روايات

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الرابع 4 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل الرابع 4 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني البارت الرابع

رواية الظل الذي يلاحقني الجزء الرابع

الظل الذي يلاحقني
الظل الذي يلاحقني

رواية الظل الذي يلاحقني الحلقة الرابعة

الهمسات
“داخل كل إنسان عالَم كامل لم يُكتشف بعد، عالَم مليء بالحكايات التي لم تُروَ، والأحلام التي تاهت في زوايا الروح، والصراعات التي تُشكّل ملامح القلب دون أن ندرك نحن أحيانآ نسير في الحياة وكأننا غرباء عن أنفسنا، نطارد إجابات في الخارج بينما الحقيقة تسكن أعماقنا منذ البداية، إذا أردت أن تفهم ذاتك، لا تهرب من الفوضى التي تعيشها داخلك، بل اجلس معها، استمع لهمساتها، انظر في مرآة قلبك بصدق، وسترى أن النور الذي تبحث عنه خارجك كان دائمآ ينبض بداخلك.”
“آدم” يقف أمام الباب المغلق في عالمه المظلم، قلبه ينبض بسرعة وعينيه تبحثان في كل زاوية، كما لو كان يتوقع شيئآ ما ليظهر، المكان من حوله يتشوه تدريجيآ، كأن الوقت نفسه ينكسر
الأصوات تتداخل في أذنه، لكن هناك صوت واحد فقط يختلج
في ذهنه ويأخذ مكانآ بين كل تلك الهمسات، صوت “ليلى”.
“آدم” بهمس يردده في نفسه: “ليلى… هل أنتِ هنا؟”
يسير ببطء نحو الزوايا المظلمة، تحيط به الظلال كما لو كانت تحاول التسلل إلى عقله لكنه لا يستطيع التوقف، شيء ما في أعماقه يدفعه للأمام كل خطوة تقوده إلى مزيد من الغموض ولكن في اللحظة التي يضع فيها يده على حافة الجدار، يشعر بشيء غريب يعبر جسده، وكأن الذاكرة نفسها تتحطم.
“آدم” يتنفس بسرعة:
“أين أنا؟ هذا لا يبدو حقيقيآ، كل شيء، كل شيء في ذهني أصبح مشوشآ”
وفي اللحظة التي يتوجه فيها نحو الزاوية المظلمة للغرفة، يصرخ فجأة كما لو أن هناك شيءً ضخمآ يضغط على صدره، الوقت يبدو وكأنّه توقف وعينيه تومضان، ولكن اللحظة تتغير بسرعة.
الصوت يهمس في أذنه: “آدم…”
“آدم” يقف ثابتآ، قلبه يخفق بشدة، عينيه تحدقان في الفراغ بينما يتنفس بسرعة الصوت يعود من جديد، هذه المرة أكثر وضوحآ.
الصوت بنغمة حادة: “آدم…”
يتحول المكان فجأة يبدأ كل شيء في التلاشي، الجدران تختفي الظلال تتبدد، والضوء يعود تدريجيآ إلى المكان، يتحول العالم من حوله إلى بيئة هادئة، لكنها غير حقيقية كان الصوت يتردد في عقله، لكن فجأة، شعر بشيء يقطع الصمت.
“سلمى” بصوت هادئ: “آدم.. آدم .. هل تسمعني ؟”
في لحظة واحدة، يجد “آدم” نفسه في غرفة الدكتورة “سلمى” الجدران البيضاء، الكرسي المريح، والطاولة أمامه، كانت “سلمى” تجلس أمامه، عينيها مليئة بالقلق والترقب، عقله مشوش ولم يعد يعلم إن كان ما حدث قبل قليل حقيقة أم وهم.
“آدم” يتنفس بصعوبة، وكان وكأنه شريطآ من الذكريات بدأ يعود
إلى عقله بشكل مفاجئ “ليلى”، الممر الضيق، الظلال… وكل شيء كان يبدو وكأنه حقيقة لكنه الآن هنا، في هذا المكان الذي يعرفه.
“آدم” ينظر حوله بنظرة مشوشة:
“هل… هل كنت هناك؟ في تلك الغرفة المظلمة؟ ماذا حدث لي؟”
الدكتورة “سلمى” تراقب بتمعن، عينيها تخفيان الكثير من الأفكار هي تعرف أن هذا التحول في عقله ليس سوى جزء من المعركة الداخلية التي يخوضها.
“سلمى”بصوت هادئ:
“آدم، أنت كنت هنا في الغرفة، لكن ما مررت به كان تجربة ذهنية كنت تحاول فهم ما حدث لك، لكن الأمر قد يكون مرتبطآ بحالة نفسية… لم يكن هناك شيء فعلي في الغرفة.”
“آدم” يغلق عينيه ويضع يده على رأسه وكأن عقله لا يزال يرفض تصديق ما يحدث الأصوات التي سمعها، الظلال التي لاحقته، “ليلى” التي ظهرت ثم اختفت كل شيء أصبح يشبه كابوسآ مستمر.
“آدم” بصوت مكسور:
“لكن… لماذا شعرت بكل شيء؟ لماذا كنت أرى كل هذا؟ لماذا كل شيء كان حقيقيآ؟”
“سلمى” تأخذ نفسًا عميقًا قبل أن ترد:
“عقلك كان يخلق هذا، كل تلك المشاهد، الأصوات، والذكريات هي جزء من شعورك بالضياع ما مررت به ليس إلا نتيجة لفقدانك السيطرة على أفكارك ومشاعرك، ليلى لم تكن حاضرة في تلك الغرفة لم تكن هناك لكنك كنت تبحث عنها في عقلك.”
“آدم” يفتح عينيه ببطء، وكأن الحقيقة تبدأ في الوصول إليه “سلمى” كانت على حق “ليلى” لم تكن هناك، لكنه كان يظن أنها هي من يتبعها كان عقله يعيد تشكيل الماضي، ليخلق صورة جديدة عن الحاضر.
“آدم” بصوت متألم:
“كل شيء كان وهم… كل هذا كان مجرد هلاوس؟”
“سلمى” تنظر إليه بحذر، لكن في عينيها يمكنه أن يرى تعبيرآ مختلطآ من الأسف والشفقة لكن في لحظة، يصبح كل شيء واضحآ.
“سلمى” :
“نعم، كل شيء كان في عقلك فقط لكن الأمر لا يزال تحت سيطرتك نحن هنا لنعمل على فهم هذا ومعالجته.”
“آدم” يجلس على الكرسي، عينيه مغلقة، وكل شيء يبدأ في العودة إلى وضعه الطبيعي الصور التي كانت تحيط به تختفي تدريجي لكنه لا يستطيع الهروب من الشعور بأن الحقيقة تظل بعيدة عنه كأنها قاب قوسين أو أدنى.
فجأة، يسمع صوتآ ضعيفآ يأتي من عقله، كما لو كان الصوت الذي رافقه طوال القصة يعود ليهمس له، لكن هذه المرة، يعرف الحقيقة كان الصوت من عقله هو فقط، وكان كل شيء مجرد جزء من خياله.
“آدم” يجلس على الكرسي، عينيه مغلقة، وهو يحاول استيعاب ما قالته “سلمى” الكلمات تتردد في عقله، لكن الصوت الذي كان يلاحقه ما زال حاضراً في ذهنه، كأنه شبح لم يغادره بعد كان يحاول فهم ما حدث، لكن ما مر به كان أكثر تعقيدآ من أن يستوعبه في لحظة واحدة.
“آدم” بهمس غير قادر على إخفاء قلقه:
“لكنني، لا أستطيع أن أصدق أن كل ما مررت به كان مجرد وهم كان شعورآ حقيقي، كأنني كنت أعيش فيه.”
“سلمى” تراقب بعناية، عيونها ثابتة على وجهه، تحاول أن تقرأ مشاعره هي تعرف أن ما مر به كان بعيدآ عن مجرد هلاوس هناك شيء عميق في داخله، شيء غامض لا يزال يحاول الهروب منه.
“سلمى” بهدوء:
“أفهم تمامآ شعورك، عقلك كان يعيد بناء أحداث وتفاصيل قديمة، ويخلق روابط مع أشياء لا يمكنك فهمها نحن نمر بأوقات صعبة أحيانآ، وعندما لا نتمكن من مواجهتها بشكل مباشر، يبدأ العقل في الهروب إلى أماكن أخرى.”
“آدم” يفتح عينيه، يتنفس بعمق، ويحاول أن يطرد تلك الصورة التي لا تفارق ذهنه، “ليلى”و الغرفة المظلمة، أصوات الغموض التي تملأ ذهنه لكن الصورة الوحيدة التي كانت واضحة هي أنها كانت في عقله وحده لا شيء كان حقيقي في هذا العالم المعكوس.
“آدم” ينظر إليها بحيرة:
“لكن لماذا كان كل شيء بهذا الشكل؟ لماذا كانت ليلى موجودة، وكأنها… كأنها جزء مني؟”
“سلمى” تأخذ نفسًا عميقًا، ثم تبتسم بلطف هي تعرف أن هذه الأسئلة ستظل تلاحقه لفترة، لكن الإجابة قد تكون أبسط مما يظن.
“سلمى” أجابت بهدوء:
“أحيانآ، عندما نخسر شخصآ عزيزآ علينا، لا يكون فراقه مجرد غياب جسدي عقلك يريد أن يحافظ على تلك العلاقة، وتلك الذكريات، ليلى كانت جزء كبير من حياتك، وعقلك يحاول إيجاد طُرق للاحتفاظ بها حتى لو كانت هذه الطُرق غير حقيقية.”
“آدم” يشعر بشيء من الراحة في قلبه، لكن هناك أيضآ إحساس بالفراغ في داخله، كما لو كان شيء ما في ذاته قد تمزق وأصبح عالقآ بين الماضي والحاضر لكن رغم ذلك، بدأ يفهم أن ما مر به كان مجرد عملية نفسية معقدة، وأنه هو من خلق هذه الأحداث في عقله.
“آدم” بصوت منخفض:
“لكن لماذا كانت تلك الغرفة؟ لماذا تلك الأصوات؟ لماذا لم أتمكن من الهروب منها؟”
“سلمى” تراقب كل حركة في جسده، ثم تجيب بنبرة مريحة
ولكنها تحمل في طياتها الكثير من المعرفة:
“هذه الغرفة تمثل الخوف الداخلي الذي يلاحقك، العقل الباطن يخلق تلك الأماكن والأصوات ليحاول التعبير عن ما لا تستطيع مواجهته بشكل مباشر أنت كنت تحاول الهروب من شيء أكبر من قدرتك على تحمله لكن لا تقلق، نحن هنا لنساعدك على تجاوز هذا.”
“آدم” يستمع إليها بعناية، يحاول استيعاب كل كلمة في تلك اللحظة يشعر بشيء غريب ينتاب قلبه، هل كان حقآ قادرآ على تجاوز كل هذا؟ هل كان عقله قد أخذته تلك التجربة إلى مكان آخر، ليصبح عالقآ في حلقة مفرغة من الهلاوس؟
“آدم” بصوت ضعيف:
“هل سأستطيع الخروج من هذا؟ هل سيختفي كل هذا؟”
الدكتورة “سلمى” تنظر إليه بعينين مليئتين بالثقة هي تعرف أن الطريق ليس سهلآ، لكن هناك دائمآ أمل في التعافي لكنها تعلم أيضآ أن الأمر يعتمد على “آدم” نفسه، على قدرته على مواجهة داخله.
“سلمى” :
“التعافي ليس عملية سريعة، لكنك لن تكون وحدك في هذه الرحلة سنمر معآ بكل خطوة، وسنتعلم كيف تضعف تلك الهلاوس، كيف تعيد بناء عقلك بشكل صحيح.”
“آدم” يشعر بشيء من الراحة بعد هذه الكلمات، لكن شيئآ ما في أعماقه كان يعلمه أن الرحلة لم تنتهِ بعد حتى وهو يخرج من مكتب الدكتورة “سلمى” كانت هناك تفاصيل صغيرة لا تزال تطارده كان يشعر بأن ما رآه لم يكن وهمآ كاملاً، وأنه في مكان ما، ربما في زاوية من عقله، الحقيقة ما زالت تختبئ.
في طريقه للخروج من العيادة، يرى الناس من حوله، لكنه يشعر بشيء غريب كل شيء يبدو في مكانه، ولكنه في الوقت نفسه بعيد عن الواقع كان يشعر وكأن العالم الذي يعرفه لا يزال يفلت من بين يديه.
“آدم” يهمس لنفسه:
“كل شيء غريب، هل أنا مستيقظ الآن؟ أم أنني ما زلت في الحلم؟”
بينما يواصل سيره في الشارع، تبدأ الأرض تحت قدميه بالاهتزاز قليلاً، كما لو كانت تهتز تحت وطأة أفكاره ثم يسمع الصوت نفسه مرة أخرى تلك الهمسات الخفيفة في عقله، التي عادت لتأخذ مكانآ في ذهنه.
الصوت بهمس عميق: “آدم…”
لكن هذه المرة، كان الصوت مختلفآ، كأن هناك شخصآ آخر وراءه وليس في عقله فقط يتحول مشهد المدينة أمامه إلى صورة مشوشة، كأنها تتلاشى تدريجيآ، يلتفت خلفه بسرعة، لكنه لا يرى أحد.
“آدم” بصوت مرعوب: “هل أنا… هل أنا لا أزال في الحلم؟”
“آدم” يقف في منتصف الشارع، عينيه متسعتان، تتنقل نظرته بين المباني والوجوه التي يراها كل شيء من حوله يبدو مشوشآ، كأن العالم كله يتلاشى ويتغير أمامه لا يستطيع أن يفرق بين ما هو حقيقي وما هو مجرد هلاوس في ذهنه، تتشابك الذكريات والمشاهد الغريبة، وتظل تلك الهمسات تتردد في أذنه.
“آدم” ينظر حوله: “هل أنا مستيقظ؟ هل هذا ما يبدو عليه الواقع؟”
لم يعد يشعر بالثقة في نفسه كانت الشكوك تتسلل إلى قلبه، لكن كان هناك شيء غريب يحدث كان يشعر بأن ما مر به لم يكن مجرد لعبة من عقله، بل كان هناك شيء أكبر وأخطر ينتظره وعندما يلتفت إلى الوراء، يشعر بشيء من الحركة وراءه، لكنه لا يستطيع تحديد ما هو بالضبط الصوت يعود ليهمس في أذنه.
الصوت بهمس خفيف: “آدم، أنت في المكان الخاطئ.”
ينقض قلبه فجأة، وتبدأ الأفكار تتراكم في عقله كان هذا الصوت مختلفآ هذه المرة، لم يكن الصوت في عقله فقط كان الصوت ينبعث من مكان آخر يلتفت بسرعة، لكنه لا يرى أحدآ، العالم يبدو فارغآ من حوله، كأن المدينة بأكملها قد اختفت، وكأن الوقت نفسه قد تجمد.
عينيه تلتقط مشهداً غير عادي، شيء يلمع على الرصيف يقترب ببطء ليتفحصه، ويداه ترتجفان وهو يمسك بكيس صغير يُدهش عندما يكتشف أنه يحتوي على صور قديمة، يفتح الكيس بحذر ويبدأ في تفقد الصور واحدة تلو الأخرى الصورة الأولى كانت له هو و”ليلى” في مكانهما المعتاد، في الحديقة حيث يقضيان الوقت سويآ، الصورة التالية كانت لليلى، لكنها كانت مختلفة عيونها فارغة كأنها فقدت الحياة الصورة الأخيرة كانت مفزعة بشكل خاص، كانت صورة له وهو ينظر إلى نفسه في المرآة، لكن هناك شيء غريب في انعكاسه عيون “آدم” في الصورة كانت مظلمة، لا حياة فيها.
“آدم” يتنفس بصعوبة، وعقله يزدحم بالتساؤلات، لماذا كانت هذه الصور هنا؟ من وضعها في هذا الكيس؟ ولماذا الآن؟
يواصل سيره في الشارع، وكلما ابتعد عن المكان، بدأ يشعر بشيء من الإلحاح، وكأن هناك شيء مفقود، شيء هامآ لم يستطع إدراكه بعد يصل إلى نقطة معينة، يتوقف فجأة، ويشعر وكأن الأرض تهتز تحته يرفع عينيه ليرى شيئآ يثير قلقه باب قديم، مهدم قليلاً، يلمع بشكل غريب في الأفق لم يره من قبل يبدأ عقله بالتحليل
“هل هذا هو المكان؟ هل يجب أن أذهب إلي هناك؟”
يسير نحو الباب خطوة تلو الأخرى، بينما في داخله شعور غريب ينمو عند اقترابه من الباب، يلحظ شيئآ آخر، هناك شخص ما يقف خلف الباب، يراقبه بصمت، قلبه ينبض بقوة.
“آدم” بصوت منخفض، مخاطبًا نفسه:
“هل يجب أن أفتح هذا الباب؟”
يستدير ويشعر بأن أحدًا يراقبه، لكن لا أحد هناك يدخل الباب بهدوء، قلبه يتسارع، وهو يقترب من المكان المظلم وراءه بمجرد أن يخطو إلى الداخل، يغلق الباب خلفه ويجد نفسه في غرفة مظلمة تمامآ، يلمس الجدران، يجدها باردة، وشعور غير مريح يسيطر عليه.
في تلك اللحظة، يضيء ضوء خافت، وكأن شيء في الغرفة بدأ يتحرك وعيناه تتسارعان في البحث عن أي شيء غريب ثم يلاحظ شيئآ في الزاوية البعيدة من الغرفة، مرآة قديمة يقترب منها ببطء وفجأة، تتساقط الهمسات من حوله، تزداد شيئآ فشيئآ حتى تتحول إلى صرخات، وكلما اقترب، كانت الصرخات تصبح أكثر حدة، حتى يلتصق بمرآة.
وفي تلك اللحظة، يرى انعكاسه في المرآة، لكن هذا الانعكاس ليس له وجه فقط الظلام، وعينان لامعتان تراقبانه في المرآة، يصرخ “آدم” ويشعر بشيء يقترب منه بسرعة.
“آدم” يصرخ في ذعر: “لا… لا يمكنني أن أكون هنا”
يهبط إلى الأرض فجأة، وتغشى عيناه، وعقله ينهار في دوامة من الأصوات والذكريات كل شيء يبدأ بالتلاشي تدريجيآ، وكأن الواقع نفسه يتفكك أمامه.
لكن فجأة، يفتح عينيه، ويجد نفسه في الشارع واقفآ أمام سيارته قلبه يخفق بشدة، ويشعر بالارتباك هو في نفس المكان، في نفس الشارع، لكن كل شيء يبدو هادئًا.
“آدم” ينظر حوله بعيون واسعة، وقد بدأ يشعر بشيء غير حقيقي في كل شيء من حوله، أهو حلم؟ أم أنه كان واقعآ في حلم؟
“آدم” مرعوب، يهمس لنفسه: “هل كل هذا كان حلم مجددآ؟”
لكن في اللحظة نفسها، يعود الصوت المألوف في ذهنه، الصوت الغامض، الهمسات التي تلاحقه، وكأن الحقيقة تتناثر بين يديه، ولا يستطيع أن يميزها عن الوهم.
“آدم” كان يسير بسيارته، عينيه غارقتين في الدهشة والارتباك ذهنه يعج بالأفكار المتناقضة هل ما مر به في العيادة كان حقيقيآ؟ هل كان يواجه كوابيس متواصلة؟ أم أن ما حدث كان مجرد انعكاس لعقله المرهق؟ شعر بتعب شديد في قلبه، ولكن فجأة، رن هاتفه في جيبه .
أخرج الهاتف، وعيناه تتنقلان بين الأرقام على الشاشة كان الرقم الذي يظهر على الهاتف هو رقم أخيه “أمجد” تردد قليلاً قبل أن يضغط على زر الإجابة.
“آدم” بصوت متقطع: “أمجد؟ هل أنت بخير؟”
“أمجد” بنبرة متوترة، وعيناه تتحدثان من خلال الهاتف:
“آدم، يجب أن تعود إلى المنزل فورآ، بابا… بابا توفي.”
“آدم” شعر وكأن العالم قد تجمد في تلك اللحظة، قلبه قفز إلى حلقه وكان الهواء في رئتيه يصعب التنفس فيه الكلمات كانت تتردد في عقله، لكنه لم يستطع فهمها بالكامل.
“آدم” بصوت غير واضح: “ماذا؟ كيف؟ متى؟”
“أمجد” وهو يحاول تهدئة نفسه:
” منذ قليل نحن في المستشفى الآن، عليك أن تأتي الآن.”
“آدم” شعر بشيء غريب يعصف به، وأغمض عينيه للحظة كان في حالة من الضياع يتذكر كيف كان يتحدث مع والده منذ فترة قصيرة وكيف كان يبدو عليه أنه لا يزال على قيد الحياة، كانت ذكرياته عن والده مرتبكة ولكن الآن، كان عليه أن يواجه الحقيقة المُرة.
أعاد “أمجد” الكلام بحزن، لكن صوت “آدم” كان غريبآ في أذنه شعر بشيء يتسلل إلى ذهنه، كأن هذا كله قد حدث من قبل كأن هذه اللحظة نفسها كانت قد حصلت في مكان آخر، في عالم موازي ولكن لا وقت للتفكير في هذه الأمور الآن.
“آدم” يحاول التماسك:
“سأكون هناك خلال دقائق سأصل إليكم قريبآ”
أغلق الهاتف بسرعة، ثم وقف في مكانه لثوانٍ قليلة شعر بالدوار كأن الأرض تتحرك من تحت قدميه القي هاتفه، بجانبه كانت عقارب الساعة تدق بسرعة وكأن الزمن نفسه يتهرب منه.
بينما هو في الطريق، بدأت الذكريات تطوف في ذهنه، كأنها صور مشوهة كان يفكر في والدته، كيف كانت تُشخص المرض النفسي الذي مرّت به، وكيف كانت دائمآ تقول له إن الموت ليس نهاية، بل بداية لرحلة جديدة كان كلامها يردد في ذهنه الآن بشكل مختلف كأنها كانت تدرك شيئآ ما عن هذا العالم الذي يعيشه كان يتساءل في نفسه:
هل هو في عالم حقيقي، أم أن هذا مجرد استمرار لحلم لا ينتهي؟
وصل إلى المستشفى، وكان “أمجد” في انتظاره عند المدخل كان وجه “أمجد” شاحبآ، وعيناه مليئتان بالحزن، ثم دخلوا معآ إلى الطابق الذي يُحتفظ فيه بجثة والدهم.
“أمجد” بصوت خافت:
“آدم، هذا صعب جدآ لم أتوقع أن يحدث هذا الآن، كنت أتوقع أن نتعامل مع حالته لفترة أطول لكن… لكنه رحل بسرعة.”
“آدم” لم يرد عليه، كان يشعر بشيء ثقيل في قلبه كان والده الشخص الذي كان يفكر فيه حتى في أكثر لحظات انشغاله كيف يمكن له أن يرحل بهذه الطريقة؟ هل حقآ غادر الحياة؟ أم أنه كان في حلم آخر؟
عندما دخلوا إلى غرفة المستشفى، وجدوا الجثمان ملفوفآ في الشال الأبيض، وكان الطبيبان في انتظارهم لكن ما أثار دهشة “آدم” كان التعبير الغريب على وجه والده، رغم أنه كان فاقدآ للوعي.
في تلك اللحظة، شعر بأن عيونه وكأنها تغلق شيئآ فشيئآ أغمض عينيه، وعاد ليتذكر حادثة قديمة كانت تلك الحادثة التي أثارت في قلبه شكوكآ كثيرة، وكانت أيضآ تلاحقه في أفكاره.
إنه يتذكر تلك اللحظة التي تحدث فيها والده مع أمه، وهم يتناقشون في موضوع ما، بينما كان هو طفلآ صغيرآ يراقبهم من بعيد تذكر والده وهو يقول لها:
“إذا جاء الوقت، لن أستطيع أن أخبركم بما يحدث لي، ولكن يجب أن تكونوا مستعدين لأنني قد أكون في مكان آخر في وقت ما.”
(هل كان والده يعلم شيئآ عن هذا؟ هل كان يمر بما مر به آدم الآن؟)
“آدم” وقف أمام الجثمان وهو يحدق في وجه والده كان يشعر بحالة من الارتباك الداخلي، وكأن جسده يرفض أن يصدق ما يراه لماذا يشعر أنه عالق بين العالمين؟ بين الحياة والموت؟ هل هذا هو الواقع، أم أنه مجرد امتداد للكوابيس التي لا تنتهي؟
بمجرد أن اقترب منه، شعر بشيء غريب، شعور لا يستطيع تفسيره ولكن فجأة، جاءت الهمسات في ذهنه.
“الصوت” بهمسات ضبابية:
“آدم… لا تظن أن الرحيل هو النهاية، كل شيء يستمر.”
فتح عينيه، وتساءل إذا كان ما يراه هو حقيقة أم وهم آخر يتداخل مع ذهنه المشتت.
كان “آدم” واقفآ أمام جثمان والده، الذي كان يُحتفظ به في الغرفة البيضاء في المستشفى، الجو داخل الغرفة كان خانقآ، وكان الضوء الساطع من المصابيح فوقه يجعل المشهد يبدو أكثر صمتآ وغرابة القلب الذي كان ينبض في صدره بدأ يشعر بثقل غير عادي، وعيناه تحاولان استيعاب ما يحدث، في قلبه كان شيء غير واضح يتسرب كالضباب الذي يلف العقل ويجعله يرى الأشياء بشكل مشوه.
“أمجد” الذي كان يقف بجانبه، يبدو عليه التعب الشديد كانت يده مرهقة، وعيناه غارقتان في الحزن العميق ولكنه حاول التماسك بينما يتحدث، صوته خافت ومتردد.
“أمجد” بصوت مبحوح:
آدم، لا أستطيع تصديق ما يحدث، أبي كان دائمآ الأقوى بيننا كان دائمآ يقول إنه سيتعامل مع أي شيء في حياته، ولكنه رحل بهذه السرعة لماذا؟ لماذا الآن؟”
“آدم” لم يرد عليه مباشرة كان ذهنه مشوشآ، محاطآ بسلسلة من الأسئلة التي تتزاحم في رأسه، ولا يمكنه الإجابة عليها كيف يمكن أن يفقد والده هكذا؟ كان يشعر وكأن الأرض قد انشقت تحت قدميه ولكنه لم يكن قادرآ على الهروب من هذه اللحظة كان عاجزآ عن نطق أي كلمة.
بينما كان يقف في الغرفة، شعر بشيء آخر يحدث، كانت الغرفة هادئة جدآ، لكن في تلك اللحظة، بدأ يشعر بأن هناك شيئآ ما يتحرك في الظلال حوله، شيء غير مرئي ولكن ملموس تحولت الأنوار فجأة إلى لون بارد، وكان كل شيء حوله يبدو ضبابيآ، كما لو أن الوقت نفسه توقف.
“آدم” استدار بسرعة نحو “أمجد”، الذي كان يبدو وكأنه في حالة من الصدمة التامة، عيناه الزائغة تبحث عن أي شيء يمكن أن يفسر ما يحدث ولكن في تلك اللحظة، سمع “آدم” صوت خافت في أذنه.
الصوت بهمسات ضبابية:
“آدم… أنت لا تفهم بعد، هناك أشياء لا يمكنك الهروب منها، ولا حتى الوقت نفسه.”
شعر “آدم” بشيء غريب يتسلل إلى قلبه كان الصوت يتكرر في ذهنه وكأن شخصآ ما يتحدث معه من بعد آخر حاول أن يركز أكثر، لكن الصوت بدأ يختفي مع كل لحظة تمر كانت الكلمات تضيع في الظلام الذي كان يحيط به.
“آدم” وهو يتحدث لنفسه بصوت خافت:
“ماذا يحدث لي؟ هل أنا في حلم؟ هل هذا حقيقي؟”
بعد مغادرته المستشفى، كان “آدم” في حالة من الضياع كل شيء حوله كان يبدو ضبابيآ، كأن الواقع نفسه أصبح غريبآ، عقله كان مشوشآ من الأحداث الأخيرة، ويكاد لا يستطيع التفرقة بين الحقيقة والوهم، كل لحظة كان يشعر بشيء غريب يتسلل إلى عقله، كما لو كان على وشك اكتشاف شيء عميق، لكنه لم يكن قادرآ على الإمساك به.
مرت ساعات قليلة، و كان يتنقل بين أفكار متضاربة حزنٌ عميق يملأ قلبه بسبب وفاة والده، ولكن عقله كان مشغولآ بأشياء أخرى بذكريات غير واضحة وأحداث غير مُفسرة كان يذهب إلى العزاء في حالة شبه غيبوبة أصدقاء العائلة، الأقارب، وحتى جيرانه، كانوا هناك الجميع يتحدث عن والده عن شخصيته القوية، عن حكمة الرجل الذي رحل فجأة لكن “آدم” كان مختلفآ كان يشعر وكأن أحدآ لا يفهم ما يشعر به.
عند الدفن، كان الجو حزينآ، والأصوات البعيدة تتلاشى في قلبه كانت الأيدي تتوالى على نعش والده، والجميع في صمت حتى “أمجد” الذي كان يقف إلى جانبه، كان يبدو عليه الإرهاق العاطفي كان يتكلم قليلاً، لكنه يبدو غير قادر على استيعاب كل شيء حوله أما “آدم” فقد كان في حالة من العزلة، حتى في وسط الحشد كأن كل شيء حوله كان ضبابيآ، وكان لا يزال يشعر بألم داخلي لا يمكن تفسيره.
بعد دفن والده، أتى وقت العزاء دخل “آدم” المنزل، حيث كان الجميع قد تجمعوا لتقديم التعازي، كان العديد من الأقارب والجيران الذين تحدثوا عن والد “آدم” بكل احترام، وبعضهم تحدث عن ذكريات قديمة معه، ولكن حتى هذه الكلمات كانت لا تؤثر فيه كان يشعر وكأنهم يتحدثون عن شخص آخر، وليس والده.
كانت أمه، التي كانت تجلس في زاوية الغرفة، تهتم بالضيوف وتقدم لهم المشروبات وعينها تبدو مشغولة بشيء آخر، كأنها تفكر في مكان بعيد، لم يتحدث أحد عن التفاصيل التي كانت تدور في ذهنه لم تقترب منه أمه لتسأله عن حاله، وكأنها كانت غارقة في حزنها الخاص بدت الغرفة مظلمة، والأضواء في الزوايا كانت تخفت بشكل غريب.
في تلك اللحظة، بدأ “آدم” يشعر بثقل كبير في قلبه بينما كان ينظر إلى وجوه الضيوف، فكر في والده وابتسم ابتسامة حزينة لكن على الرغم من وجوده في هذا المكان المزدحم، كان يشعر بشيء غريب كأن ثمة شيء عميق غير مفهموم يطوقه، شيء يدفعه للمغادرة كان يحتاج إلى الهروب، إلى التواجد في مكان هادئ بعيد عن هذه الأصوات، ليهدأ عقله.
بعد ساعات من العزاء، قرر “آدم” مغادرة المنزل ذهب إلى غرفته، أخذ حقيبته الصغيرة، ثم خرج دون أن يودع أحد كانت خطواته سريعة وقد شعر بأن هذا المكان أصبح خانقآ بالنسبة له خرج إلى الشارع حيث كان الهواء البارد يضرب وجهه بشكل منعش لكنه لم يشعر بأي تحسن كانت المدينة مليئة بالحركة، لكن “آدم” كان غريبآ عن هذا المكان وكأنه لا ينتمي إليه بعد الآن.
كان يسير بسرعة عبر الشوارع المظلمة التي لا تحوي سوى صدى خطواته داخل عقله كان هناك تساؤلات كثيرة، وألم يراوده من الداخل، لكنه لم يكن يعرف الإجابة ثم نظر إلى السماء المظلمة التي كانت خالية من النجوم، وكأن الكون نفسه يعكس عزلته لكنه شعر بشيء آخر في داخله، شيء أغمق وأكثر تعقيدآ هل كان هذا شعور بالندم؟ أم مجرد خوف من شيء قادم؟
بينما هو في طريقه، شعر بهاتفه يهتز في جيبه نظر إلى الشاشة، فكان الرقم الذي يظهر هو رقم “أمجد” أخيه ضغطة واحدة على زر الإجابة كانت كافية.
“آدم” بصوت خافت: “أمجد.”
“أمجد” بلهجة مرهقة:
“آدم، يجب أن تأتي بسرعة أمي في حالة غريبة، لا أستطيع تفسير ما يحدث، هناك شيء غير طبيعي في كل هذا.”
“آدم” شعر بشيء ثقيل في قلبه عند سماع تلك الكلمات هل كان هذا كله جزء من الحلم؟ كان يشعر بأن الأشياء تبدأ بالانهيار، وكأن الواقع نفسه يرفض أن يكون ثابتآ لكن الجملة الأخيرة التي قالها “أمجد” أثارت شيئآ غريبآ في نفسه هناك شيء غير طبيعي؟ ماذا يعني ذلك؟
“آدم” بقلق: “ماذا تقصد؟ هل هي بخير؟”
“أمجد” :
“لا أعرف، لكن هناك شيء في تصرفاتها إنها لا تعرف ما تقوله كل شيء في المنزل يبدو مشوهآ ربما تكون متأثرة بما حدث ولكن لا أستطيع أن أشرح.”
“آدم” أغلق الهاتف، ورغم شعوره بأن كل شيء حوله كان يتحطم قرر العودة إلى المنزل كانت خطواته متسارعة، وأفكاره في حالة من الفوضى كلما اقترب من المنزل، شعر بشيء غريب يتسلل إليه شعور بأن هناك شيء غير طبيعي ينتظره هناك.
عندما وصل أخيرآ إلى المنزل، دخل دون أن يطرق الباب كان الجو داخله هادئآ بشكل غير مريح الأضواء ضعيفة، والأثاث كان مُرتّب بشكل غير عادي، لا شيء كان يبدو في مكانه، وكأن كل شيء قد تغير فجأة اقترب من غرفة المعيشة، حيث كانت أمه تجلس على الأريكة، تنظر إلى الفراغ بعينين شاردتين.
“آدم” بصوت منخفض: “أمي؟”
“والدته” بصوت مبحوح: “آدم… هل هو… هل هو رحل حقآ…؟”
“آدم” شعر بثقل السؤال، كان سؤالًا غير قادر على الإجابة عليه مباشرة كان يريد أن يقول نعم، ولكن هناك شيء في نفسه يمنعه من قولها بهذه البساطة كأن الموت أصبح مجرد فكرة مشوشة، غير قابلة للتفسير بعد كل ما مر به.
“آدم” يقترب منها أكثر، يجلس بجانبها: “نعم يا أمي… أبي رحل.”
ولكن الكلمات لم تُحدث التأثير المتوقع كانت والدته تنظر إليه دون أن تلتقط ما قاله كانت شفتاها تتحركان في صمت، ثم أخذت تدير رأسها في الاتجاه الآخر، وكأنها لم تعد قادرة على تحمّل حقيقة غياب زوجها.
“آدم” بحزن: “أمي… عليك أن تواجهي الحقيقة.”
والدته نظرت إليه فجأة، وعينيها مليئتان بالحزن العميق والقلق كما لو أنها لا تستطيع استيعاب ما يحدث حولها.
“والدته” بصوت مختنق:
“لكنني لم أكن مستعدة لهذا، كيف يمكن أن يكون كل شيء قد انتهى بهذه السرعة؟”
“آدم” شعر بكلماتها وكأنها سكين حاد يغرز في قلبه لم يكن هو الآخر مستعدآ لهذه النهاية المفاجئة، ولم يكن يعلم كيف يمكنه مساعدتها على تجاوز هذا الألم.
“أمجد” الذي كان يقف علي الباب، دخل بهدوء كان يبدو عليه أنه لا يستطيع تحمل هذا الموقف أكثر لا يعرف كيف يواسي، ولا يعرف كيف يخرج من هذه الدوامة التي تزداد عمقآ يومآ بعد يوم.
“آدم” وهو ينظر إلى “أمجد”:
“كل شيء انهار ، لا أعرف ماذا أفعل الآن.”
“أمجد” اقترب منه، ووضع يده على كتفه كان يمر هو الآخر بنفس الألم، لكن بينهما كانت لغة أخرى تتحدث، لغة لا تحتاج للكلمات.
في تلك اللحظة، حركت والدته رأسها مرة أخرى، وقالت بنبرة شبه هادئة:
“آدم … أريد أن أراه… أريد أن أراه مرة أخرى .”
“آدم” الذي كان يتوقع هذه اللحظة، شعر بشيء آخر يتسلل إليه كان يعلم أنه لم يكن في استطاعته أن يقدم لها الراحة التي تحتاجها ولكن، في تلك اللحظة، كان كل ما يمكنه فعله هو أن يظل معها وأن يساعدها على مواجهة هذه الحقيقة المرة.
“آدم” بصوت ضعيف: “سنتحمل يا أمي، سأساعدك على كل شيء.”
لكنه شعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبه مرة أخرى، كأن همسات جديدة قد بدأت تتناثر في ذهنه، كأن صوتآ بعيدآ يتردد في أذنه ينبئه بشيء أكبر مما يدركه.
بينما كان “آدم” غارقآ في تفكير عميق، بدأت والدته تحرك يديها ببطء، كأنها تحاول أن تستعيد إحساسها بالحياة رفعت رأسها ببطء وبدأت تنظر إلى “آدم”، ثم نظرت إلى “أمجد” وكأنها تبحث عن إجابة في عيونهم.
والدته بصوت منخفض: “أين هو؟ أين هو الآن؟”
“آدم” شعر بأن الكلمات قد خانته كان يعلم أنها تسأل عن والدهم، عن الرجل الذي كان يمثل لها كل شيء كان ذلك السؤال هو التذكير القاسي بالحقيقة التي كانوا يحاولون تجاهلها، لكن الآن، لم يكن هناك مجال للهروب من الواقع كان عليه أن يواجه ذلك.
“آدم” بتردد:
“أمي… هو… هو لم يعد هنا بعد الآن، لكنه سيظل في قلوبنا.”
“والدته” بصوت غير واضح:
“لا، لا أريد أن أصدقه أريد أن أراه فقط… لمرة واحدة.”
“آدم” شعر بموجة من الحزن تغمره، لم يكن يعرف كيف يمكنه مساعدتها في تجاوز هذه الحقيقة التي كانت تلاحقها في تلك اللحظة، شعر وكأن العالم كله ينهار من حوله، كان يتمنى لو كان هناك شيء يمكنه فعله ليُعيد الأمور إلى طبيعتها، ولكن لا شيء يمكن أن يعيد الزمن.
“أمجد” اقترب وهو يجلس بجانب والدته، وهو يضع يده على يدها بحذر لم يكن يريد أن يتسبب في مزيد من الألم لها، لكنه كان يعلم أن الدعم الصامت قد يكون ما تحتاجه الآن.
“أمجد” بهدوء:
“أمي، نحن هنا معك ونحن لن نتركك مهما حدث نحن معك.”
صمت آخر سيطر على الغرفة كان هذا الصمت هو الذي يعبر عن أكثر من مجرد كلمات كان يعني التماسك أمام العاصفة، والاستعداد لمواجهة كل ما هو آتٍ، حتى لو كان ذلك يعني تحمّل الألم معآ.
ولكن بينما كانت والدته تغلق عينيها للحظة، وكأنها غارقة في تفكير عميق، شعر “آدم” أن تلك اللحظة كانت بداية شيء ما جديد ربما لم يكن الحزن سيغادرهم قريبآ، لكن كان هناك شيء في هذه اللحظة جعلهم يتصالحون مع الحقيقة كانوا جميعآ في نفس القارب، وكان عليهم أن يتجاوزوا تلك العاصفة معآ.
“والدته” بهمس:
“أريد أن أكون قوية… لكنني لا أستطيع، لا أستطيع.”
“آدم” بصوت حازم:
“أنتِ قوية، نحن كلنا هنا، من أجل أن نكون معك، ولن تواجهي هذا بمفردك.”
“أمجد” نظر إلى “آدم” وكأنهما يشاركان نفس الشعور كان الألم في قلبه لا يقل عن ألم “آدم” ولكنه كان يعرف أن هناك شيئآ يجب عليهم فعله كان يعلم أن التماسك هو ما سيجعلهم ينجون من هذه المرحلة الصعبة.
بينما كانت والدته تغلق عينيها ببطء، كانت دموعها تتناثر على خديها بصمت لم يكن هناك شيء أكثر آلمً من تلك اللحظة، حيث كان الجميع يتصارع مع واقعهم الأليم، لكنهم كانوا يسيرون معآ نحو ما هو آتٍ.
مرت عدة أيام، والبيت لا يزال يعيش في حالة من الصمت الثقيل كانت الأيام تمضي ببطء، وكأن كل ساعة تضاعف من عبء الحزن الذي يعيشه الجميع، كان “آدم” يراقب والدته بقلق، وكلما اقترب منها أو تحدث إليها، كان يجد نفسها تغرق أكثر في عالمها الخاص بعيدآ عن الجميع.
في تلك الأيام، كان “آدم” يشعر بثقل المسؤولية كان يرى في عيون والدته تلك النظرة المكسورة، تلك النظرة التي تسأل عن شيء أكبر من مجرد الحضور، شيء كان فقده الجميع الأمل.
—–
في صباح يومٍ آخر، دخلت “نور”، شقيقة “آدم” الصغيرة، إلى غرفته كانت تبدو أكبر من عمرها بحكم الأحداث التي عاشتها في الأيام الماضية، وكان وجهها ينعكس عليه الحزن والقلق، لكن شيئآ ما في عينيها كان يصرخ بالسؤال، تساءلت كيف يمكنها أن تكون قادرة على تقديم الراحة.
“نور” تقترب من “آدم” وتهمس:
“آدم، ماذا سنفعل؟ كل شيء تغير، أمي ليست كما كانت، وأنا لا أستطيع أن أفهم ما يحدث.”
“آدم” يشعر بالعجز:
“لا اعلم ولم افهم، لكن سنواجه الواقع، ليس لدينا غير ذلك.”
“نور” التي كانت تحاول أن تبدو قوية، كانت تشعر بالضياع كانت تدرك أن كل ما يحدث أكبر من أن تفهمه أو أن تجد له تفسيرآ، كانت قد فقدت الشعور بالأمان الذي كانت تشعر به سابقآ في هذا البيت، وكأن الحياة قد تحولت إلى متاهة بلا مخرج.
بينما كان “آدم” يتحدث مع “نور”، كان “أمجد” جالسآ على الأريكة يحدق في الفراغ، وكأن صوته قد اختفى في وسط هذا الصمت الذي كان يحيطهم لم يكن لديه أي كلمات ليقولها، لكنه كان يشعر بأن عليه أن يبقى هنا، حتى لو كان يشعر هو الآخر بالعجز.
في تلك اللحظة، دخلت “والدته” إلى الغرفة كانت خطواتها بطيئة وعينها تبدو شاردة لكنها لم تستطع تجاهل حديث “آدم” و”نور”، فاقتربت منهم بهدوء، وجلسَت بالقرب منهم.
“والدته” بصوت خافت:
“أنا آسفة… أنا اعلم إنكم تريدون مني أن أكون بجانبكم لكني لا افعل ذلك لكنكم تعلمون ماذا بداخلي.”
“آدم” يقترب منها، ويضع يده على كتفها:
“أنتِ ليس بمفردك، نحن معاكِ، سنواجه جميعآ هذا.”
كان “آدم” يشعر أن تلك الكلمات هي كل ما يمكنه تقديمه، ولكنه كان يعلم أيضآ أن كلامه ليس كافيآ، كان الحزن في قلبه عميقآ وكان يعرف أنه لا يمكنه إصلاح هذا الجرح الذي لا يمكن للوقت أن يشفيه.
“نور” التي كانت تراقب الموقف بصمت، نظرت إلى والدتها بحزن ثم قالت بصوت ضعيف:
“أمي، أنا لا أريد رويتك هكذا، أريدك قويه كما كنتِ في السابق.”
“والدته” تبتسم ابتسامة خفيفة، لكنها كانت مبتورة:
“أنا أيضا اريد ذلك لكني لا أعلم كيف أفعل ذلك.”
“أمجد” الذي كان قد شعر بما تشعر به والدته، نهض واقترب منها وضع يده على رأسها وقال برفق:
“نحن هنا معاكِ، سنتخطي جميعآ هذا الحزن”
بمرور الأيام، كان البيت يعيش بين الأمل والحزن لم يعد هناك حديث عن المستقبل، بل كان الجميع يعيش في الحاضر، يواجهون اللحظة بكل ما فيها من ألم وذكريات كانوا يتعلمون أن الحياة تتغير فجأة، وأنه لا يوجد شخص مستعد لكل شيء ولكن في نفس الوقت كانوا يدركون أن الأمل لا يزال موجودآ وأنهم في النهاية سيظلوا معآ مهما كانت المحنة.

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الظل الذي يلاحقني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى