رواية أنا لها شمس 2 الفصل الرابع عشر 14 بقلم روز أمين
رواية أنا لها شمس 2 الفصل الرابع عشر
رواية أنا لها شمس 2 الفصل الرابع عشر
رواية أنا لها شمس 2 الفصل الرابعة عشر
داخل منزل عمرو البنهاوي
خرجت “رولا” من غرفة إعداد الطعام تتحركُ بغنج وجسدٍ رشيق، تتقدم تلك العاملة التي تحمل بين يديها بعض الكوؤس الممتلئة بمشروبًا باردًا، أقبلت على والدة زوجها التي تحمل “سَليم” الصغير فوق ساقيها وتدابعهُ بمحبةٍ ودلالٍ مُفرط يرجع لعشقها الهائل لأحفادها الذكور وبالأخص أنجال نجلها المفضل”عمرو”، برغم عدم ارتياح “رولا” لتلك الـ”إجلال”ونظراتها المُريبة التي تشملها بها منذ أن حضرت بالصباح، إلا انها استقبلتها بحفاوة داخل منزلها إكرامًا لزوجها التي اختارته بالقلب قبل العقل،
نطقت وهي تتقدم العاملة:
أهلا وسهلا فيكي يا ماما
وتابعت بابتسامة صافية مشيرة للعاملة:
-تعي يا إلينا، قدمي العصير للـ الماما
طالعتها بنظراتٍ يملؤها الازدراء وعدم القبول لشخصها، فمنذ اللحظة الأولى التي وطأت بقدميها المنزل صباح اليوم ،وهي تتطلعُ عليها بنظراتٍ يملؤها عدم القبول والاحترام وذلك لطبيعة ثيابها العارية وطريقة تفكيرها المتحررة والتي لن تنال بها إعجاب تلك الشمطاء، نطقت بصوتٍ حاد تصحبهُ نظرة ساخطة كمن تنظر لألد أعدائها:
-بقول لك إيه يا اختي
أمعنت الأخرى النظر لتنطق باحترام:
-إي ماما
لوت تلك المتجبرة فاها لتتابع بتهكمٍ واضح:
-كلمة ماما دي تبطليها، مبحبهاش
وتابعت ساخرة:
-بتجيب لي كرشة نَفَس
استدعت الكثير من الصبر لتتحمل تلك المستفزة لتبتسم وهي تسألها بمنتهى الهدوء :
-شو حابة ئِلك لأئلك اللي بترتاحيلو؟
بوجهٍ متجهمٍ هتفت بسخطٍ واستنكار:
-يختي أنا مش فاهمة حاجة من كلامك الملخفن ده، ما تكلميني عدل زي ما بكلمك
أخذت تقلب عيناها بضجرٍ قبل أن تأخذ نفسًا مطولاً كي تستطيع ضبط انفعالاتها كي لا تنفجر بوجهها، لتسألها ببرودٍ:
-شو يلي مافهمتيه من حديثي لحتى فسر لك إياه يا ماما؟
بنفاذ صبرٍ هتفت الشمطاء:
-أول حاجة تبطلي كلمة ماما دي
-شو بدك ئِلك؟… قالتها لتتراجع سريعًا وهي تقول في محاولة منها لتفسير حديثها باللكنة المصرية في خطوة ذكية منها:
-إنتِ حابة أقول لك إيه؟
ابتسامة ساخرة خرجت من جانب ثغرها لتنطق متهكمة:
-طب ما أنتِ حلوة وبتعرفي تتكلمي زينا أهو!، كان ليه بقى عوجة اللسان دي من الأول؟
انتفخت أوداجها لتنطق بتململ، فقد باتت على وشك فقدان صبرها على احتمال تلك المرأة البغيضة وطباعها البشعة،لتنطق بحدة بعض الشيء أظهرت بداية فقدانها للسيطرة:
-ما تتوقعي إني رح كلمك بالمصري عطول، هايدي لكنتي وفيكي تتقبليها وتحاولي تفهمي شو بدي ئلك
وتابعت بحنقٍ يرجع لرفضها أسلوب تلك المتعجرفة:
-ماني مضطرة أضغط عحالي لحتى راضيكي يـا
توقفت وتابعت تسألها متهكمة:
-ما ئِلتي، شو بدك إنده لك ؟!
-ستهم ،إندهي لي بـ ستهم… قالتها بحدة لترد تلك الداهية بنفس طريقة الشمطاء المتهكمة:
-شو، اسم الله عليكي ، فهمتي عليّ من غير ما فسرلك
احتدت ملامحها وكادت أن تنهرها ليقطع اندماجها ذلك الرجل ضخم البنيان الذي ولچ من باب المنزل ليقول بصوتٍ متحشرجٍ قوي:
-الأمانة وصلت يا ستهم
تنفست بصوتٍ عالي كي تكبح جماح غضبها بسبب تلك التي لم تقدم لها فروض الولاء والطاعة، لتنطق بصرامة للرجل:
-دخلوها
أشار بكفه للخارج وما هي إلا ثوانٍ ودخل رجلان يرتديان ملابس رسمية “بذل” باللون الأسود، بنفس ضخامة الرجل الذي سبقهما،تتوسطهما فتاة يبدو عليها الهلع من نظراتها المذعورة وهي تتلفتُ حولها يمينًا ويسارًا بأعين زائغة، صرخت الفتاة وهي تحاول التملص من بين قبضات هذان الثوران:
-سبوني حرام عليكم، أبوس اديكم رجعوني من مكان ما أخدتوني
هتفت” رولا” تسأل الرجال وقد أصابتها حالة من الذهول:
-مين هيدي البنت، وليش عاملين فيها هيك؟!
-الموضوع ميخصكيش يا مرات إبني…قالتها إجلال لتضع قدمًا فوق الأخرى وهي تتابع مسترسلة لتشير إلى هؤلاء الرجال الذين وضعهم “عمرو” بأُمرتها للحماية في القرية وتنفيذ أوامرها:
-دول رجالتي والبت دي تخصني
بحدة هتفت مستنكرة:
-كيف مبيخصني وإنتِ وهادول التيران مفوتين هالبِنت عبيتي كإنّا مخطوفة؟
للحظة شعرت الفتاة بأن تلك المرأة الشقراء هي خلاصها من بين أيادي هؤلاء الذئاب التي لا تدرى إلى الآن ما المغزى من وراء خطفها أو من هم بالأساس،صرخت مستنجدة بها:
-أنا فعلاً مخطوفة، الناس دول خطفوني من العربية وأنا مروحة على بيتي
وتابعت بنظراتٍ مترجية:
– أبوس إيدك رجعيني لاخويا
اتسعت عينا “رولا”لتهتف بذهولٍ وهي تتطلعُ نحو إجلال:
-يا الله، صحيح يلي عم تقوله هالبنت؟
لم تعر حديثها أي اهتمام وتحدثت إلى الفتاة تسألها بتجاهلٍ تام للأخرى:
-إنتِ زينة؟
أومأت عدة مرات بفزعٍ ومازالت تحاول الفكاك لتتابع الأخرى بطمأنة وهي تتطلعُ على ملامحها وثيابها المرتبة:
-متخافيش، إنتِ لا مخطوفة ولا دياولو
وبنبرة جافة تحدثت:
-أنا جدتك إجلال
ارتعب داخل الفتاة أكثر لعلمها إجرام تلك المتجبرة وعدم تقبلها لها منذ أن جاءت للحياة، نطقت من جديد وهي تعطي أوامرها للرجال:
-سيبها يا بغل منك ليه واطلعوا على برة
تركوا الفتاة وخرجوا لتهتف وهي تُشير بجانبها:
-تعالي يا بت إقعدي جنبي
ابتلعت زينة ريقها وتسمرت لتفزع بهلعٍ حين استمعت لصياح إجلال:
-مالك متخشبة زي اللوح كده ليه
وتابعت وهي ترمقها:
-واخدة نفس تناحة أمك سمية الله يجحمها مطرح ما راحت
نزلت دموع الفتاة قهرًا جراء الإهانة التي تعرضت إليها بينما تحركت تجر ساقيها كي لا تُعرض حالها للمزيد من الإهانات، بينما أشرفت الأخرى على حافة الجنون لتسأل بغضبٍ:
-يا الله رح چن،عقلاتي ماعم يستوعبوا يلي عم يصير هون، فيكي تفهميني مين هالبنت وليش چايبتيها بهالطريقة
وصاحت بحدة تستدعي العاملة:
-ألميرا تعي بليز
أتت الفتاة مسرعة لتشير الأخرى بهلعٍ:
-خدي سَليم ونور وطلعيهم عغرفهن
وتابعت بإشارة تحذيرية :
-وما بتنزليهن لهون لحتى أنا قِلك
أخذت العاملة الصغار تحت غضب وحدة إجلال لكنها فضلت الصمت كي لا تفتعل المشاكل لنجلها مع تلك المرأة القوية، جاورت الفتاة جلوس جدتها مع اتخاذها للحذر
أعادت “رولا”سؤالها مرةً أخرى بلهجة أكثر حدة وعينان تطلقُ شزرًا يوحى لوصولها لمنتهى الاستفزاز والغضب:
-هلأ بتقولي لي مين هاي البنت، وإلا وحياة البابا أتصل بالدرك لييجو ويتابعوا هنن الموضوع
لم تفهم مغزى حديثها لذا نطقت تجيب على أسئلة تلك الحانقة بهدوء:
-دي زينة بنت جوزك
-شو؟!… قالتها متعجبة لتتابع:
-بنته لمين؟
-بنت جوزك يختي… قالتها بفقدان صبرٍ لتتابع مستنكرة:
-إنتِ طارشة ولا إيه حكايتك؟
بصوتٍ منخفض وعقلٍ مشوش سألتها:
-بنته لـ”عمرو” بتقصدي؟!
