روايات

رواية الماسة المكسورة الفصل السابع والستون 67 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الفصل السابع والستون 67 بقلم ليلة عادل

رواية الماسة المكسورة الجزء السابع والستون

رواية الماسة المكسورة البارت السابع والستون

رواية الماسة المكسورة الحلقة السابعة والستون

[بعنوان: صعود الى الهاوية]
ابتسم وهو يحدّق في الشاشة، نظرة مليئة بالنشوة والانتقام.
أغلق رشدي اللاب توب وتركه على المقعد بجواره، وأدار محرك السيارة. ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه وهو يضغط على دواسة الوقود. كانت عيناه مليئة بالثقة، وكأن كل خطوة اتخذها كانت محسوبة بدقة، وفي قلبه يقين بأن ما سيأتي سيكون نقطة الفصل.
اليخت، الثانية عشر صباحاً.
غرفة النوم
نشاهد سليم مستلقي على ظهره وهو عاري الصدر بينما ماسة تضع رأسها عند قلبه وتمرر أناملها على أعلى صدره، كان يحاوطها بذراعيه ويحرك أنامله على ظهرها العاري من أعلى، شعرها الطويل منسدلا على صدره، وكانت عيونهما مليئة بالحب والهدوء، بينما الظلام يحيط بهما في الغرفة إلا نور الأباجورة، ويبدو أنهما قد انتهيا للتو من لحظات حميمة عاشقة
سليم بصوت كل شوق وحب: كنتي وحشاني أوي أوي أوي أوووووي
ضحكت ماسة برقة: كل ده أوي؟
أجابها مبتسمًا وهو ينظر لها بعشق: آه والله، كل ده أوي وأكتر كمان، الاشتياق إللي أنا حاسه دلوقتي لسة ماتخلقش ليه معاني.
نظرت إليه ماسة بابتسامة حب دافئة، وقالت بمزاحٍ محبّب: وإنت كمان، واحشني أكتر من كل الأوووي إللي قلتها.
ضحكت، لكن سرعان ما عمّ الصمت بينهما، وهي تُمعن النظر في ملامحه بشوقٍ عميق. رمشت بعينيها بعشقٍ جارف، ثم مدت يديها برقة، تمررهما على لحيته كما لو كانت تتحسس دفء وجوده بين أحضانه.
همست بصوت مبلل بالدموع، ينبض بحبٍ وتوسّل:
نفسي نفضل كده على طول، من غير ما نزعل من بعض أبداً. أنا أكتر وقت بكرهه في حياتي لما بنزعل من بعض…
أضافت برجاء خرج من عينيها قبل صوتها:
سليم وحياتي، ماتخليناش نزعل من بعض فترة طويلة تاني. ونفضل مانتكلمش كل ده…أنا كنت متضايقة أوي وموجوعة.. كل يوم كنت بعيط وقلبي بيوجعني بجد، كنت بحس إن روحي بتنسحب مني…إللي كان مصبرني إني بشوفك قصاد عيني، بس كنت بتجنن وبسأل نفسي؟! .. إزاي سليم حبيبي روح قلبي، جنبي ومش بنتكلم؟
أنا إللي مسكتني، زي ماقلتلك، كنت خايفة نتخانق..
سليم إنت أهدى مني.. تعالى كلمني، حتى لو هانتخانق، بس ماتسبناش كده..
هزت رأسها برفض ممزوج بحزن وتأثر:
مش عايزين نتخاصم تاني، مش عايزين نزعل.
إحنا ماكناش كده، أنا مش عايزة نبقي كده، ساعدني يا سليم.
زمّ سليم شفتيه بألم، وهو يمرّر يده في شعرها كأنّه يطمئن قلبه قبل أن يطمئنها، ثم قال بصوتٍ يحمل من التعب بقدر مايحمل من العشق:
أنا كنت متعصّب ومضغوط لدرجة إني نسيت أقدّم أوراق مناقصة مهمة وخسرتها، ودي أول مرة تحصلي في تاريخي، إنتِ مش عارفة تأثيرك فيا إزاي أنا من غيرك بأبقى تايه، بأفقد توازني.إنتي بُوصلتي يا ماسة، ولو فقدتك.. هفقد كل حاجة.أنا زيك، صدقيني.. سكوتي مش قساوة، ولا إن حُبك قل، أقسم بالله أبداً.
حدّق في عينيها وكأنه يبحث عن الطمأنينة فيهما، وتابع بنبرة أقرب للهمس:
اختياري للسكوت علشان كنت حاسس إن كلامي بيضايقك، قلت يمكن لما نسكت شوية الأمور تهدى بينا…
(زفر بإختناق) بس موضوع (مختار) قلب كل حاجة.
ركّز النظر في ملامح وجهها، كأنّه يتأمل تفاصيله، كأنّه يبحث عن نفسه بين تجاعيد الحزن في عينيها. لم يكن ينظر فقط، بل كان يبوح بعينيه قبل لسانه.
قال بصوتٍ خافت مليء بالتفسير والاعتذار، تغلفه محبة واضحة كأنّه يكشف لها عن خبايا قلبه:
أنا ماقصدتش أهددك، أنا بغير عليكي، وبغير من الهوا إللي بيلف حواليكي، من أي عين تشوفك، من أي حد يسمع صوتك، بغير عليكِ من نفسي كمان، لما حد بيقرب منك، نار بتاكلني من جوه. بس مستحيل أاذيكي، بتكون لحظة غضب.. صدقيني.
صوته كان أقرب للرجاء منه للاعتراف، وكأنّه يطلب منها أن ترى قلبه كما هو، لا كما بدا.
هزّت ماسة رأسها بتفهم، بإبتسامة صغيرة تكسو وجهها وهي تمرر يدها على لحيته بنعومة وحنانٍ:
عارفة والله، وعارفة كل حاجة… بأقولك بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي.
ثم أحاطته بذراعيها، تحتضنه بتملكٍ واحتياج، وسندت رأسها على صدره، لتهمس بفرحٍ صادق:
أنا مبسوطة أوي إني في حضنك، وإننا رجعنا زي زمان.، إحنا بقالنا فترة طويلة كل شوية خناقات ومشاكل…
تنهد سليم وأمسك خصلات شعرها واستنشقهم وهو مغمض عينيه بهيام ثم قال: عارفة أنا نفسي في إيه؟
مالت ماسة برأسها ونظرت له: إيه؟!
تبسم سليم وهو يمرر يده على شفتيها و وجهها بنعومة ويركز النظر داخل عينيها بتمنى: نفسي نسافر، نروح نقعد في سويسرا في شاليه و..
قاطعته ماسة حيث وضعت إصبعها على شفتيه وقالت له مبتسمة: ماتكملش.
سليم بتعجب: ليه؟
أجابته ماسة بحزن بسيط: عشان إنت مابتعملش حاجة… إحنا أول متجوزنا وعدتني إننا بعد خمس سنين هنسافر، ولسه ماحصلش. إحنا لسه هنا.
سليم موضحا بحزن: لا، أنا كنت فعلاً ناوي أنفذ وعدي… كنت مستني تولدي علشان نسافر،
كنت شايف إن ياسين خلاص بقى عنده القدرة والقوه علشان يمسك المجموعة تحت إشرافي وأنا بره، لكن بعد الحادثة… كل حاجة اتغيرت… تعرفي أنا اشتريت البيت زي ما أتمنيتيه خشب على النهر من دور واحد، بأثاثه البدوي، كنت ناوي أعملها لك مفاجأة.
ماسة بعينين يملؤهما التوسل: طب خلينا نمشي، نعيش حلمنا إللي حلمنا بيه وماعرفناش نحققه لحد دلوقتي.
سليم تنهد بحزن: ياريت
ماسة متعجباً: ليه ياريت؟! إحنا لسة مع بعض تعالى نمشي يا سليم ونحقق كل احلامنا ليه عايزنا نفضل هنا؟!
سليم بأسف: مش هاينفع وإنتِ عارفة السبب.
تنهدت ماسة بحزن: سببك ده هيفضل لحد إمتى؟ فات سنتين، يا سليم؟ ضيعت من عمرك سنين جوه وهم وخلتنا نعيش وجع كبير.
سليم بهدوء: اتحملي يا ماسة شوية كمان عشان خاطري، إن شاء الله هيتحل قريب، أنا متأكد إنه مش وهم، هنا أمانك.
تبسم بمزاح محبب أضاف:
بعدين إحنا لو سافرنا دلوقتي هتتحبسي معايا مش هيبقى بقى فيه ماما ولا إخواتك ولا حد مش هتشوفي غيري، وإنتي شكلك بقيتي تزهقي مني يا قطعة السكر.
تبسمت ماسة نافية: لا أنا مابزهقش منك يا كراملتي، أصلاً ماما واخواتي هيجوا معانا، بعدين أنا حابة أتحبس هناك ملكش دعوة…
ركزت النظر داخل عينيه برجاء:
ممكن تفكر في الموضوع ده بشكل جاد من فضلك …
سليم وهو يداعب خدها: حاضر قطعة السكر الحلوة تؤمر وبس أوعدك إني هفكر.
تبادلا نظرات العشقٍ والهيام، وابتسامةٍ مضيئةٍ تملأ وجهيهما، فكأنهما لم يعيشا مثل هذه اللحظة منذ زمنٍ بعيد. اقتربا من بعضهما ببطء، تبادلا قُبلةً عميقة، تحوّلت إلى لحظة عشقٍ لا تُنسى.
💕________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي، السادسةصباحًا
دخلا ماسة وسليم من البوابة الصغيرة، يد كلٍّ منهما متشابكة في يد الآخر، والابتسامة مرسومة على وجهيهما، كأن الخلافات التي مرّت بينهما لم تكن. خطواتهما بطيئة، وعيونهما لا تفترق، كأنهما يغزلان خيطًا جديدًا من الهدوء.
في الداخل، كانت فريدة و إبراهيم، فايزة، وعزت جالسين على الأريكة بملابسهم الرسمية، في انتظار الخدم حتى ينتهوا من تحضير الفطور على السفرة.
وحين وقعت عيون فايزة وصافيناز عليهم بهذا الشكل تبادلتا النظرات (بمعنى بصي شايفة عاملين إزاي.)
بينما حين وقعت عينا فريدة عليهما، توقفت واقتربت منهما. ابتسمت معلّقة:
اتصالحتوا أخيرًا؟ والله بحب أشوفكم دايما كده، أيوه كده. مافيش حاجة تستاهل الزعل، ماتخلوش حاجة تبعدكم عن بعض.
سليم تبسم لها: ماتقلقيش، إحنا وعدنا بعض خلاص مافيش زعل تاني.
فريدة نظرت لماسة بتنبيه لطيف: وإنتي يا ماسة إحنا عارفين إن سليم عصبي لما بيقفش بيبقى صعب التفاهم معاه ، خصوصاً الفترة دي، بس قلبه مش هاتلاقي أطيب منه، ولا أحن منه في الدنيا، ده غير بقى إنه أصلاً بيعشقك، إنتي بقى هدي شوية ياحبيبتي حاولي تمتصي غضبه ولما بيهدى صدقيني بيبقى حد جميل، سليم بيعترف بغلطه على طول ومابينكروش
ضحكت ماسة بحب ونظرت لسليم بعشق: أنا عارفة والله، مافيش في الدنيا زي حنيته، بس زي ما سليم قال لك إحنا اتفقنا إن شاء الله مش هانتخانق مع بعض تاني.
فريدة بدعاء: ربنا يخليكوا لبعض يا رب يا حبايبي.
سليم بتهذب: سوري فريدة هنطلع بقى إحنا.
ربتت فريدة على كتفه بحب، وبينما بدأ سليم و ماسة بالتحرك نحو الدرج
علّقت فايزة: إيه؟ مش هاتفطروا؟
سليم رد وهو يشدّ إيد ماسة أكتر: فطرنا في اليخت.
تساءل عزت: طب هتيجي المجموعة ولا إجازة النهاردة؟
سليم مد وجهه: هشوف.
انفلتت من فريدة ضحكة خفيفة، واكتفت بإيماءة بسيطة وهي تتابعهما يصعدان الدرج، بذات التماسك، وذات النظرة، وذات الهدوء… وكأن ما كان ينقص المشهد سوى موسيقى هادئة في الخلفية.
تبادلت صافيناز وفايزة نظرة سريعة. نظرة كانت تحمل من الفهم أكثر مما تُقال فيه كلمات.
فايزة تمتمت: هروح أجيب حاجة من الجناح… وإنتي يا صافي، مش هاتشوفي عماد؟
صافيناز: حاضر.
صعدت الاثنتان للأعلى، وكل منهما دخل غرفته، لكن بعد ثوانٍ، بدأتا في التسلل إلى غرفة رشدي بخطوات هادئة ومنظمة لتكتمل حلقة الشر.
في غرفة رشدي
كان يجلس في الداخل، يدخن سيجارته، ويُدندن مع أغنية كلاسيكية قديمة.
دخلت فايزة مع صافيناز، وقالت باستهجان: قاعد كده ولا فارق معاك؟ ماشفتهمش راجعين مبسوطين وماسكين إيد بعض؟ولا كأنهم في شهر العسل؟
رشدي رمقها بنظرة جانبية، ونفث الدخان ببطء:
خليهم ينبسطوا شوية… دي تقريبًا آخر ليلة هيبقوا فيها مبسوطين كده.
صافيناز بتأفف: طولت يا رشدي… مش المفروض الموضوع يكون خلص؟إنت مش خلاص معاك الفيديوهات؟
ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة فيها مكر: لأ، لسه… في شوية حاجات لازم تتظبط. الحكاية لازم تتفصّل مظبوط… ماينفعش يكون فيها ثغرة.
أسند ظهره وحدّق في سقف الغرفة، وأكمل: الهدف مش إن ماسة تكره سليم… الهدف إنها تبقى مهيّأة لأي حاجة تتقال لها… ماتستغربش… تصدّق على طول.
فايزة، وهي تعقد ذراعيها: لما نشوف.
في أحد الكافيهات، الثانية عشر مساءً
تجلس زيزى ورشدي على الأريكة، يتحدثان،
زيزى بإنزعاج: قولتلك بلاش، وأبعد عن البنت دي. إنت متأكد إن رحيم هو إللي وراها؟
رشدي، هز رأسه بإيجاب: إحنا تأكدنا.
زيزى بضجر: بس ماكنتش قتلتها.
رشدي: ماقصديش بالغلط.
زيزى بحزن: حبيتها.
ابتسم رشدي ابتسامة خفيفة: لا، كنت بقضي معاها وقت حلو. بكرة هلاقي غيرها. المهم، أخبارك إيه في جوازك؟
زيزى بإبتسامة: كويسة، بحاول أتعوّد على المسؤولية. مش هتعقل بقى وتتجوز إنت كمان.
حرك رشدي فنجانه في يده، ثم تابع بنبرة جادة: مش لاقي مزة حلوة.
زيزى بتعجب: مش لاقي إزاي؟ كل البنات دي بتتمناك.
رشدي بنبرة ثقة وغموض: المهم أنا أتمنى مين. أنا مالقيتش إللي تستاهل أتجوزها، بعدين فيه حاجات عندي أهم، أخلصها وأفكر في الجواز.
هزت زيزى رأسها بتعب: برضو سليم.
رشدي بنبرة حادة: يا بنتي دي حرب، مش حربي لوحدي، حربنا كلنا، وأقوى خصم لينا هو سليم، علشان كده عايزين نخلص منه، وفي الحرب شوفي مصلحتك فين وأمشي وراها، وأنا مصلحتي رضا الهانم.
هزت زيزى رأسها برفض وقالت بجدية: بس بعد ماتخلصوا على سليم،صدقني هتخلصوا على بعض، هما مش هايسبوك. بقولك إيه، أنا فاكرة إنك قلت لي قبل كده إن سليم قال لك إنه ممكن يقسم الكرسي، خلاص، مادام هو عنده النية دي أعملها، معتقدش إن سليم يعني متلاعب في الكلام، مش أسلوبه، إنتم وصلتوا لتسع شركات متعددة الصناعات لها فروع في أنحاء العالم. كل واحد ياخد حاجة وخلاص.
رفع عينه لها بصمت، هو يعلم في صميمه أن حديثها صحيحا، لكن الكراهية والحقد والغيرة أكبر.
استرسلت زيزي وهي تواصل فكرتها: بص يا رشدي، أنا فهمت حاجة في الدنيا دي. طول ما إنت لوحدك، سهل تتصاب وتتكسّر، لكن طول ما إنتم جماعة صعب. قوتكم مع بعض.
قاطعها رشدي باعتراض: قوتنا ببعضنا؟! ده لو بنحب بعض، لكن إحنا كلنا بنكره بعض. حتى سليم بيكرهني.
زيزى، باستهجان: عشان إنت مابتتغيرش يا رشدي. كل شوية بمصيبة، كل شوية مشكلة. ومصايبك مش عادية.
رشدي بنبرة قاسية: طب هو ماله؟ هو بيعمل عليا كبير ليه؟ أنا حر، أعمل إللي أنا عايزه؟ سواء قتلت حد، ضربت حد، أو اغتصبت حد. هو ماله؟ هو أنا أذيته في حاجة؟ هو من زمان بيكرهني. في فرق بين إنك تكره شخص، وإنك ترفض وتنتقد سلوكه .
زيزي بتهكم: بس إنت مصايبك مش طبيعية يا رشدي ولازم تفهم ده، إللي بيعمله فيك سليم ده حاجة تافهة أصلاً، أنا مش عارفه أبوك ساكت عليك ازاي.
رشدي: بس هو مش بيتأذي، لكن هو نفسه يئذيني بس، الباشا ملجمه.
زيزى بتهكم: هو بيتعامل معاك بعنف لإنك بتأذي غيرك يا رشدي، وصدقني لو كان عايز يقتلك، كان عملها، إنت عارف سليم مابيهموش… رفع مسدس عليك، بيهوشك، يا ابني إنتم اسمكم كبير الحاجات إللي إنت بتعملها دي هاتدمر اسمكم..
أخذت نفسًا عميقًا: رشدي، بص إنت فيك عبر الدنيا، بس بحبك أنا خايفة عليك لازم تعقل.
ضحك رشدي قليلًا، قائلا بسخرية: زيزي مواعظ.. فكك مني. مش بعد الفترة دي كلها تيجي تشوفيني تديني مواعظ! روحي لبابا عيسى أولى بالموعظة دي تاجر المخدرات.
ضيقت زيزي عينيها بملل: أقسم بالله، بأندم على كلامي معاك . المهم، خد بالك من عماد ده ثعلب.
صمتت لحظة وكأنها افتكرت: واد يا رشروش، أوعى تكون البت نيللي خلّتْك تاخد كوك.
ضحك رشدي بقوة: لا يا ستي، مافيش الكلام ده. هو أنا عبيط؟
هزت زيزي رأسها بحسم: هي ملهاش علاقة بالعبط. هي ليها علاقة بلحظة الضعف. لو إنت لسه في البدايات، أبعد. الكوك سكته الموت.
رشدي: خليكي في حالك. بقولك إيه؟ هاتاكلي ولا إيه؟ أنا جعان.
هزت زيزي رأسها بتعب: ماشي.
نظر رشدي إلى النادل وطلب الطعام ثم نظر لها وقال: بقولك إيه؟ لو جوزك ده ضايقك في حاجة، رنّي عليا بس. وأنا هاجي أظبطهلك.
ابتسمت زيزي :ط أنا عارفة إن ورايا رجالة يا رشروشي.
💞___________بقلمي_ليلةعادل⁦。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。⁩
قصر الراوي الخامسة مساءً.
مكتب سليم
جلس سليم بجوار ماسة على الأريكة، بينما وقف مكي بجانبه ومعه راويه،الحارسة الشخصية الجديدة، التي بدت هادئة وواثقة
أدار سليم عينيه نحوها بنظرة مباشرة، نبرة صوته ثابتة لكنها صارمة، لا تقبل النقاش:
راويه، أنا مش عايز أي غلط، أظن مكي قالك كل حاجة، إنتي هاتكوني تحت عيني… والغلط عندي ملوش تاني، ولو فيه لحظة حسيت إنك خنتي أو في حاجة غلط، مش هقولك هموّتك… الموت وقتها هيكون راحة ليكي. أنا هخليكي تتمنّيه، ويمكن تعمليه بإيدك، عشان تخلصي من إللي أنا هعمله فيكي.
رفعت راويه رأسها قليلًا، نظراتها ثابتة وواثقة:
سليم بيه، ماتقلقش. يمكن دي أول مرة نتعامل مع بعض، بس مش هتندم. مكي عارفني كويس، وأنا مش هكسفه.
التفتت ماسة إلى راويه بنظرة مشاغبة وهي تميل بجسدها قليلًا للأمام:
وإنتي بقى بتعرفي تضربي رجالة؟ يعني ممكن تضربي مكي؟ ما هو أكيد إللي هاييجي يسرقني ولا يخطفني هيبقى شبهه.
ضحكت راويه ضحكة قصيرة: أكيد بعرف أضرب رجالة زي مكي يا هانم.
نظرت ماسة نحو سليم، بعينين لامعتين بالمزاح:
بقولك إيه… ماتخليهم يلعبوا ماتش مع بعض؟ نختبرها؟
رفع سليم حاجبيه، وأزاح نظره عنها بهدوء.: بطّلي لماضة.
ضحكت ماسة بهدوء وهي تهز كتفيها نظرت لراويه: عموماً… أنا كمان بعرف أضرب، سليم علّمني حاجات جامدة، ومكي كمان… يا ما رجله اتفرمت تحت رجلي، ضحكت.
أعاد سليم النظر نحو راويه قال بجدية:
طيب، إنتي كده محتاجة تعرفي أي حاجة تانية؟ شغلك مش هيكون كتير… هتكوني مع مدام ماسة في الأماكن إللي مافيهاش حد من الحراس يقدر يدخل، زي التواليت أو بروفات الملابس، وماشابه هي دي هتكون مهمتك ومش عايز أقول لك أي غلط مش عايزك تفكري مرتين وإنتي بترفعي مسدسك وبتقتلي الشخص ده.
هزّت راويه رأسها بثقة: تمام يا أفندم.
أشار سليم بيده. طب اتفضلي دلوقتي.
تحركت للخارج، أكمل سليم: مكي عينك عليها.
هز مكي رأسه بإيجاب وتحرك خلفها.
قهقهت ماسة وهي تنظر إلى سليم بدهشة ممزوجة بالإعجاب: يا لهوي على الضحك! إنت عملتها بجد؟
أجابها سليم دون أن يلتفت: آه… عملتها بجد.
ماسة همست وهي تميل عليه شوية: والله مجنون… بس بحبك.
مالت برأسها على ظهر الأريكة، غارقة في دهشتها الممتزجة بالإعجاب.
💞_______بقلمي_ليلةعادل________💞
الجامعة الأمريكية، الواحدة مساءً
في فناء الجامعة، تحت أشعة الشمس الهادئة، تجمعت داليا، ريماس، وسهى حول إحدى الطاولات الجانبية التابعة للكافيتيريا. أكواب العصير المثلج أمامهن، والضحكات تتعالى بين الحين والآخر، رغم نبرة السخرية المبطنة التي تخترق الهواء.
ظهرت ماسة من مدخل المبنى، تحمل حقيبة ظهر صغيرة، وملامح الإرهاق تعلو وجهها بعد المحاضرة. اقتربت بخطوات ثابتة وابتسامة باهتة على شفتيها.
ماسة بإبتسامة: إيه ده! جيتوا إمتى؟ أنا كنت جوه في المحاضرة… ماحضرتوش ليه؟
ردّت داليا ببرود وهي ترشف من كوبها: إحنا هنا من بدري… بس محبناش نحضر. طلعنا نشرب حاجة، وماحبتش أقولك بصراحة، كالعادة يعني… هتقولي لسليم، وسليم هايرفض.
صمتت ماسة لثوانٍ، تتماسك أمام النبرة الجارحة، لكن سرعان ماقالت
ريماس التي انتبهت لتواجد راويه: إيه دي مين دي إن شاء الله.
ماسة التفتت بعينيها نحو راويه وقالت: حارسة شخصية.
ضحكت البنات جميعا لكن أعينهم كان يبدو عليها السخرية لكن لم يعلقن.
تحممت ماسة ثم أشارت نحو الأوراق المبعثرة أمامهن: ده ورق إيه؟
مدّت يدها والتقطت ورقة مطوية، فتحتها ببطء، وعيناها تتنقلان بين السطور.: رحلة؟ دي رحلة إيه دي؟
أجابت ريماس بابتسامة تنضح بالاستفزاز: في الإجازة… الجامعة طالعة رحلة لإسبانيا. بس طبعًا إنتي مش معانا، جوزك هيوافق إزاي؟ ده بيقفل عليكي من خروجة الكلية، هيسيبك تسافري!
ضحكت سهى بخفة: وبعدين الخروجات ومفهومة، بيخاف عليكي… طب ولين؟ ليه بطّلتي تكلميها؟ برضه سليم قالك لأ؟
ارتبكت ملامح ماسة، لوّحت بيدها محاولة تغيير الحديث: بصوا، أنا…
قاطعتها داليا بسخرية لاذعة: ولا بلاش، ماتتعبيش نفسك. إحنا عارفين، أي حاجة مش على مزاجه بتتشال من حياتك… صح؟
قلبت ماسة شفتيها بضيق، وكأنها تستشعر أن صبرها بلغ منتهاه. عدّلت من وقفتها، وسكون جسدها لم يكن يعكس اضطرابها الداخلي. رفعت الورقة ببطء من بين يديها، وضعتها على الطاولة بحركة محسوبة، ثم رفعت عينيها إليهنّ بنظرة ثابتة، يملؤها الكبرياء والكرامة لم تعد تحتمل الصمت.
قالت بصوتٍ متماسك، يحمل بين نبراته مرارة مكبوتة: على فكرة… أنا ساكتة من زمان علشان بحبكم. كنت بقول طبيعي يبقى في تعليقات، لكن لما الكلام كله يبقى تريقة واستهزاء… يبقى لأ. واضح إنكم مش بتبادلوني نفس الإحساس.
لما كل كلمة تطلع منكم يكون وراها تقليل أو سخرية… يبقى مافيش لزوم للصحوبية دي.
سليم جزء مني، وإللي بيحبني بجد، هيحترم ده، مش يستهزأ بيه، وأنا ولا يمكن أتحمل أو أسمح إن حد يقول عليه كلمة، مهما كان، مفهوم؟! علشان لو ده حصل… هفرمه.
صمتت لثوانٍ، محاولة كبح ارتعاشة في صوتها، ثم أكملت بنبرة جمعت بين الألم والاعتزاز:
وسليم لو كان بيمنعني أخرج، ممكن أتضايق.
بس هتضايق أكتر بكتير لو وافق إني أسافر من غيره.
مش علشان بيقفل عليّا، لأ… علشان أنا اتعودت أحس بالأمان وهو جنبي، ولما بيغيب، أنا إللي ببقى مش مرتاحة، أنا إللي مش عايزة الرحلة دي.
أخفضت بصرها للحظة، ثم رفعت عينيها مجددًا وقالت بصوت واضح:
أنا مش هبرر أكتر من كده. بس إللي يعرفني بجد، عمره ماهيحول خوف جوزي عليّا لتريقة.
ونصيحة أخيرة… ياريت تعيدوا النظر في الرجالة إللي حواليكم، لإني بصراحة… مش شايفاهم موجودين، والراجل إللي مش حاضر في تفاصيلك، محتاج تراجعي علاقتك بيه من أولها.
استدارت لتهمّ بالرحيل، ثم توقفت فجأة. التفتت إليهنّ مجددًا، وقالت بنبرة قوية حاسمة:
هقولكم نصيحة بسيطة… الجواز مش لعبة.. دي حياة فيها مسؤولية وحدود، ولو إللي معاكم سايبينكم على هواكم طول الوقت؟
لازم تعيدوا التفكير في رجولتهم، الراجل إللي مش فارق معاه مراته تروح وتيجي من غير ما يسأل؟
ده مش راجل… ولا دي حاجة تفرح..
حتى لو مش مراته، حتى لو حبيبته، أمال أنا هعرف إنه بيحبني وبيغير عليا إزاي؟ مادام كل حاجة عنده “عادي” و”أعملي إللي إنتِ عايزاه”، تأكدي إنه مش هيتجوزك، لإن الراجل لما بيحب، بيغير وبيخاف، وأنا مش شايفة فيكم…
ولا واحدة دخلت علاقة جدية، أو حتى تقدّمت خطوة لقدّام… كلها لعب، علشان هما مش رجالة بجد.
رمقتهنّ بنظرة قوية، لم تترك لهنّ مجالًا للرد.
كنّ في حالة من الصدمة، عجزن عن التفوّه بكلمة.
ثم تحركت بخطواتٍ سريعة، ودموعها محبوسة خلف الجفون، لكن كرامتها…كانت تسير أمامها، رافعة الرأس، لا تلتفت. والحراس خلفها.
وأثناء ذلك رفعت ماسة هاتفها وقامت بالاتصال بسلوى، حين علمت أن عمار وسلوى يجلسان سويًا في كافتيريا أخرى وتوجهت إليهما.
الكافتيريا ..
نرى سلوى وعمار يجلسان على أحد مقاعد يتحدثان.
ماسة وهي تقترب قالت بمرح: عاملين إيه؟
عمار نظر لها: تمام الحمد لله وحشاني طمنيني.
ماسة وهي تجلس: بخير.
سلوى بحماس: تعالي، اعرفي آخر الأخبار… أخوكي معجب.
ماسة بابتسامة واسعة: إيه ده؟ بجد؟ حلو ده، مين؟ واسمها إيه؟
عمار وهو يحكّ رأسه: معايا في الكلية… بس باباها مستشار.
ماسة باستغراب: وفيها إيه؟!
عمار بتنهيدة: هو إيه إللي فيها إيه يا ماسة؟ إنتي ناسية كنا إيه؟ وإحنا بقينا إيه دلوقتي؟ وإللي إحنا فيه ده السبب فيه سليم؟إحنا من غيره ولا حاجة؟
ماسة باستهجان: يعني إيه؟ إنت فاكر إنهم مش هيوافقوا عليك؟
سلوى: ما أنا بحاول أفهمه إنهم هيوافقوا. يا ابني، إنت جوز أختك سليم الراوي.
عمار بمقاطعة قائلا بإعتراض: بس أنا مش عايز لو حصل نصيب ما بينّا، يوافقوا بس علشان السبب ده. عايزهم يوافقوا لإنهم مقتنعين بيا.
ماسة بحكمة: يبقى ماترتبطش دلوقتي. أصبر، خلص دراستك، وأثبت نفسك كويس في الشغل وبعدين فكر في الارتباط. علشان يوم ما تروح تتقدم، تروح بنفسك، بشهادتك وشغلك. فاهمني؟
عمار بتأييد: ده إللي هعمله.
سلوى: طب هي عارفة حاجة؟
عمار: آه، طبعًا. وماعندهاش مشكلة، بالعكس دي مبسوطة إننا ماعتمدناش على فلوس سليم، وإننا اشتغلنا حتى لو بدأنا بمساعدته.
ماسة بابتسامة: طيب خلاص، حلو ده، عمار ماتقلقش ماضينا مش عيب، العيب في النفوس المريضة إللى بتقيس الناس بفلوسها مش بأخلاقها،
عمار: أكيد.
بدل ملامحه وضحك وقال معلقاً: بس بجد، أول مرة تيجي تقعدي معانا! أنا بدأت أحس إنك مش في الكلية أصلًا. دايمًا قاعدة مع أصحابك!
ماسة بمزاح: ما أنتم في وشي على طول! بعدين خلاص، بعد كده مش هتشوفوني معاهم… تخيّلوا كل شوية يتريقوا عليا وعلى سليم.
سلوى: كبّري دماغك لو زادوا فيها اديهم على دماغهم.
ماسة برفعت حاجب: أنا عملت كدة لسه هستنى.
نهض عمار و نظر في ساعته: طب أنا لازم أروح، عندي محاضرة.
نظرت سلوى هي الأخرى بساعة الفون: يا لهوي، وأنا كمان! دى مراجعة مهمه جداً، وإنتي مش هتحضري؟
ماسة: لأ، هروح.
عمار وهو ينظر من حوله قال: أمال مكي فين؟
ماسة: مكي مشغول الفترة دي، فعشري بيبقى معايا.
عمار وهو بيضحك: بس بجد… الجارداية جامدة!
ماسة ضربته على كتفه بخفة: بقولك إيه، أنا أصلًا دلوقتي مجنونة! ماتتريقش، هطلع جناني عليك.
عمار وهو بيضحك: طلعيه بدل، ماطلعيه على المسكين إللي في البيت! يلا سلام.
تحركت سلوى خلفه وهي تضحك، أما ماسة فتبسمت، ثم عادت إلى القصر.
قضت ماسة ساعات في غرفتها تذاكر، حتى عاد سليم. ما إن دخل حتى قفزت في حضنه بقوة، وضمّته كأنها تطمئن قلبه. أسندت رأسها على صدره، وهي مغمضة العينين، وكأنها تلتقط أنفاسها من الدنيا.
مرّت يدها على وجنته بنعومة وهمست:
ماسة: أنا بحبك أوي أوي يا سليم…
سليم بحب: وأنا بموت فيكي يا قلب وعمر سليم، بس إيه الحب ده؟!
فتحت ماسة عينيها، ونظرت له بإبتسامة بريئة: عادي عندك أعتراض.
نظر لها سليم وهو يضع قبلة على عينيها: لا يا قطعة السكر.
سليم وهو يبتعد عنها قليلا ويقبل يدها: خرجتي بدري ليه من الجامعة؟
ماسة: خلصت محاضراتي، ومش عايزة أكمل. روّحت، ولقيت عمار وسلوى قاعدين، قعدت معاهم شوية بعدين مشيت.
سليم بلطف: اتخانقتي مع أصحابك ليه؟
ضحكت ماسة وقالت بمزاح: على فكرة، عشري ده فتان جدًا. يا سيدي، هما كل شوية يقعدوا يستهزأوا، ماشية ووراك حارسة شخصية، وقافل عليكي وكل حاجة لازم أستأذن، يا ترفض، يا تقبل! وأنا ماعدتش قادرة أستحمل… قفشت عليهم، بس بإحترام.
سليم بهدوء: أهم حاجة إنتي ماتزعليش.
ماسة: مش زعلانة… عندي أصحاب كتير أصلًا. بقولك إيه؟ جعان! أنا جعانة أوي ومستنياك
سليم بابتسامة : امم جعان… بس عايز آكل من إيدك.
ماسة بدلع: بس كده؟ عيوني… خد شاور، وارتاح شوية، وأنا هعمل لك أكلة حلوة… طاجن لسان عصفور بالخضار…
اقتربت منه بدلال قالت بلهجتها القديمة: فاكر يا سيدي سليم بيه…
ضحك سليم : فاكر يا ماسة؟ بس هحبك أكتر لو فكرتيني بالكلمة الثانية.
ماسه بدلال: ماتستصغرنيشي يا سليم بيه.
ضحكا سويًا، وأحتضن كل منهما الآخر بحب، ثم افترقا بهدوء، كل إلى وجهته.
💞_________________بقلمي_ليلةعادل (⁠◠⁠‿⁠◕⁠)
قصر الراوي.
الحديقة الثالثة عصراً.
تجلس ماسة في الحديقة، تمسك كوب النسكافيه بين يديها، تستمتع بنسمات الهواء الخفيفة وأشعة الشمس التي تتسلل بين فروع الأشجار. في المقابل، على بعد أمتار منها كانت فايزة جالسة على مقعد آخر، وتبدو مشغولة بالهاتف. كانت ماسة تراقبها من زاوية عينها، لكنها تحاول أن تبدو غير مهتمة، تتظاهر وكأنها في عالمها الخاص. بينما فايزة كانت متأكدة أن ماسة قريبة، لكنها تصنعت أنها مشغولة ولا تدرك وجودها.
أمسكت فايزة هاتفها وتصنعت أنها تتحدث مع أحدهم وبدأت تتحدث بصوت تأكدت أنه سوف يصل لماسة:
فايزة بضيق مصطنع: طب أعمل إيه يا عزت؟ مش قادرة أتكلم معاه، مستحيل يسمع مني هو ممكن يسمع منك أكتر مني… طب نقول لفريدة؟ ! وصلت لمرحلة إنه يهدد بالسلاح… سليم بقى عصبي جداً، ماحدش قادر يتفاهم معاه… كل حياته بقت تهديد! هو هيرجع لأيام زمان ولا إيه؟ مش كنا خلصنا من الأيام دي؟ … والحل يا عزت؟ خايفة إنه مايكونش ييهدد، وفعلاً يقتل الشاب ده!! .. خلاص يا عزت لما تيجي نتكلم مع بعض. سلام.
كانت ماسة تحتسى النسكافيه بهدوء، لكن في داخلها كان هناك مشاعر متناقضة، الكلمات كانت تدخل قلبها، وعينيها تحركت بلا إرادة نحو فايزة
ماسة تفكر في نفسها: لا… مستحيل. سليم مش ممكن يوصل لمرحلة القتل. هو متغير… بس مايوصلش لده. كلامهم مش معقول…
ثم أنهت فايزة المكالمة، توقفت والتفتت، وتصنعت المفاجأة وهي تقول باتساع عينيها: إيه ده؟ هو إنتِ هنا؟
ماسة: اممم…
فايزة: أمال فين سليم؟!
ماسة: لسه مجاش.
فايزة: أها فعلاً نسيت عنده اجتماعات لحد خمسة..
اقتربت فايزة تواقفت أمامها، فتوقفت ماسة باحترام:
فايزة: عاملة إيه يا ماسة؟
عقدت ماسة بين حاجبيها ومالت برأسها باستغراب شديد: أنا تمام، إنتِ عاملة إيه؟
فايزة: كويسة.
صمتت لوهلة ثم قالت: ما تاخدي بالك من سليم شوية يا ماسة؟ الفترة دي بقى عصبي وإحنا مش حابين يرجع للعصبية دي أو يرجع تاني لشخصيته القديمة، هو إنتِ مش ملاحظة كده إنه متغير؟
ماسة صمتت للحظة فكرت فهي لا تريد تأكيد تلك المعلومة ثم قالت: لا… مش ملاحظة. هو كويس معايا، عموماً. حاضر، أي حاجة هاتفيد سليم، مستحيل أتأخر عليها.
فايزة: خليكي عارفة حاجة واحدة: بعيدًا عن إني كرهاكي، وبتمنى إنك تمشي من هنا. بس… ابني خط أحمر. أنا عارفة إنك إنتِ الوحيدة إللي تقدرّي تسيطري على سليم.هو بيحبك، وبيسمع كلامك. حاولي تهديه… سليم الفترة دي عصبي بشكل بيخوف… عن إذنك.
أبتسمت فايزة ابتسامة خبيثة، وكأنها أنهت ما في ذهنها. أرادت زرع الخوف في قلب ماسة، مظهره أن سليم أصبح شخصًا مختلفًا يحتاج إلى السيطرة، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة. لكن ماسة كانت مترددة، تحاول الحفاظ على توازنها بينما كانت الكلمات تتردد في ذهنها. لماذا تفعل فايزة ذلك؟ وما الهدف وراءه؟
رفعت هاتفها قامت بالاتصال بسلوى: ألو سوسكتي عاملة إيه فينك كدة امم … طب بقول لك إيه أنا عايزاكي تجيلي، ياريت ما تتأخريش باي..
بعد وقت في الحديقة الخلفية عند المسبح.
جلست ماسة بجانب سلوى، تبدو متعبة وشرود الذهن، تعبث بفستانها وعيناها تتجولان بلا تركيز.
رمقتها سلوى بنظرة جانبية، لم تخفِ القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبها: مالك يا بنتي؟ وشك مش طبيعي النهاردة اتخانقتوا تاني؟!
رفعت ماسة عينيها إليها ببطء، وكأنها تنتشل نفسها من حفرة مظلمة. كانت نظرتها غريبة، تحمل في طياتها شيئًا من الخوف وشيئًا من الحيرة… وربما كثير من الألم قالت:
سوسكا… هو لو فيه ناس بيتكلموا عن مكي وحش قدامك، وإنتي أصلاً عارفة إنهم بيكرهوكي… تفتكري ليه بيعملوا كده؟
أجابتها سلوى مسرعة: علشان عايزين يبعدوني عنه طبعًا… كدابين، ونيّتهم باينة.
أومأت ماسة برأسها برفق، لكن عينيها ظلّتا متعلقتين بمكان ما خلف الطاولة، كأنها تخاطب نفسها أكثر مما تخاطب سلوى:
أنا كمان شايفة إنهم كدابين… بس مش قادرة أفهم، ليه؟ وإشمعنا دلوقتي؟
نظرت لها سلوى بقلق، واقتربت منها أكثر تسألت:
هو فيه إيه؟ قوليلي يا ماسة…
تنهدت ماسة، وكأن قلبها يئن، ثم تمتمت بصوت بالكاد يُسمع:
بقالهم فترة بيتكلموا عن سليم… كلام وحش أوي. بيقولوا إنه بيقتل… وإن شغله زمان كان مشبوه…
صمتت لحظة ثم تابعت، وصوتها ازداد اضطرابًا حكت في رقبتها أضافت: هو سليم فعلاً عصبي اليومين دول وبيهدد… أسلوبه بقى صعب.. بس ده مش معناه إنه بالشكل إللي بيحاولوا يصوروه بعدين بدأت أحس إن هما قاصدين يسمعوني الكلام ده عايزين يعرفوني.
بدت الصدمة على وجه سلوى، وانفرجت شفتاها قبل أن تسأل بحدة: مين إللي قال كده؟
أجابت ماسة وهي تزم شفتيها: فايزة… صافيناز… فريدة…. وياسين كمان.إللي وجعني فريدة وياسين… كانوا بيتكلموا عنه كأنه حد غريب. وأنا… أنا اتجننت.
تساءلت سلوي بتردد: وإنتي؟ شايفة إن الكلام ده ممكن يكون حقيقي؟
هزت ماسة رأسها نفيًا بثقة حزينة: أنا متأكدة إن كله كدب. لو فيه حاجة صح، فهي عصبيته… غير كده؟ مستحيل، بس ليه؟ ليه بيعملوا كده؟ إيه هدفهم؟
وضعت سلوى يدها فوق يد ماسة، وضغطت عليها بلطف: عايزين يشوّهوا صورته في عينك… يخلوكِ تكرهيه. ده شغل حرابيئ، يغيظوكي شوية، ويسكتوا شوية، وكل مرة يلعبوا لعبة جديدة هم كده من زمان معاكي يا ماسة.. ماترميش ودنك ليهم… وقولي له، ماتخبيش عليه إنتي كده كده بقيتي خلاص بتحكي له كل حاجة مابقاش فارق معاكي.
هزت ماسة رأسها بايجاب ممزوجة بحيرة: أنا فعلاً بقيت أقول له… بس…حاسة لو حكيت له، هيفتكر إني مش بثق فيه، وهيزعل…وأنا لسه فرحانة إننا اتصافينا.
سلوى بعقلانية: حبيبتي ليه أصلاً هيفتكرك مش بتثقي فيه؟! إنتي هتقولي له أنا مصدقة أبداً، إنتي هتعرفيه مش أكتر إللي بيدور من وراه.
هزت ماسة رأسها بصمت أكملت سلوى بتنصيح:
بس أهم حاجة… ماتخليش صوتهم يعلى على صوت قلبك.
ساد الصمت للحظة، ثم رفعت سلوى حاجبيها قالت بدهاء: بصي، لو حسيتِ إنهم زودوها، سجّليلهم… وقولي له، خلي بالك، إخواتك شكلهم بيفكروا يلعبوا لعبة وس،خة. بس خلي دي آخر خطوة، علشان لو حصل… سليم مش هايسيبهم.
زمت ماسة شفتيها قليلًا، وكأنها استشعرت خطورة الموقف، ثم تمتمت بخوف:
أنا كمان بقول كده… المرة دي مش بيرازوني بحوار الخدمة… ده تشويه، عن عمد…سليم لو عرف، ممكن يولع فيهم علشان كده برده أنا مترددة أتكلم أنا عارفة سليم وإللي ممكن يعمله فيهم هاتبقى حرب..
رفعت سلوى رأسها بحسم، وقالت بجدية: يبقى أصبري…كمّلي امتحاناتك، وبعدها كل واحد ياخد جزاءه.. خلاص إحنا دلوقتي فهمنا أهدافهم إنهم بيشوهوا صورة سليم في عينك، المهم دلوقتي إنك واثقة في سليم، فطنشي ماتديش أي رد فعل، يمكن هم مستنيين رد فعلك، مستنيين تتكلمي لأنهم بقوا متأكدين دلوقتي مليون في المئة إنك هتقولي لسليم كون إنهم بيعملوا الحركات دي وهما متأكدين يبقى أكيد بيدبروا مصيبة، فإنتي ارجعي زي زمان ماسة إللي بتسمع وبتطنش وفشلي مخططهم.
همست ماسة أخيرًا: فعلاً… لازم استنى الامتحانات، وأطنش..بس لو استمروا، هسجل… وهقول له وساعتها، إللي هايجرالهم… يبقوا يستاهلوه..
الواحد مش عارف هيفضل لحد إمتى في القرف ده.
زفرت بإختناق، ثم تبسمت وهي تنغز سلوى على كتفها بمزاح: بس إيه يا بت يا سوسكا ده، أنا حاسة إني قاعده مع سعدية أقسم بالله نفس الدماغ ونفس الطريقة بقيتي فظيعة.
سلوى تضحك: أقسم بالله إللي زي أمك دول هم إللي ينفعوا مع العيلة إللي إنتي عايشة معاهم دول.
ماسة: عندك حق.
💞______________بقلمي_ليلةعادل (⁠◠⁠‿⁠◕⁠)
جناح ياسين وهبة، الخامسة مساءً
توقفت هبة وياسين في منتصف الغرفة. كان التوتر ظاهرًا في ملامحهما، والغضب يتسلل من أعينهما.
ياسين بضيق: أنا مش فاهم إنتي بتقولي إيه… عرفتي منين الكلام ده؟
هبة بصوت حاد: عرفت! أنا مش زي ماسة،أنا مش هبلة… كل حاجة بتحصل حواليا باخد بالي منها، وبرمي وداني كويس.، مين البنت إللي رشدي قتلها؟! وإزاي كانت مزقوقة عليه؟! وإزاي الباشا سايبه عادي كده؟!
تنهد ياسين بعمق، يحاول إخفاء قلقه: طيب وده مالي وماله؟! رشدي طول عمره ماشي غلط، وأنا أصلاً مش قريّب منه.
هبة رفعت حاجبها بإستنكار: بس أنا مش قادرة أعيش هنا… البيت كله سم، كله مشاكل! من كام يوم سمعت مامتك وإخواتك بيقولوا إن سليم رجع لعصبيته وتهديده، وعايزين يكلموا أبوك يوقفه!
ياسين وهو بيحاول يهرب: طب وأنا مالي برضوا؟ سمعتي حاجة عني؟ شوفتيني بعمل حاجة وحشة؟!
تنهدت هبة وتحدثت بهدوء: لا، ماشوفتش منك حاجة… بس أنا مش عايزة أربي نالا في الجو ده! أنا قررت أرجع فيلتي… تحب تيجي معايا، أهلاً وسهلاً. مش عايز، يبقى كل واحد يروح لحاله.
نظر ياسين لها مطولًا، ثم قال بسخرية خفيفة: بتلوي دراعي يا هبة؟
هبة بصوت مكسور: لا… بس أنا تعبت. عرفت حاجات بالغلط، سألت ماسة، قالت لي ماتعرفش بس قالت لي إن كل حاجة ممكنة من رشدي. حكتلي حاجات مرعبة عن ماضي رشدي، وإزاي سليم كان حابسها أسبوع في البيت من كتر خوفه!
رفع ياسين كتفيه بلا مبالاة: طيب حلو… أنا بقى مالي برشدي؟
نظرت إليه بعينين دامعتين، وقالت بنبرة كسيرة:
رشدي ده أخوك… عم بنتك! ممكن في يوم تسمع أي حاجة بالصدفة زيي. مهما حرصت ممكن نالا تسمع عن عمها القاتل… أو عن عمها التاني إللي بيهدد وبيتصرف زي زعيم عصابة.
ثم اقتربت منه خطوة، وكأنها تبحث عن آخر حبل نجاة، وقالت برجاء:
اسمعني بس، أنا مش هقدر أعيش في القصر ده تاني… القصر ده كله كره وحقد وأذى، خنقة كبيرة، عامل زي صندوق الصغير، بيخنق أي حد يدخل فيه، برغم حجمه كبير، مش قادرة أعيش في البيئة دي، مش شبهي. سنين وأنا بحاول أتأقلم، بس مش قادرة. عايزني أعيش مع واحدة لسة عايشة في عصر الطرابيش، بتكره واحدة من سنين ومستنية أول فرصة تتآمر عليها، غير كرهها ليا؟ أو واحدة تانية بتتكلم من مناخيرها، حقودة، غيورة، مش بتفكر غير في نفسها.
و واحدة تانية سلبية، كأنها عايشة هي وجوزها وأولادها في كوكب تاني، مابتدخلش في أي حاجة. وواحد تاني زيها، أحيانًا بنساه، واحد بقى تاريخه كله سواد… اغ،تصاب، ق،تل، تحر.ش… وإللي كنت فاكرة إنه أحسنهم، طلع هو كمان بيهدد، عصبي، شخصيته غامضة. حتى إنت يا ياسين… اتلوثت. شاركت في التهريب! ولولا سليم وقفك، ماكنتش هتبعد. وإنت بنفسك قلتلي كده بعد ماتضربت بالرصاص! وخبيت عليا مش بلومك، بس بترجّاك، نخرج من القصر ده، نبدأ من أول وجديد.
رفعت عينيها نحوه، ودمعة خفيفة على خدها: فكر في نالا… عايز بنتك تكبر في بيت كله كره وكذب وحقد؟!
صمت ياسين للحظه عيونه ظلت معلقة في الأرض. أنفاسه تقيلة، وكأن كل كلمة قالتها هبة كانت صخرة تجثم على صدره.
قال أخيرًا، بصوت منخفض وهو بيهز رأسه: حاضر. ها أعمل إللي إنتي عايزاه
مجموعة الراوي
مكتب سليم، الواحدة مساءً
كان سليم في مكتبه، يطالع الأوراق أمامه بعينين غارقتين في التركيز. وجهه كان متجهمًا قليلًا، بينما كانت الحروف تتراقص أمام عينيه بسبب الإرهاق.
بعد دقائق، دخل الساعي بهدوء، ووضع فنجان القهوة على طرف المكتب ثم خرج بهدوء.
تنهد سليم بعمق، مد يده وأخذ رشفة من القهوة. وما إن وضع الفنجان، حتى وقعت عينه على برواز لصورة ماسة موضوع أمامه…
ابتسم ابتسامة خفيفة وهو يتأمل ملامحها. كانت الصورة عفوية، ولكنها استطاعت أن تأسره. مد يده إلى هاتفه واتصل بها، لكنه تفاجأ بأن الهاتف مغلق.
عبس وجهه، وشعر بشيء من القلق يتسلل إلى صدره. بسرعة ضغط على اسم عشري في قائمة الأرقام.
ألو، عشري، ماسة تليفونها مقفول ليه؟
جاءه صوت عشري سريعًا من الجامعة مع تبادل الشاشة بينهما:
عشري بتوضيح: معرفش والله يا ملك، بس هي قاعدة قدامي مع أصحابها. ثانية واحدة كده، هبعتلك صورتها حالًا.
بعد لحظات، ظهر الإشعار على شاشة سليم. فتح الصورة، ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة، لكن تلك الإبتسامة اختفت فجأة عندما وقعت عينه على شاب يجلس معهم.
ضَيَّق عينيه ليتأكد، قلب الصورة أكثر من مرة، ثم رفع الهاتف واتصل بعشري مجددًا: عشري… فيه حد من الشباب قاعد معاها ولا إيه؟
عشري بتلقائية: أه يا ملك، أنا بعتلك كمان فيديو، علشان الصورة لو مش واضحة.
حاول سليم الحفاظ على نبرته: تمام، خد بالك كويس يا عشري، عينك متغفلش. سلام.
فتح سليم الفيديو بسرعة وشعر بغضب عارم، اجتاح قلبه، لم يكن هناك مايستدعي الغضب الفعلي، الشاب كان جالسًا في الجهة المقابلة، يتحدث مع إحدى صديقاتها، ولم يكن هناك أي تواصل مباشر مع ماسة.
لكن عقل سليم كان في حالة من الفوضى، لم يعد يتحكم في المنطق، وكان قلبه يغلي من الغيرة لأنها لم تستمع إلى كلامه وكأنها لا تهتم.
نظراته اشتعلت، مسح وجهه بكفيه بعنف، ثم خبط على المكتب بقبضته، وهو يتمتم في نفسه:
مافيش سمعان للكلام يا ماسة؟ بتعنادي ليه؟
عايزة تشوفي سليم ممكن يعمل إيه؟
حاضر… إنتِ إللي اضطرّتيني أعمل كده، خلي عندِك ينفعك.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، السادسة مساء.
يجلس سليم على الأريكة، بملامح مشدودة للغاية وعينيه محمرتين من شدة الغضب. كان يمسك هاتفه بقوة، وكأنَّه يحاول منع نفسه من تدميره. يحك قدمه السليمة ويهزها بشدة وهو يضغط على أسنانه من حين لآخر، وكأنَّ كل حركة في جسده تعكس التوتر الذي يعيشه… لم يمضِ سوى دقائق قليلة، ودخلت ماسة إلى الغرفة بابتسامتها المعهودة. وحين وقعت عيناها عليه، ركضت نحوه بدلالها المعتاد، وقالت بنعومة:
ماسة بمرح: كراميل، إنت جيت؟ وحشتني.
اقتربت منه، وانحنت بظهرها لتضمه وتضع قبلة على خده، لكن سليم لم يبادلها مثل كل مرة. بل كان وجهه عابسًا متجمدا. جلست بجانبه، وكانت تراقب ملامحه بعناية، فبدأت تشعر بأنَّ هناك شيئًا غريبًا.
ماسة بقلق: مالك يا حبيبي؟ في حاجة مزعلاك؟
مسح سليم وجهه بيديه الاثنتين محاولًا كبح غضبه، لكن ملامحه كانت تعكس أنه على حافة الانفجار.
نظر إليها وقال بهدوء: كلمتك كتير، تليفونك كان مقفول ليه؟
ماسة بإعتذار: لما بكون في المحاضرة مع الدكتورة كريستين بنقفل التليفونات ونسيت افتحه، ومكي عارف الموضوع ده.
سليم: لكن مكي ماكانش معاكي النهاردة.
ماسة: عادي، يعني نسيت أقول لعشري… إيه المشكلة؟
سليم نظر لها قال بتساؤل: تؤ مافيش مشكلة
قوليلي: عملتي إيه النهاردة؟ قعدتي مع مين؟
ماسة رفعت كتفها: ولا حاجة أخذت المحاضرات وقعدت مع أصحابي، خلاص الامتحانات قربت كلها شهر.
حاول سليم أن يسألها بشكل غير مباشر، ربما تخبره عن ذلك الشاب من تلقاء نفسها دون أن تحدث بينهما مشكلة: قعدتي مع مين يعني؟!
ماسة متعجبة: بتسأل ليه؟! قلت لك: قعدت مع أصحابي البنات وسلوى وعمار عرفني على البنت إللى معجب بيها إنت كويس؟!.
هز سليم رأسه بإيجاب وهو يزم شفتيه بضيق. شعر أنها تكذب عليه ولا تخبره الحقيقة كاملة، شعر أن هذه هي اللحظة المناسبة للمواجهة. أسلوب التلاعب هذا لا يتناسب مع شخصيته، ولم يسبق له أن استخدمه مع ماسته الغالية. فهو بالتأكيد لا يتلاعب بها، بل… يريد أن يمنحها فرصة لتقول الحقيقة، ليس أكثر…
مد يده ليعطيها هاتفه. كانت عيناه تتنقلان بين هاتفه ووجهها المملوء بالتساؤلات. قدم لها الهاتف قائلاً ببرود:
سليم: اتفرجي على ده، وقوليلي تعليقك.
أخذت ماسة الهاتف منها بتعجب نظرت إلى الفيديو والصور التي كانت تعرض على الشاشة. بدأت ملامح وجهها تتغير تدريجيًا، من الاستغراب إلى الغضب.ثم عقدت حاجبيها وكل ما كان في ذهنها هو أنَّ هذا كله لا يمكن أن يكون إلا مراقبة وشك.
نظرت ماسة بغضب وعينيها على الشاشة: إيه ده؟! إنت بتراقبني؟! اتجننت؟
وجهت نظرها له، متسائلة بغضب وتعجب:
وصلت بيك لدرجة المراقبة؟! وبعدين، مش ده دور الحراس، دول جواسيس!
سليم بهدوء وتوضيح: خدي بالك من نبرة صوتك بعد اذنك.. أنا مش براقبك يا ماسة، كل ده حصل بالصدفة. لما حاولت أتصل بيكي، لقيت تليفونك مقفول.قلقت عليكي كلمت عشري، وقال لي إنك مع أصحابك، وقال لي إنه هايبعت لي صورة… ولما شفت الصورة استغربت، لإني شفتك قاعدة مع زميلك، رغم تحذيري ليكي أكتر من مرة. ماكملش الكلام، وبسرعة لقيته باعت الفيديو…فـأنا لا براقبك، ولا بامشي وراكي جواسيس. الموضوع كله حصل بالصدفة. وبعدين، مش ده موضوعنا، موضوعنا إنك قعدتي مع الشاب ده، وأنا سألتك على أمل إنك تقولي، لكن إنتِ ماقولتيش.
ضيقت ماسة عينيها وهي تشير بيدها، غير مصدقة ماتسمعه: ثانية واحدة، ثانية واحدة، هو إنت بتشك فيا يا سليم؟
سليم بشدة: بس عبط أشك فيكي إيه؟ أنا عايز أفهم، ليه ماقولتيش لما سألتك إن من ضمن أصحابك البنات كان فيه زميل معاكم؟
نظرت ماسة إليه في صدمة، إذ كانت تظن أنه يشك فيها، وهذا ما كان يسيطر على عقلها الآن.
كانت لا تسمع ولا تفهم سوى أنه يشك بها فقط.
ماسة بغضب: لا، أنا عايزة أفهم حاجة واحدة الأول؟! ليه كنت بتسألني الأسئلة دي؟ كنت عايز توريلي شكوكك؟! ولما لقيتني ماعرفتكش بوجوده، جبت لي دليل إني كذبت عليك… (بصدمه وخذلان) إنت بتشك فيا؟ بتشك في ماسة ياسليم؟! وتطلب من حراسك يصوروني.
سليم بصرامة وبحة رجولية: قلت لك، أنا ماطلبتش من حد يصورك، وسألتك يا ماسة قبل ماوريكي الصورة علشان لو كنتي قلتي كنت هسكت وهعديها، الموضوع مش أكبر من كده، لكن إنتِ خبتي!
فجأة توقفت ماسة التي لم تستمع إلى حديث سليم من الأساس. كل ما تعتقده هو أنها كانت مراقبة، وأنه يشك فيها ويتلاعب بالأسئلة، وهذا ماجعلها تشتعل بالغضب وجن جنونها، وتحولت إلى ثور هائج.
صاحت ماسة به بجنون: قول بقى… إنت ممشي ورايا جواسيس؟ جواسيس مش حراس! علشان يقولوا لك أخبار مراتك ويقولوا لك أنا بقولك الحقيقة ولا لا؟ هل مقضياها مع شباب ولا لا؟
توقف سليم أمامها، ورفع صوته بحزم: خدي بالك من نبرة صوتك مش هقولك تاني! وبطلي كلامك العبيط ده.
أجابت ماسة بصياح وغضب شديد: لا مش هاخد بالي، وهعلي كمان! عايز تشك فيا وأسكت؟ لا، والمصحف ماهعديها ولا هقعد ثانية واحدة معاك بعد إللي حصل!
سليم بإندهاش: بلاش الكلام ده لو سمحتي، أعقلي يا ماسة وبطلي جنان، أشك فيكي إزاي؟! بلاش هبل عيب الكلام ده، ماتكمليش.
تحدثت ماسة من بين أسنانها بخذلان ودموع: عيب!! وإللي عملته فيا ده مش عيب؟ إنك تمشي ورايا جواسيس؟ وتخليهم يراقبوني بدون ماخد بالي؟ وينقله لك أخباري مش عيب، مادام مش واثق فيا، طلقني.
زفر سليم بإختناق قال بضجر: أنا مش فاهم إنتي ليه مش مصدقاني! قولتلك، كل ده حصل صدفة. سؤالي ماكانش علشان شاكك فيكي، كل الحكاية كنت عايزك تقولِ لي الحقيقة ولما مقولتيش واجهتك، فهميني، خبيتي ليه؟!
ماسة بدفاع وغضب: أنامخبتش هو جه قعد معانا دقيقة واحدة ومشي…لو ركزت في الفيديو، هتلاقيه قاعد مع سمرا، لإنه صاحِبها.
سليم بثقة، ركز نظره في وجهها: إنتِ ماكنتِيش هاتقولي، يا ماسة. لو كنتِ عايزة تقولي، كنتِ قلتي من البداية. أنا أديتك فرصة.
ابتسمت ماسة بخذلان: أيوه، وإنت عشان كده عملت إيه؟ بعت جواسيسك؟ كلامك ده بيأكد إنك ماعندكش ثقة فيا، وماعندكش ثقة إنني بسمع كلامك وبنفذه.؟ وجود الحراس مش علشان يطمنوك على أخباري، لا دول بيعرفوك أنا بعمل إيه وهل بنفذ كلامك وأوامرك ولا لا….
صمتت للحظة ثم قالت:
تصدق أنا ندمانة على كل لحظة نفذت فيها كلامك.
وكنت قد ثقتك.
اتسعت عينا سليم جز على أسنانه، وانحنى قليلاً ليصل إلى مستوى نظرها، ثم قرب وجهه من وجهها بشدة. كان صوته هادئًا، لكن نبرته كانت مرعبة:
طيب ماشي، ماقولتيش ليه؟ لما سألتك، كان ممكن تقوليلي… بس إنتِ اخترتي إنك تخبي. وعمالة تزعقي وتقولي إنت بتشك فيا؟ وندمانة كمان إنك ماخنتيش ثقتي، وكل ده علشان تقلبي الترابيزة لصالحك وأندم، وأعدي الموضوع، وأصالحك، وأعتذر؟ ؟ للأسف يا ماسة، إنتِي خدتي على كده. خدتي إن سليم يعتذر ويعدّي مهما كانت غلطتك وإن إللي بيقوله مجرد تهديدات وبس… مش إنتي كان نفسك تشوفي نبذة من تهديداتي؟
قلب وجهه وابتعد قليلا وقال بحسم وأمر واضح:
من اللحظة دي، مفيش خروج بره باب القصر مافيش جامعة تاني، هتروحي على امتحاناتك، لحد ما قرر هتخرجي إمتى. ولو فتحتِ بقك يا ماسة، بكلمة واحدة… امتحاناتك هاتمتحنيها هنا، وإنتِ عارفة إن أنا أقدر على ده.
ضحكت ماسة بسخرية،صفقت بيديها: حلو أوي ده.. دي أحسن حاجة سليم الراوي شاطر فيها، … مبدع في تهديداتك.
تقدمت خطوة، وأكملت حديثها بقوة وكبرياء، بينما كانت نظرتها تثقب عينيه دون أن يظهر عليها أي خوف:
هو إنت فاكر إن أنا هاعيش معاك تاني؟! يا بتاع قلب الترابيزات؟! هاعيش مع واحد شك فيا، واحد مقتنع إني كدبت عليه، واحد استخدم أسلوب رخيص علشان يسأل مراته ويعرف منها إذا كانت قاعدة مع شاب ولا لأ؟ الموضوع أكبر من الأسئلة، وأكبر من الفيديو، الموضوع من زمان… وأنا مش هستحمل. إنك شكيت فيا! وافتكرت إني هكذب وهخبي عليك؟ وعلشان كده استخدمت الطريقة دي في الأسئلة؟ ولما لقيتني ماحكيتش واجهتني وقال ايه؟! كنت مستني أقولك، أنا فهماك كويس إنت عملت كده علشان توقعني. بس أنا يا أستاذ ماقلتش… لإن الموضوع مخدش أكتر من دقيقة، ممكن تسأل جواسيسك الأوفياء، حقيقي ماكنتش أقصد مقولش لما سألتني..
أكملت بتعجب وحزن بعين تملؤها الدموع وصوت يفيض به الوجع:
إزاي تسمح لنفسك تتهمني باتهام بشع زي ده؟ إني كذابة وبخبّي عليك؟ وعايز تعاقبني كمان؟ لا ومصدق ومقتنع كمان بده…
أكملت بنظر خزي وغيظ:
ولإن طبعًا، جواسيسك واخدين تعليمات منك، أول مايشوفوا أي راجل معايا، يصوروا… فإنت عملت كده. لا عشري صورني صدفة ولا حاجة! ماحدش يقدر يصورني أصلًا غير بأمرك. كل حاجة بتحصل معايا بأمرك. بطل كذب! أنا مش مصدقاك، ولا هاعيش معاك لحظة واحدة تاني،. أنا هطلق منك، أنا مش هاعيش مع واحد بيحاسبني على النفس إللي بتنفسه، بيحاسبني لو سلّمت على حد مش على مزاجه!
أضافت متعجبة بوجع وغضب:
وبعدين، حتى لو قعدت مع زميلي، وماقلتش..إيه المشكلة؟ كفرت؟ شايفنا قاعدين في حضن بعض؟ بس إزاي؟ أوامر سليم الراوي ماتتنفذش بالحذافير! وعلشان ماسة مانفذتش… تتعاقب. ماتروحش الجامعة! ماتقولش بقى غيرت والكلام ده، أنت بتتحكم فيا علشان حتة الورقة إللي مرتبطين بيها! لا يا حبيبي… هنقطع الورقة، وكل واحد يروح لحاله. أنا زهقت منك. خد حاجتك كلها. مش عايزة منك حاجة، مش عايزة غير الهدوم إللي عليّا… ولا أقولك أنا مش عايزاها. هاخد جلابيتي إللي اتجوزتني بيها، لسه معايا… عشان أنا مش هاعيش معاك تاني.
اهتز صوتها وهي تتحدث، وانهمرت دموعها بألم:
مش هقدر أستحمل أكتر من كده… أعصابي تعبت. هتجنني. هتعمل فيّا ايه؟ حرام عليك! إنت بتعمل فيّا كده ليه؟ يخرب بيت ده حب… أنا مش عايزة الحب ده. وهتطلّقني يا سليم… والمرة دي غير كل مرة. أنا كرامتي وكبريائي فوق كل شيء. مادام وصلت للشك… يستحيل نجتمع تاني!
حاولت التحرك، لكنه مسكها من ذراعها بقسوة، وقربها منه قال بنبرة رجولية: رايحة فين؟ مش هتروحي في حتة!
ماسة بصوت مهزوز لكنه عنيد: قلت لك… مش هعيش مع واحد شك فيا!
كان يستمع لها سليم بصمتٍ غريب، تركها تُفرغ ما فاض به قلبها من غضبٍ ووجع. لم يقاطعها، لم يُبدِ أي رد فعل، فقط عيناه تتبعانها بثبات.
وحين انتهت، خيم صمتٌ ثقيل، ظنّت للحظة إنه لن يتكلم، لكنه فجأة قال بصوت هادئ: خلّصتي؟
ماسة: اها
هز رأسه عدة مرات اقترب بوجهه من وجهها وقال بنبرة قاتلة ومرعبة، كان صوته خافتًا ولكنه يشتعل كالنار:
أنا لو بشك فيكي… كان زماني دفنتك حيّة.. أنا مش هاسيب نفسي للشك. هاتدفني حيّة من غير ندم؟ مش هقعد كل ده أتكلم، وأتناقش معاكي، وأحاول أفهمك… بس إنتي إللي غبية، مش عايزة تفهمي، غير إللي في دماغك. قلت لك… الموضوع كله صدفة. وعملت كده علشان ماكنتش عايز تحصل بينا مشكلة لإني عارفك عنيدة… أنا مستحيل أشك في أخلاقك! وعيب أوي إللي إنتي بتقوليه ده! إنتي عارفة إن سليم مابيكذبش ولو عملت كده هقول لك مش هخاف منك.
ماسة بعند وقوة: مش هسامحك يا سليم. قلت لك خلاص… إحنا انتهينا. مش عايزة أكمل معاك. أنا حرّة.
جز سليم على أسنانه رفع صوته أخيرًا قال بقوة: أنا قلت كلامي يا ماسة، وكلامي هايتنفذ. مش عايز أسمع لك صوت تاني… لإن إللي بتقوليه بيفوّر الدم!
وبطلي كلامك الفارغ ده علشان ماتتحاسبيش عليه هو كمان .. عيلة مستفزة صحيح.
دفعها على الفراش بقسوة… وخرج، وقفل الباب وراه بالمفتاح.
فور أن شعرت ماسة أنه أغلق عليها بالمفتاح، همت ماسة من على الفراش نحو الباب تركض، بدأت تضرب بيديها على الباب محاولة فتحه، وهي تصرخ بغضب: سليم افتح الباب! افتح الباب! إنت اتجننت؟ بتقفل عليا بالمفتاح؟ افتح الباب بقولك! سلــيم
لكن سليم ظل يتحرك في الممر دون أن يهتم بما تفعله، وكان الغضب الشديد هو المسيطر.
عندما تأكدت بأن لا جدوى من فتح الباب، ضربت الباب بقدميها بقوة، وهي تضغط على أسنانها، كان الغضب يخفى ملامح وجهها.
أخذت تنظر حولها في ضيق، لا تعرف ماذا تفعل. ثم عادت بشعرها للخلف، وتحركت وجلست على الفراش وقالت:
والله العظيم، همشي، وهاتشوف. لو كنت عنيد، فإنت ماتعرفش إيه هو عند ماسة.
حديقة القصر الخلفية.
وقف سليم في الركن ذاته الذي يلوذ به كلما ضاقت به الدنيا. كانت الحديقة ساكنة، لكن قلبه كان في فوضى لا تهدأ. أشعل سيجارته، وزفر أول نفس وكأنه يُفرغ فيه كل ألمه.
لم يكن غضبه بسبب جلوسها مع ذلك الشاب…
بل من تلك الكلمة التي مزّقته:
إنت بتشكّ بيا؟”
هو يشكّ بها؟ غبية لم يكن شكًا أبداً، بل غيرة… غيرة أشعلها شعوره بأنها أخفت عنه شيئًا، حتى لو لم تقصد.
يعرفها… عنيدة، حرة، لكن صادقة.
لم يخشَ خيانتها لحظة، بل كان واثقًا أنها حتى لو تذكرت، لم تكن لتخبره. يعرفها كأنه يحفظها عن ظهر قلب.
لكنه أخطأ… حين سألها بتلك الطريقة، حين صرخ، حين هدد، حين أوصد الباب خلفه
هو حتى لو كان محقًا، كان عليه أن يتعامل معها برفق… لا بالعنف.
كل ما أراده أن يضمّها، أن يقول:
“لقد غِرت عليكِ… لم أشكّ بكِ.
شعرت بالغضب لإنك قمتي بعنادي
لكن الكلمات خذلته، وسكنه الصمت.
تذكّر حديثها في اليخت، حين قالت له:
إذا غضبتُ، تمالك نفسك… لا تتركني، لا تهاجمني.
أنت الأهدأ، أنت من يستطيع أن يحتويني.
تألم… ندم… وأدرك أنه نسي كل ذلك حين اجتاحه الغضب، والغيرة، وشعوره بأنها تتعمّد العناد.
هو لا يريد خسارة علاقتهما… لا يريد للغضب أن يربح حتى بعد كلمتها الجارحة المستفزة له.
ظل متوقفا فى الحديقة لوقت ربما ساعات،
وحين شعر أنه هدأ، وأنه قادر على مواجهتها بهدوء،
تنفّس بعمق، ومسح وجهه وتحرك نحو غرفتها. فتح بالمفتاح، وقلبه يخفق بقلقٍ صادق…علّه هذه المرة يُحسن التعبير.
جناح سليم وماسة
كانت ماسة ما زالت جالسة على الفراش، ترتدي فستانًا بسيطًا، وبجانبها حقيبة سفر صغيرة. يبدو أنها قد اتخذت قرارها بالمغادرة. وعندما شعرت بأن الباب يفتح بالمفتاح، توقفت لاستقبال سليم. وحين دخل وأغلق الباب خلفه، توجهت نحوه وهي في منتهى الغضب والضيق. توقفت أمامه وقالت:
ماسة بغضب: إنت اتجننت؟! بتقفل عليا الباب بالمفتاح؟ خلاص وصل بيك التحكم لدرجة إنك تقفل عليا الباب بالمفتاح؟
سليم بهدوء قال موضحاً: آه، كان لازم أعمل كده علشان توقفي الجنان ده. إنتي إللي اضطرّتيني أعمل كده، إحنا مش لوحدنا في البيت، فيه ناس معانا اعقلي.
ماسة بنوع من السخرية: وإنت من إمتى بيهمك إللي عايشين معانا؟
سليم بتوضيح: مش هممني بس مابحبش حد يشوفنا بالوضع ده.
تنهدت ماسة قالت بهدوء: ماشي. عموماً أنا ماشية ورايحة عند أهلي. يا ريت تطلقني بهدوء.
تنهد سليم بنفاذ صبر: هو إنتِ لسة عايزة تكملِّي الخناق؟
تنهدت بتعب أمسك يدها محاولا تدارك الموقف:
ماتعبتيش؟ ماسة أنا عارف إني ممكن أكون اتعاملت مع المشكلة بطريقة غلط أنا بعتذر.
سحبت ماسة يدها برفض قالت بشدة: إنسى إني أقبل اعتذارك أو أقبل المناقشة وهمشي يعني همشي مش هأقعد دقيقة واحدة بعد إللي إنت عملته ده.
سليم محاولا تمالك زمام الأمور: هو إنتي مش قلتي..
قاطعته ماسة بعند: ماقلتش وإللي قلته أنا بسحبه
تنهد سليم تنهيدة طويلة بتعب من عنادها وغضبها الذي لا ينتهي قال بهدوء: يعني إنتي ناويه تكملي في الخناق طيب، بقولك إيه؟ أنا عندي شغل لازم أخلصه، وأوعدك هقعد معاكِ للفجر، لبكرة كمان، نتخناق مع بعض. أديني ساعة بس، عايز أخلص الورق ده وأبعت إيميل مهم.
قاطعته ماسة بقوة: لا ماتقلقش أنا ولا هأنكد عليكِ ولا هعمل لك مشاكل. أنا هروح عند أهلي، وأسيبلك القصر كله، تعمل فيه إللي إنت عايزه.
نظرت له بارتباك وخجل وأكملت:
أنا، أخذت كم حاجة بسيطة لحد مايبقى معايا فلوس وأجيب لبس. الفستان بتاعي القديم بقى ضيق أوي، مش داخل فيا خالص.
نظر لها سليم مبتسمًا، محاولًا أن لا يأخذ حديثها على محمل الجد حتى الآن، وهذا هو الأفضل لهما:
طبيعي كان عندك 15سنة وقتها يا قطعة السكر، دلوقتي 24، في حاجات كبرت (غمز لها)
نظرت له ماسة بغيظ، حاولت أن لا تغضب، ثم تنهدت وأكملت:
بالنسبة للفيلا بتاعت بابا وماما، أنا بستأذنك. نستنى نعيش فيها يومين لحد مانشوف هنعمل إيه. إنت عارف إن منصور مسافر، وإحنا مالناش مكان.
كان ينظر لها سليم بابتسامة باردة، مستخفًا: طب وليه؟ أنا ممكن أجيب لك مفاتيح قصر منصور وترجعوا أوضتكم.
رفعت ماسة عينيها قالت تلقائيًا: بجد يا ريت.
سليم، وهو مازال مُستخفًا: بجد.
تنهدت ماسة، فهي تشعر أنه يستخف بها. حاولت أن تتحكم في غضبها، ثم أكملت: على فكرة، أنا سبت لك كل حاجة حتى الخاتم.
سليم، وهو يبتسم بسخرية: أووو… هي وصلت كمان لقلع الخاتم؟ إنتِ فاكرة الخاتم ده؟! ماقلعتهوش من إمتى يا ماستي المتمردة؟
رفعت ماسة حاجبها ونظرت له بغيظ: أيوة، عارفة. يوم مادتني العلقة.
انحنى سليم، بجسده قليلاً أمام وجهها، قال بنبرة ساخرة قليلاً: شفتي؟ إنتِ قلبك أسود أزاي وفاكرة حاجة حصلت من سنين؟ مابتنسيش إنتي؟!
أعطاها ظهره وتحرك قليلا وقال:
لا ده مش بتاع العلقة، ده بتاع جوازنا الرسمي. ومن ساعتها ماقلعتِهوش. شُفتي بقى يا مفترية يا ظالمة؟
ضيقت ماسة عينيها وقالت بضجر: هو إنت بتهزر؟
ضحك سليم والتفت لها: ما أنا لازم أهزر؟! ما أنا لو ماهزرتش هيحصل مشكلة، كدة أفضلنا.
ضغطت ماسة على أسنانها و تحركت وتوقفت أمامه، وقالت بصوت حازم: لا هي المشكلة موجودة، سليم، أنا عايزة أطلق بجد، هروح عند أهلي وتطلقني بهدوء.
سليم متعجبًا: هو إنتِ فاكرة إني ممكن أطلقك يا ماسة؟
ماسة بتأكيد: آه، طبيعي. أكيد مش هتقبل على نفسك تعيش مع واحدة… مش عايزاك ولا عايزة تعيش معاك.
تبسم سليم، لكن ابتسامته هذه المرة كانت بها نوع من الوجع والصدمة: يا نهار، هي وصلت كمان مش عايزاك، ولا عايزة أعيش معاك؟!
ماسة، وهى تمرر عينيها عليه، قالت بنبرة استخفاف:
إيه سليم الراوي مش مصدق إن ماسة بنت الخدامين عايزة تطلق من ابن البشوات! فاكر إني هفضل طول عمري خدعالك؟ يبقى إنت ماتعرفنيش.
بدأت الدموع تملا عينيها وصوتها يهتز، لكن خرج قويًا بكبرياء واعتزاز:
أنا كرامتي فوق كل شيء، دي الحاجة الوحيدة إللي بملكها في حياتي، وماملكش غيرها، مستحيل أسمح لك ولا أسمح لأي حد يجي جنبها، ولو المقابل، إني أتنازل عن كل ده، ولا يهمني. إنت عارف إن الفلوس والحياة دي مابتفرقليش وإن وجودك بس هو إللي بيفرق لي. جوازي منك علشان أنا بحبك لشخصك، مش لفلوسك ولا لكل ده… أنا عارفة إنك ماتوقعتش أقول كدة، عشان أنا الفلاحة الحشرة إللي جبتها من الزريبة زي ما أهلك شايفيني، فامينفعش أقف قدامك وأقولك إن أنا عايزة أسيبك. صح؟! معلش بقى، في بني آدمين مستحيل الفلوس تشتريهم، وأنا منهم.
نظر لها سليم بنظرة موجعة، قائلا بنبرة حزينة ودمعة خفيفة على وشك أن تملأ عينيه:
لا… أنا مش مصدق. مش علشان أنا سليم ابن البشوات، وإنك ماسة الخدامة. أنا إللي خلاني مش مصدق، إن ماسة، حبيبتي، مراتي إللي واجهنا أنا وهي صعوبات ومشاكل أكبر من كده بكتير، وإللي كانت بتقول لي: مقدرش أعيش لحظة من غيرك، بقلها فترة… كلمة “طلاق” بقت حاجة سهلة بالنسبالها!! وإن فراقنا وبعدنا أصبح بيهون عليها، وبتقول لي كمان وهي حاطة عينيها في عينيا: آه، هسيبك وهمشي، مش عايزة أعيش معاك…بكل سهولة؟! أمال فين الحب؟! والوعود والأقسام اتبخرت… وبعدين يا ماسة، هو أنا عمري جيت على كرامتك؟ فهميني؟ إمتى جيت على كرامتك؟
ماسة بغضب شديد: جيت على كرامتي فين؟! أمال إللي عملته ده إيه؟! شاكك فيا ايه؟ جواسيسك إللي بيصوروني إيه؟! تهديدك كأنك مشتريني إيه؟!
نظر لها سليم بإتساع عينيه بغضب، وهو يخرج حديثًا من بين أسنانه: قلت لك ماشكتش. أقنعك إزاي إني ماشكتش؟ ولما سألتك، ماكانش في نيتي أي حاجة مسيئة.
قاطعته ماسة، بعناد: لا. نيتك كانت سيئة. وضميرك كان وحش. إنت كنت بتسأل عشان كنت متأكد إني مش هاقولك.
فاجأها سليم بسؤال، وهو يواجهها بعينين ثابتتين: طب وإنتِ كنتِ هاتقولي لي يا ماسة من نفسك؟
صمتت لحظة ونظرت داخل عينه وقالت بقوة وحسم:
لا… ماكنتش هاقولك… وإنت عارف إن أنا ماكنتش هاقولك… بس مش علشان عايزة أخبي عليك، إنت عارف كويس إن أنا مابخبيش حاجة عنك… وأي حاجة بتحصل بقولهالك قبل ما تسأل.
أضافت بوجع واهتزاز:
بس والله، ما كنتش فاكرة. وحتى لو كنت فاكرة، يا سليم، أنا فعلاً ماكنتش هاقول، علشان مش عايزة مشاكل. أنا تعبت من المشاكل معاك. إنت لسة من اسبوع عامل لي خناقة كبيرة، وهددتني عشان واحد زميلي كلمني وقال لي على ملخص.
قاطعها سليم، بحسم: أنا راجل حر! أنا مش عايز مراتي تكلم رجالة وكمان نبهتك لده كم مرة
ماسة بتأفف: والراجل الحر إللي مش عايز مراته تكلم حد يهددها؟! إنت كل حاجة دلوقتي معاك بقت تهديدات. إنت مش سليم إللي أنا حبيته واتجوزته، علشان كده. عايزة أمشي؟
سليم بحدة : إنتِ إللي اضطريتيني إني استخدم معاك الأسلوب ده.
ماسة بقناعة تامة: ماتضحكش على نفسك. إنتِ إللي بقت كل حياتك تهديدات، وأسلوب سخيف، عايزني إزاي أنام في حضنك بعد ماهددتني؟ ماتقنعنيش وماتحاولش. أنا همشي، ومش هرجع تاني يا سليم إنت شكيت فيا.
سليم بهدوء، محاولًا إصلاح الأمور بينهما:
ماسة، خلاص كفاية خناق، كفاية عناد. أنا معترف إني غلطت في تعاملي مع المشكلة، وماستخدمتش عقلي .. غضبي وغيرتي عموني وسيطروا عليا. بس لازم تبقي متأكدة إني ماسيئتش الظن بيكي، وفعلاً كنت بقول السؤال بنية صافية، وإنتي فهمتيه بطريقة تانية. حقك تزعلي، بس خلاص كفاية، إنهي بقى الحوار ده
مد يده ونظر بمحبة ولطف:
أنا آسف… واديني أهو بمدلك إيدي يا ماسة خلاص بقى، بس لازم تفهمي إنك إنتي كمان غلطتي، ولازم تعترفي بغلطك.
ماسة بإندهاش: غلطت في إيه بقى إن شاء الله؟
سليم سحب يده مفسرا:
غلطتي إنك قبلتي تقعدي مع الشخص ده حتى لو ثانية واحدة، وغلطتي إنك لسه قايلة لي إنك ماكنتيش هاتقولّي حتى لو كنتي فاكراه، غلطتي لما وقفتي قدامي واتهمتيني إني بشك فيكي، وإنتي متأكدة إني مستحيل أعمل كده… بس خلاص، عايزين نقفل الموضوع ده ونهدى. لازم نتصافى، لإن مش هاينفع نعيش حياتنا كلها كل يومين تلاتة نتخانق ونزعل.
نظرت له ماسة للحظات فهي تشعر بأن سليم كان في وقت ما هو الأمان الحقيقي، لكن الآن الوضع اختلف. أحست أنه فقد السيطرة، تهديداته تزداد عنفًا، كما لو أن النهاية أصبحت وشيكة.
ماسة بضعف وحزن: يا سليم، بقول لك عايزة أمشي. بجد مش قادرة أسامحك، ولا قادرة أقبل اعتذارك، ولا حتى عايزاك تمد إيدك ليا إنت مش هاتبطل تهددني، إحنا لسه كنا متفقين وتعاهدنا، وإنت عملت إيه؟! خالفت وعدك، بقيت كل غلطة مني بتهددني..
هزت رأسها بإصرار ورفض:
أنا ماغلطش، أنا ماعملتش حاجه غلط، الولد ده ماكانش قاعد معايا وقعد دقيقة سلم على صاحبتي وأخذ ورق منها ومشي، وأنا مش معقول هسيب القعدة عشان واحد جه يسلم على واحدة.

مسح سليم عينيه بأطراف أصابعه، يحاول ضبط غضبه الذي كان يتزايد داخله. “لا إله إلا الله… يا ستي، مش هحرمك من الجامعة. هوديكي الجامعة، هعملك كل إللي عايزاه. أنا بسحب تهديداتي. أنا مش قد تهديداتي. كنت بقولها لحظة غيرة، خلاص، الله يهديكي يا ماسة. كفاية، دي مش حياة. أعمل لك إيه تاني؟ ما أنا أهو، بأعتذر لك، بعترف إن تعاملي مع الموقف كان غلط…إنتي خلاص عنادك مسكك وعاميكي وعمالة تستفزيني في الكلام، وبعدين تزعلي على رد فعلي!
أكمل بإختناق وزهق:
بقول لك إيه؟ أنا هروح أنام في أوضة تانية النهاردة، لحد ما ربنا يهديكي، عشان بجد أنا مش عايز نتخانق مع بعض.
ماسة كانت لا تسمع ولا ترى، كأن شيطانها سيطر عليها قالت: براحتك… أعمل إللي إنت عايزه بس أنا بفهمك أهو… أنا لمّيت هدومي، وهمشي. وهروح عند أهلي.
سليم وهو يضيق صدره: مش هتمشي يا ماسة. وأسكتي بقى عشان أنا خلاص بدأت أفقد السيطرة على غضبي.
ماسة بصوت عالي وغضب: تفقد ولا ماتفقدش، أنا مالي؟ أعمل إللي إنت عايزه. ها أخاف مثلاً؟
تبسّم سليم وهو يحاول السيطرة على غضبه، وقال:
لا يا ماسة، مش هاتخافي… بس أسكتي بقى، كفايةوطي صوتك ماتعليش صوتك عليا.
ثم حاول التحرك للخارج لكي ينهي ذلك الخلاف الآن ، لكنها توقفت خلفه، وكأنها تتحدى غضبه علنًا.
ماسة بعند: أنا همشي يا سليم. همشي يعني همشي.
توقف سليم فجأة، وألتفت إليها وهو يهز رأسه برفض، وفي عينيه نظرة حاسمة وقوية: مش هتمشي يا ماسة، وأوعي تعانديني.
نظرت له ماسة بثبات: همشي يا سليم… ولو مش همشي قدام عينك، همشي من وراك.
ارتسمت على شفتي سليم نصف ابتسامة ساخرة، حك أذنه، وقال بنبرة مندهشة: تعمليها يا ماسة؟
اقتربت ماسة منه، وقالت بتحدي: أعملها يا سليم.
أخذا ينظران إلى بعضهما البعض لثوانٍ في تحدٍ، وكأن عينيها تقول له: “نعم، سأفعلها، وأستطيع فعلها”، بينما كان هو يجيب بعينيه: “لن تتمكني، لا تتحديني.
وبعد لحظات، أنفجر سليم ضاحكًا، وهو يضرب على أحد قدميه ضربات متتالية، وكأنّه يحاول كبح غضبه، ثم أمسك بأقرب شيء، وألقاه بقوة على الأرض بعد لحظات.
اقترب منها وأشار بأصابعه في وجهها بحسم وبنظرة مخيفة، وقال بصوت هادئ وهو يتك على اسمها:
ماااسـة…. ماسـة،… ماتعاندينيش. إنتِ مصر ليه توصلي حياتنا لطريق مسدود. لحاجة تخلينا نندم سوا.
ماسة، بصوت مفعم بالوجع وعينيها مليئتين بالدموع:إنت إللي عملت كده مش أنا. طب…
صمتت للحظات، مسحت وجهها بدأت بالتراجع عن موقفها محاولة استعطافه.ديبدو أنها شعرت أن تحدي سليم ليس في صالحها:
طب، سليم، من فضلك.. أنا عايزة أروح عند أهلي، محتاجة أرتاح و أفكر كفاية.
سليم بحسم، ونظرات جادة: وأنا قلت لك لا، مافيش خروج من هنا. عايزة تفكري؟ فكري هنا، أقعدي في الأوضة دي، وأنا هقعد في الأوضة التانية.
كادت ماسة أن تنطق، لكنه صاح في وجهها بصوت عميق، بحة في صوته جعلتها تهتز. تلك البحة، وتلك النظرة التي يبدو أن ماسة قد نسيتها
فعنادها وإصرارها على سلك ذلك الطريق، أيقظت فيه شخصيته القديمة التي كانت غائبة منذ سنوات.
سليم بقوة وحسم: وكلمة “طلقني” دي مش عايز أسمعها منك تاني، فاهمة؟ أنا مش هقفل الباب بالمفتاح، بس أوعي… أوعي تعملي حاجة تخليني أعمل حاجة نندم عليها سوا.
ماسة وهى تتك على أسنانها بضيق: بردو بتهدد.
أكمل سليم حديثه بنفس القوة وبتهديد: أنا مسافر بكرة، وهرجع بعد بكرة. هبقي أشوف بقى جنانك، وعندك ده آخرهم إيه؟!
خرج سليم بسرعة، وأغلق الباب خلفه بقوة، حتى كاد أن ينكسر.
ظلت ماسة متوقفة تحدق في الباب المغلق بغضب، مشاعرها متصارعة. دموعها كادت أن تنهار، لكنها ألقت بنفسها على الفراش، وبدأت تبكي بحرقة
في إحدى صالات الجيم، التاسعة مساءً.
نرى عماد ورشدي يتنقلان بين الأجهزة المختلفة، يتبادلان الضحك والنقاش.
رشدي: يوم تقيل النهاردة… بقيت حاسس إنّي مابقدرش أشيل الأوزان بتاعة زمان، شكلي عجزت.
ضحك عماد وهو يلتقط المنشفة ليمسح عنقه: كل ده علشان كام تمرين؟
انتقلا سويًا إلى جهاز آخر، ومع كل حركة، بدا عماد أكثر راحة، كأنّه ينتظر لحظة بعينها.
أنهيا التمرين، فجلس رشدي على حافة مقعد، يتنفس ببطء.
عماد: هاتمشي ولا قاعد شوية؟
رشدي: عادي يعني، أقعد شوية.
عماد: طب خلاص، تعال نقعد نشرب عصير… عايز أتكلم معاك شوية بعيد عن القصر.
هزّ رشدي رأسه بإيجاب، بينما نهض عماد إلى البار في طرف القاعة. طلب العصير من العامل، وبعد أن أحضره، ألقى نظرة سريعة نحو رشدي، الذي كان منشغلًا في هاتفه.
أخرج كيسًا صغيرًا من جيبه، وفتح أحد الأكواب، أفرغ فيه البودرة البيضاء بهدوء قاتل، وقام بتقليبها بالشاليمو.
عاد وجلس إلى جواره، مدّ إليه الكوب بإبتسامة خفيفة.
عماد: هتعمل إيه في إللي جاي؟
رشدي بثقة: قربت.
عماد بضجر: إنت عمال تقول قربت قربت… أنا عايز أفهم، إنت هتعمل إيه؟ فهمني إللي في دماغك.
رشدي بفرض سيطرة: أنا مش هفهم حد أي حاجة، المرة دي تنفيذ وبس. كل إللي أنا بقوله… هيحصل.
تساءل عماد : المهم نكون قربنا، علشان حاسس إنّنا بقينا ماشيين في دايرة ملهاش آخر.
رشدي وهو يحتسي العصير: قربت أوي… هي دلوقتي بتفرفر.
عماد متعحبا: أقولك على حاجة؟ ماكنتش أتخيل إنك هتستغل ماسة تاني… يعني ساعات كنت بحس إنك بتحبها.
رشدي بشر: طب ما هو أنا بحبها… بس بحب مصلحتي أكتر منها، وإللي أنا ه
عمله ده… هايخليها تبقى معايا.
تبسم عماد نصف ابتسامة ساخرة: تبقى معاك بعد إللي إنت ناوي تعمله؟… بتحلم.. بس عموماً، هانشوف آخِرها.
ظل عماد يراقبه بصمت، نظراته متلذذة وهو يرى رشدي يرفع الكوب إلى فمه ويشرب، دون أن يدرك أن السائل الذي يرتويه… قد يحمل له بداية النهاية.
قصر الراوي العاشرة مساءً
قضى سليم وماسة ليلتهما كلٌ في غرفته، سكون مشحون بالغضب خيم على القصر كله. لا راحة حلّت، ولا نوم زارهما. ماسة كانت تشعر أن شكه فيها إهانة، حتى وإن لم يكن شكًا حقيقيًا، فطريقته في السؤال وحدها كانت كفيلة بكسر قلبها. ملت تهديداته، تعبت من تكرارها، أسلوبه لم يتغير. أما هو، فكان مقتنعًا بأنها تتعمد عناده، تتحداه في كل شيء، وكأنها لا تبالي.
في الصباح التالي، غادر سليم إلى مدينة السويس لإنهاء بعض الأعمال. جلس في مكتبه يحاول التركيز،
على إتجاه آخر
عند ماسة استيقظت ماسة على ألم في رأسها من شدّة البكاء. بحثت عن هاتفها واتصلت به لكنه لم يرد
عند سليم أثناء انشغاله في عمله، هاتفه بدأ يهتز… ماسة تتصل. لم يجب. يعرف طريقتها حين تعند، تظل تتصل مرارًا دون توقف. ترك الهاتف يهتز وكتم أنفاسه.
أما ماسة، فحين لم تجد منه ردًا بعد تكرار الإتصال في أوقات متفرقة، هبطت من جناحها بخطوات غاضبة، وتوجهت إلى الحديقة حيث كان مكي يجلس يحتسي قهوته.
ماسة بضيق: مكي، ممكن تكلملي سليم؟ مش بيرد عليا.
مكي باستغراب وهو يخرج هاتفه: فيه إيه؟ مالك؟
ماسة من بين أسنانها: أتصل بس.
أتصل، وحين رد سليم، اختطفت ماسة الهاتف منه.
ماسة بحدة: إنت مابتردش عليا، وبترد على مكي؟!
سليم بجفاء: عندي شغل ومش فاضي للعب العيال بتاعك.
ماسة بضيق: طب أنا عايزة أروح عند ماما.
سليم بحسم: مافيش مرواح عند ماما، يا ماسة.
ماسة بعند: لا، فين مرواح! أنا مش هقعد هنا لوحدي، هروح أقعد هناك لحد ماحضرتك ترجع.
سليم بقسوة: قلت لا، يعني لا. وماتتصليش تاني.
وأغلق الخط.
شعرت ماسة بالإهانة، نظرت إلى مكي بعيون دامعة.
ماسة بحزن: ينفع كده؟ ده يبقى اسمه زوج؟ بقى صاحبه بيكلمه يرد، وأنا لأ؟! ده أسلوب ويقولي بتتعصبي ليه؟!
تنهد مكي وهز رأسه قائلا: طب إهدي…إنتو مش كنتوا اتصالحتوا؟؟
ماسة بحزن: اتصالحنا، بس اتخانقنا تاني! ومنعني من كل حاجة، لا جامعة، لا خروج، ولا حتى أشوف أهلي! بقى التهديد عنده زي اللبانة… حاسة إنه شاريني من سوق عكاظ!
تنهد مكي بهدوء: طب، استني هكلمه تاني.
أعاد مكي الاتصال، لكن سليم لم يجب. فأرسل له رسالة: أنا مكي… رد ضروري،، ثم أتصل
رد سليم بجمود: عايز إيه؟
مكي: سيبها تروح عند مامتها.
سليم بنبرة جافة: مش هتروح وماتدخلش نفسك في إللي مالكش فيه.
مكي بعقلانية: سليم، اسمعني بالله عليك…إهدى بس، مافيش مشكلة لو راحت. خليها تهدى، وتفكر.وإنت كمان تهدى، هترجع تاني لما ترجع من سفرك.
سليم باستهجان: مش هتمشي كلامها عليا!
مكي بعقلانية: هي مش بتمشي كلامها… بتطلب تهدى، بس كده.يا راجل أفهم… مش بتتحكم فيك. هي دلوقتي مش قادرة تستحمل. شايفها؟ مش طايقة القصر، مش طايقة الوحدة. سيبها تهرب من الجو ده شوية.
سليم باستهجان: مكي إنت ماتعرفش ماسة هي بتعاند؟ بعدين أنا لو مشيت كلامها هتفتكرني ضعيف.
مكي بحكمة: يا سليم، إنت أكبر من كده،إنت بتحبها… وده مش ضعف، دي حكمة. لما تسيبها تروّح، مش معناها إنها كسبت. معناها إنك إنت إللي بتحافظ على البيت وبتفكر صح.
سليم بتنهيدة طويلة: أنا عارف ماسة… لو راحت مش هترضى ترجع. وهانخش في دوامة مالهاش آخر.
مكي بطمأنة: وحتى لو… طول ما هي مع مامتها وسلوى، هيهدوها. بلاش العند، العند مش بيجيب غير كسر أكتر.
زفر سليم بقوة: خلاص،خلاص وديها إنت. بس بلغها أول مارجع هكلمها ترجع. ولو مارجعتش …
قاطعه مكي مسرعاً: هاترجع. يلا أقفل وكمل شغلك.
أغلق سليم الخط وهو يجز على أسنانه بغضب، ثم ألقى ما على المكتب من أوراق بيده فما يحدث بينه وبين ماسة يجعله عصبيا وغير قادر على الإتزان.
عند ماسة….
بمجرد أن أغلق مكي الخط، نظر إلى ماسة.
مكي: ماسة، يلا غيري هدومك، وحضّري شنطتك، وأنا هاستناكي. بس لو سمحتي يا ماسة، ماتصغرنيش… هاترجعي لما سليم يرجع.
رفعت ماسة نظرها وقالت بخزي: صاحبك بيشك فيا، وأنا مش هرجع لراجل شكاك، أنا بفهمك أهو علشان ماتقولش صغرتيني.
قرب مكي منها متعحبًا: إنتي كده بتكبّري الموضوع… شك إيه؟!
ماسة بنبرة مكسورة: مش لازم تفهم… هو هايفهمك.
قالت كلماتها تلك وغادرت لتجهز نفسها.
حك مكي في خده واتصل بسليم مرة أخرى لكي يستوضح أمر ما حدث بينهما..
بعد وقت، كانت ماسة تجلس في غرفة بمنزل أهلها، ساكنة، لا تتحدث مع أحد، حتى سلوى حين دخلت عليها، وجدتها صامتة، لا ترد، وعيناها مشدودتان إلى السقف، كأنها لا ترى شيئاً. كأن الصمت يحيط بالغرفة وكأنها دخلت في عالم آخر.
في إتجاهٍ آخر… السويس
نرى سليم في قاعة المزاد عن الأراضي. جلس في الصفوف الأمامية، شاردًا. وجهه متجهما، ولكن عقله كان في مكان آخر، كلمات ماسة تتردد في رأسه، وصوتها يعلو بداخله….
فاتته الفرصة، فاتته… الأرقام، فات عليه الفوز.. خسر المزاد، ولكن ما خسره فعلاً لم يكن المال.
قصر الراوي, الحادية عشر مساءً
جناح سليم وماسة
دخل سليم الغرفة منهكاً بعد عودته من مدينة السويس، وألقى بنفسه على الفراش متمددًا، أسند ظهره ورأسه على طرف السرير، أمسك بهاتفه وأجرى اتصالاً بماسة التي مازالت في منزل عائلتها.
أتاه صوت ماسة بعد قليل مع تبادل الشاشة بينهما:
ماسة بجمود: ألو؟
سأل سليم بضجر: ماجيتيش ليه؟ مش قلتلك إني في الطريق؟
ماسة بتنهيدة: سليم، أنا قلت لك عايزة أبات عند ماما كام يوم، محتاجة أريح أعصابي بعد إللي حصل وأفكر .
سليم بنبرة حاسمة وأمر: وأظن إني رفضت، وطلبت منك تيجي، يلا يا ماسة تعالي بدل مضطر أجي أخدك، ووقتها هاتندمي، يلا هبعتلك السواق يجيبك، ومش عايز كلام كتير.
أغلق الخط قبل أن ترد ماسة، التي عضت شفتيها غاضبة وقالت بعند: طب والله ما أنا راجعة! ووريني هتعمل إيه؟
فاعقلها مقتنع أنه شك بها وهذا الأمر جعلها تستاء بشدة وكسر نياط قلبها ولا تريد العودة هذه الفترة حتى تهدأ وتفكر في علاقتهما.
على إتجاه آخر..
أمسك سليم هاتفه مرة أخرى واتصل بأحد رجاله بجمود:
ألو؟ خد العربية ومعاك عشري، وروحوا هاتوا الهانم من عند أهلها
أغلق المكالمة، وفتح ألبوم الصور في هاتفه وبدأ يتأمل صور ماسة. بحب وحزن على حالهما…
تحدث بأنين و وجع يعصف بقلبه الذي يعشقها حد الجنون همس بصوت منخفض:
قولي لي، إيه إللي ممكن أعمله عشان يرضيكي؟ بعمل كل حاجة عشانك، وبرضه مش راضية، عمالة تصعبيها علينا ليه؟ وبعدها معاكي يا ماستي الحلوة تعبتي قلبي معاكي إللي مالهوش غيرك، وإللي يتمنالك الرضا والله.
تنهد بألم وظل يفكر في حالهما بإختناق حتى غفا من شدة الإرهاق فهو لم ينم من الأمس
في فيلا عائلة ماسة
كانت ماسة في غرفتها مع أختها سلوى، تتحدثان، كانت ترتدي بيجامة مريحة، طرقت الخادمة الباب لتخبرها أن السائق في انتظارها. ردت ماسة بإيماءة ناعمة ونزلت معاها.
ماسة للسائق: خير؟
السائق:حضرتك، سليم باشا بعتني أرجعك القصر.
ماسة بثبات: لا، أنا قلت له إني هبات هنا، وقال ماشي. روح إنت.
السائق بإمتثال: حاضر.
غادر السائق، ليجد عشري في انتظاره بالخارج.
عشري تساءل: فين ماسة هانم؟
السائق: قالت إنها استأذنت من سليم باشا إنها هاتبات هنا.
عشري بشك: إنت متأكد؟
السائق: أيوة، هي إللي قالت كده.
أخرج عشري هاتفه وهو يغادر المكان عائدا إلى السيارة وهو يتصل بسليم الذي لم يجيب بسبب نومه، حتى عاد إلى القصر.
في جناح سليم وماسة بعد ساعتين
استيقظ سليم ليجد الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل. نظر حوله في الغرفة، يبحث عن ماسة لكنه لم يجدها تنهد متعجباً؟! ظن أنها ربما تكون في غرفة أخرى أو تجلس في الأسفل، أمسك بهاتفه وحاول الإتصال بها مراراً دون جدوى
.
نهض من فراشه يبحث عنها في أنحاء القصر، متنقلًا بين الغرف،توجه للخارج وهو مازال يتحرك في ممرات الحديقة، وما زال ممسكاً بهاتفه يحاول الاتصال، لكن دون رد. حتى أغلقت هاتفها …وصل أخيراً إلى السائق الذي يجلس بقرب الجراج.وسأله بغضب:
سليم: ماسة هانم فين؟
توقف السائق باحترام: الهانم قالت إنها استأذنت حضرتك إنها تبات عند أهلها.
جز سليم على أسنانه بغضب وضيق: روح جهزلي العربية دلوقتي.
تدخل عشري: رايح فين يا ملك؟
سليم بحزم: ما تدخلش يا عشري!
جات السيارة بعد دقائق وصعد سليم السيارة متجهاً نحو فيلا عائلة ماسة، والغضب والتجهم يشتعلان في عينيه..وصل أخيرا وهبط من السيارة بخطوات حازمة. طرق الباب بقوة، فتحت له الخادمة بفزع.
سليم: ماسة فين؟
الخادمة: فوق في…
لم يعطِها سليم الوقت لكي تكمل كلمتها، فاندفع نحو السلالم صاعدًا بسرعة، حتى وصل إلى باب غرفتها. فتحه دون طرق، فوجد ماسة جالسة على السرير. فور أن رأته أمامها، اتسعت عيناها لحظة من الصدمة، فلم تتوقع مجيئه. تنهدت وحاولت التماسك، توقفت.
ماسة بجمود: إيه إللي جابك هنا؟
سليم بأمر: غيري هدومك ويلا.
ماسة برفض وعناد: قلت لك مش هاجي بعد شكك فيا.
تحدث سليم من بين أسنانه: قلت لك، أنا ماشكيتش فيكي مش هنفضل نرغي في نفس الموال، ويلا بالذوق، بدل ما أقسم بالله هشيلك بلبسك كدة أنا على آخري منك ومن تصرفاتك.
ماسة بعناد أكبر وهي تنظر في عينه: وأنا قلت لك مش هرجع يا سليم! يعني مش هرجع.
جزَّ سليم على أسنانه،قبض على كفه ونظر إليها بعينيه الغاضبتين. فجأة، سحبها من يدها وحملها على ذراعه، وتحرك بها للخارج هابطًا إلى الأسفل. بينما صرخات ماسة تملأ المكان، وهي تضربه وتحاول الفكاك منه، ولكن دون جدوى. استيقظ الجميع على أصواتهما، وهرعوا نحوهم بسرعة.
مجاهد وهو يهبط الدرج: خير يا ولاد؟ في إيه؟ مالكم؟
اضطر سليم أن ينزلها لكن مازال ممسكا بمعصمها بقسوة ليقول: مافيش، مروحين بس.
ماسة بعناد أكبر هي تحاول فك يده: قلت لك مش هروح معاك، إيه هتاخدني بالعافية أوعى بقى.
اتسعت عينا سليم بقوة وقال بصوت منخفض: ماسة، أسمعي الكلام وبطلي عند كفاية بقى.
مجاهد بهدوء: خلاص يا ولاد، مافيش داعي لكل ده، صلوا على النبي. الساعة بقت 2:00 بالليل، يا سليم، يابني إيه المشكلة؟ لما تباتوا.
سليم بإعتذار: معلش يا عمي، لازم نمشي.
ماسة بضجر: وأنا مش همشي معاك، أمشي لوحدك.
مجاهد بعتاب: عيب يا ماسة، أسمعي كلام جوزك و روحي معاه مادام عايز يمشي. خلاص يا حبيبتي، تعالي باتي في وقت تاني.
ماسة بحزن: يا بابا، إنت مش فاهم حاجة.
مجاهد بشدة: ولا عايز أفهم، مادام جوزك قال لك يلا، خلاص، يلا روحي.
ماسة بحزن ودموع وهي مازالت تحاول فك قبضة سليم من معصمها: بس أنا عايزة أفضل هنا النهاردة. محتاجة أكون هنا النهاردة ماتخلوهوش يخدني.
سليم بغضب: هو أنا هفضل أتحايل عليكِ كتير؟ ولا إيه؟ قلت يلا.
سحبها من يدها بعنف وهو يجرها للخارج، لم تكن ماسة تتوقع تلك القوة، ولم تكن تعلم أن الخذلان سيأتي من أكثر من جهة.
نظرت سعدية له بعدم فهم: سليم! مش كده، بالراحة!
سليم بصوت قوي وهو لا يلتفت لها: من فضلك، ومع كامل إحترامي ليكي، ماحدش يتدخل.
عمار متعجباً بضجر: يعني إيه محدش يتدخل؟ إنت مش شايف طريقتك؟ واخد أختي من إيدها وساحبها وراك كأنها مش بنى آدمه! أختي مش هتمشي معاك غير لما نفهم فين إيه.
مدّ يده وجذب ماسة من يد سليم، فأشتد التوتر.
سليم بنبرة حادة: والله أنا حر، دي مراتي!
عمار بهدوء ظاهري يخفي نبرة غليظة: حر إزاي؟ هي مش عايزة تمشي معاك! وبعدين دي قاعدة في بيت رجالة، إزاي تاخدها كده؟ حتى لو مراتك!
سليم محاولا تمالك أعصابه؛ عمار، ماتدخلش!
عمار بصوت أعلى: لا هتدخل! دي أختي يا سليم! هو في إيه بالضبط؟!
سعدية ارتبكت ورفعت صوتها: صلّوا على النبي يا جماعة، لا إله إلا الله… هو في إيه؟!
سليم بعنف: أنا مش مجبر أبرر
اقترب مجاهد خطوة، يحاول أن يحتوي الموقف بصوته الهادئ: سليم بيه، حضرتك على راسنا، وإنت مننا وفينا، إحنا دايمًا بنشوفك واحد من العيلة… شكلك زعلان منها، طب تعالى نقعد ونتفاهم.
سعدية أضافت وهي تنظر لإبنتها بحدة:
ولو بنتي غلطانة، هكسر رقبتها بإيدي وأجيبها تبوس جزمتك، بس فهمونا إيه إللي حصل، أول مرة نشوفكم كده.
سليم بنفاذ صبر: هو حرام آخد مراتي وأمشي؟! وأرفض إنها تبات، وتعصب باتصل عليها مش بترد عليا وقفلت تليفونها، مع إني كلمتها وبعتلها السواق… وهي مشته بالكدب.
ألتفت مجاهد إلى ماسة: إنتي عملتي كده فعلاً؟
نظرت ماسة له بصوت منخفض: أيوه… بس
قاطعها مجاهد دون أن يمنحها فرصة قائلا بحدة: أمشي مع جوزك.
حاولت ماسة أن تشرح: طب أسمعني… أفهم أسبابي.
مجاهد بغضب: أسمع إيه؟! المفروض إنتي إللي تسمعي كلام جوزك! مادام قالك لأ، يبقى عيب عليكي!
صاحت ماسة؛ هو شَكّ فيا!
سعدية شهقت: شك فيكي؟!
اقترب سليم من أذنها، وهمس بكلمات لا يسمعها سواها: لو اتكلمتي…إنتي إللي هتخسري.
رفعت رأسها، شعرت بقلبها ينهار، ونطقت بتحدٍ وهي تنظر لهم جميعًا وكانها تتوسل لهم ان لا يخذلوها:
واحد زميلي جه وقعد مع واحدة صاحبتي… الحراس صوروني وبعتوا الفيديو للبيه… بدل مايعاتبني أو يفهم، ورّاني الفيديو كأنه دليل إدانة!
تدخل سليم سريعًا: واعتذرتلك بعد كده.
مجاهد وهو ينظر إليها: طب خلاص… مادام اعتذر، عايزة إيه تاني؟ جوزك بيطلبك ترجعي، ترفضي ليه؟ عيب! يلا مع جوزك، وبوسي راسه واعتذر ليه هو اصلا ما كانش المفروض يعتذر انت غلطتي.
ماسة بالم: بقول لك قاعد مع واحده تانيه انا ما ليش علاقه و.
قطعتها سعدية وهي تلوح بيدها بتهكم: من إمتى بنقعد مع صبيان يا ماسة؟ من إمتى بنتنا بتكلم شباب، إنت إللي دلعتها يا سليم، وأنا بقولك أهو…أكسرها! مراتك محتاجة تتربى.
شعرت ماسة أن أنفاسها تضيق، والهواء من حولها صار خانقًا. الكلمات طعنت قلبها، لم تعد تملك مقاومة، ولا حتى دموع. أمسك سليم يدها من جديد وسحبها بعنف نحو السيارة، بينما هي تتحرك بصمت، كأنها فقدت القدرة على الدفاع عن نفسها.
دفعها للداخل وأغلق الباب خلفها بقوة، ثم أدار المحرك بسرعة، وأندفع بالسيارة كمن يهرب من ساحة معركة.
ماسة بصوت مجروح: إنت شايف إللي بتعمله ده ينفع؟!
سليم وهو ينظر أمامه: ينفع… مادام مافيش سمعان للكلام.
ماسة وهي تلتقط أنفاسها: إنت عارف إللي حصل… وأنا زعلانة منك.
سليم بنبرة باردة: كل إللي أنا شايفه… إنك بتعاندي وبس.
زفرت بقوة، فتحت النافذة، وأخذت نفسًا ثقيلًا وهي تنظر للخارج، تحاول الهروب من ذلك الاختناق الذي يملأ صدرها.
قصر الراوي
جناح سليم وماسة، الثالثة صباحا
دخل سليم وماسة إلى الجناح، يده تقبض على كتفها بقسوة كأنها متهمة تُساق إلى مصيرها، بعد أن جلبها من فيلّا عائلتها.
كان الغضب يكسو ملامح وجهه، يطمس تفاصيله، وعيناه تومضان بشرٍ مكتوم وصمته يسبق زأيره.
ترك كتفها فجأة، وقد تركت أصابعه علامة حمراء بارزة على بشرتها.
جلست ماسة على طرف الفراش، منحنيّة قليلًا، ووجهها منكس نحو الأرض، كأنها تبحث فيه عن ملجأ ..يدها على قدميها بقلة حيلة.
بينما سليم في منتصف الغرفة يتحرك يمينًا ويسارًا كذئبٍ جريح، تائه بين الألم والجنون. الإرهاق ينخر جسده المنهك بعد يومين بلا نوم، ولا راحة لكن الغضب كان أقوى من التعب، يشدّه للبقاء مستيقظًا… ليواجهها.
نظر إليها ويده تهتز بإتهام، صوته خشن، مليء بالرجولة المكسوة بالقوة والغضب والتهديد نبرته خرجت كالرعد:
إنتي فاكرة إللي عملتيه ده هايمر كده بسهولة؟
كل مرة بقول خلاص… هتعقل، هتفهم…ماسة هتتعلم من أخطائها.. بس لأ! بتعيدي نفس الغلط… وتزودي عليه كمان! إنتي عايزة إيه؟ فهميني! إنتي عايزة إيه؟!
ضيق عينه متعجباً بشدة أضاف:
إزاي أصلاً تتجرأي وتعملي إللي عملتيه ده؟!
أكلمك وأقولك أرجعي، وأبعتلك الحارس… يرجع فاضي؟ يعني كلامي مالوش قيمة؟ ليكِ حق تعملي أكتر من كده أنا غلطان ! عارفة ليه؟!
كان صوته يعلو، يتخلله وجع مكتوم لم يعرف كيف يخرجه، وإشارات يديه المرتجفة تكشف أن مابداخله أكبر من أن يُحتمل:
علشان كل مرة أحذرك لو أخطاءك اتكررت هتشوفي وش هتندمي عليه، لكن مابنفذش أي حاجة بقولها… لا وكمان بأعتذرلك.. كل ده علشان بحبك..وبحترمك، بس شكلك فهمتي حبي ليكي غلط! افتكرتي تهديدي هزار؟ أو لحظة غضب، متعرفيش مين هو سليم؟
أنا لما بحب… بسامح وبغفر كتير، وتخيلي لما الشخص ده يكون “إنتي”، فأكيد مسامحتي ليكي هاتبقى أوسع. بس توصلي إنك تدوسي على كرامتي
ورجولتي؟ وكلمتي لأاا ! إنتي بتلعبي بالنار… وأنا بطلت أتحمل عنادك ولحد هنا وكفاية.
جز على أسنانه وقلب وجهه قال بنبرة رجولية حاسمة بأمر:
أسمعي كويس…مافيش جامعة، مافيش زيارات، مافيش مرواح عند أهلك تاني، مافيش خروج حتى من باب القصر! حتى الجنينة ممنوع..ومافيش اعتذار..كلمة واحدة زيادة، والله…والله ماهتشوفي النور من الشباك! أنا خلاص… على آخري منك ومن عمايلك دي.
أضاف بضيق وخنقة وكأنها صرخة عتاب:
كل شوية في موال جديد، كأنك بتدوري على المشاكل وتخلقيها، الأول اتهمتيني إني حبسك برغم إنك فاهمة السبب، وبعدين مش عجبك شروطي إللي بحافظ بيها على حياتك وبحميكي من أي حاجة ممكن تأذيكي، وبعدين بتشك فيا علشان رفضت وضع غلط.. لما اعتذرت عاندتي أكتر
ادلعتي بزيادة يا ماسة، حبي ليكي خلاكي تتمادي مش عايزة تفهمي ولا تستوعبي حجم الكوارث إللى حوالينا أو ممكن تحصلنا من وقت الحادثة عمالة تدوسي وتضغطي عليا مش رحماني، كفاية المشاكل إللي عندي، وجعتيني كتير وتحملت لإني بحبك بس كفاية.
كانت كلماته كالسياط، تنهال على رأسها، بينما بقيت هي صامتة تستمع له بصمت ثقيل، رأسها مازال منحنيًا، لكن ملامحها مشدودة كوتر قبل انقطاعه، وصوتها الغائب كأنه يُهيئ نفسه للإنفجار.
فجأة… رفعت رأسها، وقاطعته بنبرة مبحوحة، بصوت خرج كأن الحنجرة تتمزق من الألم:
أسكت…كفاية…إنت إللي كفاية أسكت. أسكت… ماتكملش.
ساد الصمت لثوانٍ، توقفت كالإعصار الذي يضرب ما أمامه دون اهتمام كانت دموعها تنهمر صوتها مبحوح قوتها متلاشية وكأنها تخرج كل ما كان في قلبها منذ سنوات صاحت به بإنهيار..ثم جاء صوتها كالعاصفة، متقطعًا كأنها تنتزع الكلمات من قلبها:
ماسة بوجع قطع نياط قلبها:
خلاص بقى كفاية ارحمني، ارحمني هتفضل لحد إمتى كده، كأنك إنت بس إللي دفعت الثمن، إنت بس إللي موجوع، إنت بس إللي طلعت من الحادثة فاقد كل شيء، كأني مادفعتش الثمن زيك، ولا اتوجعت وجع مالوش علاج، ولا كأني وقعت معاك في نفس الحفرة وبصرخ على حد ينجدني، أنا محدش شايفني الكل معمي عن وجعي مش شايفين إلا وجع سليم وبس.
مسحت دموعها، وعينان تغليان من الألم والضيق، تتحدث من بين أسنانها بألم يعصر قلبها، ممزوج بسخرية مرة من الوجع:
سليم بس إللي اتضرب بالرصاص في الحادثة وكان هيفقد حياته، أما أنا ماحصليش أي حاجة، كأني ماتضربتش بالسكينة، كأني ماكنتِش برضو على وشك أموت زيك بالظبط، تؤتؤ… سليم بس إللي فقد بنته، وأنا لا… كأنها بنتك لوحدك مش بنتي أنا كمان…
كأني ماقضيتش… ست سنين… بتتمنّى اللحظة دي، واتحَرّمت منها في ثانية، وكل أحلامي اتهدت فوق دماغي…
هزّت رأسها بألم قهر فؤادها، ودموع لا تتوقف، بوجع خنق نبرة صوتها وهي تشير على نفسها:
أنا مافيش حد فكر فيا… الكل بيفكر فيك إنت! حتى إنت… حتى إنت مافكرتش غير في نفسك، ووجعك، وإللي خسرته!
مافكرتش إننا الاتنين اتكسرنا في نفس اللحظة… إننا خسرنا سوا! إننا مشتركين في نفس الوجع..
كأني ماكنتش معاك في العربية… كأني ماشفتش إللي إنت شوفته يوم الحادثة. ماحدش فكر يطبطب عليا.
كاد سليم أن ينطق ويدافع عن نفسه لكن شعر أن لديها الكثير والكثير لتقوله فاختار الصمت الآن كي يستمع لأنين قلبها الذي أعلن عن وجعه بينما هو يستمع لها بكل حزن ووجع عصف قلبه.
صمتت لحظة، وكأنها تسترجع كل شيء… خطواتها تهادت للأمام، كأن الذكرى تشدها، واسترسلت بقهر ووجع يصعب حتى وصفه:
أنا لقيت نفسي فجأة باتضرب بالسكينة… قبل ما أولد بعشر أيام!
قبل ما أحقق حلمي إللي عشت عليه سنين… ولما فُقت من البنج، قالوا لي إن بنتي ماتت! بنتي إللي ماشُفتهاش لحظة..ماشمّيتش ريحتها لحظة
بنتي إللي فضلت أكتر من ست سنين أتمناها، من أول لحظة اتجوزتك فيها وأنا بحلم بيها…
آه، صح… مش أول مرة أتوجع. ولا أول مرة أفقد جزء مني… أنا فقدت جزء مني مرتين!
بس أول حمل ليّا لما نزل… أنا ماكنتش فاهمة… ماتأثرتش قوي، كنت صغيرة… مش مدركة…ولإننا مارتبطناش ببعض! وإنت… إنت ساعدتني أتخطى ده بسرعة…أصلا إنت ماكنتش عايز الحمل ده و وافقت بيه بس علشان ماتزعلنيش…فلما راح وجعه عدّى، وعدّى بسرعة! بس بعد سنين… لما كبرت وفهمت،
اتوجعت… بس سكت! ماكنش ينفع أتكلم…
ارتسمت على شفتيها ابتسامة موجعة، أضافت بحزن:
إنما حملي في حور… كان حاجة تانية خالص…
إحساس تاني… كنت كبرت، وكنت فهمت…و ساعتها… حسيّت بيها، وارتبطت بيها.
تقلصت ملامح وجهها بين الألم والقهر، كأنها لوحة مرسومة بالحسرة، واسترسلت بصوت مبلل بالانكسار:
حلمنا سوا… وكبرنا الحلم سوا…وعدنا بعض إننا مش هانفترق…و وعدتها إني هكون ليها أم حنينة، أم تسندها وتحقق لها كل إللي نفسها فيه،
كنت هخليها أحسن بنت في الدنيا.
وهي كمان… وعدتني إنها هتفضل معايا على طول،
كنا هانعيش سوا أحلى بيت دافي وإنت معانا يا سليم محاوطنا بحبك وحنانك ..
سكتت ملامحها في لحظة تابعت بوجع:
بس… في لحظة…في لحظة واحدة،
كل ده راح… كل حاجة انهارت! ودفنوها من غير حتى ماشوفها علشان يدبحوني أكتر،
ويزودوا فوق وجعي قهر… ويكسروني للآخر…
تنهدت بألم، وتابعت بصوتٍ متهدّج:
دورت عليك علشان تساندني، عشان أترمي في حضنك… بس مالقتكش! ليه؟! راح فين؟! سليم اتصاب… لقيت المطلوب مني في عز كل ده إني مابكيش، ماقعش، لازم أوقف على رجليا وأبقى قوية!
ليه؟! علشان في اللحظة إللي كنت فيها بانهار…
جوزي دخل غيبوبة بين الحياة والموت!
كان لازم أبقى جنبك، كان لازم أحاول أخلق معجزة… علشان تفوق!
بقهر وتعب نظرت فى وجهه وأضافت بانهيار:
وفي عز كل ده، كان لازم أقف وأواجه أهلك إللي بيكرهوني، أهلك إللي ماعندهمش رحمة.
وتحملت ذلهم ليا ولأهلي، وذل أمك بالذات ليّا،… وأكون مكانك في الشغل، علشان إنت عاهدتني واستأمنتني على مكانك، فلازم أكون قد ثقة وعدي ليك. علشان لما تصحى وتفوق، تشوف مراتك قد إيه قوية، وقد ثقتك.
كانت لا تعطيه مجال للرد كلماتها مسترسلة دون انقطاع بينما هو ظل صامتا يستمع لها بحزن يطوي قلبه وبعينين اغرورقت بالدموع، كان يريد أن تخرج كل ما في قلبها من الألم.
بدأت تنهار تدريجيًا، وكأن صوتها يحكي وجع العمر:
وفي عز كل ده، جوزي يصحى واحد تاني، منهار مش متقبل باللي ربنا كتبه له، فلازم أسانده… ولازم أبقى قوية، علشان لو عملت غير كده، هبقى واطية، قليلة الأصل ماستاهلوش. لازم أطبطب عليه، وأقويه… وأتحمل عصبيته، وأتحمل عناده، علشان هو مش في وعيه، علشان فجأة صحي وعرف إن بنته ماتت…كأنها بنته لوحده! لقى نفسه مضروب بالرصاص… كأنه هو إللي اتضرب لوحده! كأنّي ماتطعنتش معاه بالسكينة… لقى نفسه مش هيخلّف تاني…وكأنّي أنا كمان، مش هتحرم زيّه من الخلفة…مافيش وقت ولا مكان إني أحس، إني أبكي، إني أصرخ… لازم أكتم كل حاجة جوايا، لأن لو عملت غير كده… إحنا هنكون بنكتب نهايتنا بأيدينا! أنا عارفة إنك ماقلتليش اختاري الطرف الأقوى…أو أعملي كل ده، أنا إللي اخترت الطرف ده… عشان هو ده الصح عشان بحبك…بس إنت يا سليم… ماوقفتش عند هنا…إنت اتحولت..
بدأت ملامحها تتبدل، والغضب يتسلل إلى صوتها شيئًا فشيئًا، حتى علا بتهكم واضح:
لقيت مطلوب مني، في عز رفضك لكل إللي حصل لك في الحادثة…وفي عز غضبك وعصبيتك على أقل الأسباب، أقبل حبسِك ليا… علشان خايف عليّا من العصابة المجهولة، إللي إنت لحد دلوقتي مش عارف توصلهم! ولازم أحط لساني جوا بقي، علشان لو نطقت، أبقى زوجة…صندوق الزبالة أنضف منها!
ماينفعش أطلب نفس… ماينفعش أصرخ…ماينفعش أطالب بأي حقوق… ماينفعش حتى أنهار!
لازم أسكت وأقول:حاضر ونعم وأمرك يا سيدي سليم بيه! وأقبل ده… بكل حب، وبكل ترحيب! ماينفعش حتى أكتئب!
ولما ربنا هداك شوية، وقبلت أخيرًا إنّي أخرج،
أشم نفسي بعد ماصعبت عليك،ولقيتني لازم أقبل بشروطك! واستحمل سخافات ناس تانية، و ده طبيعي على شروطك الغير منطقية.. ولما أرفض شروطك شوية؟
تزعل… وتخاصمني… وأفضل ألف وراك عشان أصالحك! وبعدين… توصل بيك للشك؟ هاتقول لي: ماشكتش؟ ماشي بس استخدامك أسلوب رخيص علشان تعرف الحقيقة! وكل شوية أتحمل تهديداتك، وأسلوب ماحدش يستحمله… ولازم أسكت! لإن أنا إللي غلطانة!
أنا السبب في رد فعلك! لا وجاي بكل بجاحة بتلومني
كفاية، كفاية دور الضحية أنا كمان ضحية زيك وأكتر منك ..
كلماتها كانت كالخنجر على قلب سليم لكن مازال يستمع بقلب ينفطر بصمت
جلست على الفراش كأنما أُسقطت عن كتفيها حملُ سنواتٍ دفعةً واحدة. ملامح وجهها شاحبة، نظراتها منطفئة كشمعة على وشك الانطفاء، ودموعها تُبلل خديها بصمتٍ موجِع. خرج صوتها مبحوحًا، كأنما يتسلّل من قلبٍ أثقله الوجع، من جوفٍ أرهقته الخيبات قالت بقهر:
أنا مافيش حد بيطبطب عليا، أنا مافيش حد خدني في حضنه وطبطب عليا وقال لي معلش، حتى معلش دي ماسمعتهاش، أنا من وقت ماصحيت من يوم الحادثة، وأنا مابسمعش غير كلمة واحدة؟!!
لازم تتحملي يا ماسة، لازم تصبري، لازم توقفي جنب سليم، سليم عمل علشانك كتير، سليم انتشلك من البؤس، سليم رحمك من منصور ولورين، إنتي كنت حتة خدامة ذليلة، إنتي مش من حقك تطلبي حاجة، إنت المفروض تبوسي إيدك وش وظهر إن هو بصلك أصلاً، إنتي كنتي تطولي سليم الراوي يبصلك؟ ويتجوزك ويحبك؟ كأن المفروض كل يوم أصحى أبوس رجليك عشان تكرمت وتجوزتني برضاك وأختيارك أنا اتوجعت كتير وبكيت كتير.. أنا ماحدش حاسس بيا، ولا فكر فيا انا حاسه بايه؟! ولا حتى إنت حسيت بيا.. ولا حتى طبطبت عليا، إنت كمان كنت قاسي زيهم، يمكن أكتر واحد قسيت عليا، كأنك إنت إللي خسرت، وأنا ماخسرتش حاجة
أنا خسرت بنتي، زي ما إنت خسرت بنتك
كانت تحاول تمالك نفسها، كانت على شفا الانهيار، كلماتها تخرج من موضعٍ عميق يسكنه القهر والخذلان:
من ساعة الحادثة ماحصلت، ماحدش بيطبطب عليه غيرك انت أقسم بالله.. أبويا وأمي، اخواتي، أصحابنا، أهلك، ماحدش شايف في الحكاية دي كلها غيرك، كأنك كنت لوحدك فيها، وأنا مجرد شبح، إنت بس إللي خسرت، إنت بس إللي اتوجعت، وأنا حياتي بمبي…
أنا كنت ببتسم وأنا من جوايا مكسورة، علشان ماحبتش أزود عليك، كنت بقول أنا تمام، وأنا حرفيًا بموت ، بموت كل يوم حتة ورا التانية..
وضعت ايديها على قلبها قالت بوجع:
كان هنا جوايا وجع، هنا بالظبط وجع في قلبي احساسة اسوء من الموت وماحدش حاسس بيا ولا اهتم بوجعي
ما حدش كان شايف خالص ان انا كمان خسرت واتوجعت وفقدت بنتي
نظرت له، بعينين مليئة بالوجع، صوتها كان بيقطع قلبه قبل ما يوصل أذنه:
بس مش علشان أنا مابشتكيش، مش علشان مابصرخش، مش علشان بحاول أعيش حياتنا تاني، يبقى أنا كده حياتي وردي ومبسوطة ومابحسش، أنا كان لازم أكون قوية… علشانك. أنا رضيت، رضيت باللي ربنا كتبه، وقلت مش هقف على يوم الحادثة، قلت الحمد لله إن أنا طلعت كويسة، وسليم طلع حي، حتى لو فقدنا حاجات، حتى لو طالعين منها بجروح محفورة جوانا زي الوشم، بس إحنا مع بعض، قلت سليم هياخد الدوا، وهيتعالج، وهيبقى كويس… وأنا هفضل جنبه.
هزت رأسها برفض، والقهر يخرج من عينيها:
بس لا…إنت مارضيتش، ماقبلتش إللي ربنا كتبه،خوفك ورفضك مسكوا فيك، سيطروا عليك، ، وبدأت تبني حواليك أسوار، أسوار من الهواجس، حتى لو كان فيها شيء من الحقيقة، بس إنت سبت نفسك للخوف وعيشتنا فيه، وفرضته عليّا، ولما زهقت ورفضته، بقيت أنا الغلطانة، بقيت المستهترة بقيت وحشة، بقيت إللي مش قد المسؤولية، بقيت إللي مش حاسة بيك، وفي الآخر وصلت للتهديد.
كل ذلك و سليم يستمع إليها بصمتٍ غريب، وكأن الكلمات التي خرجت منها صفعت قلبه قبل أذنه. لم يدرك أنها تحمل كل هذا الوجع، كل هذا القهر، حتى بدا كأنه يتلقى طعنات متتالية في روحه. ظل ساكنًا للحظة، عيناه زائغتان، وقلبه يعتصره الألم، لا يعرف ماذا يقول، ولا من أين يبدأ، لكن المؤكد أنه موجوع، موجوع بشدة.
شعر أنها أنهت ما في جعبتها، وان وقت رده.
رفع عينيه إليها، وصوته خارج من بين ضلوعه، مزيج من الصدمة والوجع، والضعف، وعتاب خافت خنق حروفه:
كل ده كنتِ شايلاه في قلبك؟ كل ده وجع وغضب؟
كل ده ساكتة؟ أنا يا ماسة ماكنتش بفكر فيكي؟
أنا يا ماسة!! ده إحنا وصلنا للي إحنا فيه ده عشان أنا ماكنتش شايف غيرك ولا بفكر غير فيكي، لإني كنت مرعوب عليكي…
خرجت كلماته بتعجب مقهور:
أنا مطبطبتش على وجعك؟ طب أنا مالي بيهم؟ بتحطيهم في كفّة واحدة معايا ليه؟
لو كلامك ده فضفضة قولي، أصرخي، طلّعي كل إللي جواكي هسمعك وهخدك في حضني، بس أوعى تقولّي إني ماطبطبتش عليكي.. أو إنك كنتي لوحدك… أنا يمكن أول مافوقت من الحادثة كنت مكسور، عصبي، كنت بطلع كل رفضي وغضبي فيكي… بس أوعى تنكري، اني كنت بأعتذر، وكنت بقولك أتحمليني، لإني ماكنتش قادر أتحكم، ماكنتش قادر أحط كنترول. وبعدين، أنا عارف إنك موجوعة والله العظيم عارف وحاسس، بس إنتي أقوى مني، قدرتي تعيشي، رضيتِ بالمكتوب… لكن أنا؟ أنا ماعرفتش، إيماني طلع ضعيف، أنا تعبت، وبقيت خايف، وعيشت في خوفي، وفرضته عليكي.
ثم انخفض صوته، ومال برأسه قليلًا كأنه يحاول يخفي بكائه:
هو أنا في يوم حسستك إنك ماخسرتيش؟ ماتوجعتيش؟
همّشتك؟ خليتك تحسي إنك شبح في الحكاية؟
بالعكس، أنا وجعي كان عليكي، علشان شايفك خسرتي زَيّي، ويمكن أكتر…
أنا السبب في كل حاجة، في خسارتك، وفي وجعك، وفي حرمانك من بنتك، ومن نفسك، ومن حياتك.
أنا إللي كنت شايفك ساكتة… ساكتة وبتكتمي، وكل ده علشان تخليني أنا أقوى.
كنت بشوف وجعك في سكوتك، في ملامحك، في كل نفس بتاخديه، حتى دموعك إللي ماكنتيش بتسيبيها تنزل..
إنتي إزاي… بجد إزاي تتهميني الاتهام ده؟ أو حتى تقارنيني بيهم؟
لحظة صمت خيمت بينهما، كانت ثقيلة كأنها تزن عمرًا من الوجع، ثم أكمل سليم بصوت مبحوح، مشحون بالقهر:
أنا يمكن إللي معصبني أكتر منك، وإللي مخليني موجوع أكتر، إني أنا السبب…
إنتِ لسة قايلالي من كام يوم إنك بتدفعي ثمن أخطاء ناس غيرك، وده حقيقي يا ماسة.
يمكن لو كنتي مع راجل تاني، ماكنتيش وصلتي لكده.
كان زمانك عايشة حياة مختلفة، أمان أكتر، راحة أكتر…وعلشان كده أنا بقيت عصبي، ومجنون، ورافض أي حاجة، كل يوم بيعدّي، إحساسي بالعجز بيزيد جوايا، وخوفي عليكِ بيكبر…مش عارف أجيبلك حقك، ولا أضمنلك بُكرة… وبخاف، بخاف أوي إنك تضيعِي مني..أنا كمان زيك صحيت لقيت حياة جديدة اتفرضت عليا ماكنتش مخطط لها، وجعي بقى أضعاف، وبقيت حاسس بالعجز، وقلة الحيلة، والقهر. ومش عارف بكل ده إزاي أجيب حقك، لو كنت لوحدي، كان زماني وصلت. بس أي حركة مش محسوبة، مش عارف ممكن يحصل إيه. يمكن تكون حياتك الثمن، وخايف الرصاصة إللي في ضهري تخلص عليّا قبل ما أجيبلك حقك وحق بنتنا.
كانت ماسة تنظر إليه بعينين ممتلئتين بالوجع، لا تعرف ماذا تقول…
كلماته كانت صادقة، مؤلمة، لكنها لا تمحو ما بداخلها.
هي موجودة وتحمل شعورًا بالذنب ليس من حقها،
تعلم في قرارة نفسها أنه ليس السبب الوحيد
لكنّه الأقرب إلى قلبها، الأقرب إلى ثقتها، الأقرب إلى ضعفها، هو من كان يجب أن يكون سندًا…
فأنهار فوقها، ولم يُبقِ لها مكانًا تأوي إليه سوى نفسها.
ارتسمت على شفتي سليم نصف ابتسامة، كأنها سخرية من حاله، وأضاف بصوت مكسور، بعينين غمرها الحزن:
إنتِي كنتِ القوة في القصة، وأنا كنت الطرف الضعيف… أنا اتسندت عليكي، بدل ماتستندي عليا.. كنت محتاجك تقويني، اعتمدت على قلبك الأبيض، على غفرانك الكبير، وعلى إنك دايمًا بتنسي… بسرعة… وبتعدي… بسرعة…
نظرت له ماسة بمرارة، وقاطعته بصوت متهدج:
بقى حق مكتسب يعني؟ علشان سامحتك كتير، وعديت أكتر، فبقيت فاكر إني هسامح على أي حاجة وخلاص؟ فدوس براحتك؟
هز سليم رأسه نافياً، وصوته خرج مختنقًا كأنه يحاول يطفّيء نار بداخله:
لا، مش كده، إنتِ أحن مني في النقطة دي ، إنتِ حنينة وطيبة يا ماسة وده من وقت ماتجوزنا.
نظرت إليه ماسة بعينين زجاجيتين، تتمايل بين الغضب والانكسار: يعني إنت معترف إنك غلطان.
سليم بهدوء ممزوج بإيجاب:
أنا عمري مانكرت إني غلطان. ردود أفعالي ساعات بتكون زيادة، بس أوعي تحطّي عليا كل الحمل. أنا مش السبب لوحدي في إللي وصلنا له. انتِ كمان…
همّت بالرد، لكنه أشار بيديه كأن لسانه سبَق عقلها، وأكمل:
يمكن أنا النصيب الأكبر زي ماقلتي، وإنتي سكتي كتير، وتحملتي فوق طاقتك… بس برضو…
صمت، كأن الكلمات خذلته. كان يتمنى أن ينهي الخلاف، لا يوسع الهوة. تنهد، ونبرة صوته كانت مزيجًا من خنقة العقل و وجع القلب:
أنا مش قاصد أوجعك أكتر، أنا متألم برضو… إحنا مش في حلبة مصارعة! أنا كمان عندي جروح.
لكن في النهاية، مش عايز أعيش الألم ده لوحدي.
أكتر حاجة بتوجعني إنك تحسي إني مش شايفك…
صدقيني، أنا عارف كويس إنك خسرِتِ زيي، وكل حاجة أنا السبب فيها، وكل حاجة بتعود ليا، بس مش قادر أواجه.
صمت للحظة و نظر بعينين مليئة بعتاب ووجع:
أن ماليش ذنب بعلاقتك بأهلك… هما بيقولوا إيه؟
ما تحاسبينيش على حاجة أنا ماقولتهاش، ولا ليّا يد فيها، مشكلتك إنك بتحاسبيني على كلامهم، مع إني أنا… أنا ماعملتش كده معاكي وكنا سند لبعض يا ماسة حتى لو إنتي كنتي الأكتر بس أنا ماتخلتش عنك ولا أقدر.
ماسة باستهجان:
أه، وتهديداتك ليّا إللي كل شوية؟! إيه هتقولي تاني لحظات ضعف؟! اديني مبرر واحد يخليك تعمل كده.
سليم بصوت ضعيف: بعمل كده علشان تسكتي وتوقفي عند، وبعدين يا ماسة، إنتِ السبب لإنك مابتسمعيش الكلام، بقيتي عندية أوي، هو مش إحنا وعدنا بعض إننا هانوقف خناق ونسمع بعض؟
ماسة، بعصبية: بالظبط كده، وإنت عملت إيه؟
سليم، بنبرة مؤلمة بإعتراف:
غلطت يا ماسة، واعتذرت لكِ، وإنتي ماقبلتيش واستمريتي في عندك وغضبك، إنتِ كمان غلطتي. دقيقة زي عشرة، المبدأ مرفوض، وإنتِ عارفة إني بغير عليكي، لما الموضوع يوصل للنقطة دي، أنا ببقى معمي.. وبعدين خلاص اعترفت إني اتعاملت مع الموقف مش بشكل سليم، ليه بقى كل إللي إنتِ بتعمليه ده؟ تروحي عند أهلك، وأتصل بيكِ علشان تيجي، ترفضي، وتكبري المشكلة دي؟
تساءل بنظرة عاتبة:
مش إنتِ وعدتيني إني لما اكلمك، هاتردي، وهتسمعي الكلام؟ قلتِ لي “إنت اهدى، كلمني… ومن يومها ماددلك إيدي، لكن إنتِ مش شايفة ولا سامعة غير حاجة واحدة: إني شكيت فيكِ، أو استخدمت أسلوب رخيص في سؤالك. مش عايزة تصدقيني إن عشري من نفسه صور وقلت لكِ خلاص يا ستي، أنا غلطت واعتذرت. عدّي، بس إنتِ مش عايزة تعدي. شيطانك ماسكك.
ماسة، بصوت متهدج بعينين ترقرق بدموع:
عشان أنا تعبت يا سليم، إنت بقى ليك أسلوب صعب… مش قادرة أتحمله، مش قادرة أتحمل تهديداتك، حتى لو مش هاتتنفذ. بتحسسني إنك بتستعبدني، لو ماعملتش إللي عايزه، تقولي: مش عارف هعمل فيكي إيه، وهندمك، وتمنعني من الجامعة علشان إنت جوزي؟ وليك الكلمة عليّا؟ تمنعني من حاجة أنا بحبها، وإنت عارف إني بحبها؟ كنت عايزني أتعامل معاك إزاي بعد أسلوبك معايا آخر مرة؟ هنحط وشنا في وش بعض إزاي؟ هنام في حضنك إزاي؟ أنا واحدة جوزها، لما صحي من الغيبوبة، بقى واحد تاني. أنا بقى لي سنين بحاول أستوعبك، بس كل مادا بيزيد صعوبة.
سليم تنهد بتعب: والحل إيه؟ هي دي خلاص هتبقى حياتنا.
مسحت ماسة وجهها بتعب توقفت أمامه، أجابت بهدوء وحب: أنا مش هقول لك نطلق علشان أنا بحبك رغم كل شيء.
قاطعها سليم بنبرة مستخفة موجوعة: طب والله كويس إنك لسة بتحبيني بعد كل إللي شايلاه في قلبك مني.
كملت ماسة بضعف: أيوه بحبك والله إنت حتة من قلبي يا سليم ، بس أنا تعبت. وأنا عند أهلي فكرت إننا لازم نبعد شوية عن بعض، يعني الحل الوحيد إني هروح عند أهلي، وإنت تقعد هنا، ونفكر في علاقتنا. نراجع الأسباب ليه وصلنا لكده؟ كل حاجة بينا بخناق؟ ليه كل حاجة لما أعملها غلط، وماتعجبكش؟ تقسى عليّا وتقول لي “مش عارف هعمل فيكي إيه”. هندمك. مافيش خروج من باب القصر، كأني جارية عندك؟ مش مراتك، حبيبتك؟ إنت لازم تفكر في أسلوبك وتغيره. مافيش راجل بيهدد مراته ويستبدها كده زيك، وأنا كمان لازم أبطل عصبية وعناد، وأتكلم معاك بهدوء، مشكلتك يا سليم إنك مش قادر تستوعب إن أنا كبرت. إنت اتجوزتني بنت صغيرة هبلة وعبيطة وبتخاف، بس أنا كبرت وفهمت واتعلمت كتير على إيدك وبقيت بأرفض حاجات كان ممكن أتقبلها زمان.
ضحك سليم ضحكة مقهورة: كبرتِ فعلاً، بس بعد ماكبرتي، وخليت عندك شخصية قوية وفاهمة الدنيا، طلعتيهم عليا أنا حبيبك.
هزت ماسة رأسها باعتراض: لا، يا سليم، الحكاية مش كده مستحيل أكبر عليك، إنت إللي لسة شايفني ماسة البنوتة الصغيرة إللي كبرت على إيدك، لسه بتتعامل معايا من المنطلق ده، فإنت لازم تواكب التغييرات دي، طبيعي لازم أتغير في حاجات كتير ، وبعدين إنت إللي ليك الفضل وساهمت في التغيير ده، يعني إنت السبب. إنت إللي خليتني أطلع من القوقعة إللي كنت فيها. تربيتك، بتلومني ليه؟ أنا ماغلطتش.، أنا برفض طريقتك، وإنت عارف من جواك إن الطريقة دي غلط.
سليم بتوضيح: إنتِ مش فاهمة. المشكلة مش فيكِي المشكلة إنك ماقدرتِيش تفهميني.
ماسة محاولة إقناعه بهدوء: طب ما أنا عمالة أقول لك أهو ياسليم المشكلة إن إحنا مابقيناش نعرف نتناقش كل حاجة بينا بقت عصبية، إنت بتهدد وأنا بعاندك، ودي مش حياة، وإحنا بقينا كده لإننا موجوعين العاطفة مسيطرة.
سليم، بترقب: والحل!!
ماسة، بعزم: الحل الوحيد إني هروح عند أهلي، وإنت تقعد هنا، نراجع علاقتنا، ونشوف الطريق إللي هنسلكه.
سليم: ولو ماوصلناش لحل بعد ما كل واحد يبعد عن التاني؟
ماسة، بإبتسامة محبة وبيقين: هانوصل، يا سليم. إحنا بنحب بعض، هانوصل. ولو ماوصلناش، هانعيد التفكير، تاني وعاشر وألف. ولا إنت عايز تطلق؟
سليم، بحسم: بطلي هبل، أكتر واحدة عارفة إني مستحيل أعمل كده ولا حتى أقدر أنطقها
تبسمت ماسة، بعزم: خلاص، يبقى مافيش غير الحل ده.
هز سليم رأسه بغضب: لا طبعاً الحل بتاعك مش مقبول، ومش هيتنفذ. مفيش خروج من القصر، البعد بيعمل جفاء وبيعقد العلاقة أكتر.
ماسة بهدوء: سليم، لو سمحت.
قاطعها سليم، بشدة: مافيش لو سمحتي، مافيش خروج بره القصر، لو عايزة تفكري في علاقتنا وكل الكلام ده؟ أنا ماعنديش مانع فيه، بس هنا جنبي في بيتك، وأنا أوعدك إني هحافظ على مساحتك الشخصية مش هدخل الأوضة، أنا هبقى قاعد في الأوضة الثانية، لحد ماتجيلي بنفسك وتقولي لي خلاص يا سليم، غير كده أنسي.
ماسة باعتراض: ده مش حل يا سليم. أصله هو مش عند وكلامك لازم يتنفذ وخلاص، لازم نكون واقعيين. الحل هو إننا نبعد شوية عن بعض ونفكر في علاقتنا.إنت مش مستوعب إزاي الأمور تغيرت بعدين جفا إيه؟! ده إحنا في البعد هانشتاق لبعض، وهانعرف قيمة بعض هانرجع متربيين.
هز سليم بعدم اقتناع ورفض: مافيش خروج من هنا، ده قرار نهائي.
ماسة: هو مين إللي بيقرّر؟ مش لازم نمشي في طريق واحد، خلينا نفكر مع بعض فهمني رفضك.
سليم بشدة: ماسة؟
ماسة متعجبة قالت باستهجان: ماسة إيه بس، إنت بتعنّد ليه؟ فهمني، بقولك فهمني أسباب رفضك؟!
ولا إنت عايز تمشي كلامك وبس،، ولازم أوامرك تتنفذ، إنت إللي عايز ترسم الدايرة وأمشي على خطاك. ولو خرجت بره الدايرة أبقى مجنونة.
سليم مفسرا: مش علشان أمشي أوامري، لإن هو ده الصح، ماينفعش تسيبي بيتك، ماينفعش تبعدي عني بالأيام.
تنهدت ماسة اقتربت منه وهى تلمس صدره تحاول إقناعه: سليم يا حبيبي، أنا بفهمك، لو عايز العلاقة دي تستمر، وجوازنا ده يستمر. سيبني أروح عند أهلي، أنا بجد مخنوقة مش قادرة.
سليم برفض لا يتقبل النقاش: أنا قلت لا؟ مافيش خروج من هنا مش عايز كلام كتير ولا مناقشة…
وبعدين هتروحي عند أهلك ازاي؟ مش أهلك دول إللي هايقولوا لك إنتي قليلة الأصل؟ إزاي ماتستحمليش جوزك؟ إزاي أنانية كده؟ ماتنسيش نفسك! إنتِ إللي لسة معترفة بالكلام ده. إللي أنا أصلاً أول مرة أسمعه!
ماسة: هقول لهم إن أنت مسافر علشان مسمعش كلامهم.
سليم بحسم: وأنا قلت لا؟ يعني لا مش هاتسيبى بيتك، ولا هاتبعدي عني، مش هاينفع تبعدي عني يا ماسة قولتلك هنام في مكان تاني مش هخليكي تشوفيني خلاص بقى، ومش عايز كلام كتير.
تحرك سليم للخارج دون أن ينطق،
نظرت ماسة لآثارة بحزن: والله العظيم، إنت إللي بإيدك عمال تكتب نهايتنا، مش أنا.
في اليوم التالي،
لم يذهب سليم إلى المجموعة، بل قصد أحد المقاهي البعيدة، وجلس إلى طاولةٍ شاردًا، مختنقًا، يشعر بالوحدة، ويفكّر في كل كلمة قالتها ماسة.
أما ماسة، فقد بقيت في القصر تشعر بالوجع والألم، لكنها كانت تفكّر فيه وتتألّم لأجله.سألت سحر إن كان سليم قد تناول دواءه، وتناول طعامه، وهل عاد من المجموعة أم لا.كانت تفكّر فيه رغم الهدنة التي طلبتها
💞______________بقلمي_ليلةعادل(⁠◔⁠‿⁠◔⁠)⁩
الصالون، الثانية مساءً
توقفت “ماسة” عند مدخل الصالون، تُحدّق بدهشةٍ وسعادة في وجه صديقتها “كارمن” التي كانت واقفةً تبتسم لها.
اندفعت نحوها وفتحت ذراعيها بسرعة، ضمّتها بقوّة وكتمت شهقةً صغيرة وهي تضغط على جسدها.
ماسة بترحيب حار: كارمن! يا نهار أبيض، يا بنتي، وحشتيني أوي!
ضحكت كارمن وردّت الحضن: وإنتي أكتر…أبعدتها قليلا أمعنت في ملامحها،:إنتي شكلك تعبانة.
حاولت ماسة أن تبتسم، وسحبتها من يدها: تعالي، تعالي أقعدي…
جلست بجوارها على الأريكة، تحاول أن تبدو طبيعية، أن تضحك كما اعتادت، لكن عينيها كانت باهتة، وابتسامتها نصف مكسورة.
مالت كارمن عليها بقلق: طمنيني عليكي… مالك؟
ماسة بصوتٍ خافض: الحمد لله… كويسة، طمنيني إنتي، أخبارك إيه؟ وإيه المفاجأة الحلوة دي؟
ضحكت كارمن بمزاح خفيفة: لقيتك عاملة لنا فيها ست الشبح… قلت أجي أشوفك. إيه؟ سليم حصل له حاجة؟ مش عايزك تخرجي؟
هزّت ماسة رأسها بسرعة، وصوتها كان خافتًا، والله خالص… علشان الامتحانات… بذاكر.
لكن وجهها كان يعكس خلاف ماتقول.
شبكت كارمن حاجبيها، مالت عليها أكثر، ولمست يدها بلطف: مالك يا بنتي؟ إيه إللي مزعلك كده؟
صمتت ماسة، ونظرت أمامها كأنها تجمع شجاعتها…
امتلأت عيناها بالدموع، ابتلعت تلك الغصة التي تشكلت في حلقها، كانت في أمس الحاجة لكي تحكي، لكي تخرج ضجيج قلبها. أخرجت أنفاسًا ساخنة وبدأت تحكي.
استمعت لها كارمن وهي تمسك يديها الاثنتين، ملامحها مشدودة، وعيناها مركّزة، حتى انتهت ماسة من حديثها.
كارمن تنهدت وقالت بحكمة: بصراحة؟ ومن غير زعل، حاسة إنك بالغتي شوية. سليم بيحبك وبيخاف عليكي، ومن ساعة مافاق وهو دايماً جنبك، وإنه يعترف بأخطائه ويعتذر حاجة مش قليلة يا ماسة، لكن التهديدات دي حاجة مش طبيعية. إنتوا لسة كنتم مع بعض، واتفقتم، لكنه ماقدرش يسيطر، يبقى فيه حاجة غلط. فعلاً لو كل واحد فيكم بَعِد شوية، حياتكم هاتكون أفضل. لازم تفكروا بهدوء، لإنكم بتحبوا بعض. هو شايف إيه؟ ليه رافض؟ إيه هي وجهة نظره.
ماسة بمرارة، ونبرة مكسورة: وجهة نظره! مش هاتمشي ومش هاتبعدي عني.
كارمن بتحليلٍ: يمكن يكون خايف.
رفعت ماسة حاجبها متعجبة: خايف؟
كارمن موضحة: آه… خايف تمشي وماترجعيش، تمشي وتاخدي على طعم الحرية، تتعودي على غيابه… تعيشي من غيره، وهو كمان يمكن مايعرفش يعيش من غيرك.
هو بيحبك أوي… عايزك تفكري وإنتي جنبه، مش وإنتي بعيد عنه.. وكل ده نابع من محبة كبيرة ليكي في قلبه، وخوف من فقدانك، بس أحيانًا التفكير الرومانسي والحب ده ماينفعش خصوصًا لو وصلتوا للمرحلة إللي إنتم بقيتوا فيها، لازم العقل يتحكم مش العاطفة أبدًا، ويشوف الدنيا من زاوية تانية.
ماسة تنهدت بتعب: قلت كل ده والله قلت؟ طب يا كارمن… أعمل إيه؟
أكملت بوجع فاض بقلبها:
إمبارح نام في أوضة تانية، وماشفناش بعض النهاردة خالص…بس أنا فعلًا تعبانة. أنا عايزة أمشي من هنا.
أنا مش مرتاحة هنا مش علشان سليم والله، إللي هنا كمان مزعجين…
بعين ذائعة ونبرة مليئة بالحب:
كمان الصراحة، طول ما أنا هنا وأنا متأكدة إن هو هنا، في حاجة بلاقيها بتشدني ليه زي المغناطيس، بلاقي نفسي بسأل أكل ولا ماكلش، وصل المجموعة ولا ماوصلش، أخد دواه ولا لسة، متغطي ولا لا، عامل إيه؟ بيعمل إيه؟ شايفاه قدام عيني ومش عارفة أكلمه، يا نهار أبيض، إزاي يكون بيني وبينه أوضة ومش بنتكلم؟! علشان كده أنا عايزة أمشي، طول ما أنا هنا هفضل مشوشة. بس هو مش قادر يفهم ده، أنا قلت له يا سليم أنا مش عايزة أطلق خلاص، لما كنت بقولها كانت في لحظة غضب. خلينا نبعد فترة نعيد تفكيرنا، نظبط حياتنا وعلاقتنا. بس هو مافيش.
كارمن تساءلت: طب إنتِ أصلاً هاتروحي فين؟
ماسة بقلب حائر: عند أهلي… بس والله حتى هناك مش هبقى مرتاحة، ماما فظيعة! بتموت في حاجة اسمها سليم. متهيألي لو شافته بيدبحني، هاتكذّب عينيها. وهتفضل تسألني كل ده سليم مسافر؟! مش بيكلمك ليه؟ زعلانين؟! ومش هخلص.
ولو فكرت أقول لها، يا نهار أبيض، أقسم بالله تضربني، وأصلاً أوبشن إني أروح في حتة تانية؟ مستحيل.
كارمن بحماسٍ مفاجئ: بقول لك إيه… تيجي تقعدي عندي؟ أنا جوزي مسافر وقاعدة لوحدي، تعالي.
ضحكت ماسة بمرارة، ورفعت يدها باستسلام:
مش هيوافق… والله لو اتنططت، مش هايوافق.
بقول لك مش موافق أروح عند أهلي. هيخليني أروح عند حد تاني؟!
كارمن بشقاوةٍ خفيفة: لا، ما هو إنتِ أصلًا مش هاتقولي له.
ضيقت ماسة، عينيها بتعجب شديد: يعني إيه مش هقول له؟
كارمن بجديّة، ضغطت على الكلام: يعني تخرجي… ماتقوليش له. أستني يوم يكون في الشغل، عارفة إنه راجع متأخر. قولي له هروح الصيدلية، هشتري حاجات خاصة، هاتخشي الصيدلية وحاولي تزوغي من الحراس. أو أدخلي محل ملابس، وغيري لبسك، وحاولي تخفي شكلك. أو ألبسي نقاب، لا من شاف ولا من دري، وتركبي أي عربية توديكي الموقف وتركبي من هناك الهرم.: اتلحلحي شوية يا ماما، وتعلمي وتجرأي، أمال مرات سليم، الراوي، إزاي؟
كانت ماسة مركّزة معها، وقلبها يخفق بقوة، حركتها صارت أقل، لكن عينيها امتلأتا بالخوف.
ثم قالت ماسة بصوتٍ واطي ومتهدّج:
إنتِ أكيد بتهزّري… عايزاني أعمل كده مع سليم؟ أنا خايفة يكون سامعني وإحنا بنتكلم. مستحيل يابنتي… إنتِ بتهزّري؟
نظرت إلى يدها، ولمست الإسورة في صمت،:
يا بنتي… ملبّسني إسورة فيها جاهز تتبُّع.
ومابعرفش أخرج من باب القصر إلا بأمر منه.
كارمن بنظرةٍ سريعةٍ حاسمة: استني… هفهمك هاتعملي إيه هاتروحي.
عند البوابة… قريبة من مكي…إنتِ قلتي إنه جدع ولطيف، اتصلي بسليم تطلبي منه تروحي تشتري حاجات من الصيدلية، لو وافق يبقى خير، لو رفض، إنتِ شدي معاه في التليفون هو هيسمعكم وهيتدخل. هيتكلم هو معاه وهيوافق.
هزّت ماسة رأسها، وضحكت ضحكةً شبه باكية:
إيه جو الأفلام والأكشن ده؟ يا نهار إسود… سليم لو عرف؟ ولو وصل لي… هيموتني.. أقسم بالله ماهشوف الشارع تاني في حياتي. هو مش لو .. هو هيوصل لي أكيد.
بنبرة ضعيفة مترددة بها عقلانية: بعدين. أي راجل في الدنيا لو اتعملت معاه حركة زي دي مش هايبقى طبيعي يا كارمن. لما أرجع مش هيسامح، ويغفر. الصراحة هيبقى له حق مايثقش فيا تاني، لأن ممكن يفتكر إني اتخطفت من العصابة إللي حاولوا يقتلونا قبل كده… حتى لو هلعب على حبل إنت إللي وصلتنا لكدة بردو هيزعل وهيضيع حقي..لا، لا يا شيخة، شوفي لنا فكرة تانية.
كارمن بهدوء، وفي نبرتها استفزاز بسيط: خلاص… خليكي كدة لإن مافيش حل تاني إنك تمشي.
مرّت لحظة صمت، ثم همست ماسة، وسكون ثقيل يعلو صوتها: أنا مش قادرة بجد، تعبانة أوي، بصي، خليني أحاول معاه تاني، لو رفض… أكيد فيه حل غير الهروب بالطريقة إللي إنتِ قلتِي عليها.
مدّت كارمن يدها نحوها وربّتت عليها بلطف: عموماً. إنتي مش لوحدك… أنا معاكي للآخر
مكتب عزت الثامنة مساءً
كان سليم جالسًا في مكتبه داخل القصر، ينظر في أوراق مبعثرة أمامه، وجهه شاحب، وذهنه غارق في مكان بعيد. دخل عزت، بخطوات ثقيلة، جلس أمامه بصمت للحظات، ثم قال بصوت هادئ ولكن حازم:
عزت: إنت إزاي خسرت المزاد؟
سليم ببرود: في شركة عرضت مبلغ أكبر، بعدين خسرته إيه المشكلة.
عزت: بس أنا إللي عرفته إنك ماكنتش مركز… أنا سألتك قبل ماتسافر؟
تنهد سليم وقال بلامبالاه: وخسرت… أعمل إيه يعني؟
رفع عزت حاجبيه وقال بنبرة فيها عتاب: ده مش أسلوب، يعني إيه أعمل إيه؟ هو أنا مطلوب مني أوافق وأعدي الخسارة بسهولة، إنت مش أول مره تخسرنا، لسة من كم يوم كان فيه مناقصة ضاعت علينا؟ ماتقوليش أنا غيري عمل وخسرك، إنت مش زيهم يا سليم
ثم أكمل، وصوته يتغير من الغضب إلى الحزن: وأوعى تفتكر إني زعلان على الفلوس… أنا خسرت أكتر منهم، حاجات أهم بكتير. أنا زعلان عليك.
سكت للحظة ثم قال بحنان وحكمة:
ده مش حل … إنت لازم تفوق، وتركّز، وتحل مشاكلك مع مراتك، لو مش قادر دلوقتي، خد لك إجازة. كده ماينفعش… دي لا حياة ولا طريقة يا ابني الموضوع مالهوش علاقة بالقوة ولا بفرض السيطرة. أنا عارف إنك قوي… بس مش عايز سليم إللي معروف عنه العقل والاتزان، يهتز بسبب مشكلة بسيطة مع مراته. علاقتك بيها هي الأهم فاهم ده… وهي إللي محتاجة تركيزك دلوقتي، علشان تقدر تستعيد توازنك علشان كده بقول لك حل مشاكلك مع مراتك وبعدين ركز في الشغل، خلي ياسين دلوقتي ياخد مكانك لو موافق.
كان سليم يسمعه بصمت، لا يعرف بماذا يرد، كل ما قاله عزت كان يلامس شيئًا في داخله. فعلاً، مشاكله مع ماسة كانت تمزقه من الداخل وتجعله غير متزن، ولا يستطيع التركيز في عمله، مسح وجهه بكفّه، وتمتم بصوت خافت:
سليم بهدوء: أنا مش عايز أتكلم… بس أوعدك، هركّز.
دي آخر مرة، مش هخلي مشاكلي مع ماسة تخليني مركزش في الشغل.
نظر عزت إليه مطولاً، ثم قال بنبرة جادة: هقولك نصيحة: أوعى تخلّي حد يعرف نقطة ضعفك دي. لأن صدقني… هينهوك منها. خلافات بسيطة مع مراتك خلتك تخسر مشروعين في أقل من أسبوعين! ولو أعداءك عرفوا… هايستغلوا ده للنهاية.
أقترب منه أكثر، وحدّق في عينيه:
وأعدائك مش بعيد عنك، دول حواليك وأقرب من طرفة العين…حاول تفوق يا سليم إنت سليم الراوي أوعى تنسى ده إنت ملك الامبراطورية دي.
هز سليم رأسه بالإيجاب، ونهض بصمت، ثم خرج متجهاً نحو الدرج.
ظل عزت في مكانه، ينظر إلى أثره بحزن، يحمل في عينيه ألم الأب الذي يرى ابنه يضيع أمامه ولا يستطيع مساعدته.
جناح سليم وماسة
كانت الغرفة ساكنة، إلا من صوت أنفاسها الثقيلة. جلست ماسة على الفراش، قدماها مطويتان أمامها، وذراعاها تحتضن ركبتيها كأنها تلوذ بنفسها من العالم. شاردة، تائهة في أفكارها، وعيناها متعبتان كأن النوم جفاها منذ زمن .
فتح الباب بهدوء، ودخل سليم. وقف عند العتبة لحظة، ينظر إليها. لم تتكلم.. فقط رفعت عينيها ببطء، تتأمل ملامحه المتعبة، التي لم تعهدها عليه. كان مرهقًا، روحه قبل جسده، كأن شيئًا أثقل من الجبال يسكنه.
اقترب بخطوات بطيئة، جلس أمامها على الأرض، جذب ساقيها نحوه، ومد ذراعيه فاحتضنهما، ثم أسند رأسه على فخذيها، كطفل ضائع عاد إلى حضن أمه بعد طول غياب. كانت يده ترتجف وهو يضعها على بطنها، وكأن قلبه يحتمي بها.
مدت يدها ببطء، وضعتها على شعره، تمررها بلطف فوق رأسه، تنظر إليه بشفقة وألم: مالك يا سليم؟
سليم بصوت منخفض، مبحوح، كأن الكلمات ثقيلة على لسانه: مخنوق… وتعبان.
ابتلعت ماسة دموعها، وهمست: إيه إللي حصل؟
سليم بصوت منكسر: خسرت… خسرت المزاد.
صمتت ماسة قليلًا، ثم قالت وهي تسترجع ما سمعته: ده المزاد بتاع السويس؟
أومأ برأسه بحزن: اممم، مزاد السويس… أنا تعبان، ومشتت. المشاكل إللي بيني وبينك مش مخلّياني عارف أركز…
بسمع صوتك جوا دماغي… وإنتي بتزعقي، وإنتي بتعنّدي، وإنتي متعصبة وموجوعة…وأنا متضايق أوي. متعصب وموجوع على إللي وصلنا له.
ماسة بهدوء: طب… ما أنا عرفتك… هنعمل إيه؟
سليم بضعف: أنا مش هينفع أسيبك تمشي. أنا بحبك.
ماسة وهي تبكي: وأنا كمان بحبك… بس
صمتت للحظة قالت برجاء وحب:
بس علشان نحافظ على حبنا… لازم أمشي ده الصح.
قاطعها سليم وهو يجلس جانبها فجاه، يمسك يدها بحب وضعف يخرج من عينه: لا… مش هاتمشي، أنا مش هقدر أعيش من غيرك…حتى لو لفترة. أنا محتاج ليكي أنا بحبك يا ماسة بحبك مقدرش أبعد عنك لو لثانية واحدة.
تك على يدها بين يديه وركز النظر داخل عينيها:
بصي… عديها، المرة دي. وأوعدك… مش ههددك تاني، وهتغير، بس ماتمشيش يا ماسة، وحتى لو اتعصبتي، وعاندتيني… مش ههددك… بس ماتسبنيش..ماتسبنيش يا ماسة وتوجعي قلبي إزاي بتطلبي مني طلب زي ده إزاي لو إنتي هاتقدري أنا والله لا.
ماسة بصوت مكسور: سليم…أنا والله بحبك، بس أنا تعبانة أوي. والله ده لصالحنا.
هز سليم رأسه رافضًا: لا… مش لصالحنا.
ماسة تحاول إقناعه: والله لصالحنا… هرجع بعد يومين، كأنك مسافر ..
وضعت يدها على خده بحنان وهي تركز النظر داخل عينه برجاء:
إحنا علاقتنا بقت مشوشة من فترة، أنا تعبانة، قلبي وجعني، محتاجة أهدى وأفكر صح، طول ما إنت جنبي أنا مش قادرة أفكر، لإني مش بفكر غير فيك عامل إيه أكل شرب شايفك قدامي ومش عارفة أكلمك، لكن لما تبقى بعيد هقدر وأنا فهمت ده لما كنت عند ماما لما كنت مسافر ماكنتش مشتتة،، والله هرجع بس إنت لو فضلت رافض ده كل يوم الفجوة بنا هتزيد.
نظر لها سليم طويلًا، بعينين غارقتين في الحزن بوجع فطر قلبه شعر وكأنها لا تحبه لا تريده ، كل ما قاله لها من ثواني لم يحركها رجاءه، نظراته، حبه ووعده قالها بنبرة مكسورة مليئه بالخذلان:
يعني بقولك محتاجلك… ومصممة تمشي؟ خلاص… عنادك للدرجة دي؟
ماسة بألم: والله ما عناد… بس تعبانة يا سليم.
سألها سليم بلهفة: تعبانة من إيه يا قلب سليم؟ فهميني.
ماسة بصوت خافت:من كل حاجة…حاسة إني محتاجة أبعد عن كل البشر، حتى أهلي…وديني في فيلتنا… وسبني قاعدة هناك لوحدي، الحراس وبس…ماتقولش لحد… يومين بس… وحياتي عندك يا سليم وافق.
لم يرد، فقط نهض ببطء، وخرج من الغرفة دون أن ينظر خلفه.ظلت ماسة تنظر إلى أثره، تتمنى لو تستطيع ضمه مرة أخرى، لكنه اختفى في صمته أخذت تبكي بصمت عصف قلبها.
بينما دخل سليم غرفته، مختنق من الألم، عيناه دامعتان، اقترب من الحائط، وبدأ يضربه بيده، مرة تلو الأخرى، وهو يصرخ ببحة رجولية ممزوجة بالقهر:
آه… آه… آه.
وكأن كل ضربة تخرج من قلبه الذي يشعر أنه يعتصر من الألم بداخلي.
جناح ماسة وسليم، الرابعة مساءً
كانت ماسة تتحرك في الغرفة جيئة وذهابًا، الحيرة تملأ عينيها، والتعب مرسوم على وجهها. كانت تستعيد في ذاكرتها حديثهما الأخير ليلة البارحة… لا يزال صوته يتردد في أذنيها: مش هاتروحي في حتة. مش هاتمشي.
مررت يدها على عنقها وكأنها تختنق، ثم قالت لنفسها:
أنا بجد دماغي هاتنفجر… أنا مش قادرة. مش قادر يفهم إن إحنا خلاص هننفجر في وش بعض قريب لو فضلت هنا. هو شكله مافيش فايدة… هو ده الحل الوحيد.
أمسكت بهاتفها واتصلت بـ”كارمن”.
ماسة: أنا موافقة، هنمشي على الخطة.
رد صوت كارمن من الجهة الأخرى، بنبرة متحمسة:
طب اسمعيني بقى، عندي خطة أحسن. لحد البوابة كله هايتم زي ما قلنا، بس من أول الصيدلية هانبدّل. قوليلي، سليم هيكون في الشغل؟
ماسة: آه، عنده شغل النهاردة وراجع متأخر.
كارمن: طب حلو أوي، اسمعيني بقى كويس…
رجاء يا فرولاتي ماحدش ينسي يضغط لايك عشان تساعدوا الرواية تنشهر توقعاتكم ورأيكم في حلقة
تفتكر ماسة هاتعمل إيه ويا ترى معاها حق في الهروب؟؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الماسة المكسورة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى