رواية الماسة المكسورة الفصل الستون 60 بقلم ليلة عادل
رواية الماسة المكسورة الجزء الستون
رواية الماسة المكسورة البارت الستون
رواية الماسة المكسورة الحلقة الستون
{~”أحيانًا، تكون الحقيقة التي تحاول الهروب منها، والكذبة التي تقنع نفسك بها لتعيش لحظات من الوهم، أشبه ببناء قصور من الرمال فوق الرمال. لكنها لا تلبث أن تنهار فوق قلبك، تصدمك، تفتك بك، وتتركك حائرًا بين أنقاضها، تتلمس بقاياك وسط الركام، تحاول جاهدًا أن تلملم ما تبقى منك… لكن عبثًا، فقد فات الأوان..فلا تدع العناد يدمّرك، فتجد نفسك تدفع الثمن وحدك، محاصرًا بصمتك وأخطائك. الحياة قاسية، تخدعك بلحظات جميلة، ثم تتركك في العتمة. لكنها في النهاية ليست سوى اختياراتنا… أو ربما قدرنا. ومع ذلك، هناك حقيقة واحدة لا تتغير: الألم الذي نحمله في قلوبنا، جرح لا يندمل، ونزف لا يسمعه أحد.”~}
الفصل الستون
[بعنوان: نزيف لا يُسمع وعناد لا يُجدي]
وبمجرد أن فتحته، ارتسمت على وجهها ابتسامة صغيرة… لكنها ما لبثت أن خبت حين التقت عيناها بعيني منى.
مالت نيللي بجسدها قليلًا إلى الباب، وعقدت ذراعيها أمام صدرها، قبل أن تبتسم بسخرية قائلة: إنتٍ
بتهزري؟ جايه هنا؟ مش خايفة حد يشوفك؟!
دخلت منى بخطوات واثقة دون أن ترد، ثم أغلقت الباب خلفها والتفتت نحوها أخيرًا، قائلة بنبرة باردة:
لا… أنا عارفه بعمل ايه كويس؟! وعارفه إنه مش عندك
ضحكت نيللي بخفة، وتحركت، ثم أغلقت التلفاز وجلست على الأريكة مجددًا، ورفعت ساقًا فوق الأخرى قبل أن ترد بنبرة متسلية: ماشي يا ستي أنا مالي أنا مجرد وسيط..
عقدت منى حاجبيها وتوقفت أمامها، نظراتها كانت حادة وهي تسأل مباشرة: عملتي إيه مع رشدي؟
تنهّدت نيللي بضيق قبل أن تميل بجسدها إلى الوراء، بينما تحركت أناملها بكسل فوق حافة الأريكة، ثم تمتمت باستخفاف:
عكس اللي حكتيه…طلع مش بالسذاجة اللي كنتي متخيلاها شكله هياخد وقت كبير عقبال ما ياخد أول سطر.
لم يبدُ على منى أي انفعال، فقط رفعت حاجبها قليلًا قبل أن تقول بنبرة ثابتة:
المهم إنه يطمنلك ويتكلم ويحكي… وبعدين موضوع الإدمان يجي على مهله. رشدي ده لازم تدمريه فهمة زي ماقلت لك واتفقنا.
بدت نيللي مترددة للحظة، لكن منى لم تمنحها الفرصة، بل اقتربت منها أكثر مالت بجسدها ونظرت في وجهها مباشرة، ثم أضافت بصوت منخفض لكنه يحمل خطورة واضحة:
فخّمي فيه على قد ماتقدري… هو بيحب كده أوي. عنده عقدة نقص، وكل ماتفخّمي فيه وتحسّسيه إنه أحسن واحد في الكوكب، هيحبك أكتر.
ظلت نيللي تحدق بها، ثم سألت بفضول:
وبعدين؟
ابتسمت منى بسخرية رفعت ظهرها قالت بنفس النبرة الهادئة:
هيحبك … خصوصًا لما تقارنيه بسليم… لازم تحسّسيه إنه أحسن من سليم، إنه مش أقل منه في أي حاجة وتحسسيه إنه فعلاً غلبان وإنه ماحدش فاهمه.
نيللي بابتسامة خفيفة وهي تميل برأسها قليلًا، ناظرة إلى منى بفضول:
تمام… بس إنتِ هستفيدي إيه يا منوشه؟ اللي فهمته إن اللي المفروض، يتلعب عليه عشان طه ياخد مكان الباشا سليم مش رشدي… رشدي مجرد عسكري في لعبة الشطرنج الكبيرة اللي بتلعبوها.
لم ترد منى على الفور، بل فتحت حقيبتها وسحبت ظرفًا منتفخًا، ثم ألقته بجانبها على الأريكة، ليصدر صوت ارتطام مسموع.
منى بصوت بارد وحاد:
مش شغلك! تنفذي اللي بقولك عليه وبس. وبعدين، انتِ مش هتطولي كتير، نفذي الخطة وبعدين اختفي. والله لو عايزة تكملي معاه وتتجوزيه، وتاخدي فلوسه، دي مشكلتك، مش مشكلتي. أنا ليَّا حاجة واحدة… رشدي لازم يدمن. أي حاجة تانية، تعمليها براحتك.
ظلت نيللي تنظر إلى الظرف للحظة، ثم التقطته ببطء، تقلبه بين يديها، بينما ترتسم على شفتيها ابتسامة أوسع، فيها مزيج من الحذر والتسلية.
نيللي بهدوء مشوب بالسخرية:
ماشي… بس بقولك، برده هو مش عبيط زي ما انتِ مفكرة، مش هيتضحك عليه بسهولة.
منى تتأملها للحظة، ثم ترفع حاجبها باستنكار:
ما قلتلكيش إنك تبتديها معاه بدري عشان مايشكش؟ رشدي تعلب، ولازم نمشي بالراحة. المهم، الراجل اللي تبعك ده… كلمتيه؟ أنا عايزة معلومات عن عماد، أي حاجة.
نيللي تتظاهر بالتفكير وهي تميل برأسها:
لسه بيدور… بس بقولك إيه، لو لقيتيني بقيت سِلفتك قريب، ماتتخضيش. الصراحة..أنا جاية على جواز!
ارتفع حاجب منى للحظة وهي تتفحصها من أعلى لأسفل، قبل أن تزفر بنفاد صبر.
منى بضيق:
اعملي اللي عايزاه،المهم الهدف. أنا همشي.
التفتت منى مغادرة، خطواتها سريعة وثقيلة، ثم تقف للحظة عند الباب، عيناها تلمعان بشر واضح وهي تتمتم بصوت منخفض، يكاد يكون همسًا، لكن مشحونًا بالغضب المكتوم.
منى بغضب مكتوم: أنا هوريكم مين هي منى…عشان تهددوني بولادي تاني!
💞_________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي السابعة صباحاً
جناح، عزت وفايزة
كان عزت يرتدي جاكيت البدلة، بينما وقفت فايزة أمام المرآة، تضع أحمر شفاهها استعدادًا للخروج إلى المجموعة. كانت ملامحها متجهمة، وأفكارها تدور حول أمر لم تستطع استيعابه بعد ثم قالت.
فايزة: عزت، أنت عرفت إن ماسة هتاخد بالها من نالا؟ حتى هي اللي اختارت لها الاسم ده؟
عزت وهو يعدل ياقة جاكيته: اممم، ما أنا كنت حاضر.
فايزة بضيق: آه صح، مش عارفة إزاي ياسين وافق.
رفع عزت حاجبيه باستغراب، ثم قال بنبرة واضحة: طبيعي، لازم يوافق، ده الصح.
ضحكت فايزة بسخرية، ثم قالت بتهكم: صح؟! أنت عايز الخدامة دي هي اللي تاخد بالها من حفيدتي؟
نظر لها عزت ببرود: خلاص، خدي بالك منها إنتِ، أو خليها مع صافي أو فريدة.
فايزة وهي تغلق الغطاء على قلم أحمر الشفاه: هم أولادي فاضيين؟ ولا أنا فاضية؟ بس عارفة كويس إن هي اللي هتاخد بالها منها، ما هي خدامة ودي شغلتها.
نظر لها عزت بضيق ويأس، ثم حول وجهه إلى الجهة الأخرى، وقال بنبرة جافة: أنا هستناكي تحت على السفرة.
أمام أحد مراكز اللغات الواحدة مساءً
نرى سلوى تهبط الدرج. بينما كان يقف أمام السيارة مكي بانتظارها، حينما شاهدته سلوى توقفت وهي تفكر، هل تقترب وتتحدث معه بهدوء؟! أو ماذا تفعل!! تنهدت وهما يتبادلان النظرات في صمت، ثم اقتربت منه.
سلوى بهدوء قالت بجمود: عايز إيه؟
مكي: عايز أتكلم معاكي.
سلوى بتعب: مافيش حاجة ممكن نتكلم فيها..
رفعت يديها أمامه لتطلعه على دبلتها وقالت: قلت لك قبل كده، طريقنا مش واحد، قصتنا انتهت من زمان. وأنا دلوقتي في حياتي واحد تاني..
أكملت بتأثر وهي تدقق النظر في ملامح وجهه: مش هو ده اللي أنت كنت عايزه. كنت عايزني أنضج واعرف وأقارن؟ سيبني بقى علشان أعرف وأختار صح.
مكى بضيق وغيره: بس أنا مش قادر أتحمل، والغيرة بتقتلني.
سلوى بحزن مبطن: مافكرتش ليه زمان، لما كنت بتاخد قرارك في اللحظة دي؟
مكي بتأثر: كل اللي فكرت فيه وقتها ياسلوى هو إني أحافظ عليكي وأحميكي حتى من حبنا .. قوليلي مبسوطة مع صالح.
نظرت له سلوى بصمت ثم قالت بحيرة: مش عارفة.
مكي عقد حاجبيه: يعني إيه مش عارفة؟
سلوى رفعت عينيها نحوه: مش عارفة، بعدين أنت الوحيد اللي ماينفعش نتكلم سوا.
مكي: ليه يعني؟! ماتنسي بقى، إحنا كنا بناخد رأي بعض زمان.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة وجع: زمان، انسى زمان، زمان انتهى خلاص.
مكي بوجع: أنا مستحيل أنسى زمان. تعالي نتكلم طيب، شوية يمكن اديكي نصيحة.
هزت رأسها سلوى برفض: مش هينفع. مش هينفع يا مكي.. تقبل عليا إني أكلم راجل غير خطيبي
مكي: لا طبعاً مش هقبل، بس ممكن أوصلك ونتكلم في العربيه كحارس.
فكرت لوهلة وهي تنظر له .. ثم هزّت رأسها إيجابًا. فتحت باب السيارة وصعدت للمقعد الخلفي، بينما جلس مكي في مكان السائق.
مكي وهو يدير المحرك: لسه مابتعرفيش تسوقي؟
سلوى: لا، مش بعرف. فشلت… عندي مشكلة مع تقدير المقاسات.
مكي: خلي ماسة تعلمك، هي بقت شاطرة جدًا… قولي لي بقى، محتارة في إيه؟
سلوى بحدة: مش هقول لك يا مكي، ومش هنتكلم في موضوع صالح لأنه مايخصكش
مكي بنبرة هادئة: زي ماتحبي. وقت ماتحسي إنك محتاجة تتكلمي أو عايزة نصيحة، أنا موجود. كل اللي بطلبه منك إنك تاخدي بالك منه وتاخدي وقتك… لأنه مش كويس.
سلوى باستنكار: هو أنت عرفت منين إنه مش كويس؟
مكي: يعني إحساس. صراحة ماعجبنيش.
سلوى متعجبة: أمال لما سألت عليه انت وسليم، قلت إنه شاب كويس ومحترم هو وأهله؟ إزاي؟
مكي بتأني: هو صحيح ماشي صح… لا بيشرب، ولا بيصاحب، ولا له مشاكل كبيرة. ده كلام الناس عنه. بس الطبع بيبان في العلاقات والمعاملات، خصوصًا مع البنات. شفته مرتين، وقلبي ما ارتاحلوش.
سلوى ساخرة: قلبك؟! قلبك ما ارتحلوش… عشان بس غيران.
مكي بصوت منخفض: يمكن… المهم، تاخدي بالك من نفسك. وحاولي تعرفي كويس قبل ما تاخدي أي خطوة معاه أكتر من دي.
نظرت سلوى له بصمت، لا تعرف ماذا تقول. كانت تشعر بتردد تجاه صالح، خاصة بعد آخر محادثة بينهما، لكنها لا تريد التسرع في اتخاذ أي قرار. فلم يمضِ سوا شهر على خطبتهما.
سلوى بابتسامة خفيفة، وهو ينظر إليها عبر المرآة: وانت كمان، ربنا يرزقك بواحدة تسعد قلبك.
مكي: سيبك مني، يا سلوى.
نظرت له سلوى: ازاي يعني مش هتتجوز ولا ايه؟! جميل إنك تكمل حياتك مع إنسان يحبك وتحبه والا هتعيش راهب يعني.
مكي بحب: لا مش هعيش راهب، بس أنا قلبي مليان بشخص اللي هو انتي، وطبعّا فمستحيل اخذ خطوة زي دي مع حد غيرك، أنا ماعرفتش الحب إلا معاكي. ولا فهمت معنى كلمة حب غير وياكي. مش عاوز أعيش الحب ده مع حد تاني… وياكي يعني الحب يا كدة، يامافيش.
سلوى بصوت خافت: بس أنا وانت قصتنا انتهت.
مكي باصرار: بس أنا لسه عندي أمل، يا سلوى. انتِ البنت الوحيدة اللي حبيتها، وعمري ماهفقد الأمل إنك ترجعي لي.
نظرت إليه بصمت، بينما حاول هو تفادي عينيها، ملتفتًا بوجهه نحو الطريق. لكن عينيه كانت تحملان الكثير، مما لم يتمكن من إخفائه أشاحت هي بوجهها الى النافذة وعينيها مغرقتان بالدموع فحديثه أثر بها بشدة
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
قصر الراوي التانية مساءً
جناح سليم وماسة
توقفت ماسة أمام التسريحة، تمرر المرطبات على بشرتها برفق، ثم تسرح خصلات شعرها التي ما زالت تحتفظ برطوبة خفيفة من أثر استحمامها. انعكاسها في المرآة بدا أكثر هدوءًا مما تشعر به بداخلها. كان خلفها سليم مستغرقًا في النوم، أنفاسه العميقة تدل على تعب لم تلاحظه من قبل.
اقتربت منه، توقفت امامه تتأمله بصمت، رُسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة مشبعة بشوق مكبوت، ثم انحنت قليلًا، وضعت قبلة خفيفة على خده، لم يكن لها صوت، لكنها تركت أثرها عليها أكثر مما قد تتركه عليه. توقفت للحظة، وكأنها تنتظر أن يتحرك أو أن يفتح عينيه، لكنه لم يفعل.
استقامت بهدوء، تحركت للخارج بخطوات خفيفة، كأنها تخشى أن تكسر سكون اللحظة.
في اتجاه آخر غرفة نالا
نرى ياسين يجلس على أحد المقاعد، يحتضن ابنته الصغيرة بين ذراعيه بحنان، يربّت على ظهرها بهدوء. وبعد قليل، دخلت ماسة الغرفة فجأة.
ماسة: ياسين إنت هنا؟
ياسين بابتسامة صغيرة: أيوه، هنا.
ماسة بخضة: هي كانت بتعيط ولا إيه؟ فين سحر؟
ياسين بإبتسامة موضحاً: لا، لا. مكانتش بتعيط ولا حاجة. سحر بتحضر لها الرضعة وغيرتلها.
ماسة: أنا بعد كده مش هسيبها تنام لوحدها في الأوضة. هخليها تنام معانا… رايح عند هبة؟
ياسين: أيوه، رايح.
ماسة: ربنا يطمنك عليها.
ياسين يعطيها الطفلة: خدي نالا بقى عشان ماتأخرش،هو سليم في المجموعة؟
ماسة: لا، سليم نايم، أعتقد مش هيروح معاك النهاردة.
في هذه اللحظة، طرقت الباب ودخلت سلوى بابتسامة هادئة.
سلوى: مساء الخير.
ماسة بحماس: مساء النور، يا سوسكا! عاملة إيه
قبلا بعضهما.
سلوى وهي تنظر لنالا: ما شاء الله قمر، هاتي القمر دي الأول.
حملت سلوى نالا وبدأت تداعبها بحب: ياروحي، ماشاء الله شبهك يا ياسين ..عامل إيه؟ وهبة أخبارها إيه دلوقتي؟
ياسين بلطف: الحمد لله، تمام.
سلوى: كنت عايزة أزورها، بس قالوا لي إن مفيش زيارات عليها دلوقتي.
ياسين بشيء من الحزن: أيوه، حالتها لسه ماتسمحش. إحنا بنشوفها من الإزاز، حتى هي مش واعية.
سلوى: ربنا يقومها بالسلامة. أمانة عليك، أول ماتتحسن وتبقى كويسة، بلغني عشان أجي أطمن عليها.
ياسين بامتنان: إن شاء الله، شكراً…
وجه نظراته لماسة: شكراً يا ماسة، تعبتك معايا بس بجد لو حسيتي إنك تعبانة ومش عارفه تاخدي بالك منها وهتشغلك عرفيني وانا هجيب لها دادا
ماسة بزعل: أوعى تقول الكلام ده! هزعل منك والله. دادا وأنا موجودة، عيب، دي بنت أخويا وأختي. يلا، روح شغلك واطمن على مراتك.
ابتسم ياسين بإمتنان: حاضر، سلام.
خرج ياسين، وهو يحمل عبء التفكير على وجهه.
نظرت سلوى الى ماسة بقلق.
سلوى: شكله مهموم قوي.
ماسة: طبيعي، تعالي ننزل نقعد تحت.
((الحديقة))
بالفعل، هبطتا إلى الحديقة وجلستا تحت ظلال الأشجار، والهواء ينساب بهدوء حولهما.
ماسة وهي تحمل نالا بحنان: إيه يا حبيبتي، عاملة إيه؟ طمنيني، إيه أخبارك مع صالح؟
سلوى بتنهيدة: والله لسه محتارة، وزاد حيرتي بعد الكلام اللي قاله لي.
ماسة بفضول: قال لك إيه؟
سلوى تبدأ تروي: بصي، هو قال… (تحكي التفاصيل).
ماسة تفكر للحظة: بصراحة، دي بداية مش مبشرة. بس أنا مع رأي ماما… لازم تديه فرصة. كمان ضروري تفتحي موضوع اصلنا ده قدام أهله. لازم يبقوا عارفين. بس عارفة أنا حاسة إن الجوازة دي مش هتكمل.
سلوى بتأييد: والله، وأنا كمان… حتى مكي كلمني… وهو إللي وصلني بالعربية وفضل يكلمني بس طبعاً رفضت اديله فرصة نتكلم عشان أنا مخطوبة.
ماسة بعتاب: والله يا سوسكا! انتي كبرتِ الموضوع، حقيقي مكانش محتاج كل ده عايزة تربيه على اللي عمله زمان، ربيه بس بالعقل.
سلوى بضجر: أنا مكنتش عايزة أربيه، كل الحكاية إنّي عايزة أخوض التجربة… زي ماهو قالي. وأفهمه إني مكنتش مستنياه طول السنين دي.
ماسة: المهم، أنا معاكي على طول ماتقلقيش فكري كويس لأن ده جواز.
سلوى تساءلت: المهم نالا هتبقى معاكي على طول.
ماسة مبتسمة: مش على طول… لحد ما هبة تقوم بالسلامة… عارفه يا سوسكا. أول ما بصيت في وشها، حسيت بفرحة كبيرة كده… إحساس حلو، وأنا شايلها وحاسّة إنها معايا. شكل سليم كان عنده حق.
سلوى متعجبه: ليه؟ سليم قال لك إيه؟
ماسة تنهدت بتعب: قال لي إن مع الوقت هتخليني أتعلق بيها وأعيش المشاعر اللي كان نفسي أعيشها مع حور. عارفة، سليم طلع كلامه صح… مجرد مابعدت عني الكام ساعة دول حسيت إني مشتاقة لها وهي يا دوب معايا من امبارح العصر أمال هعمل ايه في اللي جاي.
سلوى بجدية: خدي بالك يا ماسة… سليم عنده حق وخايف عليك تتوجعي.
ماسة بشيء من الحزن: هي صعبت عليا أوي ملهاش حد، عايزاني أقبل أنها تقعد مع دادا، لأن خالاتها بيباتوا مع هبة ويبدلوا ما بينهم. جدتها بتشتغل، حتى عمتها وجدتها محاولوش حتى يعرضوا بمجاملة رغم إننا هنا كتير.
سلوى باستنكار: هي صافيناز دي تعرف تربي عيالها أصلا؟
ماسة بابتسامة ساخرة: عندك حق
وهي تنهض قالت: بقولك ايه هروح أطمن على سليم أتأخر في النوم.
سلوى: طيب، خلي نالا معايا.
ماسة: ماشي.
صعدت ماسة إلى الجناح الخاص بها،
جناح سليم وماسة
فور دخولها وجدت سليم قد استيقظ جالسا على الفراش. كان يبدو عليه الضيق من ملامحه.
ماسة تبتسم وهي تقترب: كراميل، صحيت؟ صباح الفل. كل ده نوم؟
سليم يرفع عينيه لها قال بضجر: كنتي فين؟
ماسة تجلس أمامه على الفراش: روحت أطمن على نالا وسلوى كمان جت.
سليم بحدة: فأصحى ألاقيكي مش جنبي؟
عقدت ماسة بين حاجبيها بدهشة: مش فاهمة فين المشكلة؟
سليم بضجر: فيه طبعًا مشكلة! لما أصحى من النوم وما لاقيش مراتي جنبي، طبيعي أتعصب.
رفعت ماسة كتفها باستغراب: بس ده الطبيعي! أوقات بقوم قبلك او العكس.. بقينا كده من إمتى؟
نظر سليم لها بضجر فهو يشعر أنها تركته لأنها لم تستمتع معه في الليل أمس: طبيعي في الأيام العادية، مش بعد اللي حصل امبارح.
لوهله نظرت له ماسة فهمت ما يدور في رأسه مسحت وجهها وحاولت تهدئته: معاك حق… أنا آسفة. بس أنت عارف، كان لازم أطمن على نالا.
سليم بشدة: تطمني وتجيبيها هنا معانا.
ماسة تبسمت وضعت قبلة على شفتيه: حاضر، هخليها تبقى معانا هنا متزعلش.
سليم: خلاص.
ماسة: هتفطر؟
سليم: أممم.
ابتسمت ماسة: طيب، هخليهم يحضروا الفطار…
(تضع قبلة على خده)
سليم بنبرة مترددة: مش عارف، ليه نمت كتير كده؟
ماسة: يمكن علشان مرهق؟
سليم رفع حاجبه بشدة: مرهق من إيه؟
ماسة بتردد: تخمين يعني، أنا هروح أحضر الفطار.
وضعت قبلة خاطفة على خده، كادت أن تتحرك، لكنه أمسكها من معصمها، فجلست مرة أخرى. نظرت إليه باستفهام: في حاجة يا حبيبي؟
نظر لها سليم طويلًا، صمت ممزوج بتردد، كأنه يبحث عن شيء خلف ملامحها. ثم قال أخيرًا:
كنت هسألك… حقيقي كنتِ مبسوطة امبارح معايا؟
ضيّقت ماسة عينيها قليلًا قبل أن ترد ببساطة: آه والله. ليه بتسأل؟ شكلك إنتَ اللي مكنتش مبسوط، عشان كده كل شوية بتسأل؟
أجابها سريعًا، كأنه لم كان ينتظر السؤال: بالعكس، انبسطت جدًا، بس…..د…
صمت للحظة، لم يكن يعرف ماذا يقول. شعر بشيء غريب، إحساس بالعجز لم يمر به من قبل. لم يستطع أن يكون معها مرة أخرى، رغم أنه لم يعتد ذلك. بعد أن انتهى، اجتاحه إرهاق لم يفهم سببه، وكأن جسده يخونه لأول مرة
تنهد سليم واضاف بتبرير:
ـ عشان بقالنا كتير… خفت أكون متطلّعتش على قد التوقعات… رهان وخسرتُه خصوصا يعني اللي ما حصلتش مره ثانيه.
ابتسمت ماسة، اقتربت منه وهمست بخفة: لا… طلعت أكبر من التوقعات، يا كراميل وبعدين انا قلت لك انا اصلا كنت تعبانه ومش قادره.
طبعت قبلة ناعمة على شفتيه قبل أن تبتعد، ثم وقفت: هنزل أحضر الفطار.
ظل ينظر إليها وهي تغادر، يتابع خطواتها بنظرة غائمة، يشعر بشيء لم يعتد عليه… ولا يعرف ما هو.
على السفرة
نشاهد سليم وماسة وسلوى وهي تحمل نالا يجلسون على طاوله السفرة ويتناولون الطعام.
ماسة: يا بنتي ما تاكلي معانا.
سلوى باعتذار: واكله والله، بقول لك ايه احنا عازمين صالح بعد بكرة على الغداء هتعرفي تيجي؟
نظرت لسليم وقالت: هتخليها تيجي؟!
سليم وهو يتناول الطعام بمزاح: عايز تسمعي لا يعني طب لا يا سوسكا.
سلوى هي تضحك: ماشي شكراً ياسليم، بس إنت هتفضل حابس ماسة كده مش هينفع.
ماسة بدفاع: ياستي هو مش حابسني انا مبسوطة كده ماحدش ليه دعوة.
سلوى: طيب ماشي، هطلع منها.
ماسة: ركزي بقى في التفاصيل اللى أنا قولتلك عليها
نظرت لسليم باهتمام: حبيبي أحط لك جبنه تاني؟!
سليم: لا الحمدلله، شبعت ياعشقي.
ماسة: ألف هنا.
سلوى وهي تعطي نالا لماسة: طب تعالي بقى خديها عشان همشي.
ماسة وهي تحملها: خليكي قاعدة معايا شوية.
سلوى: لا عايزة أراجع عندي امتحان.
ماسة: ماشي.
وضعت قبلة على خدها وتحركت للخارج بينما، نظرت ماسة لسليم: حبيبي هتعمل ايه النهارده؟
سليم تبسم: ولا حاجة قاعد معاكي.
ماسة تبسمت: ماشي.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
خلال اليوم، كانت ماسة تهتم بسليم بجانب نالا، لكن بالطبع كان تركيزها أكبر على نالا، كما بدأ سليم في أول جلسات العلاج الطبيعي لهذا اليوم، ولكنه كان بدون عكاز، مما جعله يشعر بالتحدي. أما باقي العائلة، فكان كل واحد منهم منشغلاً بحياته الخاصة ولم يهتموا كثيرًا بحالة الطفلة الصغيرة، حتى جاء الليل.
في جناح سليم وماسة
كانت ماسة جالسة على الفراش بمفردها تحتضن نالا، مبتسمة لها وقالت:
حبيبة قلبي، أنتِ جميلة جدًا ما شاء الله عليكِ. تفتكري، حور كانت هتبقي شبهكِ كده؟ أكيد، لأن مافيش أحلى من كده، كان نفسي أخدها في حضني زي ما أنا واخدكي كدة، لكن المشكلة إن شكلي مش هحس الإحساس ده تاني. مش عشان سليم، لكن عشان أنا خايفة أتحرم للمرة الثالثة مش عايزه احمل تاني وتوجع كفاية.
قربتها إلى قلبها وضمَّتها أكثر، وقالت بحنان: ريحتك زي القرنفل، كل حتة فيكِي جميلة
أخذت تنظر لملامح وجهها لدقائق بدات الأفكار المشوشة تدور في رأسها، فهي كانت ترغب في فعل شيء صعب، شيء لطالما ترددت بشأنه. أرادت أن تُرضعها من صدرها، رغم أنها تعلم أنه لا لبن لديها، لكنها كانت تشتاق إلى هذا الإحساس، ولو لمرة واحدة. وبين التردد والشوق الذي ينهش قلبها، استسلمت لرغبتها، وضعت نالا على صدرها، وما إن فعلت ذلك حتى شعرت وكأن روحها تغادر جسدها. اهتزت بقوة، وارتجف جسدها، قبل أن تهبط دموعها بصمت.
في تلك اللحظة، دخل سليم. لكنه تجمد مكانه عند عتبة الباب، حين وقعت عيناه على ماسة وهي تفعل ذلك. حدّق فيها بعينين اغرورقتا بالدموع، لكنه لم يُصدر صوتًا. وضع يده على قلبه، وكأن الألم يمزقه، وكأنهما يتشاركان ذات الوجع. همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:
قلت لكِ يا ماسة… قلت لكِ، لكن مابتسمعيش الكلام.
تحرك خارج الغرفة، صعد إلى المصعد، ثم خرج إلى الحديقة. وقف هناك، يتنفس الهواء العليل، لكن صدره ظل يضيق، وكأن أنفاسه لا تصل إلى رئتيه. أخرج هاتفه، وضع سماعات الأذن، ثم شغّل إحدى القطع الموسيقية. لم تكن مجرد موسيقى، بل كان يستمع إلى نبض قلب ابنته، ذلك الصوت الوحيد الذي كان يبعث الطمأنينة في قلبه الموجوع ويجعله أن يتنفس.
ظل هناك لفترة، حتى هدأ قليلاً، ثم عاد إلى الغرفة. وجد ماسة جالسة أمام التلفاز، لكن الصوت كان منخفضًا، وعيناها شاردتان. لم تكن تشاهد حقًا، بل كانت تهرب من وقعها إلى أي شيء آخر.
سليم وهو يدخل ويغلق الباب: aşkım.
رفعت ماسة عينيها له، ثم قالت بصوت هادئ: حبيبي، امشي بشويش، البنت نايمة وماصدقت انها نامت.
أجاب سليم: حاضر، أنا بس هغير هدومي.
بعد أن انتهى من تغيير ملابسه، جلس بجانبها، لكن ماسة أشارَت له بيدها أن يخفف من الصوت.
سليم: هنفضل كده كتير؟
ماسة: عشان البنت.
سليم: طب، أنا هنام، تعبت من الجلسة النهاردة.
ماسة: سلامتك ياحبيبي، أنا هخلص الفيلم وأنام.
هز سليم راسه بإيجاب، وضع قبلة على جبينها ثم توجه إلى الفراش. بعد قليل، انتهى الفيلم، وذهبت ماسة للنوم بين ذراع سليم، ولكن أثناء نومهم، بدأت نالا تبكي.
استيقظت ماسة وتوجهت الى الفراش، وقامت بضمها، لكنها لم تسكت. سليم استيقظ على صوتها وقال: مالها يا ماسة؟
ماسة: ماعرفش.
سليم: يمكن جعانة.
ماسة هزت رأسها بلا وهي تتحرك بها فى الغرفة: لا مش جعانة، تفتكر عندها مغص؟
سليم جلس: مش عارف. طب، إيه هنعمل؟ أنا عايز أنام، عندي اجتماع بكرة.
ماسة: طب هروح أنا أوضتها ونام أنت.
سليم برفض: لا، خليكي هنا، خليكي. أمرنا لله.
تنهدت ماسة وبدأت تتحرك بها بحذر. سليم كان يراقبها بصمت، يتخيل لو أن ابنته الحقيقية بين يديها. تبسّم للحظات، وكأن قلبه استسلم لوهلة لهذا المشهد، لكن فجأة عبس وجهه، وتبدّلت ملامحه وكأن الوجع اجتاحه من جديد. هز رأسه برفض، وكأن عقله يرفض الانسياق خلف هذا الوهم، ثم استلقى مرة أخرى، وسحب الوسادة ليضعها فوق رأسه، محاولًا كتم الأفكار والصراع الذي يعصف بداخله.
بدأت تهدأ الطفلة، قالت ماسة: شكلها عايزة تتشال.. كلهم كده الفترة دي، نام أنت.بقى.
سليم تحدث وهو يضع رأسه أسفل الوسادة: طب لو عوزتي حاجة صحيني، ماتخرجيش بيها برا.
ماسة: حاضر.
💕_________________بقلمي_ليلةعادل
أحد النوادي الكبيرة، الثانية عشر ظهراً.
كان النادي يعج بالحركة، الهواء النقي يحمل أصوات الضحكات وأصوات الكرات التي تتدحرج على ملاعب التنس المجاورة. جلس رشدي إلى طاولة في الهواء الطلق، مرتديًا ملابس رياضية، هاتفه في يده يتصفح شيئًا ما، بينما كان ينتظر أحد. لم تمر لحظات حتى لمح نيللي تتقدم نحوه بخطوات واثقة، ترتدي ملابس كاجوال أنيقة، عيناها تلمعان بمكر، وابتسامة مغوية ترتسم على شفتيها.
نيللي بابتسامة جذابة وهي تجلس أمامه: إيه يا جامد، مستني بقالك كتير؟
رشدي وهو يرفع نظره نحوها ويبتسم: لا عادي، بس أول مرة أشوفك بالنهار كده!
نيللي وهي تميل للأمام قليلًا وتتّكئ بمرفقها على الطاولة: على فكرة.. أنا فعلًا أول مرة أظهر الصبح كده.
رشدي بسخرية: ليه يعني، انتي خفاش؟
ضحكت نيللي بخفة: آه والله، فعلًا أنا خفاش، مابصحاش غير بعد المغرب، وأول مرة أصحى بدري بالشكل ده عشان خاطرك.
أشار رشدي للنادل فاقترب منهما، طلبا عصيرًا باردًا، وما إن وضعه النادل أمامهما حتى ارتشف رشدي رشفة منه، بينما كانت نيللي تراقبه باهتمام.
رشدي وهو يقلب الكوب بين يديه: قولي لي بقى، كنتِ فين الفترة اللي فاتت؟ مختفية ليه؟
نيللي ترفع حاجبها بمكر وهي تميل برأسها قليلًا: أنا اللي أسأل السؤال ده.. إنتَ اللي كنت مختفي.
رشدي وهو يضحك بخفة: كنت مشغول.. عندي مشروع كده.
نيللي وهي تلعب بأطراف أصابعها على الطاولة: عملت فيه إيه بقى؟
رشدي بابتسامة فخر: أخدته، كان لازم أثبت نفسي عشان خاطر سليم.
نيللي وهي تتّكئ للخلف وتنظر له بتمعّن: أنا سمعت إن سليم ده الكل في الكل.. بس ليه ماتبقاش انتَ كمان الكل في الكل؟
رشدي بعزيمة واضحة: إن شاء الله قريب.. أنا بحاول، وعشان كده كنت مختفي الكام يوم اللي فاته.
نيللي وهي تميل نحوه قليلًا، تتحدث بحماس: أيوه فعلًا، حاول.. أنا واثقة فيك إنك قدها، إنتَ أصلًا شاطر، ماتخليش حد يحبطك. بالعكس، خلي اللي بيقولوا إنك فاشل وإنك مش قد سليم، هما اللي يشوفوا بنفسهم إنك أقوى منه بكتير.
رفع رشدي حاجبه وهو يحدق فيها، وكأنه يدرس دوافعها، ثم قال بنبرة مراقبة: إنتِ جايبة الكلام ده منين؟ شكلك عاملة علينا تحريات جامدة.
نيللي تهز رأسها بثقة وهي تحتسي رشفة من عصيرها: مش محتاجة، انتم عيلة الراوي مفيش حد ما بيتكلمش عنكم. الناس كلها عارفة أخباركم وعارفة كل واحد فيكم عامل إزاي.
ضحك رشدي بسخرية وهو يهز رأسه: آه، طبعًا. إحنا دايمًا حديث المجتمع.
نيللي بابتسامة جانبية: بصراحة.. أنا كنت مخدوعة في سليم، أصحابي كانوا بيفضلوا يقولوا جامد وقمر وكاريزما، شفته مرتين في حفلات وماعجبنيش. مغرور جدًا ومش حلو.. عادي يعني.
رشدي وهو ينظر لها باهتمام: معقولة؟ ده الناس كلها شايفاه جامد وقمر.
نيللي تلوّح بيدها باستخفاف: جامد بإيه؟ بالخوف والعضلات، مش بالدماغ. وشه حلو؟ آه، بس مش أوي..إنتَ أحلى منه على فكرة، انتَ وياسين أحلى إخواتك. حتى طه مش قد كده. يعني لو هرتبكم، أنت الأول، بعدين ياسين، طه، سليم، وبعدين البنات. فبجد، أخوك ده كل الكلام اللي عليه والجمدان اللي عليه ده عشان هو بيخلق شخصية وبس، وبياخد المناقصات بالتهديد مش بالعقل، لكن أنا متأكدة إنك لو ركزت شوية هتعدي عزت الراوي ذاته!
شعر رشدي بقيمته، والكلمات عززت إحساسه بنفسه، فقال بثقة: أنا فعلًا كده، بس ماحدش حاسس بقيمتي.
نيللي وهي تلعب في طرف شعرها: لو محتاج أي حاجة، أنا معاك، أصل صاحبتي الانتيم باباها وزير، يعني لو عايز توصية ولا حاجة..
ضحك رشدي باستخفاف، ثم نظر لها بنظرة ذات مغزى: توصية؟ ده لو أنتِ اللي عايزة توصية، قولي لي.
نيللي وهي ترفع يديها باستسلام: ماشي يا عم الجامد، أنا عارفة إنك جامد قوي. بما إنك جامد كده، ممكن تجيب لي العربية اللي جاية لي من الجمارك من غير فلوس؟ أصلهم عايزين ياخدوا مبلغ كبير.
رشدي وهو يبتسم بثقة: بس كده؟
نيللي تومئ برأسها وهي تضع يدها تحت ذقنها: بس كده.
ما إن رفع رشدي هاتفه واتصل بشخص ما، حتى تحدث لبضع لحظات نظر لها متسائلا اسمك نيللي ايه
تبسمت نيللي بدلال: رسلان.
تبسم رشدي وكمل حديثه، أنهى المكالمة.
ونظر إليها بابتسامة واثقة:
خلاص، كمان 3 أيام تروحي تستلمي عربيتك، كاملة مكملة.
نيللي وهي تصفق بخفة بسعادة: والله العظيم كنت متأكدة إنك جامد آخر 10/15!حاجات
رشدي وهو يضحك: 10/15 ؟بس
نيللي تضحك مليون كمان … تتنهد وهي تلعب بعصيرها في الكوب أضافت: … طب وبعدين؟ هتفضل مختفي كده ومش هنتقابل؟
رشدي وهو يميل للخلف ويضع يديه وراء رأسه بثقة: لا يا ستي، كمان يومين نتقابل، ونعمل حفلة كمان.
نيللي وهي ترفع حاجبها بدهشة: حفلة؟
رشدي وهو يغمز لها بمكر: حفلة.. بس مش أي حفلة، هتبقى حفلة جامدة.. زيي.
نيللي تضحك وهي تهز رأسها بخفة: اتفقنا.
فيلا عائلة ماسة الرابعة مساءً
السفرة
نشاهد أفراد عائلة ماسة وضيوفهم عائلة صالح. يجلسون حول طاولة السفرة، في أجواء عائلية والمحادثات مليئة بالود
سعدية ابتسامة عريضة: إنتوا شرفتونا والله،منورينا ياجماعة
والدة صالح: النور نورك يا مدام سعدية، ماشاء الله، الجو عندكم جميل.
سعدية:هو جميل بيكي ياحبيبتي، إن شاء الله يكون الأكل عجبكم.
والد صالح يأخذ معلقة من الرز: تسلم إيدك ياست الكل، الأكل جميل، خصوصًا الرز المعمر.
سعدية تضحك بتواضع: ده من ذوقك ياحاج. فين أيام زمان! كنت أعمل الرز المعمر ده في الفرن البلدي، كان ليه طعم ولا في الأحلام، ولا الفطير المشلتت اللي ست فايزة هانم الراوي حماة بنتي كانت بتحب تاكله قوي من إيدي.
والدة صالح تتناول ملعقة شوربة وتنظر لسعدية باهتمام تسالت بابتسامة خفيفة: هو إزاي سليم الراوي اتعرف على ماسة؟ جات منين القصة دي؟
عدلت سعدية من جلستها قالت بخبث: سليم شافها عند منصور بيه، اللي كنا شغالين عنده زمان، أصلهم قرايب، أنتم ماتعرفوش إن احنا كنا شغالين عندهم خدامين، ولا إيه؟
والدة صالح نظرت إليها للحظة ثم أخفضت عينيها بهدوء وهي تحتسي الشوربة فهي لا تعرف ماذا تقول فهي لأول مرة تسمع هذا الخبر، حاولت الثبات..
أكمل مجاهد بجدية: أيوه طبعًا. هو صالح ماقالكوش ولا إيه؟
صالح مقاطعًا بسرعة: ماجتش فرصة إني أتكلم في التفاصيل.
والد صالح يحاول تهدئة الجو: الأصل الطيب أهم من أي حاجة ياحاج.
مجاهد هز رأسه موافقًا: طبعًا، طبعًا يا أستاذ عمران، بس أنتم من حقكم تبقوا عارفين برضه ولا ايه ياصالح.
صالح: هو كل الحكاية يا عمي إن احنا مابنتكلمش في المواضيع دي، إنتم على راسنا من فوق.
والد صالح: اه طبعاً يا حاج الشغل مش عيب نسبكم يشرف اي حد.
أكملوا تناول الطعام في أجواء لطيفه حتى ذهبت عائلة صالح إلى منزلهم.
جلست عائلة ماسة في الهول يتحدثون
تساءل مجاهد: هو عريسك مكانش قايل لأهله ولا ايه يا سلوى؟!
سلوى زمت شفتيها: لا يا بابا ماكانش قايل، معرفهم ان احنا ناس بسطاء بس.
مجاهد متعجباً: بسطاء!! يعني ايه هو مستعر يقول اننا كنا بنخدم زمان في البيوت، يعني والا ايه ماتتكلمي يا بنتي فاهميني.
سلوى: والله يا بابا انا ماعرفش، أنا حتى اتكلمت معاه في الموضوع ده هو قال لي إنه هو محبش يقول لهم عشان الموضوع في حساسية.
عمار باستهجان: حساسية في ايه ان شاء الله؟!
مجاهد بحدة: الراجل ده مادام كدب واستعر منك، يبقى ينفعش، أنا هكلمه وأنهي معاه كل حاجة وأقوله كل شيء نصيب.
سعدية: أصبر يا أبو عمار.
مجاهد باستهجان: أصبر على ايه يا ولية بتقول لك استعر يقول لأهله على أصل شغلتنا.
سعدية: إنتي رأيك ايه يا سلوى؟!
سلوى بتردد: مش عارفة!
مجاهد بشدة: يعني ايه مش عارفة لازم تعرفي أمال مين اللي يعرف؟!
سلوى بتردد: أنا لسه مخطوبة بقالي شهر بفكر ندي له فرصة كمان وبعدين هم عرفوا كل حاجة هنشوف بقى هيتعاملوا معانا ازاي بعد كده.
سعدية: صح.
مجاهد بضيق هز رأسه: أنا مش موافق على الواد ده، الموضوع بدأ بالكذب من البداية يبقى الواد ده مش كويس يابنتي ده مستعر منك عارفه يعني ايه.
عمار: انتي مسكه فيه ليه هيجيلك أحسن منه.
سلوى برجاء: بابا عشان خاطري استنى بس شوية كمان.
مجاهد بعقلانية: يا بنتي يا حبيبتي الراجل اللي يكدب على أهله ويخبي حقيقة أهل مراته يبقى راجل مش كويس، بس ماشي أنا هخليكي تشوفي بعينك إنه مش كويس، عشان ماتجيش تقولي إنت ضيعته مني يا أبويا، قدامك شهر أهو من دلوقت.
سلوى: طيب.
في شقة عائلة صالح – الريسبشن الثامنة مساءً
الشقة تبدو أنيقة، تتناسب مع مستوى عائلة معلمين في مدارس دولية.
في الريسبشن، تجلس عائلة صالح في جو يسوده التوتر الواضح. صالح يبدو مضطربًا، بينما يتبادل الجميع النظرات بجدية.
والد صالح بدأ الحديث بحدة: انت إزاي يا صالح ماتقوليناش إنهم كانوا خدامين عند قرايب سليم؟
صالح بهدوء: وايه المشكلة يعني؟
والد صالح يرفع صوته قليلًا متعجبا: يعني إيه المشكلة؟!! إحنا بناسب عيلة، مش البنت بس، وده موضوع كبير. يا ترى لسه فيه حاجات مخبيها علينا؟
صالح محاولا تهدئة الوضع: مفيش حاجة تاني مخبيها. كل الموضوع إنها ماكانتش متعلمة وتعلمت على كبر، عشان كده مادخلتش الكلية لحد دلوقتي. وبعدين، جوز أختها هو سليم الراوي! إحنا بقى هنتكلم و نتنك.
شقيقة صالح بلهجة مترددة: بصراحة أهلها ناس كويسين جدًا. عمري ماحسيت إنهم كانوا خدامين أو فلاحين. تحسيهم ناس متوسطين الحال، بس مش عارفة…هو أنت عادي مع فكرة إنهم خدامين؟
صالح بحزم: أيوه، عادي جدًا. وبقولكم جوز أختها سليم الراوي، فاهمين يعني إيه؟
والد صالح بحدة: لو بتفكر بالطريقة دي، يبقى تسيبها. وأوعى تكون فاكر إن جوز أختها هيفتح لك الخزنة ويديك فلوس.
صالح بغضب مكتوم: أنا ماقلتش كده! بس إحنا بناسب عيلة راقية جدًا، وممكن يساعدني أطور من شغلي ومستوانا، إيه المشكلة؟ وبعدين دي حياتي، وأنا حر فيها.
نظرت والدة صالح له بحدة واضحة: هو أنا مربياك بالأسلوب ده؟ إيه الكلام اللي إنت بتقوله ده؟ يعني إيه؟ إنت طمعان في البنت؟ يعني مابتحبهاش بقى؟
صالح بتردد: هو أنا عمري قلت إني بحبها؟ أنا قلت إنها بنت كويسة، شفتها عجبتني، عشان كده عملت خطوبة, لانها كانت بنت قفل على الآخر ولا عايزة تخرج معايا ولا عايزة نتكلم ولا عايزة تعمل أي حاجة، قالت لي لو عايز تتعرف عليا تعالى اتقدم لي، بصراحة قلت دي فرصة بالنسبة ليا، إن جوز اختها سليم الراوي، قلت خلاص أتعرف عليها في الخطوبة، وبعدين زي ما قلت لكم، ممكن يساعدوني. يعني أشتغل في مكان أحسن من اللي أنا شغال فيه ده.
والد صالح يضرب الطاولة بغضب: شغل إيه ده اللي كل كلامك عليه؟ يعني مستعد تبيع مشاعرك وحياتك كلها عشان شغل؟ إنت عارف إن الجواز أكبر بكتير من كده؟ وبعدين ماتخلنيش أحس إني فشلت في تربيتك، أنا حاسس إنك مش ابني، المشكلة إنك وضعتنا في وضع محرج جداً مع الناس مش هينفع دلوقتي تسيب البنت هيقولوا علينا إن احنا سبناها بعد ما عرفنا أصلها.
والدة صالح: صح كلامك، مش هينفع نعمل أي خطوة دلوقتي خالص ولا حتى بعد شهر.
والد صالح بشدة قائلا بأمر: صالح اسمع إنت هتسيب البنت دي عشان إنت مابتحبهاش وطمعت فيها، ولا حتى تستهلها، شهرين ثلاثة وتنهي كل حاجة ما بينكم، إنت فاهم؟؟
صالح باندفاع: وأنا مش شايف إن فيه مشكلة! الجواز شراكة يا جماعة، وكل حد فينا بيحقق حاجة. أنا هكون سند ليها، وهي تساعدني نطور مستوانا. إيه الغلط في كده؟
هزت والدته رأسها بخيبة أمل: الغلط إنك مش فاهم يعني إيه تبني بيت على أساس هش زي ده. إنت حتى مافكرتش تقول إنك بتحبها، الجواز مش صفقة، يا صالح.
شقيق صالح بتعليق ساخر: أنا شايف إنك عامل الموضوع كأنه فرصة استثمارية، مش حياة تشاركها مع حد. يا أخي فكر كويس قبل ماتدخل نفسك في حاجة زي دي.
والد صالح بحسم: أنا مش عايز كلام كثير الخطوبة دي هتنتهي مش عشان البنت مش كويسة أو أهلها بالعكس البنت كويسة جداً وأهلها ناس محترمة بس أنا ابني اللي مش محترم.
ازداد الجو توترًا، و بدا صالح محاصرًا باللوم من كل الجهات. والده ينهض ويبدأ بالتجول في الغرفة بغضب، بينما والدته تنظر إليه بعيون مليئة بالعتاب.
منزل نانا التاسعة مساءً
نرى نانا جالسة على الأريكة، تضع رأسها على يدها، شاردة وتشعر بالضيق، دخلت نور، لاحظت حالتها فورًا، فاقتربت وجلست بجانبها.
نور: مالك يا بنتي؟ في إيه؟
نانا بضيق: عزت، مابقاش مهتم بيا، وأنا مش فاهمة هو عايز إيه.
ضحكت نور بسخرية وهي تهز رأسها: يابنتي سبيه، خدي بالك، حمدي شكله معجب بيكي بجد.
رفعت نانا حاجبها بسخرية: وأنا هتجوزه إزاي؟ ده شكله داخل على جواز.
نور اقتربت منها قليلًا، همست بنبرة ماكرة: ببساطة، اعملي عملية! وقطعي الورقة.
نانا نظرت لها بصدمة قبل أن تضحك: انتي اتجننتي؟
نور بنبرة جادة: نانا، عزت ده راجل كبير، جد! قد ابوكي، موضوكم مش هياخد ربع خطوه بعد كدة، اية ماشبعتيش؟ انتي خدتي منه كل اللي ممكن تاخديه، بقى عندك شقة، وعربيتين، وفلوس، وشاليه في الجونة، إيه تاني؟ هتفضلي لحد إمتى كده؟
نانا تنهدت وهي تهز رأسها ببطء: مش عارفة، بس تفتكري هو يرضى يسبني؟
وضعت نور يدها على كتفها وهي تبتسم بمكر: انتي خليكِ ذكية، نكدي عليه واقرفيه لحد مايزهق منك، وهو اللي يمشي!
ظلت نانا صامتة، حائرة، وكأن عقلها بدأ يستوعب كلام صديقتها.
تابعت نور بنبرة حماسية: أنا هظبط لك بكره خروجة مع حمدي، تشوفيه وتقعدي معاه، لو حسيتِ إن الدنيا تمام، اعملي اللي قلت لك عليه، ولو لا، خليكي مع عزت لحد ما تلاقي حد تاني كويس.
لم ترد نانا، لكنها بدأت تفكر بجدية في الخطة الجديدة.
((خلال فترة))
خلال تلك الفترة، كانت ماسة تعتني بنالا عناية شديدة، ولم تغادر القصر لحظة واحدة، إذ أصبحت حبيسة داخله. ومع ذلك، لم تشعر أبدًا أنها سجينة أو مقيدة؛ بل على العكس، وجدت في وجود نالا سعادتها وراحتها. الطفلة الصغيرة كانت تسليها كثيرًا، مما جعلها لا تشعر بالوحدة، أما سليم، فقد كان حريصًا على تجنب أي تواصل مع نالا؛ لم يحملها قط، ولم يقترب منها ولو لمرة واحدة، كان يخشى أن يتعلق بها، إلا أن ما كان يخشاه بدأ يحدث؛ إذ بدأت ماسة بالفعل تتعلق بالطفلة كما كان يخشى.
كمان انهمك سليم في عمله في المجموعة بقوة وعزم، محاولًا تعويض الأيام التي غابها. هذا التفاني والانشغال بالعمل جعله يبدو أكثر قوة وصلابة، مما أثار استياء أشقائه. لكنهم لم يكونوا قادرين على فعل أي شيء حيال ذلك، ليس فقط لأنهم يخشون من عزت وفايزة، بل أيضًا لأنهم يعلمون أن سليم لم يتوقف عن البحث وراءهم محاولا كشف الحقيقة.
وخلال هذه المدة أيضاً بدأ سليم يخضع لجلسات علاج طبيعي مكثفة، مما ساعده على استعادة عافيته بالكامل. وبعد فترة من الجهد والإصرار، تمكن أخيرًا من التخلي عن العكاز بشكل جزئي، ليعود للمشي بشكل طبيعي حد ما. وهذا الإنجاز لم يضف فقط إلى قوته الجسدية، بل جعله يبدو أكثر تحديًا وثقة، مما زاد من توتر أشقائه الذين شعروا أن سليم أصبح أكثر صعوبة في المواجهة.
وعلى صعيد آخر، كانت العلاقة بين سلوى وصالح تسير في طريق مضطرب. بدأ صالح يبتعد عنها، نادرًا ما يتحدث إليها أو يرد على اتصالاتها، مما جعلها تشعر بأنه لا يهتم بها. بدأت تتساءل عن جدوى الخطوة التي اتخذتها، وشعرت بالندم، لكنها كانت عازمة على الاستمرار. وكأنها تخوض صراعًا داخليًا مع ذاتها أكثر، تريد ان تستمر ليس من أجل تعلقها بصالح أو محبتها له، بل لتؤكد لمكي انها أصبحت ناضجة وقادرة على الاختيار.
أما هبة، فقد كانت حالتها الصحية في غاية السوء. بينما كان ياسين يحرص على زيارتها باستمرار والاطمئنان عليها، لكنه منع أي زيارات أخرى عنها.
♥️________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。.
داخل المستشفى –الربعة مساءً
ياسين دخل المستشفى بخطوات سريعة، وجهه متجهم من القلق. اتجه نحو مكتب الطبيب، يحاول أن يبدو متماسكًا، لكنه فشل أمام شوق لرؤيتها الذي يغلفه.
قال بصوت مبحوح: دكتور، ممكن أشوف هبة؟ عارف أن ممنوع عليها الزيارة، بس أنا مش هطوّل، دقيقة واحدة بس.
الطبيب نظر إليه بتفحص، ثم زفر بهدوء: حالتها لا تزال غير مستقرة، الحمى لم تنخفض بالشكل المطلوب، والزيارة ممكن تجهدها.
ياسين بصوت متوسل: والله مش هتعبها.. بس عايز أطمن عليها، أشوفها ولو من بعيد.
صمت الطبيب لثوانٍ، ثم أومأ موافقًا: بس لازم تلبس الكمامة والجوانتي، وماتقعدش عندها أكتر من دقيقتين.
ياسين وافق بسرعة، ارتدى الأدوات الطبية، ثم دخل الغرفة بحذر. وجد هبة مستلقية على السرير، وجهها شاحب، وعرق الحمى يغطي جبينها. كانت عيناها نصف مغلقتين، لكنها شعرت بوجوده فرفعت بصرها ببطء.
قالت بصوت واهن: ياسين؟
اقترب ياسين منها بحذر، مرر يده على رأسها بحنان، وابتسم رغم الألم الذي يعصف به وهو يراها في هذه الحالة.
قال بهدوء دافئ: أنا هنا، يا حبيبتي، جنبك.. وحشتيني.
حركت هبة عينيها بصمت، غير قادرة على الرد. جلس بجانبها، أمسك يدها برفق، وظل يتأمل ملامحها بحب وحزن وشوق. وبعد دقائق، اضطر للخروج، وعيناه ممتلئتان بالحزن والدموع التي حاول أن يخفيها.
—
بعد وقت – الليل يخيم على الغرفة
المستشفى هادئة، لا يكسر صمتها سوى صوت الأجهزة الطبية الخافت. هبة كانت مستلقية على سريرها، تحدق بالسقف، تعبها جعلها غير قادرة على النوم. فجأة، لفت انتباهها شيء يتحرك خارج النافذة. حاولت التركيز، فاكتشفت أنها طائرة ورقية صغيره مربوطة ببالون يتأرجح في الهواء.
قالت بدهشة وعينها نصف مغلقة: هايدي.. شوفي، إيه ده؟
هايدي، التي كانت منشغلة بهاتفها، رفعت رأسها ونظرت نحو النافذة. قبل أن تجيب، رن هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة، فرأت اسم ياسين.
قالت بسرعة: ياسين بيتصل!
ردت على الفور، ووضعت الهاتف على أذنها.
جاءها صوته دافئًا ومليئًا بالحب: خلي هبة تطلع البلكونة لو تقدر..
التفتت لهايدي نحو هبة وسألتها بلطف: ياسين عايز يشوفك في البلكونة.. هتقدري؟
هبة لم ترد، فقط أومأت برأسها بصمت، متعبة لكنها مستسلمة.
ساعدتها هايدي على النهوض، فاستندت عليها وهي تسير ببطء نحو البلكونة. وبمجرد أن خرجت، تفاجأت بالمشهد أمامها – ياسين واقفاً في الأسفل، ممسكًا بحزمة من البالونات الملونة. أطلقها في الهواء، ثم سحب الخيط المتصل بالطائرة الورقية، ليقترب البالون المربوط بها شيئًا فشيئًا.
بيد مرتجفة، أمسكت هبة بالبالون، فكّت الخيط بحذر، ثم فتحت الورقة المرفقة. اتسعت عيناها وهي تقرأ:
يا طيفَ روحٍ في دمي مسكونةٍ،
إن كنتَ تسألُ كيفَ حالُ حبيبِها،
فالنبضُ باقٍ، والهوى لم ينطفئْ،
لكنها روحٌ غدتْ في لوعِها.
مشتاقُ قلبي مثلَ أرضٍ جدْبَةٍ،
تَحيا إذا جادَ السَّماءُ بمطْرِها.
تسارعت أنفاسها، ورفعت عينيها نحوه. أغلقت جفنيها للحظة، كأنها تحاول أن تحتفظ بالكلمات داخل قلبها، قبل أن تسمع صوته مجددًا عبر الهاتف.
قال لها بحب: أنا مستنيك.. أنا ونالا مستنيينك، عشان تيجي تملي حياتنا حياة.. تروّحي الحزن اللي مالي البيت.. وترجعي لنا السعادة اللي راحت معاكي. ما تغيبيش علينا، إحنا من غيرك دنيتنا فاضية ومش ليها طعم.
الدموع انسابَت على خدها، لكنها لم تكن دموع ألم، بل دموع امتنان وسعادة. قلبها نبض بشدة، وكأن الحياة تعود إليها شيئًا فشيئًا.
أما ياسين، فظل يراقبها من الأسفل، عينيه ممتلئتان بالدموع، يده على قلبه، كأنه يحاول أن يبعث إليها ببعضٍ من قوته، بعضٍ من حبه، حتى تتمسك بالحياة لأجله.. لأجل نالا.. ولأجل نفسها.
فى أحد الملاهي الليلية الوحده صباحاً
الموسيقى الصاخبة تملأ الأجواء، الأضواء الملونة تنعكس على وجوه الراقصين، وكأنها تزيد من حدة الفوضى، رشدي مستمتع بالحفلة، لا شيء يشغله سوى النشوة العابرة التي توفرها له لحظات كهذه. بجواره، نيللي تلتف حوله كالأفعى، تضحك، تتمايل، وتهمس له بكلمات لا يسمعها أحد سواه.
اقتربت منه أكثر، وضعت شفتيها قرب أذنه وهمست بنعومة:
نيللي: حبيبي، أنا رايحة الحمام دقيقة وراجعة، ما تروحش بعيد.
نظر إليها بكسل، ابتسم ابتسامة شبه سكرانة وأجاب بصوت منخفض: هاه.. يلا بسرعة، ما تتأخريش.
لمسته برفق على خده قبل أن تغادر، عطرها يترك أثرًا خفيفًا في الهواء، بينما رشدي يأخذ رشفة من كأسه. لم يمر وقت طويل حتى جلست بجواره زيزي، رافعة كأسها بطريقة مستفزة، نظرتها مليئة بالسخرية والريبة.
زيزي بنبرة ساخرة: بسلامتها، إيه اللي يخليك تجيبها معانا؟
رشدي ببرود وهو يحرك الكأس في يده: إيه المشكلة يعني؟ بقت صاحبتي بتغيير يا زوزه.
ضحكت زيزي بسخرية، عيناها تلمعان بعدم تصديق:
فجأة كده؟ من إمتى بتصاحب واحدة نام”ت معاك من أول مرة بسرعة دي؟ دي شمال يا حبيبي.
رفع رشدي حاجبه بغرور، مال بجسده للأمام قليلًا، وكأن كلماته كانت أمرًا محسومًا لا يقبل النقاش:
عارف يا حبيبتي، هي بس عجبتني. بتقعد تقول لي إن أنا جامد، وتشكر فيا، مش شايفاني شيطان زيك، وتقعد تكسر في مقاديفي عاملة نفسها ناصحة وشيخه، وأبوها تاجر مخ”درات.
زيزي بحدة: رشدي بطل، بكلمك جد، قربها منك فجأة ده مش طبيعي، في حاجة مش مظبوطة، المفروض تفهم ده.
رشدي بثقة زائدة: ليه إن شاء الله؟ هو أنا مابتحبش ولا إيه؟ أنا رشدي الراوي، وستات كتير تتمنى تترمي تحت رجلي! هي بتحاول تقرب بس عشان تبقى من الحريم بتوعي، مصلحة يعني، فلوس، أخلص لها حاجات مش أكتر، وفي المقابل بتقضي وقت حلو معايا في السرير، مصلحة، والمصلحة على مزاجي، هاخد مزاجي منها وهرميها.
تنفست زيزي بضيق، رمقته بنظرة مليئة بالاشمئزاز:
يخربيت الغرور، اللي لسه مالي دماغك؟ طب بقول لك إيه.. بطل، ماتخليش غرورك يعميك، دور وراها، حتى على الأقل عشان تبقى مطمئن.
رشدي بعناد: لا، ملكيش دعوة.
زيزي تنظر له بقرف: لا مش هسكت، البنت دي بتضرب كوك، وانت عارف كويس ده، وقربها منك مش صدفة، هي مش واحدة بريئة بعدين ممكن تخليك تضرب معاها.
نظر إليها بتهكم، ابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه:
أنا عيل صغير عشان واحدة زي دي تضحك عليا؟ وبعدين هي حاولت وأنا رفضت، أنا مصحصح.
زيزي بسرعة: أه.. لحد دلوقتي، بس بعد كده؟ الله أعلم.
أطلق رشدي زفرة نفاد صبر، ثم نظر إليها بتحذير:
قلت لك ملكيش دعوة، أنا عارف أنا بعمل إيه.
هزت زيزي رأسها بإحباط، ثم رمقته بنظرة طويلة قبل أن تهمس: تصدق.. أنا فعلًا غلطانة إني بقول لك حاجة! وخايفه عليك.
لم يعلق رشدي، فقط نظر إليها للحظة، ثم غير الموضوع فجأة، وكأنه يهرب من الحديث الذي بدأ يزعجه: قولي لي بس.. انتِ فعلًا هتتجوزي اللي اسمه عمرو؟
زيزي بثبات: آه، هتجوز إنسان محترم وكويس، عشان نبطل الجنان اللي إحنا فيه ده. وأنت مش ناوي تعقل؟
ضحك رشدي بسخرية، ألقى برأسه للخلف قليلًا ثم قال: أنا لقيت اللي يعقلني وقلت لا.
رمقته زيزي بحذر، ثم قالت ببطء: دور يمكن تلاقي لك واحدة زي ماسة اللي هتموت عليها.
نظر إليها رشدي نظرة ذات مغزى، ثم ابتسم ببطء، ابتسامة جانبية بحسره.
رشدي بصوت واثق: ماسة دي مرة واحدة في الحياة، وجت من نصيب سليم.. بس إن شاء الله قريب قوي هيحصل تعديل بسيط وتبقى معايا.
اتسعت عينا زيزي بدهشة، رمقته وكأنه مجنون:
انت مجنون!
رشدي بغرور: مش مجنون.. بس مغرور شوية.
ضحك واحتسى كاس مره واحد مد يده ودغدغها من جانبها قال:
فكي بقى يا زوزه مش لايق عليكي الجد ماتخافيش قولتك.
هزت زيزي رأسها بيأس، ثم قالت باستسلام: بجد، اللي بيتكلم معاك يندم.
رشدي مبتسمًا وهو يأخذ رشفة أخرى من كأسه:
ماتنسيش تعزميني على الفرح بس عشان اشلك الشمعه.
نظرت له زيزي بياس ويتهز راسها لا تعرف ماذا تقول، في تلك اللحظة، عادت نيللي من الحمام، شعرها مصفوف بإغراء وابتسامتها مرسومة بثقة، تقدمت بخطوات رشيقة، ثم جلست بجواره، وبدون تردد، مدت يدها وأمسكت يده برقة.
همست له بصوت خافت مغوٍ: وحشتني.
ابتسم رشدي ابتسامة جانبية، لف يده حول كتفها مستمتعًا باللعبة، بينما زيزي كانت تراقبهما من بعيد، إحساس داخلي يخبرها أن النهاية لن تكون جميلة.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
قصر الراوي – السادسة ونصف صباحًا
جناح سليم وماسة
كانت ماسة تجلس على الفراش، تحاول تهدئة نالا التي لم تغمض لها عين رغم مرور ساعات، الطفلة الصغيرة تلعب بأصابعها، تبتسم بين الحين والآخر، بينما ماسة تستند إلى الوسادة، الإرهاق يثقل جفونها وكانت تجلس سحر معاهم.
ماسة، بإرهاق وهي تداعب نالا: إنتِ مش ناوية تنامي ولا إيه؟ من امبارح وإنتِ صاحية، وسليم مشي وسابنا، وأنا اللي شايلة الشيلة كلها!
ضحكت سحر وهي تراقب المشهد: واضح إنها واخدة على السهر زيكم، النهار يطلع وهي تصحصح.
ماسة، متذمرة بخفوت: يا بنتي نامي، خالتو تعبت بجد.
كانت عيناها تغلق ببطء، لكن ضحكة مفاجئة من نالا جعلتها تفتح عينيها من جديد. نظرت إليها بحب بابتسامه، زفرت وهي تحاول إقناعها بالنوم بأي طريقة.
ماسة، برجاء: نامي طيب… بس ساعة واحدة، ساعة! والنبي.
فجأة، لمحت شيئًا يتحرك خارج النافذة. رمشت قليلًا، ثم التفتت ببطء، لتجد طائرة ورقية كبيرة بألوان زاهية تحلق بخفة في السماء، تنعكس عليها أشعة الشمس الصباحية.
اعتدلت سريعًا، رمَت الغطاء جانبًا، تقدمت إلى النافذة وفتحتها، وعندها رأته.سليم، واقفًا في الحديقة، ممسكًا بخيط الطائرة الورقية، يحركها بمهارة، ثم رفع رأسه نحوها وابتسم.
سليم، بصوت مرتفع وهو يلوح لها: انزلي!
لم تفكر، ولم تتردد، التفتت سريعًا إلى سحر وقالت: خلي بالك من نالا.
ثم ركضت إلى الخارج.
وصلت إلى الحديقة وهي تلهث، عيناها تتعلقان بالطائرة الورقية، قبل أن تلتفت إليه بفرحة طفولية.
ماسة، بحماس: الله! يا سليم، بقى لنا كتير مالعبناش بالطائرات! سنين ماعملتليش واحدة!
سليم، وهو يقترب منها بابتسامة دافئة: حبيت أعمل لك مفاجأة… مع خبر كمان.
نظرت إليه بتساؤل: خبر إيه؟
رفع قدمه قليلًا، ابتعد خطوة إلى الوراء، خطواته ثابتة… بلا عكاز.
اتسعت عيناها، وضعت يدها على فمها بصدمة سعيدة، ثم همست بفرحة غامرة: أحلى خبر! مبروك يا حبيبي!
وقبل أن تمنحه فرصة للرد، قفزت نحوه، احتضنته بقوة، بينما هو يضحك ويدفن وجهه في شعرها، يستنشق رائحتها وكأنها دواؤه.
سليم، وهو يهمس قرب أذنها: كنت أقدر أمشي من امبارح، بس قلت لازم أعملها لك مفاجأة خاصة.
ماسة، وهي بين أحضانه: والله أحلى خبر، مبروك يا حبيبي! فرحنا لك اوي.
وضعت قبلة على رقبته، ثم تراجعت قليلًا، نظرت إليه بحب، قبل أن تخطف الخيط من يده وتقول بحماس: يلا نلعب!
وقفا معًا، ماسة أمامه، هو خلفها، يلف ذراعيه حولها ليمسك بالخيط معها، تتحرك الطائرة في السماء، يضحكان، يفرحان كالأطفال.
كان يراقب تعابير وجهها المضيئة، وكل مرة كان قلبه ينبض بحب أكبر. أما هي، فكانت تسرق النظرات إليه، تتنفس سعادتها بجواره، وكأن هذه اللحظة تعوِّض كل شيء.
بعد دقائق، اقترب منها وهمس بمكر، أنفاسه الدافئة تلامس أذنها، فشعرت بقشعريرة مفاجئة:
سليم: ما تيجي نطلع فوق؟
التفتت إليه بسرعة، ضربته على صدره بخجل: اتلم! مش هينفع عشان نالا!
ضحك سليم بخفوت، جذبها نحوه أكثر، لف ذراعيه حول خصرها وأراح رأسه بين عنقها وكتفها.
سليم، بنبرة عاشق: لا، هينفع… هنفطر، وننيمها، وبعدها… وهحكي لك حكاية حلوة أوي، وحشتيني .. ايه ماوحشكيش المكس بتاعنا؟! ميكس كراميل على قطع السكر يا احلى سكر… شكل كراميل ماوحشتكيش؟!
ابتسمت ماسة بحب، التفتت إليه قليلًا، همست: تو وحشتني.. و وحشني أوي كمان.
تبادل الاثنان نظرات مشبعة بالعشق للحظات بشوق، اقتربا ببطئ، كانا على وشك أن يتبادلا قبلة… لكن فجأة، جاء صوت سحر من الخلف:
سحر: ماسة هانم، الفطار جاهزأ
زفر سليم بضيق: سحر بتيجي في أوقات غلط.
تبسمت ماسة ثم التفتت إليها سريعًا: طب جبتي نالا؟
سحر، بابتسامة خفيفة: أه، وجبت لها الرضعة كمان.
نظرت ماسة إلى سليم نظرة ذات معنى قبل أن تقول: يلا بقى، نتسابق مين هيوصل الأول!
ركضت أمامه، لكنه أمسكها سريعًا، جذبها من يدها ليمنعها من الفوز.
سليم، مازحًا: لا لا، مش هسيبك تكسبيني، بعدين ده أول يوم ليَّ من غير عكاز، بلاش نصب! استني شوية!
ضحكت، فاحتضن خصرها بحركة مفاجئة، وسارا معًا نحو الإفطار، حيث بدأ صباحهما بأجمل مفاجأة.
السفرة
جلس جميع أفراد العائلة حول طاولة الفطور، يتناولون الطعام في هدوء. بعد لحظات، انضم إليهم سليم وماسة. جلس سليم في مكانه المعتاد، بينما اتخذت ماسة مقعدها بجوار عربة الطفلة نالا. تبسمت لها، ثم انحنت لتطبع قبلة صغيرة على جبينها قبل أن تقول بحنان:
الحلوة اللي هتفطر معانا النهاردة! صباح الخير.
ضحكت الطفلة بسعادة، بينما جلست ماسة وبدأت في تناول طعامها.
نظرت منى إليها متسائلة: هتفطري معانا النهاردة؟ غريبة.
رفعت ماسة حاجبيها باستغراب: إيه الغريب في كده؟
منى بتوضيح أصل بقالك فترة مابتفطريش معانا.
ابتسمت ماسة بلطف وهي ترد: والله، نالا بتصحيني طول الليل. ببقى سهرانة عليها وبنام بعد الفجر، مابصدق تنام.
تدخلت صافيناز باستنكار: مابناخدش بالنا يعني ولا بنسمع؟
أجابها سليم بجمود: هتاخدوا بالكم إزاي أو تسمعوا إزاي؟ كل واحد مع نفسه؟! أصلا في حد فيكم فكر حتى مرة واحدة يجي يشوفها عاملة إيه؟ كويسة ولا تعبانة؟ أنتم أصلاً فاكرين أن ياسين بقى عنده بنت؟
حاولت صافيناز الدفاع قائلة: أكيد فاكرين يعني، بس أنت عارف إننا مشغولين.
ضحك سليم بسخرية وهو يتناول طعامه: طبعًا عارف إنكم مشغولين وعندكم مسؤوليات. ربنا يكون في عونكم.
تدخلت فريدة بلطف: بس خليها فوق يا ماسة، أفضل.
ردت ماسة بعقلانية: بالعكس، لازم تشوف أماكن جديدة وتشوف ناس غيرنا. نالا مابتشوفش حد غيري أنا وسليم وسلوى وماما. فقلت بما إننا صاحيين، انزلها على الفطار ونشوف وشوش جديدة. كمان ناوية أقعدها في الجنينه النهاردة، الشمس حلوة والجو دافئ، كويس لصحتها.
اعترضت فايزة: عايزة تقعديها في الجنينة إزاي؟ ممكن يجي لها برد.
طمأنتها ماسة: لا تقلقي، الجو دافئ وأنا بلبسها كويس.
أكملوا تناول الفطور، لكن فجأة بدأت نالا بالبكاء. نهضت ماسة سريعًا، حملتها وبدأت تربت عليها لتهدئها. عادت إلى مقعدها وهي تهمس لها بكلمات مطمئنة.
تمتمت صافيناز بضيق: أنا بجد بحمد ربنا إننا ارتحنا من زن ده، مش عارفة إنتِ مستحملة إزاي!
عقّبت فايزة بانزعاج: ماسة، طلعيها فوق. ده مش مكانها أصلاً، ماينفعش وإحنا قاعدين على الفطار تبقى قاعدة تزن كده.
نظر لها سليم بحدة قبل أن يقول ببرود: مش قادرة تتحملي حفيدتك شوية يا هانم؟
حكت فايزة في أنفها وقالت بتبرير: أنا ماقلتش كده، بس إحنا لسه صاحيين من النوم، مش حمل الزن ده.
بدت ماسة على وشك النهوض والخروج بها، لكن سليم أمسك يدها قائلاً بحزم: خليكي.
ثم نظر للجميع مضيفًا بحدة: اللي عنده مشكلة وحاسس إنه منزعج، ممكن يقوم يفطر في أوضته أو في أي حتة تانية. ماسة مش هتقوم من هنا هي ونالا، هتكمل فطارها والبنت معاها.
حاول عزت تغيير الموضوع قائلاً: طب رشدي لسه نايم؟ فين ياسين وعماد؟
ردت فايزة: ياسين بايت مع هبة.
وأضافت صافيناز: وعماد في دبي.
نظر عزت إليها قائلاً هو يتناول ما في الشوكه: جوزك بيسافر كتير أوي! في إيه؟
صافيناز بلهجة محايدة: بيخلص شغل والده، لكن هو برضه مركز في شغل المجموعة، كله تحت الكنترول.
ضحك سليم بمكر: فعلاً، زيدان له استثمارات كبيرة هناك، السوق بيتكلم عنه.
فايزة ببرود: طب كويس، خليه يركز مع زيدان بدل ما هو مركز معانا وفاكر إنه ممكن ياخد مكان أكبر من ده.
تنهدت صافيناز ولم تعلّق.
قالت فريدة وهي تنظر للجميع: أنا هروح أزور هبة النهاردة. حد يجي معايا؟
تبادلت النظرات مع الجميع، لكن لم يجبها أحد.
سليم: أنا كنت عندها إمبارح، يومين كده وأروح لها تاني.
أنهوا فطورهم، ثم أخذت ماسة نالا إلى الحديقة. جلست على أحد المقاعد، بينما جاء سليم ووضع شالًا على كتفيها.
سليم مش هتنامي؟
ماسة هزت رأسها بلا: لا، مش هنام. هنام إزاي وهي صاحية؟
سليم وهو يمسح على شعرها: اطلعي بيها فوق، حطيها في السرير هتنام.
هزت ماسة رأسها بالنفي: بصدع لما بفضل أنام وأصحى وأقوم كل شوية، دماغي بتوجعني.
سليم: سيبيها مع سحر، عادي.
ماسة بتعب: لا، شويه وهتنام، خلينا نقعد في الشمس شوية. بس بالله عليك، لو جيت لقيتني أنا وهي نايمين، أوعى تعمل صوت ولا تصحينا.
ابتسم سليم وربت على رأسها: حاضر يا عشقي.
ثم أضاف وهو يهم بالمغادرة: أنا همشي بقى.
نظرت إليه بقلق: سليم، رجلك… إنت لسه سايب العكاز؟
أومأ برأسه إيجابًا، أقترب وهو يضع قبله على أعلى راسها قال بنبرة ذات معنى: بس بالليل مش هتنازل عن المكس غمز لها ثم تحرك مبتعدًا.
نظرت ماسة إلى نالا وابتسمت:
ها يا شقية ايه رأيك في الشمس! حلوة ها…بقولك تعالي نكلم تيتا سعدية…نرغي معاها شوية ونخليها تجيلنا، إيه رأيك؟
قبلتها وأخرجت هاتفها وقامت بعمل مكالمة.
وبالفعل بعد وقت جاءت سعديه وقاده مع ماسة وقت …
♥️________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
في أحد التاكسيات الثامنة مساءً
كانت سلوى تجلس على المقعد الخلفي بجانب صالح، ويبدو عليها الضيق.
سلوى بتهكم: أنا بجد عايزة أفهم! ليه مابتردش عليَّا على طول؟ لازم أتصل بيك ألف مرة عشان ترد؟
صالح رفع عينه نخوها: أصبري لما ننزل من التاكسي ونتكلم، ده مش مكانه ولا وقته وبعدين فين عربيتك؟
سلوى بضجر: أنا ماعنديش عربية، العربية دي بتاعتنا كلنا، ونتكلم بعدين ليه؟ بسألك سؤال واضح وصريح: ليه مابتردش عليا؟ بتصل مرة واثنين وعشرة، وانت ولا بترد ولا حتى بتفكر ترد عليَّ دقيقة واحدة تقول فيها أنا كويس بس مشغول.
صالح بضيق: ببقى مشغول في الشغل، هو انتي فاكراني قاعد كده، لا شغلة ولا مشغلة زيك؟ أنا راجل بشتغل في بنك، عندي مسؤوليات وأرقام. لو في جنيه واحد ضاع، أنا اللي هتحاسب عليه.
سلوى بصوت غاضب: تقصد إيه بإني لا شغلة ولا مشغلة؟ تقصد إن أنا فاضية؟
صالح بسخرية: أيوه فاضية. إنتي واحدة فاضية، لكن أنا راجل عندي شغل.
سلوى باستهجان: والله اللي أعرفه إنك بترجع من شغلك الساعة 4 وبرضو مابتردش عليَّ.
صالح بضيق: برجع أكل وأنام، وبالليل بنزل شغلي التاني في الصيدلية.
سلوى بتعجب: يعني في كل يومك ده مش فاضي دقيقة واحدة ترد عليَّ!!
صالح بحدة: قلت لك بعدين نتكلم!
سلوى بإصرار: لا، نتكلم دلوقتي!
صالح بصوت حاد: هو تحكم وخلاص؟ أنا قلت مش هنتكلم يعني مش هنتكلم.
سلوى بعصبية: ماتتكلمش معايا بالطريقة دي!
صالح بحدة: أنا أتكلم معاكي بالطريقة اللي عايزها؟ إنتي الظاهر عايزة تمشي كلامك وخلاص!
سلوى بغضب: طب، نزلني هنا.
صالح بدهشة: فين؟ إنتي مجنونة؟
خاطبت سلوى السائق: يا أسطى، لو سمحت، وقفني هنا على جنب!
صالح بعصبية: سلوى بلاش عبط!
سلوى بعند: قلت لك هنزل يعني هنزل.
تحدث صالح مع السائق: طب اقف يا اسطا هنا.
توقف السائق، تنزل سلوى وتغلق الباب بعصبية. يشير صالح للسائق بالتحرك، فتبدأ السيارة بالتحرك تاركا سلوى تقف في ذهول تام، لم تتوقع للحظة أن يتركها صالح بهذا الشكل. تنظر حولها في صدمة، غير قادرة على استيعاب ما حدث. لم تمر سوى دقائق حتى توقفت سيارة أمامها. كان مكي خلف المقود، نظر لها وقال:
مكي: اركبي.
نظرت له سلوى للحظة باستغراب، ثم فتحت الباب ودخلت السيارة. جلست بجانبه وهي غاضبة بشدة.
سلوى بذهول: سابني ومشي بجد! قلت له سيبني أنزل وأنا متضايقة، وفعلاً خلاني أنزل وسابني لوحدي ومشي!
مكي محاولاً تهدئتها: طب اهدي يا سلوى.
سلوى بانفعال: ح”يوان بجد!
فتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها لتتصل بصالح، لكنه لم يرد.
سلوى بعصبية: شفت؟ مابيردش… الحي”وان!
مكي وجهه جسده في زاويتها: طيب، ايه اللي حصل أصلاً؟
سلوى بغضب: أيّاً كان اللي حصل، ينفع يمشي ويسيبني؟!
مكي نظر لها: أكيد ماينفعش. هو غلطان طبعاً، بس أنا عايز أفهم.
سلوى تنهدت: كنت بسأله ليه مابيردش عليا، ممكن يعدي يومين مايكلمنيش ولا حتى يهتم! ولما قلت له كده، يقول لي إنتِ واحدة فاضية، ماوراكيش حاجة!.شوف الغباء!
مكي محاولاً تهدئتها: طب ماتزعليش… اهدي.. هتروحي البيت؟
سلوى بضجر: يعني هروح فين؟ طبعاً هروح البيت.
تحرك مكي بالسيارة،
وأثناء القيادة تساءلت سلوى بتعجب: هو أنت جيت هنا إزاي؟
مكي وهو ينظر أمامه: صدفة.
سلوى وهي ترفع حاجبها باستغراب: والله صدفة؟
نظر مكي لها بطرف عينه بهدوء: أيوة صدفة، أحمدي ربنا إني كنت معدي.
سلوى بنبرة ساخرة: صدفك كترت قوي!
مكي بثقه: هتفضل تكتر قوي لحد مانرجع لبعض.
سلوى باستخفاف: نرجع لبعض؟ واحنا كنا أصلاً مع بعض؟
مكي تبسم: خلاص يا ستي… نبقى مع بعض!
سلوى بتهكم: طب سوق، عشان أنا متعصبة، وماتخلينيش أطلع عصبيتي فيك.
مكي مازحاً: طب اهدي!
ابتسم مكي، واستمر في القيادة حتى وصلا إلى الفيلا. وعند وصولهما، وجدا صالح جالساً في الحديقة ينتظرها مع والدتها.
فيلا عائلة ماسة التاسعة مساءً
الحديقة
وحين دخلت سلوى مع ميكي وجدت صالح يجلس مع سعديه على الطاوله ثم اشارت بيديها بتهكم وهي تقول.
سلوى بغضب وهي تشير نحو صالح: شفت؟ ماعندوش دم! إنت ايه اللي جابك هنا
سعدية: عيب يا سلوى!
سلوى بتهكم: ومش عيب يعني إنه ينزلني في وسط الشارع؟ في راجل محترم يعمل كده؟ وبعدين أنا عملت إيه؟ بسأله ليه مابيردش عليا!
سعدية بتبرير: هو راجل مشغول، وعمال يقول لك اسكتي، اسكتي، وانتِ مافيش…
سلوى باعتراض: هو انتي بتبرري له موقفه ولا ايه؟ بقول لك نزلني في الشارع، ولولا مكي أنا مش عارفة كنت هعمل ايه؟!
صالح محاولاً التبرير: سلوى، انتِ اللي عصبتيني!
سلوى: عصبتك، فتنزلني؟!
سعدية: خلاص بقى يا سلوى… حصل خير.
سلوى بغضب: إيه اللي حصل خير؟ لا، ماحصلش خير!
صالح بشده: أنا قلت لك عندي شغل، وهنتناقش لما نوصل البيت، وانتِ مارضتيش تفهمي إن ده مش مكان للنقاش؟ بعدين يصح الأسلوب اللي كنتِ بتكلميني بيه قدام سواق التاكسي؟
سعدية موجهة الحديث لسلوى: لا يا حبيبتي، عيب. شوفتيني قبل كده بعلي صوتي على أبوكي؟ أو حتى أختك بتعلي صوتها على سليم؟
كملت بهدوء وهي تشير بيدها: أقعدوا وحلوا الموضوع بالراحة، أنتم لسه في الأول، وماينفعش الحياة تكمل بالشكل ده.
صالح بهدوء: بعدين أنا رجعتلك لقيتك مش موجودة جيتلك على هنا على طول.
مكي بعدم تصديق: إنت متأكد إنك رجعت؟!
صالح: اه متأكد اني رجعت، إنت بقى كنت موجود ازاي ؟!
مكي بجمود: صدفة.
صالح برفعة حاجب: صدفة ماشي مع إنها غريبة.
دبي – شقة عماد وسارة الرابعة مساء
يجلس عماد على الأريكة بمفرده، واضعًا اللابتوب على قدميه، يشاهد بعض الفيديوهات لرشدي وهو يبرم صفقات مثل تجارة السلاح، ومشهد آخر وهو يقتل أحد الأشخاص بعد تحرشه بخادمته. كان عماد محتفظا بالعديد من الأدلة التي تدين رشدي و قد يستخدمها ضده.
بعد قليل، بينما كان عماد يشاهد هذه المقاطع، جلست سارة بجانبه.
سارة بفضول: عماد، إنت بتعمل إيه؟
عماد وهو يمسك بورقة ويكتب فيها بعض الملاحظات: مفيش، بشوف أنا معايا إيه.
سارة بفضول: يعني إيه معاك إيه؟
عماد: يعني بشوف أنا ماسك إيه على رشدي، وإيه اللي محتاج أمسكه عليه تاني، عشان مش كل شوية يقعد يهدد و يتوعد، ولما ييجي الوقت المناسب نضرب ضربتنا وساعتها مش هيعرف الضربة جاتله منين..
سارة بتحريض: عماد إنت لازم تمسك على الكل مش رشدي بس.
عماد: عزت صعب يتمسك عليه حاجة بس لازم أتصرف، بفكر أزق عليه واحدة.
سارة: فكرة قديمة شوف حاجة تانية، بعدين هو مش مع نانا حاجة زي دي ممكن تدمره مع فايزة.
عماد بتوضيح: معيش اثباتات لازم ادله بصوت وصورة.
سارة: طب وسليم هتعمل ايه معاه؟!
عماد بجدية: بصي سليم وعزت صعب يتمسك عليهم حاجات الباقي سهل، خليني بس أظبط وأرتب أوراقي وهشوف هاعمل ايه.
سارة بنبرة حذرة: قولي يا عماد، هو أنت ليك يد في حادثة سليم؟ بالأمانة كدة ؟
عماد متعجبا نظر لها: تفتكري أنا أقدر أعمل حادثة بالحجم ده؟ ولو قدرت، عندي القوة اللي تخليني ماتكشفش؟
سارة: أكيد لا، بس ممكن تكون بمساعدة حد.
عماد عقد حاحبيه متعجباً: زي مين يعني؟
سارة: أي حد من جماعة المافيا اللي ضد سليم.
عماد بابتسامة ساخرة: سليم والباشا أعضاء في خلية بتضم 56 زعيم مافيا من أقوى زعماء العالم، بيشتغلوا في كل حاجة، حتى في البشر، وبيتحكموا في اقتصاد دول. طول ما هم في الترابيزة دي، مستحيل حد يقرب منهم، ولو حد فكر يقرب، مصيره الذ”بح، زي ما حصل مع الصياد، الشعراوي، والتابيلو.
سارة بقلق: بس الناس دي ملهاش عهد.
عماد بعقلانية: أكيد، لكن طول ما إنتِ معاهم وماشية بالسليم وبتنفذي أوامرهم، محدش هيقرب لكِ. الباشا مش مجرد تاجر آثار وألماس، ما تنسيش إنه بيشتغل في البترول والصناعات الثقيلة، وبيتحكم في دخول مواد غذائية مهمة للشرق الأوسط، غير إنه بيسهل دخول وخروج حاجات تانية كتير عن طريق سفن الشحن بتاعته غير مناجم الذهب والالماظ اللي مشاركين فيها.
سارة بحذر: المهم، أوعى تكون إنت اللي وراها، أنا خايفة عليك، الناس دي لما بتقرر حد يدفع الثمن، بيخلوه يدفعه بأولاده. وإحنا دلوقتي بقينا تلاتة، مش اتنين.
عماد مغيرا الموضوع: طيب، ماتقلقيش.
سارة. هتنزل مصر امتي؟
عماد بابتسامة مرر أصابع يده على خدها: اسبوع، هفضل معاكي شوية وحشتيني، وبعدين هننزل سوا، أو ممكن أنزل الأول وإنتي تلحقي بيا.
سارة بغيرة: طيب، من فضلك ياحبيبي، حاول تبعد شوية عن صافيناز بطل تخرج معاها وتسافر معاها لما بشوف صوركم الغيرة بتموتني ببقى نفسي أنزل وأذ”بحكم انتم الاثنين..
عماد بمزاح: بتحسسيني إني بموت في صافيناز! كل ده مصالح يا روح قلبي لكن انتي اللي في القلب.
سارة بغيظ: أنا أصلاً مش طايقاها، بقول لك ايه، إنت لازم تمسك عليها حاجة زيهم أو تورطها في حاجة.
عماد مندهشًا: أمسك على صافيناز؟ ليه؟
سارة: عشان يوم ماتعرف إنك متجوزني، تكون ماسك حاجة تدمرها بيها لأن صافيناز مش هتسمي عليك ولا عليا، أنا عارفاها سم ممكن تورطها في خيانة مثلاً
ضحك عماد بسخرية: إنتِ مجنونة!! الناس كلها ساعتها هتقول صافي خانت عماد الزيدان!
سارة: لأ، متحسبهاش كده، لازم تمسك عليها حاجة قوية اوعى تنسى أنها لسه بتراقبك؟!
عماد بثقة: متقلقيش، صافي بتموت فيا، اصبري شوية وهخليها تعمل لي توكيل، وساعتها هاخد كل حاجة. أنا عارف إزاي ألعبها صح. لكن دلوقتي، اللي يهمني أعرفه، إزاي أتضرب سليم، ومن مين وازاي؟! سيبيني بقى أركز واعملي لي كوبايه قهوة بايدك الحلوة دي وضع قبله على كفها.
سارة: عيوني.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
مصر
مجموعة الراوي الثانية مساءً.
مكتب عزت
المكتب كان هادئًا إلا من صوت تقليب الأوراق، عزت كان جالسًا على مكتبه، يراجع بعض الملفات بتركيز شديد، عندما دخلت نانا، توقف أمامه وعقدت ذراعيها، تنظر له بضيق واضح.
نانا: عزت، أنا محتاجة أتكلم معاك وماتقوليش مشغول.
رفع عزت عينيه ببرود وهو يضع القلم جانبًا: عايزة إيه باختصار؟
نانا بستعطاف: عايزة أشوفك، انت وحشتني، بقى لك ثلاث شهور بعيد عني، هو أنا مش مراتك؟
عزت ببرود: هو أنا مش ببعت لك الفلوس كل أول شهر، مبلغ ماتحلميش بيه؟ عايزة إيه تاني؟
نانا نظرت له متعجبه قالت باستهجان: فلوس إيه؟ أنا مش عايزة فلوس، أنا عايزاك انت. انت فين بقالك الفترة دي؟ مختفي ومش بتسأل، قلت لي عشان خاطر سليم، أهو سليم رجع وشال العكاز وبقى له فترة، وانت لسه مش موجود، ده حتى رشدي الفاشل بقى شاطر ونجح في مشروع، كلهم بقوا مركزين، انت بقى فين؟
مال عزت للخلف على كرسيه ونظر لها ببرود: قولت مشغول!
نانا بضيق: مشغول بإيه يعني؟ من إمتى كنت بتننشغل عني؟ ولا سونيا هي اللي شغلاك عني، مش كده؟
ضحك عزت بسخرية وهو يهز رأسه قبل أن يرد بنبرة مستفزة: طول ما إنت نكدية كده وواجعالي دماغي، مش هتشوفيني، كفاية فايزة عليّا… يلا، اطلعي بره.
نظرت له نانا بنظرة متحدية وهي تميل نحوه قليلًا: لو عرفت إنك بعدت عني عشان البنت اللي اسمها سونيا دي، مش هيحصل كويس.
نظر لها عزت متعجبًا، قبل أن يرفع حاجبه بسخرية: إنت بتهدديني يا نانا؟
نظرت له لوهله فهي اذا دخلت مع في جدال يسنهيها في لمح البصر حاولت تغير حدت الحديث اقتربت، وضعت يدها على كتفه بدلال وهي تضحك: لا طبعًا، أنا بحافظ على حبيبي، بغير… يعني مثلًا، ممكن أرش عليها مية نار، إيه رأيك؟
شيح عزت بوجهه، ضحك ضحكة قصيرة لكنه لم يرد فورًا، ثم نظر لها ببرود وهو يهز رأسه ببطء: اللي يعرفك إنت وفايزة، يكره صنف الستات كله.
ابتسمت نانا بخبث وهي تحاول أن تميل عليه أكثر: طب إيه، مش هتجيلي؟ هتفضل بعيد عني كده؟ ماوحشتكش؟
عاد عزت إلى الأوراق أمامه، رفع يده بإشارة خفيفة: يلا يا نانا، خليني أركز في شغلي. صحيح، اللي اسمه حمدي ده…
اضاف وهو يكتب في الأوراق وهو يقول بنبرة عادية، لكنها تحمل في طياتها الكثير: شاب هايل، وحيد أمه وباباه، ربنا يخليه لهم، بلاش نخلينا نقصف عمر يا نانا، ها؟ أصل أنا كمان بغير على ممتلكاتي.
توترت نانا فجأة ونظرت له بقلق: انت بتقول إيه؟
رفع عزت نظره لها ببطء، أشار بيده نحو الباب: يلا روحي، واستنيني، هاجي لك النهارده.
ترددت للحظة قبل أن تقول بتوتر: على فكرة، حمدي ده واحد كان معجب بيا، ونور جابته كعريس يعني، وأنا رفضته.
عزت هز رأسه ببطء، نبرته كانت أخفض، لكنها مشحونة بتحذير واضح: ما أنا عارف، ولو أنا مش عارف، كان زماني دفنتك إنت وهو أحياء. بس لو اللي حصل ده حصل تاني، أنا مش هسامحك. أنا قلت لك، يوم ماتحبي تمشي، قولي لي، وأنا مش همنعك، ما تخافيش مني. بس تخوني عزت الراوي؟ وقتها، ماتلوميش غير نفسك.
حاولت نانا أن تخفي توترها وهي تبتسم: هستناك النهارده، قلت لك، أنا بحبك.
لم يرد عزت، اكتفى بالعودة إلى عمله، بينما خرجت نانا من المكتب وهي تشعر بتوتر شديد لم تستطع السيطرة عليه.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة السابعة صباحاً
نشاهد سليم غارقا بسبات عميق على الفراش، وبجانبه نالا، التي كانت مستيقظة وتلاعب نفسها بصوت مناغاة، كانت ماسة في المرحاض، بعد قليل، استيقظ سليم وفتح عينيه بهدوء، ليجد نالا الرضيعة تلاعب نفسها. أعطاها ظهره محاولًا ألا يهتم لأمرها، بينما كانت عينيه تتحرك بترقب، نهض ثم قال وهو ينظر إليها.
سليم نظر لها: ماسة سابتك وراحت فين؟
ثم أخرجت صوتًا كأنها تتحدث معه، تبسم لها
نهض سليم وذهب إلى المرحاض، استمع إلى صوت الدش، تنهد وعاد ليجلس بجانب نالا مرة أخرى.
أمسك بهاتفه وبدأ في إجراء بعض المكالمات المتعلقة بالعمل، بينما كانت نالا تشغل انتباهه وهي تلاعب نفسها…
انتهى من مكالماته و وضع الهاتف على الفراش ابتسم واقترب منها وقال:
أنتِ حلوة قوي، فيكِ شبه من ياسين وهو صغير.
ثم أخذ نفسًا عميقًا وأضاف بألم:
نفسي أشيلك، بس خايف. خايف أتعود عليكِ، خايف أحبك. عارفة لو كان ربنا كرمنا، كان زمان عندي بنت زيك دلوقتي، كان عندها حوالي ٨ شهور. ولو كان ربنا كرمني وأول طفل عاش، كان دلوقتي بقى عنده 6 سنين تقريبًا.
تنهد مرة أخرى، ثم طلب منها: ممكن أديكي بوسة على خدك؟
تبسم ووضع قبلته، وأكمل بحزن:
تعرفي أنا نفسي أسمع منكِ كلمة بابا، نفسي يكون ليّ ولد، بس واضح إن ربنا مش كاتب ليا ده، عشان كده ماحاولتش أقرب منك من ساعة ما اتولدتي، لأني خايف زي ما قلت لك، ممكن أكون مزودها، لأن دي ثاني مرة أخسر فيها ابن ليا من ماسة، نفسي أجمد قلبي، وأخفف الشعور ده، كمان زعلان إن ماسة هتتحرم من الشعور ده.
ثم نظر إليها، وابتسم بحزن قائلاً بعين ترقرقت بالدموع:
إنتِ شايفة إيه؟ أنا محتاج أتمسك بالثقة، أتمسك بالأمل إن هيكون ليا طفل زيك أحبه ويحبني ويقولي يا بابا ..
اقترب منها قائلاً: تعالي، تعالي في حضني.
حمل سليم نالا وضمها إلى صدره لاول مره، وهزّ رأسه برقة. ما إن تلامس جسدها الصغير مع جسده، حتى شعر بارتجافة قوية، وكأن عاصفة اجتاحت قلبه. قال بصوت متهدج وابتسامة موجعة:
جسمي بيترعش وأنا شايلك، خايف تقعي مني.ريحتك حلوة زي المسك، حقيقي ماكنتش متصور إن الشعور هيكون حلو كده مع اني شلت كل أولاد اخواتي بس المرة دي مختلفة يمكن لأني كمان بقيت زي ماسة بتخيلك بنتي.
ثم وضع قبلة دافئة على جبينها.
ظل سليم يحمل نالا في يديه،. كان يشعر بقلبه ينبض بسرعة، بينما كانت الطفلة الرضيعة تنام في أحضانه، جسمها الصغير دافئ جدًا. كانت ملامحها الهادئة تجعله يبتسم رغم الحزن الذي كان يملأ قلبه.
بدأت بالبكاء، وصوت بكائها جعل قلبه يتألم. لكنه حاول تهدئتها، يحرك يده برفق على ظهرها، ويهمس في أذنها:
هشش، بس بس، خالص. هشش يا حبيبتي، بس إنتِ جعانة؟ طب أنا مش عارف أعمل إيه.
توجه نحو المرحاض، ثم ترك الباب قائلاً بصوت رجولي: ماسة، نالا بتعيط، خلصي.
أجابته ماسة من الداخل: حاضر، أنا هلبس أهو.
كان سليم يحاول تهدئتها بين أحضانه، لكن بدأ صوت بكاء نالا يهدأ تدريجياً. فأعادها برفق إلى مكانها على السرير، لكنه شعر بحاجة للبقاء قريبًا منها
بينما كانت نالا تبتسم له قليلاً، اقتربت منه ماسة بابتسامة مشرقة:
شلتها أخيرًا، وقربت منها. سمحت لقلبك إنه يقرب منها.
هز سليم رأسه وهو يمرر أصابع يده على وجهها:
ضعفت، أنا هحاول اقرب في الفترة دي. قبل ماهبه تخرج.
حين تذكرت ماسة بأن هبة ستخرج، شعرت أن قلبها ارتعش، لأنها ستبتعد عن نالا. دخلت في عينيها مشاعر مختلطة، وأحاسيس بسيطة جداً من القلق، فهزت رأسها بإيجاب.
ماسة: تصور إن فات شهر، عدا بسرعة أوي.
سليم: فعلاً مش هترضعيها؟
ماسة: هي مش جعانة، هي عايزة تنام. خليك جنبها.
صح إنت مش هتروح الشغل النهارده الساعه داخله٧؟
نظر سليم إلى نالا وقال: عايز أقعد معاها شوية هطلب الفطار هنا.
ماسة هزت راسها بإيجاب زي متحب.
تركتها وتوجهت الى التسريحه لتصفف شعرها المبلل بينما سليم حمل نالا بين أحضانه اخذت ماسة تبتسم وهي تشاهده من المراه إبتسامة حزن.
بعد وقت
نشاهد سليم وماسة يجلسان على الأريكة، بينما سليم ضمم نالا وهو يرضعها.
ماسة بابتسامة: حبيبي، أوعى تشرق منك.
سليم، مطمئنًا: ماتخافيش.
كان سليم مستمرًا في إرضاع نالا، بينما كانت ماسة تبتسم وتتحرك بيدها على رأسها برفق. ثم قالت:
إنتوا عايزين صورة؟ شكلكم قمر كده.
أمسكت ماسة هاتفها وبدأت بتصويرهم.
بعد الانتهاء اقتربت منه وهي تطلعه عليها: بص الصورة حلوة ازاي.
سليم، مبتسمًا: أيوه، فعلاً جميلة اوي.
ماسة مازحة: استنى، هاتصور معاكم!
اقتربت من سليم ثم قامت بتغيير وضعية الهاتف وأخذت صورة، لكنها لم تكن دقيقة.
ماسه وهي تخرج شفتيها السفلية بطفولة: بس أنا مش باينة! ضحكت.
سليم، وهو يضحك: استني، كلمي أي حد تحت يطلع يصورنا بالكاميرا، كده أحسن.
ماسة، مبتسمة: ماشي.
أثناء فتح ماسة للباب، صادفت فريدة: فريدة، ممكن تيجي تصوريني أنا وسليم ونالا.
فريدة، بابتسامة: طبعًا
دخلت فريدة، وأخذت الكاميرا.
فريدة، وهي تمسك الكاميرا: يلا مستعدين 123
ثم بدأت في تصويرهم في عدة زوايا.
ركضت ماسة عليها وأخذت منها الصور فهم كانوا يتصورون بكاميرا فورية: الله حلوين أوي بص يا كراميل
فريدة: طب معلش أنا هنزل تحت لأني جعانة الصراحة و كنت نازلة آكل.
ابتسم سليم بلطف: ميرسي يا فريدة.
فريدة، بعد أن وضعت قبلة على خد نالا، قالت: هي عاملة إيه؟
سليم، وهو يجيب بلطف: كويسة
فريدة، بابتسامة حزينة: أنا بجد آسفة يا ماسة، مش قادرة أتابع معاكي .زي ما إنتي شايفة الشغل والولاد مضغوطة جامد.
ماسة،وهي تطمئنها: ماتقوليش كده، أنا مبسوطة جدًا
فريدة، مبتسمة: طيب، بعد إذنكم، أنا هسيبكم دلوقتي.
تبسمت فريدة، ثم خرجت من الغرفة. بينما سليم وماسة بدأوا في مشاهدة الصور التي التقطتها ماسة، مستمتعين بلحظات العائلة الصغيرة التي تجمعهم.
بعد فترة، جاء وقت الحمام الدافئ لنالا. بدأوا في إعطائها حمامًا دافئًا في الحوض.
ماسة، وهي تحضر الشامبو: سليم، خد بالك امسكها كويس.
سليم، وهو يمسك نالا بحذر: ماتقلقيش خدي بالك إنتي.
ماسة، مبتسمة: أنا حمّمتها أكتر من مرة.
بدأوا في تحميم نالا بعناية، ثم قاموا بتجفيفها وتلبيسها، بعد ان ووضعوا لها البودرة والكريم
بعد الانتهاء.
ابتسمت ماسة، وهي تحمل نالا بين يديها: إيه رأيك يا عمو فيا بعد الحمام الحلو ده؟
أخذها سليم من بين يديها، وضمها بحنان وتشمم عبيرها: إيه الريحة الحلوة دي؟! بقينا قمرات، كده!.
كان الجو مليئًا بالحب والدفء، بينما استمتعوا بلحظات العناية بالصغيرة التي جمعتهم معًا.
عندما جاء موعد النوم، قرر سليم أن ينام بجانب نالا في المنتصف بينه وبين ماسة.
ماسة، وهي تنظر له باستغراب: إنت هتنيمها جنبنا؟
سليم، بابتسامة هادئة: آه، إيه المشكلة؟
ماسة، وهي تبدو متفاجئة: إنت مجنون؟ قسما بالله! أنت يا ماتقربش منها خالص! يا تقرب منها وماتسيبهاش لحظة! ماعندكش حل وسط؟
سليم، بهدوء وثقة: آه، ماعنديش حل وسط، أنا كده.
ماسة، بتردد: بس أنا خايفة تنام جنبنا وتتفعس.
تبسم سليم، وهو يطمئنها: لا، ما تخافيش. هتنام في النص بينا هناخد بالنا هو انت مش كنت هتخلي حور تنام جنبنا.
تبسمت ماسة بصمت ثم وضع سليم نالا بجانب ماسة، وكان هو على الجانب الآخر. بدأا يطبطبان عليها بابتسامة، وينظران لبعضهما في هدوء.
سليم، وهو ينظر إلى ماسة بنبرة موجوعه: خلينا نعيش الإحساس ده لفترة لو صغيرة. اقتنعت بكلامك..
ابتسمت ماسة له، وكأنهما قررا أن يعيشا هذه اللحظات مع نالا، حتى لو كانت مؤقتة. كانا يحاولان أن يخففا من ألم الفقد، يملآن الفراغ الذي تركته خسارتهما بوهج الطفلة الصغيرة، وكأنها طوق نجاة وسط بحر الحزن الذي يغرقهما في صمت. لم يتوقعا أن يتعلقا بها بهذه السرعة، بهذه القوة، كأنها قطعة منهما، كأنها ابنتهما التي لم تأتِ.
وخلال شهرين فقط، تغيّر سليم تمامًا. تحوّل الرجل الذي كان يرفض الاقتراب من نالا إلى أب غارق في تفاصيلها الصغيرة. بات يقضي معها ساعات طويلة بعد عودته من العمل، يطعمها، ويحاول أن يرضعها، بل ويغير لها حفاضاتها بنفسه. كان شغوفًا بها إلى أقصى درجة، حتى إنه جعلها تنام بجانبه هو وماسة، وكأنه يريد أن يحيطها بحبه ودفئه في كل لحظة، وكأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهما.
ومع مرور الوقت، لم يعد الأمر مجرد اهتمام أو تعويض، بل تحوّل إلى حب حقيقي. أحبها سليم وماسة كأنها ابنتهما، حتى نسيا أنها ليست كذلك. نسيا تمامًا أن هبة ستخرج قريبًا من المستشفى، وأن يومًا ما سيأتي لتُنتزع منهما نالا، كما انتُزع منهما طفلُهما من قبل. حتى نالا نفسها تعلّقت بهما بشدة، واعتبرتهما والديها. كانت تبكي كلما حملها ياسين، لكنها تهدأ بين ذراعي سليم، كأنها تختارهم، كأنها تنتمي إليهم.
لكن الحقيقة لا ترحم، واللحظة التي لم يحسبوا لها حسابًا كانت على وشك أن تطرق أبوابهم… لحظة الفقد من جديد.
قصر الراوي الرابعة مساءً
دخل سليم من باب الفيلا حاملًا عدة أكياس هدايا، وخلفه الحراس يحملون المزيد. كانت الابتسامة تعلو ثغره وكأنه يحمل مفاجأة كبيرة.
في الصالون،
تجلس فايزة تحتسي قهوتها بهدوء، لكن بمجرد أن رأت ابنها محمّلًا بالأكياس، رفعت حاجبها باستغراب.
فايزة: إيه اللي انت شايله ده؟
سليم وهو يرفع عينيه إليها بابتسامة خفيفة قال بتركي: İyi akşamlar, Faiza Hanım ..
مساء الخير فايزة هانم.
فايزة: سوري، مساء الخير يا سليم، ممكن أعرف إيه الأكياس دي؟
سليم وهو يتجه إلى الدرج: وتعرفي ليه؟ هو أنا بتدخل لما حد يدخل بحاجة؟ ليه مفيش حد في البيت ده يخلي حياته لنفسه؟
فايزة وهي تضع فنجانها على الطاولة وتنظر إليه بجديّة: سليم، إحنا مش اتفقنا نبقى قريبين من بعض؟
سليم وهو يلتفت نحوها: آه، هنبقى قريبين من بعض، بس مش لدرجة إن حضرتك تسأليني عن حاجات تخصني.
نظر حوله قبل أن يتجه نحو إحدى الخادمات التي كانت تمر بالقرب منه.
سليم: ماسة فين؟
الخادمة: في الجنينة مع نالا، يا بيه.
نظر سليم إلى فايزة وأهله، ثم سألها: ماجيتيش النهارده المجموعة ليه؟
فايزة، وهي تمسّد جبينها بتعب: مصدّعة شوية، حبيت أرتاح.
سليم، بقلق: ألف سلامة عليكِ، تحبّي أجيب لك دكتور؟
فايزة، وهي تهز رأسها برفض: لا، مش محتاجة.
اوم سليم براسة ثم تحرك وخلف الحارس إلى الحديقة، حيث جلست ماسة على الأرجوحة، تتمايل بهدوء وهي تمسك نالا الصغيرة التي كانت تستلقي على قدميها وتحرك الأرجوحة برفق.
اقترب سليم ببطء، ثم ابتسم وهو يتحدث: مساء الخير يا حلوين.
رفعت ماسة عينيها إليه بابتسامة، بينما مال نحوها ليضع قبلة خفيفة على خدها.
سليم وهو ينظر إلى نالا: بتلعبوا في المرجوحة؟
ماسة وهي تضم الصغيرة بحنان: آه، بنتمرجح شوية في الجو الحلو.
توقف خلفها اخذ يقوم بدفعهم برفق وهدوء بابتسامة مسموعه من ماسة ومن سليم وبعد دقائق
جلس سليم بجانبها ودفع الأرجوحة بخفة بقدمه: كويس إنك مقعدها في الشمس والهواء والطبيعة، الجو حلو النهارده.
ماسة: اعمل ايه فيك ما انت مانع علينا خروج فهي الخروجه بتاعتنا.
لنظر سليم إلى نالا التي كانت تتثاءب في براءة، فابتسم وقبل رأسها: عاملة إيه يا نالا؟ وحشتيني..
مد اصابع يده على وجهها وقال:
قولي لها يا قطعة السكر عمو خايف عليك اسمعي الكلام بقى.
تنهدت ماسة بملل دون تعليق لحظت الأكياس: شكلك جايب لنا هدايا حلوة. تعالي يا نالا نشوف عمو جايب لنا إيه.
رفع سليم الطفلة بحنان وضمها إلى صدره، بينما راحت ماسة تفتح الأكياس بحماس.
ماسة بتزمر: عمالة تعيط وعايزة تتشال طول اليوم، إنت السبب، عودتها كده. يبقى النهارده إنت اللي هتسهر بيها.
سليم ضاحكًا: أسهر بيها؟ ليه؟ هي مش هتنام؟
ماسة بسخرية وهي ترفع حاجبها: اها لو عملت زى امبارح انت هتقعد معاها طول الليل أنا منمتش خمس دقائق على بعض النهاردة..
نظر إليها سليم بطرف عينه دون أن يعلق اكتفي بابتسامة، ثم بدأ يخرج بعض الألعاب من الأكياس.
سليم بابتسامة وهو يمد لها لعبة تصدر أصواتًا: بصي جبت لك إيه، وجبت لماسة الصغيرة كمان.
أخذ يلعب باللعبة أمام نالا، فبدأت تصدر أصواتًا طفولية خفيفة.
سليم: إيه رأيك؟ حلوة؟ بصي، جبت لك دبدوب بينور.
ماسة بسعادة: الله يا سليم، حاجات جميلة جدًا، جبت لها لبس كمان؟
سليم وهو يهز رأسه بإعجاب: أكيد، لازم تكون أميرة صغيرة.
ابتسمت ماسة وهي تلمس الملابس برفق، بينما كان سليم يراقبها بصمت، مستمتعًا بسعادتها، دون أن يقول أي شيء.
ماسة وهي تمسك الدبدوب وتنظر إلى سليم بعيون واسعة وكأنها طفلة: أنا ماجبتليش دبدوب زيها ليه؟
سليم وهو يبتسم بمكر نظر لنالا قالا: بصي يا نالا جبت لماسة اية؟! عشان عارف إنها عيلة وبتشبط في اللعب، وهتلعب بلعبك وتسرقها منك.
ماسة وهي ترفع حاجبها بمزاح: آه، طب جبت لي إيه متخلص؟
سليم وهو يمد يده في الكيس ويخرج صفارة صغيرة ويقدمها لها بابتسامة واسعة: جبت لك صفارة زي بتاعت نالا.
ماسة وهي تأخذ الصفارة وتنظر إليها بعدم تصديق: ده بجد يا سليم؟!
سليم وهو يضحك: أيوه، عشان لما تعيطي زي نالا، تعرفي تصفري وأجي أشيلك!
قلبت ماسة وجهها بتزمر وهي تضربه على ذراعه بخفة: سليم! والله ماهسيبك.
سليم وهو يضحك ويضم نالا إليه: طب تعالي جربيها، يمكن تعجبك!
ماسة وهي تهزه بغضب طفولي: لا، أنا عايزة دبدوب، هات لي دبدوب يا ظالم!
سليم وهو يضحك ويقترب منها: طيب، هجيب لك واحد، بس لو وعدتيني إنك مش هتسرقي لعب نالا!
ماسة وهي تعقد ذراعيها وتدّعي الجدية: هفكر في الموضوع.
ضحك سليم وهو ينظر إليها بحب، بينما كانت ماسة تلعب بالصفارة وكأنها تعاقبه على مماطلته، وسط ضحكاتها هي فقط، في حين أن نالا الصغيرة كانت مستلقية على بطانيتها الناعمة، تصدر أصواتًا غير مفهومة وتحرك يديها في الهواء ببراءة.
اقترب سليم منها وانحنى ينظر إليها بحنان: الصغيرة شكلها بتشتكي منك، ماسة.
ماسة وهي تجلس بجانب نالا وتحرك إحدى ألعابها بلطف أمامها: لا طبعًا، نالا بتحبني، صح يا حبيبتي؟
أصدرت نالا صوتًا عشوائيًا وهي تلوح بيدها، فضحك سليم: شايفة؟ بتقول لا!
ماسة وهي ترمقه بنظرة جانبية: هتفتري على البيبي كمان؟
سليم وهو يمد يده ويحمل نالا بحذر، ثم يهدهدها برفق: دي أميرة صغيرة، وإنتِ… ، عيلة صغيرة!
ماسة وهي تضع يدها على خصرها وتتظاهر بالغضب: بقى كده؟!
ثم اقتربت من سليم وهي تلمس خد نالا برقة: بصي يا نالا، عمو سليم بيقول كلام مش حلو، أهو مفيش بوسة ليه النهاردة!
ضحك سليم وهو يراقبها تداعب الصغيرة، ثم قال بصوت دافئ: انا عارف إني مش ههون عليكي.
فجأة، أمسك سليم بالطفلة ورفعها إلى الأعلى قليلًا، محركًا إياها برفق كما لو كانت طائرة صغيرة.
ماسة وهي تتوقف باتساع عينيها، متوترة: سليم! إيه اللي إنت بتعمله ده؟ هي عروسة؟ ممكن تقع!
سليم وهو مستمر في رفعها بخفة، يبتسم بثقة: متخافيش، أنا ماسكها كويس.
ماسة، وقد بدأ قلبها ينبض بسرعة، وضعت يديها على صدرها: والله العظيم هزعل منك بجد!
ضحك سليم وهو يضم نالا إلى صدره بحنان، ينظر إلى ماسة بنظرة مطمئنة: ماشي يا ستي، نزلتها، خلاص!
تنهدت ماسة بارتياح، ثم همست وهي تراقب الطفلة بين يديه: والله العظيم قلبي كان هيوقف مع كل رفعة بترفعها… صغيرة دي على الكلام ده!
سليم وهو يبتسم بلطف: ماشي يا ماما ماسة، مش هعمل كده تاني.
ثم جلس على الأرض، وأسند ظهره إلى جذع الشجرة، ووضع نالا في حضنه بلطف. ابتسمت ماسة وجلست بجانبه، ثم التقطت إحدى ألعاب الطفلة الصغيرة وبدأت تحركها أمامها، مما جعل نالا تصدر أصواتًا سعيدة.
وأثناء جلوسهما في الحديقة، اقترب منهما ياسين، قائلًا: مساء الخير.
رفع سليم وماسة عينيهما نحوه وردّا التحية، قبل أن ينحني ياسين ويجلس على ركبتيه، مادًا يديه ليأخذ نالا من حجر ماسة. احتضنها بحنان وهو يقول:
– حبيبتي وحشتيني.
نظرت ماسة إليه مبتسمة، بينما سألته عن هبة: هبة عاملة إيه يا ياسين؟
تنهد ياسين وهو يهز رأسه: والله زي ما هي يا ماسة، بس في تحسن بسيط.
سليم بابتسامة مشجعة: إن شاء الله هتبقى بخير وتخرج بالسلامة قريب.
ياسين وهو ينظر إليهما بامتنان: يا رب، بجد أنا بشكركم على اللي عملتوه مع نالا، عارف إني مقصر، ورامي الحمل عليكم، بس أنتم عارفين، على طول مع هبة.
سليم بشدة: مش عشان بقيت أب، يعني مش هامد إيدي عليك، احترم نفسك.
ماسة معترضة: أوعى تقول كده تاني هزعل منك! دي بنتنا زي ما هي بنتك.
ابتسم ياسين وهتف وهو يداعب الصغيرة: حبيبتي، عاملة إيه مع عمو سليم وطنط ماسة؟
هتفت ماسة مازحة: خالتو، اتلم!
ياسين وهو يضحك: وماما كمان يا ماسة.
لكن فجأة بدأت نالا بالبكاء، فحاول ياسين تهدئتها بلطف: مالك يا حبيبتي؟ مالك؟
مدّ سليم يديه وقال بثقة: هاتها هاتها.
بمجرد أن حملها ووضعها عند قلبه وربت على ظهرها، هدأت الصغيرة فورًا، واستكانت في حضنه.
رفع ياسين حاجبيه بدهشة: على فكرة، أنا معترض! أنا أبوكي يا بنتي، مش كل ما أشيلك تعملي كدة.
ضحكت ماسة وهي ترد: معلش، هي متعودة علينا.
هزّ ياسين رأسه مستسلمًا وهو ينهض: ماشي يا ست نالا، ماشي.
ثم قال وهو يستعد للذهاب: هروح أغير هدومي وراجع أقعد معاكم شوية.
رد سليم: يلا، مستنيينك.
وضع ياسين قبلة على رأس نالا وذهب ..، بعد لحظات، عاد ياسين وانضم إليهما، ليقضوا وقتًا جميلًا معًا، بين ضحكات نالا وبراءتها، وأجواء الجنينة الهادئة التي زادت من لحظتهم الدافئة.
قضوا وقتًا جميلًا معًا، بين ضحكات نالا وبراءتها، وأجواء الجنينة الهادئة التي زادت من لحظتهم الدافئة.
💞_____________بقلمي_ليلةعادلʘ‿ʘ
(بعد شهر آخر)
عادت هبة من المستشفى بعد غياب ثلاثة أشهر، ليبدأ فصل جديد في حياتهم… وفصل جديد من الألم في حياة سليم وماسة.
قصر الراوي – الواحده مساءً
الصالون
دخلت هبة من باب القصر، يسندها ياسين، وملامحها تحمل إرهاق الشهور الماضية. ورغم أنها استعادت بعض قوتها، إلا أن حالتها لم تكن كما ينبغي. كان الجميع في استقبالها، ومن بينهم سليم وماسة، التي كانت تحمل نالا بين يديها.
لكن في قلب ماسة، كان هناك شيء آخر، شيء أشد وطأة من أي شيء شعرت به من قبل، قلبها… كان متجمداً، يصرخ بصمت، ينهار دون صوت.
كانت تحاول أن تبدو قوية، أن تُبقي ملامحها ثابتة، لكن الحزن كان يخنقها… فاليوم هو اليوم الذي ستعود فيه نالا إلى والدتها، الطفلة التي أصبحت جزءًا من روحها وروح سليم، التي كانت نورًا في عتمتهما، والتي منحت قلبيهما فرصة للحياة وسط الحزن. والآن، ستأخذها هبة، كما لو أنها تنتزع قلبهما معها.
سليم كان بجوارها، يده القوية تمسك يدها بقوة، كأنها الحبل الأخير الذي يمنعهما من السقوط في هاوية الحزن. كان يعلم أنها تحتاجه الآن، تحتاجه أكثر من أي وقت مضى، وهو أيضًا كان يحتاجها، يحتاج أن يتمسك بها حتى لا ينهار هو الآخر.
ابتسامة ثابتة كانت على وجهيهما، ابتسامة باردة، مجبرة، مصطنعة… لكن خلفها؟ كان هناك شيء آخر، شيء لا يمكن لأحد أن يراه… قلبان يبكيان بلا صوت.
بدأت كلمات الترحيب تتردد في أرجاء القصر:
فريدة: حمد الله على سلامتك، يا حبيبتي.
عزت: حمد الله على سلامتك، هبة.
لكن هبة لم تكن تسمع شيئًا. لم تكن ترى أحدًا. كان تركيزها كله منصبًا على ماسة، التي تتوقف هناك تحمل نالا بين يديها.
تسمرت عيناها على الطفلة، تأملتها كأنها تحاول استيعاب أنها ستعود إليها أخيرًا، وكأن الزمن توقف عند هذه اللحظة، لحظة استعادة ابنتها التي لم ترها منذ ولادتها.
اقتربت هبة، نظرتها متعلقة بنالا، وكأنها تخشى أن يكون هذا مجرد حلم قد يتلاشى في أي لحظة. ثم همست بصوت مرتجف:
هبة: نالا…
أومأت ماسة برأسها، لكن الألم كان يخنقها. هذه اللحظة التي كانت تؤجل التفكير فيها، اللحظة التي كانت تتظاهر بأنها لن تأتي، ها هي الآن أمامها، أقسى مما تخيلت.
أما سليم، فكان متوقفًا بجوارها، صامتًا. لم يكن الرجل الذي يعرف كيف يظهر ضعفه، لكنه الآن كان يشعر بأن جزءًا منه يُنتزع، تمامًا كما يحدث مع ماسة. لم يكن يتوقع أن هذا الفراق سيكون بهذا الألم. لطالما أخبر ماسة أن لا تتعلق بنالا، لطالما حذرها من لحظة الوداع، لكنه الآن… هو من وقع في الحفرة ذاتها، غارقًا في مشاعره دون أن يتمكن من الفرار منها.
تقدمت هبة بخطوات مسرعة، كأنها تخشى أن تُؤخذ نالا منها قبل أن تصل إليها. مدّت يديها لتأخذها، لكن ماسة لم تستطع أن تطلقها بسهولة. كانت يداها ترتجفان وهي تمد الطفلة لهبة، وكأنها تسلمها قطعة من روحها، وليس مجرد طفلة.
هبة: حبيبتي… بنتي… وحشتيني، وحشتيني جدًا.
احتضنت نالا بكل حب، بكل اشتياق، وكأنها تعيد وصل ما انقطع، وكأنها تحاول أن تزرع داخلها كل ما فاتها من أمومة لم تستطع أن تعيشها معها منذ البداية.
وفي تلك اللحظة، التقت عينا ماسة بعيني سليم. ووجدت نفسها تمسك يده بقوة أكبر، وهو شدد أصابعه حول أصابعها. كانوا يتشبثون ببعضهم البعضا، ليس لأنهم بخير، ولكن لأنهم لو تركوا بعضهم، سينهارون، سيسقطون، ولن ينهضوا مرة أخرى.
كان يعرف أن ماسة تمر بلحظة قاسية، وأن قلبها يصرخ ويبكي هو الاخر يشعر بذلك الالم ..
ف ألم الذي يعتصر قلبهما لا يُوصف، لكنه لم يكن يعلم أن وجعه سيكون بهذا العمق.
كان السؤال يضغط على قلبهما: كيف سيكملون حياتهم من دون نالا، حتى وإن كانوا لا يزالون يعيشون في نفس القصر، في نفس المكان؟ لكن الفارق بين الوضع السابق والوضع الحالي أصبح واضحًا. لا شيء سيكون كما كان من قبل. ستظل نالا معهم، لكن هناك شيء مفقود، شيء لا يمكن تعويضه. هي الآن ابنة هبة، ولها حقوق ومكانة لا يمكن تغييرها. لن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، مهما حاولوا التكيف مع الواقع الجديد. هم الآن مضطرون للعيش مع هذا الوضع، ومتابعة حياتهم رغم كل ما تغير.
وما لم يدركاه بعد، أن هذا لم يكن سوى بداية الألم
بعد الانتهاء من الترحيب جلس الجميع في الصالون مع هبة التي تحمل ابنتها، بينما يجلس بجانبها ياسين واضعًا ذراعه حول ظهرها.. سليم وماسة كانا يجلسان بجانب بعضهما، يحاولان إخفاء حزنهما.
فريدة: ياسين كان هيتجنن عليكِ، ما كانش بياكل ولا بيشرب إلا بالعافية.
نظرت هبة لياسين بابتسامة وأمسكت يده، وقالت: ربنا يخليك ليا يا حبيبي، الحمد لله انا رجعتلك خلاص.
أمسك ياسين يديها قام بتقبيلها وهو ينظر في عينيها بحب قائلا: والله العظيم انت نورتي حياتي مرة ثانية
فايزة: بس انتِ كده خلاص بقيتي كويسة؟ أنا حاسة إنك لسه تعبانة؟
هبة: يعني شوية.
ماسة بقلق: يعني الدكتور قال إنك ممكن تشيلي بنتك عادي؟ وتختلطي بيها
هبة: أه طبعًا يا ماسة، افتكري أنا ممكن أكون حاسة إني لسه تعبانه أو ممكن أأذيها وأشيلها؟
ماسة: الحمد لله إنك رجعتي بالسلامة يا حبيبتي، وحشتيني جدًا.
نهضت ماسة وجلست بجانب هبة: بجد وحشتيني، حقك عليا لو ماكنتش باجي أزورك، بس انتِ عارفة الظروف.
نظرت هبة لسليم وقالت بابتسامة: إيه ده بجد يا سليم؟ انت لسه…؟
قاطعها سليم تبسم: الحمد لله على سلامتك يا هبة.
بدأت نالا تبكي، حاولت هبة تهدئتها لكنها لم تسكت.
هبة: مالك يا حبيبتي؟ مش عايزة تسكتي ليه؟
ماسة بمزاح: هي بتحب تتشال، للأسف بنتك مدلعة هاتيها كدة.
حاولت ماسة تهدئة نالا، وبمجرد أن حملتها سكتت.
ماسة همست بحنان وهي تهدهد الصغيرة: نالا حبيبتي، ما تخافيش، ماما هنا.
نالا كانت تمسك بثيابها بقوة، كأنها ترفض أن تتركها. في تلك اللحظة، شعرت ماسة بوجع في قلبها… كانت نالا تشعر بها كما تشعر هي بها، فكيف ستعتاد على غيابها؟
هبة مازحة: شوفي بنتك
فريدة: طبيعي، عشان هي شامة ريحة ماسة هتلاقيها فاكره ان ماسة مامتها.
ياسين: على فكرة، كانت معايا كده، أشيلها أنا تفضل تزن، يشيلها سليم تسكت. واضح إنها بتحب سليم أكتر.
سليم كان يراقب المشهد بصمت، عينيه تفضحان مشاعره. لطالما رأى كيف تحولت ماسة إلى أم حقيقية لنالا، كيف صارت تهدئها، تفهمها، وتمنحها الأمان. كان يدرك أن هذا الفراق لن يكون سهلًا… لا عليها، ولا عليه.
صافيناز: طبيعي، عشان ماسة وسليم هما اللي كانو بياخدو بالهم منها. أنا ولادي الاثنين ما يعرفونيش، بيسكتوا مع الناني بتاعتهم.
أعادت ماسة الطفلة لهبة وقالت بابتسامة: سكتت أهو، خدي يا هبة.
ياسين: حبيبتي مش تطلعي الأوضة ترتاحي؟
هبة بامتنا: خلاص، ماشي نتقابل على العشا وميرسي جداً على الاستقبال الجميل ده.
عزت: أكيد كلنا هنتقابل على العشاء. هنجهز عشاء يليق باستقبالك يا هبة، الحمد لله على سلامتك.
نهضت هبة مع ياسين وصعدا إلى الأعلى وهي تحمل ابنتها، بينما كانت عيون ماسة تتابعها. مسح سليم على ظهر ماسة وقال بهدوء: تعال نطلع اوضتنا هزت رأسها بإيجاب وبدأا بالتحرك.
فجأة، لاحظت صافيناز أن سليم يسير بشكل طبيعي على قدمه.
صافيناز تسألت: إيه ده يا سليم؟ ما شاء الله! الزكة اللي كانت في رجلك راحت؟ رجلك رجعت زي زمان.
سليم: الحمد لله.
رشدي بسماجة: وبكدة نقدر نقول إن سليم رجع! أهلاً بيك أيها الأمير المنتظر لعائلة الراوي.
نظر له سليم بطرف عينه بابتسامة باردة وتوجه هو وماسة الى الدرج.
جناح سليم وماسة
دخلت ماسة وسليم إلى جناحهما، كانت ماسة تبدو عليها علامات الحزن. توقفت في منتصف الغرفة واستدارت إليه، قائلة بنبرة متألمة، وعيناها تنساب منها الدموع:
قلبي موجوع أوي يا سليم. ما كنتش متوقعة إنه هيوجعني كده. يا ريتني سمعت كلامك. مش هنكر إني استمتعت وفرحت جدًا بالفترة اللي قضتها معايا، وأنها خرجتني من الوجع الكبير إللي كان ساكن جوايا، واللي كنت بحاول أخبيه وأهرب منه، بس، بس مع وجودها كل حاجة اختلفت، لدرجة إني نسيت كل حاجة وحشة حصلت لنا في الفترة اللي فاتت، بس أول ما خدتها مني، حسيت إن في حاجة جوايا راحت معاها.
أقترب منها سليم وربّت على كتفها بحنان، ثم قال بصوت هادئ، محاولًا تهدئتها: هي مش بعيدة عننا، وهبة أكيد مش هتمنعها عنك، خصوصًا في الفترة الأولى دي، لأنها متعودة عليك و…
قاطعته ماسة وهي تهز رأسها بالرفض عدة مرات، الدموع تتساقط على وجنتيها، وصوتها متقطع ومهتز: لا يا سليم، وحياتي عندك ساعدني أبعد، ساعدني أنسى، أنت ماتعرفش أنا حاسة بإيه جوايا دلوقت، إحساس مالوش وصف، عايزة أتعوّد إن هي تبقى زيها زي أولاد إخواتك، عادي يعني، أشوفهم بالصدفة وما يبقاش فيه تعامل ..
مدت يدها وأمسكت يده برجاء، نظراتها تتشبث به كأنها تبحث عن طوق نجاة: ساعدني، إحنا لازم نساعد بعض عشان ننسى.
هزّ سليم رأسه إيجابًا، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه ثابت: حاضر يا ماسة. صدقيني اللي إنتِ حاسّة بيه أنا كمان حاسس بيه، بس بحاول ما أظهرش، بحاول أكون قوي.
نظرت له ماسة بضعف، عيناها تائهة تبحث عن الأمان الذي اعتادت عليه. ثم ألقت نفسها بين أحضانه، تشبثت به كأنها تخشى أن تفلت من بين يديها آخر خيط من الطمأنينة. ربت سليم على ظهرها بحنان، أغمض عينيه للحظات، وكأن صمت اللحظة هو الوحيد القادر على استيعاب وجعهما المشترك.
فيلا عائلة ماسة الواحدة مساءً
نرى سلوى تجلس على الفراش، ويبدو عليها أنها استيقظت للتو. رن هاتفها، وكان المتصل صالح.
صالح بابتسامة خفيفة على وجهه: عاملة إيه؟ فينك؟
بدت سلوى متعبة وفركت عينيها: أنا هنا، لسه صاحية، هلبس وأروح عند ماسة شوية. هبات معاها يومين، البيت كله مسافر، وماسة زهقانة، فقررت أقعد معاها يومين.
صالح بابتسامة واثقة: طيب
سلوى تتثاءب: تمام.طب بقولك إيه، أنا هاخد شاور كده، وأكلمك قبل ما أمشي.
صالح: تمام.
أغلقت سلوى هاتفها و وضعته على الفراش تنهدت ثم نهضت وتوجهت إلى الحمام. بعد قليل، خرجت وقد أخذت حمامها، وبدأت في تجهيز بعض الملابس والمتعلقات التي ستحتاجها عند ماسة. فجأة، رن هاتفها مرة أخرى. كان صالح.
التقطت سلوى الهاتف بسرعة: ألو.
صالح بصوت مليء بالمرح: أنا تحت، انزلي افتحيلي.
سلوى مندهشة، عيناها تتسعان: إيه ده بجد؟
صالح مبتهج، يبتسم ابتسامة عريضة: أه، بجد. مش قلتي نفسك أعمل لك مفاجأة رومانسية؟ اديني جيت لك، قلت أقعد معاكي شوية قبل ما أروح الصيدلية.
ابتسمت سلوى بخجل: طيب، أنا نازلة.
قصر الراوي
في مكتب سليم
كان سليم يجلس مع مكي يتبادلان الحديث عن العمل.
اقتربت ماسة من سليم وهي تقول: كراميل ممكن تطلب لي البيتزا والفراخ اللي أنت طلبتها لي قبل كده وعجبتني أنا وسوسكا عشان قالت لي خلاص هتلبس وتيجي.
سليم: حاضر.
اتسعت عينا مكي قليلاً: هي سلوى جاية؟
ماسة بابتسامة هادئة: أه، سلوى جاية، وهتبات معانا يومين عشان ماما مسافرة.
فكر مكي للحظة: طب ما أروح أنا أجيبها.
ضحك سليم: روح جيبها، يا رومانسي.
ماسة بتعبير جاد: على فكرة، هي مش مرتاحة خالص مع صالح، يعني حاول تستغل الظرف.
مكي بحذر: على فكرة، أنا قلت لها الولد ده مش كويس، حاسس إنه في حاجة مش كويسة.
ماسة بتعبير حازم: بص إنت ممكن يكون حكمك مش حقيقي عشان إنت بتحبها واحنا بندي له فرصة،
مكي: جايز، عموما أنا همشي.
خرج مكي وجلست ماسة مكانه نظرت لسليم: على فكرة أنا عندي احساس بيقول لي أن موضوع صالح وسلوى ده هيتفشكل وخلال شهرين كده هنعمل خطوبة حلوة بين مكي وسلوى.
سليم: اأنا كمان حاسس بكده بس مش لدرجة شهرين يعني بس بعد فترة قريبة.
ماسة: طب يلا أطلب.
فيلا عائلة ماسة الثانية مساءً.
في الحديقة
سلوى تجلس مع صالح في الحديقة ويتبادلان الأحاديث.
صالح بابتسامة غامضة: ايه رأيك في المفاجأة الحلوة؟
فكرت سلوى ثم ابتسمت: أه، طبعاً، مفاجأة حلوة جداً.
صالح بلهجة مازحة: ماتيجي ندخل نقعد جوه؟
سلوى بابتسامة ساخرة وعينان تحدقان فيه: ندخل نقعد جوه؟ أنت عبيط؟ لا طبعاً، أنا أصلاً مش عارفة عملته ده غلط ولا صح؟! أمي أكيد هتعمل معايا عشان سبتك تقعد معايا هنا وهما مش موجودين.
ضحك صالح بشكل غير مريح:؟ الحراس حوالينا. لو فكرت أحط إيدي عليكي، هيموتوني
ضحكت سلوى: هو مبدأ إنك تيجي هنا وهم مش موجودين غلط بس مش متأكدة يعني مش عارفه.
صالح بتعبير جاد: انت مش غلط ولا حاجة، لأننا قاعدين في الجنينة أهو كاننا في جنينه عليا يعني، بقولك ايه مش هتعملي حاجة نشربها؟ هم فين الخادمين؟!
سلوى بابتسامة: أصل، إحنا بندي الخدامين إجازه لما بنسافر، هقوم أعمل لك حاجة.
وأثناء حديثهما، دخل مكي.
مكي بوجه جاد: مساء الخير، سلوى.
سلوى مستغربة: مساء النور، في حاجة؟
مكي بنظرة جادة: قالوا لي إنك هتروحي عند ماسة، جيت آخدك عشان عم أشرف إجازة.
سلوى بابتسامة:صح، بس معلش هقعد شوية مع صالح وبعدين نمشي.
نظر لها مكي بنظرة تعني إيه اللي جايبه هنا؟ لكنها لم تظهر أي اهتمام، ثم قالت
سلوى: تشرب إيه يا صالح؟
صالح بابتسامة مغرية: أي حاجة من إيدك حلوة زيك.
نظر مكي بغضب وغيرة، ثم تحرك مبتعدًا.
ثم دخلت سلوى الى المطبخ بعد قليل أخذ صالح ينظر من حوله كان يتأكد اذا كان يوجد أحد منتبه له من الحراس ثم نهض وتوجه نحو مبنى الفيلا خلفها..
داخل الفيلا
دخلت صالح إلى المطبخ حيث كانت سلوى تُعد عصيرًا.
سلوى مندهشة ووجهها ممتقع قليلاً: إيه اللي دخلك هنا؟
صالح بابتسامة ماكرة: قولت اجاي أساعدك.
سلوى بغضب وتعابير وجهها صارمة: لا، مش هينفع. اطلع بره دلوقتي.
صالح ينظر لها بنظرات شهوانية لحد ما: ليه؟ خايفة مني؟
سلوى بحزم: أنا مش خايفة، بس اطلع بره!
ابتسم صالح وهو يقترب منها: إيه المشكلة؟ لما نقعد مع بعض شوية لوحدنا.
نظرت سلوى إليه بعينين غاضبتين، وتراجعت للخلف: قولت مش هينفع، اطلع بره. بجد ماضيقنيش.
صالح بابتسامة ساخرة: أنا حبيبك وخطيبك، اللي هبقى جوزك. إيه المشكلة لما آخد بوسة؟ أو نقعد هنا لوحدنا.
مدَّ يديه بنظرات مليئة بالرغبة المريضة، حاول سحبها نحوه، لكنها دفعته بقوة وهي تنظر له باشمئزاز وغضب.
صاحت سلوى به بغضب: انت فعلاً واحد حقير! وأنا فعلاً غلطانة إني وثقت فيك. إنت إنسان قذر!
ثم قامت بخلع الدبلة ورمتها في وجهه: اطلع بره! أقسم بالله لو ناديت على الحرس، مش عارفة ممكن يعملوا فيك إيه!.
ظل صالح واقفًا، غير مبالٍ، وهو يبتسم بابتسامة باردة: أنا مش فاهم ليه كل اللي بتعمليه ده؟إحنا مخطوبين والحاجات دي بتحصل بين المخطوبين، عادي.
حاول صالح الاقتراب منها مرة أخرى رغمًا عنها، لكن في تلك اللحظة أمسكت سلوى بسكينة وبدأت تلوح بها أمامه، متوعدة إياه بتهديد واضح:
لو قربت مني هقتلك.
صالح، بدون أدنى اكتراث، ابتسم بخبث وقال:
أول ما أعرف إنك شرسة كده يا سلوى، أنا بموت في الشراسة
اقترب منها أكثر، والسكين مصوبة نحوه، لكنه لم يتوقف. نظراته كانت مليئة بالتحدي واللامبالاة، وكأنه يستمتع بالغضب الذي يشتعل في عينيها. أنفاسها احتدت، ويداها ارتجفت للحظة، لكنها تماسكت… قبضت على السكين بقوة، وبغرائز مشتعلة، دفعها الغضب لتغرسها فيه!
شهقة حادة انفلتت من شفتيها، وعيناها توسعتا برعب، كأنها لم تصدق ما فعلته… أصابعها تقبض على المقبض، تشعر بنبضه يتلاشى تحت يدها. الهواء صار ثقيلًا، والدنيا من حولها تلاشت، لم يبقَ سوى السكين المغروسة… والكارثة
تفتكروا ايه اللي حصل صالح مات؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)