روايات

رواية أوار (جنية الظلام) الفصل العاشر 10 بقلم ندى محمود توفيق

رواية أوار (جنية الظلام) الفصل العاشر 10 بقلم ندى محمود توفيق

رواية أوار (جنية الظلام) الجزء العاشر

رواية أوار (جنية الظلام) البارت العاشر

أوار (جنية الظلام)
أوار (جنية الظلام)

رواية أوار (جنية الظلام) الحلقة العاشرة

وصل أمام الباب ووضع حقيبة ملابسه على الأرض بجواره ثم رفع يده وراح يضغط على جرس الباب، وانتظر لدقيقة تقريبًا على الباب حتى انفتح الباب وظهر من خلفه فارس الذي ابتسم بدهشة فور رؤيته له وهتف بعدم استيعاب:
_ ! إيه ده انت بتعمل إيه هنا فجأة كدا
أجابه ماهر مازحًا مزاحه المعتاد مع أخيه:
_!إيه امشي يعني ولا إيه ياعم؟
قهقه فارس بخفة وقال بفرحة صادقة وهو يفرد ذراعيه داعيًا إياه لمعانقته:
_لا تمشي إيه يادكتور ادخل ادخل بيت أخوك نورتنا
لبى ماهر الدعوة وراح يعانق أخيه بشوق بالغ وهو يربت على ظهره متمتمًا براحة:
_والله ارتحت لما شوفتك يافارس الحمدلله أنك بخير
ابتعد فارس عنه وتمتم بمرح:
_متقلقش عليا أخوك مش سهل برضوا.. ادخل بس نقعد جوا وقولي جيت امتى وليه مبلغتنيش إنك جاي
تقدم ماهر للداخل متجهًا نحو الصالون ليجلس على الأريكة بعدما ترك حقيبته بجوار الباب، أما فارس فبقى واقفًا مكانه يحدق في ماهر بابتسامة مرعبة وعينان شرانية تلمع بوميض شيطاني، ثم اتجه إليه حتى جلس على المقعد المقابل له واستمر في التحديق به بنفس النظرات، فغضن ماهر حاجبيه باستغراب وسأله بتعجب:
_مالك بتبصلي كدا ليه، في إيه؟!
خرج صوت فارس لكن بنبرة غليظة لا تشبه صوته الطبيعي حتى أن ملامح وجهه تبدلت لتصبح أقرب لجسد ميت بلا روح.. جسد جفت دمائه وأصبح جلده شاحب:
_هو أنت مش جيت مع دكتورة سمر برضوا عشان تساعدوني اتخلص من لعنة أوار
تجمدت الدماء في عروق ماهر وجحظت عيناه بصدمة التي بدورها لجمت لسانه وجعلته يفقد القدرة على النطق لمدة نصف دقيقة تقريبًا وهو يتواصل بصريًا مع أخيه أو ربما كيان شيطاني لم يرى هيئته الحقيقية، خرج صوت ماهر أخيرًا هادئًا ومترقبًا للإجابة:
_أنت عرفت ازاي أنا جاي ليه وتعرف سمر من فين.. أنا عمري ما حكيتلك عنها قبل كدا !!؟
خرجت قهقه من فارس أكدت لماهر أنه ليس أخيه ثم أعقب ضحكته صوته المخيف وكلماته الأكثر رعبًا:
_أزاي اعرفها من فين أنا منسيتش أنها هي اللي كشفت عليا في المستشفى
كان ماهر في حالة ذهول وخوف مهما حاول إخفائه لا يستطيع فقد تأكد الآن أنها الجنية التي تلاحق أخيه وتحاول أذيته والآن هي تجسدت له في شكله لتخدعه، وجدها تهب واقفة فجأة وتتقدم نحوه فاستقام هو أيضًا وظل مثبتًا نظراته القوية عليها دون أن يحيد بنظراته عنها، كانت مازالت تتخذ جسد أخيه قناع تخفي به شكلها الحقيقي عنه، وقفت أمامه وهمست أخيرًا بصوتها الحقيقي ولغتها الفصحى ليست العامية التي كانت تستخدمها للتو:
_أنا لا انسى لكن يبدو أنك نسيت تحذيري لك، فاستعد لأن القادم سيكون هلاكك على يدي
علقت عينيه على عيناها التي أخذت لونها الأحمر الطبيعي ولم ينتشله من ذلك الرعب سوى صوت باب المنزل وهو ينفتح ويدخل منه كل من فارس وزوجته وهم يتحدثون ويضحكون، واول من انتبه لوجود ماهر كانت ليلى التي تسمرت بأرضها بذهول وراحت تقبض على ذراع زوجها لتوقفه عن الكلام وتجعله ينظر إلى حيث تنظر.. لينال نصيبه من الذهول وهو يرى أخيه أمامه في منزله.. لا يدري متى وكيف دخل ؟!.