رفعت حاجبها للأعلى لتنطق متهكمة:
-هو أنتِ عندك جوز غيره يا معدولة!
حركت رأسها بذهولٍ وتيه لتنطق بعدم استيعاب:
-شو يعني بنته، هو ماچاب غير يوسف من هيديك المرة يلي إسمها إيثار، هيك حكالي
أجابتها بلامبالاة عن جهلٍ:
-مهي دي مش بنت المحروقة إيثار، دي بنت الحرباية سُمية، مراته التانية
جحظت عيناها وانتفض جسدها لتسري به نارًا اشتعلت لتوها وهي تقول:
-شـــو، مرته التانية؟!، ليش إبنك كان عِنده مرة تانية؟!
ضحكت المرأة عندما تيقنت عدم إخبار نجلها لتلك الـ”الشقراء” عن زواجهُ الثاني لتنطق من بين قهقهاتها الشامتة:
-لهو إنتِ مكنتيش تعرفي؟
-لا، لهلأ لعرفت، حضرة المحترم إبنك ما قلي، بس وحياة البابا…قطع صراخها الحاد دخول عمرو مصطحبًا شقيقهُ “حُسين” وعائلته،ليُسحق عندما شاهد تلك المنكمشة على حالها تنهمرُ دموعها بصمتٍ مرير،لتهتف مروة التي هرولت إلى الفتاة كي تحتوي هلعها:
-زينة،اسم الله عليكِ يا بنتي،مالك؟
ألقت الفتاة حالها داخل أحضان مروة لتدفن رأسها بهروبٍ من الجميع، بينما نطق عمرو بذهولٍ وعدم استيعاب لما يحدث:
– مين اللي جاب زينة هنا يا ماما؟!
-أنا اللي خليت رجالتي يجبوها…قالتها بقوة لتتابع غير عابئة بما جلبته من مصيبة لنجلها:
-مفيش حد هيجيب يوسف هنا غيرها
ابتلع “عمرو” ريقهُ وتيبس جسده منتظرًا جحيمه المحتوم، بينما هرول “حسين” على والدته التي شعرت بحنينٍ لذاك الابن حيث لم تراهُ عيناها منذ أن خرج من القرية منبوذًا هو وشقيقاه، جثا على ركبتيه ليميل على كف يدها يقبلهُ لينطق بكلماتٍ صادقة:
-وحشتيني يا أمي
بادلته الكلمات وضمته لصدرها كأي أمٍ اشتاقت لولدها، بعد تبادل الأحضان أشار لأنجاله الثلاث ليصافحوا جدتهم حيث قابلت الفتاتين ببرودٍ لتستقبل أحمد بحفاوة وهي تربت على ظهره وتقول:
-كبرت يا “أحمد” وبقيت راجل ملو العين
ابتسم لها وبادلها طيب الكلمات والابتسامات تحت عدم تقبل “جنة” و”تقى”لتلك الجدة الثقيلة، صدح صوت هاتف “زينة” ليعلو داخل حقيبتها،أسرعت لتخرجه وبلحظة أنير وجهها حين رأت نقش اسم شقيقها لتقول بسعادة وكأنها وجدت الخلاص:
-ده يوسف
وقبل أن تفتح عليه اختطفتهُ تلك الجبارة لتفتح سريعًا وهي تقول:
-ازيك يا يوسف
أنزل هاتفهُ يتأكد من رقم شقيقته بعدما استمع لصوتٍ حاد لامرأة مُسنة،فقد كان ينتظر وصول شقيقته التي هاتفته منذ أكثر من نصف ساعة وأبلغته أنها بطريقها للمنزل،وبناءً عليه أخرج الطعام المجهز من قبل “عزة”، من المبرد وقام بتسخينه وجلس بانتظار شقيقته وحين تأخرت عن موعد العودة قام بالاتصال بها للاطمئنان، نطق بجدية يتساءل:
-مين إنتِ، ده تليفون أختي زينة
تحول صوتها الحاد لنبرة حنونة تعود لحنينها وحبها الفطري لذاك الـ”يوسف”منذ أن كان صغيرًا:
-أنا جدتك يا غالي يا ابن الغالي، ستهم يا يوسف، نسيت صوتي؟
زاد رعبهُ على زينة وتذكر مرضها ليهتف بحدة متجاهلاً تلك النبرات والكلمات الحنونة ، فكل ما فكر به هو شقيقته وليذهب الجميع إلى الجحيم:
-أختي وصلت عندك ازاي
وهنا استمع لصياح زينة التي صرخت مستنجدة:
-إلحقني يا يوسف
وتابعت بنبرة تقطع أنياط القلوب:
– تعالى بسرعة خدني من هنا
اشتعلت نيران قلبه ليتناسى صلة قرابته بتلك المرأة، ليهتف بحدة ضاربًا بكل شيء عرض الحائط بعد استماع استغاثة زينة له:
-قسمًا بربي، لو حد لمس زينة لاوديكم في ستين داهية كلكم
اتسعت حدقتا المرأة لتنطق بعدم استيعاب:
-إنتَ بتهددني يا واد؟!
شعر حسين أن زمام الأمور سيفلت فأخذ الهاتف سريعًا ليحادث نجل شقيقه كي يسيطر على غضبه:
-إهدى يا يوسف، زينة قاعدة مع جدتها وأهي كويسة أهي، وأنا وخالتك مروة والاولاد كلنا معاها
هتف من بين أسنانه بغضب:
-كويسة إزاي وهي بتصرخ بالشكل ده يا عمي، وبعدين ما أنتَ عارف إن أختى مريضة
قبل أن يتحدث حُسين قاطعه ليقول بنفاذ صبرٍ:
-عمي من فضلك، خلي أحمد يبعت لي اللوكيشن حالاً
أغلق على الفور وانتزع عليقة مفاتيحه الخاصة ليهرول للخارج في طريقه لإنقاذ شقيقته من أيادي هؤلاء المعتادين على الخطف والإجرام
عودة لمنزل عمرو، الذي ظل متسمرًا بأرضه مشيحًا ببصره عن مرمى تلك الغاضبة التي قررت الانفجار بعدما فاض بها الكيل جراء تجاهل زوجها وشقيقه وزوجته وأنجاله لها، فمنذ دخولهم لم يلتفت أحدًا لها، صرخت تسألهُ بغضبٍ لو خرج سيحرق جميع من بطريقه:
-فيك تشرح لي وتقلي مين هيدي البنت يا عمرو بيه
هتفت إجلال بنبرة حادة:
-ما قولت لك بنته وخلصنا يختي
وأشارت بكفها للأعلى:
-إطلعي هاتي العيال لعمهم علشان يشوفهم، وقولي للي في المطبخ يجهزوا الغدا على ما يوسف ييجي، وشوفي الخروف جهز ولا لسه
صاحت بصرامة وقوة:
-ولادي ما بينزلوا لهون قبل ما أفهم من الزلمة يلي متچوزته، مين هيدي الزينة وكيف ما چاب لي سيرتها من قَبل
تحرك إليها وقام باحتواء كفها برعاية لينطق بهدوء:
-تعالي نطلع على أوضتنا وأنا هفهمك على كل حاجة
نفضت كفها لتهتف وهي تطالعهُ بازدراء:
-تفهمني شو يا عمرو؟، بتحكي لي اديش خدعتني وتضحكت علي وعلى البابا؟!
بصعوبة أقنعها بالصعود للأعلى لتنطق مروة وهي تشيعهما بنظراتٍ مستنكرة:
-إيه الست القوية دي؟
-إزيك يا ست مروة؟
جملة متهكمة قالتها إجلال لتنطق مروة بارتعاب، فبرغم مرور كل تلك السنوات وبرغم ظهور علامات الزمن على وجه تلك المرأة لكنها مازالت متجبرة عديمة الرحمة كما كانت وكأن الزمان لم يمر من حارتها:
-تسلمي من كل شر يا ستهم
_____________
أما بالأعلى
جذبها لأحضانه بدهاء كي يستطيع السيطرة على كبح غضبها الحاد، لتنتفض مبتعدة:
-ما تحاول تقرب مني
طب إهدي وأنا هفهمك على كل حاجة
قص لها حكايته مع سُمية وكيف استطاعت خداعه ولف شباكها حوله لاصطياده، وادعى كذبًا أنهُ كان أداة لانتقام سمية من صديقتها لعشق سمية له من قبل، وأنه برغم معرفة إيثار بغرام صديقتها به إلا أنها حاربت بقوة للحصول عليه وباتت تلفت نظرهُ إليها بشتى الطرق،وبالنهاية وقع في شباك تلك البنت الفقيرة التي تسلقت على أكتافه للحصول على مستوى مادي مرتفع،وبعد أن حصلت عليه تركته وذهبت لمن هو أعلى، وكيل النائب العام ، ادعى باستكانة أنهُ كان أداة انتقام بين كلتا الأفعتان ووقع في شباك مكرها، ولشدة عشق تلك البلهاء له، صدقت حديثه بعد أن ارتمى بأحضانها وبكى كي تصفح عنه، سألته بهدوء:
-وليش ما قلت لي من قبل
بوجهٍ حزين مفتعل أجابها بصوتٍ مستكين:
-إتكسفت منك يا رولا، أصلي كنت هقول لك إيه؟!
وتابع ناظرًا للأسفل بخزيٍ مفتعل:
-انا الراجل الساذج اللي اتنين ستات عملوه لعبه بين اديهم وقدروا بكل احترافيه يخدعوه
جذبته لحضنها وباتت تربت على ظهره بحنان وهي تقول:
-ما تزعل حبيبي، الله انتقم لك من هاي الخبيثة سمية وماتت بأبشع طريقة، والدور راح يچي على هالحرباية
وتابعت بتوعدٍ:
-وراس البابا لاخليها تعفن بالحبوس،ومبكون إسمي “رولا إلياس” إذا ما بندمها هي وهداك المغرور چوزها، وبدفعهن تمن خيانتهن غالي كتير
تنفس براحة وابتسامة خبيثة ظهرت على محياه، ليخفيها سريعًا قبل أن يبتعد عن أحضانها، حاوط كفيها ونطق برجاءٍ خبيث:
-رولا انا محتاج لك جداً النهاردة
بلهفة أجابته:
-عيوني إلك يا تؤبرني، إنت بتأشر وأنا بنفذ في الحال
قبل كفها بنظرة امتنان وتحدث:
-عاوزك تتكلمي شوية مع يوسف لما ييجي، وتحاولي تقنعيه إنه يقبل وجودي جنبه
نطقت بتأكيد:
-من دون متقول حياتي، أنا بعمل أي شي لحتى اشوف السعادة بعيونك
وتابعت وهي تحاوط وجنتيه بعدما استمعت لتلك الحكاية المؤثرة التي نسجها من وحي خياله وصدقتها تلك البلهاء المبتلية بداء العشق اللعين:
-يا الله شو بحبك يا “عمرو”، كل ما بعرفك اكتر، عم حبك وموت فيك أكتر
-حبيبة قلبي إنتِ يا” رولا”…قالها ليحتضنها مبتسمًا بانتصار
بعد قليل، وصل يوسف وولچ للداخل كالثور الهائج لتهرول زينة عليه ليسألها بلهفة وخوف:
-إنتِ كويسة، فيه حد منهم عمل لك حاجة أو أذاكِ؟!
وقف حسين يحتويه ليخفف من وطأة حدته وخوفه على شقيقته:
-إهدى يا يوسف، أختك بخير وأهي زي الفل قدامك أهي
لم يكتفي بحديث عمه فطالع زينة التي هزت له رأسها بإيماءة وابتسامة بعدما هدأ روعها بوجود مروة وعائلتها، فقد اختفى هلعها فور اندماجها بالحديث مع جنة وتقى وأيضًا مروة وإجلال التي حاولت إظهار الجانب الحنون لها لاستقطاب قلب يوسف، وحتى “رولا”التي حزنت لأجلها، نطقت لتهدأت شقيقها:
-أنا كويسة يا يوسف
أمسك كفها ليقول على عجلة:
-طب يلا، هاتي شنطتك ويلا علشان نروح
-طب سلم الأول على جدتك اللي ليها سنين نفسها تشوفك يا يوسف…قالها عمرو متأثرًا ثم تابع وهو يشير إلى صغيريه:
-وتعالى شوف اخواتك واتعرف عليهم
خرج صوت الشاب غاضبًا لينطق بغضبٍ عارم لو انطلق لأحرق عمرو والجميع:
– إنتَ لسه ليك عين تتكلم بعد اللي عملته،إحمد ربنا إن أختي بخير ومحصلهاش إنتكاسة من الرعب اللي شافته على ادين المجرمين رجالتك، وإلا قسمًا بالله، كنت بلغت عنك ولا همني إنك أبويا
هتف حسين بنبرة جادة:
-عيب يا يوسف اللي بتقوله ده، ده بردوا مهما كان أبوك يا ابني
صاح موبخًا بأعين تشتعل نارًا:
-هو فيه أب عاقل ومحترم، يبعت لبنته رجالة غريبة تخطفها يا عمي؟
وجه بصره نحو ذاك الواقف وقلبهُ يتمزق صدقًا على نظرة نجله الحبيب الدونية له، وتابع الفتى بغيرة قاتلة على شقيقته:
-طب سيبك من إنه حرام لأني عارف إن موضوع الحلال والحرام ده ميفرقش معاك
واسترسل متسائلاً بجلدٍ لذات الأخر:
-نخوتك منقحتش عليك وإنتَ عارف إن فيه رجالة غريبة هتلمس بنتك باديهم اللي هقطعها لهم إن شاء الله؟!
قررت إجلال التدخل بعدما رأت اندفاع وثورة الشاب وتيقنت من صعوبة التفاهم معه:
-أبوك ملوش دعوة يا يوسف، أنا اللي عملت كده وأمرت الرجالة بتوعي يجيبوا لي زينة
طالعها بازدراء بعد نطقها لكلمة رجالها،يا الله،ما اتعس من حظك يا يوسف،حتى تلك العجوز تمتلك عصابة لحالها،إلهمني الصبر يا إلهي،وتابعت تلك الشمطاء بتأثرٍ واستكانة بعدما قررت اللعب على أوتار قلب الشاب:
– بعد ما عمك حسين قال لي في التليفون إنك رافض تيجي تشوفني، مكنش قدامي حل غير كده يا ابني
تدخلت زينة بعدما رأت تأثر الجميع وحزن عمها حسين، فتحدثت لشقيقها:
-خلاص يا يوسف، محصلش حاجة
تطلع إليها لتتحرك الصغيرة صاحبة السبع سنوات وتهزه من ساقيه:
-إنت أخي يوسف؟
نظر للأسفل ليرى ذات الوجه البريء وهي تقول بابتسامة يا الله من جاذبيتها:
-البابا كتير حكى لي عنك، قالي يوسف رح يحبك كتير بس يتعرف عليكِ
لا يعلم لما لان قلبهُ لتلك البريئة،ما شعر بحاله سوى وهو ينزل لمستواها ويجثو على ركبتيه أمامها، مرر إبهامه على وجنتها ليسألها بهدوء:
-إنتِ إسمك إيه؟
-نور…وأشارت على شقيقها حيث تحملهُ إجلال:
-وهاديك يلي حاملته الـ تيتا بيكون أخي سَليم، وهلا لتعرفت عليك إنتَ وإختي زينة
وتحدثت بحنوٍ وسعادة تعود لبرائتها:
-كنا اتنين واليوم صرنا أربع إخوة
وسألتهُ بابتسامة بريئة:
-ما هيك يا چو؟
تنفس بثقلٍ يجثو فوق صدره، ما هذا الرجل الذي ابتلي به كأب، كم طفلٍ جاء به على الدنيا وظلمهُ،أجاب الصغيرة بسخرية وهو يتطلع لأبيه:
-السؤال ده تسأليه لأبوكِ، يا عالم، إن كنا أربعة ولا لسه فيه حاجة تانية مظهرتش
ضحك الجميع على اعتبارها مزحة،برغم واقع الجملة المرير، أمسكت الطفلة يده وهي تقول مثلما وصاها “عمرو”:
-تعا لتشوف سَليم وتبوسو
نظر إلى زينة التي أومت له لتحثه على الموافقة، فتحرك حتى وصل إلى إجلال التي ما أن وصل لعندها حتى انهار جبل جليدها لتنهمر دموعها الصادقة، منذ صغره قد وضع الله بذرة حبه داخل قلبها القاحل كالصحراء، فسبحانه مؤلف القلوب، اقترب عمرو يحمل صغيره يعطيه لزوجته، لتحتوي هي وجنتي الشاب ودموعها تنهمرُ بشدة، لان قلب يوسف وما شعر بحاله سوى وهو يحرك أناملهُ الحنون فوق وجنتيها المجعدة، ليزيل تلك الدموع التي نزلت على قلبه ألمته، احتضنته بقوة وعلت شهقاتها تحت تأثر الجميع باللحظة وبكائهم، استغل عمرو الوضع وجلس بجوار نجله، وضع كفه على شعر الفتى، ثم بأصابع يده بدأ يتخللُ خصلاته الناعمة بقلبٍ يرتجفُ من شدة الاشتياق وفائض الحنان
استند على كتفه وبكي متأثرًا، يا لهُ من شعورٍ مميت لرجلٍ لا يستطيع حتى لمس نجله المقرب إلى قلبه، شعر بدموع والده تسري على كتفه، صوت شهقاته المكظومة يخترق أذناه ليصمها يوسف،تجرأ عمرو بعدما شعر باستكانة جسد وروح نجله،لف ساعديه حول كتفه ليضمه لصدره أكثر ويتنفس براحة وهو يشتم رائحة صغيره الذي حُرم منه سنوات وسنوات رغمًا عنه،همس يوسف لجدته بعدما رئف بحالها:
-كفاية عياط، إهدي لو سمحتي
إعتدل ليبتعد بجسدهِ ويفلتهُ عن” عمرو”، وداخلهُ عدة مشاعر مختلطة هاجمته بشراسة، ما بين حيرةٍ وألم وشعورًا رهيبًا بالذنب تجاه والدته”إيثار “، للحظة انتابهُ شعورًا بالخيانة لتلك الأم التي سهرت وتعبت وحاربت بكل ما أوتيت من قوة حتى صنعت منه رجلاً، بينما هو الأن داخل أحضان هؤلاء من ظلموها وجعلوها تحيا مشاعرًا مميتة وتواجه بحياتها أصعب المواقف
تحدثت إليه إجلال بنبرة حنون وصوتٍ باكٍ:
-هتتغدى معايا ومع أبوك، مش كده يا يوسف؟
لم يشعر سوى وهو يومي لها بإيجاب لينفرج ثغرها بابتسامة واسعة وهي تقول إلى”رولا”:
-قولي لهم يجهزوا السفرة
بعد قليل، كان الكل مجتمع حول طاولة الطعام،الكل سعيد حتى زينة التي ولأول مرة تتلقى اهتمامًا من جدتها و رولا وحتى عمرو الذي ضغط على حاله كثيرًا ليتعامل معها متجنبًا شعور الرفض المرافق له دائمًا تجاه تلك الخطيئة والتي تذكرهُ دائمًا بإثمه الكبير وخسارته لحبيبة القلب والروح،إلا ذاك المشتت يوسف،فجزءًا منه وافق على انضمامه لطاولة الطعام رفقًا بتلك المُسنة ودموعها التي تأثر به قلبه،والجزء الأخر يصرخ رافضًا البقاء مع هؤلاء من دمروا حياة والدته من قبل،وحياتهُ بعدها،أما عن شقيقته فحدث ولا حرج، صراعٍ نفسيٍ رهيب تعرض له، أمسك عمرو قطعة من اللحم يضعها داخل صحن الشاب ليهتف بسعادة بالغة وعينين لامعة تعكسُ حالته:
-دوق البوفتيك ده يا يوسف، هيعجبك قوي، والصوص بتاعه رهيب
بصوتٍ حاد أجابهُ:
-مبحبش البوفتيك
حزن قلب الأب بينما طالعته شقيقته باستغراب، فهذا الصنف من الطعام تحديدًا هو المحبب لديه، لكنها اكتفت بالصمت وعذرت شقيقها، هي أيضًا لن تتقبل عمرو حتى مع تغيره ذاك بمعاملتها،يكفي أنها ذاقت الأمرين بفضله طيلة سنواتها، انتهى الطعام ولم يتناول الفتى سوى بضع لقيمات تناولها تحت ضغطًا وإصرارًا من إجلال، خرج للحديقة بعد أن أبلغهما بضرورة إجراءه لمكالمة، بالفعل تحدث إلى والدته وكأنهُ يعتذر لها بتلك الطريقة، تحدث بحنان وغمرها بكلماتٍ عطوفة حتى هي استغربت وسألته هل هو بخير، فألصق الفعل لحنينه إليها والأشتياق، انتهى من المكالمة ليقف بطولهُ الشامخ واضعًا كفيه بجيبي بنطاله ينظر للسماء وصفائها المبهر، شعر بصوت أقدامٍ تأتي من خلفه، نظر بطرف عينيه وجدها تلك الـ”رولا”التي تحدثت وهي تناولهُ مشروبًا دافئًا:
-عِملت لك النسكافية يلي بتحبه، سألت زينة وهي خبرتني
بسط كفه وتناوله ليقول بهدوء:
-متشكر، تعبتي نفسك
-لا تعب ولا شي… قالتها بهدوء لتتابع بعدما جاورته الوقوف:
-سامحه للبابا واعطيه فرصة ليقرب منك يا يوسف
وتابعت بألمٍ يملؤ صوتها:
-البابا كتير تعب في بعده عنك،ما كان إله سيرة غيرك طول هالسنين يلي قضاهم بعيد عنك
نطق بوجهِ متجهم:
-الكلام سهل بالنسبة لك لأنك معيشتيش تجربتي، ولا أتأذيتي زيي
نطقت بعقلانية:
-ما تحكي في اللي فات وانساه،اعطي لحالك فرصة واعطي لـ عمرو متلها،إقعد معه وخرج يلي محبوس بقلبك، بلكي وقتها بترتاح وبتقدر تسامح
طالعها بتمعنٍ واستغراب، تنفس وتحرك في طريقه للداخل وهو يقول بعدم ارتياح لشخصها:
-بعد إذنك، لازم أمشي أنا وزينة لأن عندي شغل مهم.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بصباح اليوم التالي
داخل حجرة نومهما الخاصة، خرجت من الحمام بعدما تنعمت بحمامًا دافئًا أنعش جسدها، تطلعت على زوجها الغافي بعمقٍ وتحركت نحوهُ، وبيدها الحنون لامست ذقنه وهي تقول برقة:
-فؤاد، فؤاد
-إممم…همهم بها بصوتٍ متحشرجٍ وعيناي مازالتا مغلقتين ليخرج صوتها من جديد وهي تناديه:
-حبيبي، إصحى يا روحي
رفع أهدابه بالتدريج لينطق بصوتًا متحشرجًا ولهجة حادة:
-عاوزة إيه إيثار
-قوم يا حبيبي علشان ننزل نفطر مع بابا والأولاد
تقلب بالفراش ليعطيها ظهرهُ العاري وتابع بصوتٍ ناعس:
-سبيني نايم وإنزلي إنتِ
-مش هينفع، الولاد مبيصدقوا يوم الويك إند ييجي علشان يفطروا معاك
زفر بحدة وجذب أحد الوسائد الصغيرة يضعها فوق رأسه لينطق متذمرًا:
– يــو بقى، قولت لك إنزلي وسبيني
تنهدت بأسى، قلبها يتألمُ للحال الذي آل إليه زوجها الحبيب، فمنذ ذاك اليوم وهو يتجنب الجلوس في حضرة العائلة، حتى هي لم يعد يتحدثُ معها بأريحية كـ قبل،ماذا يحدث له بحق الله، لم تجد تفسيرًا لتلك الحالة، هل هي بداية أعراض إكتئاب يعيشهُ بفضل جنون غيرته المهولة على إمرأة حياته، أم هناك سببًا آخر لا تعلمه، نعم تشعر بفوران الدماء بجسده كلما تذكر انها كانت ملكًا لغيره قبل أن يمتلك كيانها قبل الجسد، كلما قام الشيطان بالوسوسة له و لاحت بمخيلتهِ مشاهدًا حميمية لها مع ذاك الحقير ثارت براكين غضبه، جذبت تلك الوسادة اللعينة تبعدها لتنطق بإصرار:
-عارفة إن مش هيجي لك نوم وأنا بعيدة عنك
طالعها بحدة وكاد أن ينطق لتقطم كلماته بحديثها الناعم المصحوب بنظرة يملؤها الهيام مع لمسة أكثرُ حنانًا فوق وجنتهِ:
-وحياة إيثار عندك يا حبيبي، يلا قوم
وتابعت:
-ما أنتَ عارف، يومي مبيبدأش وشمسي تنور غير لما أشوف عيونك الحلوة وهي بتبص لي برضى
أغرقها بنظراتٍ عاتبة وكأنهُ يحملها ذنب نار غيرتهِ عليها، إقتربت عليه وتحدثت بنبراتٍ تملؤها الأنوثة:
-طب قولي على اللي مزعلك مني، مش يمكن أقدر أمحي لك زعلك ده
-هتقدري تمحي سنين عمرك اللي عيشتيها قبلي يا إيثار؟…قالها ولوعة الألم تملؤُ عينيه لتنزل كلماتهِ على قلبها كخنجرٍ مدبب غُرس بكل قوة بمنتصف القلب ليدميه في الحال، ليتابع بقهرٍ ظهر بَين من نبراته:
-تعرفي تشيلي من دماغي فكرة إني مش الراجل الأول في حياة حبيبتي؟!
وتابع متأثرًا:
-تقدري يا إيثار؟
حاوطت وجنتيه بعناية واقتربت من وجههِ حتى لافحت انفاسها العطرة وجنتيه لتنطق بجنينٍ يقفزُ من مقلتيها:
-طب أنا هقول لك كلمة واحدة بس، متأكدة إنها هتريح قلبك وتهدي نارك
تمعن ينتظر لتتابع بفراشاتٍ تهيمُ حولهما:
-الست اللي تتجوز فؤاد علام وتجرب حُضنه،مستحيل تشوف في الدنيا راجل بعده،
وتابعت مسترسلة وفراشات الغرام تتراقصُ من حوليهما:
-إنتَ محيت الماضي بكل ما فيه يا فؤاد، بألمه ووجعه وكل ذكرياته الخبيثة، من اللحظة الأولى اللي بقيت فيها ملكك،إختزلت في عيونك كل رجالة العالم
إقتربت أكثر لتنطق أمام شفتيه بصدقٍ وتأثر:
-النظرة منك بعمر بحاله يا حبيبي، كل يوم بعيشه معاك هو حياة جديدة بالنسبة لي، إديت لي كل حاجة ممكن تحتاجها ست من راجل، الأمان الحُب، العزة والكرامة،التفاهم والإحترام، الإستقرار،البيت والعيلة واللمة،رفعت شأني وعملت لي قيمة قدام الكل
مالت تطبع قُبلة حنون فوق شفتيه لتتابع هامسة برقة:
-إنتَ كل حاجة حلوة، إنتَ مكافأة ربنا ليا يا حبيبي
ابتعدت من جديد لتنطق غامزة بعينيها:
-وبعدين يا سيادة المستشار،عيب عليك لما تكون فؤاد علام، وتسلم عقلك للشيطان
لم تدري انها بتلك الكلمات البسيطة قد أنعشت قلب ذاك العاشق وأعطتهُ دفعة قوية من الثقة بالنفس، حاوط خلف عنقها ليجذبها برقة عليه ملتهمًا شفتاها بين خاصتيه ليذوب معها، قطع اندماجهما تلك الطرقات المندفعة على الباب لتبتعد بارتيابٍ بعدما استمعت لصوت فتح الباب، ليطل ذاك المشاغب الصغير برأسهِ وهو يقول بابتسامة تملؤ وجههُ البشوش:
-إتأخرت ليه يا بابي، جدو مستنيك علشان نفطر
طالع زوجتهِ بابتسامة ساخرة ليتحدث وهو يُشير بكفه ناحية ذاك الحبيب المستحوذ على القلب:
-إبنك هيجيب لي جلطة في مرة من دخلاته دي
-بعد الشر عنك يا عمري… قالتها بابتسامة حنون ليهرول الصغير ليصعد التخت ويرتمي بأحضان والده الذي ضمه بقوة وبات يشتم رائحته العطرية، بينما تحركت هي لتنتصب أمام مرآة زينتها وتبدأ بتصفيف شعرها، نطق الصغير وهو يتحسس صدر أبيه باستغراب:
-هو أنتَ ليه نايم من غير فانلة يا بابي؟!
-فانلة؟…قالها مذهولاً من إسلوب نجله المتدني في الحديث ليتابع مشيرًا لزوجته:
-نهاية عزة هتكون على إيدي والسبب مالك
تعالت ضحكات الصغير ودفن رأسه بأحضان والده ليحتويه بذراعيه ويزيده من قبلاته النهمة ومداعبته تحت قهقهات الأخر الذي نطق من بين ضحكاته المتعالية:
-كفاية يا بابي هموت من الضحك
-قول حرمت أقلد كلام عزة وأنا أسيبك
-حرمت خلاص، حرمت… قالها تحت ضحكاته وسعادة أبيه وإيثار التي تتابعهما بسعادة هائلة
نطق وهو يحاول إبعاده:
-قوم يلا علشان ننزل لجدو
نطق بدلالٍ وهو يرتمي بأحضانه من جديد:
-لا خليني شوية كمان في حضنك.
-وبعدين في دلعك ده يا ملوك
-وحياتي يا بابي…قالها بدلالٍ مفرط ليجيبه فؤاد:
-بابي جعان وعاوز ياكل
زفر الصغير ثم تحدث متمسكًا بعنق غالي قلبه:
-طب خلاص، هننزل ناكل بس بشرط
رفع حاجبه الأيسر مستنكرًا وهو يقول:
-على أخر الزمن شبر ونص زيك هيتشرط على فؤاد علام؟!
-يا بابي بقى… قالها بتأفف من سخرية والده ليقول الأخير بضحكة:
-خلاص متتقمصش قوي كده، إيه هو شرط الباشا؟
-هبات في وسطيكم هنا النهاردة… نطق بها لتهتف إيثار مستنكرة:
-نعـــم، ده على جثتي إنه يحصل
بحالة من الهلع والرفض التام تابعت مستشهدة بما سبق، تحت ضحكات فؤاد التي صدح صوتها بالمكان:
-أخر مرة بيت معانا خبطني بإيدك في عيني، قعدت ساعة منورة ومش شايفة بيها، والمرة اللي قبلها ركبتك رشقت في كليتي
يا بابي بقى… قالها متذمرًا يطلب توسط والده ببنما تملص الآخر مشيرًا على زوجته:
-وأنا دخلي إيه، كده الآمر خرج من ايدي وبقى في إيد الرياسة
وقف على الفراش ليقول وهو يرفع كتفيه بلامبالاة:
-خلاص، مامي تنام في أوضتي وأنا هنام معاك هنا
رفع حاجبهُ الأيسر لينطق مستنكرًا بملاطفة:
-كده بقى إنتَ لعبت في ثوابت فؤاد علام، وأنا اللي ييجي جنب ثوابتي، مبرحمش أمه
أطلقت ضحكة وهي ترى زوجها يمدد الصغير وينقض عليه يداعب بطنه بأنامل يده من جديد لتتعالى قهقهاته وتمليء المكان.
بعد قليل كانت تجاوره النزول ليسألها باستغراب:
-هي عزة فين يا حبيبي، أنا ليا كام يوم مشفتهاش
ضحكت وهي تهمس بملاطفة:
-مستخبية منك، من يوم اللي حصل منها في النادي وهي مبتخرجش من المطبخ طول ما أنتَ في البيت
تعالت ضحكاته على تلك الجبانة وأفعالها.
__________________________
صباحًا داخل محافظة كفر الشيخ
بحجرة المعيشة، يلتف الجميع حول تلك الطاولة الارضية”الطبلية”يتناولون وجبة طعام الإفطار، تحدث وجدي يتعجل شقيقه:
-كل بسرعة علشان تروح المطعم يا عزيز، العمال شغالين لوحدهم
بنبرة مهمومة تحدث عزيز:
-شغل إيه وعمال إيه يا وجدي، هو عاد فيه شغل،ما حالنا وقف خلاص بعد اللي عمرو البنهاوي عملوا فينا
أجاب برضى:
-الحمدلله على الستر يا عزيز، أهو اللي بييجي من المحل ساترنا وأهي ماشية
هتف يعقب على حديث شقيقه بعدم رضا:
-اهو أنتَ بنفسك قولت، ساترنا، بعد ما كان مغرقنا في الخير بقينا ممشيين نفسنا بالعافية يا وجدي
نطقت منيرة بقهرٍ:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ابن إجلال، ربنا ينتقم منك بحق ما ضيقتها على عيالي،ربنا يضيق عليك عيشتك يا بعيد
نطقت كلماتها لتسعل بشدة تحت زعر وجدي الذي ناولها كأس الماء، ارتشفت منه القليل لتلهث أنفاسها بقوة، تحدث وجدي وهو يحتوي كتفها:
-صحتك مش عجباني اليومين دول يا اما، إن شاء الله هوديكي لدكتور المركز بكرة
نطقت معترضة بصدرٍ يعلو ويهبط وأنفاسٍ غير منتظمة:
-اختك ودتني مستشفى كبيرة لما كنت عند أيهم أخر مرة يا ابني،والدكتور اداني شنطة علاج قد كده،ولا فايدة فيها
صمت وجدي ليتابع عزيز ندبه كالنساء:
-إيه رأيك يا وجدي لو نكلم جوز إيثار يشوف لنا حل مع “عمرو”
رد عليه بصرامة:
-سيب أختك وجوزها في حالهم يا عزيز، كفاية اللي عملته علشانا لحد النهاردة، بلاش ندخلها في حاجات ممكن تتسبب لها في مشاكل مع جوزها المستشار
صدقت الأم على كلام نجلها قائلة بحرصٍ على ابنتها:
-أخوك عنده حق يا عزيز، سيبوا اختكم في حالها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بمنزل عليوة عبدالحميد، يحتسي مشروب الشاي الساخن بحضرة والديه لتهتف نوال بنبرة تهكمية:
-هي الهانم مراتك مبقتش تيجي تزورنا ولا هي ولا ولادك ليه يا “ماجد”؟
لتتابع بحدة واستياء:
-ولا خلاص، مبقناش قد مقام بنت الأكابر
أجابها نافيًا اتهامها الباطل لزوجته:
-كلام إيه بس اللي بتقوليه ده يا ماما، الولاد داخلين على امتحانات وإنتِ عارفة إن فؤاد ثانوية ولازم يركز في مذاكرته،وفريال قاعدة معاهم طول الوقت،دي حتى مبقتش تخرج مع أصحابها ولا بتروح بيت بباها زي الأول
ارتشفت بعضًا من المشروب ثم لوت فاهها مغمغمة بحنقٍ:
-خليك إنتَ كده دافع لها طول الوقت،زي ما تكون عينتك المحامي بتاعها
هز رأسه نافيًا:
-دفاع إيه بس يا ماما، أنا بقول اللي حاصل وشايفه قدام عنيا
نطقت بلهجة تحريضية:
-إوعي تكون بتطاطي لها يا ماجد، صنف مراتك فريال ده ياخد على دماغه يمشي مظبوط
حرك الرجل رأسهُ مستنكرًا تحريض زوجته لنجلها:
-لا حول ولاقوة الابالله، أنا مش فاهم إنتِ ليه بتكرهي البنت بالشكل ده ودايمًا تقوي إبنك عليها،مع إنها بتحبك وعمرها ما أذيتك حتى بكلمة
طالعتهُ بحقدٍ دفين لتنطق مستنكرة:
-وهي لما تحرم إبني وولاده من ورثها، وترمي مالها كله للعقربة مرات أخوها، تبقى مبتأذنيش يا سي عليوة؟!
رد ماجد على كلمات والدته اللاذعة بلهجة معترضة:
-ماما الله يخليكِ كفاية، أنا مصدقت الدنيا ظبطت بيني وبين فريال، وإلى حدٍ ما بدأنا نرجع زي الأول
وتابع بغموض لطمأنتها:
-وبالنسبة لموضوع الورث أنا مش هسكت، وهبدأ أكلمها فيه الفترة الجاية
وتابع بدهاء:
-بس الموضوع محتاج خطة بذكاء، مش كلام مباشر
ارتسمت الفرحة على وجهها لتنطق بلهفة ظهرت بعينيها:
– أيوا كده يا حبيبي، شغل دماغك معاها،دي فلوس متلتلة وتستاهل تحارب وتخطط علشانها
وتابعت بتحريضٍ مبطن:
-على الأقل علشان عيالك ميبقوش أقل من عيال أخو مراتك
أومى لها وهب واقفًا ليتحدث:
-أنا همشي علشان عندي شغل للجامعة محتاج أخلصه
تحدث والدهُ بحميمية:
-إبقى هات فريال والأولاد وتعالوا اتغدوا معانا يوم الجمعة الجاية يا ابني
-حاضر يا بابا
قالها بهدوء لينصرف تحت استياء نوال وعدم تقبلها لوضع نجلها مع عائلة زوجته، بنبرة لائمة حدثها عليوة:
-إتقي الله في ابنك وسبيه في حاله، بطلي وسوسة بدل ما تخربي بيته
نطقت بحدة عبرت بها عن غضبها المكنون:
-محدش خيبه من الأول غير كلامك ده
وتابعت بإلقاء اللوم عليه:
– بسببك فضل ساكت كتير وواقف يتفرج على الهانم وهي بتفرط في حقه وحق ولاده، الله يسامحك يا عليوة، الله يسامحك.
-لله الأمر من قبل ومن بعد… قالها باستكانة وضعفٍ ليرفع كوب المشروب ويرتشف ما تبقى بصمتٍ.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
باليوم التالي، ولچت “إيثار”إلى الشركة تحت تأمين الحراسة لها، تحركت إلى المصعد الكهربائي لتطأ قدميها المصعد حيث فتح بابهُ أحد الرجال ، وقبل انضمامه للمصعد وإغلاق الباب فوجئت” إيثار” بيد “سميحة” تقتحم المكان لتُمسك يد الرجل وتدفعهُ بعيدًا وهي تقول بحدة أظهرت مدى غضبها:
-خليك برة وخد الأسانسير التاني
طالعتها إيثار لتنطق مستنكرة تحت استياء الرجل من تصرفها الهمجي:
– اللي إنتِ بتعمليه ده غلط، مينفعش تتعاملي مع الحرس بتوعي بالهمجية دي
لم تعر لحديثها إهتمام وضغطت زِر تسجيل الصعود لتنطق ببرودٍ أشعل نيران الأخرى:
-أنا أعمل اللي أنا عوزاه ومش من حق أي حد يعترض
خلعت عنها تلك النظارة الشمسية لتتابع مسترسلة بكبرياءٍ متمعنة بالنظر بمقلتيها:
-دي شركة عيلتي، ومش واحدة دخيلة على العيلة زيك هي اللي هتيجي وتفرض عليا قوانينها
وتابعت بخيلاء:
-القوانين هنا أنا اللي بحطها يا مدام
-تأكدي إن الموضوع ده مش هيمر من غير حساب… جملة حادة نطقت بها إيثار لتستطرد بصرامة:
-اللي سيادتك طردتيه من الأسانسير ده مش مجرد Body Guard عادي، ده من أكفئ ظباط الحراسة في البلد كلها يا أستاذة
-oh my god… نطقتها بذهولٍ مفتعل لتتابع ساخرة:
-طب مستنية إيه يا بيبي، بسرعة طلعي تليفونك وكلمي فؤاد واشتكي له كالعادة
وتابعت متهكمة بطريقة درامية مدعية التأثر:
-خليه يتصل بـ بابي وييجي يعمل لنا إجتماع أولياء أمور، ويعنفني فيه قدامك علشان يشفي غليلك ويحسسك إنك مديرة إدارة بجد
برغم اشتعال روحها من حديث تلك الإمعة وسخريتها الواضحة إلا أنها استطاعت كبح جماح غضبها لتنطق بنبرة كبرود الثلج أثارت بها غضب الأخرى:
-أنا مش هرد عليكِ، لأني أكبر من إني أرد على مهاترات
توقف المصعد لتخرج منه برأسٍ شامخ متجهة إلى مكتبها لتضحك الأخرى وهي ترى ضابط الحراسة يلحق بها، بتلك اللحظة خرج “بسام “من المصعد المجاور ليسألها وهو يشيع خطوات إيثار:
-بتضحكي على إيه، ضحكيني معاكِ
أجابته باقتضابٍ:
-لا ده كيد نسا ملكش فيه
طالعها بتمعنٍ يسألها:
-مبقتش فاهمك يا سو،ولا عارف دماغك فيها إيه، وده مكانش إتفاقنا من الأول
هتفت بحدة بالغة:
-إنتَ اللي إختارت وحولتنا لحزبين يا بسام،يوم ما اتخليت عني قدام بابي وبرأت نفسك،فاكر؟
طالعها بغيظ لتناظرهُ بحدة أظهرت كم الغضب الكامن بداخلها لتتحرك مسرعة باتجاه مكتبها ليضيق هو بين عينيه مستنكرًا طريقة شقيقته المتهورة
بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية بشركة الزين
بأحد الأماكن العامة داخل العاصمة القاهرة الكبرى، تجلس “سميحة”على إحدى الطاولات تحتسي مشروبًا باردًا بانتظار صاحبة مكالمة الأمس التي طلبت منها موعدًا للحديث بأمرٍ هام،رفعت كأس العصير لتحتسي بعضه ثم تركته من يدها عندما رأت امرأة جذابة تُقبل عليها لتبسط ذراعها وهي مبتسمة:
-كيفك سميحة خانوم
-أهلاً… قالتها باقتضاب لعدم معرفتها بشخص تلك المرأة التي أصرت على مقابلتها برغم عدم سابق المعرفة، لتتابع الأخرى:
-بعرفك عحالي،معك ” رولا إلياس”،سيدة أعمال ومديرة إدارة شركة الصخرة
أرجعت ظهرها للخلف لتحيط ذقنها بأناملها وهي تقول مع رفعة حاجبها الأيسر:
-آه، كده الأمور اتضحت ىالنسبة لي، وفهمت سبب المقابلة
-ما أنا چاية لئلك مخصوص لهيك… قالتها مؤكدة لتتابع باستأذان:
-بتسمحي لي أقعد
أشارت بكفها نحو المقعد لتنطق ببرود:
-أكيد
جلست وعلقت حقيبتها بطرف المقعد لتنطق بعملية:
-راح أدخل بالموضوع عطول منشان لا ضيع وقتي ولا وقتك
-ياريت… قالتها سميحة وهي تمعنُ النظر بتلك المرأة الغامضة لتنطق الأخرى:
-أول شي، أنا بعرف العداوة يلي بينك وبين هديك المرة يلي اسما “إيثار ”
وأشارت مفسرة:
-مَرته لفؤاد إبن عمك
أشارت سميحة بكفها:
-كملي
باقتضاب تحدثت:
-بدون الدخول بتفاصيل ماراح تفيدنا بشي، أنا وإنتِ مصلحتنا واحدة، اجتمعنا عكره هالمرة،
وتابعت بعرضها الذي أتت من أجله:
-بتقبلي تحطي إيدك بإيدي لندمرها اتنيناتنا؟
-إزاي… قالتها بغموض أثار حفيظة الأخرى نحو تلك المرأة وما استمعته قبل عن حماقتها وتسرعها، وتعجبت من المعلومات التي وصلتها عنها من طيش ورعونة، ولكن ما استطاعت تكوينه أنها أمام امرأة داهية غامضة حريصة، وبرغم ريبتها منها لكنها استمرت بعرضها:
-إذا بتوافقي ععرضي بندخل بالتفاصيل
-إعتبريني موافقة وادخلي بالتفاصيل…جملة نطقت بها ابنة عائلة “الزين” لتتابع الاخرى عرضها:
-صفقة بسيطة رح تمرري ورقها عمكتب هالحية وتاخدي توقيعها بمعرفتك
وتابعت بابتسامة يملؤها الشر:
-هالصفقة بتكون نهايتها، بتقضي بقيت حياتها بلحبوس، وبهيك بنكون خلصنا منها للأبد
بابتسامة ساخرة نطقت:
-وبالمرة تخلصي من الشركة المنافسة لشركتك وتهدي كل تعب عيلتي في طريقك
وتابعت متهكمة:
-لا شاطرة يا مدام إلياس، وذكية كمان
نطقت متعجبة بتصنع:
-شو دخل عيلتك والشركة بهالقصة، هي يلي راح تنأذي ماغيرها، هاد وعد مني
وتابعت بمراوغة وكذب:
-تعتئدي لو إني راح أأذي عيلتك، من كل عقلك راح أجي لعندك وبقلك هالكلام يا دكتورة؟
تحدثت بعدم استيعاب:
-طب اشرحي لي يمكن أفهم ، إزاي هي هتتحبس من غير الشركة ما تتأذي؟!
أجابت بمراوغة:
-هيدا شغلي يا دكتورة، أنا معي فريق عمل متكامل، ماشالله عليهم بيخزوا العين، عِندن خبرة بكل المچالات، وهنن راح يظبطوها بحيث تظهر هي المرتشية واللي باعت ضميرها بدون علم باقي الشركاء
واستطردت بدهاء جذب انتباه تلك التي استوطن عشق الفؤاد بقلبها وأُغلق عليه:
-ومكافئتي لئلك،إنك إنتِ يلي راح تكشفيها قدام الكِل
وتابعت مفسرة:
-وبهيك الشركة ما بتنأذي، وزي ما قلت لك بالأول، بنخلص منها اتنيناتنا
وتابعت بغمزة ذات مغزى:
-وبهيك بيرچع لك حبيب القلب بعد ما بتظهري قدامه وقدام الكِل بدور البطلة يلي أنقذت شركة عيلتها
وتابعت بتفخيم لترسيخ الفكرة برأسها:
-اسم الله عليكي ،أديش لابقلك دور المنقذ.
تبسمت وأخذت تقلب حديث تلك الشيطانة بداخل رأسها بعدما استمالت للفكرة تحت ابتسامة الأخرة الساخرة وهي ترى لمعة عيني تلك الساذجة.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عند غروب الشمس
بالحديقة الخاصة بمنزل دكتور ماجد، يجلس بجوار زوجته يحتسيان قهوة العصاري معًا، ويتبادلان أطراف الحديث فيما بينهما بودٍ بعد محاولات عِدة من ماجد لعودة العلاقات والثقة فيما بينهما من جديد، بالفعل استطاع نوعًا ما، فقد بدأت فريال باستمالة قلبها من جديد لحبيب الروح، تحدث بابتسامة ساحرة أجاد صُنعها بجدارة:
-بعد إمتحانات الاولاد، هاخدك ونطلع على الساحل، نقضي الأجازة كلها هناك
نطقت تسألهُ بسعادة:
-طب وشغلك الإداري في الكلية، هتعمل فيه إيه؟
-ده هو يوم واحد في الإسبوع، هبقى أجي وأرجع لكم في نفس اليوم
تحدثت بعيني هائمة من اهتمام زوجها الزائد عن الحد وتلك المشاعر الجميلة التي يغمرها هو بها في الفترة الأخيرة:
-بس كده هتتعب قوي يا حبيبي
بأعين عاشقة أجابها:
-أنا كلي فداكِ يا حبيبتي، أهم حاجة عندي إنك تكوني مبسوطة
بسطت كفها تحتوي خاصته بسعادة لتعبس ملامحهُ وهو يقول باستياءٍ مفتعل:
-هو بس فيه مشكلة واحدة هتقابلنا
-إيه هي يا حبيبي؟… قالتها بريبة لتغيير ملامحهُ ليجيبها بدهاءٍ:
-إننا منملكش فيلا في الساحل، والإيجار هناك بقى غالي جداً، يعني مستحيل هنقدر على تسديد إيجار تلات شهور فترة الأجازة
ابتسمت وعادت تجيبهُ بلامبالاة:
-هي دي مشكلة يا ماجد
طالعها بتمعنٍ لتجيبه:
-وإحنا ليه نأجر أصلاً، وبعدين ما احنا طول عمرنا واحنا بنروح في ڤيلا فؤاد وقت ما نحب
أجابها بكلماتٍ سامة ليدس لها تلك الأفكار الخبيثة كي تعيد تفكيرها من جديد بدخولها شريكًا للشركة:
-اديكي قولتيها بنفسك،ڤيلا فؤاد،يعني حتى مش ملك الباشا الكبير
سألته متعجبة حديثه:
-وفؤاد وبابا إيه يا ماجد!، ما الإتنين بالنسبة لي واحد
-ده بالنسبة لك إنتِ يا حبيبتي، لأن واحد أبوكِ والتاني أخوكِ، فانتِ حاليًا مش حاسة بالفرق
وتابع بخ سمهِ بالحديث مسترسلاً:
-لكن لو جيتي تبصي لها في المستقبل، تفتكري بعد عمر طويل، زين ومالك أولاد اخوكِ هيعاملوا فؤاد إبنك نفس المعاملة اللي بيعاملها لك أخوكِ؟
هز رأسهُ بأسى ليعبس قليلاً وهو يقول:
-ده لو سمحوا له أصلاً يقرب منهم او من ممتلكاتهم
توقفت للحظة تستوعب حديثه الواقعي إلى حد كبير ليقطع حديثهما دخول سيارة بيسان التي توقفت بغتةً لتحدث صوتًا مزعجًا نتج عن احتكاك إطارات السيارة بالأرض، إلتفتا والديها ليراها تخرج من السيارة وتدفع بابها بحدة بالغة،توسعت خطواتها وهي تقترب عليهما بوجهٍ متجهم ينذرُ بقدوم كارثةً كبري،وصلت لهما وبدون مقدمات تحدثت بصوتٍ حاد وعينين تطلقُ شزرًا لو خرج لأحرق بطريقه الأخضر واليابس:
-بابا،فيه عريس متقدم لي،وأنا موافقة عليه
هب واقفًا وبلحظة كان أمامها لتحتد ملامحه بغضبٍ حاد تجلى على محياه ،وبصرامة هتف معترضًا بعبوسٍ منفعل:
-لو بتتكلمي عن الولد اللي اسمه يوسف فانتِ بتحلمي يا بيسان
رفعت قامتها للأعلى لتجيبه بصرامة وصوتٍ مُتهدجٍ مِن شدة الغضبِ:
-ومين قال لحضرتك إن يوسف لو إتقدم لي هوافق
قطب الأب جبينهُ يريدُ تفسيرًا فتابعت تجيبهُ:
-ده واحد زميلي في الجامعة، إسمه”نبيل السرجاوي”
اتسعت حدقتي فريال التي استندت بكفيها على حافتي المقعد لتقف وتخرج كلماتها مصعوقة:
-إنتِ بتقولي إيه يا بوسي؟
بعنادٍ وقوة أجابتها:
-اللي سمعتيه يا مامي
ثم تابعت بعدما أشاحت بوجهها تناظر أبيها بقوة وحزمٍ:
-وياريت حضرتك تحدد لنبيل ميعاد في أسرع وقت، علشان يجيب أهله وييجوا يطلبوني رسمي
قالت كلماتها واندفعت للداخل كالثور الهائج لا ترى أمامها لتتسع ابتسامة ماجد بعدما غمرهُ شعورًا هائلاً بالنصر، بينما ارتمت فريال بجسدها فوق المقعد من جديد وحال عينيها الذهول وعدم الاستيعاب.
تُرى ما هو الحدث الأعظم الذي أدى لاتخاذ بيسان لذاك القرار الذي سيدمر حياتها ويقلبها رأسًا على عقب؟!
إنتظروني والفصل القام لمعرفة ملابسات اتخاذ هذا القرار المدمر.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أنا لها شمس 2)