روايات

رواية غمرة عشقك الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم دهب عطية

رواية غمرة عشقك الجزء الثاني والأربعون

رواية غمرة عشقك البارت الحادي والأربعون

رواية غمرة عشقك
رواية غمرة عشقك

رواية غمرة عشقك الحلقة الثانية والأربعون

دوماً هناك صراع مع النفس عن كيفية الفوز برهان
اتخذتُ عهداً بينك وبين حالك….. على انك قادر على الوصول للدرب الغير مالوف عليك……
أربع سنوات هم مراحل متعددة في حياتها…. اصبحت من خلالهما ام لطفلاً رائع ، وزوجة لرجل أعمال ناجح… باتت تتعلم وتعافر كي تكن جواره
في اي حفل يدعا اليه او دعوة عشاء مع بعض الأصدقاء او شركاء العمل…..
اخذت عدت دروس في أسلوب الاتيكيت كزوجة تتعامل مع عالم لا يخلو من المظاهر وعوجة السان……ربما كانت تفشل كثيراً وتستوعب أقل وأحياناً يكن النجاح محدود…… لكن في نهاية كان
الحب العزيمة التي تتشبث بها كي تتعلم و تصل
اليه ولو قليل ؟!……
لم تغيرها السنوات حتى مع الاندماج وكثرة العلاقات في تلك الطبقة المخملية…. مزالت هي حنين تلك المرأة التي اغرقت رجلاً في الهوى بمجرد فطرة حنان واهتمام تتمتع بهم…. مزالت هشه في الحب وهذا مايثير جنون عشقه لها… مزالت الدموع اقرب اليها من الابتسامة وربما هذا يزعجة لكن حينما تخرج الابتسامة لأجله هو فقط يرضى وكانه
امتلك العالم وما فيه…….
حانيه هي في العناق كوردة ناعم تداعب الأنف بعطرها الرقيق……. شفتيها مزالت سخيه حينما
يخترقها الحبيب تسلم حصونها حتى ولو بينهما خلافات أكبر من تجاوزها بقبلة وعناق….
فقط عناق يريح قلبها ويهدأ جنونه عليها………
أصبحت تفهم حالته من نظرة واحده وتتعامل وقتها بحنان الأم أكثر من زوجة… وحتى هو أصبح يتعامل مع نوبات تقلباتها بنفسٍ راضية وبصبر لم يعرفه إلا على يداها…….
ربما مشاعر الحب عديدة ، لكن العلاقات الزوجية شعورها الأساسي هو الانتماء… كوطن عزيز عليك مهما صبيت عليه خطأك وغضبك يظل وطنك…
مهما هاجرته لأميالاً بعيداً عنه ستعود لأنه وطنك
وحب العائلة كحب الوطن كحب الحياة كأول
أمرأه تلامس بها الانتماء وتدمنها روحاً وجسداً…..
“حنين……حنين……..”
تبسمت شفتيها بعد سماع صوته المتلهف عليها
لذا ردت عليه بمناغشة حانية….
“انا هنا ياعز في المطبخ…..جرالك اي ياستاذ مينفعش اغيب عنك شوية………”
عانق خصرها بيداه من الخلف وهو يوزع
قبلاتة الحارة على جيدها الناعم قائلاً
بهمساً…
“ولا حتى ثانيه……..بتعملي إيه كل ده…….”
ادارة وجهها اليه وهي تقول باستياء مع هزه
بسيطه من كتفها…….
“بحضر الغدى اللي انت جبته…..انا لحد دلوقتي مش مستوعبه ان احنا جايين نقعد في الشلية هنا في عز الشتا…….انت وابنك دماغكم في حته تانيه…….”
ارجع عز الدين خصلة مائلة من شعرها للخلف
وهو يقول بمرح وعيناه لا تبرح وجهها
الجميل…….
“دماغنا عاليه والله…..وعلى فكره بقا البحر في
الشتا حاجة تانيه…….”
ابتعدت حنين عنه وهي تعود لوضع الأطعمة في الاطباق قائلة……
“القعدة قدامه بس…..لكن ننزل الماية لا طبعاً….”
قال عز الدين ببساطه….
“انا هنزل خليكي انتي قعده…….”
مالت بوجهها نحوه قائلة بلهفة…. “هتبرد ياعز…….”
توهجت عيناه وهو يسألها بانتشاء……ويده
امتدت بوقاحه لاحد مفاتنها…..
“خايفه عليا ياعيون عز…….”
ابعدت يده وهي تقول بحنق……
“والله انت رايق….شوف انا بقول إيه وانت دماغك وايدك بتروح فين……”
سالها ببراءة…. “الله وانا ايدي راحت فين ياحنين…….”
كبحت ضحكتها الخجولة وقالت….
“انت عارف بقا……..هو فين آدم صحيح………”
قال عز الدين بلؤم…..
“فوق في اوضته بيكلم جنا………”
رفعت حنين حاجبها مشدوهة…….واردفت……
“جنا ؟!……..جنا مين……..اللي معاه في الحضانه…”
اوما عز الدين ضاحكاً…….قالت حنين ممتعضة
منهم…
“وانت سايبه زمانك انت اللي مشجعه…….انا
مش فاهمه اي ده دا انا لما كنت في سنه مش فاكره
طبعاً كنت بعمل إيه بس اكيد مكنتش بعرف اجيب لنفسي كوباية مايه مش امسك تلفون وقعد اتكلم فيه……..”
رد عز الدين وهو يستند على حافة
الرخامة….
“انتي من جيل…. وهو من جيل تاني خالص……”
توهجت الغيرة بعيونها وهي تسأله
“هو كل دا بيكلمها…….”
لوى شفتيه في ابتسامة خبيثة قائلاً….
“انتي غيرانه ولا إيه……”
قالت بنفي مبررة……..
“لا وانت الصادق انا قلقانه…….. اصل البنات اللي ابنك بيكلمهم دول اوعى منه…….”
قال عز الدين بفخرٍ أبوي……
“صفي النيه ياعيوني……ابنك اوعى مني ومنك…..”
اردفت حنين بوجوم….
“اوعى مني آآه….. لكن انت وهو دماغ واحده…..”
ابتسم عز الدين وهو يسالها باستمتاع
ذكوري….
“حنين……. انتي عايزه تقولي إي بظبط ؟…..”
اطبقت حنين على اسنانها وهي تقول بهجوم
خفي…….
“عايزه اقول ان ابنك طالع بيحب البنات اوي….
دا مش بيلفت نظرك لحاجة…….”
رفع عز الدين حاجبيه قائلاً وهو
يضحك…….
“لا إله إلا الله………. وانا مالي……”
كشرت عن انيابها قائلة بضجر….
“يعني عارف ان انت السبب…….”
قال وهو ينسجم اكثر في الحديث معها…
“يابنتي دا بيكمل مصيرة الخولي لما يكبر هيعقل
اصبري….”
برمت شفتيها قائلة…
“ربنا يستر من اللي هتقع فيه……..”
قال عز الدين بمزاح……
“هبقا اجوزه واحده من بنات آية……..تالين او تمارا….”
قالت حنين بعيون لامعه مع تذكر ملامح
التوأم….
“الاتنين شبه بعض أصلا الفرق الوحيد اللي بينهم لون عنيهم تالين عينيها عسلي وتمارا لون عينها عاديه……..بس بجد كتاكيت اوي ربنا يحفظهم… ”
قال عز الدين بمناغشة وقحة…..
“وانتي مش ناويه تجبيلي كتاكيت زيهم….عايز اجيب توام ويبقوا بنات اي رأيك ماتيجي
نخطط للموضوع ده……”
سحبها من خصرها فحاولت التملص منه وهي
تقول بدلال……
“مش هنخطط لحاجة…….وبطل قلة أدب…..”
قال ببراءة مضحكة…….
“فين قلة الادب دي ياعيوني……دا انا محترم بقالي ساعتين……..”
ضحكت وهي تحاول فك وثاقها….وهتفت بدلال
“ياعز بس….. وحياتي عندك……..”
مالى براسه عليها وهو يحاول التقاط
شفتيها….
“وحياتي عندك انتي هاتي بوسه قبل ما ادم ينزل ويقفشنا زي كل مرة…….”
ابعدت راسها عنه قائلة بتوتر…..
“ابنك ممكن يدخل علينا في اي لحظة………”
قطف قبلة من وجنتها وهو يقول بحرارة
“مش هيحصل………..اسمعي مني…. ”
توسعت عينيها خلفه قائلة بهلع…
“ادم ياعز……. آدم……..”
كان بعالم تاني وهو يخبرها…. “آدم فوق ياحنين…….”
انساب صوت الصغير من خلفه بشقاوة…
“انا هنا يا بابي…….”
“يابن الكلب………”لفظها بغيظٍ ثم أدار وجهه سريعاً اليه وهو يتبسم بصعوبة في وجه ابنه قائلاً بحنق مكتوم….
“خلصت مكالماتك……..”
اوما الصغير وهو يسأل والده بلؤم…..
“أيوا……. انت بتعمل إي يابابا………”
تنحنح عز الدين وهو يقول
ببساطه….”كنت ببوسها…….”
لكزته حنين بقوة وهي تصيح….
“عز………”
غير حديثه سريعاً قائلاً بتبجح…..
“بعد ما بوستها…… بساعدها زي مانت شايف…..
وبنحضر الغدى…….تيجي تساعدنا…. ”
حكت حنين في جبهتها بحرج والغضب يتفاقم داخلها لتجد الصغير يرد على والده بشقاوة….
“لما ابوس مامي الأول…….”
جزت حنين على اسنانها وهي تصرخ فيهم ان
يتوقفا عن تلك الوقاحة….
“بااااااس…..انتوا الإتنين……..”ثم رفعت عيناها على ابنها والذي كان نسخة من والده طباعاً وشكلاً
نسخة من عز الدين بشعره الاشقر وعيونه العسلية
وبشرته الحنطية وملامحه الوسيمة……..وحجمه الصغير الذي يتناقض مع لسانه……..لم تلبث الا
قليلاً ثم صاحت في الصغير قائلة بتذكر…..
“تعالى هنا ياستاذ….. انت كنت بتكلم مين…….”
رد آدم بهدوء…
“جنا……. وبعدين كلمت ايلينا………”
سالته بضيق…..
“وبتكلمهم ليه بقا ان شاء آلله……..”
قال الصغير بسلاسة مبسطه….
“بطمنهم عليا……مش احنا بنقضي الويك اند هنا
زي ما بابي قال…”
عقبت حنين وهي متخصرة….
“انت في اي ويك اند لازم تطمنهم عليك……”
أردف آدم ببراءة…..
“ايوا يامامي هما صحابي……..”
تدخل عز الدين قائلا بخشونة…
“حنين خفي على آدم شويه……ويلا حضري الغدى عشان انا جوعت……..”
زفرة وهي تنظر للاطباق الموضوعه على الرخام جوار بعضها……..وقالت بفتور……
“خلاص انا حطيته في الاطباق هتاكلوا هنا ولا على البحر……..”
“على البحر طبعاً……”ثم نظر للصغير واقترب منه مداعب شعره الاشقر الناعم بيده قائلاً بجذل….
“يلا يا آدم عشان نحضر المكان اللي هنقعد فيه….”
قفز الصغير بحماسيه جوار والده…..
“اوكي……… يلا بينا……..”
تنهدت حنين وهي تتابع رحيلهم بصمت……كيف للكون تحمل نسخة اخرى منك ياعز الدين…..نسخة
اكثر شقاوة وجمالاً وجينات آل الخولي تجري في عروقها باستماته…..
على الشاطئ…..فرش عز الدين على الرمال بساط أنيق ثم وضع تربيزة بيضاء صغيرة في الوسط ووضع عليها الطعام…….لم يكن من هواي الجلوس أرضاً اثناء الأكل ولكن حنين جعلت لتلك الجلسة
مذاق اخرى… كثيراً عند خروجهم للحدائق العامة
للتنزة او الجلوس على الشاطئ تفرش بتلك الطريقة
وتجبرهم على الجلوس أرضاً والاكل بهذا الشكل البسيط الذي للعجب يفتح شهية المرء فيجعله
يشعر بحلاوة الدنيا بابسط الطرق…….
ابتسم عز الدين وهو يتذكر جملتها حينما كان ينتقدها في تلك الجلسه فتقول بتبرم…..
(مفيش اجمل من القعده على الأرض…..منها واليها نعود ياعز بيه………)
تربعت في جلستها ثم بدأت تمد يدها بحنان لتنظف لهم واحداً من القريدس ثم نظرة لادم الجالس جوارها ياكل من طبق الأرز بمعلقة صغيرة و بحرصٍ شديد حتى لا يفسد ملابسه………تبسمت لعيناه الجميلة وهي تقدم له واحده من القريدس المقشر
قائلة…..
“افتح بوقك ياام……”
التقط الصغير منها القطعه باسنانه ومضغها وهو يهمهم باستمتاع……
“حلو اوي يامامي………”
قشرت واحدة أخرى ومدتها لعز الدين الذي رمقها
بعينين مبتسمتين وهو يمسك كفها وياخذ قطعة القريدس متكأ على اطراف اصابعها عن قصد….
تاوهت ناظرة له بحنق……
“آآه……….. صوابعي ياعز……..”
ادعى القلق وهو يمسك يدها قائلا….
“مالها صوابعك ياعيوني وريني كده…….”حينما مسك يدها امتص اصبعها الذي قضمه باسنانه..سحبت حنين يدها سريعاً وهي تنظر اليه بتحذير ناظرة الى ابنها الذي كان مشغول عنهم في الأكل……..
مالت عليه هامسه في اذانه ببراءة…..
“بطل قلة ادب ابنك قعد…….”
هتف عز الدين منزعجاً
“واضح انها بقت الحجه اللي بقيت بتهربي بيها مني…….”
قالت بدلال ناعم….
“انا مقدرش اهرب منك يازيزو…….”
قال بلؤم….. “اثبتيلي……..”
“لما ادم ينام……..”ابتسم على ردها فلم يجد على قلبه سلطان فمد يده لها بمعلقة ارز قائلاً
بمداعبة…..
“طب افتحي شفايفك الحلوين دول خليني اشوف القطر رايح فين……..”
ضحكت حنين وكذلك آدم الذي انتبه للجملة المعتاد سماعها من امه كلما ارادت اطعامه……فقال آدم بشقاوة…….
“اكلني انا كمان يابابا………”
أكلت حنين من يده الممتده بينما هو رد على ابنه
بغلاظة…….. “انا مباكلش غير عيوني………”
اردفت حنين بدهشة…..
“اخص عليك ياعز ……”ثم مدت حنين لابنها معلقة من الأرز ووضعتها في فمه قائلة بحنان الأم….
“كُل ياحبيبي بالف هنا………”
غمز آدم لأبيه بمكر فجز عز الدين على
اسنانه قائلاً……”اه يابن الكلب……….”
سالته حنين باستغراب….
“بتقول اي ياعز…..”
اجابها بجفاء….
“ولا حاجة…..كُلي واكلي الحيلة……”
لم تنتبه لجفاؤه بل قالت بحنان نابع من
قلبها….
“ااكله ماكلوش ليه افتح بوقك ياحبيب امك….”
اكل آدم من يدها مجدداً……
فعقب عز الدين بحاجب مرفوع…..
“حبيب أمه ؟!……..”
تنحنحت حنين وهي تنظر اليه مدعيه
الدهشة…..
“احم……انت بتغير من إبنك ولا إيه…..دا حتى
نسخه منك….. ”
قال عز الدين بحماقة….. “انا احلى طبعاً……..”
نهض ادم ووقف جوار والده قائلاً بثقة الأطفال
“انا احلى يابابي………”
ابعده عز الدين بكفه قائلاً بقرف…
“بس يابابا قعد مكانك………..”
ضحك آدم وهو ينهض قائلاً…..
“انا كلت يامامي…….. هروح اغسل ايدي………”
قالت حنين عابسة….
“مش قولنا نقول الحمدلله الأول……..”
“الحمدلله…….”ابتعد الصغير عنهما للداخل….
ضحكت حنين وهي تعقب على ما حدث منذ قليل
“على فكره آدم بقا بيتعمد يضايقك…..وانت اللي حسسته بجد….. في حد يعمل راسه براس عيل صغير……. ”
قال عزالدين بجدية وهو يبتسم لعيناها…..
“انتي صدقتي يعني……دا انا بحب انكشه……”
سالته بتشكيك…. “يعني انت مش بتغير……..”
أردف بتوضيح وهو يتمتع بنظر لوجهها الجميل
عن قرب……..
“انتي هبله اغير من ابني…..انا بغير فعلاً بس
عليكي انتي……بقولك إيه ما تجيبي بوسه……”
قالت بتغنج……
“بوسه واحنا بناكل سمك…….”
قربها منه اكثر وهو يقول بمداعبه
مرحة……
“دي هتبقى بوسه مُتبله………”
ضحكت حنين بقوة لتجد شفتيه تكتم ضحكاتها بقبلة متناغمة حانية…. عزفت شفتيه العابثة
على شفتيها السخية ترنيمة هوى عازفها غارق
في الهوى وصاحبة الهوى تعذب فؤاده……
تثور الأمواج بجنون ورذاذ الماء يضرب وجوههم
برفق….. التمتع بنظر للزُرقة البحر الداكنة في تلك الاجواء الشتوية متعة اكثر من الجلوس في وضح النهار….
الهواء البارد يداعب وجهها وشعرها يتطاير للخلف بجمالاً كانت جالسة جواره امام البحر وابنهما يستلقي بينهما ممسك الهاتف في يده يشاهد
مقاطع كرتونيه بينما هي وهو منغمسين في
الحديث…….
قالت حنين ضاحكة وهي تريح راسها على
كتفه…..
“بس بجد آية بتصعب عليا اوي البنتين مغلبانها… تربية التوأم دي صعبة اوي……تقريباً لسه مكملين سنة من شهرين …….”
قال عز الدين بجذل…..
“بس عاملين جو في البيت….. خالي فؤاد طاير بيهم…….”
اردفت حنين بمزاح…..
“شكل علي اتركن على جمب…….”
اندمج في الحديث اكثر معها وهو
يقول…
“بالعكس علي اكتر واحد فرحان بيهم….. علي دلوقتي سبع سنين يعني مش صغير فاهم… وبعدين
آية بتقول انه بيحبهم اوي وعلطول بيلعب معاهم
وهما كمان متعلقين بيه أوي…….”
اومات حنين وهي تغمض عينيها على كتفه….
“طبعاً مش اخوات…… انا كمان بفكر اني اجيب
اخ او اخت لآدم…….”
قبل جبهتها القريبة من شفتيه وهو يقول
بحرارة…….
“انا نفسي أجيب دسته منك ياحنين مش واحد بس ….”
قالت وهي تبتسم ذاهلة……
“انت كده عايز تموتني ياعز……..”
رد عليها بصوتٍ ممتلاء بالعواطف…..
“بعد الشر عليكي ياعيوني…. بلاها عيال خالص…. كفايه انتي وادم معايا انا راضي…….”
رفعت راسها عن كتفه وهي تنظر لعيناه قائلة
بعقلانية…..
“مش قصدي ياحبيبي… بس انا حبى اجيب طفل كمان وخلاص…. يعني عشان نقدر على تربيتهم…. ملهاش علاقه بالفلوس بس ليها علاقه بجهدي انا ووقتي معاهم……. فهمني…….”
رد عليها بطريقة آدميه…..
“زي ما تحبي……. الحاجة دي بذات حسب
حريتك……”
سالته بهدوء… “يعني مش زعلان……”
تخلل خصلات شعرها باصابعه قائلاً بصوتٍ
مسحور بها يزيد خفقات قلبها لهفة معه……
“هزعل ليه قولتلك من شويه انك انتي وادم كفاية عليا… انا لو عايز عيال منك فدي رغبة انتي اللي خلقتيها جوايا …….لاني حبيتك وبسببك
بقيت اب و زوج…..مين يصدق اللي عملتيه فيا ياحنين…… ”
ابتسمت وهي تناكفه بينما نظرتها تنطق
إباءً جميل…….
“انا معملتش حاجة انت اللي عملت…ولا نسيت عرض الجواز اللي طلبته كذا مرة مني….”
قرب راسه منها قائلاً بضراوة بينما عسليتاه
تتوهج بجنون……..
“تعرفي لو رجعت بيا الايام هعمل فيكي إيه…..”
هزت راسها بشقاوة “هتعمل إيه…….”
خبط جبهته بجبهتها بخفة قائلاً بنبرة
عاطيفة…….
“هخطفك……….وهحبسك جوا قلبي…….”
قالت بعيون تتوهج ببريق العشق…..
“مانت خطفتني وحبستني كمان ولا مش واخد بالك………….”ثم مدت يدها وتحسست وجنته
هامسة بصوتٍ مفعم بالمشاعر…….
“بحبك اوي ياعز…….”
“وانا بموت فيكي ياعيوني….. “مالى عليها وطبع قبلة سطحية على شفتيها ثم نظرا لآدم فوجدا
نائماً في سباتٍ عميق…. فقد نام على ساق امه
وترك الهاتف جانباً…..
قال عز الدين وهو ينهض حامل الصغير على
كتفه ثم مد كفه لها وساعدها على النهوض
بخفة بين يده كالفراشة الناعمة…..
“يلا ندخل ياحنين ….خلينا نكمل سهرتنا جوا.. ”
غمز لها بشقاوة وهو يقرصها من وجنتها……
فاومات براسها وهي تتبسم ثم عانقت خصره
بذراعها وهي تدخل معه الفيلا……..
…………………………………………………………….
كانت تقطف بعضٍ من الورود وهي تتدندن بصوتٍ ناعم بينما ابنتها الصغيرة تتأرجح على الأرجوحة
الموضوعه فوق السطح وكانت تلعب بدمية محشوة صغيرة على شكل خروف بفرو أبيض ناعم ومكتوب على احد جوانب الخروف بالخيط الأسود المطرز
(عيدك مبارك حبيبة…)
بعد ان انتهت سمر من قطف بعض الورود نظرت لابنتها التي تلهو بتلك اللعبة الغريبة عليها شكلاً
فسألتها برفق…..
“جايبه منين اللعبة دي ياكوكي……..”
اجابتها الصغيرة….. “من حبيبة……..”
اومات لها وهي تشم عطر الورود الحمراء ثم
تذكرت شيءٍ أهم فقالت….
“امال فين بسبوسة…….”
قالت الصغيرة…… “عند بابا……”
اومات سمر بفتور وهي تمد يدها لابنتها قائلة…
“طب تعالي يلا ننزل تحت….. عشان أروح احضر الفطار قبل ما بابا يصحا………”
في الأسفل كان متسطح على بطنه مغمض العينين وانفاسه المنتظمه تعبر عن سباته العميق في النوم
ولكنه شعر بشيءٍ ناعم يرتاح على ظهره العاري وصوت مواء رفيع ياتي من جوار ويتردد
بشدة في احلامه فزاد عبوس وجهه وهو يستدير ببطئ كي يستلقي على ظهره……..
شعر باقدام صغيرة تسير على بطنه ثم صدره وترتاح مستقره على صدره بينما صوت المواء يتضاعف وكانها مصره على ايقاظه………فتح عيناه ببطء
ليجد القطه الصغيرة مستقرة على صدره وتنظر إليه ببراءة لطيفة ومزال المواء الخاص بها مستمر……..
صرخ صرخة غضب وهو يشتم بكلمة نابية على اثارها كانت تفتح سمر باب الشقة وتدلف منه هي وصغيرة وبين يداها الورود….وضعت الورد جانباً وركضت هي ومكه للغرفة حيثُ صوت صياحه الغاضب…..
حينما دخلا لاثنان للغرفة وجدوا ابراهيم يمسك القطه من مؤخرة عنقها ويرفعها بخفة بين يده وهو يصرخ فيهما بعد رؤيتهما أمامه……
“القطه دي بتعمل اي هنا……..”
تبادلت سمر ومكه النظرات لبرهة بصمت فصرخ
فيهما مجدداً……
“انطقوا القطه دي بتاعت مين……”
اشارت سمر على مكه قائلة بخوف….
“دي قطة مكه…….”
زمت مكه شفتيها وهي تقول لابيها بشجاعه…
“هات بسبوسه يابابا………”
“بسبوسه……دي بسبوسه…….”نظر ابراهيم للقطه بقرف فكان رد القطة مواء صغير وهي تلعق يدها
بدلال…….
ضحكت سمر وكذلك مكه فصرخ ابراهيم فيهن بوحشية…..
“اخرسوا…….ليكوا نفس تضحكوا……..”
قالت سمر ببراءة……
“في اي يابراهيم…..اي اللي حصل لده كله….”
قال ابراهيم باشمئزاز وهو يأرجح القطة بين
يده….
“اللي حصل اني مبحبش القرف ده في بيتي…انا مبربيش قطط ولا حتى كلاب…….ارمي القطه دي برا…….”
اردفت سمر بحسرة……
“حرام عليك يابراهيم دا احمد شريها مخصوص عشان مكه…….”
“أحمد……”اكفهر وجهه وهو يلفظ اسم اخيها فنظر اليها وقال بوجوم……
“كان لازم اعرف ان قلة راحتي سببها أحمد…اي اللي خلاه يجبهالها وزاي يامدام توفقي تاخديها منه أصلاً…..”
نظرت له سمر بقوة قائلة ببساطه…..
“مخدهاش منه ليه هو مش اخويا وخالها…. وبعدين بنتك قعدت تزن عليه عشان يجبهالها……”
اوشكت مكه على البكاء وهي تتشبث بساق والدها كي تصل للقطه الصغيرة وكانها تنظر من اعلى
جبل شامخ قائلة……
“بسبوسه………. هاته……”
صاح ابراهيم بوجه متجهم…..
“مفيش زفته….. القطه دي برا يعني برا سامعين….”
انفجرت الصغيرة في البكاء بينما نظرت سمر
اليه بحنق شديد وقالت……
“عجبك كده اهي مسكت في الزن هتعرف بقا تسكتها……… ”
اردف بصلابة……
“سكتيها انتي مفيش قطط هنا يعني مفيش قطط……..”
اقتربت منه سمر وهي تتحسس ذراعه
قائلة بترجي…….
“عشان خاطري يابراهيم… سبها ويومين كده
وهمشيها وهبقا اقولها انها مشيت لوحدها
او راحت عند أمها…..”
برم شفتيه باستخفاف قائلاً……
“طب متالفي الحكاية دي دلوقتي وخرجيها….”
اخرجت زفرة يأس وهي تجيبها بقلة صبر…..
“إزاي بس وانت مسكها بشكل ده وعايز ترميها.. مكه فاهمه برضو مش غبية……..”
نظر ابراهيم للصغيرة التي جلست أرضاً تبكي وهي تنادي على قطتها ثم عادت عيناه على سمر التي ترمقه بحنق من سبب بكاء الصغيرة بينما مواء القطه النغمة الرقيقة التي تضاف في هذا الجو المشحون
والغريب لم تكن بداخل القطه رهبة بين يدي
ابراهيم الذي يحملها بشكلاً مفجع لأي
حيوان ؟!!…..
رق قلبه نحو ابنته الباكيه فجلس جوارها أرضاً ثم وضع القطه جوارها وتحسس كتفها قائلاً بحنان…
“خلاص ياكوكا….. القطه اهيه……. مش هاخدها…”
توقفت الصغيرة عن البكاء وهي تنظر لابيها بعيون مبلله فابتسم في وجهها ليطمئنها ثم قبلها وهو يفتح ذراعيه لها…. فدست الصغيرة جسدها في احضان ابيها وهي تبتسم……. مرر ابراهيم يده على شعرها
وربت على ظهرها بحنان…..
فظلت سمر واقفه تتابع هذا المشهد بعيون تبرق بالسعادة والحب لكنها انتبهت للقطه التي اقتربت من ابراهيم وبدات تحتك في ساقه المثنيه وصوت مواءها يتعالى وكأنها بدأت تغار عليه !!
حينما ابتعدت مكه عن أحضان ابيها جلست القطه على ساق ابراهيم وهي تنظر اليه بصمت……
فضحكت سمر وهي تتمتم بتعب حقيقي من هذا الرجل……
“حتى القطه يابن راضي…. حتى القطه وقعت في حبك……”
سحبت مكه القطه لاحضانها ثم نهضت وهي
تنظر لامها قائلة……
“ماما بسبوسه جعانه……”
تحسست سمر شعر ابنتها وهي تخبرها
برفق….
“أنزلي دلوقتي تحت عند تيته……. وشويه كده وطلعي عشان تفطري انتي وبسبوسه…..”
اومات الصغيرة براسها ثم فتحت سمر لها الباب ونزلت لجدتها وبين يداها القطة……
حينما اغلقت سمر الباب وجدته ينوي دخول الحمام
وهو يقول لها بهدوء…..
“انا داخل احلق دقني….. على ما تحضري الفطار…”
همست سمر بخرير ناعم مفعم بدلال….وهي
تقترب منه لتكن امامه مباشرةً…..
“تحب اساعدك…….”
نظر لعيناها الشقية لبرهة ثم عانق خصرها بيد واحده وهو يقول بغيظٍ منها…..
“صحيت ملقتكيش جمبي…….كنتي فين……”
قالت سمر بهمساً وهي تتحسس ذقنه الكثيفه….
“بقطف كام وردة عشان احطها في الزهرية…. كنت هنزل اصحيك والله بس القطه سبقتني…..”
ضحكت بعدها مع تذكر المشهد…..فنظر اليها
ابراهيم بضيق قائلاً……..
“بتضحكي….. مبسوطه انك انتي وبنتك ممشيين كلامكم عليا…….”
قالت سريعاً باحتواء انثوي جميل…..
“لا عاش ولا كان اللي يمشي كلامه عليك ياحبيبي
بس انت عارف مكه….. لسه صغيره ومش لازم نكسر بخاطرها هي مش فاهمه حاجة…..شوي وهمشيها أوعدك….. مش هتقولي بقا صباح الخير… “استطالت
قليلاً كي تصل اليه ثم احاطت عنقه بيداها قائلة
بتغنج…….
“امبارح رجعت متأخر وانا نمت ومشفتكش…..بقالك فترة بترجع متاخر إيه مبقتش بوحشك…..”
تحسس خصرها وهو يجيبها بصوتٍ أجش…
“انتي علطول وحشاني….بس انتي عارفه الشغل…”
زاد الدلال في صوتها وهي تدعي الأسى….
“بس دا وخدك مني اوي ياهيما……انا مبقتش على بالك خالص……..”
قال بصوتٍ رخيم بينما عيناه تطوف على حسن بهائِها…….
“انتي علطول في بالي ياسمر……بدليل اني مبفوتش ساعة غير لما بطمن عليكي في التلفون……”
زمت شفتيها قائلة بغيرة…..
“أول حاجة بتسأل على مكه…….عامله اي مكه
وانتي عامله إيه….. ”
قربها منه أكثر حتى مالت عليه والتصق جسدها
اللين به ثم قال بمداعبة….
“يعني اهوه بسال برضو…..بطلي ظلم بقا…..وخلينا نركز في الصباح بتاعنا… “مالى عليها والتقط شفتيها
بقوة وبشهية مفتوحة بدأ يتذوق حلاوة ثغرها في الصباح…….اغمضت عينيها وهي لا تقوي على الوقوف فتشبثت في شعره الأسود الغزير وهي تتأوه
في احضانه بدلال زاد مع القبلة الصباحية للذة
اخرى وبعد برهة فصل القبلة بينمها ثم مرر ابهامه على شفتيها الامعة وهو ينظر لعيناها المتيمه به وهمس بصوتٍ ضعيف من شدة مشاعرهما
الثائرة…..
“صباحك عسل……. ياعسل…….”
ابتسمت بتاثر وهي تلقي نفسها في احضانه
هامسه بحرارة……
“بحبك ياهيما………”
قبلها من جيدها وهو يهمس بنبرة
مفعمة بالعواطف……
“وانا بعشقك ياسمر………”
بعد قليل……
مسحت جبهتها بتعب وهي تنظر نظرة أخيرة للسفرة واطباق الإفطار الشهية المرصوصه عليها…….ثم استدارت نحو باب الحمام واطرقت عليه وهي
تنادي……
“ابراهيم…….”
اتى صوته بغلاظة….
“أدخل ياشبح…..من امتى الأدب ده…….”
دخلت الحمام وهي تنظر اليه بحنق فراته يضحك وهو يقف امام مرآى الحائط…. وعلى وجنتاه
رُغىً كالصابون ويمرر آلة الحلاقة اليدوية
على صدغه بتمهل وتركيز شديد……..قال ابراهيم حينما رآها منزعجة من جملته……..
“اول مرة تستاذني قبل ما تدخلي عليا الحمام مش عادتك…….”
زمت سمر شفتيها قائلة بتبرم وهي تضع يدها في خصرها……
“هو انت تقصد بكلامك اني لزقه فيك حتى وانت داخل الحمام……”
تابع حلاقة لحيته وهو يقول بهدوء……..
“لا بس ساعات بترخمي وانا في الحمام……كُنتي عايزه إيه….. ”
كانت صورتها منعكسه في المرآى وهي تقول
من خلفه…… “الفطار اتحط…….”
سالها بهدوء….. “لسه بحلق دقني……مكه طلعت…..”
اجابته وعيناها تتابع ما يفعله باهتمام….
“فطرت تحت……”
غمز لها عبر المرآة بشقاوة…قائلاً…..
“يعني هنفطار لوحدنا النهاردة……”
اومات ببراءة….. “تقريباً…….”
أدار راسه اليها قائلاً بمداعبة وقحة….
“طب مخلتيش الفطار ليه في اوضة النوم…..”
قالت بجراءة…… وهي تدعي
الحنق….
“اتلم يابن راضي….وراعي اني حامل……”
عقد حاجبيه قائلاً بلؤم….
“الله هو انا جيت جمبك يابت…….”
لمعة عينيها بفضول انثوي وهي تتقدم منه
قائلة….
“تعالى كده اجرب احلقلك……”
جفل للحظات ثم حينما أدرك ما قالت هتف معترضاً…….
“تجربي هي دي فيها تجربة…….لا ياشبح تعويرت الوش مفهاش معلش…….”
وقفت امامه وهي تقول بتجهم….
“الله في اي يابراهيم هتعلم…… وبعدين فدايا…..”
انعقد حاجبيه بصدمة واردف بتعجب….
“فداكي !!….فداكي وشي انتي هبلة يابت…..”
لكزته في صدره وهي تمسك آلة الحلاقة
بيدها…… “بس لِم لسانك…….”
حاول التقاط الآلة منها قائلاً بقلة صبر….
“طب اظبطي انتي كلامك….وطلعي بقا خليني
اكمل حلاقه……..”
ابعدت يدها عنه وهي تتدلل عليه قائلة
برجاء…..
“اجرب مرة واحده بس وحياتي ياهيما……”
قال ابراهيم بعدم استحسان……وهو ياخذ منها
آلة الحلاقة…..
“وحياتك انتي اسكتي لحسان اخيط في وشي النهاردة كام غرزه بسببك…..”
وضعت يدها على صدره وهي تقول
برجاء….
“بعد الشر عليك والله أبداً شويه…شويه بس ياهيما……..”
بعد الالحاح مسكت آلة الحلاقة اليدوية وبدات بتمريرها على جزء من صدغه برفق بينما عينا ابراهيم كانتا تبحر مع تفاصيل ملامحها الجميلة ، فالبهية لها طله تربك قلبه وقربها يجعل خفقاته
تزداد جنون بينما يظل جسده بأكمله في حالة
فوران ساخن متطلب….
لم تهذب السنوات عشقه لها…… مزال يعشقها كمراهق متيم بمعشوقته وحضورها لهو الحماقة الذي يحياها المرء داخلياً…..
تغلغلت بداخله بجمالاً فباتت شيءٍ دافئ حاني
يرتاح في اعناقه كل ليلة……….نظر الى تركيزها
لبرهة باستمتاع ثم أراد ان يتسلى قليلاً فمد يد
واحده ولفها حول خصرها بينما يده الأخرى تبعد خصلة من شعرها خلف اذانها….بلعت سمر ريقها
من تلك اللمسات الناعمة المؤثرة على تركيزها
رفعت عيناها الى عيناه المظلمة بحيرة…
وسالته….. “بتعمل إي يابراهيم؟…..”
مزالت يداه تتجرأ على مفاتنها ولكن عند
سؤالها رد ببساطه….
“ولا حاجة ركزي في اللي بتعمليه……..”
قالت بتوتر وهي تحاول ابعاد يداه
عنها….
“على فكرة انت كده ممكن تتعور……..”
سألها بخبث ومزالت يده تعمل في
اتجاهات عديدة…..
“لي يعني وانا عملت إيه…….”
حاولت التملص من بين يده وهي تقول بحنق
شديد…… “يابراهيم ايدك….الله…..”
ازادت المسات جرأة وهو يخبرها بصوتٍ
ثابت……..
“مالها ايدي يابنت الناس مانا محترم اهوه….”
“آآه محترم اوي….محترم خالص…….بس بقا هتتعور……..”حينما توقفت يداه عادت هي
ومررت آلة الحلاقة على صدغه بمنتهى
التركيز…..لتجده يقول بلؤم…….
“انا حاسس فعلاً اني اتعورت ياسمر……”
رفعت عينيها عليه ورمشت بخوف وهي تمسك
فكه وتحرك وجهه بين يدها برعب قائلة بهلع…..
“قول والله فين…..فين…….”
اجابها بهدوء يفقد الاعصاب….
” تصوري……. اتعورت في قلبي……”
توقفت عن البحث وهي تنظر اليه بغضب..ثم
تركت آلة الحلاقة في يده وهي تقول بضجر…..
“سلامة قلبك يارايق…….تصدق انا غلطانه أصلا اني داخله اساعدك……كمل حلاقتك بنفسك…..”
قبل ان تفر من امامه مسك ذراعها وهو يقول بخشونة……..
“تعالي هنا……طالما بداتي الحاجة تكمليها لحد الآخر…….”
قالت بسأم حقيقي وهي تنظر اليه…..
“لا انا زهقت بجد……..كمل انت ويلا عشان نفطر انا هموت من الجوع و…….”
لم تتمكن من المتابعة فقد اقترب منها اكثر
وحاصرها بجسده الضخم بينما هي تستند بكلتا يداها على حافة الحوض القابع خلفها
مباشرةً……. وجدته يميل عليها قائلاً بمكر…..
“عايزاني اسيبك تطلعي كده ببلاش……”
قالت وهي تبلع ريقها بتردد……
“امال بفلوس !!….ابراهيم متهزرش مش عايزه أحلف في الحمـ…..”توقفت الكلمات وهو ينهال من شفتيها بحلاوة وعنوة عنها كانت تعترض
بسبب الرغاوى التي لطخت وجهها منه……..
حينما فصل القبلة مد سبابته الملطخة بالرغوة
ووضعها على انفها وهو يقول بسماجة….
“اطلعي برا يلا وانتي معطلاني كده……..”
اشارت على نفسها بدهشة….
“انا برضو اللي معطلاك…….”
ضيق عيناه وهو يقول بعبث……
“تحبي نتعطل اكتر من كده ونأجل الفطار لوقت تاني…….”
“لا طبعاً……….انا هستناك برا……..”
هرولت خارجة من الحمام سريعاً مما جعله يضحك عليها وهو يعود لم كان يفعله ببال رائق بل وبدأ
يدندن باغنية عبد الحليم حافظ……بصوتٍ نشاز
ولكن على مسامع الحبيبة لهُ ايقاع مميز……..
(الحلوة الحلوة الحلوة…..برموشها….. برموشها
السودة الحلوة……شغلتني نادتني خدتني…
ودتني بعيد وجبتني…..وشوق… الشوق غلبني…….)
تلونت شفتيها بابتسامة ناعمة وهي تستمع إليه بقلبٍ
يخفق بجنون وعلى أوتار كلماته يقفز بسعادة ليس لها مثيل……..ياليت اللحظات المميزة تقف هنا ولو قليل !………
……………………………………………………………..
أوقف سائق الاجرة السيارة أمام صرح كبير يضم مؤسسة مقاولات ضخمة تحمل اسم…
( توفيق الشامي..)
ترجلت من السيارة ثم رفعت عيناها الزيتونية على
هذا الصرح وقد خفق قلبها بعذاب ليس لأجل هالة الثراء المحيطه بالمكان بل لأجل من يقضي اوقات عمله هنا……..ان كان المكان بهذا الشكل ماذا عن الموظفات كيف يكون شكلهن وملابسهن عن اي درجة جمال تصل كل منهن……وهل وقع في غرام أحدهن…وان كان هكذآ لماذا اتت الى هنا فقط
لجلد قلبها بشكلاً مأساوي بعد ان تراه مع غيرها….
اخفضت حبيبة جفنيها بتردد وهي تبتلع ريقها بصعوبة ناظرة نظرة أخيرة على ملابسها… فكانت ترتدي طاقم كلاسيكي محتشم ومعه الحجاب
يزداد به وجهها بهاءٍ….. لم تضع شيءٍ على وجهها ملفت للانظار فقط اكتفت بكحل أسود لعينيها الواسعة…..وملمع شفاه وردي يضيف لون لوجهها الشاحب…..
خطت خطواتها بحرص للداخل ويدها تقبض على حزام الحقيبة وكانها تطالبها بدعم…..
عند دخولها وبعد السؤال وصف لها احد عاملات
الاستعلام مكتب يوسف الشامي والذي سيقوم
معها بعمل المقابلة كما أمر ؟!!……
اخذت نفساً عميقاً وهي تقف امام باب ضخم فخم
الشكل ولمعة اللون البني الخاصة به أصابتها بتموج في حلقها فبات التردد لا يحتمل وقد شعرت بانها تود الفرار الآن هروباً من تلك الرغبة الغبية في توظيفها هنا معه…..هذا صعب…..كيف حكمت على قلبها
بهذا الشكل ؟!…..
بعد ان طرقت على الباب رفعت يدها وتراجعت وقد عادت خطوة واحده للخلف ولكن قد فات الأوان فصوت الرجولي الرخيم سمح لها بالدخول قائلاً…
“ادخلي يانسه حبيبة……..”
اغمضت عينيها بحنق من نفسها كيف تهرب وقد عرف من الموظفة بالاسفل انها هنا….اي غباء
هذا ؟!……
فتحت الباب الضخم ودخلت وهي تزدارد ريقها بتردد أكبر وقد رفعت عينيها لتجد شاب وسيم يجلس خلف مكتبه ينظر لها بعيون ثاقبة يراقب تقدمها منه بلمعة غريبة لم تعرف تفسير لها خصوصاً وهي في حالة شتات غير طبيعي……
وقفت امام المكتب وهي تتنحنح قائلة بحرج ويدها
تقبض على حزام الحقيبة اكثر حتى ابيضت مفاصل كفها……
“سلام عليكم…….يابشمهندس……انا كنت جايه اعمل الإنترفيو……زي ما نور بلغتني…..ولا حضرتك غيرت رأيك……..”
ابتسم يوسف باستمتاع بخجلها وارتباكها الملحوظ
فقال وهو ينظر لوقفتها الشبيهة بتمثال شمع…..
“احنا لسه معملناش المقابلة عشان اغير رايي يابشمهندسه…….اتفضلي قعدي……”
اشار لها بيده ان تجلس على المقعد المقابل له…… فجلست بهدوء لا يخلو من التوتر الداخلي…ثم اخرجت الملف الخاص بشهادتها الجامعية وتقديرات
على مدار سنوات الدراسة الجامعية…….
“اتفضل الملف ده في المؤهل بتاعي………”
اخذ منها يوسف الملف ونظر فيه وهو يدعي الاهتمام بما داخله بينما هو يراقب في الخفاء هيئتها عن قرب….انها جميلة…. جميلة جداً….عيونها
الزيتونية كحيلتين بجمالاً يسحر العيون… تمتلك ملامح انثوية هادئة ورقيقة ومع ذلك بها لمحة من الشموخ……الحجاب وملابسها المحتشمه الانيقة شيءٍ يزيدها احتراماً وتقديراً في عيناه……
توترها وطريقتها العفوية تثبت انها لا تتقن الدور كغيرها بل انها تتصرف على طبيعتها…طبيعة
لا تخلو من حماقة الإناث الذيذة ؟!….
قال بجدية وهو يرفع عيناه عليها….
“انا شايف يانسه حبيبة انك معندكيش خبرة مسبقه….مع انك متخرجه بقالك شهور…..ليه مشتغلتيش لحد دلوقتي…..”
قالت بهدوء وهي تسبل عينيها عنه….
“كنت بدور على مكان كويس اشتغل فيه…يزيد خبرتي وانجح عن طريقه….وبصراحة وجودي هنا
هيحقق الحلم ده وان شاء الله اكسب خبره هنا
في مجالي ………”
وضع يوسف القلم جانباً وهو يقول بهدوء….
“هنشوف…..وانا عن نفسي شايف انك لازم
تاخدي فترة كده معانا تدربي فيها ولو شغلك
بقا تمام معانا هتتوظفي بشكل رسمي……”
رفعت راسها إليه بدهشة وتساءلت
“يعني حضرتك وفقت ؟……”
أبتسم يوسف على ملامحها المشدوهة فقال
بابتسامة زادته وسامة….”أكيد…..انتي اي رأيك……”
ابتسمت حبيبة من هذا الرد المرح والذي أراح توترها قليلاً فقالت بإبتسامة غاية في روعة في عينين يوسف الذي كان ينظر اليها باهتمام شديد….
وهي تقول………
“دا شرف ليا يابشمهدس يوسف….. بس يعني هبدأ من امتى الشغل……”
قال يوسف بمنتهى الثبات وعيناه تسافر على ملامحها بتأني اربكها قليلاً……..
“من دلوقتي لو تحبي……اي رايك تبدأي شغل من دلوقتي ولا من بكرة….. ”
كانت تود رفض العمل اليوم لكي ترتب افكارها اكثر من هذا ولكنها خشيت من الانطباع التي ستعطيه
لمدير عملها في أول يوم لها…….لذا اومات براسها قائلة بهدوء……
“اللي تشوفه حضرتك… انا معنديش مشكلة أبد شغل من دلوقتي……..”
قال بهمساً وعيناه تجري على ملامحها الرقيقة….
“ولا انا ياحبيبة…..”
رمشت بعينيها باستفهام….. “نعم…….”
قال بصوتٍ رزيناً……
“اقصد على بركة الله…….الشركة هتنور……”ثم مسك هاتفه وقال بتذكر…..
“الكلام خدنا نسيت اسألك تشربي إيه……”
قالت حبيبة بامتناع….
“لا….. لا بلاش تتعب نفسك……شكراً……”
حاول التخفيف عن حالة التوتر المحيطه بهما فقال بمرح…….
“إزاي انتي حالياً ضفتي……الحقي وقتك قبل مانبدا
السحل…….”
ابتسمت ذاهلة وهي تجاريه في
الحديث……
“السحل انا بدأت اقلق يابشمهندس……”
اتسعت ابتسامته قائلاً بمزاح…..
“متقلقيش سحل على خفيف عشان انتي جديده بس………”
ضحكت حبيبة وهي تنظر اليه بدهشة…..فعقب يوسف على ضحكتها هائماً في جمالها الناعم…
“ضحكتك حلو أوي…….”
تلاشت الضحكة سريعاً وكانها لم تكن بينما
سالته مشدوهة……. “افندم……”
تنحنح بحرج قائلاً بتوتر….
“احم………مقولتيش هتشربي إيه…..”
اجابته بصعوبة بينما عقلها يشكك فيما سمع من
هذا المدير غريب الاطوار…”ولا حاجة……..”
تجاهل ردها وهو وهو يرفع السماعة ويأمر الساعي باحضار المشروبات لهما……
ثم عاد اليها ناظراً لعينيها وهو يقول بجدية…
“على ما العصير يجي نكون اتكلمنا عن شغلك هنا
وهتدربي مع مين من الموظفين…..انا اختارتلك حد كويس هي في نفس مجالك…… بس هي عندها
خبره اكبر منك بكتير واكيد هتستفيدي من توجهاتها… وهي مهندسة ممتازة….وفهمه
جداً في شغلها…… اسمها ماهي…”
اومات حبيبة بإبتسامة هادئة وهي تحاول
التحدث بشكل طبيعي حتى لا يظهر مدى توترها
من تعليق تشكك في سماعه بشكلاً صحيح……
فهذا ليس منطقي ؟!!…….
“ان شاء الله اكون عند حسن ظنك يابشمهندس…
وتعلم الشغل معاها بسرعة……”
اخذ نفساً طويلا ثم اخرجه قائلاً لها….
“ان شاء الله دا اللي واثق فيه ياحبيبة…قصدي يابشمهندسه حبيبة…….”
أسبلت جفنيها بتوتر فسمعت الساعي يدخل وبين يداه صنية المشروبات…..
فوضع امامها كوب العصير وكذلك يوسف وعندما خرج…… قال يوسف لها بملاطفة…..
“اشربي العصير يانسة حبيبة وبعدها ان شاء الله
هوديكي مكتبك الجديد هو مشترك هيبقى معاكي المهندسة ماهي اللي كلمتك عنها والمهندس
مجدي وهما في نفس مجالك…..وان شاء الله
تكسبي خبره اكبر منهم……”
اومات حبيبة وهي تاخذ الكوب امام عيناه الثاقبة وترتشف رشفة واحده وعيناها معلقه امامها ترفض النظر لتلك العيون الثاقبة………
رغم وسامته واسلوبه الأكثر من رائع إلا انها لم
ترتاح لنظرات الاهتمام بعيناه ولا تلك الامعة بها
و التي تخشى ان تفسرها….. كما تخشى ان
تفسر وجودها في شركة كتلك دون التقدم بوظيفة كما يفعل الجميع….بل الوظيفة اتت اليها وهي ترتاح على الاريكة ؟!!…..
…………………………………………………………..
زفرة ماهي بنفاذ صبر وهي ترفع اصابعها عن أزرار
الحاسوب وتعود بظهرها للخلف في المقعد بآرق واضح على ملامحها المتعبه بينما عيناها نشيطه لامعة وهي ترمق احمد الواقف جوارها يشرح ما يريده منها تحديداً بمنتهى العنفوان والحماس الشبابي الذي باتت لا تراه إلا من خلاله…..
انتبه احمد لتوقفها عن العمل فسالها بحيرة….
“وقفت لي ياماهي……”
عليها ان تعترف ان اسمها رائع عندما ينطقه
أحمد دون القاب سخيفة…..زفرة وهي تحك
في جبهتها قائلة…
“انا تعبت اوي يا احمد خلينا ناخد بريك عشر
دقايق بس……..ولم نرجع هظبطلك الشغل اللي انت عايزة……..
اوما براسه وهو يقول بتعجل…..
“عشر دقايق بس….لحسان انا عندي شغل متلتل
على المكتب…….”
نهضت ماهي من مكانها ثم اشارت على
مقعدها باهتمام….
“طب قعد ارتاح شكلك تعبان……”
هز راسه بنفي قائلاً…..
“انا كويس……بس عايزك تخلصي الشغل ده…عشان ارجع على مكتبي……”
اصرت وهي تجلسه مكانها…..
“أحمد قعد شويه الدنيا مش هطير……”
جلس مكانها ثم وجدها تميل قليلاً للأمام لتحضر له كوب القهوة الخاص به وقدمته له باهتمام……
“اشرب قهوتك يا أحمد قربت تبرد…….”
اخذ منها الكوب وفي هذا الوقت تحديداً دخل يوسف بصحبة حبيبة للمكان وتنحنح قائلاً بعد
ان ابصرهما بهذا الشكل………
“صباح الخير ياجماعه……..”
استقامت ماهي واقفه وهي تبتسم بعملية اليه قائلة…..
“صباح النور يابشمهندس يوسف…..اتفضل……”
كانت حبيبة توزع نظراتها عليهما بصمت فقد رأت تقاربهما الغريب من بعضهما قبل ان يشعرا
بتواجدها هي ويوسف…….
بلعت ريقها وتشبثت اكثر بحقيبتها وهي ترى عينا
أحمد معلقة عليها بصدمة بها لمحة من اتهام صريح يوزع عليها هي ويوسف بتساوي…….. اتهام لم تحب ان تراه في عيناه…… فكانت تظن انها سترى لهفة وحب مزال يحملهُ لها لكن نظراته قتلت اي أمل داخلها….. خصوصاً مع تواجده هنا مع تلك المرأة
الانيقة و الجميلة كذلك……..والتي تمتلك صوت انثوي غاية في الدفء……
تحدث يوسف بهدوء وهو ينظر لأحمد ثم حبيبة…
“اي ياجماعه هو انا هعرفكم على بعض ولا إيه…
انتوا مش يعتبر قرايب……”ثم وجه يوسف
حديثه لحبيبة سائلاً…
“انا اعرف ان ابن عمك متجوز اخت أحمد مش كده…….”
اومات حبيبة براسها وهي تحاول التصرف بشكلاً طبيعي……
“مظبوط يابشمهندس……”ثم نظرت لعينا احمد القوية وقالت بصعوبة…..
“ازيك يابشمهندس أحمد…….”
رد بنبرة خالية من التعبير…. بينما عيناه تكاد تحرقها…… “الحمدلله….”
وزعت ماهي النظرات بينهما وهي تشعر بتوتر الاجواء رغم الصمت والتحفظ المحيط بهما…فوجدت يوسف يوجه حديثه لها وهو يشير على حبيبة قائلاً بتعريف…..
“ماهي……احب اعرفك دي حبيبة حامد هي مهندسة برمجة زيك لكن لسه متخرجه من قريب…معندهاش خبرة في مجال الشغل ولا حتى في شغلنا…بس تقديرها ممتاز ودا يدل انها هتستوعب شغلنا بسرعة….ودي بقا هتبقا مهمتك….زي ما عملتي مع
مجدي قبلها……” ثم حانت منه نظرة الى حبيبة
التي رفعت عيناها عليه تلقائياً…..بينما هناك قلب
يحترق بعذاب وهو يرى أشياء فوق تحمله…..
“بس عايزك تاخدي بالك منها اكتر…المهندسة غالية علينا اوي…. وعايزين نكون أهل كرم معاها لحد ما تتعلم ونبدأ الشغل المظبوط….. ”
ابتسمت ماهي قائلة بترحيب….
“من عنيا يابشمهندس يوسف… متقلقش هاخد بالي منها كويس وهمشي معاها واحده واحده لحد ما تفهم كل حاجة في شغلنا……..” ثم نظرت ماهي لحبيبة قائلة بحفاوة…. “ان شاء الله ترتاحي في الشغل معانا هنا يانسه حبيبة…….بجد المكتب هينور وانا وانتي هنغطي على مجدي وصوت أكله…. ”
اشارت ماهي على المكتب الفارغ وهي تضيف…
بمرح……
“مجدي اجازة النهاردة بكرة هتتعرفي عليه….. هو شخص طيب جداً ولذيذ اوي وأكتر حاجة بيحبها
وشاطر فيها الأكل… ونوعيه دي تطمني معها من
غير ما تقلقي…..”
اغتصبت حبيبة الإبتسامة بصعوبة وهي عنوة عنها تشعر برآحة داخلية مع تلك المرأة من عدت كلمات
بسيطه ….ماذا عنه هو هل أصبح متيم بها…….
ونسى ما كان بينهما في الماضي ؟!……..
يجب ان تتأكد كي تقطع اي أمل داخل قلبها
الابله؟!!……
أخيراً تحدث بعد صمت مبهم لا يخلو من النظرات القوية التي احرقت قلبها المعذب في حبه…..
ولم يكن الحديث موجه لها بل كان لمن تحيط العالم بالدفء الحاني بمجرد ان ينساب صوتها الى الأذان……
“ماهي انا هسبقك على مكتبي…..منين ما تبقي فاضيه تعالي عشان نخلص شغلنا…….”
عقدت حبيبة حاجبيها بوجع.. هل ينطق اسمها
دون القاب؟!…….لتقع الصدمة على مسامعها وهي
تجد ماهي ترد عليه بلهفة غريبة……
“طب ما تخليك يا أحمد….ونكمل دلوقتي…فاضل حاجات بسيطه ونخلص….”
تقدم منهما ونظر الى يوسف وابتسم وهو يجيب ماهي بهدوء يخفي خلفه ثورة عنيفة من المشاعر المتضاربة داخله………
“مش وقته ياماهي……خليكي مع الانسة…دي جايه بوسطه…..ومش اي حد دا صاحب الشركة ذات نفسه جيبها بنفسه لحد هنا……”
خرج من الغرفة وترك الجميع في حالة حيرة من رده……..إلا هي كانت تدرك جيداً مقصد كلامه
ومع ذلك كانت اكثر غضب منه وهي تنظر لماهي بغيرة بل وبداخلها دافع جنوني في ذهاب خلفه
وسؤاله عن علاقته بتلك المرأة……
لكن كيف تجرؤ بعد أربع سنوات ونصف تسأله
باي صفة؟….. بصفة حبيبة الحبيبة القديمة…. ام بصفة الصداقة القديمة الوهمية التي كانت تجمع بينهما يوماً…تساله باي صفه واين الحق في السؤال……
هل حقاً انتهت القصة وهي التي مزالت تعيش في الاوهام ؟!…….

دخل المكتب بخطوات عنيفة وبدا في خلع جاكت البذلة والقاه على ظهر المقهد بمنتهى الغضب…
شاعراً بصدره يشتعل بفورانٍ من الجنون…بينما
تنتفخ أوداجه بعروقٍ حمراء….وكانتا عيناه
تزدادان قسوة وظلاما وشعور هائل بالاختناق
يحتل حلقه وكانه بداخل تابوت زجاجي ضيق
ينفذ منه الهواء والحياة كذلك…..شعر بحلقه يلتوي اكثر مع تذكر دخولها للمكتب برفقة يوسف…..
كان يشعر ان بينهما شيءٍ التعليق الذي رآه لم
يكن صدفة….كان دليل على انهما قريبين من بعضهما…هل تركته لأجل يوسف؟…..وهل يوسف
يعرف ماكان بينهما في الماضي؟…..
ها انت قلت……في الماضي ؟!….الآن لا يحق لك حتى السؤال عن ما يجمع بينهما…….حتى ان كانوا حبيبان ما دخلك أنت……قد تركتك منذ اربع سنوات ونصف وقد انتهى كل شيءٍ وقتها…….فلماذا تبحث عن مشاعر ماتت بينكما كما مات كل شيءٍ معها واصبحتوا غرباء ؟!!….
التوت شفتيه قليلاً فيما يشبه ابتسامة ساخرة
انها احسنت الاختيار……واخذت الصيدة الرابحة
كما يفعل الجميع………
دخل في تلك الأوقات كرم الذي نظر الى صديقه بقلق وهو يغلق الباب خلفه…..
“مالك يا أحمد داخل المكتب بزعابيبك كدا ليه…في حاجة حصلت في الشغل….امك كويسه…..”
جلس أحمد على مقعد خلف المكتب ونظر الى صديقه بعيون قاتمة ثم قال بخفوت بلا تعبير
مقروء…..
“حبيبة هنا…….”
فغر كرم شفتيه واتسعت عيناه بصدمة وهو يتمتم بتعجب…….
“حبيبة هنا !!…….وجايه لي دي…….”
نظر احمد لسطح المكتب وقال بصوتٍ مكبوت
يكبح انفعالاته……”جايه تشتغل……..”
اقترب كرم وجلس على الجهة الاخرى جوار
المكتب وهو يقول باستفهام…..
“هو اي حد ينفع يشتغل في شركة زي دي…مانت عارف لولا يوسف… وتوفيق بيه مكناش شبطنا
في المكان ده……..”
التوت شفتي أحمد بسخرية بينما عيناه
معلقة على سطح المكتب باختناق…….
“هي كمان جايه عن طريق يوسف……”
زاد اندهاش كرم وهو يهز راسه بريبه
سائلاً…..
“إيه….. ازاي يعني….. هو في حاجة بينهم ولا إيه…….”
هز أحمد راسه بعحز قائلاً
باختناق…..
“مش عارف ياكرم مش عارف…….”ثم رفع عيناه
على كرم وقال بصوتٍ مختنق…..
“انا بفكر اسيب الشغل…….”
انتفضت ملامح كرم غضباً وهو يزمجر
في صديقه بقوة……
“تسيب الشغل عشانها……وانت مالك ومالها…..”
اجابه أحمد بنبرة باهته وعيون نافرة من القادم والذي يرسم امامه باللون الأسود………
“مالي ومالها إزاي……..لو في حاجة بينها وبين يوسف يبقا مينفعش اكون وسطهم……..عشان يوسف….انا متأكد انه ميعرفش اللي بيني وبينها لو كده مكنش جابها هنا………”
ظهرت علامات التشنج على وجه كرم وهو
يقول بازدراء…
“مينفعش تسيب شغلك…. الهروب مش حل يا
أحمد…. انت كده بتقولها انا لسه بحبك….. وهي لو بجد بتحبك مكنتش جت اشتغلت هنا….. ماهو لو يوسف بيحبها او حتى معجب بيها هتكون حسى
بده…….ساعتها كان المفروض تبعد خالص
وتحترم انه صاحبك مش تيجي تشتغل هنا وسطكم…..هي كده عايزه تحرق الكل……إيه
عيزاكم تخسروا بعض عشانها….. ” لوى كرم
شفتيه وهو يردف بعدائية…..
“لا وانا اللي كنت بقولك روح اتقدملها…. لا دي
واضح انها بصه لفوق أوي….. زيها زي غيرها…
صنف عايز الحرق…..وقت الجد بيبانه على حقيقتهم……”
عاد احمد يتمتم بتصميم…..
“انا لازم اسيب الشغل…….. كده احسن…..”
انطلق صوت كرم كمدفع رشاش قائلاً
بشراسة….
“يابني اعقل ومتخليش غضبك يعميك…..انا ممكن اقلب الطربيزه عليها وقول ليوسف عن اللي كان بينكم زمان………”
اتسعت عينا احمد بصدمة بينما اوقف صديقه
بصوتٍ صارم…..
“انت بتقول اي ياكرم انت فاكرها واحده من الشارع دي حبيبة ياكرم….حبيبة…….وحتى لو هي حبت يوسف او شافت نصيبها بعيد عني دا حقها… كل واحد بيدور على الانسب ليه….. وهي مناسبة ليوسف….. ولي كان بيني وبينها ميعبهاش……
احنا كنا بنحب بعض بس محصلش نصيب ودا بيحصل مع ناس كتير مش احنا بس…. وانا لا اتخطيت حدودي معاها ولا هي كانت بنت سهله معايا….. بالعكس دي كانت البنت الوحيدة المحترمه اللي عرفتها……ولي كان بينا قصة قديمة وتقفلت……
ودا ميعبهاش ياكرم….. واياك تلغبط في كلام تاني عنها عشان منخسرش بعض….. ” انهى احمد حديثه بنظرة تحذير…….
مما جعل كرم يبرر حديثه قائلاً بصوتٍ متهدج من شدة الغضب……..
“يا أحمد انا مش قصدي….انا كل اللي عايزه انك متخسرش يوسف بسببها……..”
نظر احمد لسطح المكتب قائلاً بصوتٍ باهت مفكراً معه بصوتٍ عالي…….
“مفيش حاجه هتخليني اخسر يوسف……أطمن…بس بعدي عن المكان أحسن…..انا شكلي هرجع تاني افكر في حوار السفر ده…….احسن من اني اسيب الشركه كلها…..خليني امسك في عرض توفيق الشامي واستغله لصالحي……..”
هتف كرم مقترحاً…….
“أيوا فكر في السفر….وجود ماهي معاك هينسيك حبيبة ولي جبوها………”
برم أحمد شفتيه هازئاً من صديقه وقال…..
“متغنيش عليا ياكرم…..روح حل مشاكلك الاول وبعدين تعالى انصحني بماهي او غيرها…..”
هتف كرم برزانة تقطر زهوٍ…….
“ياباشا انا في السليم….انا عارف انا عايز إيه….
ارتب بس شغلي ودنيتي……وهتجوز واحده من توبي….وشكراً……..الدور بقا والباقي عليك ماسك
في واحده هي عارفة هي عايزه اي كويس…..”
لوح كرم بيده بصدمة وهو يضيف هاكماً…
” يابني يبقا معاك واحده زي ماهي دي رهن اشارة من اديك…. وتبص على اللي باعتك زمان……
انت غاوي وجع قلب…… ”
قال احمد واجماً وهو يزفر بحنق…..
“اقفل على الحوار ياكرم…وبلاش تخبط في الكلام عنها دي ماهما كان بنت حطتي…..ونسايب…… ”
اوما كرم بجزع قائلاً……
“ماشي ياعم اديني سكت……بقولك بكرة هروح اقابل المخرج هتيحي معايا ولا……”
اجابه احمد بهدوء….
“لا مش هاجي…. مش هيثم معاك خلاص أطمن…وانا كلمته إمبارح وتاكدت من الحوار….وفعلاً كل كلمة قالهالك قالها ليا بالملي…..يعني الحوار مش هزار
جد الجد…….”
زفر كرم وهو يقول بتمني……
“ادعيلي يا أحمد يكون اول طريق لنجاح اخوك… وربنا يفرجها بقا عليا وقب على وش الدنيا…..”
اوما احمد وهو ينظر له قائلاً بعقلانية…..
“هيفرجها يافنان…… اي حاجة بتحصلنا وراها سبب كبير حتى لو شيفانها مش خير لينا…..مع الوقت بنتكشف ان لولاها مكناش هنبقى هنا…… ”
نهض كرم عن مقعده وهو يؤيد رأيه…..
“عندك حق ربنا ييسر الأمر…….بقولك اي الضهر قرب ياذن تعالى نصلي وبعدين نطلع نكمل شغل…اي
رأيك……”
اوما احمد براسه وهو يسحب جاكت البذلة
قائلاً باختناق……..
“يلا بينا…….. انا فعلاً محتاج ابعد عن هنا شويه….”
……………………………………………………………..
بعد ان انتهت ساعات العمل في أول يوم بنسبة لها
نهضت عن مقعدها وهي تنظر لماهي التي مزالت
تتكأ على أزرار الحاسوب بتأني وتركيز شديد
وقد انحدرت خصلة ناعمة من شعرها على غرتها
فابعدتها باصبعها الطويل برقة تتناسب مع هيئتها الانثوية الجميلة واسلوبها الراقي…….
انتبهت ماهي لوقوف حبيبة بل ونظراتها المعلقة عليها…. فخلعت نظارتها الطبية الانيقة وهي
ترمق حبيبة باستفهام……
“اي ياحبيبة وقفه كده ليه…..الساعة بقت كام دلوقتي…..”
قالت حبيية بهدوء وهي تسبل جفنيها
عنها….. “بقت خمسة……”
توقفت ماهي عن العمل ثم ارجعت ظهرها للخلف وهي تحك في عنقها بآرق……..
“الوقت سرقنا…….الشغل مش عايز يخلص…..’ثم ابتسمت في وجه حبيبة قائلة بالباقة….
“صحيح عجبك الشغل معانا…..اي رأيك في اول يوم…….”
اجابتها حبيبة وهي تدور حول المكتب رافعه الحقيبة على كتفها……
“يعني لحد دلوقتي تمام……”
سألتها ماهي وهي تنظر اليها بتراقب…..
“حبيبة هو انا مضيقاكي في حاجة…ليه حسى انك بتردي عليا بالعافيه…….”
قالت حبيبة بنبرة باردة…..
“لي بتقولي كده…..دا انا لسه متعرفه عليكي من ساعتين بس هلحق اضايق منك امتى……”
حركت ماهي كتفها قائلة…. “ما دا اللي محيرني……..”
اجابت حبيبة بنبرة جامدة…..
“ربنا مايجيب حيرة………هو يمكن عشان انا لسه متعرفه عليكي كده…..ودي طبعتي يعني….. ”
تبسمت ماهي وهي تقول بوئام……
“تمام…..وانا واثقه ان احنا هنكون صحاب……لاني حبيتك من اول ما شفتك……حتى أسمك جميل اوي تعرفي انا بفكر لما اتجوز اسمي بنتي حبيبة…..”
اشتعلت عينا حبيبة وهي تسالها بغيظٍ
“وهو بقا اللي قالك كده……..”
عقدت الاخرى حاجبها بارتياع….. “هو مين…….”
لفظت حبيبة بتهور……. “اللي بتحبيه………”
تهدل وجه ماهي بالسخرية….. وقالت بمزاح
مرير…..
“اللي بحبه ؟!……لا اللي بحبه مش واخده باله
مني أصلاً عشان يختار معايا اسامي ولادنا…….”
ضحكت ماهي ضحكة باهته وهي تقول…..
“والله ضحكتيني ياحبيبة…..مش بقولك شكلنا
هنبقا صحاب……..”
اومات حبيبة براسها وهي تغتصب الابتسامة بصعوبة لها وبدأ يتردد في عقلها رد ماهي
المبهم…………وبدت في حيرة من أمرها……
هل ماهي تحب أحمد وهو لا يبادلها نفس
المشاعر ام انها تحكي عن شخصٍ آخر وهي
واحمد مجرد زملاء في العمل……..
قالت ماهي وهي تلملم اغراضها من على سطح مكتبها……..
“اسبقيني انتي ياحبيبة وانا جايه وراكي……”
خرجت حبيبة من باب المكتب ورفعت عينيها الزيتونية للأمام لتجده يقف امامها مباشرة عن
بعد خطوات…….خفق قلبها بجنون وهي تبتلع
ريقها بصعوبة…….والآن تركت لعينيها حرية
النظر إليه وتأمله ولو قليل……….
أربع سنوات ونصف زاد فيهما وسامة وقد هذبته الأيام كما هذبت قلبها وعنفوانها في الحب…..
أصبح رجلاً جذاب يهلك الاعين بطلته…سواء بطوله الفارع بهيبةٍ او بجسده المتناسق بصلابة
صريحة……
باتت ملامحه أكثر جاذبية وحدة ومزالت عيناه العابثة دافئة تربك قلبها رغم ان ومض الحياة بها
تلاشى عن السابق…. شعره الأسود غزير وناعم يصففه بطريقة تخلق داخلها رغبة حمقاء في غرز اصابعها بين خصلات شعره والعبث بها كما تريد……
حتى تلك الحلة السوداء تزيده وسامة…..انه حقاً وسيم جداً بها وعطرة أيضاً….. عطره يداهم انفها بعذاب حتى يذكرها بما مضى بينهما….لم يغير عطره مع ان كل شيءٍ به تغير…… تغير جداً عليها…….وباتت
تشعر انها ترى شخصاً أخر غريب عنها ومع ذلك القلب يتلهف عند حضورة……..
رأته يتقدم منها بخطوات ثابته وعيناه متعلقتان
بزيتونيتاها الامعة بالحزن…. في عناق الأعين ترى بينهما رسائل سريه واتهامات صريحة تخشى
الخروج على الألسنة…….ومع ذلك تظل مؤلمة….
عند تقدمه منها زاد توترها وبدا وجهها بشحوب وقد اهتزت حدقتيها بدهشة حينما وجدته يفرد كفه لها
فجفلت حواسها لبرهة واختلج قلبها وهي تنظر الى عيناه ثم لكفه المفرود امامها وقبل ان تساله ماذا
يريد…..
وجدت ملف يمر من جوارها وياخذه أحمد بيده الحرة التي اربكتها منذ وهلة……..
لتجد ماهي تتجاوزها وهي تنظر لأحمد
قائلة….
“الملف اهو يا أحمد شوفه كده وراجع عليه……”
أومأ احمد براسه وهو ينظر الى حبيبة بجمود والتي
شعرت في تلك اللحظة بدلوٍ من الماء البارد يقع فوق رأسها…..مما جعل حمرة الغضب والحرج تتسلل الى وجنتها واذنيها من اسفل الحجاب…..
سمعت ماهي تقول برفق…..
“ها ياحبيبة معاكي عربية ولا تحبي اوصلك…..”
قالت حبيبة بهدوء….. “لا هاخد تاكسي……..شكراً…..”
اصرت ماهي وهي تقول بود…..
“شكراً على اي يابنتي انا مش بعزم وخلاص….تعالي معايا وانا اوصلك….”
اتى يوسف من خلف احمد وقال وهو يغلق
زر سترته……..
“خليكي ياماهي…..انا هوصل حبيبة بنفسي….”
توترت حدقتي حبيبة وفضلت الصمت وهي
تنتظر ردة فعل أحمد الذي تفاجئت برده البارد
وهو يقول بمنتهى الهدوء الذي اصابها بخيبة
أمل….
“طب عن اذنكم ياجماعة…….سلام يا يوسف… ”
ربت احمد على كتف صديقه وهو يبتعد…… لكن ماهي لحقت به وهي تقول…….
“استنى يا أحمد خدني معاك انا ركنه عربيتي
جمب عربيتك……..”
قد اختفى الاثنان أمام ابصار حبيبة المشدوهة
والتي هوى قلبها محطماً بعد ابتعاده…….
سمعت يوسف يشير لها ان تتحرك
بالباقة…
“يلا بينا ياحبيبة هوصلك على طريقي……”
جزت حبيبة على اسنانها وهي تشعر بان الغضب داخلها يتفاقم ولا تريد سماع صوت أحد…. تريد ان تنفرد بنفسها الآن…..لذا قالت بوجوم وعيناها
معلقة على المخرج الذي خرجا منه…..
“شكراً يابشمنهدس….. بس انا هروح لوحدي…..
عن إذنك……..”
لم تكلف نفسها بنظر اليه بل خرجت بخطوات ثابته غاضبة للخارج وعندما وقفت خارج مقر الشركة
سحبت انفاسها بصعوبة لتجد لسعة الدموع
تداهم عينيها…. اغمضت جفنيها وهي تخرج
شهقة متألمة…….وخفقات قلبها تضاعف
الآمها وتزيد بائسها منه ومن مشاعرها
الحالمة ……….
لم يكن هذا المكان المناسب للانهيار لذا اشارت لاول تاكسي راته عينيها واستلقت به سريعاً وقبل ان ينطلق السائق وجدت أحمد يقود سيارةٍ بيضاء بسقف مكشوف وكان بصحبته كرم فقط
جالس جواره ويتسامرا الاثنين دون الانتباه لها
حتى مرت السيارة من جوارها وانطلقت
سريعاً…..
فغامت عينيها بحيرة حقيقية مع اختفاء السيارة
وبدأت تسترجع أحد المكالمات التي كانت بينهما
يوماً…..
هتفت حبيبة بنبرة حالمة……
(تعرف يا أحمد انا أول فلوس همسكها من شغلي لازم احوشها عشان اجيب العربية اللي نفسي فيها…….نفسي اوي أجيب عربية بيضه بسقف مفتوح……)
انساب صوته المرح وهو يقول ببساطه….
(طب بصي بقا ياست بيبه وعد مني لتكون اول عربية اجبها ليا بيضه وبسقف مفتوح……
وهتبقى هديه مني ليكي……)
ضحكت حبيبة وهي تقول بدهشة….
(يسلام….ولم تديني عربيتك بقا انت
هتركب إيه……)
اخبرها أحمد بلؤم…..
(يابنتي ماهي مش ليكي خالص يعني هتبقا
بتاعتنا احنا الإتنين….. لحد ما اجيب واحده جديده…. ورميلك القديمة على الجزمة….
شوفتي انا رومانسي إزاي…..وبضحي كمان
والله…)
ضحكت وهي تقول هازئه….
(الله عليك…….. هو في كده….)
اتى صوته العابث قائلاً…..
(في ياصغنن واكتر من كده كمان…..بس انت حن
عليا ياقاسي…..)
هربت كعادتها وهي تقول بخجل….
(على فكرة امي بتنادي عليا……… سلام……)
شعرت بالوهن يدب في اصولها ورجفة شوق تداهم
كيانها……..فوقعت مجدداً في الحيرة….
ويبدو ان الفرار من تلك المشاعر المذبذبة امراً
مستحيل ؟!! …….
……………………………………………………………
عندما خرجت من سيارة الاجرة….سارت في الشارع
بخطوات هادئة لكن الشرود كان مزال يسيطر عليها
ونفس السؤال يطوف في عقلها
اين وجهتها القادمة ؟!
هل ستظل في العمل ام ستتركه وتبحث عن غيره ؟!…
عندما دخلت من مدخل منزلها خفق قلبها بعد شم
عطره المميز وسماع صوته الهادئ الحنون…….
رفعت عيناها على السلم لتجده يمد يده لمكه الصغيرة التي تهبط اخر درجات السلم بمساعدة
يده الحريصة عليها بشدة وكانها ابنته…….سمعته
يقول لها بصوتٍ دافئ مرح……
“اي ياست كوكي مش عايزه تنزلي تتغدي معايا……
هي بسبوسة خدتك مني ولا إيه….فين بسبوسه صحيح…….”
اشارت الصغيرة بسباتها الرفيعة البيضاء على الأعلى
قائلة بنبرة الأطفال…….وأحياناً الكلمة تخرج أجمل
من صيغتها الصحيحة…….
“فووق….”
“فوق….واي اللي معاكي ده……”
أنتبه احمد للدمية المحشوة التي تحتضنها الصغيرة بين ذراعيها……..وقد كانت مألوفة الشكل بنسبة له
فاخذها من الصغيرة وتاملها للحظات وقد تبدد
الود على ملامحه الى غضب وخزي…..فنظر للمكه وسالها بهدوء…….
“جايباها منين اللعبة دي يامكه……..”
“حبيبة…….”
ردت الصغيرة وهي تجذب اللعبة من يده….
وقد وجدها تتجاوزه راكضه خلفه وهي تنادي بطريقتها الخاصة باسم حبيبة…….
ابتلع ريقه وهو ينظر امامه بعيون غائرة وجسد ينتفض بعد سماع صوتها وصوت قبلتها الرقيقة
على خد الصغيرة…….سحب نفساً عميقاً ثم
استدار ناظراً اليها بهدوء يحمل خلفه مشاعر عاصفة…..
نظرت حبيبة اليه بتوتر ثم للدمية بين يدي الصغيرة ولا تعرف اي شيطان تلبسها وهي تقول مبررة
بحرج….
“مكه شبطت فيها ومحبتش اكسر بخاطرها…….”
انتظرت رده……انتظرته كثيراً….لكنه كان هادئ وصامت وهو ينظر إليها…..وكانها يتعرف عليها من جديد او يرسمها….لا تعرف لكن نظراته قوية وأحياناً
مبهمة……..توترها…..تصيبها بالاختناق…..لم يكن يأثر
عليها هكذا في السابق…….لكن الآن اصبح غريب بنسبة لها غريب جداً….. لكن مزالت لهفة الحب معه كما هي كما هي لم تتغير……..مزالت تشعر معه بكل أعراض الحب لم يتلاشى شيءٍ بداخلها مع انه تلاشى به الكثير واصبح غريب…..غريب
وبعيد عنها……
وجدته يبعد عيناه عنها بهدوء ويلتقط الصغيرة بين يداه بخفة محدثها بمحبة…..
“يلا عشان نتغدى سوا يامكه…..زوزو مستنيانا….”
قالت الصغيرة وهي تنظر للسلم….
“بسبوسة…….”
رفع احمد عيناه على السلم ليجد القطه الرمادية
تهبط على السلم بصوت مواءها المعتاد……
شعر أحمد بخطوات متعثرة تتحرك من خلفه…ادار رأسه فوجد حبيبة شاحبة الوجه تنظر الى القطه الصغيرة بتراقب واهتزاز حدقتيها مع تراجع جسدها
قليلاً أكد انها لديها مشكلة مع القطط او تخشاها….
تلك المرة نظر لها أحمد بهدوء ووجه لها الحديث
“بتخافي منهم………”
اومات له بحرج وقد اطرقت بوجهها أرضا ظناً منها انه سيضحك او يسخر منها كما كان يفعل في
سابق……لكنها وجدته ينزل مكه ويلتقط القطه بين يده ثم داعبها باصابعه وهو يقول بمزاح زائف
لها….
“واضح اني جايب أسد مش قطه……”ثم نظر
لحبيبة قائلاً بفتور…..
“عدي ياحبيبة…..متخفيش…..انا ماسكها……”
زحفة حمرة الخجل لوجنتيها فطاطات براسها وهي تصعد على السلالم بخطوات متعثرة وكانت تظن انها
تحت المراقبة لكن بعد ان تخطط ثلاث درجات من السلم سمعت البوابة الحديدية تغلق وقد خرج هو ومكه والقطة…….
وقفت مكانها لبرهة ساندة بيدها على السور
تنظر للمكان بوجوم…..والفارغ حولها قد أطبق
على صدرها فنزلت دموعها وهي تشعر ان هذا الحب مات….مات مع المراهق العابث ومن تراه الآن نسخة لرجلاً ناضج هادئ بارد……لا يشعر بها……..
تغيرت يا أحمد……تغيرت وبت غريب ولكن عند
قلبي مزالت الأقرب……..فأين الخلاص من هذا الشعور…….
……………………………………………………………
أدارت محرك السيارة وهي تضع السماعه في اذانها
فتحدثت في الهاتف وهي ترجع خصله من شعرها للخلف بينما انطلقت بسيارة بسرعة متوسطه حتى تمر من شارع المجمع السكني الفخم ومنه على الشارع الرئيسي….
“ايو ياشاهي…… ايوا خرجت طبعاً… اوكي هنتقابل فين…….” حركت عجلة السيارة وهي تخرج من البوابة الكبيرة ثم قالت للمتصلة بزفرة حنق…..
“عايزه اغير المود……..وات ايفر اي مكان…..
المهم اخرج من المود الكئيب ده…… اوكي…..
خلاص هاجي على هناك….. باي شاهي…….”
بعد ان اغلقت الهاتف وضعته جوارها على المقعد وعندما رفعت عينيها السوداء وجدت من يقف امام
السيارة فجأه مما جعلها تسحب مكبح السيارة
في اللحظة الأخيرة وقد جحظت عينيها من هول الصدمة وهي تتبين ملامح هذا المعتوه امامها….تمتمت نور بشفتي ترتجفت بخوف…….
“كرم ؟!……”
وجدته يدور حول السيارة ويستلقي المقعد جوارها…… عقدت حاجبيها وهي تنظر اليه بحيرة تحمل شوق لم يقدر قلبها على محوه…. حتى بعد
كل ما حدث في آخر مقابلة بينهما…….
رمشت بعينيها عدت مرات وهي تنظر اليه مجدداً بعدم تصديق…… بينما هو يرمقها بقوة والقسوة تلمع بعيناه وجدته يسألها قبل ان تجرؤ على سؤاله…..
“انتي راحه فين………”
رمشت مجدداً بتوتر وقد لعقت شفتيها امام عيناه
الضارية وهي تهرب من السؤال بصمت … فعاد
مجدداً يسألها بنفاذ صبر…….
“قولتلك راحه فين يانور……..”
عادت عينيها ذات لمعة الانبهار تتأمل فيه بصمت لم تكن يوماً من محبي الرجال السمر لكنها اكتشفت انها مهوسه باحدهم بشرته سمراء جذابة عيناه بنية متوهجة أحياناً تراها حمراء من شدة التوهج بها……قسمات وجهه وسيمة جداً…شعره المجعد المفلفل بقصه عصرية تعشقها بجنون….طوله الفارع وجسده النحيف بصلابة الرجال…..كل شيءٍ بكرم يثير فضولها فيجعلها تتمنى التقرب منه اكثر ولكن كلما حاولت إشباع تلك الرغبة الغريبة داخلها تجده يبعدها هو عنه بجفاؤه المعتاد……وكانها لا تؤثر
عليه كما يفعل هو من يوم ان وقعت عينيها
عليه……
كم مر على هذا الاعجاب الميؤوس منه…..والذي ظل يترعرع داخلها حتى وصل لمشاعر اكبر من كبحها
لماذا لم يشعر بما تشعر به هي…….لماذا هو يصيب الهدف بنظرة من عيناه القوية………وهي بكل ما تمتلكه لم تلفت نظرة إليها حتى بعد ان اعترفت بالحب….تجاهلها ومضى مبتعداً……….
زفر كرم وهو ينظر الى شرودها فيه بحنق……فقال
بتهكم……
“سرحانه في مين وانا بكلمك….. ردي عليا يانور انتي راحه فين……”
شعرت نور بالحنق فقالت بنزق……
“وانت مالك…… اروح مترح ما روح انت جاي هنا
ليه أصلا…….”
توهجت عيناه اكثر وهو يسألها بنفاذ صبر….
“اعدلي لسانك ياهانم وتكلمي معايا عدل… انتي راحه تسهري في نفس المكان صح…….”
رمشت اكثر برموشها السوداء الكثيفة وبدات تلعب في شعرها الأسود المرتاح على جانب واحد أمامها
وقالت وهي تهرب من عيناه بحرج…..
“الكلام ده مش صح…. انا…. انا كنت معزومة على العشا مع ناس صحابي…….”
“ينفع تاجلي العزومة دي….. ونتعشى انا وانتي سوا……..”
رفعت عينيها اليه بدهشة فوجدت عيناه ترمق وجنتها بصمت به لمحة من الحزن….. فسريعاً
وضعت يدها مكان الصفعة وكانها شعرت بوجعها
الآن مما جعله يشعر بالغضب من نفسه فسالها وعيناه تعتذر لها بحنان…….
“لسه بتوجعك يانور………”
هزت راسها بنفي وقد اشاحت وجهها عنه بحرج من تلك الذكرى التي لا تعرف هل هي جيده بنسبة لها ام سيئة…… الغريبة انها لم تغضب منه حينما صفعها
هل هي معتوهه ؟!……
شعرت بان هناك صاعقة كهربائية سارت على عمودها الفقري حينما شعرت باصابعه تلامس وجنتها برفق متفحصها بلمساته وعيناه…. عادت بصدمة الى بنيتاه المتوهجة…… فوجدته ينظر الى عينيها بقوة تحمل الف اعتذار…..فبلعت ريقها وهي تغمض عينيها تاركه
الحرية لمشاعرها…….. وهي تسمعه يقول….
“انا اسف يانور……..انا من ساعتها وانا مش قادر اسامح نفسي مش عارف عملت كده إزاي…….نور
ردي عليا……..”
ناداها بنبرة متأثرة وقد بلع ريقه عندما اغمضت عينيها بتأثر من لمسته….حتى هو لا يعرف لماذا تجرأ ومد يده نحوها ولكنه أبعد يده سريعاً عندما انتهى حديثه فقد شعر وقتها بالحاح شيطاني غريب في
النيل منها ولو قليل…. فالهذا كان الافضل له ان
يغير مجرى الحديث ويضع يده جواره كي تذوب لحظة الضعف العاطفي تلك……
“تحبي نتعشى سوا النهاردة……..”
فتحت عينيها وهي تومأ براسها بصمت… وكي تتجاوز الحركة الغبية التي قامت بها بعد ان لمس وجنتها…. أدارت محرك السيارة وهي تقول بهدوء…
“تعرف اني نفسي اكل ملوخيه اوي…… تعرف مطعم كويس بيعملها…….”
قال كرم ببساطه….
“آآه انا اعرف مكان اصل الملوخيه تلقيها من عنده……..”
قالت نور بابتهاج…. “بجد فين المكان ده…….”
ابتسم كرم وهو يقول بزهو…..
“بيتنا طبعاً…. والملوخية الصح تاكليها من ايد ام
كرم حكاية…….”
هتفت بتعجب…. “بيتكم……..”
تحدث كرم وعيناه تجري على ملامحها المرتابه
لبرهة……
“قلقانه كدا ليه……متخفيش مش هقولك ابويا ميت وامي تعبانه ونفسها تشوفك …….. الحاج
والحاجة ربنا يخليهم ليا…. موجودين في البيت
لو حبى تيجي معايا تعالي نطلع نسلم عليهم
وتقعدي معاهم شويه ونتعشى كمان معاهم اي رأيك……”
قالت بتردد….
“ايوا بس يعني………انا مش عارفه…….”
عقد حاجبيه وسالها عابساً مدعي
الغضب…..
“مش عارفه إيه مش فاهم…..تحبي انزل وتكملي سهرتك مع صحابك….. ”
هتفت نور بسرعة….. “لا لا ياكرم انا هاجي معاك خالص…….”
نظر لها بغيظٍ وقال بحنق منها بعد ان زاد قلقه
عليها أكثر… “تعرفي انك هبله ……”
سالته بصدمة….. “إيه…..”
اوما بغيظٍ وهو يطبق على اسنانه قائلاً
بغيرة……..
“ااه والله وبسبب هبلك ده مبقتش عارف انام زي البنادمين……….”
سالته بحيرة…. “لي يعني كل ده وانا قولت اي غلط…….”
زفر بوجوم وهو ينظر لنافذة المجاورة له….
“كذا مرة قولتلك انك عايزه تتربي يانور… وانتي مصدقتنيش….”
هتفت نور بصوتٍ ناعم مصدوم برقة…..”كرم…….”
خفق قلبه مع احرف اسمه فبلع ريقه وهو يدعى الانزعاج قائلاً….
“بصي قدامك الله يرضا عليكي…….وشوية و
هديكي العنوان……”
نظرت امامه بحيرة من امره ثم قالت بوجوم…. “عرفاه على فكرة……..”
قال هازئاً……. “برافو اشطر كتكوته……..”
لكزته في كتفه وصاحت…. “انت غلس اوي…..”
أبتسم لعيناها الجميلة ثم أدار وجهه ناظراً للأمام وهو يطمئن قلبه انها بأمان معه الآن……الساذجة
المتهورة بأمان ، ام هو فعلى حافة الخطر
يترنح ؟!…..
…………………………………………………………….
وقفا امام باب شقته البسيطه….اطرق على الباب وانتظر قليلاً حتى فتحت والدته الباب وكانت أمرأه
بشوشة الوجه جميلة بجسد مكتنز ترتدي عباءة بيتي بسيطه ووشاح لا يقال عنها بساطه يوضع على رأسها……
نظرت السيدة لكرم ثم للفتاه الواقفة أمامها بتأمل فكانت شابة مفعمة بالجمال وعنفوان شبابها يبرق في عينيها واطلالتها…….فتاه بجسد انثوي متناسق كعارضات الأزياء واجمالهن، بشعرٍ أسود ناعم
طويل تعكسه باناقة على كتف واحد… ترتدي بنطال أسود عليه كنزة من اللون الهافان الفاتح وشفتيها تطلى بنفس اللون تقريباً………قسمات وجهها جميلة رقيقة وكل مابها يسر العين ويعطي بهجة للمتأمل
من أول نظرة…وهذا ما شعرت به والدة كرم لذا تبسمت وهي ترحب بها قائلة بحفاوة….
“أهلا وسهلاً……….ازيك ياحبيبتي……”ثم نظرت
لابنها بتساؤل…..
“مين دي ياكرم…….”
تنحنح كرم وهو يقول بهدوء…..
“دي نور يامي……. اخت يوسف انتي عرفاه طبعاً.. هي كانت حبى تتعرف عليكي وبصراحه جايه وطمعانه في طبق ملوخية……..”
حكت نور بعنقها بحرج وهي ترمق كرم بتوعد فضحك كرم عليها ليجد امه تقول بمحبة….
“طبق واحد بس دا انا اعملها حلة بحالها وبزفر كمان….”
امتعضت شفتي نور عنوة عنها وهي تقول
بامتناع..
“لا لا ياطنط…. انا مبحبش السمك خالص بيعملي حساسية……”
“سمك…..” تهلل وجه والدته فضحكت وهي تسحبها لاحضانها مرحبه بها بحرارة……
“متقلقيش مفيش سمك… زفر ده يعني ملوخيه بالحمه بالفراخ بالأنارب……”
هتفت نور مشدوهة…… “أنارب…..”
ابتسم كرم قائلاً…..
“ارنب يعني يانور…… ارنب……”
أومأت نور بحرج لتجد والدته تدخلهما للصالون
فسالها كرم هامساً….
“ابويا جوا…….”
“ابوك في مشوار عند ناس قرايبنا…….”اشارة لنور
ان تجلس على الاريكة ثم سحبت ابنها جانباً وهي توبخه بضجر……
” هو احنا برضو بتوع الكلام دا ياكرم…. جايب بنت الناس معاك على هنا….الجيران يقوله اي ولا ابوك لو
جه دلوقتي هيقول إيه عليا وعليك…. انا مرضتش احرجك قدامها.. بس انا مش راضيه عن اللي بتعمله ده……يولا باصص لفوق ليه دا انت بتشتغل عند
ابوها ياخايب…. ”
هتفت كرم من بين اسنانه بحنق شديد…
“حد قالك اني باصص لفوق…. انا مفيش بيني
وبينها حاجة…….”
لكزته امه بالخفاء وهي تقول بتوبيخ…..
“يولا……. يولا ياكرم…… دانت شايل صورتها تحت مخدتك ياكداب…….”
سألها بصدمة…. “انتي غيرتي ملاية السرير تاني…..”
رمقته والدته باحتقار قائلة بتبرم….
“هو ده كل اللي لفت نظرك ملاية السرير… وبنسبة للصورة……..”
انكر قائلاً بسرعة…..
“دي معايا بالغلط يام كرم صدقيني……”
زفرة والدته وهي تهز راسها بتعب….
“ام كرم مبقاش عندها حيل للمنهده….. خلي الضيفه تاخد واجبها وجري على بيت أبوها…….” ثم رمقت نور الجالسة امامها عن بعد ومصمصت شفتيها بحسرة..
“عروسة زي القمر…..بس ما باليد حيلة الايد قصيره
والعين بصيره ياخسارة…….انا هروح اعملكم لقمه تاكلوها……”
اتجهت والدته للمطبخ سريعاً…….فنظر كرم مجدداً
لنور وتمتم بنفس عبارة امه ولكن بسخرية مريرة
“خسارة فعلاً……..بس هي اللي كسبانه…..”
اتجه كرم داخلاً غرفته فوجد على الفراش طفلاً
رضيع نائم…. زفر بحنق وهو يتحه للمطبخ بغيظ….
“وبعدين معاكي بقا ياماا…هي الاوضة دي بتاعتي ولا بتاعت عيال خالتي……..”
قالت والدته بتبرم….
“في اي ياولا…خالتك راحت مشوار وسابت الواد نايم جوا في اوضتك…..اي فيها….وبعدين مش ابن
خالتك ده زي اخوك تمام……”
صاح كرم بقرف……
“عيال خالتي دول كلهم ارخم من بعض من اكبرهم لاصغرهم…….واقسم بالله لو ا….”
اوقفته امه وهي تقول بحزم…..
“متحلفش مش هشيله غير لما خالتك تيجي تاخده..وبعدين اوضتك بعيد عن الدوشة…يعني
طول ماهو فيها مش هيصحى أبداً…….”
صرخ الصغير فجأه باكياً مما جعل كرم يتبسم
بشماته وهو يدلف للحمام قائلاً……
“اهو صحي روحي بقا سكتيه على ما طلع من الحمام…….قبل ما يعملها على الملايا زي كل
مرة…. ”
دلف للحمام فاختفى صوت الصغير بتدريج مما
جعل والدة كرم تتمتم براحة…….
“اهو الحمدلله رجع نام تاني……”ثم بدات تتعجل حتى تنهي حساء الملوخية وتذهب إليه…….
خرج كرم من الحمام وهو يجفف وجهه بالمنشفة نظر على الاريكة التي كانت تجلس عليها نور فوجدها فارغه…..انتفضت ملامحه بدهشة وهو يتجه الى باب الشقة ولكنه سمع همساً حانياً ياتي من غرفته……
عقد حاجبيه وهو يتجه الى باب الغرفة ناظراً
من الشق الصغير فوجدها تحمل الرضيع بين يداها وتهدهد به بحنان هامسة بصوتٍ موسيقي ناعم…
ابتسم كرم وهو يجد الرضيع يغمض عيناه وهو يمتص في اصبعه الصغير……..
بداخل شعرت نور ببعض الراحة والدفء بعد ان حملت هذا الصغير والذي بكاءه جعلها تنتفض بفزع وهي تركض نحوه دون مراعاة لتوجدها كضيفة هنا…….
بعد ان حملته وهدهدته بين ذراعيها وظلت تهمس له بصوتٍ موسيقي جعل الصغير يرتخي نائماً بين ذراعيها…..انها أول مرة تحمل طفلاً وللعجب نجحت في اسكاته بل ونام أيضاً هذا رائع……
اتسعت ابتسامتها بحلاوة واعجاب بنفسها…ثم مالت على الفراش ووضعت الصغير مكانه بحرص وعندما
رفعت راسها انتبهت لطرف ورقة موجود أسفل الوسادة الطويلة….سحبتها بفضول ونظرت إليها
لتجدها صورة لها….كانت صورة قديمة التقطت لها
في أحد اعياد ميلادها….تقريباً حينما تمت
السادسة عشر………
عقدت حاجبيها بحيرة وهي تتأمل الصورة اكثر لتجد فجأه من يسحب الصورة منها بقوة جعلتها تنتفض وهي تنظر إليه….فوجدت كرم يضع الصورة في
جيب بنطالة وهو يسالها بانزعاج…..
“انتي بتعملي إي هنا……..”
ادعت السذاجة حتى تخفي ما اكتشفته الآن….
“كان البيبي دا بيعيط…. فدخلت عشان اسكته… هي دي اوضتك……” ادعت الدهشة وهي تنظر لزوايا
الغرفة البسيطة بتمعن والتي به شيءٍ من روحه
وذوقه تثبت دون السؤال انها غرفة كرم…. وهذا
ما تعرفت عليه فور دخولها……..
اخفى توتره وهو يقول بصوتٍ متحشرج….
“آآه اوضتي……..لازم تطلعي دلوقتي…مينفعش تفضلي هنا……”
أومأت براسها بمنتهى الخضوع لرغبته وخرجت من الغرفة بصمت…..فزفر وهو ينظر امامه بحرج وحيرة
هل راتها وتدعي الغباء….ام ان الحظ لم يحالفها
وكان حليفه هو تلك المرة ؟!!…..
على السفرة البسيطه وضعت والدته الطعام والذي اساسه الحساء الأخضر…….قالت وهي تتجه لغرفة
كرم……
“كل انتوا ياولاد على ما بص على مصطفى….”
جلست نور على المقعد امام السفرة وهي تنظر لكرم ثم للطعام الشهي……دعاها كرم بابتسامة هادئه…
“هتفضلي تبصيلي كتير ما تاكلي……”
قدم لها طبق فارغ ووضع فيه معلقتين من الأرز وقطعه من الدجاج….وجواره وضع طبق صغير
من الحساء الأخضر (ملوخية)
مسكت نور المعلقة وبدأت في الأكل وهي تراقبه من تحت جفونها باهتمام فوجدته يأكل الحساء بالعيش…..
فسالته وهي تمضغ الطعام بهدوء…..
“هو انت مش بتحب الرز……”
اجابها بصوتٍ حنون…..
“باكله عادي بس انا بحب أكل الملوخية بالعيش….تجربي….”
اومات وهي تبتسم فقطع من الخبز لقمة صغيرة وغمسها لها في الحساء ثم قدمها قائلاً….
“افتحي بوقك…….”
لمعة عينيها بالسعادة وهي تفتح فمها ببساطه شاعره بانه يدللها لاول مرة………وضع ألقمه في فمها فمضغتها وهي تهمهم بعدها باستمتاع قائلة…..
“حلوه اوي بالعيش……”
ابتسم له بحنان وهو يغمس لها لقمة اخرى وياكلها بيده ثم انتبه وهي تمضغ اللقمه الثانية ان هناك باقية من الحساء الأخضر في احد زوايا شفتيها….
مد ابهامه ومسحه لها ثم ارجع ابهامه الى فمه يمتصه…
ربما ادعى عدم الملاحظة وهو يمتص ابهامه
ببساطه بينما هي توترت من فعلته وقد خفق قلبها بجنون عاطفي…… ام والدته فرأت هذ المشهد ورمقتهما بعد رضا…… لذا حينما وجدته يعطيها لقمه أخرى سارعت باظهار نفسها اليه وقبل ان تصل
اللقمة لفم نور عاد بها كرم الى فمه ، وبدا يراقب اقتراب امه بحرج وكانها مسكته بالجرم
المشهود…..
شاركتهما والدته الجلسة وهي تنظر اليهما بشك
ثم مدت يدها والتقطت رغيف من الخبز من
امام ابنها ووضعته امام نور وقالت بتوبيخ
لهما……
“اقطعي من العيش وكلي بنفسك……وبطلي
مايعه انتي وهو………”
ضحكت نور وهي تسبل جفنيها بينما أحمر وجه كرم وهو ينظر لامه بعتاب……..فوجد امه تربت على
كتف نور قائلة بملاطفة…..
“كلي ياحبيبتي…..وسيبك منه……نورتيني والله………”
قالت نور بابتسامة جميلة… “بنورك ياطنط……..”
قالت والدته بمودة وهي تتاملها عن قرب….
“تعرفي اني اول ما شفتك قلبي انشرحلك…وحسى انك واحده من بناتي…….”
اردفت نور بمحبة….
“وانا والله ياطنط…..حبيتك اوي……”
ربتت مجدداً على كتفها بحنان وهي تشجعها قائلة
بجذل……
“ياحبيبتي وانا اكتر…….كلي كلي….شويه كده هقوم اعملك كوباية شاي تحلفي بيها عمرك كله….. ”
ابتسمت نور وهي تنظر للسيدة ثم لكرم..وشعور غريب دافئ يتسلل إليها…..لأول مرة تجد الدفء
والاهتمام بداخل جدراً بيت…..ربما لانها معه…
وان كان هو جوارها فلما ستخجل السعادة من
زيارتها قليلاً ؟!…….
قضت بعدها وقتاً رائعاً من والدته حوالي ساعتين
تسامرا كثيراً وضحكا اكثر من المعتاد……وكانت جلسة دافئة بسيطه يملأها الود والمحبة لم تخلو
من وجوده… حديثه… نظراته……الآن انتبهت ان
لنظراته تأثير قوي عليها انهُ لا ينظر اليها كالباقية
انهُ يخترقها بعيناه تشعر بانه يبتلعها ، يجري على تفاصيلها بنهم…. أقل شيءٍ تقوم به يرصده بعيناه المتوهجة……..
ابتسامته تربك حواسها وعندما يتحدث تستمع إليه
بانصياع غريب وكان صوته به سحرٍ عجيب يجذبها يجعلها في حضرة حضورة صامته هادئة تتمعن في كل حرف يلفظه وكانها تحضر جلسة مصيرية في حياتها……..رغم ان الحديث عادي ككل شيءٍ يمتلكه…….لكن بنسبة لها هو اكثر من عادي ربما
لانه كرم………… حبيبها………..
اوقفت السيارة بالقرب من البوابة الحديدية الخاصة
بالمجمع السكني الفخم الساكنه به…..
سحبت نفساً عميقاً وهي تنظر لكرم ببعضٍ من الراحة والسعادة…….وقالت بامتنان…..
“مش عارفه اقولك إيه…بس كان يوم جميل اوي ياكرم…….مامتك طيبه اوي وفرفوشة….وانت كمان
طلع دمك خفيف اوي…..وبتعرف تكلم زينا…..”
نظر لها وسالها بسماجة…..
“هما قلولك اني اخرس ولا إيه…..”
ارجعت خصله من شعرها للخلف وهي تقول
بحرج….. “لا بس معايا انا كنت كده……”
سأل بصدمة “كُنت أخرس !!…….”
قالت مبتسمة….. “أحياناً……..”
اوما براسه دون ان يعقب فوجدها تستأذن
بحرج مفعم بالبراءة….
“ينفع ابقى ازور مامتك يا كرم…..كل ما حب اكل ملوخية…….. اصلي حبتها اوي…. ”
ضحك وهو ينظر من النافذة المجاورة له وقال
“ينفع…..البيت مفتوح في اي وقت….وانتي
عارفه المكان……”
قالت بامتنان….. “مرسي ياكرم…….”
فتح الباب قائلاً بحزم….
“انا ماشي….على البيت علطول….ماشي…..”حينما خرج من السيارة ادار ظهره وسند على النافذة
وهو يفكر في أخبارها بأمر الصورة وانكار اي شيءٍ توقعته……. وحينما رتب كلامه انحنى على النافذة
يناديها بارتباك….
“نور……”في نفس اللحظة كانت هي أيضاً
تصيح بتردد….”كرم…….”
رمش بعيناه وعقد حاجبيه
سائلاً بشك….
“عايزه تقولي حاجة……”
بلعت ريقها وهي تحرك حدقتيها بتردد ثم
تلعثمت سائلة…..
“انت اللي كنت عايز تقول حاجة…..”
ممر يده على شعره المفلفل وهو يقول
بكذب……
“انا……..انا كنت هقولك تصبحي على خير….”
اتسعت عينا نور وهي تجد مخرج أيضاً
للهروب منه……
“بجد وانا كنت هقولك وانت من اهله……”
اوما براسه وهو يدعي الدهشة….
“بجد……..طب تصبحي على خير بقا يانور…..”
قالت نور بابتسامة مصطنعة….
“وانت من اهله ياكرم……باااي…. ”
اشارت اليه ثم انطلقت بسيارة بيدي ترتجف
بتوتر…..
ثم امام ابصاره وجد السيارة امام عيناه تدلف من البوابة الحديدية الكبيرة ثم تنغلق بعد مرورها
امام عيناه الشاردة في ذكرى الساعتين الذي
قضاهم معها في منزله البسيط…….
……………………………………………………………..
تحدث المخرج بمنتهى الرضا…..
“انا عن نفسي شايف انك انت انسب واحد للدور………”
ابتهج وجه كرم ونظر للمخرج بعدم تصديق….
متسائلاً…..
“بجد يعني حضرتك موافق عليا اني العب دور جاسم ده…..ولا هتديني دور تاني في المسلسل…..”
تحدث المخرج بمنتهى الجدية وهو ينظر اليه ثم لهيثم صديقة الجالس جوار كرم يحضر تلك
المقابلة كما وصاه أحمد……..
“ولا دور تاني ولا تالت هتاخد دور جاسم طبعاً…..
انت لايق جداً عليه ودي نفس المواصفات اللي كان عايزها كاتب العمل وان عن نفسي راضي جداً عن أدائك وشايف انك موهوب وليك مستقبل عظيم…….”
ازداد تلبك كرم فرطب شفتيه وهو يقول بامتنان حقيقي……
“انا مش عارف اقول لحضرتك إيه……بس يارب اكون عند حسن ظنك….و اوعدك اني اعمل كل اللي اقدر عليه عشان العب الدور صح…….”
تحدث المخرج بصوت جاد خشن…….
“الإحساس ياكرم….الاحساس لم بيخرج صح بيوصل
للمشاهد صح…..انا عايزك تقرأ السيناريو وتركز في دور جاسم……عن حياته عيلته ازاي بيفكر ازاي بيتكلم عايزك تدرس الشخصية كويس اوي عشان تعرف تلعبها صح……….مش عايزك تلغي شخصيتك بل بالعكس ان عايز روحك تكون بتلعب دور
كويس في الكاريكتر ده……يعني انا عايز اشوفك
قدام الكاميرا بتمثل بس في نفس الوقت مش
بتمثل عايز احساس ومشاعر واقعية……وصلت
المعلومة ولا لسه يابطل…….”
اوما كرم بنباهة قائلاً بجدية…..
“وصلت طبعاً……واكيد هعمل بنصايح حضرتك وتوجهاتك طبعاً….وان شاء الله اكون عند حسن
ظنك….ويبقى المسلسل ده فتحت خير لينا
كلنا……”
قال المخرج بعملية وهو يشير على
هيثم….
“تمام ياكرم….هيثم هيعرفك مواعيد تصوير
المشاهد الخاصة بيك…….ولو تحب تحضر بعض مشاهد الزمله عشان تستفيد اكتر من خبرتهم في المجال ده هيكون افضل……..”
اوما كرم بانصياع……. “اكيد هعمل كده……..”
قال هيثم بسرعة وهو يرمق كرم بثقة…
“كله هيبقى تمام ياستاذ….وان شاء الله وقت تصوير المشاهد كرم هيبهر الكل بادائه……”
اوما المخرج بابتسامة رضا….ومزالت عيناه تحمل نظرة مستقبلية نحو هذا الوجه الجديد الذي سيظهر على شاشة التلفاز بعد اشهر قليلة من عرض أول حلقات المسلسل…..

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غمرة عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى