رواية أوار (جنية الظلام) الفصل الثامن 8 بقلم ندى محمود توفيق
رواية أوار (جنية الظلام) الجزء الثامن
رواية أوار (جنية الظلام) البارت الثامن

رواية أوار (جنية الظلام) الحلقة الثامنة
انتصب واقفًا يحدق في السكين وهي تشتعل ويبتسم بوعيد هامسًا بصوت مسموع:
_هكون أنا سجّانك المرة دي يا أوار
تلفت حوله وخلفه فورًا عندما جائه الرد منها في أذنه تهمس بنبرة شيطانية كلها شر:
_ما رأيك يافارس أن ترى بنفسك من بيننا يستطيع سجن الآخر
حاول الحركة من مكانه لكن قدماه تشنجت وتصلب بأرضه، وبلمح البصر وجد نفسه داخل المقبرة الملعونة للمرة الثانية لكن هذه المرة تقف أوار في مواجهته مباشرة مرتدية زيها الفرعوني المهيب وطوق ذهبي فرعوني يزين رأسها يحمل خرزة سوداء بالمنتصف ويتدلى من الجانبين عقود طويلة منقوشة بحروف فرعونية مريبة تشبه الطلاسم ليست الحروف الهروغليفية المعتادة، وحول عينيها الحمراء سواد مرعب ووجهها الشاحب كله ممتلئ بتلك الطلاسم الفرعونية، ثغرها يزينه ابتسامة مرعبة تنضج بالشر وهي تهمس له مع خطواتها التي تقترب منه:
_بإمكاني تركك هنا مسجون حتى تلفظ آخر أنفاسك
ابتسم لها بخبث بعدما رأى الإضاءة الخافتة جدًا في المقبرة وقال بثبات دون أي خوف:
_بس انتي مجبتنيش هنا عشان تسبيني أموت أنتي محتجاني ومتقدريش تأذيني، أنتي جبتيني هنا عشان نقطة ضعفك النور والضلمة بتديكي القوة
اختفت ابتسامتها واشتعلت نظراتها بوهيج مخيف وظهر صوتها خشن وشيطاني لا يشبه الصوت الأنثوي التي كانت تتحدث به للتو:
_لست بحاجة لك بل أنت الذي بحاجتي، أن لم تُسلم لي روحك طوعًا سأسلب روح كل من تكترث لأمرهم وفي مقدمتهم زوجتك الحبيبة
ظل فارس محافظًا على ابتسامته المتحدية والقوية غير متأثرًا بتهديداتها، ثم بدأ لسانه يلفظ آيات قرآنية بصوت مرتفع أمامها فاحتفت من أمامه فورًا ووجد نفسه عاد لموقعه حيث كان يقف قبل أن تأخذه للمقبرة، أخذ نفسًا عميقًا ثم التفت بجسده وعاد إلى سيارته، استقل بمقعده وأخرج هاتفه يجري اتصال بزوجته ليطمئن عليها.
أجابته ليلى بعد ثلاث رنات بصوت رقيق:
_الو يافارس
وصلها صوته الجاد والمهتم بسؤاله مباشرة:
_عاملة إيه يا ليلى أنتي كويسة؟
غضنت حاجبيها باستغراب من سؤاله المريب وقالت:
_كويسة الحمدلله، أنت متصل عشان كدا بس؟
فارس بكل صراحة ووضوح:
_آه بطمن عليكي ياحبيبتي، ابقي شغلي قرآن في البيت عشان متتخنقيش من القعدة وحدك لغاية ما آجي
هزت رأسها بالموافقة وردت بانصياع له:
_حاضر هشغل.. ابقى خد بالك من نفسك
أجاب بهدوء:
_ أن شاء الله.. وأنتي كمان
ودعته وأنهت الاتصال وراحت تحدق في شاشة الهاتف بتفكير عميق متعجبة من أسلوبه المثير للشكوك ونبرته القلقة، حتى طلبه المريب فهذه أول مرة منذ زواجهم يطلب منها تشغيل القرآن في غيابه، لكنها لم تكترث كثيرًا بأمره وتنشغل بالتفكير في طلبه حيث تركت الهاتف وذهبت للمطبخ مسرعة لتكمل تحضير طعامها وتطمئن على الطعام الذي وضعته فوق النيران ليستوي.
***
بمنطقة العمل الخاصة بالآثار، كان العمال يبشارون بالحفر في منطقة مختلفة عن السابقة ليستخرجوا آثار فرعونية أخرى.. بينما عز فكان حاليًا على مقعده الخشبي بالقرب من العمال وبيده فنجان قهوته الصباحي وعيناه عالقة على راندا التي تتجاهله تمامًا وتتجنب الالتقاء به أو البقاء بالقرب منه حتى، كانت تقف بجوار العمال وتُملي عليهم تعليمات ترشدهم بها نحو المكان الصحيح حتى لا يحيدوا عنه أثناء الحفر.
حاول هو الحفاظ على ثباته الانفعالي وجموده واستمراره في مراقبتها فقط دون أي ردة فعل منه أو محاولة لتلطيف الأجواء بينهم ومصالحتها لكنه فشل بكل سهولة وهب واقفًا متأهبًا بعدما انتهى من قهوته وتقدم بخطواته نحوها حتى وقف بجوارها تمامًا شبه ملتصق بها وهمس بالقرب من أذنها بنبرة مرحة:
_وآخرة الزعل والتجاهل ده إيه يابشمهندسة؟!
رمقته راندا بطرف عيناه في برود وقالت:
_مين قالك أني بتجاهلك أنا بشوف شغلي، مش فاضية يعني!
عز بابتسامة ماكرة ولهجة قوية:
_لا انتي مبتشوفيش شغلك لأن مفيش حاجة مستاهلة تقفي عليها الحفارين عارفين شغلهم كويس أوي ومش محتاجين توجيه منينا في الحفر بذات، أنتي بس اللي بتتهربي وواقفة معاهم عشان مش عايزة تقعدي جمبي
هتفت راندا بغيظ بعدما واجهها بالحقيقة ولم يترك لها مخرج أو حجة:
_طيب ياعز أنا مش عايز اقعد جمبك فيها حاجة دي!!
تقوست تعبيرات وجهه للجدية وقال بضيق منها:
_لا فيها وفيها كمان، أنتي عارفة كويس أنا اتصرفت كدا ليه امبارح
صاحت به منفعلة:
_ لا أنا مش عارفة حاجة وحتى لو عارفة هل اللي أنت عملته ده طبيعي!!.. أنت واضح أنك مكنتش حاسس بنفسك ولا شايف نفسك عملت إيه ولا قولت إيه ياعز
ظهرت نبرته الرجولية الغليظة الممزوجة بغيرته الحقيقية:
_المفروض اضحك يعني لما تكوني معايا والاقي الرجالة عينها مش بتتشال من عليكي وأنتي لابسة لبس مكشوف
صرخت به بعصبية هادرة:
_دي حاجة متخصكش البس إيه ولا ملبسش إيه أنت مالك ان شاء الله اطلع عريانة
خرجت صيحة هائجة منه واحتدمت نظراته بالحدة بعد كلمتها الأخيرة:
_رانــــدا فوقي للي بتقوليه
لم تكترث لصياحه بها ولا نظراته حتى بل مالت عليه بكل عدم مبالاة وثبات وقالت بنظرة متحدية متعمدة إثارة جنونه أكثر:
_ملكش دعوة بيا اعمل اللي أنا عايزاه
بتلك اللحظة كان فارس قد وصل وسمع صوته صياحهم وشجارهم من على بعد مسافة منهم حتى أنه رأى أن جميع من ب الموقع يقف يشاهد شجارهم بتعجب ووجوههم تطرح الكثير من الأسئلة، فاتجه فارس مسرعًا ووقف بجوار عز ينظر لراندا ولصديقه باستغراب ويسألهم بحزم:
_مالكم في إيه.. بتتخانقوا ليه إيه اللي حصل لكل ده؟!
نظرت راندا لفارس وقالت بقوة:
_مفيش حاجة يافارس مشكلة كدا بسيطة وصاحبك فهمني اعتقد خلاص
كان عز ينظر لها وهو يجز على أسنانه مغتاظًا، أما هي فقد تركتهم وابتعدت لينظر فارس لصديقه باهتمام وجدية يسأله:
_إيه ياعز مالكم فرجتوا عليكم الموقع كله
التفت عز حوله فوجد الجميع يحدق به بتدقيق استفزه فوجد نفسه لا إراديًا يصيح بالعمال منفعلًا:
_كل واحد يشوف شغله
اخفضوا رؤوسهم فورًا واكملوا عملهم، أما فارس فقد سحب عز من ذراعه واتجهوا إلى مقاعدهم وجلسوا ثم بدأ هو وأردف:
_قولي بقى إيه اللي حصل ؟
أطلق عز زفيرًا حارًا ثم بدأ يسرد لفارس أحداث الأمس وكيف انتهت، فرأى الابتسامة الخبيثة تزين ثغر فارس الذي قال بعد انتهائه:
_لما أنت كنت غيران أوي كدا عليها وبتحبها ما تقولها ياعم وريح نفسك
عز بنظرة صارمة وصوت غليظ:
_مش هينفع دلوقتي في حاجة الأول شاكك فيها لازم اتأكد منها
سأل فارس بفضول:
_حاجة إيه دي ؟!
عز باهتمام حقيقي ونظرات مفعمة بالحزم والجدية:
_سيبك مني دلوقتي وقولي عملت إيه وصلت لحاجة جديدة ولا لا ؟
سرد له فارس آخر الأحداث نهاية بما حدث قبل قليل وانهى سرده وهو يقول بخوف بسيط:
_هددتني أنا هتأذي كل اللي حواليا وأولهم ليلى لو مقدمتلهاش روحي
كانت عيناه عز جاحظة من الصدمة وراح يسأله بعدم فهم وقلق:
_وهي عايزة روحك ليه أصلًا ؟
أجاب فارس بحيرة وجهل:
_مهو ده اللي أنا مش فاهمه ولما هي عايزة روحي كدا ليه محاولتش تأذيني ليه لازم أنا اللي اعمل كدا
ابتسم عز بعيان لامعة وقال في نبرة ثقة:
_واضح أنها متقدرش تأذيك اللي خلاها تهددك بأذية كل أحبابك، مأذتكش أنت ليه ألا لو كان هي متقدرش تقربلك
مط فارس شفتيه بجهل وقال في نظرات متحدية:
_جايز برضوا، عمومًا أنا بحاول اكلم دكتور مدحت عالم الآثار القديم ده راجل موسوعة في التاريخ وفي اسرار العالم ده، يرد عليا بس وهروح أقابله فورًا وهو اكيد هيساعدني ويفهمني كل حاجة
قال عز بثبات دون تردد:
_تمام أول ما تاخد منه معاد قولي عشان هاجي معاك
اماء فارس رأسه بالموافقة دون كلام وبقى ساكنًا يحدق في اللاشئ بشرود يفكر كيف سيتصرف وكيف سيحمي زوجته من الأذى.
***
داخل منزل فارس تحديدًا بالمطبخ حيث كانت ليلى تقوم بتحضير الطعام وشاردة الذهن تفكر في علاقتها بزوجها كيف تحسنت بهذه السرعة، وحتى هو تبدل معاها تمامًا وعاد لطبيعته الحنونة التي اعتادت عليها حتى من قبل زواجهم، ربما يشغلها التفكير والفضول حول السبب لكن ذلك لا ينفي حقيقة سعادتها المطلقة، فهي مهما حاولت إقناع ذاتها أنها لا تريده وتكرهه كان الفشل يلاحقها بكل مرة وتكتشف أنها تحبه أكثر وأكثر.
وسط شرودها وابتسامتها المغرمة اقتحم أذنها همس غريب يقول بنبرة مرعبة:
_ليلى
التفتت خلفها مفزوعة وعيناها تدور حولها بارتيعاد تتساءل من أين سمعت ذلك الهمس في أذنها ولا يوجد غيرها بالمنزل، عندما ازدادت نبضات قلبها حاولت تهدئة نفسها معللة ذلك بأنه تهيؤات، وعادت تكمل تحضير الطعام ومازالت علامات الفزع تحتل ملامحها الرقيقة، ليأتيها الصوت مرة ثانية وهذه المرة يقول بنبرة لمست فيها المكر:
_لا تفتحي الباب للطارق
ولم تلبث لحظة واحدة من سماعها ذلك الصوت المجهول في أذنها حتى سمعت صوت طرق الباب، هنا ظهرت علامات الذهول والهلع الحقيقي على محياها فتسمرت بأرضها مرتعدة لا تقوى على الحركة، وصوت طرق الباب لا يتوقف بل يصبح اقوي واعنف كلما تتأخر عن الرد، ربطت على قلبها برباط الشجاعة المزيف وتحركت بخطوات متعثرة نحو الباب بعدما أصبح صوت الطرق مزعج، وقفت خلف الباب وخرج صوتها المضطرب تسأل:
_ مين ؟
انتظرت ثواني بعد سؤالها منتظرة الرد لكن صوت نبضات قلبها المرتعدة وانفاسها المتسارعة كانت هي فقط المسموعة، مدت يدها المرتجفة إلي الباب لتفتح وتكتشف بنفسها من ذلك الطارق المجهول وكأنها تريد إثبات أن كل ما يحدث ماهو إلا عبث وتهيؤات لا وجود لها في الحقيقة، لكن الصدمة كانت أنها لم تجد أحد وقابلت الفراغ تمامًا، فخرجت مفزوعة خارج المنزل تبحث بنظراتها عن الطارق تتفقد الدرج وهي تصيح بصوت مرتجف:
_!!مين اللي كان بيخبط ؟
المزيد من الصمت المرعب الذي لا تسمع سواه، بتلك اللحظة أدركت أن شيىًا مريبًا يحدث معها وزاد خوفها أضعافًا، فاستدارت بسرعة وبمجرد دخولها المنزل مرة أخرى وجذبت الباب لتغلقه ظهر من خلفه شخص لم يكن مجهول لها أبدًا لكنه لم يعد في عالمنا.. يبتسم لها بشر ويهمس:
_ مش قولتلك متفتحيش الباب ياليلى!
اتسعت مقلتي عيناها بذهول ولا ادرايًا انطلقت صرخاتها العالية، فارتدت للخلف مبتعدة وهي تخفي وجهها بكفيها وتصرخ من فرط الرعب وتنتفض بقوة، لحظات معدودة وعندما كشفت وجهها ونظرت أمامها لم تجد أحد، فـ انسابت دموعها بغزارة على وجنتيها وأغلقت الباب بسرعة وركضت إلى الصالون تجلس على الأريكة تدفن وجهها بين كفيها تبكي بشدة وهي تنتفض بعنف، استمرت على هذا الحال دقائق طويلة حتى رفعت رأسها والتقطت هاتفها بيدها المرتعشة وأجرت اتصال بزوجها ونظراتها تتجول حولها برعب خوفًا من ظهور ذلك الشبح مجددًا، أجابها فارس بصوت هادئ :
_الو يا ليلى
ردت عليه بانهيار وسط بكائها:
_ أنا شوفت خالد يافارس
هتف فارس بعدم فهم محاولًا استيعاب ما تقوله:
_اهدي بس ياحبيبتي قوليلى انتي كويسة ولا لا ومين خالد ده ؟
كانت تجيبه بصوتها المبحوح من فرط البكاء:
_خالد اللي كان خطيبي يافارس
ظهر القلق على محياه بعد كلماتها، فذلك الرجل ميت منذ سنوات قبل زواجهم حتى، أخذ نفسًا عميقًا وحاول أخراجه ثابتًا ومستقرًا حتى لا يخيفها أكثر وقال:
_ طيب اهدي ياليلى وأنا جايلك دلوقتي
هتفت وهي تتوسله ببكاء وعيناها تدور حولها بارتيعاد:
_بسرعة يافارس أنا خايفة أوي
_حاضر مش هتأخر متخافيش مسافة السكة بس
أنهت الاتصال معه واستقامت واقفة وهرولت إلى التلفاز تفتحه على قناة القرآن الكريم وجلست بجواره وهي تفرك يديها ببعضهم في انتظار وصول زوجها، تلتقط شهيق طويل وتخرجه زفيرًا متهملًا في محاولة منها لتهدئة روعها والحفاظ على ثباتها بقدر الإمكان.
***
بالقاهرة داخل المستشفى….
كان ماهر يسير باتجاه غرفته الخاصة ويرد تحية الصباح على كل من يوجهها له من الممرضين والأطباء الزملاء، حتى وصل غرفته ودخل فنزع عنه سترته وعلقها ثم التقط البالطو الطبي خاصته وارتداه وجلس على مقعد مكتبه وبدأ يراجع حالات المرضى، مر ما يقارب من النصف ساعة وهو منشغل بمراجعة حالة كل مريض ونوع مرضه حتى عصفت بذهنه صورة سمر فشرد متذكرًا مكالمتهم بالأمس واتفاقهم بالالتقاء اليوم، أخذ نفسًا عميقًا وعاد بظهره للخلف على مقعده الدوار يفكر ويطرح الأسئلة هل يذهب لها أم يبقي حيث هو فربما تكون منشغلة ويزعجها ؟.. استمر تردده لدقائق طويل حتى عقد النية وحسم قراره، ثم استقام واقفًا وغادر غرفته متجهًا إلى غرفتها، وقف أمام الباب وطرقه بهدوء مرتين لكن لم يحصل على الرد وكرر الثالثة لكن نفس الرد ففتح الباب ببطء وأدخل رأسه فلم يجدها بالداخل، فتح الباب على آخره ودخل وعلقت عيناه على محتويات سطح مكتبها، لم يلبث لحظات حتى سمع صوتها من خلفها وهي تدخل غرفتها وتهتف مازحة:
_مش عيب برضوا تتعدي على خصوصية دكتور زميل يادكتور
التفت لها مبتسمًا وقال بود جميل :
_صباح الخير يادكتورة
أجابت سمر برقة تليق بها وابتسامتها مازالت تزين ثغرها:
_صباح النور تعرف أنا كنت لسا هجيلك بس أنت سبقتني
قال بلهجة مازحة لكنها تضمر معاني مختلفة:
_مش كل مرة هتبقى عليكي لازم مرة تبقى علينا كمان
حدقته بطرف عيناها مبتسمة في نعومة ثم جلست على مقعد حديدي مبطن أمام مكتبها وطلبت من ماهر الجلوس على المقعد المقابل لها، ففعل بهدوء تام وجلس فراحت هي تسأله بفضول شديد وعين تلمع من الحماس:
_ احكيلي بقى إيه الموضوع؟
انطلقت ضحكته الرجولية عالية على عفويتها وفضولها الشديد الأشبه بفضول طفل يسعي لكشف المجهول، ليجدها تضيق عيناها بتعجب من ضحكه وتسأله وهي تبتسم لا إراديًا على ضحكه:
_ !بتضحك ليه ياماهر؟
هز رأسه بالنفي وقال في رزانة رجولية وهو مازال محتفظ بابتسامته:
_لا ولا حاجة ، المهم أنتي متأكدة إنك عايزة تعرفي؟
اماءت له بالإيجاب في ثقة وتشويق فتنهد هو الصعداء ومال بجزعه للأمام وبدأ يسرد لها قصة فارس كاملة وهي تستمتع له بأعين جاحظة من فرط الذهول وفور انتهائه أول سؤال طرحته كان نابع من ارتيعادها الداخلي:
_يعني اللي أنا كشفت عليها دي كانت الجنية اللي خرجها أخوك من المقبرة !
أجاب ماهر بأسف وجدية:
_ للأسف أيوة ، هي كانت قاصدة تظهرلي أنا عشان تخوفني وتخليني اوقف فارس
شردت نظرات سمر في الفراغ وتعبيرات الصدمة بادية على وجهها، لم يكن الذهول فقط هو زائر وجهها بل الرعب اعتلى قمة المشاعر، أما ماهر فـ بكل حكمة وذكاء مد يده وقبض على كفها الأنثوي الناعم وهمس لها بثقة:
_متخافيش ياسمر مفيش حاجة هتقدر تأذيكي والموضوع ملوش أي علاقة بيكي
طالعته بعين كلها اهتمام وحب صادق:
_أنا مش خايفة على نفسي أنا خايفة عليك ياماهر، ممكن تأذيك أنت وأخوك لو الموضوع زي ما أنت حكتلي فده شر كبير أوي ومنقدرش نستهون بيه
ابتسم لها بثبات وقال في صوت رجولي رخيم:
_وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله
أخذت سمر نفسًا عميقًا وقالت بإيمان وراحة بسيطة:
_ونعم بالله، فعلًا كله بإذن الله.. طيب أنت هتعمل ايه دلوقتي وفارس هيعمل إيه ؟
هتف ماهر بقلق ونبرة حاسمة:
_معرفش انا مكلمتش فارس تاني، بس أنا بفكر اسافر بكرا واروحله مش عايز اسيبه وحده قلقان عليه بس مش عارف هقول لماما وبابا إيه
أجابت فورًا دون تردد:
_قولهم مسافر مؤتمر تبع الشغل ياماهر وسافر متسيبش اخوك وحده في موقف زي ده
هز رأسه لها بالموافقة وهو مؤيد لفكرتها ومقتنع بحجتها القوية التي اقترحتها عليه ليخبر بها والديه دون أن يقلقهم على أخيه وزوجته، أما هي فظلت ساكنة للحظات طويلة تفكر بحيرة حتى جزمت قرارها وقالت له:
_أنا عايزة آجي معاك ممكن اقدر اساعدكم لأني عندي خالي عالم آثار كبير وقديم جدًا أكيد هيعرف يحل اللغز ده ويساعد اخوك فأنه يتخلص من الجنية دي
لمعت عين ماهر بفرحة وأمل لكن اختفت لمعة عيناه عندما فكر في الأمر من جهة الآمن وقال برفض قاطع:
_لا مينفعش ياسمر أنا مقدرش ادخلك في الموضوع ده مش آمان ليكي وأنا مقدرش احطك في وضع ممكن يأذيكي
حاولت إقناعه وفتحت فمها لتتحدث لكنه اسكتها بنبرته الحازمة:
_أنتي ممكن بس تديني عنوان خالك ورقمه واحنا هنتواصل معاه
تنفست الصعداء بقلة حيلة وقالت مبتسمة وهي تجرب فرصتها ثانية بنظرة كلها ثقة وآمان:
_أنت قلقان عليا ليه ما أنا هكون معاك مش هيحصلي حاجة يادكتور متقلقش، أنا هاجي معاك أنا حابة اقف جمبك
مال ثغره الجانب مبتسمًا بخبث على عبارتها الأخيرة وراح يسألها بنظرة تضمر خلفها ألف معنى:
_ليه حابة تقفي جمبي ؟
فهمت من نظرته إلى ما يرمي إليه فخجلت قليلًا لكنها تماسكت وأجابته مازحة لتضفي جو مختلف وتخفي توترها:
_عشان الصديق وقت الضيق
قهقه عاليًا بقوة على عبارتها التي هي عبارة عن مثل شعبي مشهور، قالته لتدس داخله حقيقة مشاعرها تجاهه التي تحاول إخفائها وهو يعرفها جيدًا، أما هي فتابعته وهو يضحك مبتسمة على ضحكته الجذابة.
***
وصل فارس لمنزله وفتح الباب متلهفًا ودخل بسرعة وهو يصيح مناديًا على زوجته بارتيعاد:
_ليلى أنتي فين أنا جيت
انتفضت هي واقفة بلهفة فور سماعها صوته الذي كان كطوق نجاة أرسله الله لها لينقذها من الموت، كان صوته وحده قوقعة آمان، ركضت نحوه مسرعة وارتمت بين ذراعيه تبكي بحرقة فضمها هو بشدة واحتواها بذراعيه هامسًا لها بصوت دافئ:
_اهدى ياحبيبتي خلاص أنا جيت أهو وجمبك متخافيش
راحت تتحدث بصوت متقطع من شدة بكائها تسرد له ما حدث بخوف:
_كان في حد بيهمس في ودني يافارس باسمي وبيقولي متفتحيش الباب ولما فتحت الباب ودخلت شوفته وكان شكله مرعب أوي ومشوه
ظل يمسح على ظهرها بحنو ليهدأ من روعها لكنه رأى أمامه ” أوار ” تقف بهيئتها الحقيقة المرعبة وهي تنظر له مبتسمة بشر وعينان تلمع بمتعة الأذى ثم رفعت أصابعها السوداء وباظافرها الطويلة وجهتها تجاه رأس ليلى وحركت أصبعها بطريقة مريبة ثم ضمته إلى بقية أصابعها وأغلقت كفها بقوة فانطلقت صرخات ليلى الهستيريا بين ذراعيه فجأة.
صابه الهلع وحدق بزوجته في ذهول ثم راح يحدق في أوار تارة بغضب وتارة إلى زوجته بقلق وهي تصرخ بكل قوتها وتتأوه، حتى سقطت على الأرض وصارت تنتفض بعنف فجلس على الأرض مفزوعًا وضمها لصدره يحاول إيقاف انتفاض جسدها وأمام عيناه تقف ” أوار ” تراقب حالة ليلى بسعادة شيطانية وابتسامة مرعبة ثم همست له بصوتها الشيطاني:
_ هل مازالت تكابر وترفض تقديم روحك لي يافارس
حدقها فارس بنظرة كلها وعيد ثم بدأ يسرد ما يحفظه من القرآن الكريم وهو ضامم زوجته التي هدأت انتفاضة جسدها بعد قرآته للقرآن، أما ” أوار ” فقد رمقته بغضب واختفت من أمامه، اهبط نظره إلى ” ليلى ” فوجدها لا حول لها ولا قوة بين ذراعيه فاقدة وعيها هز رأسها بخوف وصاح:
_ليلى فوقي انتي كويسة .. ليلى ردي عليا
رآها ترمش بجفونها تحاول فتح عيناها لكنها لا تقوي فتنهد الصعداء براحة واستقام واقفًا حاملًا إياها بين ذراعيه متجهًا بها نحو غرفتهم، دخل ووضعها على الفراش برفق ثم جلس بجوارها ومد كفه يمسح على شعرها بحب ثم انحنى عليها يطبع قبلة حانية على جبهتها وعيناه قد لمعت بالدموع، شعوره بالعجز والضعف يمزقه.. هو حتى لا يستطيع حمايتها من شر ” أوار ” .. صراخها كان يقتله بالبطئ وجسده هو يتألم مع كل صرخة تخرج منها.. ليتها تحاول أذيته هو بدلًا من زوجته، رفع رأسه للأعلى وانهمرت عباراته على وجنتيه وهو يهمس ” يــــارب ” .
اخرج هاتفه وقام بتشغيل القرآن الكريم ووضعه على المنضدة بجوار فراشهم ثم تمدد بجوارها وضمها لصدره بقوة كأنه يحاول حمايتها بأبسط الطرق أن يبقيها داخل أحضانه حتى لا تستطيع تلك الشيطانة أذيتها، وشفتيه ملتصقة بجبهتها توزع القبلات عليها حتى سمع همسها الضعيف باسمه، فانتبه له متلهفًا وأجابها:
_ليلى
أبعدت رأسها عن صدره ورفعت عيناها تنظر لوجهه وتسأله بتيهان:
_هو إيه اللي حصلي؟!!
ابتسم لها ابتسامة منطفئة حتى يطمئنها وقال بخفوت:
_ولا حاجة ياحبيبتي تعبتي شوية بس وأنا جبتك الاوضة عشان ترتاحي
سألته للمرة الثانية باستغراب:
_طيب أنت واخدني في حضنك جامد أوي كدا ليه
قرر أن يضفي روحًا مرحة وعاطفية على تلك الأجواء المرعبة وهتف:
_ولا حاجة وحشتيني بس شوية فقولت اخدك في حضني
ضحكت بصمت وغرام لكن سرعان ما اختفت ابتسامتها وتبدلت تعبيراتها للرعب فور تذكرها ما حدث معها قبل وصوله وقالت له بارتياع:
_هو اللي أنا شفته ده خالد بجد يافارس؟ ولو هو فعلا ليه يظهرلي وعايز مني إيه!
مد أنامله وراح يعبث في خصلات شعرها بكل حنان ويهمس:
_مفيش الكلام ده ياحبيبتي، أنتي اعصابك تعبانة وأكيد أتخيلك حاجة زي كدا، وأنتي قولتي بنفسك هيظهرلك ليه وأنا على حد علمي أنه كان واحد كويس جدًا معاكي قبل ما يتوفى
حدقت في فارس باصرار وقد حسمت قرارها على كشف ما يخفيه عنها، فهناك أمر خطير لا تعلمه وهو يخفيه عنها وكلما تخبره عن الاشياء المرعبة التي تحدث لها يحاول الهائها بكلمة واحدة أنه يتهيأ لها كل هذه الأشياء وكأنها مجنونة وتعاني من هلاوس لا معنى لها.
***
بمكان آخر تمامًا داخل أحد المعابد المشهورة في الأقصر كان ” عز ” داخل مقبرة لأحد الملوك الفرعونية المشهورة يقوم بعمله وببعض أبحاثه الخاصة على ذلك الملك وبينما كان منشغل وتركيزه كله منصب على ترجمة النقوش الفرعونية التي على الحائط، انتفض فزعًا على إثر غلق باب المقبرة الحجري، كان بابا صغيرًا وضيقًا ليستطيع دخول المقبرة من خلاله يتوجب عليه الانحناء بنصف جسده وذلك الباب الصغير هو المنفذ الوحيد لدخول الأكسجين.
اسرع نحو الباب بقلق وحاول رفعه وفتحه لكن ذلك مستحيلًا فهو لا يفتح سوى من الخارج، تصلب مكانه واتسعت عيناه بذهول عند سماعه لصوت ضحكة أنثوية مرعبة خلفه، فاستدار بجسده ببطء لتقع عيناه على جنية مرتدية زي زفاف فرعوني اسود وعلى رأسها طرحة عروس من نفس اللون وتتحرك بخطوات بطيئة في حركة دائرية حوله وهي تضحك بصوت يشيب الرأس، كانت عين ” عز ” تدور معها وهي تحوم حوله كالثعبان حتى توقفت فجأة وكانت تلك اللحظة مرعبة أكثر من صوت ضحكتها والقادم لم يكن سوى أسوء، حيث التفتت له فجأة بوجهها المرعب وعيناها الحمراء وركضت نحوه بسرعة البرق مصدرة أصوات شيطانية توقف القلب وراحت تصرخ بوجهه بصوت كانت نغمته لا تحتمل، ثم نفخت أنفاسها في وجهه فراح فورًا يسعل بقوة وسقط على الأرض وهو يحاول التقاط أنفاسه ويسعل بقوة ممسكًا برقبته من شدة اختناقه وكأن يد خفية قابضة على رقبته عازمة على سلب روحه…..
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوار (جنية الظلام) )