روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل السادس والستون 66 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل السادس والستون 66 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الجزء السادس والستون

رواية الماسة المكسورة البارت السادس والستون

رواية الماسة المكسورة الحلقة السادسة والستون

[بعنوان: ماقبل النهاية]
فُتح الباب ببطء… ظهر سليم؟!
وقف عند العتبة، حاجباه معقودان قليلًا وعيناه تضيقان بتعجب وهو يتأمل رشدي الواقف أمامه. استغرق الأمر لحظة ليستوعب الأمر، فهو لم يكن يتوقع هذه الزيارة الغريبة، فالعلاقة بينهما في الفترة الأخيرة تدهورت بشدة كما نعلم، فما الذي جاء برشدي إلى هنا الآن؟
سليم متعجباً: رشدي؟
تجمد رشدي في مكانه للحظة، نظراته مضطربة، وكأن الكلمات تخونه. كان صعبًا عليه أن ينطق بما جاء من أجله، لكن لماذا اختار سليم؟ هل لأنه الوحيد القادر على إخراجه من هذه الورطة، أم أن هناك سببًا آخر؟
ابتلع ريقه بصعوبة، ثم قال بصوت منخفض يحمل توترًا مكبوتًا: أنا واقع في مصيبة ومحتاجلك.
مال سليم برأسه قليلاً قال متعجباً: مصيبة إيه؟
تلفّت رشدي حوله في قلق، خفض صوته وكأنه يخشى أن يسمعه أحد: مش هاينفع هنا.
حدّق سليم في رشدي نظرة طويلة، عيناه ثابتتان وكأنهما تحاولان اختراقه لمعرفة ما يخفيه. مرر إصبعه ببطء أسفل شفتيه السفلى بتفكير، ثم تنهد بصوت خافت دون أن يعلّق.
ألقى نظرة سريعة إلى الداخل، قبل أن يدير رأسه قليلًا وينادي بصوت هادئ لكنه حاسم: عشقي، أنا هنزل تحت شوية وجاي.
لم ينتظر ردًا، بل تحرك مباشرة، يسير بخطوات ثابتة نحو الأسفل حيث الحديقة، ورشدي يلاحقه كمن يسير نحو حتفه.
في الحديقة
توقف رشدي متوترًا، يداه تتشابكان بعصبية، بينما سليم ظل صامتًا أمامه، يمنحه المساحة للحديث لكنه لم يكن صبورًا. رفع ذقنه قليلاً، وعيناه المتحفزة تطالعه بحدة: اتكلم، نيلت إيه المرة دي؟
أخذ رشدي نفسًا عميقًا قبل أن ينطق بالكلمات التي كانت تحرق حلقه: قتلتها.
اتسعت عينا سليم في صدمة للحظة قال:
قتلت مين؟
ابتلع رشدي ريقه بصعوبة، وتردد قبل أن ينطق:
نيللي… البنت إللي كنت مرافقها الفترة دي.
سليم بحدة: قتلتها ليه؟!
أكمل رشدي بسرعة وكأنه يحاول تبرير فعلته قبل أن ينفجر سليم فيه: ماكانش قصدي! عرفت إنها كانت مزقوقة عليا… حد بعتهالي عشان أتعلم الإدمان، وأنا… أنا كنت بضربها، راسها اتخبطت جامد وماتت قضاء وقدر.
أنفجر صوت سليم كالرعد: إنت إزاي تعمل كده؟ إنت مش ناوي تعقل بقى؟
أمسك رأسه للحظة، زفر بغضب وهو يهز رأسه، وكأنه لا يصدق حجم الكارثة التي أوقع رشدي نفسه فيها هذه المرة. قبض على كفه لكي لا يقوم بقتل رشدي، ثم اقترب منه وهو يتحدث من بين أسنانه:
لحد إمتى هاتفضل تحط نفسك في مصايب؟ مش ناوي تبطل خلاص بقى إدمان عندك كل فترة تدخل نفسك في مصيبة وتيجي تعيط عشان نلحقك؟!
رشدي موضحاً: بقولك غصب عني، ماكنتش قاصد!
سليم بتهكم: وجايلي أنا ليه؟ ها؟ مروحتش اترميت في حضن أختك وجوزها ليه؟ مابتفتكرش إننا إخوات غير لما توقع نفسك في مصيبة وسليم يلم وراك بلاويك؟
رشدي محاولا الدفاع عن نفسه: قولتلك مكنتش أقصد، بعدين كلمت إسماعيل يخلص الموضوع، بس قلت لازم تعرف.
سليم بمقاطعة: بتسبق يعني؟
رشدي بإرتباك: مش كده…
نظر له سليم بنظرة قاتلة، اقترب منه خطوة جعلت رشدي يتراجع تلقائيًا، وصوته خرج منخفضًا لكن يحمل تهديدًا واضحًا: الباشا لازم يعرف؟
تلعثم رشدي، لكنه قال سريعًا: لا، الباشا مش لازم يعرف، أنا…
قاطعه سليم بحدة: لا، هيعرف يا رشدي ؟ لإني مش هادخل نفسي في مصايبك، وبعدين إنت ندل وماتستهلش يا رشدي إني أقف جنبك.
رشدي بصوت متوتر: يعني اخترتك دونًا عنهم كلهم…و
قاطعه سليم بسخرية باردة: اخترتني علشان مصلحتك، مش علشان أنا سليم أخوك. أوعى تلعب عليا، وبعدين بلاش الجو ده، علشان ستاتي أوي عيب.
تجمد رشدي مكانه، وعيناه امتلأتا بالرعب، بينما سليم استدار فجأة، متجهًا إلى الداخل بخطوات حازمة.
دخل سليم إلى القصر، وقف في الممر المظلم، أخرج هاتفه واتصل بعزت، صوته خرج هادئًا لكنه يحمل نبرة صارمة: باشا، ممكن تنزل تحت في المكتب شوية؟ عايزك ضروري.
لم ينتظر ردًا، أغلق الهاتف تحرك توجهه لمكتب عزت،
ورشدي خلفه
مكتب عزت.
جلسا سليم ورشدي على مقاعد الأمامية للمكتب امام بعضهما.
هز رشدي رأسه بسخرية، عيناه تلمعان بخبث وهو يقول بنبرة من يصطاد في الماء العكر:
شوفت… أهو بمدّ إيد الأخوّة وبصلح إللي بينا، وأمنتك على سرّي، أديك خنتني!
لم يرمش سليم حتى، فقط رفع حاجبه بضجر ورد ببرود: مش هقول لك تاني، بلاش الطريقة دي عيب، أنا فاهمك، وأوعى تلعب معايا يا رشدي. إنت عارف كويس إني مستحيل أقف جنبك في مصايب من النوع ده… كنت عملتها زمان، أكيد مش هعملها دلوقتي.
قبل أن يرد رشدي، فُتح الباب، ودخل عزت بخطوات واثقة، خلفه فايزة التي كانت تنظر حولها بإستغراب، وكأنها شعرت أن هناك شيئًا كبيرًا يحدث.
لم يجلس عزت بل وقف عند مكتبه، نظر إلى سليم نظرة طويلة قبل أن يقول بتهكم: خير؟
سليم بسخرية، لكن صوته كان باردًا وهو يشير بيده: أهو جه إللي بيلم وراك كل قذارتك، من أول ما اغتصبت الشغالة لحد قتل نيللي.
انكمش رشدي قليلًا لكنه حاول الحفاظ على تماسكه، بينما عقد عزت حاجبيه بتعجب متسائلاً: فيه إيه؟!
لم يغير سليم تعبيره، فقط رفع ذقنه قليلًا وقال بهدوء: مافيش… ابنك الهمام قتل واحدة.
شهقت فايزة بصوت مكتوم: إيه؟!
تجمد عزت في مكانه، وكأنه لا يصدق ماسمعه:
إنت بتقول إيه يا سليم؟
سليم بنفس البرود: إللي سمعته
بلع رشدي ريقه، شعر بتوتر لكنه أجبر نفسه على التحدث: ماكنتش أقصد… كنت بضربها، ماتت. عرفت إن حد زقها عليّا علشان يعلّمني الإدمان، ومن غضبي… خبطتها، ماتت، إسماعيل جه قالي هيخلص كل حاجة.
اتسعت عينا فايزة بذهول، تساءلت بحدة: ومين
إللي زقها عليك؟
تهرّب رشدي، بنظره بعيدًا وكأنه يبحث عن إجابة:
مالحقتش أعرف.
أبتسم سليم بسخرية، لكن عيونه كانت باردة، مليئة بالاحتقار: والله برافو! أنا فخور بيك؟! حتى في دي فشلت فيها… أمال عامل فيها راجل مافيا وصايع وجامد،! وماعرفتش حتى المعلومة إللي كان لازم نعرفها.
جلس عزت أخيرًا جانب سليم، مسح على وجهه بيد غاضبة، زفر بحدة وهو يقول بنبرة مشحونة بالغضب والكبت:
يعني ياريت حتى قتلتها وعرفت منها مين إللي وراها… لا، قتلتها وخلاص!
نظرت فايزة بينهم بذهول، بنبرة حادة تساءلت: إنتم بتتكلموا في إيه هو ده وقته؟! لازم نحل الأول الكارثة دي، وبعدين نشوف مين إللي وراها دي مصيبة.
تنهّد عزت بشك: ممكن يكونوا نفس الناس إللي عملوا حادثة سليم!
هز سليم رأسه وهو يمد وجهه برفض: تؤ مش حاسس، بس خلينا ندور… طبعاً رشدي مش هايتعاقب وهاتغطوا وراه كالعادة.
نظر له رشدي قال متعجباً بنبرة ساخرة: إنت عايزني اتسجن ولا إيه؟
قهقه سليم بسخرية، بصوت مشحون بالتهكم:
لا أكيد، بس مش علشانك، مع إنك تستاهل والله… بس علشان اسم العيلة! مضطرين نغطي ورا أفعالك القذرة بس يعني لازم يكون فيه عقاب صح يا باشا ولا هاتعديها زي إللي عدو؟
عزت بقوة: طبعاً لازم يتعاقب بس نخلص من الموضوع ده الأول.
ضحك رشدي بتهكم: هقولكم فكرة ايه رأيكم؟! تسحبوا مني الموبايل؟ وتمنعوني من المصروف؟ وتحبسوني في الأوضة الضلمة بتاعت الفيران؟ إيه رأيكم؟
عزت لم يتردد لحظة، رفع يده وصفعه بقوة جعلت رأسه تلتف للجنب، ثم قال بصوت منخفض لكنه نافذ: مش عايز أسمع حسّك يا رشدي.
مسح رشدي خده، وأطبق أسنانه بقوة، عاجزًا عن الرد. لم يكن يستطيع التفوه بأي كلمة، فقد وجد نفسه في موقف لا يسمح له إلا بالصمت.
جلست فايزة وهي تحاول استيعاب الأمر، قبل أن تلتفت إلى رشدي وتسأله بجدية: ويا ترى بقى… نجحت في إنها تخليك تدمن؟
تظاهر رشدي باللامبالاة، لكنه لم يستطع إخفاء التوتر في صوته وهو يرد: لا طبعًا.
عزت بأمر: كلم إسماعيل، خليه يجيلي حالًا.
هزّ رشدي رأسه بإيجاب، بينما سليم توقف وقال بنبرة قاطعة: باشا، أنا ماليش علاقة ولا هلم ورا قذرات إبنك. الحاجة الوحيدة إللي تهمّني إن إللي عمل كده مايكونش نفس إللي دبر الحادثة، رغم إن دي فكرة مستبعدة، وأنا متأكد إن إللي عمل كده حد بينتقم منه، ما إنت سوابقك كتير يا رشدي.
نظرت فايزة لسليم: بس أي حد رشدي عمل معاه مشكلة كبيرة عوضناه علشان نسكته.
سليم بحكمة: مش كل حاجة بتتداوى بالفلوس يا هانم. رشدي ظلم كتير، وإللي ظلمهم كانو غلابة والمظلوم يا هانم، بيعوّر… مابيقتلش، علشان الألم يفضل مصاحب الظالم للأبد.
توقف للحظات قبل أن يكمل بنبرة أخيرة قبل خروجه: دوّر يا باشا، ورا إللي رشدي عمل معاهم مشاكل… هايطلع حد منهم أنا برده هدور عشان أطمن تبع الحادثة ولا لا.
خرج سليم، بينما كانت منى تسمع كل شيء من خلف الباب، قلبها كان يخفق بجنون، وخوفها زاد أكثر عندما رأت رشدي يخرج هاتفه ويتصل بإسماعيل، قائلاً بصوت منخفض: تعالى بسرعة، الباشا عرف.
شعرت منى أن الوقت ينفد، وضعت يدها على فمها حتى لا يصدر عنها أي صوت، ثم استدارت بسرعة، وهرولت بعيدًا قبل أن يراها أحد.لاتعلم أن هناك من رآها وأختفى بسرعة.
نظر عزت لرشدي بهدوء، تأمل ملامحه للحظات قبل أن يقول بصوت ثابت: بالراحة كده… أحكي لي كل حاجة بالتفصيل. عرفتها إزاي ومن إمتى؟ وإيه إللي حصل بالضبط؟ يلا، أنا سامعك.
رشدي ابتلع ريقه، شعر بثقل نظرات عزت لكنه حاول أن يحافظ على هدوئه قبل أن يبدأ في الكلام.
💞________________بقلمي_ليلةعادل •⁠‿⁠•
في جناح سليم وماسة
تجلس ماسة على الفراش، متكئة على الوسادة، عيناها معلقتان بالشاشة أمامها، غارقة في متابعة المشهد. انفتح الباب بهدوء، ودخل سليم دون أن يتكلم، ألقى نظرة سريعة عليها قبل أن يجلس بجوارها نصف جلسة.
لم تلتفت إليه فورًا، أكملت المشهد ثم حولت نظرها إليه بعد لحظات: رشدي كان عايزك في إيه؟
سليم باقتضاب دون تغيير ملامحه: عنده مشكلة.
هزّت ماسة رأسها بالإيجاب: تمام.
لم تستطرد في الأسئلة، لم تكن في مزاج يسمح لها بمناقشات لا طائل منها، خيَّم الصمت بينهما، ولم يقطعه سوى صوت التلفزيون. بعد لحظات، رن هاتفها، أجابت سريعًا بصوت طبيعي وهادئ:
ـ الو… يا حبي، تمام الحمد لله، وإنتِ؟ … خلاص، ماشي، هجيبها لك معايا إن شاء الله.. لا مافيش حاجة يا حبيبتي.. باي.
أنهت المكالمة، فالتفت إليها سليم متسائلًا: مين؟
ماسة بهدوء: واحدة زميلتي، عايزة آخر محاضرة.
لم يعلِّق، فقط حول بصره للأمام، ثم عاد ينظر إليها وكأنه يفكر في شيء قبل أن ينطق أخيرًا بنبرة هادئة: ماسة، مش هاينفع تروحي الجامعة الفترة دي.
رفعت ماسة حاجبيها، معتدلة في جلستها: ليه بقى ايه حصل؟!
رفع سليم كفه يطلب منها الهدوء: ماتتعصبيش.
ضغطت ماسة على أسنانها وهي تتكلم من بينهما: أنا بحاول ماتعصبش.
استرسل سليم بهدوء: فيه مشكلة كبيرة مع رشدي، محتاجين نخلص منها الأول، وبعدها تروحي الجامعة.
شهقت ماسة بحدة، أنفاسها تسارعت وهي تنظر إليه بذهول: وأنا مالي برشدي ومشاكل أخوك المريض ده؟!
نظر إليها سليم بثبات، رده جاء بنفس هدوئه المعتاد:
أسمعي الكلام، كم يوم أو أسبوع بالكتير.
شعرت ماسة بالنار تشتعل في صدرها، قبضت يديها بقوة حتى تلاشت الدماء من مفاصلها. نظراتها نحوه كانت مشتعلة، وصدرها يعلو ويهبط من قوة الغضب وكأنها تحاول استيعاب كلماته. العاصفة بداخلها كانت على وشك الانفجار، فهي أصبحت لا تطيق تلك الأوامر وذلك للأسلوب ، وكأنما حياتها وحريتها أصبحت مرهونة على المشاكل التي تحدث حولها.
راقبها سليم بهدوء، يحاول تهدئتها وهو يشير بأصابعه: أهدي، خدي نفسك بالراحة، ماتتعصبيش كده مش مستاهلة.
قهقهت ماسة بسخرية مريرة: مش مستاهلة؟ أنا بجد تعبت و زهقت!
نظر إليها بثبات، لكنها لم تعد قادرة على كبح مشاعرها أكثر أضافت: وبعد الأسبوع؟ لو ماوصلتش لحل لمشكلته؟ هفضل محبوسة طبعًا؟
هز سليم رأسه نافيًا: لا.
نظرت إليه ماسة بعدم تصديق: قول والله؟
سليم بحسم: قولتلك أسبوع وخلاص،مش مستاهلة، كل العصبية إللي إنتي فيها دي.
حدقت فيه بمرارة، عيناها تحملان ضيقًا وإحساسا ثقيلا بالإنهاك، مسحت وجهها، ثم نطقت بصوت مخنوق: أنا عايزة أفهم… لحد إمتى هفضل في الوضع ده؟ كل ماتحصل مصيبة لحد من أهلك، أتحبس؟! أنا مالي؟
سليم متعجباً: فين إللي كل مرة دي؟! دي أول مرة أطلب منك طلب زي ده؟!
صمتت ماسة لوهلة، أضافت وتساءلت بهدوء ممزوج بمرارة: هو…هو إحنا ليه مابنتطلقش لحد ماتحل مشاكلك؟
وتوصل للعصابة إللي دمرت حياتنا وبسببها بقيت عايشة زي المساجين.
توقف سليم، وزفر بغضب معطي ظهره لها بنفاذ صبر: يوووه، مش هانخلص بقيتي بتعشقي النكد؟
نظر لها وتابع بعتاب ممزوج بحزن بنبرة مبحوحه:
كلمة الطلاق بقت بتتردد كتير على لسانك يا ماسة بقت سهلة.
نظرت له ماسة بمرارة ودموع بقهر: أعمل إيه من غلبي حسيت إن ده الحل اوعي تكون فاكرها حلوه دي مرة، مرة على قلبي قبل حلقي، وبتحرق روحي بس اعمل إيه.
إلتفت سليم إليها بجسده قال بنبرة ثقيلة موجعة:
للدرجة دي فراقنا بالنسبالك سهل؟!
نظرت إليه ماسة بهدوء قاتل، نبرتها متماسكة لكنها تحمل الكثير: لا مش سهل أبداً، ولا أنا بعشق النكد يا سليم، ولا حتى هقدر ابعد عنك، بس زهقت من الوضع ده، أنا بدفع ثمن أخطاء ماليش أي علاقة بيها مش عارفه لحد امتى هفضل ادفعها.
عقد سليم بين حاجبيه، ضيَّق عينيه بإستغراب، مال نحوها قليلًا متسائلًا بتلعثم: تقصدي إيه؟
نظرت ماسة إليه مباشرة، كلماتها خرجت كصفعة قاتلة لكن ببحه: يعني بدفع ثمن أخطاء ناس تانية! الحادثة إللي حصلت لي…مش أنا إللي كنت مقصودة بيها، لكن أنا إللي دفعت الثمن، وبنتي كمان. حتى دلوقتي، رشدي غلط، وأنا إللي بدفع! ولو قلبنا الدفاتر، هلاقيني دفعت الثمن أكتر من مرة، من وقت خطفي زمان وأنا يدوب ١٦سنة، وأنا بدفع ثمن أخطاء غيري!
ساد الصمت بينهما..ظل سليم يحدّق فيها بصمت، مذهولًا من وقع كلماتها عليه. لم يتخيّل يومًا أنها تخفي كل هذا الألم داخلها، أو أنها ستفاجئه به هكذا، دفعة واحدة في يوم من الأيام.
كان يعلم في قرارة نفسه أنها على حق، لكنه لم يكن مستعدًا للاعتراف… لا أمامها، ولا حتى بينه وبين نفسه.
ظل سليم ينظر لها بصمت لحظات مرت كدهر ليست
من كلمات فقط بل مجموعة من المشاعر المتداخلة اقتحمت قلبه وعقله تخنق نياط قلبه.
فجأة زفر بضيق، وأشاح بوجهه جانبًا، كأنّه يهرب من نظراتها التي اخترقت صمته، وقال بصوت منخفض حاول أن يخفي ارتجافه.. قرر إنهاء الحديث قبل أن ينهشه أكثر.
سليم بنبرة حاسمة لا تحتمل مناقشة: أنا قلت إللي عندي، أسبوع من النهاردة، وبعدها يبقى لنا كلام.
تحرك نحو الباب، لكنه توقف عند سماع صوتها، هادئًا لكنه محمل بالكثير:
ماسة: أسبوع، يا سليم. أسبوع بس. بعد كده، مستحيل أقبل، وهيكون لنا كلام تاني أنا مش هفضل ماسة إللي بتقول حاضر ونعم طول عمري.
نظر إليها وهو يضيّق عينيه، مستشعرًا تهديدها الضمني.
تبسمت ماسة، لكن الابتسامة لم تصل إلى عينيها، ردت على نظراته بهدوء: مش بهدد… لا.. أنا سايبالك الطلعة دي إنت ممتاز فيها.
نظر إليها طويلًا بصمت، ولم يجد ما يقوله.
ثم استدار وخرج دون كلمة، مغلقًا الباب خلفه.
اشتعل الغضب بداخله، لكن ما شعر به لم يكن غضبًا فقط…بل وجع، وندم،وعجز عن المواجهة
أما ماسة قبضت الوسادة بقوة، ثم صرخت فيها بكل ما أوتيت من ألم، وجهها محتقن، وأنفاسها غاضبة..
أما سليم، فدخل غرفته القديمة وهو في قمة غضبه، أغلق الباب بعنف، وكأنه يريد أن يغلق كل شيء خلفه. أغمض عينيه وأخذ نفسًا عميقًا، محاولًا أن يهدئ نفسه، لكن صوتها ظل يرن في رأسه.
“أنا بدفع ثمن أخطاء غيري.”
تردد صداها داخله، كأنه يُجبر على سماعه مرة بعد مرة.
فتح عينيه وحدق في المرآة الطويلة أمامه، كان انعكاسه واضحًا، وجهه متجهما، عيناه مليئتان بالصراع. للحظة، تذكر كل شيء. كل قرار، كل خطوة، كل مرة ظن فيها أنه يحميها بينما كان يدفعها أكثر نحو الهاوية. لكنه رفض التصديق، رفض الاعتراف بأنها كانت محقة. كيف يمكن أن تكون محقة؟ كيف يمكن أن يكون هو السبب؟
شعر بالغضب يتصاعد داخله كحمم بركانية، قبض على أول شيء وقع عليه بصره، إطار صورة قديم وقذفه بقوة باتجاه المرآة.
تحطم الزجاج بانفجار مدوٍ، شظاياه تناثرت في كل مكان، وانعكاسه تفتت أمامه. ظل واقفًا يحدق في القطع المحطمة، أنفاسه متسارعة، قلبه ينبض بجنون. رأى بقايا صورته، أجزاء متناثرة من وجهه، من جسده، من يديه… كأنه لم يعد شخصًا كاملًا، كأنه تصدع كما تصدعت المرآة.
اقترب ببطء، عينيه معلقتان بالشظايا، وانحنى قليلًا. رأى انعكاسه في إحدى القطع، لكنها لم تعد تعكسه كما كان. وجهه مشوه، مكسور، كأنها تخبره بالحقيقة التي يحاول إنكارها.
مد يده لا إراديًا ليلمس إحدى القطع، لكن فور أن لامست أطراف أصابعه الحادة منها، شعر بوخزة حادة وسال الدم. حدق في الدم المتسرب من إصبعه، ثم ابتسم بسخرية مريرة.
كان جرحًا بسيطًا، لكن ألمه كان أعمق بكثير.
فيلا عائلة منى التاسعة مساءً
نرى منى جالسة على طرف الأريكة، يداها متشابكتان، نظراتها شاردة، وكأنها تحاول الهروب مما يحدث. رفعت يسير في الغرفة بخطوات عنيفة، بينما حسام يقف عند النافذة، ذراعيه معقودتان، يحاول استيعاب ما سمعه للتو.
نظر لها رفعت بغضب وعروقه منتفخة: إزاي تعملي حاجة زي دي؟ إنتِ اتجننتي رسمي؟
حسام استدار قال بحدة: وجاية تحكي لنا دلوقتي ليه ها؟ مطلوب مننا نشيل وراكي للمرة المليون؟ ليه عملتِ كده في رشدي؟ إيه إللي عمله يخليكِ تنتقمي بالشكل ده؟
منى ضغطت يديها بقوة على ركبتيها، تحاول السيطرة على ارتجاف أصابعها: لإنه بيهددني بولادي.
توقف رفعت عن السير، ألتفت إليها بصدمة قال بحدة: بيهددك بإيه؟ وليه أصلًا؟ اتكلمي.
صمتت للحظة بتردد ابتلعت ريقها يبدو أنها قررت إفشاء الأسباب، زفرت أنفاسها ببطء: لإن أنا ورشدي وفايزة وصافيناز وعماد… إللي دبرنا حادثة سليم.
الصدمة ارتسمت على وجه رفعت، بينما حسام أطلق شتيمة منخفضة، يده قبضت على حافة النافذة.
رفعت رفع يده إلى جبينه كأنه يحاول استيعاب ماقيل لتوه: إنتِ بتقولي إيه؟
منى بتوضيح؛: مش إحنا لوحدنا، في حد دخل في الموضوع، إحنا كنا قاصدين نتخلص من ماسة بس، نخبط العربية وخلاص، ماكناش نعرف إن سليم معاها. العصابة إللي ضربته بالرصاص مش تبعنا، مانعرفش عنهم حاجة. رشدي كل شوية يهددني بأولادي، لإنه خايف من طه، طه ضميره وجعه وعايز يتكلم. وعلشان يسكت طه بيهددنا بولادنا، فكان لازم أتصرف.
رفعت أطلق ضحكة قصيرة ممتلئة باليأس والغضب، نظر إليها كأنها مخلوق لا يفهمه: حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ، غبية، اشتركتِ معاهم من غير ماتفكري؟ إنتِ عارفة لو حد عرف هيحصل ايه؟! وفايزة اتجننت، إزاي تعملي كدة، وإنتي إزاي جتلك الجراءة تخططي لوحدك إفرضي انكشفتي…
قاطعته منى بسرعة كأنها تريد تبديد مخاوفه قبل أن يزداد غضبه: علشان كده بقول لكم، ماحدش لازم يعرف، ساعدوني. الرقم إللي استخدمته مش بتاعي، جايباه من كشك، لو دوروا وراه مش هايوصلوا لحاجة، وكنت بكلمها من أكتر من رقم وكلهم تخلصت منهم. ولو حد شافني مع نيللي قبل كده، عادي، لإنها مشتركة في الجيم إللي إحنا مشتركين فيه، واتكلمت معايا ومع فريدة وصافيناز أكتر من مرة.
رفعت: إحنا لازم نشوف حد عنده مصلحة في التخلص من رشدي، حد ممكن يشيل الجريمة بداله.
منى بشر: بالظبط كده وهو ده إللي فكرت فيه وأنا بصراحة كنت حاطة خطه لو وقعت هشيلها لمين بالضبط علشان كده اخترت المهندس رحيم.
حسام: مين المهندس رحيم ده وإيه علاقته بنيللي.
منى ابتسمت ببرود: رحيم ده، رشدي عاكس خطيبته وحصل بينهم خناقة، رشدي ضربه وعمل له عاهة مستديمة، عزت دفع له مبلغ وعوضه، وشغله في المجموعة، اختياري ليه مش بس علشان كده، كمان لإني شفته قاعد مع نيللي أكتر من مرة. فهمت إنهم أصحاب، بس هي مش عارفة التفاصيل. هي عارفة إن فيه حوار ما بينه وبين رشدي وبس. فاختيار نيللي ماكانش صدفة…
توقفت قليلاً، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم تابعت بحذر: والأهم من ده كله، أنا فاكرة كويس أوي إن سليم كان رافض إللي عزت عمله. الولد كان صعبان على سليم جدًا، لإن رشدي بهدله، وفضل مرازيه شوية، ورشدي ما اتلمش من على الولد ده إلا لما سليم تدخل. فلو قدرنا نقنع الولد ده، نخليه يطلب من سليم الأمان… وأكيد سليم هايديه له. خصوصًا إن سليم مش عايز مشاكل الفترة دي، ولا عزت كمان. فإحنا هانلعب لعبتنا من هنا.
حسام مد وجهه مندهشا: لا يا منى،حقيقي أدهشتيني، قعدتك مع عيلة الراوي الفترة الطويلة دي، واضح إنهم علموكي حاجات كتير وأثروا عليكي.
منى وهي تتحدث بين اسنانها بكراهية: إللي عاشر عيلة زي دي بيتفننوا في تدمير بعض، لازم يتعلم منهم وإلا هايبقى غبي ومصيره الموت زي ماسة، المهم دلوقتي نخلص الموضوع.
حسام: طب لو رفض؟
نظر رفعت بجدية: الفلوس هاتخليه يوافق، بس لازم يكون فيه وسطاء علشان مانظهرش إحنا في الصورة، لإنه لو ظهرنا هيحصل مشاكل مع عزت.
تابع رفعت و نظر نحو منى بقوة : بس أنا مش هدفعلك هاتسحبيهم من فلوسك.
منى: فايزة بتدور ورايا.
رفعت بتحذير: هدفعهم لكِ دلوقت من حسابي، بس ترجعيهم تاني. وأفهمي، دي أول وآخر مرة هلم وراكي. أنا بعمل كده بس علشان ماخسرش عزت، مش ناقص مشاكل معاه. لإن حاجة زي دي مش إنتِ بس إللي هاتدفعي ثمنها، أنا وأخوكي معاكِ.
حسام: طب لازم نتحرك بسرعة تعرف حد يساعدنا.
رفعت بجدية: هو واحد إللي هايخلص الموضوع ده.
حسام نظر لرفعت وكأنه فهم، وقال: صامد الغول.
رفعت: الشمال مابيتحلش إلا بالشمال، بس مش إنت إللي هتكلمه ولا أنا. أنا عارف مين إللي هيكلمه.
قصر الراوي، الحادية عشر مساءً
في مكتب عزت
جلس عزت وفايزة ورشدي مع إسماعيل يتبادلون الحديث، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر.
نظر عزت إلى إسماعيل وقال بحزم: ها يا إسماعيل قول إللي عندك.
إسماعيل نظر إليهم بثقة: أنا بدأت أشتغل على التحريات. نيللي بنت صايعة متعددة العلاقات، أبوها رجل أعمال صغير، وعندها أصحاب كتير، إديني 48 ساعة بالضبط، وأنا هعرف لك مين إللي وراها.
فايزة سألت بحذر: والرقم إللي كان بيكلمها؟
إسماعيل رد بثقة: طبعًا هابحث وراه، لكن موضوع زي ده هياخد شوية وقت، لإني اكتشفت إنهم أرقام مش رقم واحد وكلها مقفولة، والمقفول ده بيرخم شوية.
رشدي: يعني إزاي؟
إسماعيل: ممكن تطلع مجرد أرقام من إللي بتتباع في الأكشاك دي، من غير أسماء والنتيجة دي محتمله لإنه مش هيغامر يجيب رقم باسمه أو باسم حد تبعه.
رشدي: بس ده هايوصلنا على الأقل كانوا بيتكلموا منين، ونراجع الكاميرات في الأوقات دي مثلاً؟
إسماعيل أومأ بتفكير: ممكن، بس هو ممكن يكون بيغير أماكنه وبيتصل من أماكن عامة، مفتوحة. الموضوع مش سهل زي ما أنت فاكر.
رشدي بعصبية: طب والحل مش هانعرف مين إللي وراها؟
إسماعيل أومأ: بص يا رشدي، خليني أفكر. 48 ساعة زي ماقلت. وإللي عملها هجيبه لك هنا.
فايزة بتفكير: هو ممكن يكون إللي عمل كده تبع حادثة سليم؟
إسماعيل هز رأسه برفض: ماعتقدش إللي حصل مع رشدي ده شغل هواه. واضح إن فيه حد بينتقم من رشدي أو بيكرهه، إللي حصل مع سليم حاجه ثانية.
نظر عزت إليهم وقال بحسم: صح، المافيا بتخلص على طول، مالهمش في لعب العيال بس بردو خلينا نشتغل على النقطة دي إحنا منعرفش عدونا علشان نبقى فهمين خططه ..ها عملت إيه في الجثة؟
إسماعيل رد ببساطة: ولا حاجة. هانقفلها أوفر دوز تعاطي. مش هاتتقفل، إلا كده…
وجه نظراته لرشدي قائلا بتنبيه:
خد بالك يارشدي، احتمال يستجوبوك. هاتروح وتقول لهم إنك سايبها صاحية بس معمية، يعني قدامك كانت شربت كمية مخدر وخمرا كبيرة… وإن هي اليوم ده كانت متضايقة بسبب بعد أهلها عنها.. هاتقول إنك كنت معايا بعد ماسبتها. وأنا هظبطها مع الطب الشرعي، وهديك التفاصيل علشان تقولها قدام النيابة.
رشدي بتردد: لازم أروح.
إسماعيل أومأ برأسه بتأكيد: لازم تروح…
نهض من مكانه وقال:
أنا هقوم بقى يا باشا عشان أخلص الشغل.
خرج إسماعيل بعد أن أذن له عزت، ثم نظر عزت إلى رشدي وقال بلهجة حادة: رشدي، من النهاردة مالكش أي صلاحيات في إدارة المجموعة.
ارتسمت على شفتي رشدي نصف ابتسامة ساخرة رد بنبرة هادئة مليئة بالكره: يعني، أنا كان عندي الأول علشان تلغيها…. مافرقتش كتير، مش حتة الإمضاء إللي لازم قبل مامضيها. استأذن سليم قصدي الأمير الصغير، هي يعني إللي هاتربيني. على إذنك يا باشا.
تحرك رشدي للخارج
فايزة بضجر: أنا مش عارفة إيه المصايب دي.
عزت بحدة: شدي على رشدي، بدل ماشده بطريقتي لإن أنا خلاص فرصه خلصت عندي.
هزت رأسها بإيجاب بصمت
💞_________بقلمي_ليلةعادل(⁠.⁠ ⁠❛⁠ ⁠ᴗ⁠ ⁠❛⁠.⁠)
في صباح اليوم التالي،
في جناح سليم وماسة، كانت الساعة تشير إلى 8:00 صباحًا.
الشمس بدأت تتسلل عبر النوافذ الواسعة، تبعث بأشعتها الذهبية التي تنشر الدفء في الأرجاء.
دخل سليم الجناح بخطوات بطيئة، يبدو عليه الإرهاق عيناه مثقلتان وكأنه لم يذق طعم النوم طوال الليل.. كان هناك حزن يخيم على ملامحه، حزن لا يعرف كيف يخفيه.
وقعت عيناه على ماسة، كانت مستغرقة في النوم على الأريكة، ملامحها شاحبة، وتعب الأيام الماضية منح وجهها نعومة طفولية ممزوجة بإرهاق شديد. خصلات شعرها المنسدلة على وجهها زادتها ضعفًا، جعلته يراها كما لم يراها من قبل… طفلة صغيرة تبحث عن الأمان، لكنها الآن بعيدة جدًا عنه.
توقف يراقبها بصمت، فالمسافة بينهما بدت له أكبر من أي وقت مضى، مسافة لم تفرضها الظروف، بل صنعها بيديه. وها هو الآن يدفع الثمن.
تحرك نحوها بهدوء، جلس أمامها، عيناه مرسومة عليها وكأنها لو اختفت من أمامه سيتلاشى. تذكر الليالي التي كانت تلجأ إليه كطفلة، تبحث عن حضنه لينسيها كل شيء، كيف كانت تغفو بين ذراعيه وكأنه عالمها الوحيد …أما الآن.. حتى النوم بات بعيدًا عنهما.
ابتسامة حزينة مرت على شفتيه، لكنها كانت خالية من أي دفء. لا عيناه ولا قلبه شاركاها. مرر يده على وجهها بحذر، كما لو كان يلامس جوهرة ثمينة. أزاح خصلات شعرها برفق، ولم يستطع أن يمنع نفسه من لمسها، كأن قلبه يتشبث بآخر طوق للنجاة. انحنى قليلًا، اقترب منها أكثر، أخذ نفسًا عميقًا كأنه يتنفس وجودها بعد لحظات فتح عينه، همس بصوت خافت، يحمل في نبراته كل ما لم يُقال.
سليم بنبرة حزينة وموجعة عاتبة:
تعبتيني يا ماسة، تعبتي قلبي، حقك تزعلي وتثوري.. فاهم إني ضغطت عليكي بزيادة، بس أعمل إيه؟ أنا بحميكي يا قلب سليم وكل دنيته…
تنهد بعمق، وازداد صوته خفوتًا وهو يضيف:
أنا إللي دخلتك عش الدبابير بإيديا. كنت فاكر إن البُعد عنهم هاينقذنا، بس طلعت غبي. إللي بيغرز في الوحل مايخرجش منه إلا لما يدفع التمن غالي…
هزّ رأسه بإيجاب، وعيناه ثابتة على نقطة في الفراغ بمرارة:
إنتِ عندك حق، دفعتي ثمن أخطاء مالكيش علاقة بيها، يمكن لو كنتي اتجوزتي واحد غيري، كانت حياتك هاتبقى أهدى وأأمن… يمكن أنا فشلت إني أحميكي بالقدر الكافي، وبسببي واجهتي مشاكل، ماكنش لازم تواجهيها..
ثم نظر لها بضعف، ودموع ثقيلة بدأت تلمع في عينيه:
بس أنا حبيتك. حبيتك أوي. إنتِ البنت الوحيدة إللي حرّكت قلب سليم. القلب إللي ماكنش يعرف يعني إيه حب، ولا كان مصدّق إنه ممكن يحب .. خليتي يبقى عندي سبب أعيش عشانه، حبيت حياتي بسبب وجودك فيها، أول ما أفتح عيني إنتي أول واحدة بتيجي في بالي، خليتيني أتغير .. اتغيرت عشانك، علشان أحميكي، أمانك بقى مسؤوليتي. أنا إللي دخلتك العالم ده، وأنا إللي لازم أخرجك منه، مش هقبل يحصل لك أي حاجة تاني بسببي، حتى لو التمن موتي، أنا عندي أحرق الدنيا كلها قبل ما حد يقربلك..
اهتز صدره بأنفاس ثقيلة، خرجت برجاء حارق:
نفسي تشوفي… تفهمي… إن كل إللي بعمله ده نابع من قلبي واني بحاول أحميكي، مش بخنقك بحبي، ولا بغيرتي، ولا بخوفي المريض… أنا بس بحميكي وبحبك أوي.
استرسل بنبرة مريرة و وجع عصف بقلبه تابع بحيرة:
ليه بطلتي تفهميني؟ كنتي بتفهمي سكوتي قبل كلامي. ليه وصلنا للحتة دي؟
تنفخ بألم، همس بحب وانكسار:
أنا بحبك يا ماسة… ومقدرش أعيش من غيرك.
أنا موجوع من إللي إحنا فيه، ومش لاقي طريق أرجّعك لقلبي تاني.
مش عارف أعمل إيه… حاسس إني متكتف بين حبي وخوفي ومسؤوليتي ليكي، وبين المنطق إللي بيقول لازم تحررها من سجنك قبل ماتضيع. بس أنا لو حرّرتك هاتضيعي، ولو سبتك هاتضيعي.
أنا مش عارف أعمل إيه؟!
صمت للحظات وكأنه تذكر تلك الحادثة هز رأسه برفض قاطع قال بحسم:
بس لا لا مستحيل … أنا مش هسمح بده، أنا مش هعيد المشهد ده تاني، مش هشوفك بتموتي قدام عيني تاني، مش هخليهم يحاولوا يخدوكي مني تاني. مهما حصل يخدوا روحي الأول.
مسح وجهه ودموعه، تنهد بألم قطع نياط قلبه، رفع عينيه لأعلى بدعوة مختنقة:
يا رب…
عاد بنظره إليها، نظر مطولًا، وكأن قلبه بيتوسل لها تفتح عينيها، ترد، تفهم… لكنها كانت نائمة. اقترب منها، طبع قبلة دافئة على خدها، ثم عدّل الغطاء فوقها برقة، وكأنه بيحميها حتى من الحلم.
تحرك بعيدًا، دخل غرفة الملابس ليبدل ثيابه، فور تحركه، فتحت ماسة عينيها ببطء…كانت مستيقظة، تستمع بألم وتشعر به وبمعاناته ولحالهما الذي وصلا إليه.
تنهدت بصمت وحزن، لقد تألمت كثيرا من تلك الكلمات لكنها أصبحت لا تستطيع ان تحتمل أكثر، فاختارت الصمت والهروب أغمضت عينيها مجددًا وكأنها تحاول الهروب من كل ماشعرت به للتو.
خرج سليم بعد لحظات، ألقى عليها نظرة أخرى، وجدها ما زالت في نفس الوضع. تنهد، لم يقل شيئًا، فقط تحرك للخارج، تاركًا خلفه مشاعر عالقة بينهما… لا تُقال، لكنها تحس.
_______💞بقلمي_ليلةعادل💞_______
مجموعة الراوي، العاشرة صباحًا
مكتب سليم
جلس سليم خلف مكتبه، يمرر يده على أوراقه، بينما كان مكي جالسًا أمامه، والشعور بالتوتر يملأ الأجواء.
نظر سليم إلى مكي بعينيه الحادتين، وقال بصوت هادئ ولكنه حاسم: عايزك تدور ورا البنت إللى قتلها رشدي، وتعرف مين إللي وراها.
مكي:إنت شاكك في حد معين؟
هز سليم رأسه وأرفع حاجبه بنفي:وأنا بشك في الكل. بس ابدأ بالناس إللي رشدي كان عامل معاهم مشاكل، وإللي اتأذوا منه أذى كبير.
مكي هز رأسه بإيجاب: تمام، طب وماسة؟ هنعمل معاها إيه؟
سليم وهو يقوم بترتيب الأوراق: ماسة مش هاتنزل الكلية الأسبوع ده لحد مانعرف مين إللي عمل كده وأطمن.
مكي: تمام، أديني 24 ساعة وكل حاجة هاتبقى عندك.
سليم بإهتمام: قولي، فاضل لك حاجة في الفيلا أو الشقة؟ محتاج فلوس؟
مكي ابتسم: حاجات بسيطة كده، ماتقلقش، أنا معايا لو احتجت حاجة هقولك.
(نهض) طب همشي أنا، عندي مشوار مع سلوى.
أومأ له سليم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق، مكتفيًا بجملة مقتضبة: ما تتأخرش.
خرج مكي، وبعد لحظات، انفتح الباب مجددًا. هذه المرة كان الداخل فريدة بإبتسامة جميلة.
تساءلت وهي تقترب بخطوات هادئة: أخبار المناقصة إيه؟
سليم بصوت حاسم وواثق: كله تحت السيطرة، أنا مركز ماتقلقيش.
توقفت فريدة أمام المكتب وقالت بتنبيه: المناقصة دي مش هاينفع تروح مننا، إحنا بقالنا ثلاث شهور شغالين عليها.
هز سليم رأسه بإيجاب: حاضر يا فريدة.
ضيقت فريدة عينيها للحظة وأخذت تحدق في وجهه بنظرة عميقة، كأنها تحاول فهم ماوراء الكلمات تشعر أن هناك شيء ما.
تسألت بإهتمام: مالك ياحبيبي؟
سليم: مافيش.
فريدة بنبرة مشككة: مافيش إزاي ؟ هاتخبي عليا؟ أحكيلي مالك زعلان مع مراتك؟
تنهد سليم، وتراجع في مقعده، زم شفتيه بضيق: اممم .. في شوية زعل مع ماسة.
فريدة بهدوء: طب فين المشكلة؟ عادي، طبيعي.
تبسّم سليم بمرارة، وصوته خرج مخنوق:
لأ، مش عادي… ومش طبيعي، وفي مشكلة فعلًا.
أنا وماسة عمرنا مازعلنا من بعض بالشكل ده، هي بقالها فترة متغيرة، افتكرت لما تنزل الجامعة وتخرج شوية، هاتهدى وترجع زي زمان…بس للأسف، مافيش حاجة رضيّاها، وإللي هي عايزاه هيئذيها، ومش راضية تقتنع بده.
تحركت فريدة نحوه وجلست على طرف المكتب، ونظرتها تمتليء بالحنان قالت بحكمة:
الزعل بييجي يا سليم لما القلب يبقى مليان…
بس مش شرط يكون مليان غضب، ساعات بيكون مليان وجع….أفهم وجعها قبل ماتفهم غضبها.
الست لما بتحب، كل حاجة بتوجعها أضعاف.
وخد بالك، هي عدت بحاجات مش بسيطة. وإنت كمان أجبرتها تفضل في القصر فترة طويلة، وده فوق طاقة أي بني آدم..وأنا حذّرتك، بس إنت مش بتسمع غير سليم وبس.
سكتت لحظة، ثم قالت بهدوء: اتعامل معاها بالراحة… وشوف رد الفعل ده سببه إيه جواها.
تنهد سليم بهدوء: حاضر.
ركّزت فريدة في ملامحه، وقالت بلطف وحكمة:
ماسة بتحبك، بس مضغوطة شوية.، خدها وسافروا، غيروا جو… إنتوا الأتنين محتاجين ده… خليها تحس إنك لسة سليم إللي حبّته واتجوزته، مش واحد خايف ومتوتّر من كل حاجة، إنت ماكنتش كده، إيه إللي حصل؟
رفع سليم عينه لها، وقال بنبرة ضعيفة: علشان… حبيت.
ضحكت فريدة بخفة: يعني الحب بيضعّف؟ مش بيقوّي زي مابيقولوا في الروايات؟
هزّ سليم رأسه وقال بفلسفة مليئة حب:
الحب بيضعّف في حاجات، وبيقوّي في حاجات تانية…
بيضغف، لما تبقى حياتك مرهونة بوجود الشخص ده، امانه بيكون مسؤوليتك، ودي مسؤولية كبيرة، خصوصًا لو دخلتيه عالم ممكن يتأذي منه ..وإللي حصل فعلاً أتاذى، هاتفضلي تحسي بتأنيب الضمير إنك السبب، وإنه لو مش معاكي، ماكنش هايتعرض لده. وتخافي عليه من كل حاجة…
وبيقوّيكي، في إنك تواجهي، تقومي بكل قوة بعد ماوقعتي واتكسرتي، بيدّيك طاقة، بيفتحلك طاقة نور تشوفي بيها الدنيا من أول وجديد.
نظرت له فريدة بحنان، وتبسمت: أنا فاهمة مشاعرك كويس، إللي حصل مش سهل… وصعب إنك تنساه، وماينفعش تنساه أصلاً، بس هاتتعود عليه، اتعامل بحذر، بس أوعى حياتك تتحوّل لسجن بسبب خوفك، ماتديش لعدوك فرصة يشوفك ضعيف، هما دلوقتي شايفين إنك عامل حسابهم، وعارفين إنهم خوفوك.
صمتت للحظة ثم أضافت بعقلانية: أنا رأيي… تتكلم مع ماسة، حتى لو للمرة المليون. طبطب عليها، حتى لو اتعصبت، هي غصب عنها، هي أكيد فاهمة ومقدّرة حجم الكارثة إللي عدّت بيها، بس فجأة حياتها بقت عبارة عن حدود وأسوار… وده صعب على أي حد.
مسح سليم وجهه بكفيه بتعب: حاضر،والله بحاول ماتعصبش عليها، بحاول أفهمها…أنا بس نفسي نرجع زي ماكنا، خايف الحياة بينا تبوظ أكتر من كده…خايف أخسرها.
مسحت فريدة على خده وقالت بإيمان: إن شاء الله لا، إنتوا بتحبوا بعض بجد، والحب إللي بالحجم ده مستحيل يضيع.. ممكن يتلخبط شوية، بس يختفي؟ لأ أبداً.
صمتت لحظة، ثم غيّرت الحديث بنبرة مستنكرة بضيق قالت:
بقولك إيه… إيه إللي عمله رشدي؟ وإزاي الباشا عدّى الموقف كده؟
ضحك سليم مستحفا: هي أول مرة يعني.
هزّت فريدة رأسها بضجر: أنا مش فاهمة، هايفضل لحد إمتى كده؟ مابياخدش منه موقف أبدًا. انا خلفت، وبقي عندي ولاد، وفهمت غلاوة الأبن.بس لما حد فيهم بيغلط، بعاقبه علشان يتعلم…إنما رشدي؟ مابيتعاقبش، وحتى لو حصل، مابيفرقش معاه، ماعندوش دم بجد.الباشا ومامي متساهلين معاه أوي. والمصيبة إن الكوارث إللي بيعملها كبيرة…قتل واغتصاب وفضايح. رغم إن المرة دي بصراحة هو مش غلطان أوي، بس برضو… ماينفعش.
تنفخت بضجر وعادت بشعرها للخلف ثم قالت؛
المهم… ها؟ وصلتوا لحاجة؟
سليم: لسة.
تنهدت فريدة: طيب، أنا هروّح أخلّص شغل.
ماتنساش تخلص موضوع المناقصة. بقولك إيه… إيه رأيك نخرج أنا وإنت وماسة وإبراهيم؟ ونكلم ياسين وهبة كمان؟
هزّ سليم رأسه برفض: أصبري بس يا فريدة، لما نخلص موضوع رشدي ده ونشوف هايرسي على إيه.
فريدة بلطف: طب بلاش نخرج، نعملها في القصر.
نقعد في الجنينة العلوية، نشوي ونتفرج على فيلم مع بعض.
زمّ سليم شفايفه بإختناق: بس ماسة تهدى… هي زعلانة جدًا، وأنا كمان متضايق. ماكنتش أتوقع إنها شايلة في قلبها حاجات مني ومابتقولش.
ابتسمت فريدة وربّتت على كتفه: ماشي، زي ماتحب… بس روق كده، ماسة طيبة أوي، وزعلها قد حبها ليك، خليك واثق في ده.
وضعت قبلة سريعة على خده، ثم غادرت الغرفة بهدوء.
بقي سليم وحيدًا للحظات، ثم مد يده إلى الدرج، أخرج صورة صغيرة لماسة، كانت تبتسم فيها ابتسامة طفولية بريئة.
حدّق فيها طويلًا، وعيناه غارقة في الذكريات. همس بصوت خافت: كان نفسي أكون كل الراحة ليكي و ماتبقيش موجوعه مني..
في أحد معارض الأثاث الواحدة ظهرًا.
نرى مكي وسلوى يتجولان بين المعارض المختلفة، يبحثان عن الأثاث المناسب لمنزل مكي
الذي سيصبح عشهما قريباً. توقفت سلوى أمام غرفة نوم معروضة.
سلوى بابتسامة: جميلة دي أوي، دافية كده ومرتبة وجديدة.
مكي بتأييد: فعلاً، حلوة.
سلوى بتعجب: إيه إللي فعلاً حلوة؟
مكي وهو يشير إلى الغرفة: الأوضة… حلوة.
سلوى اندهشت: المفروض يكون عندك رأي معايا، مش كل مانشوف حاجة تقول حلوة! كده مش كفاية، مافيش اعتراض منك خالص؟
ضحك مكي بخفة: أعترض ليه؟! ماهي بتعجبني، بعدين إنتِ أهم مني في الموضوع ده. لإنك إنتِ إللي هاتقعدي فيها أكتر مني، دي مملكتك يا حبيبتي، فلازم يكون الاختيار الأول ليكي. بعدين إنتِ عارفة، ماليش في الحاجات دي، لا بعرف فيها ولا عندي رأي.
سلوى ابتسمت بنوع من السخرية: أمال بتفهم في إيه في السلاح والضرب والعربيات؟
مكي ابتسم وقال بلطف: وأعرف كمان أجيبلك أي حاجة عايزاها، مجرد ماتديني مواصفاتها تبقى عندك. بس في اختيار العفش والألوان والحاجات دي، هاتلاقي أفضل مني.
سلوى بتعجب: أمال جاي ليه معايا؟
مكي: علشان متزعليش، وماتبقيش لوحدك.
سلوى بمزاح: جاي معايا علشان منكدش عليك يعني؟
ابتسم مكي و هز رأسه: مش بالظبط كده، بس بحاول أشاركك علشان ماتبقيش لوحدك غلطان أنا؟!
سلوى تبسمت: لا يا سيدي، طب أنا زهقت، تعال نروح لماسة علشان آخد رأيها.
مكي بمزاح: هو أنا مش كنت معزوم على بشاميل وبانيه، أنا جعان مستعد أكلك حالا، أنا قولت أهو.
سلوى ضحكت: لا نروح لماسة الاول بجد محتاج رأيها في كم حاجة علشان نخلص من حوار العفش إنت مش مساعدني، وماتقلقش مش هضيع البشاميل عليك.
ضحك مكي وقال وهو يسحب هاتفه: طب إيه!! أحجزها لك ولا إيه؟
نظرت سلوى إليه بفكاهة: لا، صورها لي، هوريها لماسة هي والتانية. بس الركنة خلاص أكيد هانخدها، لكن هانغير لونها للبِيج.
مكي وهو يمسك يدها بلطف: طيب، يلا.
أمسك مكي يد سلوى، وسارا معًا في المعرض ثم خرجا، بعد قليل، وصلا إلى القصر للقاء لماسة.
قصر الراوي
الحديقة الثالثة عصراً.
جلست ماسة وسلوى على الأرجوحة في ركن هادئ من الحديقة، يتقاسمان وعاء فشار، والحديث الصامت أثقل من النسيم الذي يمر بهدوء بين الأشجار.
نظرت سلوى لماسة بإستفهام وهي تمضغ القليل من الفشار: طب وإنتِ مالك برشدي؟ مافهمتيش منه؟ وبعدين هو نيل إيه الزفت ده؟
هزّت ماسة رأسها بتعب ظاهر: ماعرفش، ماقاليش غير إنها مشكلة عنده…أكيد رشدي عمل مصيبة كبيرة في حد، هاتوهي عنه طول عمره إنسان مؤذي استحالة يتغير، والشخص ده غالبًا مستني فرصة ينتقم، وسليم خايف الانتقام ده ييجي فيا أنا..
زفرت بإختناق وهى تعود بظهرها على الأرجوحة أضافت:
بس أنا مالي؟ أنا مرات أخوه!
سلوى بعقلانية: يمكن يا ماسة شاكك إن إللي عمل كده هو إللي دبّر الحادثة.
ماسة بنبرة حاسمة: لا، قال إنها مشكلة تبع رشدي لو حاجة تبع الحادثة مش هايبقى سليم عاقل كده،، وبعدين أنا بخرج ومعايا حراس، ومكي، وهو كمان بيبقى معايا في كل حتة.
سلوى:أكيد اتخنقته
تابعت ماسة بحزن: لا والله، بطّلت أتخانق، بس مابقتش بعرف أسكت، ودي حاجة مضيقاني. علاقتنا بقت فيها حاجة مكسورة، بس أنا لسة بحبه، وبموت فيه، وفي نفس الوقت مش قادرة أتحمل أكتر..
فيه خناقة جوايا بتقولي: استسلامك لجنونه وخوفه مش حب… ده غلط. إحنا بنأذي بعض.
بس قلبي بيقولي: بيحبك وبيخاف عليكي.
إللي حصل لنا يكسر جبال، فطبيعي خوفه يكون بالشكل ده… ولازم أتحمّل.
سكتت لحظة، لمعت في عينها دمعة وهي تهمس:
– هو عنده حق… وأنا كمان عندي حق.
وأنا واقفة في النص، بتفرج على خناقة بين قلبي إللي بيعشقه ومقهور، وعقلي إللي بيقول لي إن رضاكي بزيادة غلط …وأنا… بموت من الوجع يا سلوى.
مسحت دموعها وأمسكت يدها برجاء كأنها تتوسلها أن ترحمها من تلك الأفكار وذاك الاضطراب الذي يجعلها تجن:
قوليلي، مين صح؟ أنا؟ ولا هو؟ ريحيني..
وضعت سلوى يدها برفق على قدم ماسة، وقالت بحنان: بصي يا ماسة… إنتِ عندك حق ترفضي حصاره ليكي، بس هو كمان عنده حق إنه يحميكي ويخاف عليكي، بطريقته، يمكن طريقته غريبة وزيادة بس أوعي تنسى إن سليم حبه ليكي كان بردو ليه الطريقة الخاصة بتاعته، وشبه فهو كدة طول عمره كدة بيحبك بجنون وبيخاف عليكي بجنون..
المشكلة مش في رفضك، بالعكس إنتي عملتي إللي عليكي، إنتِ بس بتطلبي منه يخف شوية. وده طبيعي…
المشكلة إنك سكتّي كتير، وفجأة انفجرتي، فعشان كده ردود أفعالك بزيادة شوية.
اتكلمي معاه بهدوء، مش بالغضب والعصبية…حبكم كبير أوي، وخسارة يضيع، مشكلتكم بسيطة.. يابنتي جوزك ده يتغفر له أي حاجة، ده مخانكيش ولو مرة واحدة مستكفي بيكي. روقي بقى.
ماسة بصوت منخفض: أنا أكتر حاجة مضايقاني إني بقيت بطلب الطلاق.
سلوى مبتسمة: وعلى أساس إنك كنتِ طالبة الطلاق من قلبك؟
ماسة هزت رأسها بلا قالت بحزن عصف قلبها: أكيد لأ… طلبته من ضيقتي. زي ما ماما كانت بتقول لنا وإحنا صغيرين: هاتناموا ولا أجيب لكم أبو رجل مسلوخة؟ كنا بنزعل ونفكر إنها مش بتحبنا، بس لما كبرنا، فهمنا إنه تخويف بس، علشان نسمع الكلام وخوف علينا… أنا طلّبت الطلاق من سليم بنفس الطريقة… كجرس إنذار، علشان أفوق سليم، مش قرار حقيقي من قلبي. أنا مقدرش أعيش من غير سليم.
هزت سلوى رأسها بتفهم: يبقى اتكلمي معاه بهدوء، خليكي حنينة،وبلاش كلمة الطلاق لأنها بتوجع أوي ياحبيبتي، هو بيحبك فخلي قلبه يسمعك. هو غلطان، وإنتِ كمان غلطتي، إللي بينكم يستاهل يتصلّح صدقيني مشكلتكم بسيطة أوي بالنسبة لمشاكل المتجوزين.
تنهدت ماسة: إن شاءالله هعمل كده… بس هعدي الأسبوع ده لإني مش مستعدة دلوقتي وهشوف كمان هايتصرف إزاي.
ثم غيّرت ملامحها فجأة، وابتسمت وهي تداعب شعر سلوى: المهم، قولي لي… إيه الأخبار؟ الامتحانات قربت يا كتكوتة؟ كلها شهر ونص، وشهرين ونص وتتجوزي مكي!
سلوى بحماس واضح: أنا فرحانة أوي نفسي اليوم ده يجي بسرعة، قلت له نخلص كل حاجة قبل الامتحانات، علشان بعد كده أركز في المذاكرة.
ضحكت ماسة: أيوه، اختاري كل حاجة واشتروها وجهزوها. وبعد الامتحانات نفرش، وإنتِ أفضي لنفسك بقى!
سلوى ابتسمت وقالت بحماس طفولي: أنا عن نفسي مستعدة من دلوقتي… بس لسة فاضلي شوية حاجات، وعايزاكي تنزلي معايا! خلصت الموبيليا كلها فاضل اللبس، يعني مافيش حجة يرفض.
ماسة: يارب يوافق…
سلوى ضاحكة: والله لأسيب مكي عليه!
ماسة مستنكرة بمزاح: يا شيخة! ده مكي ولا بيعرف يعمل حاجة… سليم مسيطر عليه!
ضحكت سلوى وهزّت رأسها: خلينا نجرب… تعالي أوريكي الحاجة إللي جبتها صورتها، وجبت كتالوجات كمان!
ماسة بحماس: يلا!
💞______________بقلمي_ليلةعادل•⁠‿⁠•
(بعد وقت)
في الحديقة الخامسة مساءً
نشاهد ماسة وهبة يجلسان على النجيلة، وبينما كانت ماسة ممسكة بيد نالا الصغيرة تساعدها في المشي، بدأت نالا تتحرك بعيدًا. فجأة، بدأت ماسة تزحف على ركبتها، تحاول مجاراة خطوات نالا الصغيرة، وضحكت معها. ثم عادت إلى مكانها، جالسة مع هبة، تنظر إليهما وهي تبتسم بحب.
ابتسمت ماسة بحنان: يا ما شاء الله، كبرنا خالص! حملتها وضمتها بشوق.
هبة مازحة :اااه، ومش مخلية حاجة في مكانها!
ماسة بحذر: السن ده كده؟ خدي بالك منها.
هبة: البنت سلوى المعفنة دي مشيت ليه بسرعة كدة؟! كانت وحشاني جداً وعايزة أشوفها.
ماسة وهى تضحك: أصلها النهاردة عازمة مكي يا ستي على الغداء قعدت معايا ساعة فرجتني على الموبيليا واختارنا أوضة النوم ومشيت بسرعة.
هبه: وهي عاملة إيه مع مكي الدنيا تمام.
ماسة بابتسامة: آه الحمد لله،، يا بنتي هو بيحبها أصلاً من زمان فمصدق.
وأثناء حديثهما، اقترب سليم، قال بهدوء:
مساء الخير.
هبة بإبتسامة: مساء النور، جيتوا؟؟ أمال فين أخوك إللي بقيت بشوفه صدفة.
سليم بابتسامة خفيفة: أنا بس إللي جيت، ياسين، أعتقد لسه في المجموعة.
ماسة، وهي تلاحق نالا وتبتسم: شكلنا هانلف الحديقة كلها، تعالي هنا..
توجهت نالا إلى سليم وضمته من قدمه تبسم سليم وحملها وعانقها.
سليم: حبيبة قلب عمو وحشتيني، عاملة إيه؟ قبلها بحنان.
نظرت ماسة لسليم وقالت، بعين ذائعة:
عامل إيه؟
سليم، دون أن يبادلها النظرة: تمام.
انتبهت هبة، فعلّقت: متخانقين ولا إيه؟
ماسة، بتوتر وهدوء: لا، مافيش حاجة.
سليم: يلا روحي لطنط ماسة.
هبة بتصحيح: خالتو بقى.
أخذتها ماسة من يده ثم التفتت ونظرت لآثار سليم وهو يتجه داخل القصر.
توقفت هبة بجانبها وضعت يدها على كتفها: بجد قولي مالكم هاتخبي عليا.
هزت ماسة رأسها بلا وهي تنظر أمامها: مافيش بجد.
نظرت لها لتغير الحديث: تعالي نتكلم قولي لي أخبار الشغل إيه؟!
💞_________________بقلمي_ليلةعادل•⁠‿⁠•
بعد وقت في مكتب سليم
دخلت ماسة الغرفة بعد لحظات من الصمت. نظرت إليه، وهو غارق في أوراقه. بدا مشغولًا جدًا لدرجة أنه لم يلاحظ دخولها. فكرت للحظة قبل أن تكسر الصمت، لكنها شعرت بشيء ثقيل في قلبها، تذكرت كلماتها في الليلة الماضية عندما أخبرته أنه هو السبب في كل ما يحدث لها. تعلم جيدًا أنها جرحته و أخطأت بحقه، كانت متأكدة أنه لم يقصد إيذاءها.
قطعت الصمت وقالت بتردد:
ماسة، بنبرة مرتجفة: محتاج حاجة؟
سليم، وهو يرفع رأسه قليلاً عن أوراقه، يحدق بها بصمت لثوانٍ ثم قال بهدوء: لا.
صمتت للحظة أرادت أن تفتح حديثًا معه، أن تعتذر، أن تنهي تلك الحرب الصغيرة، لكنها شعرت أن الوقت غير مناسب، ربما كلماتها تزيد من الطين بلة، خاصة أن هذه هي المقابلة الأولى بعد مشكلة الأمس.
ماسة، بصوت خافت: تحب أحضرلك الغداء؟ ولا هاتستنى العشا؟
سليم باقتضاب: هستنى العشا.
ماسة: طب، أنا بره لو احتجت حاجة.
هز سليم رأسه دون حديث ولم يتبادل معها أي نظرة إضافية، فتوجهت للخارج. أغلقت الباب خلفها، بينما نظر هو إلى آثار وجودها بحزن. مسح وجهه، وحاول العودة إلى عمله، لكن شيئًا في قلبه جعله غير قادر على التركيز. أغمض عينيه للحظة، ثم فتح اللاب توب وتصفح صورهم. ابتسم ابتسامة مريرة وهو يتأمل لحظات سعيدة سابقة قبل الحادثة.
خلال اليوم، لم يتبادلا الكثير من الحديث، وحتى في العشاء كانت الأحاديث خفيفة جدًا. على الرغم من محاولتهما إخفاء زعلهما، إلا أن من يركز معهما سيشعر بذلك، وبالطبع كانت فايزة منتبهة بشدة، فهي لن تضيع تلك الفرصة.
في فيلا عائلة ماسة، الخامسة مساءً.
السفرة
نجد السفرة ممتلئة بالأطباق الشهية، وكل أفراد العائلة يجلسون حولها يتناولون الطعام. كانت مكرونة بشاميل و بانيه وفراخ مشوية وأكلات شهية على المائدة، فيما كانت سعدية تتابع بنظرات مليئة بالفخر.
سعدية وهي تبتسم، وهي تشير إلى الأطباق:
سلوى هي إللي عاملة الأكل كله النهاردة، صحيت من الفجر وعملت كل حاجة. فكرتني بأيام المزرعة، كانت تصحى بدري، وتنام بدري، وتشيل السرايا هي وأختها، لكن من ساعة ماجينا هنا وهي آخر دلع.
ضحك عمار وهو يتناول الطعام: شكل الخطوبة دي هاتيجي على سلوى بخسارة، أما بالنسبة ليكِ يا ماما، فده جاي عليكي بمكسب.
ابتسم مجاهد معلقا: ماتسمعوا الأول رأي مكي.
مكي وهو يتناول الطعام، ابتسم: هو فيه بعد كده؟ أكيد الأكل جميل تسلم إيديها.
سعدية: إنتوا كده خلاص، خلصتوا كل حاجة؟ تخص الشقة والفيلا يا ولاد.
ابتسمت سلوى: آه، خلصنا كل حاجة، بس فاضل لي شوية لبس كده، هبقى أجيبه أنا وماسة لما سليم يفرج عنها.
مجاهد تساءل متعجبًا: هو مش خلاص؟ والبنت راحت الجامعة وبقى يسيبها تخرج؟
سلوى موضحاً: حصلت مشكلة كده مع رشدي، فقالها تفضل في القصر لحد مايحلوها.
عمار بضيق: أنا مش عارف، إيه آخرة إللي بيعمله ده كأنها جارية عنده، هم بيغلطوا وهي بتتعاقب.
مجاهد تدخل بحكمة: إيه إللي إنت بتقوله ده يا عمار، الراجل من حقه يرفض خروجها، ومش عقاب أبداً، هو طلب منها تقعد لحد مايحل المشكلة، إيه إللي فيها؟ مايمكن هو عارف إن خروجها يعرضها لخطر، وعايز يحميها.
مكي بتأكيد: هو ده بالضبط يا عمي إللي أنا بحاول أقنع بيه سلوى علشان تقنع ماسة، سليم المرة دي طلب بس إن هي تفضل أسبوع لحد مايحل مشكلة رشدي.
عمار باستهجان: يعني كل ما يحصل مشكلة مع حد عنده أو يحصل له حاجة، يحبسها؟
مكي بتوضيح: مش بالضبط، لكن هو بيحاول يحميها بطريقته الخاصة، هو خايف عليها.
يوسف بعدم اقتناع: بس مش للدرجة دي.
مجاهد بهدوء: لازم تعرفوا حاجة واحدة، إللي ماسة وسليم اتعرضوا ليه كان شيء كبير، هو لحد اللحظة دي مش قادر يتجاوز الحادثة، علشان كده بيتصرف بالطريقة دي. لازم نفهم تصرفاته وأسبابه ونحللها، مش نهاجم أو نرفض على طول. أنا معاه جدًا، وأكيد لو زاد فيها، هكون ضده، وهتكلم معاه. لكن إحنا برده لازم نفهم الأسباب ونحترمها.
سلوى بإبتسامة خفيفة: بقول لكم إيه، ركزوا في الأكل.
سعدية: بقول لكم إيه، مادام إنتوا خلصتوا كل حاجة، ماتكتبوا الكتاب قبل الإمتحانات؟
مكي بحماس: أنا موافق جدًا.
سلوى برفض: لا، نكتب الكتاب في الفرح.
مجاهد باستهجان: ماتسمعي الكلام يا سلوى؟ إيه المشكلة؟ ماتبطلي عند، هو لا وخلاص علشان حتى تعرفوا تخرجوا براحتكم؟
سلوى بجدية: أنا مش عايزة أعمل حاجة غصب عني.
مكي بهدوء: خلاص يا عمي، سيبها براحتها.
ثم نظر إلى سلوى وقال بغزل: تسلم إيديكِ يا سلوى، الأكل جميل.
مجاهد بعتاب: ماجبتش مامتك ليه يابني؟
مكي: ماما مسافرة عند خالتو.
سعدية بتنبيه: أعمل حسابك المرة الجاية، هاتيجي إنت وهي.
هز مكي رأسه بإيجاب وأكملوا تناول الطعام وهما يتبادلون الأحاديث في أجواء عائلية حميمة.
قصر الراوي، الثامنة مساءً
جناح سليم وماسة
عندما وصلا إلى جناحهما، جلس سليم أمام اللاب توب ليكمل عمله. اقتربت منه ماسة وقالت:
ماسة بهدوء: ممكن أفتح الكمبيوتر وأشغل أغاني ولا هزعجك؟
سليم وعينه على اللاب توب: براحتك.
صمت لحظة، رفع عينه وقال بهدوء بنبرة: فريدة وياسين وهبة هايقعدوا في الحديقة العلوية، هايتعشوا ويتفرجوا على فيلم… عاملين كده، Movie Date
يعني. لو حبيتي… ممكن تطلعي تقضي وقت معاهم.
هزت رأسها برفض: لا حابة أقعد هنا.
سليم: أعملي إللي يريحك.
جلست ماسة أمام الكمبيوتر، تشغّل أغانيها المفضلة، تتنقّل بين الألعاب والمحادثات مع صديقاتها عبر الهاتف، بينما عقلها غارق في أفكار لا تهدأ. كان في داخلها ثقلٌ كبير، شيء يمنعها من بدء الحديث مع سليم، إذ تشعر أنّ الكلمات إن خرجت الآن، فقد لا تكون قابلة للإصلاح.
كان الضيق والتوتر يخيّم على كليهما، لم يكن يملك أحدهما الشجاعة ليتحدث. لم يكن هذا حالهما من قبل، فلم يعتادا الصمت، أو تمرّ الليالي وهما يحملان في قلبيهما كلّ هذا الثقل. ما كانت ليلة تمرّ إلا وهما متصالحان وينعمان بأحضان بعض.
كانت ماسة مترددة، تخشى أن تنطق بكلمة تزيد الأمور تعقيدًا.
أما سليم، فرغم إدراكه العميق أنّها على حق، لم يملك القدرة على مواجهة مشاعرها. كان غاضبًا هو الآخر، لا لشيء إلا لأنه لم يتوقع حديثها واتهامها له و تُخفي كلّ هذا الألم في قلبها.
بعد وقتٍ، أنهى سليم عمله، وقرّر أن يستريح قليلاً قبل النوم. نظر إلى ماسة وقال بهدوء: ممكن توطي شوية الصوت.
ردّت ماسة دون أن ترفع رأسها عن الشاشة: حاضر.
تمدّد سليم على الفراش، ينظر إلى الفراغ بعينٍ شاردة، غارقًا في أفكاره وفي علاقتهما، ومن حينٍ إلى آخر، كان يختلس النظر إليها بنظرة يملؤها شيء من المرارة.
وبعد لحظات، انضمت إليه ماسة، واستلقت إلى جانبه. كانت المسافة بينهما واضحة، والجوّ أبرد من أي وقتٍ مضى…
أشدّ ما يؤلمهما أنّهما ينامان في الفراش ذاته، وظهر كلٍّ منهما للآخر. الصمت بينهما بات أثقل من أي حديث.
وكان السؤال الذي يدور في ذهن كلٍّ منهما: هل ستبقى الأمور هكذا؟ إلى متى سيستمر هذا البُعد؟
في أحد قاعات البلياردو، السادسة مساءً.
نرى الطاولات مليئة بالكرات المتناثرة، واللاعبين يتبادلون الضربات بحذر، أحد الشباب، رحيم المهندس إياه، يجلس على طاولة فارغة، يحتسي كوبًا من العصير بينما يتأمل المكان بهدوء. بعد لحظات، دخل رجل يبدو أنه أحد أعضاء عصابة كبيرة.
الرجل بأسلوب قاطع: مساء الخير باشمهندس رحيم.
رحيم يرفع عينيه قليلاً ويجيب بهدوء: مساء النور. أنا أعرفك.
الرجل ابتسم بثقة وهو يسحب مقعدًا ليجلس:
لا، إنت ماتعرفنيش، لكن أنا أعرفك كويس.
رحيم بدهشة: تعرفني منين يعني؟
الرجل بهدوء: ممكن تقول إني محقق الأحلام. فانوس علاء الدين، خاتم سليمان… سميني زي ماتحب. المهم، مش هانختلف في أي حاجة. النهارده يا رحيم، هو يوم ميلادك وسعادتك. بس قبل مانتكلم، قولي، إنت بتقبض كام من مجموعة الراوي؟ 15ألف في الشهر؟ مظبوط؟
رحيم بتوتر: أنا مش فاهم حاجة إنت مين وعايز إيه.
الرجل بإبتسامة هادئة: مش كل حاجة لازم تفهمها.
رحيم محاولاً استيعاب الموقف: إزاي مفهمش؟
ثم ابتسم وقال بفطنة:
مش لازم تفهمني عشان نتفق. قول بقى، إنت عايز مني إيه؟ ولو الكلام عجبني، مش هانختلف. يا محقق الأحلام، علشان الفانوس له أمنيات محدودة، وأنا احلامي بلا حدود.
تنهّد الرجل ببطء، ثم ابتسم ببعض الريبة:
إحنا كده حلو أوي اسمعني بقى.
في أحد المقاهي، الثامنة مساءً،.
جلس حسام، شقيق منى، على طاولة جانبية يراقب المكان بعينيه التي لم تهدأ. المقهي شبه خالٍ، لم تمضِ دقائق حتى انضم إليه رجل بدا وكأنه خارج لتوه من فيلم عصابات؛ ،(مينا) بجاكيته الداكن، أشعل سيجارة بهدوء قاتل، وأخذ منها نفسًا طويلًا قبل أن يتكلم بصوت واثق:
مينا: معلش يا باشا لسة مخلص مع صابر الغول وجتلك على طول ..
حسام: عملت ايه ؟!
مينا: زي ماقلت يا باشا، الموضوع ماطلعش مني على طول…
بعِت الوسيط، والوسيط بعِت وسيط تاني، والتاني بعِت له وسيط ثالث…واتفقوا زي ما قلت بالحرف.
وطبعًا، زي ما أمرت، معرفش الموضوع ده تابع لمين ولا لصالح مين ويومين بالظبط ورجالة عزت باشا هايدوروا حتى لو سليم بعت رجالته مش هايوصل غير للي عايزينه يوصل ليه.
رفع حسام عينيه إليه، نبرته حادة تحمل تحذيرًا خفيًا: أهم حاجة عندي…عزت مايوصلش لأي معلومة..أكيد هايدوروا، ولازم يقتنعوا إن رحيم عمل كدة من نفسه، الفلوس هاتوصله، وكل طلباته هاتتنفذ، بس أهم حاجة… مش عايزين غلط ده عزت الراوي.
مينا بابتسامة خفيفة لا تخلو من الثقة: حسام بيه، عمرك إنت والباشا رفعت طلبتو مني حاجة وخذلتكم قبل كده ماتقلقش… مش أول عملية.
ابتسم حسام ابتسامة قصيرة جافة، وقال بنبرة صارمة: تمام.بس لو حصل أي غلط.. اتخلّص منه.وبالنسبة للبضاعة هاتدخل فى شحن الخشب زي الإتفاق.
مينا: اتفقنا.
ومرت الأيام ثقيلة، ولم يتبادل سليم وماسة سوى القليل من الكلمات، حيث كان الصمت يهيمن على حياتهما. ينامان في نفس الفراش، لكن كل منهما يعيش في عالمه الخاص. كان سليم يخشى أن يتحدث معها، وكان دائمًا حذرًا في كلماته، خائفًا أن يؤدي الحديث إلى خسارتها أو إلى نشوب مشكلة أكبر. أما ماسة، فقد كانت تتجنب التحدث، وكأنها غير مستعدة بعد، تشعر أنها لا تزال غاضبة وفي نفس الوقت مخطئة، وإذا دار بينهما أي حديث، فقد يتحول إلى شجار.
وفي تلك الأثناء، كان إسماعيل يقوم بالبحث عن المتسبب في حادث رشدي ومن خلفه، لكنه لم يصل بعد إلى الحقيقة.
كانت منى خلال تلك الفترة في حالة من التشتت والاضطراب الشديد، فاقدة لتوازنها. لم تعد تجلس معهم على طاولة الطعام، فهي لا تريد أن يلاحظها أحد. لكن طه كان منتبهًا جدًا. كان يلاحظ كل حركة منها.
كان مكي أيضا يبحث من جانبه.
قصر الراوي، الثانية عشر صباحاً
عند البار، كانت تجلس منى تحتسي كأسًا من الخمر، ويبدو على ملامحها التوتر الشديد. عيناها لا تفارقان الهاتف، وكأنها تنتظر مكالمة هامة. كانت تشرب كأسًا وراء الآخر، وكأن تلك المكالمة تمثل طوق النجاة بالنسبة لها. إذا لم يتم الاتفاق مع رحيم فستكون النهاية.
بعد دقائق، سُمِعَت خطوات هادئة تقترب منها. التفتت ببطء لتجد “طه” واقفًا خلفها، ينظر إليها بنظرة حائرة.
طه بإهتمام: مالك؟ ليه بتشربي كده؟
منى دون أن تنظر إليه: مافيش حاجة عادي.
طه: يعني إيه مافيش حاجة؟ شكلك مش طبيعي، في حاجة مضايقاكي؟
منى بصوت منخفض: قولتلك مافيش يا طه.
طه: لا، في. وأنا مش هسكت. مالك؟ بتتخانقي كده ليه؟ إنتي بقالك يومين مش طبيعية، حتى مع الولاد.
زفرت منى، ورفعت الكأس لتحتسى القليل دون أن تجيبه.
اقترب منها طه وقال بشك: لو في حاجة حصلت، أو في حاجة عاملاها، عرفيني. أنا في الأول وفي الآخر جوزك.
لم ترد منى عليه، واحتست ماتبقى من الكأس دفعة واحدة، ثم وضعت الكأس بقوة على البار. همست، وهي تنظر للهاتف: مافيش حاجة يا طه… قولتلك مافيش.
بعد دقائق، رن هاتفها، كان والدها. ردت مسرعة:
ألو بابي، معاك؟
ابتعدت عن البار وأخذت خطوة للخلف، بينما طه نظر لارتباكها،وهمس لنفسه: شكلك عملتِ مصيبة… بس هعرفها.
مجموعة الراوي
مكتب سليم الواحد مساء
جلس سليم خلف مكتبه، هادئًا كعادته، بينما جلس مكي على الكرسي المقابل، ينفث دخان سيجارته ببطء، يراقب وجه سليم بنظرة حذرة ومندهشة.
مكي متعجباً:
يعني إيه يا سليم؟ مش هتواجه منى؟ ولا حتى رافعت؟
رفع سليم عينيه نحوه، نظراته تحمل دهاءً عتيقًا، ثم قال بدهاء:
بُص يا مكي… دلوقتي لو منى عرفت إننا عارفين، ولسه في أي حاجة بتحصل، هتخبيها أكتر. فإحنا لازم نتصرف كأننا ماوصلناش لحاجة… بدل منهاجمها، نفتح عنينا عليها أكتر. الأذى لسه بعيد عننا ودة المهم، بس أول ما يقرب… ساعتها هنجيبها ونعلّقها من رجليها. انا اهم حاجه عندي ان انا وماسه بعيد عن خطاطهم القذر،ه ده ما يمنعش يتحطوا تحت الميكروسكوب في كل دقيقه في ال 24 ساعة
مكي تسأل متعجباً: طب… وتفتكر ليه بدأت برشدي؟ ليه هو يعني؟
ابتسم سليم ابتسامة خبيثة، وقال بثقة:
عشان رشدي ديله نجس… سهل يقع. مش زي عماد، عماد أذكى، صعب توقعه بسهوله. هي بدأت بالأضعف… وجابته من أكتر حاجة متأكدة إنه هيقع بيها. واختيارها للرحيم ماكنش عشوائي… منى عارفة كل حاجة عن بلاوي رشدي. طه
مابيخبيش عنها حرف..
حكه في جانب جبين وبتفكير قال بحيرة:
بس انا مش عارف هل رفعت لاجيء لـ مينا رغم ان هو عارف انه تبعنا، وان من رجالتنا عشان يوقع منى، ولا هي وقعت منه، لحظه غباء، افتكر انه لما يدخل له شحنه المخدر،ات كده هياخد الامانه، بس لو رفعت بيوقع منى معناها، ان رفعت شال ايده عن الحمايه، ولو حركه غبيه منه امم في كلا الحالتين الموضوع لصالحنا بس برده فتح عينك على رفعت هو وحسام من النهارده.
ميكي متسائلا باستغراب: مشي نسبة 90% كلامك صح وتحليلك صح بس ليه ده يحصل دلوقتي بالذات؟!
سليم، كأن عينيه تبصران ما لا يُرى:
دلوقتي هم بيخلصوا على بعض يا مكي عماد متجوز سارة، وبيمثل على صافيناز دور الزوج المخلص. وسارة نزلت مصر وبتقابل صافي… وواضح إن في خطة. منى بدأت برشدي، وبعد كده هتدور على ثغرة تمسك بيها عماد أو صافي. وأنا متأكد إنهم هما كمان مش قاعدين ساكتين… أكيد بيخططوا يخلصوا على رشدي… وعلى الكل، بداوا يخلصوا على بعض يا صاحبيه.
أغلق مكي السيجارة وهو يحدق في الفراغ بالفراغ:
الفلوس بتعمل كده؟ بتخلي الناس تبيع بعضها؟ انتو إخوات.
ظهرت على شفتي سليم ابتسامة جانبية حزينة، وعلّق بنبرة واثقة:
اممم واكتر، واوعى تتفاجئ لو طلع حد فيهم مع اللي دبر الحادثة. بس خلينا مستنيين… ومفتحين عينينا.
نظر إليه مكي بإعجاب قال: بس انت طلعت صح لما شغلت عرفان… ولا حد واخد باله.
فتح سليم الملف أمامه بهدوء، وقال بثقة باردة:
عشان بعد كده تمشي ورا كلامي وانت مغمّض. وزوّد المراقبة على منى… بالذات… وسيب اسماعيل يوصل لوحده تحسس الباشا ان رشدي بدا في سكه الادمان ده المصير والنهايه اللي يستحقها رشدي.
أومأ مكي برأسه موافقًا، وملامحه بدأت تفهم شكل اللعبة بوضوح.
سيارة مكي الخامسة مساءً
أمام محل العصير
كانت سلوى تجلس على غطاء السيارة، تلاعب بكعب حذائها في الهواء، بينما وقف مكي أمامها، يحمل كوبين من عصير البرتقال الطازج.
سلوى بإبتسامة مرحة: يعني… أخيرًا إفراج؟
مكي وهو يرتشف العصير: هممم، بس ماتقوليش لحد. سليم خلاص عرف مين ورا مشكلة رشدي، بس مستني الباشا ورشدي يوصلوا للحقيقة.
سلوى بدهشة:طب ليه مابلّغهمش بالمعلومات إللي عنده؟
مكي موضحًا: لإن سليم حلف إنه مش هايتدخل في حاجة تخص رشدي. هو بس كان عايز يطمن إن إللي عمل كده مالوش علاقة بالحادثة. كان شاكك، بس سليم من النوع إللي مايكتفيش بالإحساس… لازم يشوف بعينه.

سلوى بفضول: هي أصلًا إيه مشكلة رشدي؟ عمل له مصيبة؟ أنا عارفة إنه سافل من زمان.
مكي بهدوء:بصي ياسلوى.. من البداية كده، شغلي مش هاينفع أحكي لك تفاصيله. ممكن أقولك حاجات عامة زي دي، لكن الباقي… لأ. متفقين؟ مافيش زعل؟
سلوى ضاحكة: وهزعل ليه؟ ماشي يا سيدي، مش هاقول لماسة حاجة. هو هايقول لها بنفسه… بس طالما سليم وصل، يبقى أكيد هما كمان هايوصلوا.
مكي يومئ برأسه: أكيد. بكرة بالكثير، إسماعيل هايقولهم كل حاجة.
(ثم يبتسم بهدوء)
المهم، ركزي في المذاكرة، مفهوم؟ علشان ماتجيش بعدين تقولي: شِلت مادة، عملت مادة…
لإن بعد آخر يوم امتحان ليكي بيوم، هنكتب الكتاب.
سلوى تضحك: طيب…
فجأة، لمحت فستان زفاف في فترينة محل مقابِل، شردت بنظرها نحوه. لاحظ مكي ذلك، فالتفت وسألها:
مكي بإبتسامة: تحبّي تجرّبيه؟
سلوى بحماس طفولي: جداً!
أخذ منها الأكواب، سلّمها للعامل، دفع الحساب، ثم أمسك بيدها ومشيا سويًا نحو المحل. دخلا، تأمّلا الفساتين، ثم اختارت سلوى واحدًا ودخلت لتجربته.
وما إن خرجت، حتى وقف مكي مذهولًا. كانت كالأميرة… جمالها يسحر العين، ونظراته إليها كانت تقطر حبًا وإعجابا. لم ينطق لسانه لكن نطق القلب و العين
مكي بصوت خافت وهو يحدّق فيها: شكلك زي القمر…
سلوى بخجل:بجد شكلي حلو؟ أنا حاسّة إنّي جوه الفستان!
اقترب منها مكي بعين لا ترمش حتى توقف أمامها قال بنبرة عاشقة:
إنتي بتسألي؟ مافيش بعد كده جمال… إنتِ ملاك على الأرض، والله العظيم دلوقتي بس عرفت إن أمي وأبويا، الله يرحمه، راضين عني… علشان كده ربنا رزقني بقمر زيك.
قبّل يدها، فنظرت إليه بقلق:
سلوى بتردد: هو إنت بجد… بتحبني؟
مكي مبتسم بلطف: إنتِ بجد بتسألي؟
نظرت سلوى بعيدًا، ثم قالت بتردد:
أصل… أحيانًا الواحد بيسأل نفسه: إزاي أتأكد إن الشخص ده هو فعلًا المناسب؟ مش يمكن بعدين يظهر حد تاني، وأحس إنه هو الصح؟ وإن إللي حسيته دلوقتي مجرد إعجاب… مش حب حقيقي يخليّني أتجوزه؟
سكتت لحظة، ثم تابعت: يعني… إيش يضمنلي إنك بعد الجواز، مع المسؤوليات والروتين، ماتجيش وتقول لي: “إنتِ مش البنت إللي كنت بحلم بيها”، وتزهق، وتقرر تمشي؟ أو يظهر حد في حياتك وتقول: “هي ده إللي كان المفروض تكون مكاني؟”
مكي وهو يقترب منها بصوت دافي وصادق:
إنتي بتتكلمي عن نفسك..ولا عني؟
سلوى بعد صمت قصير: عنك، بصراحة.
ضيق مكي عينه قليلا قائلاً بقلق واستغرب: يعني أنا لحد دلوقتي، لسة مخليكي قلقة ومش حاسة بالأمان؟ إيه إللي عملته يخليكي مش واثقة فيّا؟
سلوى بهدوء ممزوج بخوف وصدق:
أنا مش فاقدة الأمان… بس بفكر بصوت عالي.
الحب خوف… خوف من الفقدان. أنا خايفة… تمشي.
رفعت عينيها إليه بثقة وقالت:
أنا عارفة إني بحبك، ومتأكدة إني مش هرجع في قراري، ولا هزهق. أنا اخترتك بإقتناع… بس خوفي، إنك إنت بعد الجواز، تقول مش دي إللي كنت بتدور عليها.
مكي وهو يمسك يدها بحنان: ماتخافيش… مستحيل أسيبك، أنا حبيت روحك، والروح مابتتغيرش.
إنتِ البنت الوحيدة إللي حرّكت فيا حاجات محدش قدر يحرّكها قبلك.
تنهد وأضاف بتوضيح:
أنا قابلت بنات كتير… من كل لون وكل شكل. حتى في الوقت إللي كنا فيه بعيد، بس مافيش واحدة قدرت تخليني أحس بـ1% من إللي بحسه معاكي.
ولما اتخطبنا، اقتناعي بيكي زاد.
ومتأكد إنك إنتِ إللي تستحقي تبقي مراتي وشريكة حياتي
زاد من نظرات العشق وأضاف بصدق واضح:
أنا بحبك يا سلوى… والشيء الوحيد إللي ممكن يبعدني عنك… هو الموت. أنا مابقيتش أقدر أعيش من غيرك.
نظر لها بنظرات عميقة، وابتسم وقال بمزاح محبب:
وبعد الفستان ده والجمال ده… اتأكدي، هتجوزك.
قبّل يدها وضمها إليه. ارتجفت سلوى للحظة، واتسعت عيناها بدهشة… كانت أول مرة يعانقها منذ خطبتهما. لكنها داخل حضنه شعرت براحة، بمشاعر جديدة لأول مرة.
وضعت رأسها على صدره بحب، ورفعت يدها لتبادله العناق، وبعد لحظات… ابتعدا، ينظران لبعضهما بعشق صامت.
رفع مكي يديه واحتضن بهما خديها برقة، ثم قرب وجهه منها وهمس: ماتقلقيش… أنا بحبك، وهتجوزك.
هو فيه حد يلاقي حد يحبه كدة ويمشي؟
إللي يحبك ويمشي… يبقى مجنون. وأنا مش مجنون.
ابتسمت سلوى وهزّت رأسها بخفة، ثم نظرت إلى الفستان وقالت بابتسامة: طب قولي؟ لو ها أختار فستان… أجيب الستايل ده؟
مكي بغزل: بجد يجنن عليكي…
سلوى بحماس: ماشي… أنا هروح أغير، علشان نتغدى سوا لإني جعت أوي.
هز مكي رأسه بإيجاب بابتسامة وهو ينظر لآثارها
قصر الراوي السادسة مساءً
جناح سليم وماسة / الشرفة
نرى ماسة تجلس على الأرجوحة، تتأرجح ببطء بينما تستمتع بنسمات الغروب الهادئة أغمضت عينيها للحظة محاولة الاستمتاع بالهدوء، قبل أن يرن هاتفها فجأة. نظرت إلى الشاشة بإستغراب… رقم غير مسجل.
ترددت للحظة، ثم أجابت بحذر: ألو؟
جاءها صوت شاب من الطرف الآخر: ألو… ماسة؟
قطّبت حاجبيها بتعجب، توقفت عن التأرجح وهي: أيوه، مين معايا؟
الشاب بإبتسامة خفيفة: مختار… مختار هشام.
تنهدت بتذكر، ثم ضحكت بخفة توقفت عند السور: آه! مختار ملزمة.
مختار بإندهاش: مختار ملزمة؟!
ماسة مبتسمة بخجل: آسفة، بس إنت معروف إنك بتعمل ملازم وملخصات، فدماغي ربطت على طول!
مختار ضاحكًا: آه، طبعًا، على أساس إنك تعرفي حد غيري في الكلية أساساً علشان تعلميني بملزمة؟!
ماسة تبسمت: عندك حق! عامل إيه؟
مختار: تمام، وإنتِ؟ بقالك كام يوم مختفية خير؟!.
ماسة بتردد: كنت تعبانة شوية.
مختار: ألف سلامة! طب هاتيجي الكلية إمتى؟
ماسة: كمان كام يوم إن شاء الله.
مختار: تمام، على فكرة، جبت لكِ الملخص إللي طلبتيه.
ماسة: بجد؟ شكرًا جدًا!
مختار: ولا يهمك حاجة بسيطة، سلام.
ماسة: سلام.
أغلقت الهاتف، التفتت خلفها، فتجمدت ملامحها… حين وقعت عينيها على سليم الذي كان واقفًا خلفها، يراقبها بصمت، عيناه تضيقان ببركان صامت من الغضب والغيرة.
شهقت ماسة بخضة: سليم؟! إنت واقف هنا من إمتى؟
سليم بهدوء قاتل: مين ده؟
ماسة باضطراب: ده… مختار.
رأت كيف شدّ فكّه وهو يحاول السيطرة على غضبه، لكنه فشل… عيناه تقدح شررًا.
سليم بصوت منخفض لكنه حاد: مختار مين؟
ماسة بحذر: زميلي في الجامعة
ابتسم سليم بسخرية، لكنها كانت ابتسامة مرعبة أكثر من كونها ساخرة: وجاب رقمك منين زميلك ده؟ واضح إنه فيه عشم جامد.
بدأت ماسة تستوعب أن الأمور تتجه لمنحنى خطير. حاولت تهدئته: ممكن تسمعني للآخر وتهدى؟
سليم بإبتسامة باردة: ما أنا هادي أهو.
قلب وجهه للجهة الأخرى، ثم نظر إليها بعينين قاتمتين وقال بنبرة رجولية: جاوبي..
ماسة بتوتر: معرفش جاب رقمي منين، أكيد من البنات، هو بيعمل ملخصات وكده… بيطلع الأول على الدفعة، والبنات بيتكلموا عنه دايمًا… جبت منه ملازم قبل كده.
تحدث سليم من بين اسنانه: وبيكلمك ليه؟!
ماسة بإرتباك شديد وتلعثم : عشا، عشان يقول لي إنه جبلي الملخص ولاحظ غيابي فبيطمن عليا.
أغمض سليم عينيه قليلًا يحاول استعادة هدوئه، قبض على كفه وكأنه يمسك ببركان داخله، ثم قال بنبرة غاضبة لكنها هادئة: هو مش أنا قولت مافيش كلام مع شباب؟! وإيه لاحظ غيابي فابيطمن دي؟!
حدّق بها بقوة بنبرة رجولية: هو أنا كلامي مابقاش يتسمع ليه يا ماسة؟! أوعي تقوليلي أنا كبرت والهبل ده.
ماسة بهدوء: سليم، لو سمحت، ماتزعقش، أنا بفهمك.
سليم بسخرية خطيرة: أنا لسة مازعقتش! بعدين تفهميني إيه إنتي كسرتي كلمتي؟
رن هاتفها مرة أخرى… نفس الرقم.
نظرت ماسة بعينيها إلى الرقم بتوتر، بينما ظل سليم يحدّق بها بحدة وغيرة رفعت عينيها له ببطء و توتر.
سليم بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا: ده بيرن تاني؟ مش بقولك العشم جامد أوي بينكم… هو مش عارف إنك متجوزة؟
ماسة بتوجس خفيف: كل الجامعة عارفة؟
سليم أمرها بحدة: ردي.
ماسة رفضت بخوف: لا.
لم يمهلها فرصة للمقاومة، خطف الهاتف من يدها، فتح المكالمة ووضعها على مكبر الصوت، ثم نظر إليها نظرة مرعبة بمعنى: ردي.
مختار بصوت مرح: ألو، ماسة؟ نسيت أقولك، عملتي الملخص بتاع دكتور جين ولا خسرتي التحدي؟
ماسة نظرت لسليم بتوتر، الذي لم يرفع عينيه عنها، وكأن نظراته تخترقها.
مختار: ألو؟ إنتي معايا؟
ماسة بصوت متردد: آه… عملته، بس علشان تعبت وماجتش بس هو معايا.
مختار بلامبالاة: عموماً، أنا مستني أشوف ملخصاتك للدكتور جين، وهاتفوزي عليا أو لا؟! خدي بالك من نفسك، يلا سي يو.
أنهى المكالمة.
نظر سليم إليها بنظرة مرعبة تحمل في طياتها سؤالًا واحدًا: فهميني بالراحة … إيه ده؟
ابتلعت ماسة ريقها وقالت بتوتر: أصله زي ماقولتلك، هو بيعمل ملخصات، بس هو في مادة الدكتور دي، كان شارح كتير، فـقولتله: إنت راغي كده ليه فيها؟
قالي: المادة دي مابتتلخصش غير كده.
فـقولتله: أنا أقدر أختصرها أكتر.
قاطعها سليم بنبرة رجولية هادئة، لكنها تحمل رهبة لا يمكن تجاهلها: فـطبعًا قالك ماتقدريش، قولتي له أقدر، قالك تتحديني؟، قولتي أتحداك… صح؟
هزّت رأسها بالإيجاب بتردد واضح، والخوف يكسو ملامحها، ويداها ترتجفان من شدة التوتر.
فهو اذا كان متواجد لم يعرف ماذا حدث بتلك الطريقة التي قالها.
جزّ سليم على أسنانه، والغضب يتصاعد بداخله: يعني قعدتي واتكلمتي وهزرتي معاه؟ وطظ في كلامك يا سليم، وطظ في غيرتك؟
وبعدين تيجي تقوليلي إنت بقيت عصبي ومش عارفة أتكلم معاك، وإنتي أصلاً مابتعمليش غير الحاجات إللي تخلي دماغي تولع… صح؟
لم ترد. فقط نظرت إليه بصمت، وكأن الكلمات قد هربت منها.
ظل سليم يهز رأسه، كأنه لا يصدق مايسمعه. وفجأة، وبحركة خاطفة، قبض على هاتفها بعنف، ألقاه أرضًا، فتحطم وتناثرت قطعه في كل مكان.
شهقت ماسة، ونظرت إليه بصدمة، ثم صاحت بغضب: إنت مجنون؟! ليه عملت كده؟!
لم يمنحها فرصة للاحتجاج، أمسكها من كتفها بقسوة، وجذبها نحوه بعنف، حتى صارت أنفاسه الحارّة تلامس وجهها.
سليم بصوت خافت يحمل في طياته الغضب الذي يحاول كبحه: هو أنا مش قولت ممنوع تكلمي أي زفت من الشباب؟
إنتي ليه عايزاني أطلع وش أنا مش عايزه؟
ليه عايزاني أتعامل معاكي بأسلوب أنا نفسي مش طايقه؟
كان التوتر ظاهرًا على ماسة، تحاول التملص، تريد أن تبرر، لكن سليم لم يترك لها الفرصة. أكمل، دون توقف:
أول مرة عدّيتها ونبّهتك. والتانية النهاردة. نفس الغلطة.
بس أنا هعديها دي مش طيبة مني تؤ، بس علشان تبقى أخدتي كل فرصك وماسمعش حسك تاني… ده آخر تحذير.. ولو اتكررت للمرة التالتة؟
مش هاتشوفي حتى باب القصر، يا ماسة.
نظرت إليه ماسة بغضب، وحاولت سحب يدها بعنف:
أوعى!
قاطعها بنظرة أشد قسوة، وضغط على كتفها بقوة أكبر ينظر بعينه التي تقدح شرار داخل عينيها: هـششش، صوتك مايطلعش…
لإني لحد دلوقتي بحاول أكون هادي…
بلاش تطلعي مني شخصية أنا نسيتها من زمان، وكنت فاكر إني دفنتها..فاهمة؟
نظرت إليه ماسة، وعيناها تشتعلان غضبًا وتحديًا، وقالت بثبات: لأ، مش فاهمة! إيه مشكلتك بجد؟
ده زميل، وأخدت منه ملزمة، واتكلمنا في حاجة تخص المنهج، وقلتله إني ممكن أعملها أحسن منه!
وكلامنا كان كله باحترام وسط الناس…
زي ما إنت بتتكلم مع بنات وستات في الشغل…
ولا هو حلال ليك وحرام عليا؟
(حاولت التملص من قبضته وهي تتألم) آااه… شيل إيدك بقى!
لكنه لم يتركها، وظل ممسكًا بها بقوة. نظر إليها طويلًا، ثم قال بجمود: أنا كلامي واضح، ومش هعيده تاني.غلطة واحدة…ووقتها ماتلوميش غير نفسك.
عايزة تجربي؟ جربي..وساعتها، ماحدش هايخسر غيرك يا ماستي المتمردة.
جزّت ماسة على أسنانها وسحبت كتفها بعنف، ثم انفجرت بإنفعال: أنا زهقت من تهديداتك دي!
لم يرد. فقط نظر إليها بحدة، ثم استدار وغادر الغرفة دون أن ينبس بكلمة.
توقفت ماسة في مكانها، تنظر إلى أثره بغضب مكبوت، أنفاسها تتسارع، ودموعها تلمع في عينيها وهي تحاول السيطرة على انفعالها.
كل ذلك، كانت تتابعه فايزة من الشرفة السفلية، تحتسي قهوتها بإبتسامة سعيدة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ زمن.
بينما سليم هبط إلى الطابق السفلي، توقف للحظة في الحديقة. كان الغضب يعصف بملامحه، وأنفاسه المتسارعة تكشف عن شدة مايشعر به. حاول جاهدًا أن يهدأ، فالمشكلة التي وقعت لم تكن في وقتها على الإطلاق، لا سيما في ظل أزمتهما الحالية.
كما نعلم، العلاقة بينهما باتت هشّة، بالكاد يتبادلان كلمات خفيفة. ومشكلة كهذه، حتى وإن كانت بسيطة، قد تُعمّق المسافة بينهما أكثر. خصوصًا أن الوقت لم يعُد كما كان من قبل؛ الأمور ازدادت تعقيدًا.
هو لا يعلم أنها اختارت الصمت لأنها تخشى أن يتشاجرَا، بينما هي لا تدري أنه هو الآخر آثر السكوت خوفًا من خسارتها.
وأثناء وقوفه في مكانه، رنّ هاتفه فجأة. كانت المتصلة السكرتيرة نور.
نور: ألو، مساء الخير مستر سليم.
سليم: مساء النور، خير يا نور؟ فيه حاجة؟
نور: آه، أنا كنت ببلّغ حضرتك ماتنساش تبعت إيميل المناقصة، علشان النهارده آخر يوم، والميعاد النهائي الساعة 12.
سليم: طيب، حاضر. سلام.
أغلق سليم الهاتف ووضعه في جيبه، ثم ظل واقفًا، يرفع بصره نحو الأعلى، يفكر في علاقته بماسة،
كيف وصلت إلى هذا الحال؟ وماذا ينتظرهما في قادم الأيام؟
عندما انتهى اليوم، دخلا إلى الغرفة. لكن هذه المرة، لم يتبادلا أي كلمة. لا حتى “مساء الخير”. دخل واستلقى بجانبها في صمت تام. سكوت ثقيل خيّم على المكان، كأن الزمن توقف عند لحظةٍ لا يُراد لها أن تمضي.
بالطبع، لم ينم أيٌّ منهما. كلاهما كان مستيقظًا، عيونهما مفتوحة، ونبضات حزينة تطرق صدريهما بشدّة. الحزن لم يكن عابرًا، بل مقيمًا، يخنق النَفَس ويقطع نياط القلب.
ومع ذلك، ظل الصمت هو الخيار الوحيد؛ لأنه في تلك اللحظة، كان أقلّ ضررًا من الكلمات.
وما لم ينتبه له أحد، أن سليم نسي أن يرسل البريد الإلكتروني. ببساطة، لم يكن منشغلًا إلا بشيءٍ واحد… ماسة.
مجموعة الراوي العاشرة صباحًا
مكتب عزت
عزت جالسًا خلف مكتبه، ملامحه مشدودة وكأن التوتر يسيطر عليه، ووجهه كان متجهمًا بشكل غير معتاد. على الكراسي أمامه، جلس رشدي وفايزة، بينما وقفت نانا ونور أمامهم.
نظر عزت إلى نور بنظرة حادة، ثم رفع صوته قائلًا:
إزاي إيميل بالأهمية دي مايتبعتش؟! إنتِ كنتِ فين يا أستاذة؟! مش إنتِ مديرة مكتبه؟ ازاي ماكدتِيش عليه إنه يبعث أوراق المناقصة؟
ردت نور بصوت متوتر: يا أفندم، أنا بلّغت سليم بيه، وقال لي إنه هايبعت الإيميل بنفسه. كنت فاكرة إنه خلاص بعتهم… وأنا بلغت إن سليم بيه إن حضرتك عايزه ضروري، وهو جاي حالا.
قبل أن يتفاقم الموقف أكثر، دخل سليم.
هدوءه كان مخيفًا، وكأن كل شيء من حوله لا يعنيه.
جلس على الكرسي أمام فايزة ورشدي، و وجه نظراته لعزت دون أن يهتز رمشه.
سليم بهدوء: بلغوني إنك عايزني يا باشا… خير؟
نظر عزت له بنظرة ملتهبة غاضبًا، وقال بعصبية:
إزاي المناقصة دي راحت مننا؟
سليم بنفس البرود: نسيت أبعت الإيميل.
اتصدم عزت، وصوته أصبح حادًا: مناقصة شغالين عليها بقالها ٣ شهور! وفي الآخر تقول لي نسيت؟! ببساطة كده؟
سليم هز رأسه بابتسامة باردة: أمم… بالبساطة دي.
فايزة متسائلة: ومين هايعوضنا الخسارة؟
نظر لها سليم لحظة وقال بإبتسامة باردة: إنتوا.
كاد عزت أن يعترض، لكن سليم نظر له بنظرة حادة قطعت أنفاسه.
وقال بصوت خافض لكن مليء بالقوة،:
إيه المشكلة لما تتحملوا الخسارة؟
ما إنت يا باشا عديت لناس تانية أخطاء أكبر من كده…
أبنك الفاشل، وإخواتي التانيين، كانوا هايضيعوا الإمبراطورية دي كلها.
وكان مصيركم في الآخر زي مسلسل الشهد والدموع…
الهانم مشلولة على كرسي، وإنت واقف على باب الحسين مختل تقول “منه له… جاي رايح منه له”…
(ضحك وأكمل بسخرية)
وإخواتي الأعزاء؟ يا هربانين، يا مافيا هاتدبحهم.. هما وحظهم بقى.
حاول عزت يرد، لكن سليم سبقه بنظرة أقوى.
بدأ يعد على أصابعه: قدامك حلين، مالهمش تالت.
الأول تعتبر إللي حصل ماحصلش وتتحمل الخسارة والثاني أعتبر إللي حصل ما حصلش وأتحمل الخسارة.
صمت عزت وفايزة لحظات، كلاهما يعرفان جيدًا هذه النسخة من سليم، النسخة التي إذا انفجرت… لن يستطيع أحد إيقافها. وهما في حاجة إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.
مسح عزت على وجهه وحاول تدارك الموقف وقال: أنا يا سليم ماقلتش حاجة مافيش مشكلة لما تغلط.
لكن سليم الراوي لما يغلط غلطة زي دي، بالنسبة لي بتبقى كبيرة… أنا واخد على الفشل من إخواتك،
لكن إنت؟ إنت دايمًا بتكسب وبتسحق أي منافس.
أنا مش بحاسبك، أنا بعاتب ابني… وريث العرش.
مش عايز مشاكلك مع ماسة تبقى السبب إنك ماتشوفش شغلك كويس.
رد سليم بسرعة، ونبرته بدأت تعلو: ومين قال لك إن عندي مشاكل مع ماسة؟ ومين قال لك أصلاً إن ده السبب؟ أنا وماسة كويسين جدًا، وحياتي مستقرة.
ومش مجبر أبرر ليك أنا نسيت ليه.
نسيت… وخلاص.و أنا أهو قلت لك الحل: إنك تعتبر إللي حصل ده ما حصلش..
عزت بهدوء: طب ابقى أقعد مع رشدي عايز تقييم مفسر عن مدينة الجديدة.
سليم: تمام.
قال كلماته تلك وتحرك للخارج وبعد خروجه.
عزت وهو يتوقف: أنا رايح ألف شويه على المصانع حضر ورقك يارشدي وأقعد مع سليم.
رشدي: تمام يا باشا..على فكرة إسماعيل وصل لرحيم وهايجيبه النهاردة.
عزت: عارف.
قصر الراوي
مكتب عزت السادسة مساءً
عزت واقفًا أمام مكتبه، وعيناه تتنقل بين سليم وفايزة ورشدي الجالسين على المقاعد الأمامية. الباب يُفتح، ويدخل رحيم وخلفه إسماعيل ومعهم أحد الحراس.
ابتسم عزت وهو ينظر إلى إسماعيل: ماتوقعتش بالسرعة دي هاتوصله؟!
رد إسماعيل بتفاخر: أنا رجلك يا باشا، راجل المهام الصعبة.
نظر عزت إلى رحيم بنبرة حادة ولكنها هادئة: عملت كده ليه؟ مش عوضتك وقفلنا الموضوع؟ وصلني إنك طلبت إن سليم يبقى موجود، أهو سليم حاضر زي ماطلبت من إسماعيل( بشئ من التهديد)هاتتكلم بإحترامك؟ ولا أخليك تتكلم بطريقتي؟
تردد رحيم قليلًا، ثم قال بصوت منخفض:صح يا باشا، عوضتني، بس رشدي فضل مرازيني فترة طويلة… لولا سليم بيه تدخل ووقفه، الله أعلم كان هايعمل إيه! بعدين… أنا مش عارف أعيش حياتي يا باشا. مافيش واحدة قادرة تقبلني بإيدي المقطوعة دي. كل إللي بيعرف إني مركب إيد صناعي بيسيبني.
قطب عزت حاجبيه قليلًا، ثم سأله: علاقتك إيه بـ نيللي؟
رحيم بنبرة حزينة: صحاب… كمان صاحبة حبيبتي السابقة الأنتيم… كانت شيفاني زعلان ومخنوق، بالأخص لما حبيبتي اتخلّت عني وصاحبت رشدي.. عرفت الحكاية مني، وقالتلي: سبهولي وهنتقم لك منه، حركة جدعنة يعني، الاتفاق كان إنه يحبها وهي تسيبه وتعلمه يضرب كوك. الموضوع جه صدفة… وأنا الصراحة كان على هوايا. كنت بتواصل معاها من وقت للتاني.
صرخ رشدي بغضب وهو ينهض واقفًا: أنا هقتلك يا رحيم! هخليك عبرة! علشان إللي يفكر يقرب من رشدي باشا، يعرف مصيره الموت.
أرتبك رحيم، رفع يديه وكأنه يحتمي: أنا كنت بحاول آخد حقي يا باشا…
نظـر إلى سليم يحاول استعطافه: سليم بيه، أنا عايز منك الأمان. عارف إنك مالكش علاقة، ومافيش مقابل لده، بس أنا متعشم في نبلك.
تدخلت فايزة بقوة قالت بأرستقراطية: مالكش دعوة بسليم، إنت صعلوك ولازم تتربى على إللي عملته ده. عزت، أوعى ترحمه. مادام اتجرأ مرة، هايعملها تاني لازم يعرف مقامه إللي يتجرأ على أسياده نهايته إيه؟!
حين استمع سليم لحديث فايزة ارتسمت على شفتيه نصف ابتسامة ساخرة على حديث فايزة
بينما رحيم بصوت باهت واستنجاد: سليم بيه…
رد عزت بحدة: قلت لك مالكش دعوة بسليم. مش هو إللي هايديك الأمان، أنا إللي هاديهولك. بص يا رحيم، إنت كنت بتلعب بالنار مع حد من ولادي…حتى لو هو أكبر مشكلة في حياتي وعملي صداع، بس هايفضل ابني. مستحيل أختارك عنه..
أكمل في هدوء:
أنا أول مرة رشدي أذاك فيها، جبتك وأكرمتك وعوضتك واديتك حقك، وشغلتك في المجموعة عشان تسكت… لكن واضح إن الجرح كان لسة مفتوح، وده خلاك تتهور وتحاول تلعب اللعبة السخيفة دي..
أضاف بقوة مصحوبة بتهديد:
إنت شاب حقير …صرصار أفعصك تحت جزمتي، بإشارة مني. أنهيك أنت وكل عيلتك؟ ولا حتى هاتقدر على إللي هايعمله رشدي فيك علشان ياخد حقه؟!
أنا عارف إنت طلبت سليم ليه؟ لأنك عارف من البداية إنه كان معاك، وقال لك لو حصل حاجة كلمني وهبقى معاك…إنت ذكي يا رحيم، بس صدقني… مش وجود سليم ولا طلبك منه الأمان إللي هيقفل الموضوع..
تنهد في هدوء ثم أضاف:
أنا هعدّي إللي حصل… علشان إنت شاب غلبان، وعلشان سليم…هو إللي اتصدر لك في الموضوع. بس لو فكرت تعملها تاني… إنت والعيلة الكريمة… هانترحم عليكم علشان جرحك إللي وجعك ده يخف للأبد..فهمت يا رحيم؟
سكت رحيم قليلًا، ثم قال بهدوء: فهمت يا باشا.
طوال الوقت كان سليم يجلس بهدوء، يبتسم نصف ابتسامة، يراقب الجميع دون تدخل لكن بالطبع لم يعجبه ما يحدث.
صرخ رشدي فجأة: إنت هاتسيبه يا باشا؟!
سحب مسدسه وصوّبه نحو رحيم، لكن المفاجأة بحركة سريعة.. توقف سليم خلفه، مصوّبًا مسدسه إلى مؤخرة رأسه.
أرتفع صوت عزت هادرا: سليم… رشدي… نزّلوا السلاح.
فايزة كانت في صدمة. إسماعيل والحراس حاولوا تهدئتهم.
صرخ إسماعيل: اهدوا أنتم الأتنين! سليم نزل السلاح سليم.
قال سليم بقوة هادئة: نزل مسدسك يا رشدي. أكيد النهاية بنا مش هاتبقى علشان رحيم. خلينا يوم مانقتل بعض يبقى على حاجة أهم. نزل سلاحك… ده طلب حمايتي، وصدقني… أي حد أذاك وحاول ياخد حقه، والله لأساعِده.
تلفت رشدي بجسده إليه بنظرة حقد: إنت بتكرهني ليه؟
سليم ببرود: لله ف الله…إنت تتكره ولازم تفهم ده.
ثم نظر لإسماعيل وقال بأمر: خد رحيم وأمشي… هو في حمايتي، ولو حصل له حاجة… أنا هحاسبك إنت.
ثم نظر لرحيم: وإنت يا رحيم… نصيحة، أبعد. اللعب مع دول بيزعل. النهاردة أنقذتك… المرة الجاية… الله أعلم.
هز رحيم رأسه بإيجاب وخرج مع إسماعيل، وأدخل سليم مسدسه في خصره، بينما رشدي ينظر له بغلٍ ظاهر.
عزت بصوت غاضب: إيه إللي كنت هاتعمله ده يا رشدي؟! بترفع سلاحك وأنا موجود؟! أنا قلت كلمتي…و لازم تتنفذ خلاص، مافيش احترام.
صرخ رشدي: حقي!
سليم بقوة: مالكش حق! إنت ضيّعت الراجل! دمرت حياته! سيبت عليه الكلاب قطعت دراعه ورجله وكان هيموت… وإنت كنت واقف بتتفرج وبتضحك وتقول جزاته! جزاته ليه؟! علشان بيدافع عن شرفه؟! إنت سادي يا بني!
رشدي ببرود: أهي سابته ونامت في حضني… واحدة صايعة وبعدين أنا رشدي الراوي مين ده علشان يمد أيده عليا كان لازم أكسرها بطريقتي.
مرر سليم عينه عليه باشمئزاز: أنا مش هتكلم مع واحد زيك الكلام معاك مضيعة للوقت..
نظر داخل عينيه بقوه وتهديد: لو قربت منه، والله لأقتلك وأخلص البشر من شرك. لإني زهقت منك … . ومش تهديد المرة دي، دي معلومة هاتتنفذ.
ثم نظر لعزت وفايزة: والله لأقتله لو عمل حاجة تاني. أنا بقولكم أهو. عشان إللي عمال يقتل فيهم ويأذيهم… ولاد ناس مش تماثيل.
رشدي بسخرية: حنين أوي… الله يرحم لعبة الصياد.
سليم: كنت بلعبها مع عصابات… يستاهلوا الحرق. قتلتهم قبل ما يقتلوني. وبعدين… أنا توبت، وبعدت. لكن إنت؟! مافيش مرة قتلت فيها حد، وكان ليك حق، إنت بتقتلهم وبتأذيهم للمتعة. إنت مريض… وأنا مش عايز أشوف وشك تاني، فاهم؟
عزت بقوة: سليم! بالراحة خلينا نتفاهم،، رشدي المرة دي مغلطش أخوك كان هايضيع!
رد سليم بحدة: مافيش تفاهم ! لأنك عمال تغطّي على جرايمه! وأخطاؤه! وعجبك إللي بيعمله، هو بيدفع ثمن جرايمه يا باشا…! ومادام خايف عليه ماتدخلنيش، أنا عندي حاجات أهم منكم ومن مشاكل إبنك الندل ده.
قال كلماته تلك تركهم ورحل
رشدي بسخرية وهو ينظر لآثارة: عامل فيها شيخ الفضيلة، وهو ماضيه أسود نسي نفسه، وانه جملة المفضلة( عايز تأذي حد إإذيه في أقرب ماليه) ماشي عنينا يا كراميل.
رد عزت بقوة: المهم إنه اتعلم من أخطاؤه وبطلها مش زيك..
رشدي بسخرية: بطلها علشان ست الحسن! ترضى عليه.
عزت بجديّة: مش مهم علشان مين… المهم إنه اتغير، حتى لو بسبب واحدة. تصدق؟ أنا كمان مش عايز أشوفك. وأسمعك… لو عملت حاجة للواد ده… أنا مش هرحمك. مش حب في الشاب… بس عناد معاك. عارف ليه؟ لإن ده إللي هايربيك يا رشدي. أي حاجة تبقى عكس إللي إنت عايزه بتجننك. أنا كدة بربيك وبعاقبك.. جرب بس تهوب ناحيه رحيم… وأنا هسحقك.
تركه هو الآخر ورحل
تبقى رشدي وفايزة في الغرفة… ألتفت إليها وقال:
إيه؟ مش عايزة تقولي حاجة؟ ضيفي إنتِ كمان؟ أي تهزيء أي تهديد أنا مستعد.
فايزة بإختناق تحدثت بالاستقراطيه بخنافه من طرف انفها: أخرس .. لحد إمتى هتفضل نلم وراك، مش ناوي تعقل كان ممكن أقدر أخليك تاخد حقك من الحشرة ده من ورا عزت أو حتى أخلي عزت في صفنا… لإنه يستاهل اتجرأ على أسياده، بس هتفضل متهور وتضيع حقك، إنت بترفع مسدسك قصاد عزت وكمان سليم اتجننت.
اقترب منها وقال بجدية خبيثة: بقولك إيه فكك وركزي معايا… أنا جتلي الفكرة إللي هاتطفش ماسة من هنا… ومحتاج مساعدتك، ده الأهم دلوقتي بلا رحيم بلا بتنجان.
نظرت إليه بشك: إيه نوع المساعدة وهاتعمل إيه؟
ابتسم رشدي: هقولك… بس ركزي أوي لإن المرة دي والله هاتطفش.
في جناح سليم وماسة
الإضاءة خافتة قليلًا، شاشة التلفاز تعكس أضواء متحركة على وجه ماسة، التي تجلس على الأريكة بوضعية الجنين. رأسها مستندة على المسند، وذراعاها تحيطان بجسدها، وكأنها تحاول احتضان نفسها. على الشاشة، يُعرض فيلم “بطل من ورق، تبتسم بخفوت مع المشهد، لكن عينيها تحملان شرودًا أبعد من مجرد متابعة الفيلم.
يُفتح الباب بصمت، يدخل سليم ويغلقه خلفه بهدوء. يتجه نحوها، يجلس بجانبها دون أن يقطع المسافة الفاصلة بينهما.
سليم بصوت هادئ: مساء الخير.
ماسة عيناها لا تزالان على التلفاز: مساء النور.
تمر لحظة صمت، قبل أن يسأل سليم دون أن ينظر إليها: عاملة إيه؟
ماسة بهدوء جاف: تمام… أخليهم يحضرولك العشا.
إنت متعشتش معاهم.
نظر إليها سليم، يتأمل ملامحها التي لم تعد تحمل دفء الأيام الماضية، ثم أشاح بنظره للأمام وهو يفك أزرار كم قميصه.
سليم: هدخل آخد حمام، وبعدين نتعشى سوا إنتي كمان ماكلتيش.
ماسة ببرود: تؤ ماليش نفس، أنا هطلب لك دلوقتي، عقبال ماتخلص يكون جاهز.
حاولت النهوض، لكن يده أمسكت بمعصمها بلطف، تمنعها من الحركة نظرت له ماسة متعجبة فتلك المرة الأولى التي يمسك يديها ويتحدث معها منذ أيام بعد مشكلتهم الأخيرة.
سليم بنبرة هادئة تحمل شيئًا خفيًا، كأن هناك ما وراء الكلمات: خليكِ يا ماسة، كملي الفيلم… أنا عارف إنك بتحبيه، أنا هطلبه.
نظرت إليه للحظة، هزت رأسها بالإيجاب دون أن تنطق، عادت بعينيها إلى الشاشة، لكن لا شيء فيها يثير ضحكتها كما كان منذ لحظات.
نظر سليم أمامه، خلع ساعته ببطء،. وكأنه يحاول كسر الجدار بينهما، تحدث بصوت محايد:
على فكرة… بكرة ممكن تروحي الكلية عادي.
هذه المرة، التفتت نحوه بعينيها فقط، صمتها يحمل أكثر مما قد تحمله الكلمات. مرت لحظة طويلة، قبل أن تهمس دون تعبير واضح: متشكرة.
هز رأسه بتفهم صامت، ثم نهض دون إضافة شيء.
سليم بصوت خافت وهو يتحرك نحو الحمام: ها أدخل الحمام وها أكلمهم.
بقي الصمت هو سيد اللحظة، والصوت الوحيد الذي يملأ الغرفة هو صوت الفيلم… لكن ماسة لم تعد تسمعه حقًا.
💞______________ بقلمي_ليلةعادل(⁠•⁠‿⁠•⁠)
في أحد الشوارع الجانبية، العاشرة مساءً.
في أحد الشوارع المجهولة تتوقف سيارة جيب في منتصف الطريق، وتفتح أبوابها بصوت منخفض. نرى رحيم يجلس داخل السيارة، بجانب الرجل الذي قابله من قبل. يلتقط الرجل الأوراق بهدوء وحذر، ويقدمها له.
الرجل: دي الأوراق… حساباتك في البنوك برة كلها متقفلة. ماتحاولش تشتري حاجة دلوقتي، أكيد مراقبينك.
رحيم بتوتر: طب أعمل إيه دلوقتي؟
الرجل: بعد شوية هاتروح لعزت وتطلب منه إنك تسافر، قول له إنك خايف من رشدي. هو هايوافق، وساعتها مش هايبقى فيه رقابة عليك.
هز رحيم رأسه بموافقة: تمام، هعمل كده.
الرجل بتنبيه حاد: المهم، الفلوس الكاش إللي خدتها، تصرفها بالعقل، ماتصرفش كتير. عزت هايفضل مخلي عينين رجالته عليك لغاية فترة، وأفتكر حاجة…إنت ولا شوفتني ولا تعرفني.
رحيم مستفسرًا بفضول: طب متقولي مين إللي ورا اللعبة دي؟ رشدي والله يستاهل إللي كان هايتعمل فيه.
نظر الرجل بعينيه الحادتين: مالكش دعوة بمين، وماتسألش كتير ولا تفكر. لازم تفهم يا رحيم، إللي بيسأل كثير وبيعرف، نهايته بتكون مأساوية صدقني كده أمان ليك ولعيلتك.
نظر رحيم له بتوتر خفيف ثم ابتسم وقال:
يا باشا، أنا مش فارق معايا غير الفلوس وإنك تبعد رشدي عني. غير كده مش فارق لي. أنا بس كنت عايز أعرف، فضول مش أكتر. سلام.
فتح رحيم باب السيارة وخرج منها، ثم صعد إلى سيارة أخرى.
تحركت السيارة الجيب بسرعة، تتهادى وسط الطرق الترابية حتى وصلت إلى أطراف الصحراء. هبط منها الرجل بخطوات حذرة، يقف في العتمة، يتلفت من حوله. الصمت مخيف… والظلام حالك.
وفي هذا المكان المعزول، الذي إن صرخ فيه أحد فلن يسمعه بشر، قابل رجلًا آخر ينتظره.
تقدم الرجل بخطوات بطيئة وقال بصوت منخفض:
صامد باشا، خلاص… نفذت إللي إنت عايزه. رحيم خد الفلوس والأوراق، وعزت باشا أداله الأمان.
ابتسم صامد ابتسامة باردة، مرعبة، وقال بهدوء شيطاني: إنت كدة مأموريتك خلصت… يا فتحي.
قبل أن يلتقط فتحي أنفاسه، أخرج صامد سكينًا لامعة من جيبه، وغرسها في رقبته بخفة يد قاتل محترف. لم يرمش… لم يرتبك… وكأن ما فعله لا يتعدى روتينه اليومي.
تهاوى فتحي على الرمال، والدم يغرق وجهه.
اقترب رجلان من الخلف، واقتربا منه بهدوء.
قال لهما صامد بجفاف: ادفنوه خدوا منه تليفوناته واحرقوها.
ثم ابتعد خطوات قليلة، أخرج هاتفه وضغط على رقم محفوظ مسبقًا. رفعه لأذنه وقال:
أيوه… مينا باشا. الموضوع خلص. قتلت الوسيط. كده حتى رحيم لو شك… مش هايعرف يوصل لحاجة، لإن إللي لقنه الكلام بقى تحت التراب ولو تحب اخلص لك على رحيم كمان عينينا يا باشا احنا خدامينك.
جاءه صوت مينا من الطرف الآخر، هادئًا، لكن يحمل تهديدًا خفيًا:
طب يا صامد… نصيحة منّي. خليك فاكر إن إللي لسانه بيفلت، بيحصله نفس إللي إنت لسه دبحه حالا.
ضحك صامد بخفة وقال: أصلي يا باشا… إحنا خدامينك، يا مينا باشا. بس ما تنساناش… دايمًا كدة بفلوسك الحلوة.
مينا: خلي عينك على اللي اسمه رحيم ده لو حسيت ان هو بيسال كتير، او يدور اتخلص منه على طول بس عرفني الاول وخد التمام.
صامد: تمام يا باشا.
قصر الراوي الواحدة صباحاً.
في غرفة نوم طه ومنى،
نرى منى تجلس على الفراش. على ملامحها ارتسمت راحة غريبة، وسعادة خفية تشير بأن خبرًا سعيدًا قد وصلها تواً.
همست منى في الهاتف: خلاص؟… رحيم أستلم الفلوس؟… عزت نفسه إللي وعده؟… الله ينور…، المهم متأكد إن مستحيل حد يوصّل إن الموضوع تبعي … تمام يا حسام. قتلت الوسيط، 100 100 في 60 داهية، وإنت مالي إيدك من إللي اسمه مينا ده ما تقتله هو كمان .. طيب،….أهو القلب بدأ يروق… قل لبابا يديني مهلة شهر، هبيع شوية من المجوهرات وأبعتله الفلوس
أنهت المكالمة، وتنهدت بارتياح واضح. ابتسمت لنفسها وهي تمد يدها لتضع الهاتف على الكومود، لكنها توقفت فجأة. في انعكاس المرآة..لمحت طه
متوقفا خلفها، عينيه تحملان صدمة حارقة، كأن الأرض انسحبت من تحت قدميه.
طه بصوت خافت مذهول: إللي أنا سمعته ده…حقيقي يا منى؟
تجمّدت نظرات منى نحوه. اتّسعت عيناها قليلًا، وكأن عقلها يعمل بسرعة جنونية يبحث عن مخرج. لوهلة بدت وكأنها ستنهار، لكنها سرعان ما ابتسمت… تلك الابتسامة الخبيثة التي كانت تسبق لعبة كبرى.
ألتفتت منى له وقالت بحدّة مفاجئة:
أيوه حقيقي! كنت عايزني أعمل إيه؟! رشدي كان بيهددني بولادي! أقعد أتفرّج عليه؟ ولا أستنى لما يخلص عليهم واحد واحد؟!
اقترب طه خطوة، وعيناه مازالتا لا تصدقان: يعني إنتِ إللي كنتي ورا نيللي؟
منى بثقة وقوة: إنت مشكلتك إنك بتستهين بيا، زيهم بالضبط! بس أنا مش غبية… ولا ضعيفة!
أنا خليتهم يصدقوا إني طماعة وبلهاء، بس كنت شايفة كل حاجة من ورا الستار.
طه مندهش: طب ماخفتيش؟ من رشدي أو الباشا؟ أو سليم يعرفوا؟
منى: خفت؟ طبعًا خفت… بس كنت حاطة خطط بديلة، مافيش مرة كلمت نيللي من تليفوني. كنت بجيب خطوط مالهاش اسم، من الأكشاك، وبكلمها من أماكن مختلفة… تاكسي، مترو…مافيش خيط ممكن يربطني بيها.
طه: طب ولو نيللي كانت رفضت؟
منى مدت وجهها بلا مبالاة: كنت هلاقي غيرها.
طه: بس هي حبت رشدي… ماخفتيش تفضحك؟
منى ببرود قاتل: يوم ما كنت أحس إنها هاتعمل كده… كنت هقتلها.
ثم نظرت إليه متعجبة وقالت بتهكم:
هو إنت زعلان عليه؟! ده رشدي إللي هددك بولادك، وكان عنده استعداد يدفنك لو وقفت قدامه.
طه: اكيد مش زعلانه، ومش هو بس… عماد وصافي كمان.
منى بهدوء مريب: بس أنا بقيت لوحدي.
مابقتش معاهم، وكان لازم أحمّي نفسي وولادي، بعد ماحضرتك قررت تتنازل عن الكرسي ولو ماعرفناش ناخد الشجرة، على الأقل ناخد التفاح
زفر طه بأنفاس مخنوقة، وصوته صار أهدأ لكنه يحمل إنذارًا صريحًا: بصي يا منى… أنا مش هعمل حاجة دلوقتي، علشان رشدي يستاهل إللي حصل له.
بس لو طمعك اتسبب في أذى ولادي، أو خلاكي تلمّسي سليم أو ماسة، أنا بقى أول واحد يوقفلك.
صمت لحظة، ثم تابع بجدية:
قولي لي كده بصراحه في حاجه بتحصل؟!
منى بتوضيح: لحد دلوقتي لا، هما خايفين علشان سليم مراقبهم. ورشدي بيقول عنده فكرة جهنمية بس مستني اللحظة. وعلى فكرة، الهانم معاهم.
بعدين انا قلت لك انا ما بقتش معاهم خلاص
كل اللي كنت عايزاه انتقم من رشدي وبس.
طه بغضب مكتوم: أنا مش فاهم، ماما دي بتفكر إزاي؟ منين بتساعدهم؟ وحاطة إيديها في إيديهم ومنين حاطة عينيها عليهم؟ مش مأمنة لهم.
منى تبسمت بذكاء: هي بتحسبها صح… بتساعدهم علشان يخلصوا على ماسة، وبعد كده هاتنقلب عليهم كلهم، بمجرد إنها تخلص على ماسة، هاتبدأ تكشر عن أنيابها.
طه تساءل بقلق: المهم إنتِ متأكدة إن الموضوع انتهى؟
ابتسمت منى بتأكيد: أكيد.
سألها طه: حسام ورفعت هما إللي ساعدوكِ؟
منى: طبعًا. مين هايساعدني غير أهلي؟.
طه محذراً: بس خليهم برضو مفتحين، الباشا مش سهل… بس خطتك فشلت نيللي مانجحتش خالص؟
جلست منى على الفراش وقالت بفحيح افاعي:
مين قال لك كده رشدي، أخذ أكتر من جرعة،يمكن ماوصلش لمرحله الإدمان إللي أنا كان نفسي يوصلها، بس نيللي الله يرحمها قبل ما أخوك يقتلها كانت خلته يحب الإحساس إللي بيحسه وهو واخد سطر، فالخطة نجحت وأنا متأكدة شوية ورشدي هاينتهي، ولو مانتهاش أنا هخليها تنتهي بجرعة زيادة زي نيللي بالظبط علشان يبقى بعد كده يهددني بولادي تاني، أنا خايفة على الولاد لإن أخوك ده قذر
طه بحسم: وأنا ساعتها هساعدك يا منى لإني أكتر واحد عارف إن رشدي مش بتاع تهديد.
منى بنظرة ثابتة: كدا اتفقنا.
♥️_______بقلمي_ليلةعادل_________♥️
غرفة رشدي
دخل رشدي الغرفة بعد حديثه مع فايزة عن الخطة التي لا نعرف عنها شيئًا.
ابتسامته كانت تضيء وجهه، وكأن شيئًا لم يحدث.
دخل بثقة، خطواته ثابتة وكأن الدنيا كلها تدور في محيطه.
جلس على الفراش، ابتسامته لم تفارقه.
فتح الكومودينو وأخذ كيسًا يحتوي على بودرة بيضاء، وضعها على يده وشم بعضا منها.
شعور بالانتشاء غمره فجأة، وابتسامته زادت، وأغمض عينيه للحظة وكأن الهموم اختفت.
تذكر حديث فايزة، وكأن كلماتها تتردد في أذنه الآن.
فايزة بتنبيه: أنا هوافق على الخطة… بس لازم أنبهك يارشدي، مش هسمح بأي غلطة تحصل تاني… أنا مش بهوش، ولما قلت لك هقول لعزت كل حاجة، مش هقول لك إني هستخدم الأدلة إللي مسكاها عليكم… لكن كلمتي هاتبقى قدام كلمتكم، وإنت عارف عزت كويس.
رشدي بصوت هادئ: قلت لك، أنا عايز رضاكي.ورضاكي يعني إنك هاتخلي سليم يوافق على مشاريعي، وتخلي الباشا يخف علينا شوية.
هو ده هدفي، خلاص أنا عارف إن الكرسي ده أكبر مننا.
ردت فايزة بهدوء وحسم: وأنا يهمني المصلحة وبس.
عاد من ذكرياته
ابتسم رشدي ابتسامة خبيثة، فتح عينيه ببطء وقال بصوت منخفض: مصلحتك…عينيا الاتنين. نحققهالك، وساعتها مصلحتي هاتتم…مشكلتك يا فايزة هانم إنك مش شايفة قد إيه ماسة ممكن تنهي سليم. في بعدها عنه… ويا رب تفضلي معمية كده على طول.
أمسك اللاب توب وفتحه ثم بدأ العمل به.
💞________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
الجامعة الأمريكية التاسعة صباحا
كلية الآثار، قاعة 210 – قسم المصريات
دخلت ماسة بخطواتٍ واثقة، تحمل بداخلها لهفة اللقاء، وعلى وجهها ابتسامة غابت لأيام.
وقعت عيناها سريعًا على ريماس وداليا ولين، يجلسن في القاعة،وتتعالى ضحكاتهن و وكأن الزمن لم يتوقف.
اقتربت منهن، فتحت ذراعيها بحماس: أنا جيت.
نهضت داليا بسرعة: يا بنتي وحشتينا، فين الغيبة دي؟
ريماس جذبتها لتجلس بينهم، تعالي أقعدي هنا، احكيلنا، فينك من أسبوع؟
لين رمقتها بنظرة طويلة: كنتي تعبانة؟ ولا سليم قالك ماتجيش؟ قولي بقى، إحنا صحابك.
ابتسمت ماسة بهدوء وهي تجلس: قلتلكوا كنت تعبانة شوية وخلاص.
داليا لم تقتنع: تعبانة؟ ولا فيه أوامر عليا؟
نقلت ماسة الحديث بمهارة فهي لا تريد ان تتحدث في تلك الأمور: طب قولولي، إيه إللي فاتني؟ دكتور أسامة اتكلم عن إيه آخر مرة؟
وبدأن يسردن لها ما فات، ضحكاتهن تتداخل مع شرح المحاضرات ومواقف الأساتذة، حتى دخل الدكتور وبدأ الدرس، فانصت الجميع، وسادت القاعة أجواء من التركيز التام.
وبعد انتهاء المحاضرة وخروج الدكتور، التفتت ريماس نحو ماسة بحماس: ما تيجي نخرج يا ميسو ، نغير جو.
هزت ماسة رأسها موافقة: خلاص ماشي، نخليها بعد بكرة علشان أقول لسليم يعمل حسابه
ضحكت داليا وهي تلوح بيدها: مش هانخلص من سليم! نفسي مره نقول لك نخرج تقولي يلا بينا سهلة.
رفعت ماسة حاجبيها مازحة: لما تتجوزوا هاتبقوا زيي بالظبط.
ضحكت ريماس باستخفاف مبطن: أنا معاكي، أكيد هانتصل نعرف ونستأذن، بس هو مش هاييجي، ولا حتى هايقول لا، يعني ، مش لازم أحضر نفسي قبلها بيومين، ويختار ليا المكان وكل حاجة
ماسة سليم أوفر! أختي كانت بتكرش عليه لما حكيت لها، قالتلي: الحمد لله إن ربنا نجاني
ابتسمت ماسة دون أن تتأثر: يا ستي عجبني، أنا بحبه كده، ماحدش ليه دعوة، بعدين أختك دي بتقول كده أرفعي معنوياتها بس علشان أكيد مش هايبصلها خالص واكيد حاولي الكتير وهو كان مش معبرها.
داليا بمزاح: عندها حق والله، ده سليم الراوي، أختك مين دي إللي ربنا نجدها، أنا متأكدة لو الفرصة جتها هاتجري وراه المشوار.
ماسة وهي تضحك، أشارت بيدها نحو الكافتيريا: تعالوا نشرب نسكافيه، مالحقتش أشرب حاجة الصبح ومصدعة.
وبالفعل خرجن معًا نحو الكافتيريا، حيث جلسن في ركن هادئ يتبادلن الأحاديث والضحكات، كأن الأسبوع الذي مضى لم يكن. وبينما كانت الفناجين تُرفع على الطاولات، وبالطبع كان يتوقف مكي غير بعيد عنهن، عينيه لا تفارقان المكان. وبالطبع، الحراس كالعادة، يحيطون بالمكان دون أن يثيروا الانتباه، كأنهم ظلال لا تفارقها.
قصر الراوي الثالثة عصراً
في الحديقة
كانت صافيناز وفايزة جالستين معًا على الطاولة الصغيرة، تشربان القهوة وتتناقشان بهدوء.
صافيناز، وهي تضيق عينيها باستغراب: أنا ماعنديش مشكلة، بس هي ممكن تروح وتسأله.
فايزة، وهي تبادر بإجابة واثقة: مستحيل تسأله.
صافيناز، بدهشة: ليه مستحيل تسأله؟ ما هي بقت بتقوله كل حاجة، مابقتش بتسكت زي زمان. مامي، ماتنسيش، ماسة اتغيرت. تضمني منين إنها ماتقولهوش أنا سمعت مامتك وإخواتك بيتكلموا عنك بطريقة غريبة.
فايزة ابتسمت ابتسامة خفيفة، ثم أحتست قليلًا من القهوة: حتى لو قالت، إحنا هانقول له. إيه المشكلة؟ كنا بندردش عنك، وهي إللي راميّة ودنها معانا. بعدين، كلام مابيحصلش. لا بيحصل. سليم رجع يتعصب جدًا، وبيهدد… ده لسه رافع سلاحه على رشدي. هي نفسها شايفة إنه متغير، وداقت من التغيرات دي، حبسه ليها عصبيته عليها، وطريقته معاها. وأنا متأكدة إنه أكيد بيهددها، حتى لو مش بالشكل إللي إحنا عارفينه عنه.
هزت صافيناز رأسها بإيجاب: تمام، وبعدين؟ إيه إللي هايحصل؟
ابتسمت فايزة بخبث: خلينا ماشيين خطوة خطوة.
صافيناز، بتساؤل: والباشا عارف؟
فايزة بتوضيح: لا، مايعرفش حاجة. طبيعي هيرفض، بس إحنا هانستغله. يعني إنتِ مثلاً، لما تقولي له قصادها: ينفع إللي ابنك بيعمله ده؟ شغل التهديد والأسلوب ده؟’ حتى فريدة، وحتى ياسين، لازم تسمع الكلام ده منهم هما كمان، طبعًا. هي مش هاتسمع منهم بشكل زائد، بس رأيهم هايبقى زيّنا. إن سليم متغير، متعصب،رجع لشخصيته القديمة، أسلوب التهديد بقى احتكار عنده.
صافيناز أخذت رشفة صغيرة من القهوة: تمام، لما نشوف آخرة أفكار رشدي الجهنمية دي إيه.
فايزة مبتسمة بحذر: إيه ماعندكيش ثقة إن هي ممكن تنجح؟ مش إنتِ إللي قلت لي قبل كده إننا هانستخدم مع ماسة أسلوب تدمير التاريخ والسمعة؟ هانخلي تاريخ سليم كله أسود، إحنا في الأول وقفنا علشان تهديدات عزت والحادثة، وإنه مشي من هنا،
بس أنا مضطرة أرجع تاني. مستحيل أسمح إن البنت دي تفضل هنا أكتر من كده لازم أخليها تبعد عن سليم وأنتقم منها.
صافيناز، مبتسمة بحذر: بقولك إيه يا مامي؟ماتقتليها ونخلص صدقيني ده أسهل.
فايزة، بابتسامة باردة:، ما هي دي هاتبقى النهاية. إحنا لازم نخلي ماسة تخلي سليم يكرهها الأول
وهو بنفسه إللي يرميها من هنا، وبعد مايرميها من هنا، عينيه هاتتشال من عليها. وساعتها مش هايفرق معاه أي حاجة تحصل لها. وقتها هحرقها حيه هي وسعدية اللي لسانها مترين.
تبادلت صافيناز وفايزة النظرات بابتسامة شريرة، وكأنما اتفقتا على شيء أكبر.
((بعد وقت))
جناح سليم وماسة، الخامسة مساءً
دخلت ماسة الجناح، فوجدت سليم جالسًا، يقلب في الأوراق. شعرت بألم مفاجئ في قلبها بسبب ماوصل بينهما. توقفت للحظة عند الباب، وكأنها تحاول أن تجد الكلمات المناسبة.
حاولت ماسة كسر الصمت: مساء الخير.
رفع سليم عينيه: مساء النور.
ماسة، بعد لحظة صمت: ماجتش تاخدني من الجامعة
سليم وهو ينظر في الأوراق: كنت مشغول.
نظرت له لعدة لحظات، مسحت خدها. كانت تتوقعه سيتحدث معها، لكنه قطع الحديث بتلك الكلمة. لم تستطع أن تكمل الحديث معه، هزت رأسها بإيجاب بابتسامة أسفة، ثم توجهت إلى غرفة الملابس.
غيرت ملابسها وخرجت، فوجدته ما زال في مكانه، لم يسألها حتى عن يومها، وكأنها غير موجودة. ذهبت إلى الشرفة وتوقفت أمام السور تفكر. فقد مر أسبوع كامل لم يتحدثا بشكل طبيعي…
كانت تظن أن بعد ذهابها إلى الجامعة ربما تذوب تلك الثلوج التي بينهم ..لم تتحمل أن تعيش في هذه الحياة هكذا، لابد أن تتحدث معه،وتقطع ذلك البرود الذي غلف حياتهما. دخلت الغرفة مرة أخرى، وتوقفت أمامه.
حاولت أن تكون هادئة، لطيفة، مثلما كانت في السابق، ماسة الصغيرة التي كانت تعرف كيف تتحدث معه، مع ذلك القلب المتصلب الذي يزداد صلابته كلما طال الصمت.
ماسة، بصوت خافت ويدها ترتجف قليلاً: أنا عايزة أتكلم معاك…
رفع سليم عينيه. نظر إليها وقال بهدوء: ماسة، لو سمحتي مش عايز أتخانق.
ماسة بنبرة حزينة: ولا أنا… أنا بس عايزة أتكلّم معاك، أتكلم مع سليم حبيبي، كراميل.
أكتفى بالنظر إليها بنظرة مليئة بالحزن. كانت عيناه فيهما دمعة محبوسة، لكنه لم ينطق بكلمة.
تابعت ماسة وهي متوقفة على بُعد، بنبرة مهزوزة موجوعة وعينان مليئة بالدموع: أنا مش جايّة أقولك إنك غلطان… ولا جايّة أقولك إنك حابسني… ولا إنك خنقتني… أنا جايّة أقولك إني مش بخير…أنا وأنت مش بخير…إننا بقينا غرباء يا سليم أنا بصحى كل يوم وأنا بعيط، وإنت بتروح شغلك وترجع ماتكلمنيش، وكأني مش موجودة، كنت بستناك تكلمني، تقول أي حاجة بس كنت مابتكلمنيش ..حتى لما كنا بنتكلم… الكلام كان بينا زي الأغراب…إحنا… مابقيناش إحنا… أنا سكوتي طول الفترة دي مش علشان مش فارق معايا، أبداً… أنا كنت خايفة… خايفة نتكلم ونخسر بعض… خايفة ننهار أكتر… خايفة نتخانق، أنا مابقيتش عارفة حاجة، دماغي مشوشة، الحاجة الوحيدة إللي متأكدة منها إني بحبك، بحبك اوي، وإني موجوعة زعلانة على إللي إحنا فيه ده، ومش عايزاه يستمر أكتر من كدة.
ظل سليم صامتًا، عيناه مملوءة بالدموع المحبوسة، ثم مد يده نحوها. كأنه يحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى وقال بنبرة مبحوحة:
تعالي…
تبسمت ماسة بوجع مدت يديها وضعتها على يده
تحركت نحوه ببطء، قلبها يدق بسرعة. اقتربت منه، جلست على قدمه، أخيرا شعر بأنفاسها بقربها منه، احتضنها بشدة، كأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه ليشعر بالسلام.
سليم، وهو يحتضنها بقوة، صوته مبحوح وعيناه مليئة بالدموع: وأنا كمان بحبك، وماكنتش مبسوط زيك… أنا كمان موجوع وقلبي بيبكي، أنا أخترت اسكت علشان حسيت إن كل مابتكلم بزعلك، ففضلت السكوت علشان الفجوة إللي بقت ما بينا ما تكبرش.
ماسة، دفنت وجهها في صدره، وصوتها يهتز: أنا عايزة نرجع زي الأول يا سليم… مش عايزة حاجة تانية..أنا محتجالك أوي.
احتضنها بقوة أكبر، كانت عيناه مغلقة، كما لو كان يخاف أن يفتحهما ليجدها قد اختفت وظلا هكذا على هذا العناق الطويل، الذي قال كل شيء دون الحاجة لكلمة أخرى.
♥️________بقلمي_ليلةعادل_____♥️
منزل سارة، الثالثة مساءً
سارة تجلس على الأريكة وهي تطعم ابنتها كارمن بينما عماد يجلس على المقعد يشاهد شيئًا على التابلت، وابنهما زين يلعب على الأرض.
سارة بصدمة: إيه الجبروت ده؟ وإيه الفكرة الجهنمية دي؟ طب رشدي بيكره سليم، إنما ليه فايزة وافقت؟!
عماد دون أن يرفع عينيه عن التابلت: أه طبعًا لازم توافق. مش هاتخلص من ماسة.
نظرت سارة له باستنكار: بس الخطة صعبة، حتى لو حقيقية، علشان أمه مشتركة معاهم استغربت، بس هقول لك حاجة، نصيحة، بلاش تركن على الخطة دي وتؤمن وتصدق إنها هاتنجح 100%.
نظر لها عماد بإستغراب: معانا أدلة.
سارة بتوضيح: أنا ما أقصدش إن ماسة مش هاتصدق، أنا أقصد حاجة تانية.
استرسلت بنبرة أكثر ذكاء وعقلانية: صدقني، الخطة دي كلها مبنية على الكراهية. مافيهاش دهاء ولا عقل. والعاطفة لما بتتحكم، الحرب بتفشل. وإنتوا كده من سنين، وكل مرة بتاخدوا قفا محترم.
رفع عماد عينيه من التابلت، أغلقه بهدوء ووضعه جانبًا، ثم نظر لها بنبرة تأييد: ممكن ماتنجحش بنسبة 100%، ولا توصلنا لأهدافنا. بس مش هاتفشل… أصل إنتِ مش عارفة تأثير ماسة عليه، ودي نقطة ضعفه إللي بنلعب عليها. إحنا عايزينه يهتز ويبقى مش مركز، وساعتها نتحرك.
حاول تأكيد الخطة: بقولك، نسي يقدم على المناقصة بسبب مشكلة بينهم، رغم إنها تافهة.
سارة بعقلانية ودهاء: طيب، وفرضًا عملتوا مشاكل وفعلاً اتلخبط؟ مين يضمن إنه مايطلعش جنانه عليكم؟ هو ضعيف قدام ماسة لإنه بيحبها وبيعشقها،
كمان، بس لو مش قادر يواجهها، لو مش قادر يطلع غضبه فيها .. هيعمل ايه؟؛ هيطلع فيكم كل إللي جواه. ساعتها، مش هاتكونوا كسرتوه، هاتكونوا صنعتوا من جديد، صنعتوا شخصية هاتمحيكم… ووحش يبلعكم.
ركزت النظر في ملامحه، تحاول توصيل وجهة نظرها بحذر: صدقني يا عماد، مفيش غير حل واحد مالوش تاني علشان تخلصوا من سليم وتستولوا على كرسي العرش.
رمقها عماد بدهشة طفيفة: إللي هو إيه بقى…يا أذكى إخواتك؟!
رمشت سارة بعينيها، ونطقت بثقة مخيفة: تقتلوا سليم، وتتخلصوا منه.
قهقه عماد بشدة حتى أهتز جسده على المقعد: طب ما إحنا عملنا كده قبل كده وطلع منها!
ردت سارة بهدوء وثقة وشر: أعملها تاني. بس المرة دي من غير أي شريك، من غير ماحد يحس. إنت بتعرف تهكر الكاميرات، وأنا ممكن أساعدك. ممكن تخرّب الأسنسير، يقع بيه، تقطع فرامل، تحط له سم بطيء المفعول.
هز عماد رأسه ببطء وكأنه يفكر: إنتِ فاكرة إن الفكرة دي ماجتش على بالي؟ دي أول فكرة جات لي. بس عندنا مشكلة كبيرة… فايزة.
نظر أمامه وهو يتحدث بين أسنانه بضجر: وقفت قدامنا وقالت لو حصل لسليم حاجة، حتى لو حاجة طبيعية… هاتعتبرنا إحنا السبب. وساعتها هتقول للباشا. وعزت ساعتها هايقتلني. وهايقتل ولادي.
قاطعته سارة بحدة، وهي تشير ناحية أطفالها: ولادك جنبك أهم يا عماد!
نظر لها عماد بعينين حادتين: لأ يا سارة، حتى لو أنا مش بحب صافيناز، ومتجوزها للمصلحة… ولاد صافي هايفضلوا أولادي… ولاد عماد زيدان. وبعدين ده مش هايقتلهم لوحدهم، هيقتلني معاهم. وأنا مش عايز أموت دلوقتي بعد كل إللي بنيته.
سارة بإبتسامة خبيثة: خلاص… أقتل فايزة. كده تكون قضيت!
ضحكته كانت خفيفة، لكن فيها نبرة تعجب واضحة: نقتل فايزة مرة واحدة.
رفعت سارة حاجبها، ونظرت له بثقة: عادي، يعني إيه المشكلة لما نقتل فايزة؟ وراها سليم؟ عندنا رشدي، عارفين نلعب بيه كويس. أنا متأكدة إن رشدي خد جرعة أو اتنين. واستحالة تكون البنت إللي كانت مزقوقة، مالحقتيش. إنت بتقول بقى لهم حوالي سنة مع بعض، إنت ممكن تحط له جرعات بسيطة في أي حاجة بيشربها. واحدة واحدة، لحد ما يدمن. وساعتها، يوم ما نحب نخلص منه… هاتبقى سهلة. أما صافيناز، أنا بقى هعرف أخلص منها بطريقتي.
فرك عماد ذقنه بتفكير، لكن في عينيه لمعة إعجاب دفينة: طب… عندك فكرة نتخلص من فايزة إزاي؟
هزت سارة كتفها، وكأنها تتحدث عن شيء بسيط: نفكر… مش هاتبقى بالصعوبة دي.
ساد الصمت لثوانٍ، ثم انحنى عماد للأمام وهمس بصوت خافت كأن الجدران تسمعهم: بصي… أنا عمري مافكرت أقتل فايزة، بس فعلاً… عجبتني فكرة إننا نتخلص منها. لسانها لو فلت، كلنا هانضيع… بصي، هانشوف خطة رشدي هاتعمل إيه. الموضوع المرة دي هايبقى كبير شوية، أكيد هايعمل خلل كبير في علاقتهم. لإن المرة دي مش مجرد إنه على علاقة بواحدة وما قالهاش، ولا الحاجات الهبلة بتاعت زمان دي…ولو فشلنا..
صمت لحظة ثم تنهد وقال:
نشوف بقى موضوع قتل فايزة، وبعدها سليم، ورشدي كمان… أنا لازم أبدأ من دلوقتي في موضوع الكوك ده.
شبكت سارة ذراعيها أمام صدرها، وابتسمت بسخرية: ماشي…بس أنا بقول لك: هي ممكن تنجح وتمشي ماسة،… بس إنك تخلي سليم يبقى مهمّش أو مش مركز؟ تـؤ بلاش خطط فايزة ورشدي. العاطفة هي إللي متملكاهم واللي عطفته ممتلكه بيلبس يا حبيبي.
هز عماد رأسه ببطء، وابتسم ابتسامة صغيرة، وهو يولع سيجارة جديدة: خلينا نشوف…
قصر الراوي
الصالون، الرابعة مساء
تجلس ماسة على الأريكة، ملامحها هادئة، وعيناها مثبتة على شاشة هاتفها، وكأنها غير مهتمة بما يدور حولها. لكن في الحقيقة، كانت تستمع لكل كلمة تُقال، كما لو أن حواسها كلها متوجهة إليهم، حتى وإن كانت عيناها لا تتنقل بين الوجوه.
لم تكن فايزة وصافيناز بعيدتين عنها كثيرًا، لكنهما تصرفتا وكأنهما في حديث خاص.
حركت فايزة كوب الشاي في يدها ببطء قبل أن تقول ببرود، والنبرة في صوتها ثقيلة:
إنتِ متخيلة إن ماحدش يعرف كل حاجة عن الماضي بتاعه؟ حتى إحنا! في سنين كاملة في حياته مفقودة، وماحدش يقدر يسأله عنها.
رفعت صافيناز حاجبها بإهتمام وردّت بتوجس:
الناس بتقول إنه كان بيشتغل مع ناس خطيرة قبل مايستلم الشغل هنا… ناس مابيرحموش إللي يعارضهم.
فايزة ابتسمت ابتسامة خفيفة، غامضة المعنى، ثم قالت بتأكيد، وكأنها تُخبر سراً:
فاكرة الراجل إللي خالف أوامره؟ بعدها بأيام بس، عربية الراجل اتحرقت وهو جواها… والناس قالت إنه حادث، بس مين يصدق؟
صافيناز همست وهي تميل بجسدها قليلاً للأمام، عينها مشدوهة: طبعاً فاكرة… كان عقله جنّنه تاني.
ضحكت فايزة بصوت منخفض وهزّت رأسها قائلة، وكأنها تروي شيئًا كان يتردد في ذهنها منذ فترة:
يمكن ماعَقلش أصلًا… مش معقول الحادثة دي تحصل بعد ما عَقل، إحنا مش عارفين نوصل للي عملها برغم إن فات سنتين.
صافيناز بتوتر:
المهم… لازم تتكلمي مع الباشا، ويشوف له حل في سليم، سليم بقى عصبي. كل حاجة زعيق وتهديد، يعني زمان كانت تهديدات بسيطة وكان ليه حق فيها ساعات، إحنا كنا متدلعين، ماكناش فاهمين، وكنا بنأذي المجموعة، لكن دلوقتي… لا. وبعدين إحنا إخواته يعني يهدد المنافسين تمام، لكن يهددنا إحنا؟إخواته؟ وكمان إللي عمله مع الراجل ده ماينفعش! ده كان هايقتل الراجل! أنا خفت منه!
ابتسمت فايزة ابتسامة ذات طابع بارد، وتابعت بلامبالاة: من غير ماتقولي، هانتكلم معاه. عشان الموضوع بدأ يفلت منه جامد. بس مش ممكن يقتله بس خلينا نحذر.
شعرت ماسة بضربات قلبها تتسارع، وكأن هناك شيء ثقيل يجثم على صدرها. حاولت أن تحافظ على هدوء ملامحها، لكن أصوات الكلمات كانت تتردد في رأسها، تتسلسل بينها كخيوط متشابكة.
هل كل هذا صحيح؟ هل سليم قادر على فعل هذه الأمور؟ أم أنهنّ يحاولن فقط زرع الشك بداخلها؟ لكن لو كان مجرد أكاذيب… لماذا تشعر بهذا القلق المتزايد؟
مرت عدة أيام، وكل شيء بدأ يعود إلى ما كان عليه. لم يعد هناك ذلك الحزن العميق الذي كان يملأ قلب ماسة وسليم، حيث كانت الابتسامات تملأ وجوههم والحب والدفئ. كانا يتجنبان الحديث عن السبب الحقيقي الذي أوصلهما إلى هذه الحالة، خاصة عندما قالت ماسة إنها المسؤولة عن كل ما حدث، وأنها تدفع ثمن أخطائه، كانا يكتفيان بالصمت، والابتعاد عن أي حديث قد يعيد الجراح القديمة. كان كل منهما يحاول العودة إلى الأيام الجميلة السابقة.
من ناحية أخرى، بدأت ماسة تعود إلى الجامعة وتخرج مع سلوى لشراء بعض مستلزمات الجهاز. بالطبع، كان سليم والحراس يرافقونهما، كما هو الحال دائمًا. حاولت ماسة أن تتجنب التحدث عن الخروج مع أصدقائها أو أي شيء يتعلق بذلك، لكي لا تحدث مشكلة بينهما.
لم تكن راضية عن الوضع الذي فرضته على نفسها، لكنها كانت تشعر أنه مجرد “هدنة”، فترة مؤقتة حتى تمرّ. كانت تأمل أن يعود الحب بينهما كما كان.
بينما ظلت تستمع لأحاديث غريبة عن سليم من فايزة وصافيناز وعماد ورشدي حتى عزت كانت تشعر بالشك في الأمر، هناك خطأ ما لكنها ما زالت لم تصدق حديثهم عن سليم.
قصر الراوي، الرابعة مساءً
الهول
نرى فريدة و فايزة تجلسان على الأريكة ويتبادلن الأحاديت بينهما ،. ماسة كانت تجلس على مقعد يطل على الحديقة، وهي ترتدي ملابس خروج تنتظر سليم في صمت، لكن أذنيها التقطتا كل كلمة.
فايزة باستهجان: يعني ينفع إللي عمله مع رشدي ده هو غلط بس برضو تصرّفه يخوّف.
فريدة بتأييد: بُصي يا مامي، فعلاً سليم بقى عصبي جدًا الفترة دي ومتهوّر.. وبيهدد، بس عمره مانفّذ..طول عمره بيقول هقتلك يا رشدي، ومافيش مرة حصلت حاجة! فاكرة يوم خناقة ياسين؟ هدده ورفع عليه السلاح… وماحصلش حاجة.
فايزة بمقاطعة: بس كسر له دراعه، سليم بقى يتخاف منه. أنا مش عايزاه يرجع زي زمان إحنا ماصدقنا إنه عقل كفاية علينا رشدي..
فريدة بأسف:: والله يا ماما، ولا أنا. أنا ناوية أتكلم معاه. لازم يهدى شوية، لإنه بقى صعب جدًا.مش معانا بس، حتى مع ماسة… حرام، كل شوية يضايقها.
فايزة: شفتي؟دي ماسة حبيبته أمال إحنا هايعمل فينا إيه؟ عموماً، أنا قلت لرشدي يبعد عنه الفترة دي. خايفة غضبه ده يخلّيه يعمل حاجات تهوّر مع المنافسين.
فريدة برفض: لا لا، معتقدش توصل لكده. كلها تهديدات، وآخرها كلام. بس برضو، أول ما ألاقي وقت مناسب، هتكلم معاه أنا وياسين.
فايزة: تمام…
ظلّت ماسة على مقعدها، لا تنطق. هي لم تعلّق، لكنها استمعت لكل شيء، بل وفهمت ما بين السطور. كان بداخلها شعور غامض، كأن شيئًا غير مألوف يقترب.
وبعد دقائق، اقترب سليم ودخل بخطاه الواثقة.
سليم: يلا يا عشقي.
نهضت ماسة بهدوء، استعدّت للخروج، لكن في عينيها حزنٌ ثقيل… وسؤال لم يُطرح بعد.
في أحد الكافيهات، الخامسة مساءً
كانت ماسة تجلس مع جميع أصدقائها على طاولة واحدة. أرادت أن تجمعهم جميعًا في مكان واحد، رفيقات الجامعة ورفيقات الماضي، حتى تتجنب الخروج المتكرر وما قد يثير حفيظة سليم، خصوصًا وأن الامتحانات على الأبواب، وهي بحاجة إلى التركيز والمذاكرة. لحسن الحظ، لم يكن لدى أيٍّ من الفريقين مانع في التعارف.
كانت الجلسة ممتعة على غير العادة. طاولة كبيرة جمعت بين عالمين مختلفين تمامًا… أصحاب الجامعة: داليا، ريماس، ولين، جنبًا إلى جنب مع رفيقات الطفولة: هبة، تالين، إيناس، كارما، وداليدا. أما سلوى، فحضرت كعادتها، تراقب وتُلقي بتعليقاتها الساخرة التي تثير الضحك.
ظلت ابتسامة ماسة حاضرة، وهي تحاول أن توفّق بين الفريقين، تمزح مع هؤلاء وترد على ضحكات أولئك، والانسجام سيد اللحظة. كانت ريماس تروي موقفًا طريفًا من الجامعة، فردّت تالين بدهشة، بينما ألقت سلوى تعليقًا ساخرًا أفقد الجميع اتزانهم من شدة الضحك.
في خضم الضحكات، اقتربت ماسة من أختها سلوى وهمست لها: تعالي معايا الحمام.
وما إن نهضت حتى ظهر سليم أمامها فجأة، وكأنه كان مترصّدًا للحظة.
سليم: رايحة فين؟
أجابت ماسة: الحمام، داخلة الحمام!
سليم مترددًا: الحمام؟ لازم.
نظرت ماسة إليه باستغراب: هو إيه إللي لازم؟
لم يرد، بل حرّك رأسه إشارةً للمتابعة. تحركت ماسة، وسليم خلفها بخطى ثابتة، يرافقه مكي بصمت ثقيل.
اقترب منها سليم وهمس وهو يفتح لها الطريق:
لو حصل أي حاجة… المسدس معاكي ماتردديش للحظة فاهمة أنا واقف هنا مش هتحرك من مكاني؟
أجابت ماسة بمهاودة: آه، حاضر يا سليم.
ضحكت وهي تدخل الحمام، وسحبت معها سلوى التي انفجرت في الضحك معها داخل الحمّام.
في تلك اللحظة، اقترب سليم من مكي وقال بهدوء قاطع:
عايزك تجيب لي بنت قوية، بتلعب ألعاب قتال. تبقى حارسة شخصية. ثقة…وتكون عندي بعد يومين.
رد مكي وهو يعدّل كمّ قميصه: أمرك يا سليم.
عادت ماسة إلى طاولتها وجلست بين أصدقائها، واستكملت الجلسة وسط أجواء من المرح والضحك.
داخل سيارة سليم
جلس سليم وماسة في المقعد الخلفي، والهدوء يخيّم على المكان.
قال سليم بنبرة عابرة: أنا هجيب لك حارسة شخصية.
نظرت إليه ماسة بدهشة: هو فيه أصلًا؟
سليم وهو ينظر عبر النافذة: آه عادي، علشان أحافظ عليكِ كده أفضل.
ضحكت ماسة: أعمل إللي إنت عايزه.
صمت سليم للحظة، ثم نظر إليها وقال بنبرة أكثر جدية:
على فكرة… البنت إللي اسمها لين دي، مش كويسة. مش عايزك تصاحبيها تاني.
ماسة تساءلت بدهشة: ليه يعني؟
سليم بتوضيح: أنا عملت عليها تحريات. بنت مش كويسة… صايعة.
ماسة بهدوء: بس أنا ماشفتش منها حاجة. ومع ذلك…عنيا يا سليم. بس كده، إنت تؤمر أمر .. مش عايزين “لين”. مع السلامة يا لين، باي باي يا لين.
فتحت هاتفها، ومسحت الرقم دون تردّد.
سليم بدهشة: إيه ده؟ سمعتي الكلام كده على طول؟ أنا كنت محضر نفسي لخناقة.
ردّت ماسة بابتسامة: ما أنا مش عايزة أتخانق. مش هعمل إلا إللي يرضيك.
سليم بنظرة حادة: تعملي إللي يرضيني وإنتي مقتنعة؟
نظرت ماسة إليه بدلال: سالوملوم، يا حبيب ماسة… فكك.
اقتربت منه، ووضعت قبلة على خدّه، ثم أسندت رأسها على كتفه وقالت بصوت ناعم:
بقولك إيه يا سليم.. ينفع نقضي بقية اليوم في اليخت، ولا مش هاينفع؟
أجابها سليم وهو يمسك كفها بنبرة هادئة: لا خالص، ماشي… حاضر يا قلب سليم.
وضع قبلة على يدها وطلب من السائق الإتجاه إلى اليخت
وبالفعل، توجها إلى اليخت وقضيا وقتًا لطيفًا معًا؛ تناولا الطعام، وتبادلا الضحكات، ورقصا على أنغامٍ هادئة، وكأنهما يحاولان استعادة ملامح الماضي الجميل.
ماسة لم تفتح أي حديث عمّا يُقال عن سليم من عائلتة، كانت تدرك تمامًا أنه تغيّر، أصبح أكثر عصبية ويميل إلى التهديد، لكنها في قرارة نفسها كانت ترفض تصديق أن يصل إلى ما يروّج له البعض.
💕___________________بقلمي_ليلةعادل
أمام أحد البنوك، التاسعة صباحًا
توقّفت سيارة رشدي السوداء الفارهة أمام أحد البنوك الراقية في قلب القاهرة. ترجل منها بخطوات واثقة، مرتديًا نظارته الشمسية التي لم ينزعها رغم الغيوم التي غطّت السماء.
دخل إلى البنك، واتجه مباشرة إلى القسم المخصص للخزن البنكية. أبرز بطاقة عضويته الخاصة، ووقّع على بعض الأوراق بسرعة، ثم اصطحبه أحد الموظفين نحو الغرفة المخصصة للخزن.
أدخل المفتاح في موضعه، وأدار القفل بهدوء. سحب الدرج المعدني، لتظهر علبة سوداء صغيرة في الداخل. فتحها، وأخرج منها فلاشة فضية اللون، تأمّلها قليلًا، ثم أعاد العلبة إلى مكانها، وأغلق الخزنة بإحكام.
خرج من البنك بنفس الهدوء، واستقلّ سيارته. فتح الحاسوب المحمول الذي يضعه دائمًا بجواره، وركّب الفلاشة.
بدأت تظهر الملفات على الشاشة، ملفات مشفّرة لا يجرؤ على الاطلاع عليها سواه…
فتح مجلدًا معنونا بـ: سليم – عمليات. بمجرّد الضغط عليه، بدأ تشغيل مقطع مصوّر.
سليم داخل غرفة عمليات، يقف بجانب مكي وعدد من الحراس، بينما الأطباء يرتدون الأبيض ويعملون على جثة يُستخرج منها الأعضاء. سليم يوجّه التعليمات بإشارات من يده.
ضحك رشدي بثقة: والله كنت حاسس إن الفيديوهات دي هاتنفعني في يوم… يلا نشوف كمان. ..معانا ايه ؟!
ضغط على مقطع آخر لكن لا تعرف ماذا شاهد، ثم تمتم بصوت مفعم بالكراهية:
علشان تبقى ترفع مسدسك عليا يا حلو؟ هنشوف مين آللي هيقتل مين يا سليم… والله لأقتلك وإنت حيّ.
ابتسم وهو يحدّق بالشاشة، نظرة ممتلئة بالنشوة والانتقام.
ذلك المقطع وحده… كفيل بأن يدمّر سليم تمامًا.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى