روايات

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى

رواية الظل الذي يلاحقني البارت التاسع

رواية الظل الذي يلاحقني الجزء التاسع

الظل الذي يلاحقني
الظل الذي يلاحقني

رواية الظل الذي يلاحقني الحلقة التاسعة

مغامرة الاوهام

حين تختلط ذكريات الطفولة بأوهام العقل، يصبح الإنسان غريبًا حتى عن نفسه أحيانًا، تكون الحقائق المدفونة في أعماقنا أثقل من أن تُحمل، وأشد ألمًا من أن تُنسى فهل نحن صانعو الأوهام؟ أم أننا ضحاياها؟ وبين ما هو حقيقي وما هو خيال، قد تجد نفسك في مواجهة أشباحك التي لم تعرف أنك خلقتها يومًا.”

—-

بينما كان “آدم” يستعد لفهم طبيعة الصوت الذي بدا وكأنه يملأ الكهف لاحظ “أمجد” أن النقوش المضيئة على الجدران بدأت تتغير الكلمات المضيئة بدأت تتحول إلى رموز غريبة تتراقص في أنماط متناغمة.

“آدم” الذي كان يشعر وكأنه ينجذب نحو وسط الغرفة، قال بصوت مرتجف:

“أشعر وكأن هذا المكان ينبض بالحياة كل شيء هنا مرتبط بي وبوالدي.”

“أمجد” اقترب من النقوش، محاولًا فك شفرتها كان هناك نص باللغة التي يعرفها:

“الملاذ ليس لمن يبحث، بل لمن يتذكر.”

تساءل أمجد:

“يتذكر؟ ، هل هناك شيء آخر تذكرته عن الوقت الذي كنت تقضيه مع أبي هنا؟”

“آدم” أغلق عينيه، محاولًا استرجاع ذكرياته فجأة، قال بصوت مرتجف:

“أبي كان يقول دائمآ إنني المفتاح لكنه لم يخبرني مفتاح ماذا كنت أعتقد أنه يريد مني فقط أن أساعده في الإبداع، لكن الأمر أعمق من ذلك.”

بدأ الكهف يهتز بخفة، من تحت اقدام “آدم” فقط والضوء المضيء في الجدران أصبح أكثر توهجآ “أمجد” أشار إلى الطاولة الحجرية حيث كان الدفتر مفتوحآ الكلمات بدأت تتغير، أمام “آدم” وكأن أحدًا يكتبها الآن.

قال “أمجد” بصوت مفعم بالدهشة:

“آدم، انظر، إنها ليست كلمات أبي فقط، إنها كلماتك أيضآ هذه الرسومات والنصوص تكمل بعضها كان أبي يعتمد عليك لبناء عالمه.”

“آدم” نظر إلى الطاولة، وبدأ يقرأ بصوت عالٍ:

“لديك القدرة على رؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، هذا المكان ليس فقط ملاذي، بل هو انعكاس لما تخفيه في أعماق عقلك احذر، لأن الملاذ لا يعرض إلا الحقيقة.”

بينما كان “آدم يقرأ” بدأت مشاهد غريبة تظهر أمامه في وسط الغرفة، وكأن الكهف كان يعرض له فيلمآ حيآ.

رأي والده جالسآ على نفس الطاولة، مع “آدم” الصغير بجانبه كان والده يتحدث بصوت هادئ:

“آدم، العالم الذي نبنيه هنا لا يمكن لأي شخص أن يفهمه أنت تمتلك العين التي ترى ما وراء الواقع كل رسمة ترسمها ليست مجرد خيال، إنها نافذة إلى شيء أكبر.”

“آدم” الذي كان يراقب المشهد، بدأ يتذكر بوضوح:

“كان هذا هو السبب أبي كان يريدني أن أرسم لأنه كان يعتقد أنني أستطيع الوصول إلى ما لا يستطيع الوصول إليه بنفسه.”

بينما كان المشهد يتلاشى، ظهرت على الطاولة حقيبة جلدية قديمة “آدم” فتحها بحذر، ووجد داخلها مخطوطة مكتملة.

قال “آدم” بذهول :

“هذا هو، هذه هي رواية أبي، لكنها ليست مجرد رواية، إنها دليل على ما كان يحاول فهمه.”

“آدم” بدأ يقرأ الفصول الأولى بصوت مرتجف القصة كانت تتحدث عن شاب يجد لوحه غريبه، ويكتشف أنه قادر على تحويل الأفكار إلى واقع، الرواية لم تكن خيالًا كما اعتقد “أمجد” بل كانت تمثل تجربة والدهما الحقيقية مع “الملاذ”.

فجأة، أمسك “آدم” بإحدى صفحات المخطوطة وأدرك أنها تحمل رسمآ مألوفآ :

“أمجد، هذا هو الرسم الذي طلب مني والدي أن أرسمه عندما كنت صغيرآ، لكنه لم يكن موجودآ هنا من قبل.”

“أمجد” كان يراقب “آدم” بدهشة:

“هل تعتقد أن أبي كان يستخدم رسوماتك كجزء من كتابته؟ ربما كان يرى فيها شيئًا أكثر مما كنت تراه أنت.”

“آدم” أومأ برأسه.

“كل رسمة كنت أرسمها كانت تظهر في قصته، لكنني كنت أعتقد أنها مجرد خيال الآن أرى أنها كانت أكثر من ذلك.”

بينما كانا يحاولان فك المزيد من ألغاز الكهف، بدأ الصوت يهمس بداخل “آدم” من جديد، لكن هذه المرة كان أكثر وضوحًا:

“الملاذ هو البداية، وليس النهاية، كل ما تبحثون عنه هنا… ولكن احذروا مما قد تجدونه.”

“آدم” نظر إلى “أمجد”، وعيناه تحملان مزيجآ من الحيرة والخوف.

“هذا ليس صوت عشوائي بداخلي هذا هو يتحدث، هذا أبي “

“أمجد” وضع يده على كتف “آدم” وقال بحزم:

“مهما كان، سنتعامل معه، الملاذ قد يكون غامضآ، لكننا أقرب من أي وقت مضى لفهم حقيقته.”

—–

بينما كان “آدم” و”أمجد” يتصفحان المزيد من صفحات المخطوطة، بدأت الحقائق تتكشف تدريجيًا، وكلما أمعنا النظر في النصوص والرسومات، كانت الذكريات تتدفق بقوة أكبر داخل عقل “آدم” وكأن الماضي كان يستيقظ من سباته.

“آدم” جلس على الأرض، ممسكًا رأسه بين يديه، وصوته يرتجف بالكلمات:

“كل هذا… كل شيء كنت أراه طوال حياتي، كان بسبب أبي جعلني أرسم عالمه، لكنني كنت أعيش داخله وحدي.”

“أمجد” اقترب منه، وضع يده على كتفه محاولًا تهدئته:

“آدم، ماذا تقصد؟ كيف أثر عليك هذا؟”

“آدم” رفع رأسه، وعيناه تحملان مزيجًا من الغضب والألم:

“عندما كنت طفلًا، كان أبي يجلسني هنا في هذا الكهف، يطلب مني أن أرسم ما يصفه لي مشاهد من الرواية، أماكن وشخصيات لم تكن موجودة إلا في خياله كنت أرسم، وأصدق أنها حقيقية.”

“آدم” وقف فجأة، متوجهآ إلى أحد الجدران المزخرفة، وأشار إلى رسم معين كان الرسم يصور رجلًا يقف وسط غابة، تحيط به أشجار تتنفس كالكائنات الحية.

قال “آدم” وهو يشير إلى الرسم بأصبعه المرتعش:

“هذا المشهد تحديدآ، كان يقول لي، أريدك أن تجعل هذا العالم ينبض بالحياة ارسم كل تفصيل صغير حتى يمكنني رؤيته وكنت أفعل ذلك كنت أندمج تمامًا مع المشهد، حتى بدأت أراه بعينيّ… وكأنه حقيقي.”

“أمجد” نظر إلى الرسم، محاولًا أن يستوعب كلام “آدم” :

“هل كنت تشعر وكأنك تعيش داخل هذه الرسومات؟”

“آدم” أومأ برأسه، وصوته مليء بالندم.

“نعم، ولم أستطع التفرقة بين الواقع والخيال منذ ذلك الحين هذه الأوهام التي ترافقني ليست مرضآ، بل هي انعكاس لما أجبرني أبي على صنعه لقد بنى عالمًا بداخلي، لكنني كنت السجين الوحيد فيه.

بينما كان “أمجد” يحاول تهدئة “آدم”، عاد إلى المخطوطة، ووجد فصلًا بعنوان:

بدأ يقرأ بصوت عالٍ:

“الفنان الذي يرى ما وراء الحدود.”

“لقد أدركت أن ابني يحمل موهبة فريدة يستطيع أن يرى ما لا أستطيع رؤيته، أن يحول خيالي إلى واقع بفضله، أصبحت روايتي أكثر من كلمات، أصبحت عوالم حقيقية يمكنني زيارتها لكن هذه الهدية تأتي بثمن… أرى في عينيه ثقلًا لا يمكنني رفعه عنه.”

“أمجد” توقف عن القراءة، وعيناه متسعتان:

“كان يعلم أن هذا يثقل كاهلك، لكنه استمر في استغلال موهبتك.”

“آدم” الذي كان ينظر إلى الأرض، رفع رأسه ببطء، وقال بمرارة: “لقد أحبني، لكن حبه كان أنانيآ، أراد مني أن أحقق حلمه، لكنه لم يفكر في الثمن الذي كنت أدفعه كنت أعيش داخل روايته، وأفقد نفسي يومًا بعد يوم.”

بينما كان يتحدثان، لاحظ “أمجد” باب حجري صغير في زاوية الغرفة، وكأن الكهف يفتح أمامهما المزيد من أسراره اقتربا من الباب، ودفعاه ليفتح على غرفة صغيرة أخرى.

في الداخل، كانت هناك رسومات أخرى، لكنها مختلفة هذه المرة. كانت الرسومات تصوّر “آدم” وهو طفل، يجلس أمام طاولة ويرسم، بينما يقف والده خلفه مبتسمًا.

“أمجد” نظر إلى أحد الرسومات وقال:

“آدم، هذه اللحظات التي كنت تعيشها هنا، أصبحت جزء من روايته لكنه لم يكن يدرك أن هذه الرسومات ستبقى معك إلى الأبد.”

في وسط الغرفة، وجد “أمجد” صندوق خشبي قديم فتحه بحذر، ليجد بداخله رسالة بخط يد والدهما.

بدأ “أمجد” يقرأ الرسالة بصوت مرتجف:

“إلى آدم، ابني العزيز، لقد كنت دائمًا مصدر إلهامي، وموهبتك كانت أعظم هدية حصلت عليها لكنني أدرك الآن أنني حملتك عبئ لم يكن عليك أن تحمله بنيت عالم داخل عقلك، ونسيت أنك تحتاج إلى العيش في العالم الحقيقي، إذا كنت تقرأ هذه الرسالة، فأعلم أنني آسف لم أقصد أن أسبب لك الألم، لكنني كنت أعمى بحلمي أرجوك، حرر نفسك من هذه الأوهام العالم الحقيقي يحتاج إلى رؤيتك، وليس العوالم التي بنيتها لأجلك.”

“آدم” الذي كان يسمع الكلمات، شعر بثقل هائل ينسحب من على صدره قال بصوت خافت:

“لقد كان يعلم كان يعلم أنني كنت أعاني، لكنه لم يستطع التوقف.”

“أمجد” وضع الرسالة جانبآ، ونظر إلى “آدم”:

“هذا هو الوقت يا آدم أنت لم تعد ذلك الطفل الذي يطيع كل ما يقال له لديك القوة الآن لتحرير نفسك. هذا الكهف ليس ملاذًا لك، بل هو السجن الذي يجب أن تهدمه.”

“آدم” أخذ نفسًا عميقًا، ونظر إلى الرسومات المحيطة به وقال بصوت حازم:

“لقد حان الوقت لإنهاء هذا الفصل سأخرج من هذا المكان، وأترك الماضي هنا. سأرسم لعالم جديد، لعالم أختاره بنفسي.”

بينما كان الاثنان يغادران الكهف، كانت الجدران المضيئة تبهت تدريجي، وكأن الملاذ كان يودعهما “آدم” لم يعد يشعر بالخوف، بل كان يشعر بالحرية لأول مرة منذ سنوات.

قال “أمجد” عند الخروج : “ما القادم يا آدم؟”

ابتسم “آدم” بخفة، وقال:

“العالم الحقيقي ينتظرني، وأعتقد أنني مستعد لرسمه كما يجب أن يكون.”

——

بعد أيام من خروج “آدم” و”أمجد” من الكهف وتركهما الماضي خلفهما، بدا وكأن حياة “آدم” بدأت تأخذ مسار جديد كان يقضي وقته في الرسم بحرية دون قيود الماضي، ويبدو أن الأوهام التي طاردته بدأت بالتلاشي “أمجد” الذي وقف إلى جانبه طوال هذه الرحلة، شعر أخيرًا بالراحة وهو يرى أخاه يتعافى تدريجيًا.

ذات يوم، جلس “آدم” أمام نافذة مرسمه، يشاهد غروب الشمس وهو يرسم لوحة تعبر عن السلام الداخلي الذي بدأ يلمسه كان المشهد بسيطًا ولكنه يعكس أعماق “آدم” غابة هادئة، نهر صافٍ، وشجرة وحيدة تقف في وسط اللوحة، وكأنها رمز لبداية جديدة.

“أمجد” دخل الغرفة بابتسامة خفيفة:

“آدم، يبدو أن هذه أفضل لوحة رسمتها منذ وقت طويل أعتقد أن الأوهام تركتك أخيرًا.”

“آدم” استدار نحوه، وعيناه تحملان مزيجًا من الامتنان والتعب:

“أعتقد أنني أعيش الآن خارج الرواية أشعر أنني أخيرًا حر.”

مرّت الأيام، وبدأ “آدم” يخطو خطواته الأولى نحو التعافي، مستعينًا بدعم “أمجد” وإرشادات “سلمى” كان الكهف وأسراره وراءه الآن لكنه لم ينسَ الدروس التي تعلمها هناك بدأ يرسم من جديد، لكن هذه المرة كان يرسم ما يراه في واقعه، يحاول أن يبني عالمًا جديدًا بيده، خاليًا من الأوهام.

(لكن الواقع له قوانينه القاسية)

ذات ليلة، كان “آدم” جالسآ في مرسمه، أمام لوحة بدأ العمل عليها منذ أيام كانت تظهر فيها مشاهد من الغابة التي كان والده يصفها له قديمًا، لكن “آدم” لم يدرك ذلك في البداية.

بينما كان يضيف الألوان إلى اللوحة، شعر بشيء غريب يتسلل إلى عقله الأصوات التي ظن أنه تخلص منها بدأت تهمس من جديد في البداية كانت همسات خافتة، ثم تصاعدت حتى أصبحت كأنها تصرخ في أذنيه.

وقف “آدم” مبتعدآ عن اللوحة، محاولًا تهدئة نفسه، لكن المشاهد التي كان يرسمها بدأت تتحرك أمامه أشجار اللوحة بدأت تنبض بالحياة، الغابة التي كان يحاول أن ينساها تعود إليه وكأنها تطالب بوجودها.

قال بصوت مرتجف:

“لا… هذا ليس حقيقيًا، هذا مجرد وهم!”

لكن الأصوات قالت له :

“بل نحن الحقيقة، وأنت من يحاول الهروب.”

في تلك الليلة، دخل “أمجد” فجأة إلى المرسم بعد أن شعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي وجد “آدم” جالسآ على الأرض، محاطآ برسومات مبعثرة، يحدق في لوحته وكأنها تخاطبه.

صرخ “أمجد” وهو يحاول أن يهز شقيقه لإعادته إلى وعيه:

“آدم! ماذا يحدث؟”

“آدم” رفع عينيه، التي كانت ممتلئة بالخوف، وقال:

“لقد عادوا، عادوا من جديد لا أستطيع الهروب منهم إنهم يريدون أن آتي معهم.”

حاول “أمجد” أن يهدئه:

“إنهم ليسوا حقيقيين، هذه مجرد أوهام تذكر ما قالته سلمى أنت أقوى من هذا.”

لكن “آدم” لم يستطع التركيز بدأ يحدق في زاوية الغرفة وكأن هناك شيئًا يقف هناك.

“إنه أبي، إنه هنا، يناديني يقول إنني تركت عمله غير مكتمل”

“أمجد” استدار، لكنه لم يرَ شيئًا حاول أن يجذب انتباه “آدم” بعيدًا عن ذلك، وقال بحزم:

“آدم، هذا يكفي، لن أدعك تغرق في هذا مرة أخرى، سأساعدك كما فعلنا من قبل.”

على الرغم من محاولات “أمجد” استمرت حالة “آدم” في التدهور الأيام التالية كانت مليئة بالفوضى عاد “آدم” إلى عزلته، ولم يعد يتحدث كثيرآ بدأ يرسم بجنون، ساعات طويلة دون توقف، وكأن شيئًا داخله يحاول السيطرة عليه.

“سلمى” التي تحدث معها “أمجد” عدة مرات، حذرت من أن النكسة قد تكون ناتجة عن ضغط نفسي عميق أو ذكريات مكبوتة أعيدت إلى السطح بعد اكتشاف الكهف، ثم تذكر حديث “سلمي”.

“علينا أن نكون حذرين جدًا، آدم يحتاج إلى دعم أكبر من أي وقت مضى قد يكون هذا الاختبار الأصعب له.”

في إحدى الليالي، اختفى “آدم” فجأة عندما لاحظ “أمجد” غيابه بدأ بالبحث عنه في كل مكان كان يعرف أن هناك مكانًا واحدًا قد يلجأ إليه “آدم” … وهو الكهف.

عندما وصل “أمجد” إلى الكهف، وجد “آدم” جالسآ هناك، محاطآ برسومات جديدة كانت تمثل مشاهد من رواية والده، لكنها كانت أكثر قتامة من أي وقت مضى.

سأل “أمجد” وهو يحاول أن يخفي قلقه: “آدم، ماذا تفعل هنا؟”

“آدم” نظر إليه بابتسامة حزينة وقال:

“أعتقد أنني أخيرًا فهمت هذا المكان… هذا الكهف… كان دائمًا عالمي ليس عالم أبي، كنت أحاول الهروب، لكنني أدرك الآن أنني لن أتمكن من ذلك لقد صنعني هذا المكان.”

“أمجد” اقترب منه وقال بحزم:

“لا، آدم، أنت أقوى من هذا، أنت لست مجرد انعكاس لما أراده والدنا لديك حياة خارج هذا المكان.”

“آدم” هز رأسه ببطء وقال:

“ربما، لكن هذا العالم لن يتركني إنه بداخلي الآن.”

في تلك اللحظة، رفع “آدم” إحدى رسوماته، التي كانت تمثل الغابة التي كان والده يصفها له دائمًا نظر إليها طويلًا، ثم تمزق تعبير وجهه بين الألم والارتياح.

قال بهدوء: “أعتقد أنني سأترك هذه المرة لهم أنا مرهق يا أمجد.”

قبل أن يتمكن “أمجد” من الرد، وقف “آدم” واتجه نحو مدخل الكهف:

“أحتاج لبعض الوقت وحدي لا تقلق. سأعود.”

“أمجد” وقف مذهولًا، غير قادر على الحركة.

“آدم” استدار للمرة الأخيرة وقال:

“شكرًا لأنك كنت هنا دائمًا ربما لا أفهم كل شيء الآن، لكنني أعلم أنك حاولت بكل جهدك.”

ثم اختفى بين الأشجار، تاركًا “أمجد” واقفًا وحده، يتساءل إن كان شقيقه سيجد طريقه إلى الحرية، أم أن الظلال ستبتلعه مرة أخرى.

في أعماق الغابه، اكتشف “آدم” بوابة قديمة كانت مخفية بين الصخور كانت مزخرفة بنقوش غريبة، ومغطاة بنباتات متسلقة عندما اقترب منها، شعرت يده كما لو كانت تجذب إليها لم يستطع مقاومة الفضول، فدفع الباب المظلم ودخل.

لحظة عبوره، شعر وكأن الزمن قد تجمد كانت هناك أصوات غريبة تتردد من كل الاتجاهات، لكن لا شيء كان مرئيًا في لحظة واحدة، شعر بشيء ثقيل يضغط عليه قلبه كان ينبض بسرعة، لكن في أعماق قلبه كان يعرف أنه لا رجعة الآن.

“آدم” وصل إلى مكان لم يكن موجودًا في عالمه، عالم مختلف عن أي شيء رآه من قبل أرض واسعة مظلمة، مليئة بالظلال التي تتحرك وتبتعد عن كل ضوء كان يحاول فهم أين هو، لكنه شعر بأن كل خطوة يخطيها تجلبه أقرب إلى شيء غامض وغير مألوف.

في كل زاوية، كانت هناك أشكال ضبابية تظهر وتختفي، لم تكن بشرية، بل كائنات غير مرئية للكثيرين، لاحظ “آدم” شيئ غريب في السماء، لم يكن نجمآ أو قمرآ، بل كان شيئًا يتغير في الأفق، كما لو أن السماء نفسها كانت تتمزق وتفتح أبوابًا لعالم آخر.

على مدار الساعات التي مرت، اكتشف “آدم” أن هذا المكان لم يكن مجرد بُعد آخر، بل كان سجنًا قديمًا، عالقًا بين عوالم متعددة كان هناك كائنات غريبة محاصرة في هذا العالم، تحاول الحصول على “آدم” ليكون جزءًا من هذا المكان، جزءًا من اللعبة التي استمرت لآلاف السنين.

بينما كان يستكشف هذا العالم المظلم، عثر “آدم” على كتاب قديم، مكتوب بلغة لا يستطيع فهمها، لكن بعض الرموز بدا وكأنها تتلألأ أمام عينيه بشكل متسلسل مع مرور الوقت، بدأ الكتاب يفتح له أفقًا جديدًا لفهم العالم الذي هو فيه أدرك أنه كان جزءًا من تجربة قديمة جدًا، ربما كان هو المرشح لهذه الرحلة المظلمة منذ فترة طويلة.

“آدم” شعر أنه لم يعد في العالم نفسه كان هناك أشخاص، أو بالأحرى كائنات، في هذا العالم ممن يتنقلون بين الظلال كانت تتحدث إليه بصوت ضعيف، كما لو أن أفكارهم نفسها كانت تُرسل مباشرة إلى عقله.

، تواصلت معه أحد هذه الكائنات، فقالت له:

“أنت الشخص الذي يفتح البوابات لكن هل أنت مستعد لحمل ما سيأتي بعدها؟”

لم يستطع الإجابة، لكن شعورًا غريبًا بالمسؤولية بدأ يترسخ في قلبه.

“آدم” كان يعلم أن هناك شيئًا خطيرًا قادمًا، وأنه أصبح جزءًا من خطة أكبر مما يمكنه تصوره.

مع مرور الوقت، أصبح “آدم” يكتشف جوانب مظلمة أكثر لهذا العالم الغريب كان على وشك مواجهة أكبر تحدٍ في حياته الكائنات الغريبة التي كانت تحيط به، والتي كانت تراقب كل تحركاته، بدأوا يكشفون عن أهدافهم الحقيقية كان المكان الذي يتواجد فيه هو مركز لعوالم موازية متعددة، وأن “آدم” هو من يملك القدرة على فتح أو إغلاق البوابات بين هذه العوالم.

بينما كانت الظلال تقترب منه، سمع صوته يأتي من خلفه، كان يشبه صوته، لكنه كان مختلفًا جدًا.

“هل أنت جاهز لأن تتخذ قرارك الأخير؟”

لم يكن يعلم كيف يرد، فقد كانت الخيارات التي أمامه محيرة، إذا أغلق البوابة، سيعود إلى عالمه العادي، لكن سيغلق الفرصة على كل شيء آخر وإذا فتحها، ستدخل الكائنات الأخرى إلى عالمه.

“آدم” قرر في النهاية أن يفتح البوابة، ليكتشف أنه كان يفتحها ليحمل عبئًا أكبر من مجرد العودة إلى منزله بمجرد أن فتح البوابة، بدأ يراها تتسع وتبتلع كل شيء حوله، ويشعر بشيء ضخم يقترب كان يعلم أن رحلته لم تنتهِ بعد، بل كانت بداية لشيء أكبر بكثير مما كان يتخيله.

بينما كان يواجه الكائنات التي خرجت من البوابة، نظر إلى الوراء، ووجد أنه لم يعد هناك أي شيء مثلما كان من قبل عوالم جديدة كانت تظهر من خلال الفجوات في السماء، و”آدم” كان في وسط هذه الفوضى هل سيعيش ليحكي قصته، أم أن هذا مجرد بداية لغزو أكبر بكثير؟ الإجابة لم تكن واضحة، بل كانت جزءًا من لغز لا نهاية له.

ظل “آدم” يتقدم داخل الممر المظلم الذي افتُتح أمامه، والجدران المحيطة به تتلو الحروف والرموز الغريبة التي كانت تتحرك وكأنها تتنفس كلما تقدم، زادت الهمسات في أذنه، كلمات غير مفهومة، وذكريات مشوشة عن أشياء كان قد نساها منذ وقت طويل وكل خطوة كان يخطوها كانت تدفعه أكثر إلى أعماق هذا المكان الغامض، حيث يتداخل الزمان والمكان في سلسلة من الألغاز.

ثم، وفي لحظة من التوتر العميق، انفتح أمامه باب ضخم، وحين دخل منه، اكتشف نفسه في قاعة واسعة تضاء بشكل غير طبيعي كانت الأضواء تتراقص بشكل غير منتظم، بينما كانت الأرض مغطاة بالرماد بدا المكان كأنه يعود إلى زمن بعيد، أو ربما كان من عالم آخر تمامًا.

وعلى الجدران، كانت الرسومات تظهر بوضوح أكثر، حيث تطورت لتعرض مشاهد من حياته منذ طفولته وحتى اللحظة التي كان يعيشها الآن كانت الصور المتحركة تعكس كل أحلامه، كل مخاوفه، وحتى ذكرياته القديمة التي لم يستطع تذكرها من قبل كل صورة كانت تعبر عن حقيقة ما كان يهرب منه، عن كل تلك الأسئلة التي لم يستطع الإجابة عليها، وكأنها تعيده إلى لحظة واحدة من حياته كانت قد تم نسيانها تمامًا.

وفي وسط القاعة، وقف والده، ولكن ليس كما كان يتذكره كان والده في وضع غريب، عينيه غائرتين في الظلام، وجهه مشوهًا كما لو أنه محاصر في عالم آخر، وعندما نظر “آدم” إلى عينيه، شعر وكأن ثقل العالم كله يقع عليه دفعة واحدة.

همس والده بصوت كان كالصدى في الهواء البارد:

“أنت هنا أخيرًا، ولكن هل تعتقد حقًا أنك ستجد ما تبحث عنه؟ هل تعتقد أن هذه الحقيقة التي تبحث عنها ستعطيك أي راحة؟”

كان “آدم” يحاول الكلام، لكنه لم يستطع كأن شيء ما يمنعه، شيئًا غير مرئي ولكنه يملأ المكان بقوة غريبة وكلما حاول أن يقترب من والده، كانت الصورة تبدأ في التلاشي، كأنها سراب يتبدد.

أضاف والده في همسات غامضة:

“آدم أنت لا تعرف الحقيقة بعد كل ما تراه هو مجرد وهم… مجرد لعبة يلعبها الزمن معك.”

ثم، فجأة، تغير كل شيء. بدأ المكان يهتز بشكل مفزع الجدران انكسرت، وكأن المكان كان ينهار حوله الرماد بدأ يتطاير في الهواء، والضوء أصبح أكثر سطوعًا حتى غمره بالكامل بدأ “آدم” يشعر بالاختناق، وعينيه تغلق شيئًا فشيئًا كانت الأصوات تتداخل مع بعضها، الكلمات تتشوش حتى اختفت تمامًا.

قبل أن يغمره الظلام، شعر بشيء يضغط على صدره، وكأن الحقيقة بدأت تسحب منه أنفاسه الأخيرة وعندما شعر بأن الأرض بدأت تختفي من تحت قدميه، سمع صوتًا بعيدًا، وكان الصوت الوحيد الذي يستطيع تمييزه في هذا السكون.

ثم، في لحظة مفاجئة، اهتزت ذراعه، وعادت الأشياء إلى ما كانت عليه فتحت عينيه فجأة، وكأنما استفاق من حلم طويل.

هز “أمجد” كتف “آدم” برفق كان “آدم” جالسًا أمام مدخل الكهف، يحدق في الأرض المظلمة، بينما كانت السماء تزداد إشراقًا مع اقتراب الفجر في البداية، شعر بشيء غريب، كما لو أن الواقع كان يتلاشى أمام عينيه نظر إلى “أمجد”، الذي كان يقف بجانبه، وقد بدا وكأن الوقت لم يتغير.

سأل “أمجد” بقلق: “آدم… هل أنت بخير؟”

همس “آدم” بصوت منخفض، وهو يحاول تذكر ما حدث:

“أمجد.. لقد كنت هناك… في الداخل… في ذلك المكان كان كل شيء حقيقي… وكل شيء كان يتحرك.”

لكن “أمجد” ابتسم بهدوء وأجاب:

“أنت فقط كنت غارقًا في أفكارك، الكهف ليس كما تراه… إنه مجرد مكان مظلم، مجرد حجر وصخر.”

شعر “آدم” بالضياع تذكر كل ما مر به في تلك اللحظات التي شعرت فيها كأنها دهر كامل لكنه الآن، في هذه اللحظة، لم يكن متأكدًا من شيء.

سأل “أمجد” مبتسمًا: “هل كنت تحلم؟”

أومأ “آدم” برأسه، بينما كانت ابتسامته تختفي شيئًا فشيئًا كان يدرك الآن أن ما مر به كان مجرد وهم كان يظن أنه على وشك اكتشاف الحقيقة، لكن الحقيقة كانت شيء آخر شيء غامض، كان عليه أن يكتشفه في وقت لاحق.

ادرك إنه ليس مجرد سجن أو بُعد غريب بل هو مركز لعالم آخر، عالم يحاول التداخل مع واقعه الكائنات لم تكن مجرد ظلال بل كانت أرواحًا لمخلوقات وقعت في هذا الفخ منذ زمن بعيد، تتوق إلى الحرية.

“آدم”، رغم خوفه، شعر بأن وجوده في هذا المكان لم يكن صدفة الكتاب الذي عثر عليه كان مفتاحًا لفهم هذا البعد، وكان يحمل رسائل غامضة تظهر فقط عندما ينظر إليه لفترة طويلة الكلمات بدت وكأنها تخاطبه مباشرة:

“من يبني الجسر، عليه أن يختار الوجهة احذر، لأن الجسر لا يربط فقط… بل يستهلك.”

بينما كان يحاول استيعاب المعنى، ظهر أمامه كائن أكبر من أي شيء رآه من قبل، شبحاً وعملاقاً، مكوناً من ظلال كثيفة صوته لم يكن صوتاً، بل كان صدى في داخله قال له:

“آدم… أنت وريث الإرادة القديمة، والدك حاول وفشل، أما أنت، فقد أتيت لاستكمال ما بدأه المفتاح ليس في الرسم، بل في الاختيار.”

صرخ “آدم” قائلآ: “اختيار ماذا؟!”

لكن الكائن لم يجب مباشرة، بل أشار بيده إلى مشهد يتشكل أمامه.

المشهد كان عبارة عن نافذة تُظهر الكهف الذي خرج منه و”أمجد” واقف عند مدخله، يبحث عن “آدم” بشدة كان يحاول الاتصال به، وكانت ملامحه مليئة بالقلق والخوف.

قال الكائن:

“لديك خياران يمكنك أن تغلق هذا الباب إلى الأبد، وتعود إلى عالمك، لكن الأرواح هنا ستظل محاصرة، وستظل تلحق بك في أحلامك… وفي يوم ما ستعود أو يمكنك فتح الباب بالكامل وتحريرهم، لكن ذلك لن يمر دون ثمن.”

“آدم” كان يعلم أن القرار أكثر تعقيدًا مما يبدو لقد ترك والده يستغل موهبته، والآن يواجه خيارًا قد يغير كل شيء.

قال بصوت عالٍ:

“أنا لست مثل أبي لن أترك طموحي يدمرني أو يدمر من حولي!”

الكائن اقترب منه أكثر، وقال:

“إذاً اختر بحكمة… لكن تذكر، كل قرار يحمل عواقبه إذا فتحت الباب، لن تكون نفس الشخص بعد الآن.”

تردد “آدم”، لكنه تذكر كلمات والده الأخيرة في الرسالة:

“حرر نفسك من الأوهام.”

ربما كان تحرير هذا العالم هو تحريره النهائي من الماضي.

أمسك الكتاب بقوة، وبدأ يقرأ الكلمات التي بدت وكأنها تتوهج على الصفحات الجدران من حوله بدأت تهتز، والظلال بدأت تنسحب ببطء نحو المركز. كان المكان كله ينهار، أو ربما يتحول.

قال الكائن مرة أخرى: “هل أنت مستعد لتحمل العبء؟”

“آدم” صرخ بقوة: “نعم… أنا مستعد”

فتح الكتاب على آخر صفحة، وكانت تحتوي على رسم واحد فقط بوابة متوهجة عندما لمس الصفحة، شعر بقوة هائلة تجتاحه البوابة أمامه بدأت تتوهج، واندفعت الظلال نحوها، واحدة تلو الأخرى، وكأنها تُسحب إلى عالم آخر.

لكن مع كل ظل يمر، شعر “آدم” بضعف متزايد الطاقة التي كان يحملها هذا العالم كانت تنتقل إليه، وكأن روحه أصبحت وعاءً لشيء جديد.

عندما انتهى كل شيء، كان الكهف خاليًا، والكتاب قد اختفى جلس “آدم” على الأرض، منهكًا، لكن في داخله إحساس غريب بالسلام.

خرج من الكهف أخيرًا، ليجد “أمجد” منتظراً عند المدخل ركض نحوه وأمسكه بقوة.

قال “أمجد”:

“أين كنت؟! ظننت أنك…”

لكن “آدم” قاطعه بابتسامة ضعيفة:

“لقد انتهى…. هذا المكان لن يؤذينا، مجددآ”

تابع العاشر..

كان المكان الذي يتواجد فيه “آدم” أشبه بسجن قديم للعقول الضائعة ظلال الكائنات التي تحدثت معه بدأت تكشف عن نواياها الحقيقية، حيث تبين أنها أرواح مُعذبة علقت بين العوالم بسبب خطأ ارتكبه والده قبل سنوات طويلة.

“أنت المفتاح”، قال الصوت الأكثر وضوحًا بينهم، صوت كيان ضخم كان يبدو وكأنه الحاكم لهذا العالم: “والدك فتح هذا الباب منذ زمن، لكنه لم يكن لديه القوة ليواجه العواقب، لذا تركك خلفه، وأغلقه عليك دون أن تدري.”

“آدم” شعر بالصدمة، وكأن كل شيء من ماضيه بدأ يأخذ شكلًا جديدًا والده لم يكن فقط يحاول تحقيق حلمه الأدبي، بل كان يخفي سرًا خطيرًا عن العائلة.

سأل “آدم” بصوت متردد: “ما الذي عليّ فعله؟ لماذا أنا هنا؟”

رد الكيان العملاق: “كل شيء صنعه والدك كان خطوة لإغلاق البوابة تمامًا، لكنه احتاج لروح نقية، روح مبدعة مثلك، لتحمل عبء العالمين أنت الوحيد القادر على تحقيق التوازن، أو إطلاق العنان للدمار.”

بينما كان “آدم” يحاول فهم المعنى الحقيقي لكلمات الكيان، ظهرت فجأة صورة ضبابية لوالده أمامه بدا شاحبًا، وكأن السنين التي مرت في هذا العالم قد استنزفته تمامًا.

“آدم… لم أرد أن تصل إلى هنا. أردت أن أحميك، لكن الوقت نفد. عليك إنهاء ما بدأتُه.”

“لكن كيف؟!” صرخ “آدم” محاولًا كبح الغضب والخذلان. “لقد تركتني وحدي أتحمل كل هذا!”

والده أشار إلى الكتاب الذي كان “آدم” يحمله: “هناك الطقوس، المفتاح، الإجابة على كل أسئلتك عليك أن تواجه الحقيقة، آدم، ولكن القرار الأخير سيكون لك وحدك هذا العالم يتغذى على شكوكك وخوفك إذا اخترت التراجع، فلن يتمكن أحد من إيقاف الخراب.”

“آدم” كان يشعر بثقل الكلمات، لكن عقله كان مشتتًا إذا كان عليه أن يضحي بنفسه لإغلاق البوابة، هل يستحق الأمر؟ هل هذا العالم المظلم جزء من قدره، أم أنه مجرد وهم؟

“أمجد” ظهر فجأة في ذهن “آدم” رغم المسافة بينهما، كان يسمع صوته يهمس: “لا تستسلم، آدم، العالم الحقيقي يحتاجك، وأنا لن أتركك.”

استمد “آدم” شجاعة من كلمات “أمجد” فتح الكتاب وبدأ يقرأ الرموز الغريبة، التي بدأت تتحول إلى كلمات مفهومة أمام عينيه الطقوس كانت معقدة، لكنها واضحة عليه أن يواجه أكثر ذكرياته ألمًا وأعماق خوفه، وأن يقدم جزءًا من روحه لإغلاق البوابة إلى الأبد.

بينما كان يقرأ، بدأت الأرض تهتز، وكأن العالم كله يستعد لما سيأتي الظلال من حوله حاولت إيقافه، تصرخ وتتحرك بعنف، لكنها لم تستطع الاقتراب منه.

بدأ “آدم” الطقوس، وعندما وصل إلى الجزء الأخير، ظهر أمامه شبح والده مرة أخرى.

“آدم، هذه ليست نهايتك. مهما حدث، اعلم أنني أحببتك دائمًا أنا آسف لأنني حملتك هذا العبء.”

رد “آدم” وعيناه تملؤهما الدموع: “أبي، أنا أسامحك ولكن يجب أن أنهي هذا بطريقتي.”

في اللحظة الأخيرة، شعر “آدم” بطاقة هائلة تتدفق عبر جسده الظلال بدأت تتلاشى، والبوابة بدأت تغلق ببطء لكنه كان يعلم أنه لن يخرج من هذا العالم كما دخل.

بصوت هادئ، قال: “أمجد، إذا سمعتني، قل لهم أنني لم أهرب قل لهم إنني وجدت حريتي.”

ثم غرق كل شيء في صمت.

في العالم الحقيقي، “أمجد” كان يبحث عن “آدم” في الغابة، لكن فجأة اختفى الكهف من الوجود كل ما تبقى هو اللوحة التي رسمها “آدم” قديمًا، غابة مظلمة وشجرة وحيدة تقف في المنتصف.

“أمجد” أخذ اللوحة وعاد إلى المنزل رغم الحزن العميق، كان يعلم أن شقيقه قد وجد السلام الذي لطالما بحث عنه، حتى لو كان ذلك على حساب وجوده.

“آدم، سأعيش من أجلك، وسأروي قصتك،” قال أمجد بهدوء، واضعًا اللوحة في غرفة المعيشة كرمز للتضحية والأمل.

النهاية… أو ربما مجرد بداية أخرى لحكاية تنتظر أن تُروى.

—-

مرت شهور على اختفاء “آدم”، لكن أمجد لم يتوقف أبدًا عن التفكير فيما حدث كلما نظر إلى اللوحة التي تركها آدم، كان يشعر بأن شيئًا غير طبيعي يحيط بها، لكنه لم يسمع أصواتًا ولم يرَ شيئًا يتحرك مجرد شعور غامض يجعله غير قادر على تجاهلها.

في إحدى الأمسيات الباردة، وبينما كان “أمجد” يقرأ مذكرات “آدم” للمرة الألف، لاحظ تفصيلة صغيرة لم ينتبه لها من قبل في الصفحة الأخيرة من المذكرات، كانت هناك كلمات مكتوبة بخط صغير جدًا:

“البحث ليس هنا. مفتاح الإجابة يكمن حيث بدأ كل شيء.”

“حيث بدأ كل شيء؟” تمتم “أمجد” محاولًا فك اللغز سرعان ما أدرك أن “آدم” كان يشير إلى المكان الذي كانا يذهبان إليه معًا في صغرهما: الكهف القديم القريب من أطراف البلدة.

قرر “أمجد” أن يذهب إلى هناك وصل إلى الكهف عند الغروب، حاملًا معه المذكرات واللوحة التي كانت تمثل الرابط الوحيد المتبقي بينه وبين “آدم”.

عند دخوله الكهف، كان كل شيء يبدو كما تذكره الجدران المغطاة بالطحالب، والرائحة الرطبة المميزة لكنه لاحظ شيئًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل نقش على الحائط يشبه الشجرة المرسومة في اللوحة.

اقترب “أمجد” من النقش، ووضع اللوحة بجانبه، محاولًا فهم العلاقة وبينما كان يمسح الغبار عن الجدران، وجد فجوة صغيرة في الصخر، وكأنها مخصصة لشيء معين دون أن يفكر، أدخل اللوحة في الفجوة.

فجأة، اهتز الكهف بشكل طفيف، وظهر ضوء خافت من وراء الجدران شعور غريب اجتاح “أمجد” وكأن الهواء أصبح أثقل تقدم ببطء نحو مصدر الضوء، ليجد بابًا حجريًا صغيرًا كان مخفيًا وراء طبقة من الصخور.

فتح الباب بحذر ودخل كان الداخل مختلفًا تمامًا عن أي شيء رآه من قبل الغرفة كانت مضاءة بأضواء غامضة تصدر عن كريستالات على الجدران، وفي وسطها طاولة حجرية عليها كتاب كبير.

فتح “أمجد” الكتاب بحذر، ليجد أنه مكتوب بلغة غريبة، لكنه لاحظ أن هناك رسومات وأشكالًا مألوفة، بينها الشجرة نفسها مع كل صفحة كان يقلبها، كان يشعر وكأنه يقترب أكثر من فهم ما حدث

لـ “آدم”.

في الصفحة الأخيرة، وجد رسالة مكتوبة بلغة يستطيع قراءتها:

“لقد عثرت على ما كنت أبحث عنه، لكن ثمن المعرفة كان أعظم مما توقعت إن كنت تقرأ هذا، فأنت أقرب إليّ مما تتخيل لا تبحث عني… بل اكمل ما بدأته.”

“أمجد” أغلق الكتاب، لكنه لم يستطع تجاهل التحذير ماذا يعني أن يكمل ما بدأه آدم؟ ولماذا لم يعد؟

قرر “أمجد” أن يأخذ الكتاب معه ليحاول فك رموزه لكنه، بمجرد أن خرج من الكهف، شعر بأن شيئًا غريبًا قد تغير الهواء كان مختلفًا، والأصوات من حوله بدت وكأنها مشوشة.

الأيام التي تلت كانت مليئة بالأحداث الغريبة الكتاب بدأ يُظهر له رسائل إضافية، واللوحة، التي ظن أنه تركها في الكهف، عادت لتظهر في منزله، وكأنها لم تتحرك.

“أمجد” أدرك أن رحلة البحث عن “آدم” لم تنتهِ، بل بدأت للتو الآن، كان عليه أن يواجه أسرارًا لم يكن مستعدًا لها، وأن يقرر ما إذا كان مستعدًا للمخاطرة بكل شيء للوصول إلى الحقيقة.

لكن السؤال الذي يطارده دائمًا: هل سيكون مصيره مثل مصير آدم؟

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الظل الذي يلاحقني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى