رواية الهامش الرابع الفصل الأول 1 بقلم شيماء مشحوت
رواية الهامش الرابع الجزء الأول
رواية الهامش الرابع البارت الأول

رواية الهامش الرابع الحلقة الأولى
– “الحقوني! زينة انتحرت… بنتي راحت مني خلاص!”
صرخت الأم بانهيار، وهي تتشبث بذراع ابنها، تهتز بين ذراعيه كغريق يتعلق بخشبة.
– “الحقني يا ياسر! أختك بتموت قدامي!”
– “اهدي يا ماما، أرجوكي اهدي شوية!”
كان صوته يرتجف رغم محاولته التماسك، عيونه تلمع من شدة الخوف، وقلبه ينهار، لكنه يحاول أن يبقى واقفًا.
هو رجل المنزل الآن، رغم رقّة قلبه الذي لن يحتمل أن يصيب صغيرته مكروه وهو عاجز، فوالده مات وتركها أمانة في عنقه، فتعلق قلبه بها حتى أصبحت جنته ونيرانه.
بعد لحظات قليلة، كان يزن يدفع باب المنزل بخوف.
تلفّت بعينيه في كل الاتجاهات، يبحث عنها بجنون، وكأن الحياة نفسها متوقفة على نظرة منها، على كلمة، على أي إشارة تثبت له أنها بخير.
هي ليست مجرد امرأة بالنسبة له…
كانت خياره الوحيد.
الغيث الذي طال انتظاره، الأمنية التي كادت أن تتحقق… ويا ليتها تحققت.
المنزل بدا مهجورًا كأرضٍ جرداء، خالٍ من بسمتها التي كانت تزين الحياة.
الباب مفتوح، لكن لا أحد في الداخل.
خطا خطوات متسارعة، ينادي باسمها وبأسماء أفراد عائلتها:
“زينة… زينة! يا طنط؟ يا ياسر؟ فينكم؟”
كل زاوية كانت تجيبه بالصمت.
حتى رأى شيئًا أمام عينيه جعله يتوقف فجأة.
قبض على هاتفه واتصل بياسر، وصوته يختنق بين القلق والرعب:
“ياسر… إنت فين؟ وزينة فين؟ والبيت ليه الباب مفتوح كده؟ زينة كويسة؟ قلبي مقبوض من الصبح، بالله عليك طمّني.”
جاءه صوت ياسر، مرتبكًا، منهكًا:
“إحنا في المستشفى، يزن… زينة في العمليات، أخدت جرعة كبيرة جدًا من المهدئات اللي بتاخدها، والدكاترة بيحاولوا ينقذوها…”
غامت الدنيا أمام عينيه، وكأنه يتساءل: ألم يكفِ بعد؟
أ سأظل أحاسب كثيرًا؟
إلى متى يا قلبي؟ إلى متى ستظل فاقدًا، تئن حتى من تلك التي أقسمت بحبها؟
بحثت عني وعن قلبي، فوجدتُهم بك مقيدين.
شكوتني لذاتي: هل سنعود لأقدامنا الهاوية؟
فرددتُ: أفديها بكل شيء، حتى تكون هي جبري، وعوضي الجميل.
انطلق إلى المستشفى بعدما عرف اسمها من أخيها، ثم سأل عن رقم الغرفة وتوجّه مباشرة.
بعد لحظات وصل أمام الغرفة…
فوجد ياسر جالسًا أمامهت، ضامًّا يديه إلى صدره كأنه يضم قلبه ليمنحه أمانًا افتقده، ومغمض العينين…
يزن بتوتر وخوف:
“طمني يا ياسر، أرجوك طمني. هي بقت كويسة دلوقتي ولا لسه تعبانة؟
لو محتاجة تتنقل لمستشفى تانية قولي، وأنا أنقلها فورًا، المهم تكون بخير.”
نظر له ياسر بهدوء وقال:
“لسه هتتعبوا بعض كتير؟
طلّقها يا يزن وريح نفسك وريحنا وارتاح.
أنا مش حِمل أخسر أختي وابنتي بسبب إصرارك وأوهامك.”
أجاب يزن بيأس:
“وأنا يا ياسر؟ أموت لوحدي؟
طب هي هتوافق أصلاً؟”
قال ياسر بثقل:
“لازم نشوف حل، أنا تعبت، ومش حمل خضة تانية.
خضة زي دي كفيلة تموتني.
لازم تاخدوا القرار بقى، يا لقاء يا فراق، مش فارق معايا، المهم هي تكون بخير.”
أومأ يزن متفهمًا تلك الدوامات التي تلتف حولهم:
“هي بخير؟”
رد ياسر بوجع:
“قالوا بخير… بس لإمتى؟ مبقتش عارف.”
قال يزن، وهو يستأذن للدخول ليرتاح قلبه:
“ممكن أدخل لها بعد إذنك يا ياسر؟”
ياسر بهدوء:
“ادخل يا يزن، بس حاول متلومهاش.
واضح إن اللوم والعتاب معاها مبقاش نافع.
أنا لسه مش قادر أدخل، محتاج أتحكم في أعصابي أكتر.
بس ماما معاها جوا.”
تحرك يزن بتوتر وآلية، ودق الباب لثوانٍ قبل أن يأتيه الإذن من والدتها.
دخل متنهدًا بثقل:
“إزيك يا طنط، عاملة إيه؟”
أجابته السيدة سعاد بهمّ:
“الحمد لله يا ابني… اتفضل، أنا هخرج أشم شوية هوا برا.”
دخل يزن ونظر في أرجاء الغرفة، وهو يتذكر عدد المرات التي دخل فيها غرفًا مشابهة مع اختلاف الوجوه، ونفس الطلاء الأبيض الباهت.
يقولون الأبيض رمز السلامة والأمل… ما له اليوم يأخذ دور الأسود الحزين؟
أما عنها، فكانت تنظر إليه بعيون تتلألأ بالحزن، وشعرها مفروض خلف رأسها كما تخيلها دومًا،
تلك اللحظة التي انتظرها كثيرًا، أن يرى خصلاتها حول وجهها، لكن لم يتخيل أبدًا أن تأتي في موقف كهذا.
نظر إليها معاتبًا، فالتفتت برأسها للجهة الأخرى، هاربة من عينيه الذابلتين، العاتبتين، الحزينتين.
قال يزن بشجن:
“هُنت عليكِ؟ هنتِ عليكِ أتكسر كده… وعلى إيدك؟
بعد ما رسمت أحلامي بإيدك، وإدتهالك نحققها سوا…
قدرتي تاخديها وترميها في النار؟
مفكرتيش فيا؟
كنت هعيش إزاي من غيرك، وإنتِ الحياة؟
تفتكري كنت هقدر أفضل عايش من غيرك أصلاً؟”
أجابته بدموع وحزن، بأحرف متقطعة:
“أنـا… آسفـة… أنا آسفـة يا يزن.
سامحني؟”
قال بهدوء:
“عايزة تطلقي يا زينة؟
عايزة تبعدي عن حضني قبل ما تجربيه؟”
هزت رأسها نافية مرارًا، وكأنها تنفي ذلك القرار، وتؤكد أنه لا يمكن أن يكون رغبتها أبدًا.
لمس أناملها ببطء وقال:
“طب قوليلي عايزة إيه، وأنا أعمله ليكِ…
والله حتى لو التمن عمري، حتى لو التمن إني أشوفك مع غيري، بس تكوني سعيدة وبخير قدامي.”
أجابته بحزن:
“يزن… أنا آسفة، أنا عايزة أروح مركز الهامش الرابع”
قال بدهشة:
“بتهزري؟ هتروحي هناك إزاي؟!”
قالت بثبات:
“أرجوك يا يزن، لو بتحبني… ساعدني.
أنا لازم أروح هناك عشان…”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الهامش الرابع)