أما ماهر فقد عاد ينظر أمامه مجددًا إلى حيث كانت تقف أوار فلم يجدها، راح يتطلع بأخيه مرة أخرى في هيئة تصف كل شيء، تقدم فارس بخطواته الهادئة نحو ماهر يحدثه بعدم فهم متسائلًا:
_ماهر أنت امتى جيت وازاي دخلت ؟
نقل ماهر نظره بين فارس وبين ليلى في تيه لا يدري ماذا يقول وكيف يصف، لكنه بعد تفكير حكيم دام لخمس ثواني قبض على ذراعه أخيه وهتف محدثًا إياه بحزم:
_تعالي هنتكلم في المكتب جوا
اعترت ليلى طريقهم بصرامة وقالت بغضب وإصرار:
_اللي هيتقال في الاوضة جوا يتقال قدامي هنا مفيش حاجة هتتخبى عليا أكتر من كدا، أنا كمان من حقي أفهم إيه اللي بيحصل
نقل فارس نظره بين أخيه الذي في حالة لا تبشر بالخير ملطقًا وبين زوجته المصرة على مشاركتهم الحديث، فنظر لها بدفء وقال برفق:
_ليلى ياحبيبتي مش هنخبي عليكي حاجة متخافيش، بس خلينا نتكلم وحدنا الأول وبعدين هقولك كل حاجة تمام
حدقت في وجه ماهر المريب وفي وجه زوجها الذي يبتسم لها بحنو فتنهدت الصعداء ذاعنة له وافسحت لهم الطريق ليمروا ويتجهوا إلى غرفة فارس الخاصة بالعمل….
***
داخل غرفة فارس جلس بجوار أخيه الذي كان القلق هو التعبير الوحيد المستحوذ على صورة وجهه فراح فارس يسأله بعدم فهم وقلق مماثل له:
_اتكلم ياماهر وفهمني إيه اللي حصل معاك وازاي دخلت البيت واحنا مش موجودين
تنهد ماهر الصعداء محاولًا إخماد عواصف عقله وأعصابه الهائجة وبدأ يسرد له كل شيء حدث، وسط ذهول فارس واتساع حدقتي عينيه وبعد انتهاء ماهر من الكلام لم يلبث ليجيب فارس على أخيه حتى وجدوا الباب ينفتح بقوة وتقتحم ليلى الغرفة التي يبدو أنها كانت تتصنت خلف الأبواب لتفهم كل شيء.
دخلت عليهم وثائرة وتهتف بغضب:
_انتوا ناوين تستنوا إيه تاني، دلوقتي نروح لدكتور الآثار ده يمكن يساعدنا
استقام فارس واقفًا وتقدم نحوها هاتفًا بجدية:
_اهدي ياليلى دلوقتي إيه اللي نروح واحنا في آخر الليل بكرا أن شاء الله نروحله ونتكلم معاه
انهارت أعصابها وأخذت تصيح باكية برعب شديد:
_اهدى ده إيه، أنت مسمعتش أخوك بيحكيلك إيه.. دي اتجسدت في شكلك وخدعته ولولا أنها قصدت تكشفله نفسها مكنش هيعرفها وكانت هتأذيه ده غير أنها هددته
اقترب منها أكثر حتى لف ذراعيه حولها وضمها لصدره بكل حنية وهو يلثم شعرها بحب ويهمس:
_بلاش تعملي كدا يا ليلى أبوس ايدك عشان خاطري، خليكي قوية عشان نقدر نعدي المحنة دي ياحبيبتي سوا
خرت بين ذراعيه بضعف وسط بكائها الشديد وهي تهتف بخوف حقيقي:
_مش قادرة اكون قوية يافارس، أنا خايفة أوي من اللي جاي، خايفة عليك وعلى كل اللي بنحبهم.. مش مطمنة وحاسة أن اللي جاي هيكون بشع
تطلع فارس لماهر في أسى على حالة زوجته فبادله ماهر الحزن ثم استقام واقفًا واقترب منهم يهمس لزوجة أخيه وهي مازالت بين أحضان زوجها تبكي وتنتفض:
_ليلى متخافيش واجمدي أنتي بالمنظر ده هتكوني أسهل فريسة بنسبالها، واحنا أن شاء الله في اسرع وقت هنفهم كل حاجة ونخلص منها
تمتم فارس بصوت دافيء وهو مازال يمسح على شعرها وظهرها بلطف ويلثم رأسها بقبلاته:
_تعالي ياحبيبتي نطلع الأوضة وارتاحي
كانت في حالة انهيار تام لا تقوي على مجادلته أو الرد بكلمة، بينما فارس فنظر لأخيه وهمس له بصوت رخيم:
_نبقى نكمل كلامنا بعدين وأنت البيت بيتك مش غريب ادخل أي أوضة تعجبك وريح ونام ياماهر باين عليك أنك مرهق من كل اللي بيحصل ده
ربنا ماهر على كتف فارس في رزانة وتمتم بجدية:
_ماشي متشيلش همي روح أنت بس خليك جمب مراتك، أنا مش غريب زي ما قولت والصبح نتكلم
أماء فارس برأسه موافقًا وحاوط ليلى بذراعيه جيدًا وسار معها نحو غرفتهم، فور دخولهم اتجهت هي إلى فراشها وتسطحت عليهم مغمضة عينيها تهرب إلى النوم من الواقع المرعب، بينما هو ففهم ما تحاول فعله جيدًا.. فزم شفتيه بضيق وانضم لها في الفراش ثم بسط ذراعه على الوسادة بجواره وهمس لها بخفوت يدعوها بكل عشق:
_تعالي نامي في حضني يالؤلؤتي
فتحت عيناها على أثر صوته وعبارته وعلى الرغم من حالتها إلا أنه نجح في جعل البسمة تشق طريقها لثغرها الجميل، وبلحظة واحدة كانت تلبي دعوته وتدخل بين ذراعيه تسكن رأسها فوق صدره لتغلق عيناها بآمان وغرام في ملاذها الوحيد الآمن، أما هو فلف ذراعه حولها يحكم قبضته عليها جيدًا ويضمها إليه بقوة.. ربما أن استطاع أن يخفيها بين اضلعه ليحميها من أي شر ويكون مطمئن عليها لفعل!!.. ظل محدقًا في سقف الغرفة شاردًا يفكر في كل الحلول الممكنة التي ستمكنه من التخلص من تلك الجنية وكيف سيحمي زوجته واحبائه منها، فقد حاولت قتل صديقه اليوم وربما غدًا ستحاول قتل شخص آخر.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل راندا تحديدًا بغرفتها، كانت جالسة فوق مقعدها الهزاز في شرفة الغرفة وعيناها عالقة على الأشجار وحركة السيارات في الشارع بعقل شارد ووجه مهموم، ليلة الأمس مرت عليها بصعوبة كادت أن تخنقها حتى النوم لم تذقه.. لازمت مقعدها الليل كله مستيقظة، وأكثر ما كان يؤرقها هو وحدتها، ربما تكون اعتادت الوحدة لكنها لم تعتاد شعور انعدام الحب أبدًا، شعورها بأنها ليست مرغوبة حتى من أقرب ما يكون لها وهم والديها.. يمزقها أربًا كل ليلة وهي تقضي لياليها وحيدة في فراشها، ربما شعورها الظالم بالنقص والاحتياج هو ما جعلها تندفع بمشاعر سامة قادتها لحب رجل متزوج يحب زوجته، بل اتخذت دور الأشرار في حكايات الحب وحاولت التفريق بينهم وإقناع كل منهم أن الطلاق هو الحل الأسلم لهم، لا تدري متى وكيف أصبحت بهذا السوء لتستغل ثقة صديقتها وتحاول تفريقها عن زوجها فقط لأنها كانت تريده لنفسها.
تلألأت العبرات في عينيها بوهن ثم بدأت تسقط دمعة تلو الأخرى حتى انهارت باكية، فقد أصبحت غير قادرة على كتمان ذلك العبء في قلبها، ربما أن أخرجته ستتخلص منه للأبد وترتاح وينتهي كل شيء، فجأة وسط حالة الهوان تلك التي تعتريها ارتفع صوت رنين هاتفها فالتقطته ونظرت لشاشته فقرأت اسم عز، لا تدري لماذا ازداد بكائها أكثر عندما رأت اتصاله.. ربما لأنها شعرت بأنها في أمس احتياجها له، فهي ليس لديها أحد سواه الآن.
قبل أن يتوقف الهاتف عن الرنين وجدت نفسها تجيب عليه لا إراديًا وتضع الهاتف فوق أذنها دون أن تتفوه ببنت شفة فقط صوت بكائها هو المسموع، فوصلها صوته المفزوع وهو يسألها بقلق:
_راندا مالك أنتي كويسة بتعيطي ليه كدا حصل معاكي حاجة؟!!
لم يسمع منها أي رد فقط البكاء الذي لا يتوقف مما أصابه بالجنون أكثر فهتف بلهجة رجولية حادة ومرتعدة:
_راندا ردي عليا إيه اللي حصل؟
خرج صوتها أخيرًا لكنه كان مبحوحًا وبالكاد فهم كلماتها من وسط بكائها:
_أنا في البيت ياعز
أجابها متلهفًا وهو يثب واقفًا يترك العمل الذي بيده:
_طيب أنا جايلك مسافة السكة وأكون عندك
انزلت الهاتف من فوق أذنها واستمرت في نوبة بكائها العنيفة، التي حتمًا نابعة من أعباء وتراكمات اعتادت على كتمها داخل قلبها الرقيق، مر الوقت سريعًا ولا تدري كم المدة التي مرت لكنها ليست طويلة تقريبًا حتى سمعت صوت جرس الباب يرتفع في أنحاء الشقة بأكملها، فاستقامت واقفة واتجهت إلى الباب بخطوات متعثرة ثم مدت يدها وامسكت بالقبض لتنزل به الأسفل وتجذب الباب نحوها فينفتح ويظهر من خلفه عز الذي يتطلعها بتعبيرات وجه متلهفة وانفاس لاهثة، يبدو أنه صعد خمس طوابق على الدرج ركضًا من فرط قلقه عليها، تقدم خطوة للداخل وهو مازال يحدق في وجهها بعدم فهم فإذا به يجدها ترتمي بين ذراعيه في حضنه وتبكي بقوة، صابته الصدمة لثانيتين فقط ثم تدارك الموقف ورفع ذراعيه يلفهم حولها ويضمها إليه بحنو هامسًا بصوت قلق:
_اهدي طيب بس أبوس إيدك وفهميني إيه اللي حصل
رفعت رأسها عن صدره ونظرت في وجهه بعينها الغارقة بالدموع وراحت تسأله بانكسار:
_هو أنا متحبش ياعز ؟
ضيق عينيه باستغراب لكنه لا إراديًا احتضن وجهها بين كفيها وهمس بعينان تنضج بالغرام:
_إيه الكلام الفارغ ده مين اللي فهمك كدا، لما أنتي متتحبيش امال مين اللي يتحب
سالت دموعها مجددًا وأكملت بأسى على نفسها:
_حتى ماما وبابا مش بيحبوني ومش بيسألوا فيا كل واحد فيهم سافر وعاش حياته بعيد عني ونسيوا أن عندهم بنت
ارتفعت معالم الحنق على وجه “عز” فور ذكرها لوالديها الذي يستحقرهم، ولف ذراعه حول كتفيها ودخل معاها للداخل بعد أن أغلق الباب هاتفًا:
_تعالي بس نقعد الأول واهدي وبعدين كملي براحتك
وصلوا إلى الأريكة وأجلسها ثم ذهب هو للمطبخ وجلس لها كوب ماء بارد وأعطاها إياه وهتف يسألها باهتمام:
_هااا هديتي شوية؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي تمسح دموعها بمنديل ورقي صغير وسمعته يقول بانزعاج شديد:
_مش عايز اسمعك بتقولي الكلام ده تاني، وبخصوص أمك وأبوكي صدقيني هما اللي ميستاهلوش أن يكون عندهم بنت زيك، وأنا متأكد أنهم لو موجودين معاكي حياتك كانت هتبقى جحيم لأن أب وأم زيهم مستحيل يعرفوا يسعدوا بنتهم هما مش بيفكروا غير في نفسهم بس
اطرقت رأسها أرضًا بوهن وقد قررت الاعتراف له بكل شيء والتخلص من ذلك العبء فرفعت رأسها ونظرت له بندم وهتفت:
_أنا لوحدي من سنين طويلة أوي، متخيل أني بصحي وبنام كل يوم وحدي.. باكل واتفرج على التلفزيون وحدي.. بخرج وحدي وبعمل كل حاجة وحدي.. حتى لما بتعب أحيانًا مبلاقيش حد يهتم بيا.. يمكن أنا هنزل من نظرك بعد اللي هقوله ده دلوقتي بس صدقني أنا مش قادرة اتحمله اكتر من كدا أنا حاسة أنه بيخنقني بالبطيء كل ما اكتمه اكتر
التزم الصمت وظل يتمعنها بتركيز ينتظرها أن تكمل لتخرج كل ما في جوفها وترتاح، فتابعت هي بعينان تدفنها في الأرض من فرط خجلها من نفسها:
_فارس من قبل ما يتجوز ليلى وأنا كنت معجبة بيه ولما لقيت أن في قصة حب بينهم بدأت حاولت اسحب نفسي واشيله من تفكيري وبالفعل نجحت لفترة بس رجعت تاني وللأسف لما رجعت تاني كانوا اتجوزوا حاولت كتير افوق من الغلط ده معرفتش، لدرجة أنه وصل بيا أني كنت مستنية طلاقهم في الفترة الأخيرة على أمل أنهم لو اتطلقوا ممكن يكون في فرصة ليا معاه، لغاية من فترة قريبة أوي بدأت مشاعري تجاهه تختفي الحمدلله، بس انهرت واحتقرت نفسي أوي امبارح لما ليلى جات مع فارس وشوفت حبه ليها وحبها ليه، بقيت اقول أنا ازاي عملت كدا وازاي كنت السوء ده.. ليلى صحبتي معقول ابص على جوزها وابقى بالحقارة دي، ازاي قبلت على نفسي إني اتعلق براجل متجوز وعمره ما هيشوفني حتى لو مراته مكنتش موجودة في حياته
رفعت رأسها ونظرت لعز فرأت في وجه تعبيرات جعلتها تبتلع أي حرف آخر، كانت نظرات مرعبة وقسمات وجهه جامدة لا تظهر أي تفاعل مع كلماتها أو ربما هو يتعمد عدم إظهار مشاعره الحقيقة التي كانت مزيج من الغضب والخزي، وعقله قد اتخذ قراره بالفعل فهو لن يقبل على ذاته أن يستمر في حبها وهي تهوي صديقه المتزوج وتعيش على أمل انتظار انفصاله عن زوجته لتأخذه، لكنها تركها تكمل وتفرغ كل شيء داخلها ولم يتفوه بكلمة واحدة، أما هي فهتفت محاولة الدفاع عن نفسها وتبرير فعلتها بعدما رأت نظراته لها:
_أنا عارفة أنت بتفكر فيا إزاي دلوقتي، بس صدقني حتى أنا محتقرة نفسي أوي ومش عارفة إزاي اتعلقت بيه كدا، يمكن لأني طول عمري فاقدة للحب والحنان وكان نفسي ولو لمرة واحدة في عمري احس إني مرغوب فيا فكنت بحاول ادور على أي مكان وأي شخص الاقي فيه اللي اتحرمت منه حتى لو كان اختيار غلط بس كنت ساذجة وغبية وخليت ضعفي ووحدتي يسيطروا عليا ويخلوني ارتكب خطأ هندم عليه عمري كله
ابتسم عز بنظرة ممتلئة بالخزي والألم وهتف أخيرًا لكنه تحدث معترفًا لأول وآخر مرة:
_أنتي عمرك ما كنتي مش مرغوبة لو كنتي بصيتي حواليكي شوية وفتحتي عينك المعمية دي كنتي هتشوفي اللي بيحبك بجد وعايزك لكن سذاجتك زي ما قولتي على نفسك خلتك تدوري في المكان الغلط لا وكمان عايشة ومستنية فراق فارس وليلى أو يمكن كنتي بتحاولي كمان تفرقي بينهم عشان تفوزي بيه بعدين، ووسط كل ده عمرك ما شوفتيني ولو لمرة واحدة ولا حسيتي بيا لأنك طبعا كنتي مشغولة بهدفك وأنا كنت مشغول بهدفي اللي هو أنتي بس اكتشفت دلوقتي إني كنت بعيد أووووي، عمرك ما حسيتي بحبي ليكي مشوفتيش اهتمامي بيكي ولا خوفي عليكي ولا حنيتي عليكي لأنك أصلًا مكنتيش شيفاني، وجاية تبرري ليا دلوقتي وتقوليلي أن احساسك أنك مش مرغوبة هو اللي خلاكي تحبيه لا متضحكيش على نفسك لأن صدقيني انتي لو كنتي عايزة تشوفيني وتحسي بيا كنتي هتشوفيني بس انتي اخترتيه هو وأنتي عارفة أنه مستحيل يكون ليكي
جفت دموع راندا في عيناها وفقدت القدرة على النطق من فرط صدمتها مما تسمعه أذنيها، فكأن دلو من الماء المثلج سكب فوق رأسها لتصبح بين سراب الحقيقة والوهم، أما هو فأكمل باستهزاء ولوعة مبتسمًا بعدما استقام واقفًا:
_دلوقتي أنتي جيباني هنا كمان عشان تشكيلي من الم حبك لفارس والمفروض أنا اخفف عنك واواسيكي، أنا آسف بقى مش هقدر اعمل كدا سامحيني، بس تعرفي أنا اللي كنت عايش الوهم الحقيقي مش أنتي
أنهى عباراته واستدار وسار مبتعدًا عنها متجهًا إلى الباب ليفتحه ويغادر ويتركها وحيدة وسط ذهولها وعدم استيعابها لما حدث للتو، للحظة توهمت بأنها تحلم وأن ما سمعته ليس حقيقي.. لكن هيهات!!!…….
***
داخل منزل فارس تحديدًا بغرفة ماهر التي قضى بها ليلة أمس، لم تذق عيناه النوم هذه الليلة أبدًا.. ظل مستيقظًا يفكر فيما حدث معه، لا يكترث لأمر نفسه بقدر اكتراثه بأخيه وزوجة أخيه وحتى والديه نهاية بسمر التي جعلها تشاركه تلك الرحلة المرعبة، بقى عقله مشغولًا طوال الليل يحاول إيجاد حلول لمساعدة أخيه في التخلص من ذلك الشر الشيطاني وبنفس الوقت لا يستطيع تجاهل سمر فقد كان قلبه يمزقه قلقًا عليها ولا يعرف كيف يحميها، بالأخص بعد تهديد ” أوار ” الصريح له بالأمس وذكرها لاسمها.
استقام واقفًا من فراشه نقررًا إنهاء تلك الوساوس التي تنهش عقله ويتصل بها يطمئن عليها فاتجه نحو هاتفه والتقطته وأجرى اتصال بها، فجائه الرد بصوتها الناعم تجيب:
_صباح الخير يادكتور
ابتسم براحة لسماعه صوتها بهذه الراحة وأجابها بود:
_صباح الفل يادكتورة عاملة إيه أنتي كويسة؟
ردت برقة وابتسامة محبة تخفيها خلف شاشة الهاتف:
_الحمدلله بخير، أنت قضيت الليلة امبارح عند فارس ؟
أجاب ماهر بالإيجاب في هدوء:
_أه أنا عنده، أنا حبيت بس اتصل اطمن عليكي وأسألك الدكتور سامي فاضي النهاردة ولا لا عشان عايزين أنا وفارس نيجي نزوره ونتكلم معاه
قالت بترحيب شديد ولهجة حماسية:
_فاضي طبعًا ومستنيكم من امبارح ده هو فرح جدًا لما عرف أنك جيت معايا، اتفضلوا في أي وقت تحبوه
وصلها صوته الرجولي الرزين لكنه ممزوج بلهجة جادة ومهتمة:
_تمام أن شاء الله، بس أنا عايزك تاخدي بالك من نفسك ياسمر عشان خاطري
ضيقت عينيها باستغراب رغم سعادتها من اهتمامه بها وراحت تسأله بفضول:
_حاضر بس هو في حاجة حصلت معاك ولا إيه ؟
كذب برده مخترعًا حجة أخرى يبرر بها خوفه عليها حتى لا يخبرها بالحقيقة المرعبة:
_لا مفيش أنتي عارفة أني قلقان ومكنتش حابب ادخلك معايا في الموضوع ده عشان كدا بقولك خدي بالك من نفسك
آماءت برأسها متفهمة وقالت بصوت أنثوي ساحر:
_حاضر متقلقش عليا، مستنياك متتأخرش بقى
رفع حاجبه مبتسمًا بخبث وعلق متعمدًا إحراجها:
_مستنياني!!؟
: تنحنحت بخجل وأجابت فورًا معدلة عبارته
_أقصد مستنينكم أنا وخالو يعني
قرر التجاهل والتصرف بسذاجة وكأنه صدق حتى لا يحرجها أكثر رغم ضحكه الواضح في نبرته وهو يجيبها:
_أه طبعًا بلغي الدكتور بقى سلامي لغاية ما اجيله
اكتفت بهمهمتها ولم تخرج أي حرف آخر من جوفها من شدة خجلها منها وبسرعة أغلقت الاتصال وهي تعنف ذاتها على حماقتها وعدم تحكمها بمشاعرها التي سببت لها فضيحة، أما ماهر فقد انزل الهاتف من على أذنه مبتسمًا وبتلك اللحظات قد نسى كل شيء لوهلة لكن سرعان ما انتشله صوت طرق الباب الذي وصل خلفه صوت فارس يهتف:
_ماهر أنت صحيت ؟
أجاب ماهر بقوة:
_ادخل يافارس
فتح فارس الباب ودخل واغلقه خلفه ثانية ثم اقترب من أخيه يجلس على الفراش بجواره ليسبقه ماهر هاتفًا بصوت ووجه مرهق:
_أنا منمتش ليلة امبارح نهائي
زم فارس شفتيه بحنق وأجاب بنفس الرد:
_ولا أنا فضلت الليل كله صاحي جمب ليلى معرفتش أنام من القلق
خرج صوت ماهر رجولي وحازم وهو يقول:
_طيب لو معكش حاجة دلوقتي قوم بينا نلبس ونروح لدكتور الآثار ده يمكن يعرف يساعدنا
ابتسم فارس لأخيه بشبه سخرية وراح يربت على ذراعه بلطف ويهتف في حدة ونبرة صارمة:
_لا نلبس إيه أنت مش هتروح معايا مكان، أنت هترجع تاني القاهرة وملكش دعوة بالموضوع ده خالص
رفع ماهر حاجبيه باستعجاب وظهرت البسمة القوية على ثغره مجيبًا:
_ومين قالك أني هرجع، لو قلقان عليا عشان اللي حصل امبارح فمتخفش مش هتقدر تعملي حاجة
صاح فارس منفعلًا عليه من فرط خوفه وضغطه النفسي الذي يعاني منذ أيام:
_مين قالك مش هتقدر كانت هتقتل ” عز ” امبارح لولا أن الحمدلله لحقوه على آخر لحظة، كفاية إني دخلت عز وليلى معايا في المصيبة دي وللأسف خلاص مفيش مجال للرجعة..فمش هسمحلك أنت كمان تدخل معايا خصوصًا بعد اللي حصل إمبارح
أجاب ماهر بثبات انفعالي تام غير مباليًا بثوران أخيه ومصرّ على قراره:
_وأنا قولتلك مش هسيبك وحدك يافارس متحاولش في الموضوع ده نهائي
حاول فارس كظم غيظه والتحكم في انفعالاته حتى يقنعه بالعودة وقال:
_ماهر بلاش عند عشان خاطري ياخويا أنا خايف عليك الموضوع ده مفهوش هزار، هي مش قادرة تأذيني لأنها محتجاني وعايزاني اقدملها روحي بنفسي فمش هتقدر تقربلي وأنا فاهم كويس أوي أنها بتستخدم ليلى كأداة ضغط عليا عشان تخليني أخضع ليها يعني حتى ليلى مش هتقدر تأذيها أذى يوصل للموت
فقد ماهر اعصابه ولم يتمكن من السيطرة عليها أكثر وراح يصيح بأخيه الأصغر في حدة:
_أنت طبيعي وواعي للي بتطلبه، هو احنا امتى سيبنا بعض في محنة وموقفناش جمب بعض.. أنت خايف خاف براحتك ياعم لكن أنا مش خايف، وقفل على السيرة دي نهائي يافارس وقوم يلا البس عشان نروح للراجل ونشوف حل
انهي ماهر عباراته واستقام واقفًا واتجه نحو حقيبة ملابسه يفتحها ويخرج منها ملابس نظيفة ليرتديها ويستعد للخروج تاركًا فارس يراقبه بنفاذ صبر ويأس منه، بعدما أدرك أنه مهما حاول ردع أخيه لن يستطيع فقد اتخذ قراره ولا يمكن أن يتخلف عنه، هب فارس هو أيضًا واقفًا وغادر الغرفة باستياء…
***
داخل غرفة فارس وليلى.. كانت تتجهز وترتدي ملابسها بعدما أصرّت على الذهاب معهم ومشاركتهم كل شيء رافضة البقاء في المنزل واتخاذ دور الجاهل الذي لا يدري أي شيء، فلم يعترض فارس ووافق فورًا بسبب رغبته في عدم تركها وحدها بالمنزل.
بينما كان بالحمام يأخذ حمامه الصباحي لكي يرتدي ملابسه بعده وينطلقوا إلى دكتور الآثار، كانت ليلى تجلس على مقعدها أمام المرآة تضع مكياجها وتجهز نفسها، التقطت أحمر الشفاة ورفعته لفمها وبدأت ترسم شفتيها به لكن فجأة توقفت يدها وتجمدت وجحظت عيناها بذهول عندما رآت انعكاس أوار خلفها في المرآة وهي تبتسم لها بشيطانية، وربما لسوء الحظ أنها لم تظهر لها بهيئتها الحقيقية المرعبة بل ظهرت لها بوجه امرأة جميلة مرتدية فستان زفاف أسود وجرحى سوداء فوق رأسها، وعلى رغم جمالها إلا أن ليلى كانت مدركة تمامًا حقيقتها وأنها شر خطير لا يمكن التهاون به، بينما أوار فكانت محتفظة بابتسامتها المرعبة وهمست لليلى:
_ لا تخافي يا ليلى أنا لست هنا لأذيكِ، بل أنا هنا لحمايتك أنتي وفارس
التفتت لها ليلى بشجاعة غريبة تملكتها ونظرت في عيني أوار بتحدي وغضب وراحت تفتح فمها تنطق أول حرف تنوي قراءة آيات من القرآن لكن انعقد لسانها فجأة وكأنها فقدت النطق فظلت تحدق في أوار بصدمة وهي تحاول التحدث لكن كل محاولاتها باتت بالفشل، وأكبر خطأ ارتكتبه هو أنها نظرت في عينها، الأمر الذي مكنها من ممارسة سحرها المميت عليها وبدأ وجهها يتحول لهيئته الطبيعية والمرعبة وعيناها أخذت لونها الأحمر وهي تحدق بـ ليلى في شر وتهمس لها تلقي عليها تعليمات شيطانية:
_كما أخبرتك أنا هنا لمساعدتك، هل ستسمحين لماهر بقتل زوجك، لقد جاء لزيارتكم لأنه يريد قتلك أنت وفارس
اتسعت عيني ليلى بمزيج من الرعب والصدمة بعدما سقطت داخل تعويذة سحرها الشيطاني، بينما أوار فأخرجت سكين ووضعته بكف ليلى وهي تكمل ليلى بصوت مخيف تلقي أوامرها عليها مستخدمة سحرها:
_انقذي نفسك وزوجك بتلك السكين وتخلصي من الخطر الذي يحوم حولكم
اغلقت ليلى على السكين في كفها وراحت تهز رأسها لها بالموافقة دون وعي وهي منصاعة لأوامرها متأثرة بسحرها الشيطاني الذي مارسته عليها للتو….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوار (جنية الظلام) )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى