روايات

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل العاشر 10 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل العاشر 10 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني البارت العاشر

رواية الظل الذي يلاحقني الجزء العاشر

الظل الذي يلاحقني
الظل الذي يلاحقني

رواية الظل الذي يلاحقني الحلقة العاشرة

حقيقة الصراعات
“أحيانًا، في لحظات الضياع، نكتشف أن الحقيقة التي نبحث عنها ليست سوى ظل للماضي، يتلاشى كلما اقتربنا منها وما نظنه نهاية قد يكون مجرد بداية لرحلة أعماقنا المظلمة التي لم نكن نجرؤ على مواجهتها.”
“أمجد” بعد اكتشافه الكتاب والرموز، بدأ يشعر أن الكهف الذي دخل فيه سابقًا لم يكن مجرد مكان، بل كان متاهة عقلية وزمنية تقوده إلى شيء أكبر، أمضى لياليه يحاول فك الرسومات والنقوش، لكن كلما فكّر أنه اقترب من الإجابة، تزداد الأمور غموضًا.
في إحدى الليالي، وبينما كان يتأمل في اللوحة، لاحظ ظلًا يمر بسرعة عبر النافذة توجه بحذر نحوها، لكنه لم يجد أحدًا، فجأة، شعر ببرودة مفاجئة في الغرفة، وصوت أشبه بهمس يقول:
“إن كنت تبحث عن آدم، عليك أن ترى ما لا يُرى.”
“أمجد” تراجع بخطوات مرتعشة هذه الرسالة كانت تحمل دلالة غريبة، وكأنها توجيه خفي قرر العودة إلى الكهف، ولكن هذه المرة أحضر معه مرآة قديمة وجدها بين أغراض “آدم” .
في الكهف، عندما عكس المرآة على الجدران المزينة بالرموز، بدأت الرموز تتحرك وتتحول، لتشكل خريطة غامضة تقوده إلى مكان آخر في أعماق الكهف تقدم بحذر عبر الممرات الضيقة، متبعًا المسار المرسوم.
وصل إلى غرفة واسعة مليئة برائحة الرطوبة والغموض في وسط الغرفة، وجد مذبحآ حجريًا وعليه وعاء يحتوي على سائل لامع يشبه الزئبق بجانب الوعاء، كان هناك نقش محفور يقول:
“الشجاعة تفتح العيون، لكن الحقيقة تغلق القلوب.”
“أمجد” رغم خوفه، غمس إصبعه في السائل لحظة ملامسته، انفتح أمامه مشهد غريب كان يرى “آدم” مُحاصر في مكان يشبه الفراغ، حوله أعمدة من الضوء تتحرك بشكل دائري، بدا “آدم” كأنه يحاول التحدث، لكن صوته لم يصل.
ثم ظهر كيان مظلم خلف “آدم”، له شكل بشري ولكن وجهه مشوه وغير واضح همس الكيان بصوت يشبه الرياح:
“أنت قريب، ولكن كل خطوة تأخذها لها ثمن، هل ستخاطر؟”
عاد “أمجد” إلى وعيه بسرعة، لكنه وجد نفسه ليس في الكهف، بل في غابة غريبة كل الأشجار كانت مقلوبة جذورها للأعلى وأوراقها تلمع بضوء أرجواني في منتصف الغابة، كانت هناك بحيرة عاكسة مثل المرآة، لكنها لم تعكس “أمجد” نفسه، بل عكست وجه “آدم” الذي كان يصرخ: “لا تثق بأي شيء تراه!”
هنا أدرك “أمجد” أن القصة أكبر من مجرد إنقاذ “آدم”، بل تتعلق بكشف سر مظلم قد يؤدي إلى هلاكهما معًا كل خطوة تقربه من الحقيقة، لكنها تزرع شكًا في قلبه هل “آدم” بالفعل يحتاج للإنقاذ
أم أن الأمر مجرد فخ لشيء أعظم؟
“أمجد” واقف أمام البحيرة الغريبة في الغابة المقلوبة، شعر بتيار داخلي من التوتر والخوف صوت “آدم” في الماء كان مستمرًا، لكنه بدأ يتغير تدريجيآ إلى نبرة مألوفة أخرى فجأة، أدرك أن الصوت الثاني صوته هو، لكن بنبرة يائسة وكأنها تأتي من نسخة منه في بعدٍ آخر.
البحيرة بدأت تهتز، وأصبح سطحها كالموج المضطرب ثم خرج منها انعكاس “آدم”، لكنه كان مختلفًا، وجهه شاحب، وعيناه تلمعان بلون أحمر قاتم، وصوته عميق وغريب وقال بصوت مشوب بالسخرية:
“أمجد، هل ظننت أن ما تبحث عنه هو آدم؟ الحقيقة ليست كما تبدو هل لديك الشجاعة لتواجه نفسك؟”
في تلك اللحظة، اختفى الكيان، وتحولت البحيرة إلى أرض صلبة على الأرض، وجد “أمجد” سلسلة من الرموز التي تشبه الخطوط المتداخلة، وكلما حاول قراءتها، شعر بصداع حاد ورؤى مفاجئة رأى نفسه يركض عبر ممرات الكهف، محاولًا الهروب من شيء يطارده، بينما كان يسمع صرخات “آدم” تتردد في الخلفية.
عندما استعاد وعيه، وجد بجانبه بوابة حجرية ضخمة تحمل نقوشًا معقدة لكنه لاحظ شيئًا مختلفًا هذه المرة نقوش البوابة تتغير كلما اقترب منها، وكأنها تتحدث إليه مباشرة أحد الرموز استقر وأصبح واضح، وكان عبارة عن عين مفتوحة يخرج منها شعاع شعور غريب اجتاحه كانت البوابة تطلب منه التضحية بشيء عزيز.
بدأ يسمع همسات في رأسه، كلمات متداخلة تقول:
“لتفتح البوابة، عليك أن تتخلى عن أعماقك… عن الحقيقة التي تؤمن بها.”
“أمجد” وقد أرهقته الصراعات النفسية والقرارات المصيرية، حاول تذكير نفسه بسبب وجوده هنا تردد للحظة، لكنه وضع يده على النقش الذي يحمل العين المفتوحة البوابة بدأت تفتح ببطء، ومعها زاد شعور داخلي بالخوف، وكأن شيئًا عظيمًا كان على وشك الحدوث.
خلف البوابة، كانت هناك قاعة هائلة مليئة بالمرايا، لكنها لم تعكس صورته كل مرآة كانت تعرض مشاهد من ذكريات “آدم” و”أمجد” بعضها مألوف وبعضها بدا وكأنه مستقبل لم يحدث بعد في إحدى المرايا، رأى “أمجد” نفسه وحيدًا في عالم مظلم، يواجه نسخة منه تبدو أكثر قسوة وبرودًا.
نسخته في المرآة تحدثت قائلة:
“لإنقاذ آدم، يجب أن تخسر جزء من نفسك هل لديك ما يكفي من القوة لتواجه الظلام داخلك؟”
“أمجد” كان مشتتًا بين الشعور بالواجب تجاه “آدم” والخوف مما ينتظره لكن فجأة، بدأ يسمع خطوات تأتي من خلفه التفت ليجد “آدم” واقفًا، ولكن شيئًا ما لم يكن صحيحًا في ملامحه.
“أمجد”واقفًا أمام “آدم” الغريب الذي لم يكن يشبه شقيقه الحقيقي تمامًا، شعر بارتباك حاد ملامح “آدم” كانت مظلمة، لكن عينيه كانت وكأنهما يعكسان مشاهد لا نهائية، عوالم وأحداث تتكرر وتتشابك تكلم “آدم” بصوت مزدوج، أحدهما يشبه صوته الحقيقي والآخر كصوت كيان غريب يحاول السيطرة عليه:
“أمجد… لم يكن يجب أن تأتي، ليس هنا.”
ثم، وبحركة خاطفة، رفعت نسخة “آدم” يدها وأشارت إلى إحدى المرايا، حيث ظهر مشهد لـ “أمجد” في طفولته، في لحظة كان قد نسيها تمامًا كان المشهد يظهره وحيدًا، ممسكًا بشيء صغير ولامع أدرك “أمجد” فجأة أن هذا الشيء كان المفتاح الذي يبحث عنه الآن، لكنه كان مختلفًا، متصدعآ وكأنه تعرض لكسر من قبل.
“ما تراه هنا ليس مجرد ماضٍ بل هو سبب وجودك هنا، المفتاح كان دائمًا معك والآن عليك أن تختار استعادة آدم أو النجاة بنفسك.”
“أمجد” شعر بغصة في حلقه كل شيء حوله كان يدور، والهمسات في رأسه أصبحت أكثر صخبًا القاعة بدأت تتغير المرايا بدأت تتشقق واحدة تلو الأخرى، وكل شظية تسقط على الأرض تتحول إلى كائنات صغيرة تزحف نحوه.
حاول “أمجد” التراجع، لكن المرايا المتبقية بدأت تعرض مشاهد أخرى، مشاهد لا يستطيع تفسيرها رأى نفسه يمد يده إلى البوابة مرة أخرى، لكن هذه المرة كان يحمل سلاحًا لم يعرف كيف حصل عليه في مشهد آخر، رأى “آدم” يمسك بيده، لكن وجهه كان يحمل تعبيرًا غريبًا بين الألم والخيانة.
فجأة، اندفعت نسخة “آدم” نحوه، محاولًا الإمساك به “أمجد” بالكاد تمكن من الإفلات وركض نحو قلب القاعة، حيث وجد شيئًا لم يكن يتوقعه تمثال ضخم يشبه آدم، لكن ملامحه كانت مشوهة، وعيناه مغلقتان حول التمثال، كانت هناك نقوش غريبة ومضيئة تشبه الرموز التي رآها على البوابة.
في لحظة يأس، سمع “أمجد” صوتًا آخر، مختلفًا تمامًا، يأتي من داخل رأسه:
“ليس كل شيء كما يبدو، اختراق الظلام يتطلب التضحية، لكن التضحية الحقيقية هي في مواجهة ما تخشاه أكثر.”
نظر “أمجد” حوله الكائنات الزاحفة اقتربت، ونسخة “آدم” أصبحت أكثر عدائية، كان عليه اتخاذ قرار سريع:
أن يستخدم الرموز على التمثال لإعادة “آدم” لكنه قد يفقد شيئًا ثمينًا أما أن يحطم المرايا الباقية، ويخاطر بإطلاق قوة لا يستطيع السيطرة عليها.
كانت القاعة تتردد فيها همسات متداخلة، والأصوات التي تُردد كلمات غير مفهومة كانت تجعل “أمجد” في حالة من الذهول التام الكائنات الصغيرة كانت تقترب منه بخطوات زاحفة، المرايا المتشققّة كانت تومض بشكل متسارع، مشهد تلو الآخر يظهر أمامه كأنما الزمن والمكان لا يكترثان بما يحدث كان قلبه ينبض بسرعة، وعقله مشوشًا بين الخيارات التي لا حصر لها.
وجد نفسه يقف أمام التمثال الضخم الذي يشبه “آدم”، لكن ملامحه كانت مشوهة بشكل غريب كان يلمح الضوء الخافت الذي ينبعث من النقوش المضيئة على جسم التمثال، وكانت عيناه المغمضتين تثيران في قلبه شعورًا بالخوف والدهشة معًا قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ “آدم” أو الهروب من هذا الكابوس.
لكنه شعر بشيء آخر أيضًا كأنما هناك قوة غير مرئية تشده إلى هذه اللحظة، كما لو أن هذه الرموز ليست مجرد علامات عشوائية، بل كانت تحدد مصيره بشكل لا مفر منه.
اقترب “أمجد” من التمثال ببطء، يده تمتد نحو النقوش المضيئة، لكنه في تلك اللحظة سمع الصوت الغريب مرة أخرى، الصوت الذي جاء من أعماق رأسه:
“لا تلمسها… فهي ليست لك.”
كأن الصوت كان يحاول تحذيره، لكن “أمجد” لم يتراجع شعر بشجاعة مفاجئة، كما لو أن كل شيء في حياته كان يقوده إلى هذه اللحظة وضع يده على النقوش المضيئة، ولحظة تلامس إصبعه مع الرموز، اهتزت الأرض تحت قدميه.
كانت هناك قوة هائلة تشدّه للأمام، والأضواء الساطعة التي انبعثت من النقوش أضاءت القاعة بأكملها فجأة، بدأ التمثال يتحرك، عيونه المغمضة تفتحت، وبدا وكأنها تراقب “أمجد” بنظرة مليئة بالشكوك.
جاء الصوت، هذه المرة من التمثال نفسه:
“أمجد، هل أنت مستعد لدفع الثمن؟”
وقف “أمجد” عاجزًا عن الكلام لم يكن يعلم ماذا يعني دفع الثمن، لكنه كان يعرف أنه على وشك مواجهة أكبر اختبار في حياته.
بينما كان يُغمر بالأضواء الساطعة، شعر بأن شيء ما بدأ ينهار داخله كان هناك شيء عميق في نفسه يجب أن يُفقد لكي يفتح الطريق أمام ما يريده الصوت الذي كان يأتي من التمثال أصبح أكثر وضوحًا، وكأن الصوت نفسه أصبح جزء منه.
“السر الأكبر في هذه الرحلة ليس في العثور على آدم، بل في اكتشاف من أنت.”
كانت هذه الكلمات تتردد في ذهنه عينيه زاغت للحظة عن التمثال ليجد أمامه مرآة جديدة ظهرت في الزاوية، وعكس صورتها كان وجهه، لكن ليس كما هو كان وجهه عابسًا، مغطى بأسرار من الماضي، كما لو أن هذه النسخة من “أمجد” كانت ضائعة في زمان ومكان آخر.
فجأة، شعرت يده التي تلمس النقوش ببرودة شديدة كأنما جدران القاعة تتشقق حوله، وظهرت أمامه مشاهد من الماضي، ذكريات مشوشة وغير واضحة لحظات من طفولته، مشاهد له وهو يركض في الطرقات، وأخرى وهو وحيدًا في مكان مظلم، يصرخ دون أن يسمعه أحد.
تجمد في مكانه كان الصوت يزداد قوة وفي المرآة، رأى نفسه يتنقل عبر ممرات الكهف في الماضي، وتزداد صورته تشوهًا مع كل خطوة يخطوها أدرك فجأة أن الكائن الذي يحاول التلاعب به ليس “آدم” وإنما نسخة مظلمة منه، نسخة يائسة تحمل أثقال الماضي التي لا يستطيع الهروب منها.
تراجعت الكائنات الزاحفة، واختفت المرايا المتبقية في الأفق ولكن “أمجد” ظل واقفًا أمام التمثال، صوته الداخلي يزداد في شدته:
“هل ستكون قادرًا على دفع الثمن؟”
نظر إلى النقوش المضيئة التي بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا كان يعرف أن هذا هو الفارق بين إنقاذ “آدم” وتركه للمصير نفسه.
بخطوات ثقيلة، اقترب “أمجد” من التمثال، في ذهنه كانت الأفكار تتصارع إذا اختار إحياء “آدم”، هل سيفقد نفسه في العملية؟ إذا اختار النجاة بنفسه، هل سيظل اللوم يطارده إلى الأبد؟
وصلت يده إلى النقوش النهائية على التمثال فجأة، انفجرت الأضواء بكل قوتها، وعيناه المغمضتان للتمثال فتحت بشكل واسع في تلك اللحظة، شعر “أمجد” كأنما الزمن توقف حوله كانت هناك لحظة صمت مطبق، قبل أن تتناثر كل الحواف والأشكال حوله، ليجد نفسه في مكان لا يشبه أي شيء مر به من قبل.
وهنا، جاء الصوت الأخير، وهو مزيج من همسات وآهات مجهولة:
“أنت اخترت.”
لحظة اختفاء القاعة، وجد “أمجد” نفسه في مكانٍ آخر، غريب تمامًا لم تكن هناك أضواء، ولا مرايا، ولا أصوات غامضة كان في مكان مفتوح، الأرض تحت قدميه كانت رملية ناعمة، والسماء فوقه مظلمة كأنها تحتضن شيئًا كبيرًا، وحيدًا شعر بشيء غير طبيعي وكأن الزمن نفسه توقف أو تشوه حوله.
قبل أن يتمكن من استيعاب ما يحدث، بدأ مشهد غير متوقع يتشكل أمامه فلاش باك سريع، كانت ذاكرته تسترجع صورًا بعيدة عن الماضي، وتحديدًا لحظة كان فيها جالس في بيت والده، في تلك الزمان البعيد الذي لا يستطيع تحديده بدقة كان صغيرًا، والزمان كان مختلفًا.
كان يجلس على طاولة خشبية قديمة، والهواء كان مليئًا برائحة القهوة والكتاب، في الزمان الذي كان يشعر فيه بالأمان التام والده كان جالسًا أمامه، يبتسم له بابتسامة دافئة وهو يتحدث له عن أشياء كان يعتبرها حكايات عابرة.
كان والده يقول:
“أنت تعرف، القصص التي نقولها ليست مجرد كلام، كل قصة لها معنى… شيء ما وراء الكلمات.”
وهو يرفع فنجان القهوة ببطء، ثم يعود ليبصق دخان سيجارته في الهواء بهدوء.
كان “أمجد” في ذلك الوقت صغيرًا جدًا، ينظر إليه بفضول، وتغمره نظرات والدته من بعيد، تلك النظرات التي كانت تجمع بين الحنان والترقب كان يشعر أنه في عالمه الخاص، حيث لا شيء يستطيع إفساد هذه اللحظات الهادئة.
“كل قصة يا أمجد، مثل الخريطة كل كلمة تشبه سطرًا في الطريق أحيانًا تجدها مفهومة، وأحيانًا تتوه بين السطور ولكن في النهاية، نحن جميعًا نمشي في نفس الطريق، وكل شيء له غاية حتى الأشياء التي لا نرى معناها في البداية.”
تلك اللحظة كانت تعني له الكثير الآن، في تلك اللحظة التي تذكر فيها كلمات والده، بدأ “أمجد” يشعر بشيء غريب في نفسه كأن تلك القصص التي كانت مجرد خيالات وأحلام في طفولته كانت في الواقع إشارة إلى شيء عميق شيء كان مخفيًا عنه طوال هذه السنوات.
فجأة، توقف المشهد وتلاشى، ليظهر مشهد آخر في الذاكرة، لكنه كان أكثر حزنًا كان في تلك اللحظة في قبو المنزل، حيث كان يدرس، والكتاب الذي يحمله في يده الآن كان في ذلك الوقت نفسه بين يديه كان يبحث في صفحاته بشغف، في محاولة لفهم شيء ما كان يشعر أنه يهرب منه.
وفي تلك اللحظة، شعر “أمجد” بشيء يلمس قلبه بقوة كان يعرف أن والدته كانت قد أخبرته عن حادث مميت في الماضي، ولكن لم يكن لديه أبدًا فكرة عن ماهية الحقيقة وراء تلك الحكايات الغامضة.
بينما كان يفتش في صفحات الكتاب، ظهرت صورة أبيه في ذهنه، وكانت تبتسم له بشكل غريب، مع أن هناك شيئًا غير مريح في تعبيره.
“هل أنت مستعد لمواجهة الحقيقة يا أمجد؟”
كان الصوت يأتي من داخل ذهنه، مثل همسات ريح قديمة، مغطاة بحزن عميق.
عاد المشهد إلى الحاضر فجأة، حيث كان “أمجد” واقفًا في ذلك المكان المظلم الذي لا يشبه شيئًا من العالم الذي يعرفه الكلمات التي قالها والده عن القصص والخريطة بدأت تتجمع في ذهنه مثل خيوط متشابكة، وهو يحاول أن يربط بينها وبين ما مر به في الكهف.
لكن قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، شعر بشيء يتحرك خلفه كان الظل نفسه الذي رآه في بداية رحلته، يقترب منه تدريجيًا لكن هذه المرة، كان هناك شيء مختلف في هذا الظل كان يبدو أكثر وضوحًا، وكان هنالك شخص ما في داخله، شخص يعرفه.
إذ فجأة، ظهرت أمامه صورة غير واضحة، لكن سرعان ما وضحت، كانت صورة “آدم”، ولكن عينيه كانت فارغة، لا حياة فيها، كما لو أن كيانًا آخر كان يسيطر عليه.
“أمجد…”
همس الصوت الذي كان يخرج من “آدم” بشكل مقلق، بينما كانت الصور تتداخل وتتحرك حوله، ثم تابع حديثه .
“هل يمكنك أن ترى الآن؟ هل ترى من كان المسؤول؟”
كان “أمجد” يبتعد عن تلك الصورة، يحاول إبعاد نفسه عن الحقيقة التي بدأت تتكشف أمامه، لكن الصوت استمر، مثل صدى غير قابل للهروب.
“لا يمكنك الهروب الآن، أنت على وشك أن تكتشف كل شيء.”
—-
“أمجد” شعر فجأة بانقباض شديد في صدره، كان المكان من حوله يتلاشى، والصور تتداخل بشكل غير واضح كما لو أن العالم كله بدأ يذوب أصوات كثيرة، همسات، وأشياء غير ملموسة تحيط به، ولكن لا شيء كان حقيقيًا بدأت الأرض تهتز تحت قدميه، وكأنما كان على حافة الهاوية.
في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب في داخله، شعور بالضياع كانت أفكار والده، وكلمات “آدم”، تتداخل في عقله بشكل عميق، وكأنها تربط بين الماضي والحاضر لكن فجأة، عاد الصوت الذي رافقه طوال رحلته، صوت مظلم قادم من أعماق مكانه المظلم.
“أمجد… كل هذا ليس حقيقي، ما تعيشه الآن هو مجرد وهم، وهم لم تعرفه من قبل.”
لم يستطع “أمجد” الهروب من تلك الحقيقة المرة كان عالقآ في شبكة معقدة من الأوهام والذكريات المزعجة شعر وكأنه يبتلع شيئًا مظلمًا يأخذه بعيدًا عن الواقع.
ثم، وبشكل مفاجئ، اختفى كل شيء من حوله، وحين فتح عينيه مرة أخرى، وجد نفسه في مكان مختلف تمامًا كان جالسًا أمام المكتب في غرفته، والدفاتر القديمة التي تركها “آدم” أمامه بدأ يشعر كأنما نُقل إلى هنا فجأة، وكأن كل شيء كان مجرد حلم متشابك.
الدفاتر كانت مفتوحة أمامه، وتبدو صفحاتها مليئة بالرموز والرسوم التي كان قد رآها في الكهف كان يراها الآن بطريقة مختلفة أصبح متأكدًا من أن كل هذا كان جزءًا من وهم لم يكن يدركه أدرك أنه كان يعيش في عالم غير حقيقي، غارقًا في ذكريات الماضي، بينما كان الواقع يهرب منه.
“أمجد” هز رأسه، وحاول أن يفيق من هذا الارتباك كانت الأفكار تتداخل في ذهنه بسرعة، وكأن عقله يرفض تصديق ما يحدث توقف لحظة، وأمسك بأحد الدفاتر التي كانت مفتوحة أمامه، وببطء بدأ يقرأ بعض الكلمات التي كان قد مر عليها من قبل الكلمات بدت مألوفة، لكن في الوقت ذاته كانت تحمل معنى غريبًا كأنها تحكي قصة لم يكن يعرفها، قصة لم يكن يظن أنه جزء منها.
همس “أمجد” لنفسه، وهو يمرر يده على صفحات الدفتر: “آدم…”
فجأة، قرر أنه بحاجة إلى معرفة الحقيقة كاملة ترك المكان بسرعة وتوجه إلى منزل والدته، عازمآ على الحصول على إجابة حول أخيه “آدم” كان قلبه ينبض بسرعة، وهو يمر عبر الأزقة التي كانت تبدو غير مألوفة كما في السابق.
عندما وصل إلى منزل والدته، دخل بسرعة ليجدها جالسة في المطبخ، عابسة الوجه ولكنها كانت هادئة كما كانت دائمًا نظر إليها “أمجد” بصمت، وهو يحاول جمع أفكاره.
بدأ “أمجد” بصوت خافت، وكأن الكلمات عجزت عن الخروج منه بسهولة.
“أمي… أريد أن أعرف الحقيقة عن آدم”
والدته رفعت رأسها، وعيناها مليئة بالحزن العميق ترددت للحظة قبل أن تبتسم ابتسامة حزينة، ثم قالت:
“أخوك مات منذ خمسة أعوام، لماذا تسأل الان يا أمجد ؟؟؟”
توقف “أمجد” في مكانه، وكأن الزمن توقف لحظة واحدة لم يكن يستطيع تصديق ما سمعه كان يظن أنه كان يعيشه في عالم آخر، يركض خلف سرٍ كان قد فقده منذ زمن بعيد، خمسة أعوام؟ كان يعتقد أن “آدم” ما زال حيآ، أن هناك حلقة مفقودة في هذه القصة، لكنه كان مخطئآ.
“كيف؟ كيف مات؟”
كان الصوت الذي خرج من “أمجد” خافتًا، وعينيه ملؤها الذهول.
والدته وضعت يديها على وجهها، كأنها تذكر اللحظة التي كان فيها الجميع في حادث مروع:
“كان حادث، الكل كان سليم إلا آدم كان في السيارة معنا، ولكنه توفي في المستشفى حاولنا جاهدين أن نخلصه، لكن… كان القدر أقوى.”
“أمجد” شعر بشعور غير قابل للوصف، كان عقله يواجه الحقيقة الصادمة، الحقيقة التي كانت بعيدة عن كل ما كان يظنه كان يقف أمام والدته، يحاول أن يستوعب ما سمعه، ولكن كل شيء من حوله كان يغرق في الظلام.
قال “أمجد” بصوت منخفض :
“لكن كيف؟ كيف كنت تعيشين في هذا الوهم معي؟”
أمه نظرت إليه بحزن وقالت:
“كلنا كنا نعيش في الوهم، يا أمجد كانت ذكرياتنا عن آدم جزء من الألم الذي لا نستطيع أن ننساه ولكنك كنت غارقآ في هذا الوهم أكثر من أي أحد آخر والآن، يجب أن تواجه الحقيقة.”
“أمجد” كان في حالة من الصدمة، غير قادر على تقبل ما قالته والدته كانت الصورة التي رسمها عن “آدم” تتلاشى أمام عينيه، وكان يشعر بشيء غريب في قلبه، شيء كسر كل حواجزه النفسية يبدو أن الرحلة التي بدأها منذ البداية كانت رحلة للبحث عن شيء فقده منذ فترة طويلة الحقيقة ولكن الحقيقة الآن أصبحت عبئًا ثقيلًا.
ابتعد “أمجد” عن والدته، متجهًا إلى الخارج، وأخذ نفسآ عميقآ في محاولة لالتقاط نفسه في ذهنه كان يتردد سؤال واحد هل كان ما عاشه بالفعل وهمآ، أم أن الحقيقة كانت أعظم من أن يحتملها؟
بعد اللقاء مع والدته، كان “أمجد” في حالة من الصدمة العميقة، الكلمات التي قالها له والدته كانت تدور في رأسه مثل دوامة لا تنتهي، وكان كل شيء حوله يتلاشى في ضباب كثيف “آدم” مات منذ خمس سنوات؟ كانت تلك الحقيقة صادمة، ومرت ببطء في عقله كضوء خافت في الظلام، لكن الحقيقة لم تكن تكتمل بعد كان هناك شيء أكبر في اللعبة، شيء لم يكن قادرآ على فهمه بالكامل.
—–
مع مرور الأيام، قرر “أمجد” العودة إلى الدكتورة “سلمى” لم يكن يعرف لماذا، لكنه شعر بأن هناك شيئًا في حديثه مع والدته لم يكن كافيآ ربما كانت “سلمى” هي المفتاح لفهم ما يحدث في رأسه ربما كانت قادرة على مساعدته في فك كل هذه الحيرة التي تجتاحه.
عندما وصل إلى عيادتها، شعر بارتباك شديد كانت الهدوء الذي يحيط بالمكان يشعرك وكأنك في فقاعة معزولة عن العالم دخل “أمجد” وأغلق الباب خلفه برفق وعندما رفع عينيه، وجد “سلمى” جالسة وراء مكتبها، عابسة قليلاً لكنها كانت تبدو مريحة كعادتها. ابتسمت عند رؤيته وقالت:
“أمجد، أنت هنا أخيرًا، هل هناك شيء يزعجك؟”
لكن “أمجد” كان في حالة من الارتباك، وتوجه إليها بسؤال كان يدور في ذهنه منذ وقت طويل:
“كيف عرفتي أنني أمجد، وليس آدم؟”
“سلمى” نظرت إليه في صمت للحظة، ثم ابتسمت بلطف وأجابت:
“أنت تختلف عن آدم، عندما كنت تأتي إليَّ كآدم، كنت دائمًا ترتدي سترة سوداء، وكنت تظهر أكثر هدوءً وغموضآ كنت تحاول إخفاء شيء في أعماقك، شيء لم أستطع أن أتجاهله أما الآن، فأنت تظهر بمظهر مختلف تمامآ، هناك توتر في عينيك، شيء حزين، لا يمكنك إخفاءه.”
“أمجد” تراجع إلى الوراء قليلاً كان يشعر بشيء غريب في قلبه كانت كلمات “سلمى” تكشف عن شيء كان يهرب منه طوال الوقت، وكأنها كانت تعرفه أفضل من نفسه.
سأل “أمجد” وهو يحاول استيعاب ما يحدث:
“لكن… كيف؟ كيف كنتِ تعرفين ذلك؟”
أجابته “سلمى” بصوت هادئ، محاولًا تهدئته:
“كنت ألاحظ تصرفاتك في كل زيارة، يا أمجد كان هناك فرق واضح بينك وبين آدم كنت تحمل شيء في داخلك، شيء ثقيل جدًا، وعندما كنت تتحدث كآدم، كان وجهك يبدو مختلفًا، وكان صوتك يتغير الأمر كان مثل محاولة إخفاء الألم داخل شخصية أخرى لقد كانت محاولة منك للهروب من الحقيقة.”
فجأة، شعر “أمجد” بشيء غريب كما لو أن “آدم” أصبح جزءًا من شخصيته ربما كان الهروب إلى شخصية “آدم” هو طريقة ليخفي بها الجرح الذي لا يستطيع تحمله.
سأل “أمجد” بصوت منخفض، وكأنه يواجه نفسه لأول مرة:
“أنت تقولين إنني كنت أنا من يعاني بالوهم ؟”
“سلمى” نظرت إليه بحذر، ثم قالت:
“في البداية، كان هذا ما اعتقدته لكن مع مرور الوقت، بدأت أرى أن هذه لم تكن مجرد محاولة للهرب كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن لأمجد أن يتعامل بها مع فقدان أخيه كان ألمك عميقًا جدًا، حتى أن عقلك بدأ في خلق واقع موازٍ لتجنب المواجهة مع الحقيقة كنت تقابلني بشخصية آدم لكي لا تضطر لمواجهة الفقدان.”
“أمجد” شعر بشيء غريب في قلبه كان كل شيء يتضح أمامه، لكنه لم يكن مستعدًا لهذه الإجابة كان عقله يرفض تصديق ما سمعه هل كان هذا هو السبب في كل شيء؟ هل كانت حقيقة فقدان “آدم” هي السبب في انهياره العقلي؟ شعور بالذنب، بالفراغ، وبالخوف من فقدان شيء آخر، كان يطارده باستمرار.
سأل “أمجد” بنبرة شبه يائسة:
“هل تعني أنني كنت في وهم كل هذا الوقت؟”
“سلمى” تنهدت وأومأت برأسها:
“نعم، أمجد، الألم الذي مررت به كان هائلًا، وقد أثر على عقلك بشكل عميق لم تكن قادراً على مواجهة الحقيقة في البداية، لذلك خلق عقلك شخصية آدم ليحميك ولكن الآن، يجب أن تبدأ في التعامل مع الواقع لا يمكنك العيش في وهم إلى الأبد.”
“أمجد” جلس على الكرسي المقابل للطاولة، كأنما يمر في حالة من الصدمة العميقة كان يحاول فهم ما قالته له “سلمى” ولكن الحقيقة كانت ثقيلة جدًا على قلبه لماذا لم يشعر بكل هذا الألم من قبل؟ لماذا الآن فقط بدأت تتضح له الأمور؟
ثم قال بصوت منخفض:
“لكن كيف يمكنني الآن أن أواجه الحقيقة؟ كيف يمكنني أن أعيش مع فقدان آدم؟”
“سلمى” نظرت إليه بحنان، ثم أجابته:
“لا أحد يمكنه أن يواجه الفقدان بسهولة ولكن إذا لم تبدأ في تقبل الحقيقة، فلن تتمكن من المضي قدمآ في حياتك، الألم لن يختفي، ولكنه سيكون أخف عندما تتعلم أن تعيش معه بدلاً من الهروب منه.”
“أمجد” هز رأسه ببطء، وهو يحاول استيعاب كل ما قالته “سلمى” كانت تلك اللحظة فارقة في حياته كانت اللحظة التي يجب عليه فيها مواجهة نفسه، ويبدأ في الشفاء من الألم الذي حمله طيلة هذه السنوات.
ولكن قبل أن يغادر، وقبل أن يستطيع فهم مشاعره بالكامل، قالت “سلمى” شيئًا آخر:
“أمجد، هناك شيء آخر يجب أن تعرفه هذه الشخصيات التي كانت تدور في رأسك، والذكريات المشوشة، كانت ليست فقط رد فعل على فقدانك لآدم بل كانت أيضًا محاولة للعقل لتحميك من الانهيار الكامل، عليك أن تدرك أن عقل الإنسان ليس دائمًا منطقيًا عندما يواجه الفقدان، وأنت كنت ضحية ذلك.”
بعد حديثه مع الدكتورة “سلمى” ترك “أمجد” العيادة وهو في حالة من الارتباك الشديد كانت الكلمات التي قالتها له تتردد في رأسه، تتزاحم، تنقض على عقله الواهن، الفصام؟ هل كان هذا ما يعانيه؟ كيف لم يدرك هذا من قبل؟ كان يشعر وكأن الأرض تتفجر تحت قدميه، لكنه في الوقت نفسه، بدأ يلمس خيطآ من الحقيقة التي كان يهرب منها طوال سنوات.
في الأيام التالية، كان “أمجد” يحاول التعامل مع مشاعر متضاربة في إحدى الليالي، بينما كان يقلب دفاتر “آدم” مجددًا، كانت هناك لحظة فجائية عندما شعر بشيء غير طبيعي كانت عيناه تلتقط تفاصيل لم يكن يلاحظها من قبل رسومات “آدم” نفسها، تبدو أكثر إشراقًا، أكثر حيوية وكل كلمة مكتوبة في هذه الدفاتر أصبحت وكأنها حديث له، كأن “آدم” ما زال هناك بجانبه. كان هناك شيء مألوف في هذه الرسومات، شيء يذكره بعلاقته مع “آدم” منذ الصغر.
كان يتذكر كيف كان “آدم” يمثل له ملاذًا من كل شيء كان الوحيد الذي يشعر معه بالأمان، وكان هو من يساعده في تخطي اللحظات الصعبة ولكن حين توفي “آدم”، ترك فراغآ هائلًا في حياته كان “أمجد” بحاجة إلى هذا الرفيق، هذا الداعم، ولم يعرف كيف يواجه الحياة دون وجوده هنا بدأ يدرك، تدريجيًا، أن هذه المشاعر التي كان يخفيها عن نفسه لم تكن مجرد حزنه على فقدانه، بل كانت الطريقة التي خلق بها عقله شخصية “آدم” ليكون لديه من يسانده.
في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب، شعور كأنه يراقب نفسه من الخارج نظر إلى نفسه في المرآة، لكن عينيه كانت تختلف عن ما كان يعرفه كانت هناك مسافة، كأن هذه ليست عيناه، كأن هناك شخص آخر في مكانه. في تلك اللحظة، أدرك أن الفصام لم يكن مجرد فكرة، بل كان جزءًا من واقع مرير تلك الشخصية التي كانت تمثل “آدم” كانت مجرد خيال، ولكنه أصبح جزءًا من عالمه الداخلي.
قرر “أمجد” العودة إلى الدكتورة “سلمى” في اليوم التالي ليكمل حديثه معها لكن هناك شيئًا آخر كان في ذهنه أثناء تواجده في العيادة، يومآ ما سمعها تخاطب شخصًا آخر عبر الهاتف، وكانت كلماتها التي كانت تصل إلى أذنه، مفاجئة للغاية.
قالت “سلمى” :
“نعم، هذا هو الوضع الآن أمجد يمر بتطورات غير طبيعية أنا متأكدة من أنه لا يعرف الحقيقة بعد علينا أن نساير مجريات المرض دون أن نفصح عن التشخيص له، يجب أن ندع الأمور تتطور بشكل طبيعي.”
وقف “أمجد” في مكانه، قلبه يتسارع ضرباته كان يشعر بشيء ثقيل في صدره:
تساءل في نفسه :
“ماذا يعني هذا؟ هل كانت أمي تعلم؟ هل تحدثت مع سلمى عني دون أن أخبرها؟”
وبعد لحظة من الارتباك، قرر “أمجد” مواجهة الدكتورة “سلمى” عندما دخل إلى مكتبها، كانت تبدو أكثر جدية، وعيونها تحمل شيئًا من التردد جلس أمامها، وقال بصوت ثابت:
“دكتورة سلمى، لماذا كنتِ تخفي عني الحقيقه؟وسمعتكِ تقولي أن يجب أن أتقبل مرضي بدون أن أعرف الحقيقة ماذا تقصدين بذلك؟”
“سلمى” تراجعت قليلاً، وتجنبته بعينيها لفترة قبل أن تجيبه: “أمجد، عليك أن تفهم أن ما تمر به ليس أمرًا سهلاً، والدتك تحدثت معي كثيرًا، وأخبرتني عن معاناتك بعد فقدان آدم كانت تخشى أن تصدمك الحقيقة في وقت مبكر جدًا، ولذلك قررنا معًا أن نسمح لك أن تكتشف الأمور بنفسك.”
“أمجد” شعر بجانب قلبه كأن طعنة حادة أصابته لماذا لم يُخبروه من قبل؟ لماذا كانت والدته تخفي عنه كل شيء؟ كان الفجوة بينه وبين والدته تتسع أكثر فأكثر هل كانت تحاول حمايته؟ أم أنها كانت تخشى أن يتعامل مع الحقيقة؟
قال بصوت غاضب:
“لماذا لم تخبروني؟ لماذا لم تعلموني بما يحدث لي؟”
“سلمى” تنهدت ببطء وقالت:
“كنت بحاجة إلى وقت، أنت في مرحلة متقدمة من حالة الفصام، تسمعي انفصام الشخصية البارانويدي وما تحتاجه الآن هو المساعدة في التقبل التدريجي لما حدث عليك أن تبدأ في إعادة بناء عالمك الداخلي لا يمكنك الهروب للأبد في شخصية آدم.”
“أمجد” جلس في مقعده، يشعر وكأن الأرض ابتلعت كل شيء حوله كان في حالة صراع داخلي بين الذكريات التي كانت تطارده وحقائق جديدة بدأت تظهر أمامه:
تساءل في نفسه :
“لماذا الآن؟ لماذا بدأ كل شيء يظهر فجأة؟”
كان هناك شيء غير مريح في هذه الحقيقة كانت والدته تعرف، لكن كانت تحاول حمايته بطريقة غير مباشرة كل هذا الزمن كان يعيشه في وهم، وكل شيء حوله كان مجرد مرايا كاذبة.
ولكن بينما كان يجلس، أدرك أنه لا يستطيع العيش في هذا الوهم إلى الأبد كان عليه أن يتقبل الحقيقة، أن يواجه ألمه وأن يوقف هذا الانهيار لم يكن يعلم كيف، لكنه بدأ يعرف أن الطريق إلى الشفاء يبدأ في مواجهة نفسه.
في تلك اللحظة، قال لها بصوت أكثر هدوءًا، مع شعور بالضياع:
“أنا بحاجة للمساعدة، ولكن هذه المرة… أريد أن أفهم كل شيء. أريد أن أعرف من أنا، حقًا.”
تابع “أمجد” حديثه مع “سلمى”، لكن الذهول الذي كان يشعر به لم يتركه لحظة، كانت كل كلمة تخرج من فمها وكأنها تقطع خيطًا داخليًا كان يربطه بالعالم الذي كان يعتقد أنه يعرفه فقدان “آدم”
لم يكن مجرد حادث عابر بل كان جرحًا عميقًا في نفسه، شيء جعل عقله يبني له واقعًا بديلًا فجأة، شعر أن كل شيء كان وهمًا، وأنه يعيش في عالم من صنعه.
كانت “سلمى” تراقب تغير ملامحه، فبينما كان يظل ثابتًا في مكانه، كان يمر بلحظات من التوهان، يحاول تصفية ذهنه من كل الأفكار المربكة التي تتزاحم في رأسه.
بينما كانت “سلمى” تتحدث بهدوء، شعر “أمجد” بشيء غريب كانت الحجرة ضيقة، ولكن الهواء بدأ يثقل بشكل غير طبيعي بدأ يشعر بشيء يضغط عليه، وكأن الجدران تقترب منه شيئًا فشيئًا حتى أن الضوء في الغرفة أصبح شاحبًا فجأة، اقتربت ساعة الحائط من الخامسة، ثم دقت فجأة بشدة، الأمر الذي جعل “أمجد” يقفز من مكانه ارتبك، وقال بصوت متقطع: “ما هذا؟”
نظرت “سلمى” إليه بتعجب، وقالت:
“إنه مجرد صوت الساعة، أمجد، لا داعي للقلق.”
لكن “أمجد” لم يستطع أن يهدأ كانت الساعة نفسها، ذلك الصوت، كان يزعجه بطريقة غير مفهومة ثم، دون أن يعرف كيف، شعر بشيء يتحرك خلفه التفت بسرعة، فوجد الظلام يعُم أركان الغرفة، كل شيء أصبح مظلمًا بشكل غريب، وكأن المكان اختفى فجأة كانت النوافذ مغلقة، لا يوجد أي مصدر للضوء سوى اللمبات الخافتة فوق رأسه.
جاء الصوت مجددًا، هذه المرة كان صوتًا منخفضًا، ملامح “آدم” تتشكل في الظلام حاول “أمجد” أن يركز على الصوت، لكن الكلمات كانت تتداخل، والهمسات كانت تزداد وضوحًا:
“أمجد،هل ستتوقف عن البحث عني؟”
كان قلبه ينبض بشدة، وأصبح جسده يتسارع، يشعر بالخوف يتسلل إلى كل جزء منه حاول الوقوف، لكنه شعر وكأن الأرض تبتلع قدميه تحركت الظلال حوله، وكأنها تتشكل لتأخذ أشكالًا مريبة، كأيدي طويلة، محاولة للامساك به كان الصوت يزداد قوة:
“لن تتمكن من الهروب، أمجد.”
ركض “أمجد” في محاولة يائسة للخروج من هذا المشهد الغريب، شعر وكأن عقله قد انهار بالكامل، وبدأت الهمسات تتداخل مع أفكار غير واضحة لم يكن يعرف إذا كان يركض في الواقع أم أنه في حلم، لكن فجأة سمع صوتًا بعيدًا يصرخ باسمه:
“أمجد، اترك هذا المكان”
أسرع بالركض نحو الباب، لكن مع كل خطوة كان الظلام يزداد كثافة فجأة، اصطدم بشيء صلب، فتراجع للخلف بسرعة وعندما نظر أمامه، رأى صورة “آدم”، ولكن ليس كما يتذكره كان “آدم” يقف أمامه، لكن وجهه كان مظلمًا، وعيناه لا تعكسان أي شيء سوى الفراغ كان “آدم” في تلك اللحظة أشبه بشبح.
قال له بصوت مخيف:
“أنت لا تعرف من أنا بعد، أمجد، أنا لست مجرد أخيك.”
تجمد “أمجد” في مكانه، وبدأ عقله يعجز عن تفسير ما يحدث في تلك اللحظة، انتبه إلى شيء على الجدار خلف “آدم” كان نقشًا غريبًا، بدأ يلمع ضوءًا خافتًا، وكأن هناك سرًا مخفيًا خلفه لكن قبل أن يتمكن من التحرك، شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره، وكأن قلبه قد توقف عن النبض.
“سلمى” التي كانت تراقب من زاوية الغرفة، تنهدت وقالت بصوت هادئ، كما لو كانت تعرف ما سيحدث:
“لا تندم على ما تكتشفه، الحقيقة أكثر تعقيدًا مما تتصور”
في تلك اللحظة، بدأ كل شيء يتداخل، كانت الجدران تتناثر حوله، وكانه يضيع في مكانٍ لا يعترف به ولكن صورة “آدم” كانت تلاحقه، تتغير وتتوسع، وكأنها تتنقل عبر الزمن.
قبل أن يستطيع “أمجد” أن يفهم ما يحدث، انفجر الضوء في الغرفة فجأة، وانتشر الظلام في كل مكان.
عندما انفجر الضوء في الغرفة، شعر “أمجد” وكأن كل شيء توقف فجأة تلاشى الظلام، وعاد المكان إلى طبيعته، لكن عينيه كانت مشوشة، وكأن الواقع نفسه أصبح ضبابيًا كان لا يزال يقف في نفس المكان الذي كان فيه قبل اللحظة الأخيرة، لكنه شعر بشيء مختلف بداخله كان عقلُه يمر بلحظات غريبة من التوهان، وكانت الأصوات تتداخل في رأسه.
وبينما كان يحاول أن يعيد ترتيب أفكاره، شعر بشيء غريب يسيطر عليه فجأة، اقتربت منه “سلمى” وقالت بصوت هادئ، لكنها مفعمة بالقلق:
“أمجد، هل أنت بخير؟”
لكن ردَّ فعل “أمجد” لم يكن طبيعيًا بدأ صوته يتغير، وكانت نبراته أكثر غموضًا، وكأن شيئًا قد تسلل إلى عقله ابتسم ابتسامة غير مألوفة وقال:
“أنتِ تتساءلين عني، لكنكِ لن تفهمين شيئًا”
“سلمى” تجمدت في مكانها، لم تستطع أن تخفي اندهاشها كانت تعلم أن “أمجد” كان يمر بأزمة نفسية، لكن هذا التصرف كان غريبًا: “أمجد، ماذا تعني؟”
لكن الرد كان غير متوقع. قال “أمجد” بصوت يملأه الغموض:
“أنا لست هو، لكنني جزء منه أنا الذي كنت في كل تلك الذاكرات كلما اقتربت من الحقيقة، كلما ازداد تعقيدها أنتِ تحاولين إنقاذ شخص لا يحتاج للإنقاذ بينما الحقيقة هي أننا جميعآ محاصرون هنا.”
“سلمى” لم تستطع إلا أن تراقب بصمت، كانت تعلم أن هذه الكلمات ليست هي كلمات “أمجد” كان يبدو كأن شخصية أخرى قد تلبسته، وكأن شخصية “آدم” قد عادت لتظهر كانت “سلمى” قد اختبرت حالات مشابهة من قبل، لكنها لم تكن أبداً بهذا الشكل المريب.
قال “آدم” بسخريه:
“هل تعتقدين حقًا أنك تستطيعين مساعدتي؟ لقد تخليت عني منذ البداية الآن، دعيني أريك ما فعلته بنفسك.”
ابتسم “آدم” بحزن، ثم أضاف:
“أنتِ لا تعرفين الحقيقة كاملة، سلمى كل ما تفعليه هنا هو أنك تسعين لإخفاء الحقيقة التي قد تدمرك، والتي ستدمره أيضًا.”
صمتت “سلمى” قليلاً، ثم اقتربت منه ببطء، وقالت:
“أمجد، إذا كنت تستمع إليّ، فاعلم أن هذا ليس أنت، إنك فقط في مرحلة صعبة جدًا من مرضك، والفصام هو ما يحركك إذا كنت تستمع لي، سأساعدك.”
لكن الرد كان أسرع من المتوقع قال “آدم” :
“لم أعد بحاجة إلى مساعدتك أما بالنسبة لـ أمجد… فقد أفسد كل شيء.”
هنا، بدأ “أمجد” أو “آدم” يبتسم بطريقة غريبة، كأنما يهمس في نفسه:
“هل تعتقدين أنني لا أستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو وهم؟ كل شيء هنا مجرد زيف… حتى أنا نفسي.”
في تلك اللحظة، بدأت “سلمى” تشعر بشيء غير مريح في قلبها تراجعت خطوة إلى الوراء، بينما استمر “آدم” في حديثه الغريب، مستعرضًا في أفكار غير مترابطة، لكن ظلال الحزن والألم كانت تظهر في كلماته.
تساءلت “سلمى” في نفسها إن كان هذا حقًا هو “أمجد” أم أنه كان جزءًا من صراع داخلي بينه وبين الصورة التي كان يحاول الهروب منها صورة “آدم” الذي استحوذ على عقله بالكامل.
ثم قال “آدم”:
“لقد كنت دائمًا السبب في تدميري، الآن حان الوقت لندفع الثمن.”
في تلك اللحظة، أدركت “سلمى” أنها ليست مجرد ممرضة تتعامل مع مريض إنها كانت جزءًا من معركة أعمق بكثير من مجرد الخوف والتشخيصات هذا لم يكن مجرد وهم هذا كان شيئًا أكبر بكثير، شيئًا يهدد أن يبتلع كل من في حياته.
لكن في تلك اللحظة، تراجعت “سلمى” مرة أخرى، لتهتف بصوت منخفض ومتحفز:
“إذا كنتَ حقًا تريد مواجهة نفسك، فسيكون عليك أن تفعل ذلك الآن، لأنني لن أتمكن من مساعدتك إلا إذا كنت مستعدًا لمواجهة كل ما كنت تخفيه.”
في تلك اللحظة، كانت “سلمى” تقف أمام “أمجد” الذي كان يتحدث بصوت يحاكي “آدم” في كل كلمة، ولكنها كانت تشعر أن هذا ليس هو كان الصوت يحمل شيئًا مفعمًا بالظلام، وبالكاد كانت قادرة على تمييزه عن الشخص الذي كانت تعرفه.
قال “آدم”:
“أنتِ لا تفهمين، لا أحد يفهم لقد حاول الجميع مساعدته، لكن أمجد لن يتغير، لأنه لا يريد أن يتغير هو فقط خائف من مواجهة الحقيقة.”
“سلمى” تراجعت قليلاً، وكانت تشعر بشيء غير واضح يضغط على صدرها، كأنها محاصرة داخل دائرة من الظلال لم تكن تستطيع أن ترى ما كان يحدث حولها، كانت الظلال تضغط على جدران الغرفة، كأن المكان نفسه يتغير، لكن حديث “آدم” كان يملأ المكان.
قال “آدم” مرة أخرى:
“أنتِ تتساءلين من هو هذا الشخص الذي يتحدث إليك الآن لكنكِ في الواقع تعرفين الجواب. إنه أنا… والآن، حان وقت الحساب.”
لكن فجأة، بدأ الصوت يتغير، وظهر “أمجد” فجأة أمامها، لكنه لم يكن كما كانت تعرفه كان عينيه فارغتين، كأنهما تعكسان شيئًا مظلمًا شعرت “سلمى” بشيء يشبه الصدمة عندما بدأ “أمجد” يتحدث.
قال “أمجد” (بصوت يشبه صوت آدم):
“أنتِ لا تعرفين ماذا يحدث، أنتِ فقط تحاولين أن تسيطري على شيء لا يمكنك السيطرة عليه، كل شيء هنا… كل شيء أصبح غير حقيقي.”
هنا، بدأت “سلمى” تلاحظ التغيرات في أسلوب “أمجد” كان يتحدث وكأنه يتصارع مع نفسه في لحظة، كان يشبه “آدم”، وفي اللحظة التي تلتها، بدا كأنه “أمجد” نفسه، لكنه يطلق كلمات مليئة بالألم والتشوش.
قال “أمجد”، أو ربما كان “آدم”:
“أنتِ لا تدركين حقيقة ما يحدث داخل عقلي هذا ليس مجرد مرض نفسي هذا حرب بين جزء مني وبين كل شيء آخر بين الحقيقة والوهم.”
ثم ظهر مشهد آخر أمام “سلمى”، كان يشبه مواجهة بين “أمجد” و”آدم” كان “أمجد” يقف أمام صورة “آدم” ولكن الصورة كانت مشوهة، تشبه مزيجًا من الظلال والضوء كانت عيونه مليئة بالغضب، بينما كان آدم يقف غير متحرك.
“أمجد” قال بصوت غير ثابت:
“أنتَ لست أنتَ، أنتَ جزء من عقلي… أنتَ مجرد وهم… لماذا لا تستطيع أن تختفي؟”
لكن “آدم” رد بابتسامة غامضة، وقال:
“أنا لستُ وهمًا، أنا جزء منك هل تعرف لماذا لا تستطيع التخلص مني؟ لأنني هنا… في قلبك، في كل لحظة أنت من صنعني، والآن يجب عليك أن تدفع الثمن.”
“أمجد” شعر بانهيار داخلي، وكان الصوت يتداخل داخل رأسه. كانت الصراعات بينه وبين نفسه تتزايد، وكلما حاول الهروب، كلما عاد إلى “آدم” الذي كان يشبه شبحًا يطارده بلا رحمة.
“آدم” أضاف، بنبرة ساخرة:
“كنتَ دائمًا هاربًا من نفسك، ولكن الحقيقة أنني هنا لأنك لا تستطيع مواجهة الماضي أنا مجرد انعكاس لكل شيء حاولت أن تدفنه.”
ثم، في لحظة، تحول المشهد من الصراع الداخلي بين “أمجد” و”آدم” إلى شيء أكثر إرباكًا كانت “سلمى” تشعر وكأنها عالقة بين الواقع والوهم، بين “أمجد” الذي كان يظهر أمامها وبين “آدم” الذي كان يسيطر على كل شيء.
سلمى تمتمت بصوت منخفض: “أمجد… أرجوك.. هذا ليس أنت.”
بينما كانت “سلمى” واقفة هناك، في الغرفة الهادئة، كان الصوت يتداخل في أذنيها بشكل متسارع وغريب كانت الكلمات تخرج بشكل غير متناسق، وكان كل ما تسمعه هو الحديث بين “آدم” و”أمجد”، لكن لا شيء كان مرئيًا أمام عينيها كل شيء كان مغلفًا بالضباب، وكأنها عالقة بين عوالم مختلفة.
قال “آدم”، وهو يهمس بصوت منخفض:
“أمجد، كم مرة يجب أن أخبرك؟ لن تهرب مني أنا هنا، وأنت لا تستطيع التخلص مني.”
“أمجد” رد بصوت متوتر، كأن شيئًا ثقيلًا يضغط على صدره:
“أنت لست هنا هذا ليس حقيقيًا… أنت وهم، مجرد وهم في عقلي تخرج كل مرة لأنني لا أستطيع مواجهة الحقيقة.”
“سلمى” كانت تقف هناك، مندهشة وصامتة، لا تفهم ما يحدث تمامًا كانت الكلمات تصل إليها، لكنها لم تكن تستطيع رؤية شيء، فقط أصوات تتداخل بين “آدم” و”أمجد”، ولكنها كانت تشعر بشيء غريب يعكر الجو، وكأن الهواء نفسه أصبح ثقيلًا.
قال “آدم” بصوت ساخر:
“أنت تقول ذلك دائمًا، ولكنك تعرف في أعماقك أنني جزء منك كلما حاولت الابتعاد، كلما اقتربت مني أكثر لأنني لست مجرد شخص… أنا الحقيقة التي تخاف منها.”
ثم ظهر صوت “أمجد” مرة أخرى، لكنه كان مختلفًا تمامًا كان يشعر وكأن شخصًا آخر قد حل محل عقله، وعيناه كانتا مليئتين بالحيرة:
“أنت تكذب، هذا ليس صحيحًا، أنا… أنا لست بحاجة إلى مواجهة شيء! أنا فقط أريد أن أعيش بسلام.”
لكن الصوت الثاني، “آدم”، ظل يتداخل مع كلام “أمجد”، ويضيف:
“السلام ليس لك… لأنك لا تستطيع الهروب من نفسك، نحن هنا معًا، ولن تخرج من هذا الصراع.”
“سلمى” بدأت تشعر بشيء غريب، كأن الحديث بين الاثنين ينعكس داخل عقلها كانت الأصوات تتداخل بشكل يضغط على وعيها، لكنها لم تستطع أن ترى شيئًا كان كل شيء غامضًا، وكأنها كانت عمياء وسط هذه المعركة الداخلية بين “أمجد” و”آدم”.
قال “أمجد”، بصوت مرتجف:
“أريد فقط أن أتوقف عن سماعك أريد أن أكون وحدي… لماذا لا تتركيني؟”
لكن “آدم” رد بصوت أكثر عمقًا:
“لن تتركني، لأنني لست مجرد وهم.. أنا جزء منك، جزء من الماضي الذي لا تستطيع التخلي عنه.”
“سلمى” شعرت بشيء يتغير في الجو من حولها كان الصوت يزداد وضوحًا، لكن كلما حاولت أن تركز على مصدر الصوت، زادت الضبابية في عينيها كان عالمها يتمايل، كأنها غارقة في حلم، غير قادرة على التمييز بين الواقع والخيال.
في تلك اللحظة، “أمجد” قال شيئًا غير متوقع:
“لا أستطيع أن أعيش مع هذا الشعور… أنني أستمع لك طوال الوقت… أنت صوت في عقلي… لكن هل أنا أنت؟ أم أنك مجرد خيال في عقل تائه؟”
ثم تلاشى الصوت فجأة كانت “سلمى” في صمت ولا تعرف إذا كانت الكلمات التي سمعتها كانت جزءًا من الواقع أم أنها مجرد خيال كانت تشعر بأن المكان أصبح غير مستقر، وأن كل شيء حولها يتغير بسرعة.
فجأة، ظهر “أمجد” أمامها، ولكن ليس بالشكل الذي تعرفه كانت عيناه مشوشة، وعلامات التعب واضحة على وجهه كان في حالة من الهذيان، وكان يبدو وكأنه يخرج من عالم آخر.
قال “أمجد” بصوت ضعيف، لكن مليء باليأس:
“أنتِ لا تفهمين… كل شيء… كل شيء يتداخل مع عقلي أنا أقاتل نفسي، وأنتِ هنا، ترين كل هذا، لكن لا تستطيعين أن ترين الحقيقة هل أنا أمجد؟ أم أنا مجرد خيال؟”
لكن “سلمى” لم تتمكن من الرد كانت تشعر بشيء ثقيل في قلبها، وكأنها عالقة بين الواقع والخيال، بين “أمجد” و”آدم”، بين الحقيقة والوهم.
في اللحظة التي تلاشى فيها الصوت، وجد “أمجد” نفسه وحده في الغرفة، كما لو أن العالم كله قد اختفى من حوله كانت “سلمى” تقف أمامه، ملامحها مشوشة، وصمتها ثقيل، يضغط عليه أكثر من أي وقت مضى كان الهواء خانقًا، كأن شيئًا غير مرئي يتسلل إلى عقل “أمجد”، يستحوذ عليه ويجعله غير قادر على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مجرد صورة في ذهنه المريض.
كانت عيناه مليئة بالدموع، ولكنه لم يكن يبكي. كانت أفكاره تتناثر في كل مكان، تبحث عن إجابة واحدة، عن حل لكل هذا الجنون الذي يعيشه هل هو “أمجد” الذي يقف أمام “سلمى” أم أنه كان مجرد شبح لـ”آدم”، الذي لا يستطيع الفرار منه مهما حاول؟
لكن فجأة، وسط هذا الصمت الرهيب، ترددت في رأسه همسات جديدة، همسات غير مألوفة. كانت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. الصوت كان يأتي من مكان بعيد، لكنه واضح، وكأن شخصًا آخر كان يراقبه، ينتظره همس الصوت قائلًا:
“لا تظن أن الأمر انتهى، الحقيقة أبعد من ذلك ستكتشف قريبًا أن كل شيء كان مجرد بداية لما هو أسوأ.”
وقف “أمجد” في مكانه، لم يستطع تحريك قدمه كأن عقله كان في صراع مرير مع شيء غامض يتخيله، أو ربما كان هذا هو الواقع الذي يهرب منه.
ثم همست “سلمى”، في صوت هادئ ولكنه يحمل توترًا غير مرئي:
“أمجد… لقد جئت إلى هنا لأساعدك، لكنني لا أستطيع أن أكون جزءًا من هذه المعركة لا أستطيع أن أرى ما ترئ، ولا أن أسمع ما تسمع… أنت بحاجة إلى شيء أكثر مما أستطيع تقديمه.”
لم يرد “أمجد”، فقد كان ذهنه مشوشًا بالكامل لقد شعر بأن الكلمات التي قالتها “سلمى” كانت بمثابة بداية لأمرٍ أكثر تعقيدًا ربما كان يعرف، في أعماق قلبه، أن هناك شيئًا أكبر بكثير مما يدركه، شيء مفقود منذ أن رحل “آدم”.
بينما كانت “سلمى” تحاول أن تخرج من الغرفة، شعر “أمجد” بشيء غير مرئي يربطه بالماضي، بشيء يعيده إلى تلك اللحظات الضبابية التي كان فيها مع “آدم”، وعيناه مليئة بالأسئلة التي لا إجابات لها.
وفي تلك اللحظة، شعر بشيء غريب في داخله، شعور يزداد قوة مع كل لحظة تمر ربما كان بداية لفهم حقيقته، أو ربما كان مجرد بداية للغرق في هويته الضائعة.
كان في انتظار شيء لم يكن يعرفه بعد، لكن كان يشعر بوجوده في الهواء شيء مظلم، مريب، يترقب تحركه، يجهز نفسه للظهور في اللحظة التي يظن فيها “أمجد” أنه اقترب من الحقيقة.
والعالم حوله، كما بدأ، لم يكن سوى وهم.
ولكن في تلك اللحظة، ظهرت على الحافة البعيدة من عقله فكرة غريبة، لكنها كانت قوية بما يكفي لتمحو كل الظلام الذي يلفه فكرة عن شيء كان قد نسيه، أو ربما لم يعرفه أبدًا… ولكنه شعر أنه يجب أن يواجهه.
والحقيقة، التي ظن أنه يعرفها، كانت الآن أبعد من أن يصل إليها.
ومن هنا، يبدأ “أمجد” رحلته الجديدة، رحلة قد تكون نهايتها في ذات اللحظة التي يجد فيها ذاته، أو ربما ستكون البداية لنهاية لا يعرفها.

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الظل الذي يلاحقني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى