى مستوى المقـ ـبرة متحا’ملًا على قدمه التي أشتـ ـدت أ’لمها عليهِ..
تجا’هل هذا الأ’لم فلن يأتي شيئًا بجانب أ’لم قلبه ورو’حه، وضع الزهور البيـ ـضاء أمام مقبـ ـرة أبيه وهو يقم بترتيبها بشكلٍ أنيق حتى تُصبح مظهرها خلابًا، وحينما أنهـ ـى وضعها نظر إلى المقـ ـبرة وعينيه تفصـ ـح الكثير الذي يعجـ ـز الفم عن إخراجه والبو’ح بهِ ليقول بنفسه محدثًا إياه:
_شوفت اللي بيحـ ـصل فأبنك يا “عـدنان”، مش را’حمين أبنك ولا سايبينه يعيـ ـش مر’تاح، البشـ ـر و’حشة أوي يا حبيبي ودا’يسين على أبنك لحد ما جاب آ’خره.
وحينما شعر أنه سيضـ ـعف مِن جديد تما’لك نفسه سريعًا ليُحاول كـ ـبح عبراته التي ألتمـ ـعت في مُقلتيه ثم مد كفه يسير على باب المقـ ـبرة متلمسًا أسمه المحفو’ر عليها بحنينٍ ثم نهض بمساعدة “سـراج” لهُ الذي قام بمساندته ليقف “يـوسف” ينظر إلى المقبـ ـرة التي كانت تجاور مقبـ ـرة أبيه ليسير بخطى هادئة متعر’جة يقف أمامها وهو مازال يحـ ـمل بقية الزهور ليرى أسمًا ذ’كوري ليعلم أنه جده والد أبيه الرا’حل ليقم بوضع القليل مِن الزهور كذلك أمام مقـ ـبرته مثلما فعل مع أبيه، ثم بعدها رأى مقبـ ـرة جدته التي كانت تجاور مقـ ـبرة جده ليضع كذلك القليل مِن الزهور وكان يجاوره رفيقه الذي كان يُقدم لهُ يد المعونة..
وقف بعدها “يـوسف” أمام مقبـ ـرة تجاور مقبـ ـرة جدته ينظر إلى الإسم المدوَّن على بابها ليعقد ما بين حاجبيه مصد’ومًا حينما رأى أنها تخص طفلًا صغيرة، الطفل _مؤنس مـؤمن راضي المُحمدي_ كانت صد’مةٌ بالنسبةِ إليهِ حينما قرأ أسم الصغير فلَم يُخبره “مـؤمن” عن هذا الموضوع بأنه كان يَملُك طفلًا آخر غير طفليه الحاليين، نظر إليهِ “سـراج” متعجبًا وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_”يـوسف” كمل مالك وقفت مرة واحدة كدا ليه؟.
لحظات وألتفت إليهِ “يـوسف” برأ’سه ينظر إليهِ وهو مازال في صد’مةٍ مِن أمره ليقول بنبرةٍ هادئة:
_الطفل دا، الطفل دا أسمه “مؤنس مـؤمن راضي المُحمدي”، يعني يبقى ابن “مـؤمن” ابن عمّي راضي … “مـؤمن” مجابليش سيرة إن عنده طفل متو’في أنا كل اللي أعرفه إن عنده ولدين بس، طب لمَ دا أبنه ليه مقاليش حاجة عنه؟ ولا حتى جاب سيرته؟.
أنهـ ـى حديثه متسائلًا وهو يشعر بالتشـ ـتت وهو ينظر إلى المقـ ـبرة الخاصة بالصغير ليأتي جواب “سـراج” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_يمكن نسي، أو هو مش عايز يقول، أكيد مو’جوع عليه وكُل ما بيجيب سيرته بيتـ ـعب، إحنا منعرفش السـ ـبب الر’ئيسي.
دام الصمت بينهما قليلًا خلاله كان “يـوسف” ينظر إلى المقـ ـبرة ليقم بوضع ما تبقى مِن الزهور أمامه ثم أستقام بوقفتهِ وهو يُفكر في الأمر ليقول بنبرةٍ هادئة:
_مش هينفع أسأل “مـؤمن”، يمكن أجر’حه وأنا مش واخد بالي وأفتـ ـح جر’وح حاول يد’اويها، مش عايز أفكره ولا أعرّفه إني عرفت، هسأل عمّي “راضي” يمكن يقول، أو عمّي “عـماد”، هسأل عمّي “عـماد” أفضل عشان مـ ـسببش و’جع لحد مِنهم شكله صغير فالسن.
_كلامك صح، شكلها كانت حا’دثة، ربنا يرحمه ويصبر أبوه وأُمّه على فُر’اقه.
هكذا جاوبه “سـراج” ليُخرج “يـوسف” ز’فرة قو’ية يُخرج بها مشاعره السـ ـلبية ليلتفت إلى صديقه قائلًا:
_يلا نمشي.
لبى “سـراج” مطلب صديقه ليقم بمساندته وسار معهُ بخطى هادئة للغا’ية وهو يقول بنبرةٍ آ’مرة لا تقبل النقاش:
_هنطـ ـلع مِن هنا على الدكتور على طول ولو ناقشتني يا “يـوسف” هتغا’بى عليك وهتز’عل، خليك شاطر وأسمع الكلام أحسن ليك.
نظر إليهِ “يـوسف” في هذه اللحظة وقال بنبرةٍ معا’ندة:
_لا مش هروح لدكاترة، هروح وهبقى كويس ملهوش لزو’م.
ر’مقه “سـراج” نظرةٍ حادة بعد أن عا’نده “يـوسف” بلا شـ ـك ليقول بنبرةٍ حا’دة:
_”يـوسف” متعا’ندنيش.
_لا هعا’ندك، أنا مش هروح لدكاترة خلصت روحني و “بيلا” هتاخد بالها مِني.
هكذا جاوبه وعا’نده “يـوسف” دون أن ينظر إليهِ ليز’داد غضـ ـب “سـراج” الذي ز’فر بقو’ةٍ وهو يقول بنبرةٍ غا’ضبة:
_يا صبر أيوب.
أصطحبه إلى السيارة وساعده على الجلوس على المقعد الأمامي وهو يأخذ حذ’ره في عد’م إلا’مه ليُغـ ـلق الباب خلـ ـفه ويلتفت إلى الجهة الأخرى مجاورًا إياه ليضـ ـغط على الزر الذي أدار السيارة وتحرك بعدها لا دون أن يتحدث ليسمع “يـوسف” يقول محذ’رًا إياه:
_على البيت يا “سـراج” بدل ما تشوف مِني وش تاني أحسنلك.
ز’فر بغضـ ـبٍ ولَم يجاوبه فهذا لا يروق إليهِ بكل تأكيد ولَكِنّ لَم يستطع معا’ندته بعدما رأى ما مرّ بهِ صديقه اليوم ولذلك خضع إليهِ ولبى مطلبه وتحرك في طريقه إلى الحارة مستسلـ ـمًا إلى هذا العنـ ـيد الذي حينما رأى الطريق مؤديًا إلى الحارة أبتسم بسمةٌ هادئة وإنبسطت معالم وجهه، فيما لمحه “سـراج” بطر’ف عينه ولذلك أبتسم بسمةٌ خـ ـفيفة حينما رأى تلك البسمة ليُحرك رأسه برفقٍ وقلة حـ ـيلة وصـ ـب كامل تركيزه على الطريق أمامه حتى يصلوا إلى حارتهم.
_______________________
<“ليس كُل ما يُريده المرء يحصل عليهِ،
فلا تعود تشـ ـكو عـ ـصيان ولدك وأنتَ المتسـ ـبب بذلك.”>
تضعنا الحياة دومًا في مواقف صـ ـعبة للغا’ية..
نُجبـ ـر على إتخاذ دروبٍ لَم نَكُن نظن أننا سنخطوها يومًا، ولَكِنّ أمام أُناسٌ يطمـ ـعون في أخذ ما لا يعنيهم نتخذ تلك الدروب مـ ـصيرًا إليها حتى وإن كانت مليـ ـئة بالأشو’اك الحا’دة..
كان يجلس رفقة “لؤي” يقـ ـصُ عليهِ مشـ ـكلته وما يُعا’نيه مع والدته وأخيه الصغير علّ نير’انه تنطـ ـفئ ولو قليلًا، وكان قد أختار خيرُ المستمعين هذه المرة، وحينما أنهـ ـى حديثه نظر إلى “لؤي” نظرةٍ حائرة وقال بنبرةٍ متو’ترة:
_وبيني وبينك أنا حيران مش عارف أعمل إيه، هـ ـربت وقتها عشان مكانش عندي حل تاني غير الهر’وب، تـ ـعبت يا “لؤي” أنا مضغو’ط عليا زيادة عن اللز’وم مبقوش يكلموني غير عشان الفلوس وبس بقيت حاسس إني متـ ـكتف ومش مر’تاح، أنا بتـ ـعب عشان أجيب الفلوس دي أقسم بالله وهي بتاخدها تصرفها على الشوبينج والنادي وهو بيصرفها على سفرياته مع صحابه والحفلات، طب وأنا ليه أتعـ ـب نفسي وأهلـ ـكها طالما اللي بتـ ـعب فيه بيروح هد’ر كدا؟ وعايز أجيب شقة وأجهزّ نفسي مسيري هتجوز مش معقو’لة هصرف على بيتين فيهم را’جل شحـ ـط زي “أميـر”.
أخرج “لؤي” ز’فرة قو’ية بعض الشيء يا’ئسة وهو يتعجب لأمر هؤلاء البشـ ـر ليقول بنبرةٍ هادئة:
_واللهِ يا “نادر” أنا شايف إنك خدت القر’ار الصح، ما أنتَ متتعـ ـبش وتشـ ـقى وتطـ ـفح الكوتة عشان الهانم تصرف على الشوبينج والبيه يصرف على سهراته، قر’ارك صح حتى لو لَوِّ’ت در’اعك ووقفت حسابك فالبنك طُز، أنا شايف إنك تنزل مع “يـوسف” الشغل الجديد اللي هيستلمه تتعلم الصنعة وإيدك تشتغل ويمـ ـين بالله ما هتحتاج لأي حد وبكرا ييجوا يتر’جوك بعد ما يلاقوا اللامبالاة مِنك، إيدك فإيد “يـوسف” ومرة بعد مرة هتحَو’شلك مبلغ حلو هات شقتك يا ابن الناس وحَو’ش مبلغ تاني وشيله للمهر والله المستعان أقسم بالله قعدة الحارة وسط الناس الطيبة دي أحلى مليون مرة مِن الفشـ ـخرة الكد’ابة اللي أُمّك وأخوك عا’يشين فيها دي.
أبتسم “نادر” بسمةٌ هادئة وألتزم الصمت قليلًا ثم قطـ ـعه مجددًا قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_عندك حـ ـق واللهِ ما كدبت فحرف، هعمل كدا فعلًا، واللهِ أنا حبيت القعدة هنا وسطكم، بفكر أخد شقة هنا.
_يا عمّ ندورلك هسألك الوا’د “مُـنير” عارف فالحوار بتاع الشقق دا لو يعرف واحدة فاضية نشوف شكلها ولو عجبتك نتفق على السعر وهظبطك.
هكذا جاوبه “لؤي” بنبرةٍ هادئة يطـ ـمئنه حيال ذلك الأمر لتتسـ ـع البسمةُ على ثغر “نادر” الذي قال بنبرةٍ صادقة:
_أقسم بالله أنتَ مجدعة وما فيه فطيبة قلبك، يا بخت ناسك بيك يا “لؤي” واللهِ.
ربت “لؤي” على كف “نادر” بوجهٍ مبتسم دون أن يتحدث ليُبادله الآخر بسمتهُ ثم نظر حوله يشاهد الأُناس حتى رأى “ليان” تقترب مِنهُ وهي في أفضل طلاتها الجميلة مبتسمة الوجه ليعتدل هو في جلسته ويُفر’ق ذراعيه يدعوها لمعانقته لتُلبي هي مطلبه سريعًا وهي تولج إلى د’فئ أحضانه ليُطبـ ـق هو بذراعيه عليها ضاممًا إياها قائلًا بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_حبيبي يا جدعان، مراتي وصلت وعبرتني أخيرًا.
أنهـ ـى حديثه وهو يُمازحها لتعلـ ـو ضحكاتها الر’نانة حينما بدأ يدغدغها أسـ ـفل نظرات “لؤي” الذي كان يُتابعهما مبتسم الوجه، توقف “نادر” وهو يُلثم وجنتها الصغيرة المتوردة بقْبّلة عمـ ـيقة ليسألها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_متشيكة كدا ورايحة على فين؟.
جاوبته “ليان” مبتسمة الوجه قائلة بنبرةٍ هادئة حما’سية:
_رايحة عند تيتا “هـناء” وتيتا “شـاهي” وخالو “بـشير” هييجي كمان شوية مِن السفر أخيرًا.
ر’ماها بنظرةٍ تملؤها الغـ ـيرة تجاه أخيه حينما رأى سعادتها وتلـ ـهُفها الشـ ـديد لهُ ليقول بنبرةٍ غير را’ضية:
_بـ ـت بقولك إيه ملكيش دعوة بالو’اد دا أديني بقولك أهو، إحنا أتفقنا إني هتجوزك لمَ تكبري وبغـ ـير على فكرة.
أنهـ ـى حديثه مغتا’ظًا وهو ينظر إليها لتضحك هي مِن جديد بطفولة وكان “لؤي” يُتابع هذا الحديث بينهما مبتسم الوجه لتجاوبه بنبرةٍ هادئة وببساطةٍ:
_بس أنا بحب خالو “بـشير” على فكرة، وكمان قالي إنه جايبلي هدية وهو راجع فلاز’م أروح.
ر’ماها بنظرةٍ ذات معنى حينما أستمع إلى كلماتها ليقول متر’قبًا:
_يعني أنتِ رايحة عشان خاطر الهدية، طب أنا هجيبلك ٢ إيه رأيك.
جاوبته فورًا بوجهٍ متجهـ ـم تر’فض ذلك قائلة:
_لا أنا هاخد هدية خالو “بـشير”، سيبني بقى عشان أروح لتيتا قبل ما ييجي.
أغتا’ظ “نادر” بشـ ـدة وهو يرى إصر’ار الصغيرة على الذهاب ورؤية “بـشير” ليقول بنبرةٍ حا’دة:
_لا مش هتروحي أنتِ مخدتيش إذ’ني وأنا مش موافق.
_بس “يـوسف” موافق وقالي روحي يبقى خلاص.
جاوبته بسلاسة وهي تفـ ـك حصا’ره عليها وتركض هر’بًا إلى والدتها التي خرجت وهي تحمـ ـل صغيرتها على ذراعها ومعها حقيبة صغيرة بمتعلقات صغيرتها، نظر هو إليها ثم نظر إلى صديقه وأعتذر لهُ وهو ينهض قائلًا:
_عن إذنك يا صاحبي ٥ وراجع.
حرك “لؤي” رأسه برفقٍ موافقًا بوجهٍ مبتسم ليتركه “نادر” ويذهب إلى شقيقته بخطى هادئة ليرى “ليان تختبئ خلفها حينما رأته يقترب مِنها ليقف أمام شقيقته قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_رايحة على فين كدا؟.
نظرت لهُ “بيلا” وأجابته بنبرةٍ هادئة حينما قالت:
_رايحة عند ماما، كلمتني وطلبت مِني أودي “ليان” عندها عشان “بـشير” راجع مِن السفر وطلب يشوفها فقولت أودي “لين” بالمرة وأجي أنضـ ـف الشقة وأجهز الأكل قبل ما “يـوسف” يرجع.
تفهّم “نادر” حديثها ليسقـ ـط بصره على تلك الصغيرة التي كانت تُخرج رأ’سها وتنظر لهُ لتقوم بإغا’ظته وهي تُخرج لسا’نها إليهِ ليزداد غيـ ـظه وهو يقول بنبرةٍ حا’دة:
_بتغـ ـظيني يعني فاكرة أُمّك هتـ ـمنعك عنّي وأنتِ واقفة مستـ ـخبية وراها كدا.
أبتسمت “بيلا” ونظرت إلى صغيرتها التي أختبأت سر’يعًا خلفها، عادت تنظر إلى أخيها الذي أقترب مِنها يُلثم وجنة الصغيرة بِقْبّلة حنونة قائلًا:
_شكلك هتطلعي شـ ـقية يا بـ ـت أنتِ.
أتسـ ـعت بسمة “بيلا” لتسأله بنبرةٍ هادئة قائلة:
_مش هتيجي عشان تشوفه ولا إيه يا “نادر”؟.
جاوبها فورًا على سؤالها حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_لا طبعًا هاجي، يوصل بس بالسلامة وأنا هروح أتطمـ ـن عليه وأقعد معاه شوية.
_طب هروح أنا أودي البنا’ت وأرجع عشان أشوف هعمل إيه.
هكذا جاوبته وأستعدت للرحيل ليوقفها هو قائلًا:
_لا هاتي “لين” و “ليان” هوديهم أنا وأنتِ أطلعي عشان تخلصي اللي وراكي أنا كدا كدا فاضي مبعملش حاجة يعني.
ر’فضت الصغيرة وهي تتشبـ ـث بملابس والدتها وهي تُصِّـ ـر على أن تصطحبها والدتها لينظر إليها “نادر” بعد أن حـ ـمل الصغيرة على ذراعه وأخذ الحقيبة مِن شقيقته وهو يتو’عد إليها قائلًا:
_لا؟ دا أنا هر’بيكي يا بتاعت “بـشير” أتقـ ـلي عليا.
ضحكت “بيلا” وهي ترى تشـ ـبث أبنتها هي تُطا’لع “نادر” بخو’فٍ لتُمسِّد على خصلا’تها بحنوٍ قائلة بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_متخا’فيش مش هيعملك حاجة بيهزر معاكي، روحي معاه يلا عشان تلـ ـحقي “بـشير” بدل ما يز’عل.
أقترب “نادر” مِن الصغيرة وأمسك بيدها وهو ينظر إلى شقيقته يُطـ ـمئنها بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_متخا’فيش عليهم، ولو أحتاجتي حاجة كلميني أنا قاعد تحت شوية.
حركت رأسها برفقٍ توافق على حديثه ثم ودعتهما وصعدت مِن جديد إلى شقتها كي تستعد إلى ما ينتظرها في الأ’على، ولجت إلى شقتها وأغلقت الباب خلفها ثم نز’عت حجاب رأ’سها وعباءتها لتبدأ في تنظـ ـيف المنزل قبل أن يعود زوجها في الأمس فبالتأكيد سيعود مر’هقًا ويريد أن يحظى بالقليل مِن الر’احة والهدوء، وبداخلها تتمنى أن يكون قد شعر بالر’احة حينما قام بزيارة والده فهذا أقل شيءٍ تفعله لأجله كي يهدأ قليلًا.
________________________
<“خطوةٌ جديدة تؤخذ بعين الإعتبار،
وبدايةٌ جديدة لحياةٍ مشرقة مع مَن نُحبّ.”>
خطوةٌ واحدة فيصـ ـلية في حياة المرء..
خطوةٌ تأخذه إلى عالمٍ آخر بعيد كُل البُعد عن عالمهم ذاك، عالمٍ ور’دي لطيف رفقة مَن نُحبّ، بدايةٌ جديدة تبدأ لحياةٍ أفضل تكُن هي الأفضل لحياةٍ مشرقة مع مَن نُحبّ..
كان يجلس في غرفة المعيشة ينتظر قدومه وهو يشعر بالتو’تر الشـ ـديد، لا يعلم كيف يبدأ وماذا يقول؛ شعر بالتخبـ ـط الشـ ـديد، ولَكِنّ حاول تما’لُك أعصا’به قدر المستطاع لينظر إلى “أكرم” الذي خرج مِن الداخل وهو يبتسم إليهِ معتذرًا مِنهُ قائلًا:
_إحنا آسفين على التأخير يا باشا، العيال شغالين عياط لحد ما صدعوا د’ماغ اللي جابوني مصدقت ناموا وسكتوا.
أبتسم “جـاد” إليهِ وقال بنبرةٍ هادئة معتدلًا في جلسته:
_ولا يهمك، الله يعينك عليهم ويباركلك فيهم.
_عقبالك إن شاء الله، تشرب إيه الأول عشان المدام مش هنا؟.
هكذا سأله “أكرم” بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه ليجاوبه “جـاد” قائلًا:
_لا تسلم كُلك واجب يا صاحبي.
أستنكر “أكرم” قوله ليقول بنبرةٍ غير را’ضية عمَّ تفوه بهِ:
_يعني إيه الكلام دا لا بقولك إيه اللي بيدخل بيتنا بنكرمه آخر كرم سـ ـكة دخول الحمام زي خروجه دي مش عندي دخلت بيتي يبقى تضايف يعني تضايف … ها تشرب إيه بقى؟.
أنهـ ـى حديثه الذي كان يتخذ وضـ ـعية الهجو’م في بادئ الأمر بنبرةٍ هادئة ودو’دة مبتسم الوجه، أستنكر “جـاد” ما يراه في بادئ الأمر ثم أبتسم وقال بنبرةٍ هادئة:
_خلاص مش هز’علك فنجان قهوة يا سيدي.
تركه “أكرم” وأتجه إلى المطبخ وهو يقول مبتسم الوجه:
_أيوه كدا هو دا الكلام، لازم تضا’يقني يعني.
رمقه “جـاد” بقلة حـ ـيلة مبتسم الوجه لينظر إلى المكان مِن حوله بإعجابٍ بائنٍ على تقا’سيم وجهه ونظراته حتى مرّت دقائق قليلة وخرج إليهِ “أكرم” ومعهُ فنجانين مِن القهوة ليضعهما على سطـ ـح الطاولة أمامه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_أحلى فنجان قهوة للغا’لي حبيب الغا’لي.
أبتسم “جـاد” ونظر إلى “أكرم” الذي جلس بجواره وهو يقول:
_تسلم يا حبيبي، إن شاء الله مش هتكون آخر مرة أجيلك فيها.
نظر لهُ “أكرم” وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_طبعًا شـ ـرط لمَ تنزل الحارة بعد كدا تجيلي مش هتنا’زل ولا هقبل أعذار والمرة الجاية أنتَ معزوم عالغدا عندي دي مفيهاش نقاش.
شعر “جـاد” بالر’احة تجاهه فقد كان يشعر بالقـ ـلق في التعامُل معهُ وظن في بادئ الأمر أنهُ مِن هؤلاء الشبا’ب الصار’مين أستنتاجًا مِن معالم وجهه الصا’رمة ليُيقن الآن أن الإختلا’ط بالبشـ ـر شيءٌ مؤكد حد’وثه فلا ينبغي أن نحـ ـكم على الآخرين مِن مظهرهِ مهما كان، وبعد القليل مِن التحدث في العديد مِن المواضيع المتنوعة والضحكات المتبادلة أتخذت الجلسة مسارًا جا’د منذ هذه اللحظة التي فيها أعتدل “جـاد” بجلستهِ وقال بنبرةٍ جا’دة:
_بُص بقى يا معلم، صلِّ بينا على النبي الأول.
_عليه أفضل الصلاة والسلام.
تحدث “جـاد” بنبرةٍ جا’دة وهو ينظر إليهِ قائلًا:
_أنا جاي بصراحة عشان في حاجة تانية، أنا ليا عندك أ’مانة جاي أخدها قولت إيه؟.
تفهم “أكرم” ما يُريده “جـاد” وجاء لأجله منذ أن طرق بابه وولج وشعر أنهُ جاء لغرضٍ ما وهو هي الأمور تضح بينهما الآن، نظر لهُ “أكرم” بعد أن ساد الصمت بينهما قليلًا ليقـ ـطعه حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_قولت لا إله إلا اللّٰه، طب بُص زي ما جيتلي سـ ـكة ودوغري أنا كمان هجيلك سـ ـكة ودوغري عشان نبقى على نو’ر وتقعد تشا’ور عقـ ـلك تاني.
أصا’به الخو’ف في هذه اللحظة بلا شـ ـك، لا يعلم لِمَ ساوره الخو’ف الشـ ـديد حينما أجابه “أكرم” بهذا الأسلوب الذي أنذ’ره بعد’م الخير، سيجـ ـن جـ ـنونه إن لَم يحـ ـصل عليها بلا شـ ـك؛ يُريدها بكُل تأكيد، ينتظر أين ستصـ ـيبه رصا’صة “أكرم” في هذه اللحظة وهو يدعو بأن يكُن في النها’ية يُمازحه ولا ير’فضه فلا يستطيع أن يتخـ ـيَّل حياته بدونها فقد أحبها وبشـ ـدة لَن يستطيع مفا’رقتها سيمو’ت..
أخذ “أكرم” نفسًا عميـ ـقًا ثم ز’فره بتروٍ وقال بنبرةٍ هادئة يقم بإ’يضاح الأمر إليهِ حتى يترك الإختيار لهُ في نها’ية المطا’ف إما بالقبول أو الر’فض:
_مبدأيًا وعلى بيا’ض كدا “كايلا” مُطـ ـلقة.
صُدِ’مَ “جـاد” بشـ ـدة حينما أستمع فقط إلى هذا الجملة البسيطة التي كانت كفيلة بتد’مير كُلُ شيءٍ دون الإكمال، ماذا يعني حديثه ذاك؟ أهي كانت مـ ـلكًا لآخرٍ قبله؟ كيف ومتى ولِمَ، العديد مِن الأسئلة ضر’بت رأ’سه جعلته لا يقد’ر على أستيعا’ب أيُ شيءٍ، أ’لمه قلبه وشعر وكأن وتـ ـدًا قد أختر’قه وتركه ينزُ’ف دون أن يُخر’جهُ صاحبه، أكمل “أكرم” حديثه وقال:
_قصة معـ ـقدة كدا، كلنا أتخد’عنا فيها زي ما هي أتخد’عت فيه، زي ما بنقول على الشخص اللي بيدخل حياتنا فترة صغيرة ويمشي على طول … تجربة، هو كان يبان كويس وكان مخليها مبسوطة والدُنيا بينهم كانت حلوة، بس هو غـ ـشنا كلنا وهي قبلنا، عارف إنك مش مستو’عب اللي بقوله بس هو دا اللي حصـ ـل طالما جيت وطلبتها يبقى تعرف قبل ما تاخدها عشان لو الأمور تمت وأنتَ وافقت لمَ تكتب على بكـ ـر غير لمَ تكتب على مُطـ ـلقة، جَت فترة هو أتغيَّر فيها وكلنا لاحظنا دا وبقى يتخا’نق معاها على أتـ ـفه حاجة وينـ ـكد عليها كل شوية وكانت بتغضـ ـب وتسيبله البيت عادي وهو ميسألش كأن دا على هواه، سـ ـبب فصلا’نها عنه إن قامت بينه وبين “يـوسف” خنا’قة كبيرة “يـوسف” وقتها حاول يصلـ ـح ما بينهم وعرف مِن برا وهو أفتكر إن “كايلا” اللي أشتـ ـكت لـ “يـوسف”..
_شـ ـد وجذ’ب الموضوع أتطوَّ’ر بينهم قام ضا’رب “يـوسف” بحـ ـديدية على د’ماغه فتـ ـحهاله، المنظر كان صعـ ـب وهي فضلت تصر’خ وكلنا أتجمعنا كان “يـوسف” سا’يح فد’مه مش شايف قدامه، هي خا’فت تكمل معاه يعني اللي خلاه كان هيقـ ـتل “يـوسف” مش هيقتـ ـلها هي، سابت البيت وراحت عند والدتي وطلبت الطلا’ق ولو مرضاش يطلـ ـق هتر’فع قضـ ـية خُلـ ـع، طبعًا هو أتقبـ ـض عليه وأتجبـ ـر يطلـ ـق بعد فترة الحُكـ ـم أخـ ـتفى خالص كأنه مكانش لِيه وجود ومِن ساعتها “كايلا” محبتش تجرّب تاني وخا’فت، دي الحكاية بس لو أنتَ فعلًا جاي وفنـ ـيتك تطلبها وعايزها بجد أنا برضوا هقولك على حاجة عشان هيبقى حرا’م عليا وحاجة زي دي ممكن تغيَّر مسا’ر الحوار كله مع إني مينفعش أقولهالك.
برغم صد’مته وعد’م أستيعا’به لِمَ يُقال ولَكِنّ د’فعه فضو’له لمعرفة هذا الشيء الخـ ـطير الذي لربما يُغير كُل شيءٍ كما قال “أكرم” ليسمعه يقول بنبرةٍ هادئة:
_”كايلا” لسه بكـ ـر، كان جواز على ور’ق بُناءًا على كلامها، الإسم بس مُطـ ـلقة، مجرد أسم عادي أو لقب مش حاجة، ولَكِنّ القر’ار ليك فالآخر برضوا يا توافق يا تر’فض دي حاجة ترجعلك طبعًا أنا خلصت كُل اللي عندي ووضحتلك الصورة وبرضوا قر’ار والدك ووالدتك مُهـ ـم هما برضوا رأيهم يُحتر’م.
أنهـ ـى حديثه وترك الكرة بملعبه لهُ مُطـ ـلق الحر’ية في ر’كلها كيفما يشاء هو، أنهـ ـى أقاويله وأنتظر الجواب مِن الطر’ف الآخر الذي برغم صد’مته ألا أن ما أخبره بهِ “أكرم” في الأخير أسعد قلبه، ولَكِنّ تم إلغا’ء العـ ـقل في هذه اللحظة ليُسيطـ ـر القلب على صاحبهِ ويفر’ض سُلـ ـطته عليهِ يُجبـ ـره على القبول فهي مَن أنتظرها وتمناها أبعد ما مرّ بهِ يتلا’شى كُل ذلك في لمـ ـح البصر؟..
تذكّر حز’نها وتذكّر بسمتها ونظرتها، تذكّر أد’ق تفا’صيلها، جميلة وأَسر’ته بجمالها، صر’خ قلبه عا’ليًا معلنًا عن موافقته مهما كان الأمر هو مازال يُريدها بكُل تأكيد، أستاذنه لإجراء مكالمة ضر’ورية ليسـ ـمح لهُ “أكرم” بكُل هدوء متذكرًا أقاويل “يـوسف” حينما أخبره أن ابن عمّه يُحبّ شقيقته ويُريد أن يتزوجها ليُخبره حينها بأن يجعله يأتي إليهِ للتحدث قليلًا ويتم التعارف بينهما بشكلٍ وديٍ أكثر، تمنىٰ أن تحظى شقيقته بالسعادة وأن يكون هذا الشا’ب عوضًا لها عمَّ رأته مع هذا الحـ ـقير المتخاذ’ل الذي خد’عهم جميعًا وفر هار’بًا بعدما أنفـ ـصلا سويًا..
دقائق كثيرة مرّت وهو ينتظر حتى رآه يقترب مِنهُ أخيرًا يجاوره في جلسته مِن جديد أسفـ ـل نظرات “أكرم” الذي كان يُتابعه ليتحدث “جـاد” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهِ:
_زي ما جيتلي سـ ـكة ودوغري أنا كمان هجيلك سـ ـكة ودوغري وهقولك كُل شيء قسمة و نصـ ـيب.
تو’قع “أكرم” هذا الرد فماذا يظن غير ذلك، هكذا كانت صورة المرأة المُطـ ـلقة في مجتمعنا، أنها منبو’ذةٌ بين الجميع، حينما يعلمون أنها مُطـ ـلقة تنطـ ـلق عليها الأقاويل التي تكون أكثرها جر’حًا للمرأة، هي ليست منبو’ذة، ولا يعيـ ـبُها شيءٌ، كُل الأمر أنها كانت قليلة الحظ، لَم ينصـ ـفها الجميع، أرادت العـ ـيش كما كانت تُريد ولَم يُساعدها المجتمع على ذلك وهذا كُله لأنه تم إطلاق لقبًا سخـ ـيفًا عليها، لقب _المُطـ ـلقة_..
نظر لهُ “جـاد” دون أن يتحدث ليرى الحز’ن باديًا على تقا’سيم وجهه فكان يتأمل أن تنصـ ـلح حياة شقيقته وتحظى بالسعادة كأيُ فتا’ةٍ غيرها، وعندها آ’لمه قلبه بشـ ـدة فماذا سيقول لها حينما تعلم أنهُ تخـ ـلى عنها؟ بالتأكيد ستنصد’م بشـ ـدة فمِن حديث صديقه أنها تُحبه بشـ ـدة، نظر إليهِ “أكرم” وقال بنبرةٍ هادئة:
_حصل خير دا حـ ـقك برضوا، أكيد مش هنجبـ ـرك على حاجة أنتَ مش قابلها، ربنا يرزقك ببنـ ـت الحلا’ل.
أنهـ ـى حديثه وهو يتلا’شى النظر إليهِ بعد أن أنهـ ـى حديثه ليشعر بكف الآخر يوضع على كتفه قائلًا بنبرةٍ متسائلة:
_طب أجي أتقدم لبنـ ـت الحلا’ل أمتى؟.
لحظات وألتفت “أكرم” برأسه ينظر إليهِ متعجبًا ومستنكرًا قوله ليرى أبتسامة “جـاد” تُزين ثغره تزامنًا مع قوله الممازح:
_أنا قولت كُل شيء قسمة ونصيـ ـب ولأجل الأ’مانة يعني هي نصـ ـيبي وأنا مقد’رش أسيبه كدا وامشي يعني ولا أنتَ رأيك إيه؟.
تفا’جئ “أكرم” كثيرًا حينما أستمع إلى حديث “جـاد” وأصبح يُطا’لعه مستنكرًا ليضحك “جـاد” ويقول بنبرةٍ هادئة:
_طب بذ’متك أنا أجي أر’فضها عشان لقب عبيـ ـط زي دا بعد ما كُنْت بدعي كُل يوم العريس اللي متقدملها دا يطـ ـفش، أعقـ ـل الكلام يابا “كايلا” تلز’مني هي وطبق الفاصوليا الخضـ ـرا اللي بتعمله أما عليها طبق فاصوليا يا بوي على حلاوته.
لانت معالم وجهه ليز’فر بعمـ ـقٍ بعدما زارته الرا’حة حينما تلقى حديث “جـاد” الذي مازحه ليقول بنبرةٍ هادئة قليلة الحـ ـيلة:
_يا أخي حرام عليك أقسم بالله و’قعتلي قلبي وبقيت قاعد بفكر هقولها أزاي إنه ر’فض.
ضحك “جـاد” عاليًا على حديثه ثم جاوبه مبتسم الوجه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”كايلا” مِن نصـ ـيبي وأيًا كان اللي حصـ ـل قبل ظهوري ميلز’منيش أنا بحبها وعايزها واللي يلز’مني مِن أول ما نبدأ سوى غير كدا معرفش ولو على والدي ووالدتي فمتقلـ ـقش معندهمش أي مشـ ـكلة المهم إني أبقى راضي دا عندهم أهـ ـم مِن أي حاجة، الخميس الجاي هجيب والدي ووالدتي ونتقدم بشكل رسمـ ـي تكون أنتَ أديتها خبـ ـر وأنا كدا كدا عارف ردها مِن غير حاجة يعني.
_يا واثق أنتَ.
مازحه “أكرم” مبتسم الوجه وهو يومض بجـ ـفنه الأ’يمن ليُبادله “جـاد” ضحكاته وهو يتحدث معهُ طيلة الوقت بعد أن قـ ـرر أن يُرافقه قليلًا فقد أحب صُحبته ومجالسته بعد أن أخذ خطوته ويُسِرَت لهُ الخُطى لتكون أولى خطواته خضـ ـراء ومُيَّسرة تُخبره أن البداية خيرٌ بكُل تأكيد.
____________________
<“أملٌ وحيد يتمسك بهِ المرء مع آخر شعا’ع مِن النو’ر.”>
أملٌ أخير في الحياة يُعطي لصاحبه أحقية العـ ـيش حُـ ـرًا..
شعا’ع نو’ر أخير مِن خيو’ط الشمس الذ’هبية تُعطي أملًا في السـ ـعي قبل أن يفو’ت الأ’وان؛ حياةٌ أفضل، لحظة أجمل، شعورٌ جديد يو’لد محـ ـملًا بالسعادة والطمأ’نينة..
كان في أفضل الأماكن وأحبها إلى قلبه، يفعل ما يُحبه بصد’رٍ رحب مبتسم الوجه، قام بوضع المقاعد البلا’ستيكية في الصف الأول لكبا’ر السن الذين يأتون لأداء الفرائض برغم أن جرو’ح جسـ ـده لَم تُشـ ـفى حتى هذه اللحظة ولَكِنّ صموده كان لهُ رأيًا آخر في ذلك، طاف بعينيه في أرجاء المسجد يتأكد أن كُل شيءٍ على ما يُرام لتعلـ ـو البسمةُ الهادئة ثغره وهو يشعر بالرضا، دقائق معدودة وبدأ بتوافد المصلين إلى المسجد ليقف هو أمام مكبر الصوت يُرا’قب عقا’رب الساعة بعينيه والتي كانت تتحرك بأنتظام منتظرًا أن تدُق الدقيقة الثانية ليبدأ بر’فع أذان العصر بصوته العذ’ب الذي رن في أركان الحارة ناشرًا الر’احة والطمأ’نينة في أركان الحارة سواء كبيرة أو صغيرة..
ولجوا مجموعة مِن الأطفال الصغار يتسابقون على اللحاق بالصف الثاني بحما’سٍ طفولي في رؤية مَن سيلحق الصف الثاني والذي يكون بالنسبةِ لهم الصف الأول، ولج “نادر” في هذه اللحظة مستمعًا إلى صوته الذي حرك بداخله الكثير ونشـ ـر راحته في ثنايا قـ ـلبه يُرافقهُ “لؤي” الذي شعر بالسعادة حينما رأى رفيقه يعود إلى سابق عهـ ـده ومثلما أعتاد رؤيته، نظرا كليهما إلى بعضهما نظرةٍ تبتسم قبل الفم بلا شـ ـك فـ “لؤي” يعلم أن صديقه لا ييأ’س ولا يستسـ ـلم إلى أي شيءٍ يكون سـ ـببًا ر’ئيسيًا في تراجعه إلى الخلف..
أنهـ ـى “رمـزي” ر’فع الأذان ليقوم بغـ ـلق مكبر الصوت ثم الألتفات ليرى صديقه يقف على بُعد سنتيمتراتٍ مِنهُ يُشير إليهِ بوجهٍ مبتسم دون أن يتحدث لتعـ ـلو الإبتسامة ثغره ولذلك أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى وقف أمامه وعانقه برفقٍ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_واحشني واللهِ العظيم الكام يوم اللي فا’توا دول ومشوفتكش فيهم.
بادله “لؤي” عناقه مبتسم الوجه وهو يُمسِّد على ظهره برفقٍ قائلًا بنبرةٍ مماثلة:
_وأنتَ واحشني أوي أقسم بالله، عودة حميدة يا حبيبي.
ثوانٍ قِلة وجاء حديثه الهادئ متسائلًا حينما داعبت رائحته أنفه ليبتعد عنهُ قائلًا:
_أنتَ حا’طط برفان ولا إيه يا شيخنا؟.
أتسـ ـعت بسمةُ “رمـزي” وهو ينظر لهُ لينظر “لؤي” إلى “نادر” قائلًا:
_برفان دا ولا مش برفان شِمُه كدا.
أقترب “نادر” يشم رائحة “رمـزي” الطيبة ليقول نافيًا:
_لا دا مش برفان دي ريحة مسك.
جاوبه “رمـزي” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر لهُ مبتسم الوجه قائلًا:
_أنا بحب المسك دا أوي، مش بحط برفان فأغلب الأوقات، بصراحة أنا بشرب العبوة أساسًا مِن حُبي فيه فلوسي كلها رايحة عليه.
_أنا حبيته أوي هاتلي واحدة معاك لو جيبت المرة الجاية.
هكذا جاوبه “نادر” مبتسم الوجه وهو ينظر إليهِ ليجاوبه “رمـزي” حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_مِن عيوني يا غا’لي.
بعد مرور الوقت.
صف “سـراج” سيارته أسـ ـفل بِنْاية “يـوسف” ثم ترجل مِنها دون أن يتحدث ملتفتًا إلى الجهة الأخرى أسفـ ـل نظرات صديقه ليقوم بفتح الباب إليهِ يُساعده على الخروج، في هذا الوقت كان “فـتوح” جالسًا أمام محله على المقعد الخـ ـشبي وبجواره “حـديدة” الذي كان يُد’خن سيجارته ينظران إليهما نظراتٍ با’ردة مِن قِبَل “حـديدة” وأخرى متر’قبة مِن قِبَل “فـتوح” الذي كان ينتظر رؤية ما يحد’ث..
وفي نفس الوقت خرج “جـاد” مِن بِنْاية “أكرم” متوجهًا إلى سيارته بخطى هادئة لجلبٍ شيءٍ ما مِنها والتي كانت تقف أمام سيارة “سـراج” الذي ساعد صديقه على الخروج وقام بلـ ـف ذراعه حول عنـ ـقه مسا’ندًا إياه يرى رفيقه يتأ’لم ويخبره بأن ينتظر قليلًا حتى يهدأ الأ’لم قليلًا، نظر “يـوسف” حوله بمعالم وجهٍ متأ’لمة ليرى “ثـريا” تقترب مِنهما بعدما رأت مساندة “سـراج” لهُ لينتا’بها الخو’ف عليهِ بلا شـ ـك، نظر “يـوسف” إلى “سـراج” وقال:
_بقولك إيه أتصل بـ “مـها” أسألها عن “شـاهي” عشان لو عندي فوق مش هطـ ـلع بالمنظر دا مش هتسيبني النهاردة ولا هتسكوت.
تفهم “سـراج” حديث صديقه ولذلك أخرج هاتفه مِن جيب سترته كي يُهاتف زوجته ويفعل مثلما قال لهُ رفيقه، فيما وقفت “ثـريا” أمامه وهي تتفحصه بصد’مةٍ واضحة قائلة:
_يا لهو’ي إيه اللي حـ ـصلك يا ابني مين ابن الحرا’م اللي عمل فيك كدا؟.
أجابها “يـوسف” بنبرةٍ هادئة بها بُحَّةُ الأ’لم قائلًا:
_متخا’فيش يا أم “حـسن” محـ ـصلش حاجة، واحد ابن حرا’م أتهجـ ـم عليا فالتُر’ب وأنا بزور أبويا كان نا’وي على مو’تي لولا “سـراج” لحـ ـقني.
ضـ ـربت بكفها على صد’رها في حركةٍ شعبية شهيرة وهي تقول بزُ’عرٍ:
_يا مـ ـصيبتي !! طب عمل فيك حاجة يا حبيبي طـ ـمني عليك.
أبتسم “يـوسف” وأشار على نفسه وهو يقول بنبرةٍ سا’خرة:
_زي ما أنتِ شايفة كدا، كسـ ـحني ابن الـ****.
مدت كفها تُربت على ذراعه برفقٍ وهي تقول بحز’نٍ بائنٍ لأجله:
_معلش يا حبيبي بركة إنك لسه كويس، الحمد لله إنه مضر’بكش ضر’بة تمو’تك يا ابني ولاد الحر’ام كتير حسبي الله ونعم الوكيل، طب أنتَ مش عايز أي حاجة يا ابني قولي واللهِ لو طلبت عيوني ما أعزها عليك.
نظر إليها “يـوسف” مبتسم الوجه ليقول بنبرةٍ هادئة مطـ ـمئنًا إياها:
_أنا هبقى زي الفُل متقـ ـلقيش تر’بيتك يا أم “حـسن” بقى دا أسمه كلام برضوا عيبة فحـ ـقي.
نظرت إليهِ “ثـريا” بحنوٍ وقالت بنبرةٍ صا’دقة:
_ربنا يعلم أنا بعزك أزاي وبعتبرك أبني اللي مخلفتهو’ش واللهِ يا “يـوسف”، لو أحتاجت أي حاجة أنا موجودة برضوا مش هتأخر عليك.
_تسلمي يا سـ ـت الكُل متحر’مش مِن سؤالك عليا.
هكذا جاوبها “يـوسف” مبتسم الوجه لتودعه هي وتعود إلى محلها أسـ ـفل نظراته لها، فيما أنهـ ـى “سـراج” مكالمته مع زوجته ونظر إلى “يـوسف” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بتقولي عند خالتي “هـناء” مِن الصبح قعدة معاها.
حرك “يـوسف” رأسه برفقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_حلو أوي طلـ ـعني على فو’ق بقى عشان مش قا’در أطلع لوحدي.
وضع “سـراج” هاتفه في جيب سترته وأعتدل في وقفته لير’مي رفيقه ثقـ ـل جسـ ـده عليهِ حتى لا يضغـ ـط على قدمه المصا’بة أكثر مِن ذلك، في هذه اللحظة أقترب “جـاد” الذي حينما رآه بهذه الحالة صُدِ’مَ بلا شـ ـك ليُسرع في خطوته تجاهه والخو’ف يتآ’كل قلبه ليقف أمامه متفحصًا إياه قائلًا بنبرةٍ متلـ ـهفة ومزعو’رة:
_إيه اللي حصـ ـلك في إيه؟ مين عمل فيك كدا يا “يـوسف” أتكلم متفضلش ساكت كدا إيه البهد’لة دي؟.
تحدث “يـوسف” بنبرةٍ مر’هقة وهو ينظر لهُ قائلًا:
_أسندني معاه بس طلعوني عشان مش قا’در أقف وهقولك اللي حـ ـصل.
لَم يتردد وقام بمسا’ندته وهو يلـ ـف ذراع ابن عمّه حول عـ ـنقه مسا’ندًا ثقـ ـل جسـ ـده ليتحركا سويًا إلى ردهة البِنْاية ليأتي قول “يـوسف” محذ’رًا “جـاد”:
_مش عايزك تجيب سيرة لـ “شـاهي” خالص باللي حصـ ـل هتخا’ف ومش هتسيبني النهاردة.
_أفهم بس إيه اللي حصـ ـلك وبعدين نشوف الموضوع دا، أنتَ جاي متخرشـ ـم فكر فمراتك الأول وبعدين نشوف حوار “شـاهي”.
صعدا بهِ إلى الطابق المنشو’د ليقوم “جـاد” بضر’ب الجرس قائلًا:
_الطرحة على را’سك يا أم “ليان” قبل ما تفـ ـتحي.
نظر “سـراج” إلى صديقه الذي كان يُحاول تحـ ـمُل الأ’لم ليقول بنبرةٍ متسائلة وقـ ـلقة لأجله:
_في حاجة تـ ـعباك يا “يـوسف” ولا عشان السلم؟.
_النص الشما’ل دا حا’سس إنه مشلـ ـول، مش حا’سس بيه حرفيًا يا صاحبي.
جاوبه بمصدا’قيةٍ تا’مة يُخبره عن شعوره في هذه اللحظة ليشعرا كليهما بالحز’ن على رفيقهما الحبيب الذي تعر’ض للغد’ر بدون سابق إنذا’ر على أيدي عد’يمي الر’حمة والإنسانية ليقوما بموا’ساته سويًا، ثوانٍ وفُتِـ ـحَ الباب مِن قِبَل “بيلا” التي حينما رأت زوجها بهذه الحالة جحـ ـظت عينيها على و’سعهما وهي تنظر لهُ بصد’مةٍ لا تُصدق ما تراه لتقول بنبرةٍ مزعو’رة:
_يا لهو’ي إيه اللي حصـ ـل؟.
أبتعدت عن مر’ماهم ليولجا سويًا وهما يساعدانه أسـ ـفل نظراتها المصد’ومة والغير مصدقة لتلحـ ـق بهما تراهما يساعدانه على الجلوس، جلس “يـوسف” متأ’لمًا بصوتٍ حا’د منكـ ـش الوجه لتقترب هي مِنهُ بخطى وا’سعة تجاوره وهي تتفـ ـحصه قائلة بنبرةٍ قلـ ـقة:
_في إيه أتكلم … حصـ ـل إيه يا “يـوسف”.
_واحد ابن حر’ام أتهجـ ـم عليه فالتُر’ب وهو رايح للعربية ضر’به بالشو’مة على كتفه بعد ما “يـوسف” حاول يدا’فع عن نفسه قام ز’قه مو’قعه على الأرض ونزل ضر’ب فيه على ر’جله الشما’ل لولا إنه أستنـ ـجد بيا خرجتله جر’ي كان الحيو’ان هر’ب زي الحر’يم.
أختصر “سـراج” إليها الو’اقعة وهي كانت تستمع إليهِ مصد’ومةٍ وبشـ ـدة ومعها “جـاد” الذي كان يشعر بالذهول لِمَ تلقـ ـطه أُذُنيه لتنظر هي إلى زوجها وقد أُغر’قت مُقلتيها بالعبرات لتجلس على رُ’كبتيها أمامه وهي تنظر إليهِ ثم نظرت إلى قد’مه المصا’بة لتَمُد كفها تُلا’مسها برفقٍ وهي تنظر إليهِ تترقب تقا’سيم وجهه لترى أنهُ بدأ يتأ’لم لتقوم بالسير بكفها على قد’مه وهي تضغـ ـط برفقٍ بأناملها على أماكن مُعيَّـ ـنةٍ لتسمعه يتأ’وه بصوتٍ حا’د منكمـ ـش الوجه..
خـ ـففت مِن ضـ ـغطتها على موضع الأ’لم لتقول بنبرةٍ مائلة للبكاء وهي تنظر إلى موضع أ’لمه بعينين ملتـ ـمعتين:
_وَ’تَر.
عادت تسير مِن جديد بكفها لتضـ ـغط بأناملها على مكانٍ آخر بالقربِ مِن رُ’كبتهِ ليعلـ ـو تأ’وهه مِن جديد، قلبها يصر’خ أ’لمًا معهُ بلا شـ ـك لتقول مِن جديد بنبرةٍ باكية:
_برضوا وَ’تَر.
نظر “جـاد” إلى “سـراج” وهو لا يعلم ماذا تفعل، فيما نظرت هي إلى “يـوسف” بعد أن تسا’قطت العبرات على صفحة وجهها وقالت متسائلة:
_إيه اللي بيو’جعك تاني؟
نظر هو إليها متأ’لمًا ممسكًا بكتفه الأ’يسر وكأنه يُخبرها وهذا أيضًا ومعهُ قـ ـلبي ينزُ’ف، نهضت هي وأقتربت مِنهُ وهي تنظر إلى كتفه لتَمُد يدها تُبعد يده عنهُ لتتلـ ـمس بعدها كتفه برفقٍ وحذ’رٍ شـ ـديد تسير بكفها عليهِ محاولةً إز’الة الأ’لم ليقول هو هذه المرة بنبرةٍ يكتـ ـسيها الأ’لم:
_مش حا’سس بكتفي يا “بيلا”، حا’سس إن فيه حاجة بس مش عارف إيه هي، بس الو’جع بجد لا يُطا’ق دلوقتي دا أنا عندي المو’ت أهوَّ’ن.
سقـ ـطت عبراتها أكثر على صفحة وجهها بعد أن أستمعت إلى حديثه ومعها تأ’ثرا هما كذلك بحديثه وأكثرهما “سـراج” الذي رأى كُل شيءٍ مرى بهِ رفيق الطفولة، ألتفتت “بيلا” في هذه اللحظة تنظر إليهما لتقول بنبرةٍ باكية:
_لاز’م ناخده على المستشفى، مش هعرف أعمله حاجة أنا خا’يفة أوي، لاز’م ناخده ويتعمل أ’شعة على ر’جله وكتفه عشان أتطـ ـمن عليه حالته دي قلقا’ني أوي.
جاوبها “سـراج” بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_صدقيني قولتله أخدك على الدكتور ر’فض وقالي هبقى كويس ولو خدته هتبقى فيها ز’علة.
أز’الت عبراتها بكفيها وقالت بنبرةٍ صا’رمة لا تقبل النقا’ش:
_وأنا اللي بقولك دلوقتي يا “سـراج” هناخده على المستشفى، متسمعش كلامه.
ألتفتت بعدها إلى “يـوسف” تنظر إليهِ لتقترب مِنهُ تحاوط شطـ ـري وجهه بكفيها قائلة:
_لاز’م تروح للدكتور يا “يـوسف”، دا مش أختياري دا إجبا’ري عشان لو فيه حاجة لقد’ر الله نلـ ـحقها فالأول وعشان خاطري متكا’برش … عشان خاطري.
أنهـ ـت حديثها وهي تتو’سله تتأمل أن تأخذ الإجابة المُرادة، فيما أستسـ ـلم إليها ووافق على حديثها بعد أن شعر بأن الأ’لم لا يتركه لتعتدل هي سريعًا في وقفتها تنظر إليهما قائلة:
_هروح أغيَّر هدومي على طول وأجيلكم.
أنهـ ـت حديثها وتوجهت بخطى سريعة إلى غرفتهما مغلقةً الباب خلفها، فيما أقترب “سـراج” مِن صديقه وجاوره في جلستهِ ممسِّدًا على ذراعه الأ’يمن برفقٍ ومعهُ “جـاد” الذي جاور ابن عمّه يوا’سيه وهو يتمنى أن يرى مَن فـ ـعل بهِ ذلك حتى يُلقـ ـنه درسًا قا’سيًا..
بينما بداخل الغرفة..
أقتربت “بيلا” مِن النافذة لتُغلقها لتتوقف فجأةً وهي تُمسـ ـك بالنافذة تنظر إلى نقـ ـطةٍ محددة مجـ ـحظة العينين ترى “فـتوح” يقف في مكانٍ منزويٍ عن أعين الجميع ويُعطي نقودًا كثيرة إلى شخصًا يرتدي ملابس سو’د’اء وبيدهِ عصـ ـا خـ ـشبية كبيرة، حاولت سماع ما يقولانه بترقبٍ شـ ـديد..
_أهـ ـم حاجة ميكونش شاف وشك؟.
_لا يا معلم متخا’فش ولا هيعرفني أنا عملت زي ما قولتلي ضر’بة على الكتف و ٢ على الر’جل أضمـ ـنلك إنه مش هيعرف يمـ ـشي عليها تاني.
صُعِـ ـقَت حينما أستمعت إلى حديثهما سويًا لتز’داد وتيرة أنفا’سها بشكلٍ ملحوظ لا تُصدق سمعته منذ لحظات، رمقته وهو يذهب مسرعًا أسفـ ـل نظرات “فـتوح” الذي نظر حوله يتأكد مِن أن لا أحد يراه ثم ذهب أسـ ـفل نظراتها، وعنها فقد كانت تشعر أن غضـ ـبها تمـ ـلَّك مِنها حينما عِلَمَت وسَمِعَت بأُذُنيها أن مَن قام بإيذ’اء زوجها هو نفسه هذا الحـ ـقير المتخاذ’ل الذي لا ينتو’ي على خيرٍ ألبتة لتتو’عد إليهِ قائلة:
_وكالعادة الحركات الـ**** دي مبتطـ ـلعش غير مِنك يا “فـتوح”، ماشي هتشوف المرة دي إيه اللي هيحـ ـصل فيك قدام أهل الحارة كلهم ود’كر اللي ينجـ ـدك مِني النهاردة.
أنهـ ـت حديثها إلى نفسها وهي تتو’عد إليهِ بشـ ـدة لتقوم بإغلا’ق النافذة وهي مازالت تُحادث نفسها قائلة:
_بس “فـتوح” ميعرفش إن المكان دا بيؤدي على شباكنا، جبا’ن وخسـ ـيس خا’يف يفضـ ـح نفسه قدام الناس عشان يوم ما “يـوسف” يصـ ـفي حساباته معاه ينكـ ـر ويعمل فيها الملا’ك البر’يء أبو جنا’حات بيـ ـضا، ماشي يا “فـتوح” هتشوف “بيلا عوض” هتعمل فيك إيه كمان شوية.
أنهـ ـت حديثها وبحثت عن هاتفها لتراه موضوع على الفراش لتقترب مِنهُ تأخذه وهي تعبـ ـث بهِ منتو’يةً على فعل ما خـ ـططت إليهِ للثأ’ر لزوجها، لحظات وجاءها جواب الطر’ف الآخر لتبدأ تتحدث وتُخبره عن ما حد’ث وما تريد أن تفعله بالتفصـ ـيل..
وبعد مرور الوقت..
خرجوا مِن بهو البِنْاية وهما يُسا’ندان “يـوسف” متجهين بهِ إلى السيارة وخلفهم “بيلا” التي توقفت مكانها تنظر حولها تبحث عنهُ لتراه يقف أمام المحل الخاص بهِ يتحدث في وظهره موليًا إياهم لتنظر حولها مِن جديد تبحث عن الطر’ف الآخر لتراه ظهر معطيًا إياها إشارته لتحرك رأسها لهُ ثم تنظر إلى “جـاد” و “سـراج” اللذان كانا يتوجهون نحو السيارة لتتركهم وتتوجه نحو “فـتوح” بخطى هادئة تنتو’ي على تنفيـ ـذ ما برأسها..
وكلما أقتربت يز’داد غضـ ـبها أكثر نحوه وترى زوجها وهو يتأ’لم بشـ ـدة أمام أعينها وكان هو أكبر دا’فعٍ إليها في هذه اللحظة كي تُكمل ما بدت عليهِ، وقفت خلـ ـف “فـتوح” مباشرةً تنظر إلى ظهره للحظات حتى رأته يُنهـ ـي مكالمته دون أن ينـ ـتبه إليها أو يشعر بها حتى وكأنه في هذه اللحظة أصبح في غـ ـفلةٍ مِن أمره، ومِن جديد عادت أصوات زوجها تعـ ـلو في أُذُنيها بلا توقف كالموسيقى الصا’خبة، ثوانٍ معدودة وكانت تهجـ ـم عليهِ تجذ’به بعنـ ـفٍ شـ ـديد مِن خصلا’ته بعد أن ها’جمته مِن الخـ ـلف لتعـ ـلو صر’خاته فز’عًا جذ’بت أنتباه الجميع وعلى رؤوسـ ـهم “يـوسف” الذي جحـ ـظت عيناه بصد’مةٍ حـ ـقيقية وهو ينظر إلى زوجته ومعهُ ابن عمه ورفيقه الذي أصا’بته الصد’مة كذلك..
_أنتَ لسه شوفت حاجة، مش هر’حمك يا ابن الجز’ار ووريني مين الد’كر اللي هيحـ ـوشك مِني النهاردة.
هكذا قالت متو’عدةً إليهِ وهي تُشـ ـدد قبـ ـضتيها على خصلاته أكثر وتجذ’به بعـ ـنفٍ أكبر وهو كان ضـ ـعيفًا بشـ ـدة أمامها في هذه اللحظة ليكون، تَجَـ ـبُر المرأة مُسـ ـيطرًا.
___________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية جعفر البلطجي الجزء الثالث)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى