روايات

رواية أسد مشكى الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم رحمة نبيل

رواية أسد مشكى البارت الحادي والثلاثون

رواية أسد مشكى الجزء الحادي والثلاثون

أسد مشكى
أسد مشكى

رواية أسد مشكى الحلقة الحادية والثلاثون

| بوابة الأسرار|
صلوا على نبي الرحمة
ــــــــــــــــ
انقطع الهواء عن رئته وقد شعر لثواني، ثواني فقط أنه تجمد بالكامل حتى لم يعد قادرًا على تحريك إصبع واحد، ابتلع ريقه وهو يتراجع خطوة للخلف وأصوات حوله لا تصل لاذنه ولا يبصر في الوجوه سوى وجه واحد، أرسلان …
وصوت واحد يتردد داخل أذنه في هذه اللحظات، جملة واحدة لم تنفك تتردد في كوابيسه منذ شهور طويلة :
“أمي وأختي….نساء القصر، لقد ….. أخبرني أنه سيتخلص منهم، ساعدهم نزار، وصيتي لك أمي وشقيقتي، ساعدهم .”
والآن…
الوجه الذي لم يبصر صاحبه منذ شهور طويلة، تحديدًا منذ هجوم المنبوذين وإشاعة خبر موته على أيديهم، وقد كان لوالده الفضل في عدم اصطدام طرقهم منذ ذلك الوقت بأي شكل من الأشكال، ويبدو أن أرسلان كان يحترم والده لدرجة أنه تخلى عن قصاصه لأجل الملك آزار وترك محاكمته له.
تراجع خطوات قليلة وهو يحاول التحدث وارسلان اتسعت بسمته بقوة وهو يهمس له بصوت مخيف :
_ مر وقت طويل ها ؟؟ تحديدًا منذ لحظة احتضاري نزار .
ويبدو أن عقل نزار توقف فجأة عن العمل ولم يعد يحسن التفكير في شيء ولولا صرخة الوليد خلفه والذي كسر النافذة يقفز منها صارخًا برعب على نزار :
_ أهرب نزار، أهرب…
ثواني كانت حتى أبصر أرسلان جسد نزار يندفع بجنون مرعب صوب النافذة يقفز منها خارج الغرفة، يهرول على الدرج وهو يشعر أنه على وشك السقوط ارضًا على وجهه، وصوت خطوات معروفة خلفه جعلت ضربات قلبه تزداد وهو يهرول خارج القبو بالكامل حتى وصل لممرات القصر أمامه جسد الوليد وخلفه يركض أرسلان بشكل مرعب حتى تخيل أنه أسد حقيقي سينقض عليه في أي لحظة .
تنفس بصعوبة وهو يخرج للحديقة الخاصة بالقصر، جميع أطراف جسده ترتجف وقد بدأت أنفاسه تعلو أكثر وصوت الوليد يعلو بنبرة مختنقة من الرعب :
_ انتبه نزار انتبه يا أخي .
ولم يكد نزار يعي حتى لتحذيره حتى وجد يد تمسك بذراعه بقوة مرعبة جعلته يشعر أن ذراعه كُسرت، ولم تكن تلك اليد سوى يد أرسلان الذي جذب جسده بعنف صوب الجدار يكاد يخنقه، وفي اللحظة التي كانت رأس نزار تكاد تتهشم على جدار القصر صرخ بصوت مرتفع مرتعب :
_ أهرب يا الوليد أهرب ولا تتوقف، لا تنظر خلفك .
كان يصرخ وهو يبصر نية الوليد بالعودة له، لكنه أوقفه بصرخته، لينظر له الوليد بأعين خائفة ورفض، لكن نزار صرخ بجنون :
_ أهرب يا أخي، أهرب يا الوليد .
ومن بعد تلك الكلمات نظر له الوليد نظرة أخيرة لأرسلان مليئة بالوعيد، ومن ثم هرول يستغل انشغال الجميع بنزار، وقد شُحن صدره بالغضب وتوعد لهم بالويل، وتعهد بتحرير نزار ولو كان ذلك آخر ما يفعله في حياته قبل أن يقتلوه .
_ سأعود لك يا أخي لا تقلق ….
وعند نزار كان يشعر بوجهه يكاد يتلاشى بسبب الاحتكاك بالجدار خلفه وصوت أرسلان يميل عليه وهو يهمس :
_ لم يكن هذا استقبالًا أتوقعه منك نزار، هانت عليك العشرة يا أخي؟!
رفع له نزار عيونه وقد كان الندم والاعتذار يملئ كافة نظراته يهمس بصوت منخفض :
_ والله لم تهن أرسلان.
نظر له أرسلان ثواني بأعين سوداء ونظرات غير مفسرة، قبل أن يتحدث ببسمة ساخرة مذبوحة :
_ لا أعتقد ذلك نزار .
بمجرد انتهاء جملته شعر نزار بضربة قوية لرأسه داخل الجدار خلفه، حتى أنه كتم تأوه عنيق كاد يفلت منه.
_ هنّا، وهان والدك والجميع نزار .
كاد نزار يتحدث بكلمات كان يخزنها داخل صدره، لولا صوت خلفه جعل جسده يرتجف وهو يغمض عيونه بقوة وقد جفت الدماء في عروقه وتمنى لو قُتل قبل عيش هذه اللحظة .
يسمع صوتها يهتف من خلفه برعب ولهفة :
_ أرسلان لقد وعدتني، وعدتني أنك لن تؤذيه و….
توقفت عن الحديث حينما فاضت دموعها وهي تنظر صوب نزار الذي رفع وجهه لها، يبتسم بسمة صغيرة شبه ميتة، يكتم صرخاته ويد أرسلان ما تزال تكبله بقوة من الخلف :
_ لا تتدخلي بما لا يعنيكِ سمو الأميرة، لا احتاج لدفاعك عني فلست طفلًا، ثم ليس لأنني ساعدتك مرة تردينها لي بتوسلك أحدهم لرحمتي .
ختم حديثه بنبرة ساخرة وهو يحاول أن يبتلع ريقه بصعوبة، وقد كانت كلماته التي نطقها كسكاكين تقطع حنجرته، يخشى أن تلقي نفسها في كل مشاكله ويطالها أذى لمساعدته، أن تُعتبر خائنة لأجل اخفاءه عن الجميع .
رفع أرسلان عيونه صوبها، ومن ثم جذب نزار بعيدًا عن الجدار وهو يلقيه صوب المعتصم الذي بدأ يربط يديه يجذبه بعيدًا عن المكان، وتوبة فقط تنظر لأثرهم باكية بقوة تتحرك خلف أرسلان وهي تصرخ برعب مما يمكن أن يحدث وقد لغى الهلع عقلها :
_ أرسلان لقد وعدتني، وعدتني أرسلان، لقد وعدتني أنك لن تؤذيه، لن تفعل لقد وعدتني، هذه كلمتك لي لا تحنث بوعدك أرســــــــلان.
كانت تتحدث بهستيرية وهي تركض خلفه صارخة، وارسلان فقط تحرك خلف رجاله الذين سحبوا نزار، ونزار يصرخ بالمقابل بها :
_ فقط توقفي توبة، توقفي ولا علاقة لكِ بما يحدث، توقفــــــي وعودي لغرفتكِ.
لكن توبة أصابتها نوبة هلع هستيرية وهي تتخيل إعدامه وقتله وفقدانه للأبد، نزلت دموعها بشدة وهي تتوسل أرسلان الذي كان يحاول ألا ينظر لها :
_ لقد تاب وندم أرسلان، اقسم بالله أنه ندم وسيساعدك، لقد ساعدني وساعد الجميع، لقد تاب، لقد …
وقبل إكمال جملتها توقف أرسلان ونظر لها ثواني يتحدث بهدوء شديد :
_ سمو الأميرة، انصحك بالعودة لغرفتك وعدم التدخل في هذه الأمور، توقفي عما تفعلين توبة، انتهى الأمر وتدخلك في قضية نزار لن يزيدها إلا سوءًا، فقط أدعي أمام الجميع أنكِ لم تصطدمي يومًا بنزار، لأجلك قبلي، اعتني بوالدك ولا تفكري بما حدث.
ختم حديثه وهو يتركها شاحبة الوجه مكانها، دون أن تؤتي ردة فعل واحدة يرحل آخذًا معه نزار الذي كان يحدق بها ببسمة صغيرة وهو يهز رأسه لها وكأنه يبث بها اطمئنان لا يمتلك منه ذرة واحدة حتى .
أما عن توبة فقط ظلت واقفة باهتة الملامح جامدة التعبيرات، لا تكاد تتنفس بشكل طبيعي تحاول الحديث بكلمة تتابع رحيلهم حتى اختفوا عن الأنظار وكان آخر ما نطقته بلوعه هو اسمه….
_ نــــزار …
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ كيف تركته يذهب وحده إيفان، لقد ….هو ربما يـ
أوقفها إيفان عن الحديث وهو يربت عليها بهدوء شديد يحاول تهدئتها بكلمات لم تصل لسلمى التي لم تتمكن من التعبير عن رعبها عما حدث وقد وصل لها ما حدث ورغم عدم فهمها للأمر بشكل كامل إلا أن رعبها على ما يمكن أن يحدث لأرسلان قد زاد حينما أدركت هوية ذلك الرجل الذي ذهب لإحضاره .
كانت مستقرة في شرفة القصر تراقب البوابة الخاصة بها وكأنها تنتظر أن يطل من خلفها بخير حال كما تركته قبل رحيله .
وفي الأسفل حيث منتصف للساحة تقف كهرمان مع زوجها تحاول الحصول منه على أي معلومة قد تطمئنها على أخيها.
أما عن آزار وسالار فقد كانا وكأن على رؤوسهما الطير، لا احد يتحدث بكلمة ولا أحد يبدي أي ردة فعل عما يحدث .
كلٌ يفكر بالقادم والهدوء جاء ممهدًا للعاصفة .
ربت إيفان على كف كهرمان يحاول تهدئتها بكلمات قليلة لا يمتلك غيرها في هذه اللحظة :
– سيكون بخير لا تقلقي كهرمان، أنتِ تعلمين أخاكِ، لم ينتهي بعد من حيواته السبع .
ختم كلماته بمزاح يحاول به كسر حدة الاجواء، في حين أن كهرمان كانت تخشى تهور أخيها، أو أن يصاب بسوء اثناء تهوره ذاك .
وعلى عكس كهرمان لم تكن سلمى تظهر أي مما يدور في داخلها تترقب بصمت حتى يظهر هو .
تخشى القادم فالأحزان داخل صدر أرسلان ليست بالقليلة لتتسع لحزن إضافي، صدره لا يتسع لآلام أخرى، جروحه لم تندمل بعد ليجاورها جرح جديد .
تراقب البوابة وكأنها ستسرع من عودته، الاصوات حولها غير واضحة ولا تسمع أحدهم ولا تدرك ما يحدث، حتى شعرت بيد تربت عليها .
استدارت ببطء صوب تلك اليد لتبصر فاطمة والتي كانت تراقبها من بعيد منذ دقائق عديدة، تخشى الاقتراب والتطفل عليها، حتى أبصرت حزنها يزداد على صفحة وجهها، لذا تقدمت لتكون جوارها .
_ لا تحزني كل شيء سيكون بخير بإذن الله، لقد ذهب معه المعتصم وأخبرني أنه سيعتني بنفسه وبمن معه، فلا تخشي على زوجك.
أغمضت سلمى عيونها بوجع وهي تشعر أن الأمور تتعقد أكثر وأكثر، كلما ظنت أن جروح أرسلان بدأت تُشفى، وجدت القيح ما يزال يسكنها ..
تبسمت بسمة صغيرة على كلمات فاطمة وهي تهمس بصوت خافت :
_ الشخص الوحيد الذي أخاف منه على أرسلان، هو أرسلان نفسه، أرسلان عدو نفسه الأول، عسى أن يردهم الله سالمين …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساعات مرت وهو فوق حصانه يسير خلف بعض الرجال، حتى وصل واخيرًا صوب هدفه وغايته وقد كانت صدمته مما حدث ما تزال واضحة فوق ملامحه، يشعر أن أنفاسه لم تعد تتحرك داخل صدره بشكل طبيعي .
توقف الحصان ولم يكد يهبط عنه حتى اتسعت عيونه بصدمة يهمس بصوت منخفض مرعوب :
_ يا ويلي ما الذي حدث هنا ..
كان يقف على باب الجحر وهو يحدق بما أمامه، كان المكان رماد، وقد بدا وكأن الجحيم فتح أحضانه للجحر ومن به، ودون شعور تخيل لو أن نزار معه هذه المرة ورأى ما يرى يقسم أنه كان أنهار ارضًا من الضحك .
وعلى ذكر نزار انهمرت دموع الوليد وهو يتحرك وقد شعر بالرعب على رفيقه، وبعد ساعة قضاها في التفكير لطريقة تحريره، أهداه عقله إلى اللجوء لهم، فمن أسر نزار هو أرسلان، ومن يعادي أرسلان هو أصلان…
إذن عدو عدو …حليفي .
_ أين هو أصلان ؟!
تساءل بجدية وهو يدور بعيونه بين الجميع وقد كانت الاجساد منتفضة تتحرك في كل مكان تحاول تدارك ما يحدث ومنهم من يحاول لملمة ما يخصه من الاغراض قبل أن يطالها شبح الخراب الذي أحدثه المعتصم قبل رحيله .
وما بين هذا وهذاك لم يبصر الوليد أصلان لذا تساءل على أمل أن تأتيه اجابه من رافقه منذ دخل للجحر، لكن كل ما وصل له كان صوت الرجل في الخلف والذي كام يبدو عليه الحنق الشديد وهو يشير صوب شجرة بعيدة شبه محترقة يقبع اسفلها مقعد وعليه يجلس أصلان بهدوء شديد يراقب المشهد أمامه بملامح صافية لا يعكرها سوى افتقاده لبروده المشروب الخاص به، وقد افسدت عليه الحرارة الناتجة من الحريق الأمر.
تعجب الوليد مما يحدث وهو ينظر صوب أصلان الذي كان يتابع الحرائق وهي تلتهم المكان بهدوء شديد .
_ ما الذي يحدث هنا ؟!
كان هذا السؤال صادرًا من الوليد وهو يراقب أصلان، الذي أشار بكأسه صوب الحريق أمامه مبتسمًا بسمة واسعة :
_ الجحر يحترق .
كان يتحدث وكأنه يشرح له مشهدًا لا يراه بالفعل، بينما الوليد شعر بالخوف من تصرفات ذلك الرجل المختل والذي كان يجلس متظاهرًا بعدم الاهتمام بما يحدث بعدما دمر لهم المعتصم وكرهم، أو ربما لم يكن يهتم بالفعل .
اقترب منه الوليد أكثر وهو يحاول التحدث :
_ هل أنت بخير ؟!
رفع أصلان عيونه له وهاله البرود وعدم الاهتمام تحيطه، لكنه ابتسم ببساطة يجيب سؤاله بسؤال في المقابل:
_ أراك وقد عدت بعدما هربت مع سمو الأمير، مالي لا أراه رفقتك ؟! تراه تخلى عنك ؟!
_ بل انقذني وحماني.
_ كم هذا مؤثر، والآن هل مات اثناء محاولته حمايتك ؟؟
غضب الوليد من برودته وهو يتحدث بهذا الشكل يحاول أن يهدأ نفسه متجاوزًا عن كل استفزاز أصلان ذلك:
_ بل أُسر أثناء هروبنا من أرسلان و…
قاطعه أصلان وقد اعتدل جسده وأظهر واخيرًا ملامح وتعابير توحي باهتمامه بما يحدث في الجوار وهو يردد بنبرة سوداء غريبة :
_ أرسلان ؟!
_ نعم الملك أرسلان اكتشف مكانه بطريقة غريبة واسره، لذا جئت اطلب مساعدتك، سأكون معك واساعدك ضد أرسلان، في مقابل أن تساعدني في تحرير رفيقي .
ابتسم له أصلان بسمة غريبة وهو يهتف بصوت منخفض :
_ عادل بما يكفي يا صديقي، أخبرني الآن ما هي المميزات التي قد تدفعني بقبول عرضك ؟؟ هل تنفث نيران من فمك أم تمتلك قدرة خارقة لتكون عنصرًا فعالًا في حربنا ضد الممالك ؟!
شعر بالسخرية تخرج مع حروفه ورغم ذلك حافظ الوليد على ملامحه وهو يردد بهدوء شديد:
_ ليس هذا أو ذاك، لكنني أدرك ثغرات أبى لا يدركها الملك آزار نفسه، كما أن لي اعوانًا في كل الممالك، أنت نفسك لا تدري كم عددهم .
التمعت عيون أصلان بشكل مخيف وهو يهمس ببسمة واسعة :
_ يبدو هذا مثيرًا للأهتمام، إذن اخبرني يا صديقي العزيز كل ما ….
وقبل إكمال جملته وجد أحد الرجال يهرول صوبه ليقلب عيونه وهو يهمس بضيق :
_ ها هي كارثة أخرى تهرول صوبي .
وبالفعل بمجرد أن توقف الرجل حتى هتف بأنفاس منقطعة وصوت مهتز :
_ سيدي لقد ….يبدو أن… أحدهم استغل حالة الهرج تلك وأخرج النساء من الجحر و….كذلك أنمار لا أثر له في المكان ……
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ زمرد ؟!
استدارت زمرد صوب الصوت لتبتسم دون شعور وهي تتحرك صوب صاحب تهمس بصوت خافت مرهق :
_ كدت أنسى اسمي منك أخي.
ابتسم لها إيفان وهو يتلقفها بين أحضانه بحب كبير يربت عليها بحنان شديد، ومن ثم مال يطبع قبلة صغيرة على رأسها هامسًا بصوت هادئ لطيف:
– مالي أراكِ متعبة منذ الصباح، أنتِ بخير ؟؟
_ مجرد إرهاق ليس إلا أخي، سأكون بخير طالما كنت عزيزي .
ابتسم لها إيفان بحب شديد وهو يزيد من ضمها، يربت عليها ويهمس لها بكلمات عدة غير مسموعة لغيرها، لكن أعين سلمى والتي كانت تبصر ذلك المشهد من شرفة القصر اتسعت وهي تهمس بعدم فهم لكهرمان التي كانت تواسيها منذ ثواني :
_ هل أتخيل كهرمان أم أن زوجك يخونك مع صديقتك في وضح النهار وعلى مرأى من الجميع ؟!
نظرت لها كهرمان ثواني بعدم فهم تحاول ترجمة الاحرف التي نطقت بها، قبل أن تعيد عيونها صوب الساحة تبصر في أحد الاركان إيفان يضم له زمرد بلطف ويربت عليها وهو يتحدث بكلمات لا تصل لهما.
_ ماذا ؟؟
نظرت له سلمى تهمس بتشنج :
_ ماذا أنتِ ؟؟ أخبرك أن زوجك يعانق الآن امرأة على مرأى منكِ وأنتِ تتساءلين ماذا ؟؟
عادت كهرمان بعيونها صوب ما يحدث في الأسفل ترسم ملامح الصدمة على وجهها بإتقان، تهز رأسها بوجع:
_ وكأن حياتي ينقصها خيانة زوجي العزيز لي .
ربتت عليها سلمى وهي تشعر بالمسؤولية تجاهها، تضمها لصدرها بحنان شديد، تتخذ دور أرسلان في غيابه، تحنو على الشخص الذي يعني لزوجها أكثر مما تعلم هي شخصيًا، وكل من يحبه أرسلان يُكرم لأجله.
_ لا تحزني حبيبتي والله خسرك، أنتِ امرأة لا تعوضين، حينما يعود أرسلان سوف نخبره بما يحدث هنا ليساعدنا في حل كل هذا، ربما يمكنه التحدث مع زوجك وتطليقك منه و….
ابتعدت عنها كهرمان منتفضة بسرعة تصيح بصدمة ننا سمعت :
_ تطليقي ؟؟ من إيفان ؟! يا ويلي ما الذي تتحدثين عنه، عسى ألا يفرقنا سوى القبر، يا فتاة زمرد هي أخت إيفان.
كانت سلمى تسمع كلماتها وهي ترمش بعدم استيعاب لما قالت، بينما كهرمان ضحكت على تعابير وجهها تمسك يدها وهي تقول من بين ضحكاتها :
– زمرد هي الأخت الغير شقيقه لإيفان، لذا لا أعتقد أن هناك مشكلة في عناقه لها، رغم أنني أخبرته سابقًا ألا يعامل هذه الفتاة اللئيمة بهذا الحنان الكبير فهي تتفنن في استفزازي بالأمر، لكن ماذا نفعل والمدللة تستحوذ على نصف قلب زوجي .
كانت تتحدث وهي تدعي حنقًا مصطنعًا تضم يديها لصدرها بغيظ شديد، وما كان من سلمى سوى أن ابتسمت لها بلطف تربت عليها:
_ لا بأس، أنتِ في المقابل تمتلكين قلب زوجي ..
بادلتها كهرمان البسمة وهي تربت على كتفها بلطف مماثل تشفق على هذه الحمقاء التي لا تدرك أن قلب أرسلان كُتب بيعًا وشراءً لها :
_ ليتني أفعل عزيزتي، لكن أخي يحتفظ لكِ بسكن كامل اكبر من مساحة الممالك مجتمعة داخل قلبه، تاركًا لي غرفة خارجية مطلة على الحدائق .
ازداد نبض سلمى بقوة وقد شعرت بجفاف حلقها من سماعها لتلك الكلمات من كهرمان، فما بالكم لو كانت من أرسلان نفسه ؟!
حلم جميل تتمنى لو يتحقق …
التقطت كهرمان تعابيرها لتهمس لها بصوت خافت :
_ عليكِ رؤية الطريقة التي يتحدث بها أخي عنكِ، أو تبصرين نظراته لكِ، أخي لايحبك، بل يهيم بكِ سلمى فرفقًا به فما زال المسكين لم يستوعب حقيقة عشقه لكِ .
ختمت كهرمان كلماتها تزامنًا مع ارتفاع صوت المنادي في الاسفل يهز الارجاء بكلماته التي انطلقت فجأة ودون مقدمات .
_ الملــــــــك أرســــــــــــــــلان، أفتحــــــــــــوا الأبـــــــواب….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مرحبًا زين، هل اشتقت لي ؟؟
رفع زيان عيونه عن الطفل أمامه ونظر لخالد ثواني قبل أن يعود صوب ما يفعل مجددًا :
– لا لم افعل في الحقيقة .
التوى ثغر خالد دون اهتمام، تحرك صوب الفراش يراقب الصغير الذي كان ينظر بجمود غريب على عمره الصغير صوب السقف يطيل النظر به، ليرفع خالد عيونه صوب السقف يبحث عما يثير انتباه الطفل بهذه الطريقة، لكن لا شيء .
اقترب منه خطوات صغيرة يداعب خصلات الصغير بلطف لم يحرك به شيء، بل ظل جامدًا بشكل مريب، جعل خالد يضيق عيونه بعدم فهم يميل بجسده حتى اصبح رأسه مقابل الفراش :
_ مرحبًا يا صغيري، ما اسمك ؟؟
ومجددًا لا شيء يدل على أن الطفل حي سوى أنفاسه التي يشعر بها خالد .
رفع عيونه بعدم فهم صوب زيان الذي وضع بعض الأعشاب على جروح الصغير فوق معدته:
_ لا ترهق ذاتك فهو لا يتحرك ولا يتحدث .
انكمشت ملامح خالد بحزن شديد، يرفع أنامل الصغير بغرض مداعبة بشرته بلطف :
_ أوه يا صغيري، ترى ما الذي اوصلك لهذه المرحلة يا عزيزي ؟؟
ولم تصل له إجابة او ردة على سؤاله الاستنكاري سوى صوت فتح الباب ودخول أحدهم وقد رن صوت رقيق في المكان :
_ مرحبًا سيدي هل انتهيت من فحص عابد ؟! كل شيء بخير؟!
استدار خالد بهدوء صوب الصوت، قبل أن تتسع عيونه بصدمة يبصرها مجددًا، الفتاة التي لمحها سابقًا، لكن هذه المرة عن قرب يتيح له تأمل ملامحها بشكل أدق، لولا جسد زيان الذي قطع عنه الرؤية متعمدًا .
_ نعم كدت افعل لا تقلقي، يمكنك العودة صوب غرفتك وانا أرسله لكِ مع أحد الممرضين هنا بعدما انتهي .
ابتسمت له بلطف سلب المتبقي من تعقل خالد :
_ لا أريد أن ارهق أحدهم معي، أنا هكذا أفضل شكرًا لك .
_ يا ويلي مما ترى عيوني، أحقيقة أنتِ ؟!
توقفت الفتاة عن الحديث وقد شعرت جمدتها الصدمة مما سمعت والتعجب لما قيل .
_ ماذا ؟؟
استدار زيان بسرعة صوب خالد ينظر له بصدمة مما قال :
_ أنت مجددًا، ألن تتوقف عن هذه الافعال ؟؟
نظر له خالد بتحذير شديد يهمس له بضيق :
_ أنت ما الذي تتحدث به؟؟ ستجعل الفتاة تأخذ فكر خاطئة عني .
_ هل أنت احمق !! الفتاة لا تهتم بكِ من الأساس.
_ اشش فقط لا تتدخل بيني وبين الفتاة وكل شيء سيكون بخير .
اتسعت عيون زيان بصدمة :
_ بينك وبينها ؟؟ أي بين هذا يا بني ؟؟ للتو رأيت الفتاة من الأساس، ومن ثم ما تفعله محظور ومحرم هنا أن تختلط بنساء لا علاقة لك بهن .
ازاح خالد زيان جانبًا :
_ فقط اهتم بالصغير لحين أهتم أنا بشقيقته .
رمش زيان بصدمة لا يصدق ما حدث منذ ثواني، ليرفع سهمًا مصوبًا به على اجنحه خالد التي فردها بتغطرس أمامها كطاووس احمق، وقد أنزله زيان لارض الواقع :
_ هذه ليست أخته، بل والدته يا عزيزي…..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحركت الخيول تجتاز أسوار قلعة مشكى، تحمل فوق ظهورها الجنود، وخلفهم البعض يحيط بنزار الذي كان يخفض رأسه ارضًا، يرفض بأي شكل من الأشكال رفع رأسه والنظر لأعين المحيطين به .
الاصوات حوله متداخلة، لكن أذنه كانت فقط مهتمة بسماع صوت واحد، لكن لم يصل له أي كلمة تحمل بصمة والده، ليبتلع ريقه وهو يحاول أن يدعي عدم الاهتمام .
هبط أرسلان عن حصانه وهو يستقبل سالار الذي تحرك صوبه بسرعة يميل عليه هامسًا ببعض الكلمات القليلة، ليرفع له أرسلان ملامحه المتشنجة، والتي لم تلين إلا عندما أبصر نظرات سالار، ليتنهد بصوت مرتفع :
– ألقوا به في السجن لحين أخبركم أوامر بعكس ذلك .
وبالفعل بمجرد انتهاء جملته أبصر الجميع يسحبون نزار بعيدًا عن الساحة، ومن ثم رفع عيونه يبحث عن الملك آزار الذي كان يقف على بُعد صغير منه يضم يديه لصدره يراقب ما يحدث بلا تعابير تقريبًا، حتى أبصر نظرات أرسلان له ليبتسم له بحنان يحاول محو ما قال سابقًا.
لكن فجأة انمحت بسمته حينما توقف نزار دون مقدمات جوار جسده، رفع له آزار عيونه يدعي برودًا مناقضًا للأشتعال داخل صدره، ولم يكد يصدر ردة فعل على توقف نزار جواره، إلا وتراجع للخلف بصدمة حينما ألقى نزار نفسه بين أحضانه بسرعة وقد امتلئت عيونه بالدموع، يقبل كتف والده بحب ولهفة شديدة جعلت آزار يتنفس بقوة وصعوبة شديدة كي يكبت تأوه وحزنه عن أعين الجميع .
بينما نزار اكتفى بهمسة موجوعة بصوت باكٍ :
_ اشتقت لك أبي…
ولم يكد يكمل كلماته حتى شعر بالجنود يجذبونه بعيدًا عن آزار الذي اغمض عيونه بقوة يبعد وجهه عن نزار مخفضًا إياه ارضًا كي لا يبصر أحدهم دموعه التي كادت تسيل على وجنته .
يراقب من أسفل رموشه وقطرات الدموع تجمعت في عيونه، أقدام ولده تبتعد عن مكانه، يُجر بعيدًا عن الساحة صوب سجون مشكى .
ويبدو أن السجون كانت مصيرًا أبديًا لنزار، من سجون آبى لسجون الجحر لسجون مشكى، واخيرًا سجن الذنب الذي كان اسوءهم .
كان يسير مع الجنود وهو يضم يده أمامه مقيده، لا يبصر الطريق، لا يبصر شيء سوى سواد فقط، أين كان وأين أصبح؟؟
ما الذي فعل بنفسه، ما الذي أوصله لهنا؟؟
حقد وشيطان يوسوس له …
رفع عيونه ينظر خلفه صوب سالار الذي كان يراقبه بهدوء وبلا ملامح، ليبتسم له نزار بسمة غريبة من بين وجعه، ومن ثم حرك رأسه له بتحية صامتة ساخرة من واقعه .
سالار العزيز، ابن العمة حيث كانت البداية لكل هذا …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في غيابك ووجودك، كان محياكِ……
رؤياكِ ولو غابت الشمس، ما غابت….
نبيل محمد ” والدي العزيز ”
دخل غرفته بسرعة وهو يتحرك في المكان يبدل ثيابه كي يلحق بالجميع في غرفة الاجتماعات، لكن فجأة وقبل أن يشرع فيما يريد شعر بالباب يُفتح خلفه بقوة .
ولم يحتج للأستدارة لمعرفة الفاعل، فمن غيرها يمتلك الجرئة ليفعل كل ذلك ؟!
_ مرحبًا حلوتي .
تحدث وهو ما يزال يعطيها ظهره يبحث عن ثيابه في الخزانة، وهي تقدمت منه ببطء وعلى كتفها يلتصق بها موزي الذي كان في الآونة الاخيرة يسير بين طرقات القصر يعيث بها فسادًا، ومن ثم يبيت ليلته في غرفة خالد حيث لن تصل له ايادي أرسلان.
تعجب أرسلان صمتها خلفه، رغم شعوره باقترابها، ابتسم بعدم فهم وهو يستدير ينظر لوجهها يستفسر عن صمتها، لكن كل ما فعلته أنها مدت اناملها تتلمس الجروح في ظهره تهمس بصوت حنون :
_ كلما أبصرت تلك الجروح لا يتبادر لعقلي سوى سؤال واحد، هل مازالت تؤلمك ؟
نظر لها أرسلان ثواني لا يستوعب سؤالها، قبل أن يبتسم بسمة صغيرة :
_ لم تؤلمني يومًا سليمى، لم تؤلمني الجروح الجسدية يومًا ..
_ وهذا ….مروع أرسلان، هذا مرعب ألا تشعر ألا تتوجع، ألا تنهار، ألا تبكي، كل هذا مرعب، هذا ….هذا يلغي كل ذرة شعور توحي بأنك حي داخلك.
نظر أرسلان لعيونها وهي تتحدث ليمسك يدها يهتف ببسمة صغيرة وببساطة شديدة:
_ لقد تخيطت ما تتحدثين عنه منذ زمن سليمى، الشيء الوحيد الذي يربط بيني وبين إنسانيتي الآن هو أنتِ، فلا تقطعي آخر رابط لي، حسنًا ؟؟
ختم كلماته بكلمة بسيطة وسؤال ابسط جعل أعين سلمى تتسع من هول ما سمعت، كان الأمر أكبر من مجرد تراكمات ماضي، أرسلان انغمس باحزانه ولم يكتفي بالاعتياد عليها، بل تشربها حتى أصبحت هي المسلك الصحيح الذي يسلكه في حياته، حالته كانت أشبه بمدمن اعتاد ما يتعطاه وتأقلم عليه ولن يقتنع بغيره بديلًا .
على عكس فاطمة التي كان عقلها يتفنن في إبعادها عن الألم وانكاره وصنع عالم يحميه منه، كان عقل أرسلان ينجذب صوب الماضي ووجعه بإرادته بل وينقب عنه ويستمتع بالوجع ليحرص على عدم نسيانه.
كان شحوب وجهها مرعبًا لدرجة انتبه لها أرسلان الذي ألقى ثوبه على الفراش يقترب منها يهمس بريبة :
_ سلمى أنتِ بخير ؟!
رفعت سلمى عيونها له وقد التمعت بنظرة غريبة، لكنها في النهاية ابتسمت بسمة صغيرة وهي تردد بصوت مهتز تعود لسؤالها الأول الذي نطقته حينما دخلت للمكان :
_ هل أنت بخير أرسلان ؟!
ورغم تعجبه أجاب:
_ أنا بخير سليمى .
_ إذن أنا بخير كذلك .
ابتسم أرسلان ابتسامة واسعة صافية وهو يميل عليها مرددًا بحنان :
_ وسأحرص على أن تكوني دائمًا كذلك سليمى …..
تنهد وهو يعتدل بجسده، يشير ثوب المرحاض :
_ سوف أذهب للاستحمام فهناك الكثير عليّ الانتهاء منه، وقد اتأخر مع الرجال في الإجتماع.
_ ما الذي يحدث هنا أرسلان ومن هذا الرجل الذي احضرته، لم افهم الأمر بشكل واضح، فالاحاديث متشعبة وغريبة .
ابتسم لها أرسلان بسمة صغيرة قبل أن يتحرك صوب المرحاض :
_ هذه بداية النهاية سليمى …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ما حدث في الخارج منذ دقائق سمو الاميرة كـــ….
ولم يكمل زبير كلمته بسبب توبة التي رفعت عيونها له تتحدث بقوة رغم ارتجاف كل عضلة في جسدها :
_ لا أعتقد أنني بحالة تسمح لي بالتحدث عما حدث قائد زبير، ولا أظن أنك في مكانة تسمح لك بمحاكمتي عن افعالي.
اشتدت ملامح زبير بقوة لثواني ولم يتحدث بكلمة واحدة، بل فقط هز رأسه لها، ومن ثم تحرك خطوات مبتعدًا عنها، ولم يكد يخرج حتى سمع صوتًا قويًا يصدح في المكان:
_ تـــــــــوبة …
انتفض جسد توبة كما قلبها، بينما ظل زبير ثابتًا في محله لا يتحرك خطوة واحدة، كل ما فعله أنه فقط مال برأسه في تحية احترام لملكه الذي كان يتحرك بكل قوة وكأنه لم يمرض يومًا، يسير بهدوء وهو يحدق في وجه ابنته بعد أيام طويلة من الظلام والذي تلاشى منذ ساعات قليلة ولم يجد جواره أحد ليخرج ويكتشف الفوضى في قصره وبلاده.
أما عن توبة فلم تصدق حينما رأت أعين والدها مسلطة عليها لتبتسم دون وعي وهي تندفع صوبه بلهفة:
_ أبي أنت تـ….
منعها بارق من التقدم خطوة بكفه ومن ثم قال بهدوء :
_ لا أعتقد أنني ربيتك يومًا على مثل هذه التصرفات توبة .
ارتجفت توبة من نظرات والدها، والذي رغم طيبته وحنانه، كان صارمًا في كل ما يخص تعاملها مع الغير خوفًا أن يستوطن الكِبر صدرها يومًا .
ارتجفت توبة وهي تنظر ارضًا بخجل تحاول أن تلملم شتاتها وتتحكم بردات فعلها قبل أن تتحدث، بينما زبير تحدث بهدوء شديد كي يكسر حدة الاجواء التي علت في المكان :
_ لا بأس مولاي، استأذنك بالرحيل ..
ولم يكد يتحرك خطوة حتى تقدمت توبة بسرعة بغرض الاعتذار منه وقد شعرت بالخزي من تصرفاتها، لكن والدها كان الاسرع وهو يتحرك صوب المقعد الاول الذي قابله يهتف بجدية :
– انتظر زبير، هناك ما يجب معرفته قبل رحيلك إذ يبدو أن ابنتي تأبى قول الحقيقة وتتهرب مني كلما سألتها.
نظرت توبة ارضًا وهي تضغط على يدها بقوة تمنع ارتجافة كادت تمتد لأجزاء جسدها بالكامل، تلتزم صمتًا احترامًا لوجود والدها، لكن كل الصمت تلاشى وحل محله هياج وصراخ داخلها وهي تسمع سؤال والدها الذي وجهه لزبير :
_ أين هو أنمار زبير ؟!
كان سؤالًا هادئًا وكأنه يتتظر إجابة بعينها، إجابة يتوقعها، وتوبة فقط تتنفس بسرعة، فمنذ صرحت بلا وعي بقتل طفلها ولم تضيف حقيقة أخرى خوفًا على صحة والدها .
ابتلع زبير ريقه وهو يرفع عيونه صوب الملك يتحدث بهدوء شديد :
_ مولاي لقد …هو لقد …
_ هو ماذا زبيـــــر؟! ما الــــــذي حــــدث في بلادي في غيابي ولماذا أرى الكثير من جنود آبـــــــى في الجوار ما الذي حدث هنا أخبرني ؟!
نظر له زبير ثواني قبل أن يصرح له بهدوء شديد :
_ لقد …انقلب أنمار علينا وحاول تدمير البلاد، وقد نشر بين الجيش رجاله الفاسدين وكادوا ينجحون لولا ستر الله ورحمته بنا ومن ثم مساعدة الملوك .
اتسعت عيون بارق بقوة ةقد كان يشعر بالريبة من أمر ذلك الخسيس الذي سلمه ابنته، لكنه أبى في لحظة غضب أن يظلم ابنته وحفيده بسبب شكه .
جلس بارق على عرشه بعد غياب شهور لا يعلم عددها حتى، يستقيم بظهره وقد اسودت عيونه بشكل مرعب يتوقع القادم والذي لن يعجبه بأي شكل من الاشكال .
_ ومن ثم ؟؟ قص لي ما حدث زبير ولا تغفل عن تفصيلة واحدة حتى …
ومن بعد تلك الكلمات بدأ زبير يتحدث بكل ما حدث بداية من تسميمه والذي اكتشفوه لاحقًا مرورًا باختفاء حفيده وابنته واختطافهم، وتحكم أنمار بكل شيء في البلاد حتى كادت تتحول لرماد، ومن ثم دخول الملك آزار بجيشه لها .
استمع بارق لكل شيء ولم يصدر أي ملامح تدل على صدمته أو حزنه، بل فقط سواد غريب انتشر على ملامح وجهه البشوشة عادة …
وحينما انتهى زبير لم يصدر من بارق سوى سؤال واحد :
_ وأين أصلان ؟!
نظر له زبير ثواني قبل أن يقول بهدوء شديد :
_ اختار طريق أنمار وانضم له برجاله .
نظر بارق جواره صوب توبة التي كانت تتابع ما يحدث بوجه شاحب وكأنها تحيا ما حدث معها مجددًا:
– الطبيب الذي عالجني كان نفسه نزار ؟!
نظرت توبة ارضًا بهدوء ومن ثم هزت رأسها، ليبتسم والدها بسمة مريبة :
_ إذن جهز لي الموكب فسأذهب لمشكى ……..
ـــــــــــــــــــ
خرج من غرفته وهو يرفع قبضته يجمع خصلاته في رابطة للخلف، ومن ثم رفع رأسه يتوجه صوب غرفة الإجتماعات حيث الجميع .
لكن ما كاد يبلغ الغرفة حتى ارتفعت أبواق صاخبة جعلت القلوب ترتجف داخل الصدور، ابواق تعلو وتعلو بشكل هستيري وصوت المنادي يصرخ بنبرة جهورية :
_ احملــــــــــموا الأسلحـــــــة، هجـــــوم على العــــــاصمة، كـــــــلٌ يحمل سلاحه …
توقف أرسلان ثواني قليلة قبل أن ينتفض جسده يركض بطريقة مرعبة بعيدًا عن غرفة الاجتماعات التي اندفع منها جسد سالار بسرعة توازي سرعة أرسلان…
كلٌ يركض صوب غرفته ليحصل على اسلحته، الرجال يركضون في الممرات بشكل مرعب وقد بدأ الخوف ينتشر في الأجواء، ورائحة الموت تفوح في الهواء .
والدخان الصادر من منتصف العاصمة يغطي السماء بالكامل وصرخات الشعب تغطي اصوات الرجال في القصر .
كل شيء حدث بشكل غير متوقع، كان هدوئًا جلب خلفه أعاصير انتزعت كل جذور السلام التي تكبد أرسلان الكثير لزراعتها، عواصف أعادت شعب لم يتجاوز بعد ما عاشه سنوات للخلف .
اقتحم أرسلان غرفته بشكل هستيري وهو ينتزع سيوفه وخناجره، ومن ثم حمل حاملة السهام على ظهره، ينطلق صوب الخارج في اللحظة التي أبصر بها سلمى تندفع من غرفتها مرتعبة وهي تصرخ باسمه متمسكه بمرفقه تهتف برعب :
_ إلى أين أرسلان، إلى أين؟! لا تذهب …
نظر لها أرسلان في عيونها بقوة ينتزع يده عنها :
– إلى بلادي التي يغتالها هؤلاء الخنازير سلمى، ادخلي غرفتي ولا تغادريها أبدًا .
ولم يكد يتحرك خطوة حتى امسكت به سلمى باكية مرتعبة من مظهره وملامحه، كان رجلًا غريبًا لا يمت لزوجها بصلة، رجل مرعب مخيف تشع منه هالة سوداء خانقة، رجل ما تمنت يومًا أن تبصره في زوجها.
وما تمنى هو أن تبصره هي به، وقد حرص طوال الوقت على إبعاد شياطينه عن زوجته، لكن حدث وابصرتها.
نظرت له تحاول التحدث من بين شهقاتها :
_ عد لي أرجوك أرسلان، اعتني بروحك لأجلي أتوسل إليك..
نظر لها ثواني نظرات غريبة، قبل أن يهز رأسه بهدوء مرعب، ومن ثم امسكها يدفع بها صوب غرفته يعطيها سيف خاص به يهتف بنبرة لا روح فيها :
_ كل من يقترب منكِ شبرًا واحدًا انزعي روحه ولا تأخذك به رأفة، سأعود لأجدك بخير، أنتِ قوية وادري ذلك، لذا …. أنا لا اترك سليمى، بل اترك سول التي كان يطاردها المجرمون لأخذ روحها، ولم يستطيعوا.
ومن بعد تلك الكلمة ابتسم لها بسمة غريبة وهو يضغط على يدها التي تحمل السيف، ومن ثم خرج مندفعًا يغلق الباب بقوة صارخًا في الجنود أن يتبعوه لمنتصف العاصمة وابقى البعض ليحمي النساء والاطفال في القصر .
في اللحظة التي ركض بها أرسلان صوب الخارج، كان سالار كذلك يحمل سيفيه وهو يتحرك بشكل مرعب صوب حصانه.
وحينما خرج الإثنان وجدا الملك آزار قد سبقهما يخرج برجاله من القصر باندفاع مرعب.
يتبعه إيفان الذي خرج لتوه بعدما تأكد من تأمين زوجته وأخته وتحرك بسرعة كبيرة معهم، تاركًا دانيار لحماية القصر والنساء، وكذلك ترك أرسلان المعتصم معهم خاصة وهو يعلم علم اليقين ما قد يصيب زوجته في هذه اللحظة .
اندفعت الخيول من قصر مشكى بشكل مرعب تحمل فوق ظهورها ملوك الثلاث ممالك ومعهم بعض جيوشهم صوب ساحة البلاد، تاركين باقية الجنود والقادة يحمون القلعة ومن بها .
وهنا اندلع الجحيم……..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الأمر بدايته بدخول الوليد للبلاد متخفيًا بين مجموعة من تجار سبز، وحينما وطأ للبلاد شرع يجمع كل أعوانه، وما هي إلا ساعات قليلة وبدأ الجميع يشعر بحالة غريبة تسود الاجواء، ثواني إضافية وارتفعت اصوات القنابل في الاجواء وانتفضت الأجساد وبدأ الجميع كل يهرع لمنزله عل جدرانه البسيطة تكون اقوى من أسلحتهم..
وقد شكل الوليد برجاله المدسوسين في كل مكان تشتيتًا ممتازًا، حتى يتمكن أصلان من تنفيذ خطته التي املاها عليه .
بدأ الكل يركض لمنزله خائفًا مما يحدث في الخارج، عدا بعض الرجال الذين حملوا العصي وتحركوا بسرعة كبيرة صوب الاصوات العالية وقد بدا أنهم اكتفوا مما يحدث واقسموا ألا يسمحوا بدورة ثانية من الذل ..
وفي اللحظة التي تحرك بها رجال المملكة صوب العاصمة، كان أرسلان يتحرك مع الجميع صوبهم .
في نفس اللحظة التي تحرك بها جزء من رجال أصلان بشكل متخفي صوب قصر مشكى لتحرير نزار كما تعهد أصلان للوليد .
والجزء الثاني بقيادة أصلان كان على أعتاب آبى يدك حصونها مستغلًا غياب الملك، وقد كانت آبى خيارًا أكثر من مناسب لقربها من سبز مركز تجمهرهم …
وصل واخيرًا أرسلان صوب منتصف العاصمة حيث تجمهر الحميع في معركة غير عادلة بين كائنات بشرية بأسلحة وسيوف، ورجال بعصيّ .
هبط عن حصانه، يخرج سيفه وهو يلوح به في الأجواء وقبل أن يدرك أحدهم وجوده كانت رأس أحد الرجال تصطدم بالأرض أسفل اقدام الوليد، الذي ابتلع ريقه يرفع عيونه ببطء وقلب نابض بالخوف، ليبصر الجحيم متمثلًا أمامه على هيئة ” أرسلان”، واكتمل مشهد موته برؤيته لإيفان وآزار، وأخيرًا سالار …..
حرب لم يكن يتمنى خوضها يومًا في الحقيقة.
رفع سالار سيفيه في الهواء ولم ينزلهم إلا ملطخين بالدماء، وقد على الغضب وجهه وهو يمسك بثياب أحدهم يجذبه له يبتسم له بسمة جعلت الرجل يكاد يسقط ارضًا مغشيًا عليه وقد كتب الله له أن يبصر وجه سالار في الحروب والذي لطالما سمع عنه، لكن كل ما سمعه لم يكن يفي حق لحظة الرعب التي يحياها الآن..
أما عن سالار فمنحه بسمة غريبة وهو يهمس بصوت مسموع بصعوبة بسبب اصوات الصرخات والسيوف من حوله يجذب الرجل له بقوة من مقدمة ثوبه :
_ إذن أخبرني ما هو غرضكم من خلف هذه الالاعيب..
اتسعت عيون الرجل وهو ينظر له وقد بدأ جسده يرتجف يهمس بكلمات متقطعة :
_ ارحـــ….ارحمـــ…ارحمني ارجوك .
_ الراحم هو الله يا بني، لكن ربما يزرع الله في قلبي بعض الرأفة بك إن اخبرتني ما الذي تسعون له من خلف هذا التشتيت ؟؟
_ أنا…اااا….أ… أنا لا أعلم شيئًا، لقد ….ارجوك ارحمني .
اشتدت عيون سالار وهو يسحب الرجل له وقد على الغصب وجهه يتحدث بشر:
_ هذه الالاعيب الغبية لا تخيل عليّ، أعلم أن هناك غرض مرجو من خلف كل هذا، لذا كن وسخ جيد وأخبرني ما تبغونه، واعدك أن اتركك وشأنك ولن اقتلك بيدي ..
ابتلع الرجل ريقه بصعوبة وقد كانت كلماته متلعثمة غير مفهومة :
_ يريدون تحرير …تحرير أحد رجال أصلان في القصر و…. إحتلال آبى مستغلين وجود الجميع هنا.
ختم الرجل كلماته ليلقى به سالار بقوة بعيدًا عنه، ولم يكد الرجل يتنفس الصعداء مستعدًا للهرب حتى شعر بسيف يخترقه لتتسع عيونه بقوة، بينما رفع سالار يده في الهواء ينظر لسيف إيفان الذي اخترق الرجل :
_ وعدتك ألا اقتلك بيدي .
تحرك سالار بسرعة صوب آزار كي يحذره بما يحدث وما خطط له أصلان، في حين أن إيفان اقترب من أرسلان والذي كانت شياطينه ترافقه في الحرب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصوات السيوف بدأت تعلو وتعلو حتى هزت جدران القصر وقد بدا أن رجال الجيش المتبقيين يخوضون حربًا أشد وطأة من الحرب في العاصمة ..
تحرك خالد بسرعة كبيرة في الممرات وهو يتحرك صوب تيّم وقد على الرعب ملامحه يحاول فهم ما يحدث، ليبصره في منتصف الساحة وقد تكالب عليه والجنود الكثير من الرجال، ليهرع له بسرعة يحاول أن يساعد، لكنه كان اعزلًا، لذا تراجع بسرعة وفي ثواني ودون تفكير كان يهرول صوب مخزن الاسلحة يحصل لنفسه على بعض السهام والتي كان الشيء الوحيد الذي يبرع به بعيدًا عن السيوف، وفي طريقه أبصر الفتاة نفسها تحمل الصغير وهي تركض به لنفس الجهة.
وصل للمخزن يبصرها تنتزع أحد السيوف تضم لها الصغير، ولم تكد تخرج من المكان حتى صُدمت بوجود خالد لترفع السيف في وجهه بسرعة ويدها تهتز برعب كبير :
_ لا …لا تقترب، لا تفعل أنا أحذرك.
رفع خالد يده بسرعة وهو يتحدث بسرعة كبيرة :
_ ما بكِ أنا لست سيئًا، أنا خالد ..
نظرت له الفتاة بعدم فهم وقد تشنجت ملامحها ليهتف خالد بسرعة وقد شعر بالغباء فجأة :
_ اقصد أنني لست شريرًا في هذه الحكاية، أنا بطل هنا لست سيئًا، أنا نفسه الرجل الوسيم الذي كان مع الطفل حينما كان يعالجه زين تتذكرين ؟؟
كانت الفتاة ما تزال ترفع سيفها في وجهه وملامحها مشوشة، وقد شعرت أنها ستنهار في أي لحظة والطفل يتمسك بها في قوة شديدة.
كانت آمنة تضمه بين أحضانها معتقدة أن كل شيء سيكون بخير حتى سمعت اصوات الصرخات والسيوف لتشعر أن حصن امانها على وشك السقوط وهي لن تسمح لهم، أن يدمروا عشها الذي بنته بتضحية شقيقتها، لذا هرولت صوب المكان الذي أبصرته سابقًا وقد كان الجنود يحصلون منه على أسلحة مقررة أن تدافع عن نفسها ضد من لا تعلم بما لا تعرف.
واخيرًا ظهر لها هذا الرجل ذو الثوب الغريب والنظرات الاغرب .
_ أنت…تراجع للخلف ودعني أمر، أنا لست …لا أثق بك، أنت تبدو لي …مريبًا .
_ مهلًا يا جميلة أي مريب هذا، هل أصابك العمى ؟! ما بال نساء هذا المكان ؟!
نظرت له بعدم فهم ولم تكد تتحدث بكلمة واحدة حتى سمعت أصوات أقدام تهرول لهم، فدفعها خالد بسرعة كبيرة للخلف صوب الغرفة التي خرجت منها للتو يكتم فمها مغلقًا الباب بسرعة مشيرًا لها بالصمت، وهي نفذت كل ما أمر به مرتعبة من اصوات تعلمها تمام العلم في الخارج، تمنع الصوت من الوصول للطفل ..
وقد بدأ جسدها يرتجف ولاحظ خالد رعبها ذلك فابتعد عنها بسرعة يهمس لها بصوت هادئ مطمئن :
– لا تخافي كل شيء سيكون بخير، فقط التزمي الصمت ….
صمت ثواني قبل أن يتساءل بجدية :
– ما اسمك ؟؟
رفعت له الفتاة عيونها الدامعة وهي لا تدرك ما يريد او ما يقصد وقد شعرت بالفوضى تملئ صدرها في هذه اللحظة من كثر المخاوف التي سكنته، لكنها رغم ذلك همست بصوت مرتجف :
_ حور …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجلس وهي تضم فاطمة لها بقوة تحاول تهدئتها والأخيرة تتتفض نفضات مفزعة.
لا تعلم ما حدث، لكن فجأة وجدت كهرمان تقتحم الجناح الخاص بارسلان ومعها زمرد التي كانت تحمل سيفها، وتجر خلفها فاطمة الباكية تعطيها لها كي تتولى أمرها .
وكل ما فهمته من كهرمان أنهما أبصرا المعتصم يقف في الممر وهو يضمها بعجز كبير، عجز عن تهدئة زوجته ونوبة الفزع التي أصابتها وعن مساعدة الجيش في الخارج وقد بدأت الامور تسوء، وحينما ابصرهما شعر أنه وجد طوق نجاته ليخبرهم أن يأخذوها معهم للملكة وهي ستتولى الأمر.
وقد حدث ما قال، فبمجرد أن أبصرت فاطمة سلمى، حتى هرولت بسرعة لأحضانها تبكي بعنف وترتجف بخوف من الأصوات في الخارج والدخان الذي بدأ يغطي السماء.
وسلمى فقط تضمها وتهمس لها بكلمات حنونة تهدئها، بينما هي استمرت تهزي بكلمات عن حريق وقتل عائلتها، وتنادي والدتها، بينما كهرمان تراقبها بشفقة وزمرد تبصر ماضي شبيه في الصغير، الفرق أنها عبرت عن خوفها بالقتل والصغيرة اختارت الانطواء .
فجأة تحركت كهرمان حركات بطيئة صوب الباب الخاص بالجناح تحت أعين الجميع المتعجبة، ولكن لم يطل تعجبهم حينما استمعوا لصوت القتال يشتعل في الممرات وقد بدا أن حراس الجناح تم مباغتتهم وقتلهم …
ارتجف جسد فاطمة أكثر وقد بدأت سلمى تزيد من ضمها وعيونها تلتمع بغضب مخيف، بينما زمرد من يبصر بسمتها في هذه اللحظة يكاد يقسم أنها نالت لتوها هدية كانت تتمناها منذ سنوات .
أما عن كهرمان فهي تحركت تحمل سيفها وهي تتخذ وضعية الدفاع تنظر صوب الباب تنتظر القادم، وزمرد حملت السيف تهمس ببسمة سعيدة :
– نعم هذا ما كنت انتظره، سلمى خذي الصغيرة للمرحاض واختبئوا حتى ينتهي كل هذا
نهضت سلمى بسرعة تجذب معها فاطمة لداخل المرحاض، ومن ثم اجلستها على حوض الاستحمام تهمس لها بلطف :
– فاطمة عزيزتي هل تثقين بي ؟؟
رفعت لها فاطمة أعين باكية وبشفاة مرتجفة همست بخوف ولأول مرة :
_ أريد المعتصم .
ابتسمت لها سلمى ولأول مرة تستغيث وتطالب فاطمة بوجود المعتصم وليس والدتها وهذا شيء جيد ستؤجل فاطمة تحليله لما بعد .
مالت تمسك يد فاطمة تهمس بحنان :
_ فاطمة حبيبتي هل تثقين بي ؟!
نظرت فاطمة لها وهمست وكأنها لا تعي ما يحدث أو تدرك شيء :
_ أريد المعتصم .
_ سوف يأتي المعتصم، هو فقط هو فقط في الخارج يحرص على ألا يصيب احدهم سوءًا، يحرص على ألا يصيب أحدهم ما أصابك فاطمة .
التمعت الدموع بأعين فاطمة وهي تهمس بصوت مذبوح :
_ أشعر بالخوف بعيدًا عنه سلمى، الأصوات في الخارج تشبه الأصوات ذلك اليوم.
_ يا قلب سلمى أنتِ على جثتي أن يمسك أحدهم بسوء عزيزتي، أنا سأخرج الآن سأقف أمام الباب للتأكد أن ما من أحد سيمسك بسوء .
بكت فاطمة وهي تمسك يدها تهمس برعب :
– كذلك أخشى عليك سلمى، أنا لا أريد فقدانك أنتِ أيضًا أرجوكِ، أرجوكِ سلمى
_ لن تفعلي عزيزتي، سأكون بخير لا تقلقي، فقط أبقي هنا ولا تخرجي ابدًا حتى افتح لكِ الباب أنا حسنًا ؟؟
_ لا تفعلي سلمى أشعر بالخوف ابقي جواري كي لا تتأذي .
ابتسمت لها بحنان شديد وهي تربت على يدها تربيته صغيرة، ومن ثم نظرت لعيونها تهمس بصوت منخفض ظنته هادئًا رزينًا، لكنه كان مرعبًا :
_ فاطمة عزيزتي هم من عليكِ الخوف عليهم من الاذية وليس العكس .
ومع انتهاء كلماتها استقامت بسرعة وهي تتحرك خارج المرحاض تغلقة وهي تقف أمامه تنظر حولها لتبصر زمرد ترفع سيفًا وكذلك كهرمان لتتحدث لها الاخيرة وهي تتجهز للقتال وقد أوشك باب الجناح على التحطم بالكامل أسفل الضربات القوية في الخارج :
– تريدين سيفًا ؟!
ابتسمت لها سلمى تهز كتفها بهدوء :
_ لا أعتقد أنني اجيد استخدامه على أية حال .
نظرت لها زمرد بعدم فهم ومن ثم نظرت لكهرمان تتحدث بتعجب:
_ إذن ؟! ما الذي تفعلينه في الخارج هنا ؟! عودي للمرحاض واختبئي، لا يمكنك قتال هؤلاء الخنازير عزلاء .
– من قال إنني عزلاء ؟!
نظرت لها زمرد بعدم فهم وقبل الاستفسار عما تقصد سلمى كان الباب قد تحطم بالكامل واندفع منه رجال كالسيل، ولم تعطهم زمرد الفرصة حتى لاكتشاف ما يقبع خلف الابواب المغلقة وما ينتظرهم حتى كانت دماء أحدهم تسيل أمام الباقيين تبتسم لهم بسمة واسعة :
_ لكم اشتاق سيفي أن يرتوي بدمائكم القذرة .
انطلقت كهرمان بسرعة وهي تقاتل أحد الرجال تحت أعين سلمى المصدومة مما ترى، لكن فجاة أفاقت على أحدهم والذي اندفع بسيفه صوبها لتحمل أول ما طالته يدها والذي كان ” شمعدان” معدني تمسكه بسرعة مرعبة وهي تضربه في رأس الرجل متسببه اندفاع دماؤه بقوة في المكان .
وفي ثواني تحول المكان من جناح لأرسلان إلى مجزر، زمرد تقتل كل من يقابلها بلا تفكير وكهرمان فقط تصيب اصابات بالغة، وسلمى تضرب هذا وتحطم رأس ذلك .
حتى وجدت العدد يزداد والأمور تتأزم، وتحرك أحدهم صوب المرحاض حيث كانت اصوات شهقات خفيفة تصدر وكأنه لا يصدق أن هناك امرأة طبيعية هنا تبكي وتشهق كالنساء ويمكنه استخدامها ليخرج من هنا حي .
في اللحظة التي تحرك بها كانت زمرد تجز عنق الرجل أمامها وتحركت بسرعة صوبه، لكن في ثواني تجمدت كما الجميع حينما سمعت صوت صرخات فاطمة تعلو في المكان والرجل يخرج وهو يحمل سيفه عليها يصرخ بصوت جهوري .
_ للأسفل كلٌ تضع سيفها ارضًا ولا تدفعوني لدحرجة رأس الفتاة أمامكم .
ارتعشت فاطمة بخوف وهي تنظر صوب سلمى والجميع باستجداء، بينما سلمى اشتدت نظراتها.
وكهرمان ألقت سيفها دون تردد، أما عن زمرد قاومت وهي ترمقه بشر كبير، لكنها في النهاية خضعت تلقي السيف ارضًا بضيق شديد ..
ابتسم الرجل حينما أبصر الاكفة فارغة يهتف بسخرية:
– جيد والآن يمكنني أن أرى نساء أمامي، السيوف لا تليق بأكفافكن الرقيقة يا سيدات .
التوى ثغر كهرمان تهتف بسخرية :
_ والله الشيء نفسه معك، السيوف لا تليق بأكفافك، كما با تليق الشوارب بوجهك أنت حتى تحمل السيف بشكل خاطئ الآن.
لم يهتم الرجل وهو يشير لمن تبقى من الرجال بسحبهم :
– خذ الجميلات للخارج سوف يسعد سيدي بالصيد الذي نلناه، مجموعة من أشراف نساء الممالك ملكات واميرات، يوم حظنا هذا، هيا تحركوا معه .
تحرك الرجل صوبهن ولم تكد زمرد تجلدهم بسياط لسانها او حتى تميل لحمل سيفها مجددًا ضاربة بتعقلها عرض الحائط .
حتى اتسعت عيونها كما الجميع تراقب سلمى في ثواني وهي تميل بسرعة تزيح طرف فستانها تظهر من اسفله حزام جلدي كالذي تضع به خناجرها، يلتف حول قدمها، لكن الفرق أن سلمى لم تكن تحمل به سيف او خنجر، بل كانت تحمل به….شيء اسود غريب عليها .
كانت ثواني هي حتى استلت سلمى مسدسها العزيز والذي كان رفقتها في الحقيبة الخاصة بها ولم تخرجه إلا اليوم حينما سمعت صوت الانفجارات خارج غرفتها .
انتزعت المسدس من حزامه الخاص واستقامت ترفعه في وجه الرجل تتحدث بنبرة خشنة:
_ فاطمة عزيزتي اغلقي عيونك .
ارتجف جسد فاطمة وهي تغلق عيونها بقوة تشعر بقرب نهايتها، تناجي ربها وتنادي زوجها .
بينما سلمى ابتسمت تهمس بتحذير:
_ لا تتقدم خطوة واحدة .
نظر لها الرجل باستهانة، يمرر عيونه على تلك القطعة السوداء الصغيرة باستهزاء، يواصل تقدمه لها ولم يكد يضيف خطوة على خطواته حتى أطلقت سلمى ودون أن يهتز لها رمش رصاصة بسرعة الضوء لتخترق رأسه ، ومن ثم ضربت رصاصة ثانية في رأس الرجل الذي يمسك بفاطمة ليسقط ارضًا في ثواني جوار فاطمة والتي كانت تغمض عيونها بقوة مرتجفة، عكس أنظار الجميع في المكان والتي كانت شاخصة.
بينما سلمى اطلقت رصاصة ثالثة في الهواء تحذيرًا لمن تبقى منهم تصرخ بصوت مرتفع :
_ الرابعة ستكون في صدر من يتجرأ ويتحرك خطوة لا آذن أنا بها يا بقايا الذكور …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أرسلان كفى، أرسلان كفى، أرســــــــــــلان.
توقف أرسلان عما يفعل وهو يتنفس بصوت مرتفع وقد بدأ العرق ينتشر على وجهه إذ كان كما لو أنه يحارب وحده ويخشى أن ينال غيره شرف ابادتهم .
نظر حوله يتأكد أن الأمر انتهى بالفعل، ومن ثم رفع رأسه لإيفان يعيد خصلات شعره للخلف يرسم بسمة واسعة على فمه وقد بدا في مزاج جيد في هذه اللحظة يأخذ نفسًا عميقًا وهو يردد براحة شديدة :
_ كان هذا …رائعًا للغاية .
زفر إيفان بضيق وهو يجذبه بعيدًا عما يحدث يتحدث بسرعة كبيرة وقد بدأ الجنود من حوله يتداركون ما يحدث :
_ دعنا نعود للقصر بسرعة، لقد هجم الكثير منهم عليه و….
توقف أرسلان فجأة بصدمة من ذلك الخبر ومن ثم قال بلهفة وقد افتقد وجود سالار والملك آزار في الجوار :
_ سالار ذهب هناك للمساعدة صحيح ؟!
نفى إيفان وهو يتحرك صوب الحصان الخاص به يدفع أرسلان أمامه وقد تجمد من الرعب عما يمكن أن يصيب زوجته وشقيقته وباقي النساء هناك، وقد كانت ذكرياته السوداء لمقتل والدته في هجوم مماثل تلوح أمام عيونه، وصوت إيفان جاء من بعيد وهو يردد بكلمات غير مفهومة لم يدرك منها سوى أن الملك آزار توجه لآبى مع سالار .
ولم يكن بكامل إدراكه ليسأل عن السبب وهو يلقي بجسده على الحصان ينطلق بسرعة مرعبة وهو يصرخ في رجاله خلفه :
_ مشطوا المنطقة بأكملها وتأكدوا أن لا أحد منهم تبقى .
ختم حديثه يختفي بالكامل من مرمى بصر إيفان الذي فتح عيونه بصدمة، يصعد على حصانه يلحق به وهو يردد بغيظ شديد :
_ يارب رحمتك بي ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت المعتصم قد اجار على كل من توقف أمامه، وعيونه تطلق نيرانًا لشدة الغضب، ذلك الهادئ الرزين تحول في ساحة الحرب لرجل لا يتمنى ولو في اسوء كوابيسه أن تبصره زوجته، والتي ربما تخشاه المتبقى من حياتها إن أبصرت ما يفعل بالرجال أمامه .
كان كوحشٍ سجن بدائيته أسفل ثوب الهدوء واللطف الذي يسير به عادة بين الممرات، إن استثنينا ساحات التدريب من الأمر.
كان يقاتل على الأرض، بينما دانيار يقف في موقعه المميز والمفضل .
اعلى سطح القلعة الشاهق يقف مع سهامه وبعض الرجال خلفه من جيش الرماة في مشكى، يحمل ثلاثة سهام يضعهم في القوس يضيق عيونه وفي ثواني كانت السهام تغادر قوسه صوب رحلة قصيرة حتى استقروا في وجهتهم داخل صدور بعض الرجال في الأسفل .
اتسعت بسمة دانيار وهو يستدير ليحمل المزيد من السهام، لكنه اثناء ذلك أبصر اتساع أعين الرجال خلفه ليبتسم بهم بسمة صغيرة غامزًا يحمل المزيد والمزيد ومن ثم نظر صوب الساحة يسقط أجساد أكثر وأكثر.
وهو يفكر في زوجته لا بد أنها الآن تنتظر في الغرفة فرصتها لتطلق المجرم الصغير داخلها، ولا يدري المسكين أن زوجته في تلك اللحظة كانت بالفعل قد قتلت لها عدد مماثل لضربة من ضرباته …
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك الرجل في الممرات وهو يبحث بعيونه عن مدخل للضوء يرشده حيث يريد، فما يعلمه من خلال وجوده داخل القصر أن هذا هو السجن الذي وُضع به نزار .
تقدم خطوات وهو ينظر حوله بتوتر من أن يمسك به أحدهم وتكون نهايته، فجأة وقبل أن يخطو خطوة اضافية داخل السجن شعر بأحدهم يجذب جسده بقوة مرعبة صوب القضبان وصوت خلفه يهمس بشر:
_ أخرج مفتاحك واخرجني من هنا، الآن..
اتسعت أعين الرجل وهو يحاول التنفس بشكل طبيعي :
_ سيدي …نزار ؟؟
رفع نزار حاجبه بسخرية شديدة :
_ لم أدرك أنني مشهور هكذا لدرجة أن يدرك أحدهم هويتي من صوتي .
_ لقد … لقد جئت اخرجك سيدي، السيد وليد أرسلني لمساعدتك، الجميع في الخارج يشعل قتالًا كتمويه لخروجك .
جذبه نزار له أكثر حتى كادت القضيان تخترق جسده :
_ حقًا ؟! يا لي من مهم .
_ اقسم لك .
_ تقسم لي ؟؟ وهل لكم من قسم أو ذمة يا حقير ؟!
رفع الرجل المفتاح في الهواء وهو يهمس من بين أنفاسه المسلوبة :
_ لقد حصلت على المفاتيح لإخراجك واحضرت لك رسالة سيدي وليد دليلًا لتصدقني، إذ أنه علم أنك لن تثق بي .
تركه نزار ببطء وهو يراقب الرجل يتنفس بصعوبة شديدة، يمسح ذرات العرق أمام وجه نزار الذي كان يبتسم بشكل مريب يراقبه وهو يخرج مفاتيحه، ثم شرع يجربها واحدة تلو الأخرى، حتى نجح في فتح الباب واتسعت بسمته بقوة يرفع عيونه بحماس لنزار :
_ لقد فُتح .
_ نعم احسنت، والآن اعطني رسالة الوليد ..
مد الرجل يده بسرعة يخرج الرسالة من ثوبه يهتف بلهفة :
_ ها هي، علينا إخراجك من هنا قبل أن ينتهي القتال في الخارج و….
توقفت كلمات الرجل وقد اتسعت عيونه وأطلق شهقة من خرجت روحه، او ربما كان هكذا بالفعل …
سحب نزار خنجره بهدوء شديد من جسد الرجل، يراقبه يتهاوى ارضًا ببطء قبل أن يبتسم يلوح بالرسالة في الهواء :
_ شكرًا لك يا خسيس .
تحرك بعد كلماته تلك يجذب لثام الرجل بسرعة يغطي به وجهه يقرر الخروج من ذلك المكان دون أن يشعر به أحدهم، ومن ثم يفكر في مكانه وأين يجب أن يتوجه بعد ذلك ..
_ لنرى أي البلاد تقبل بك نزار وقد لفظتك جميع الأراضي……
ــــــــــــــــــــــــــ
هرول بجسد هزيل خارج منطقة الجحر وبسمته تتسع أكثر وأكثر وعيونه تلتمع بشكل مخيف وقد تنفس واخيرًا بحرية خارج ذلك المكان الذي سُجن به لوقت لا يعلم عدده حتى.
توقف جوار إحدى الاشجار وهو يسحب نفس عميق يستند بظهره عليها ومن ثم انهار ارضًا من شدة الارهاق والتعب، يفرك أقدامه المصابة بجروح عدة بالغة لشدة التعذيب الذي ناله من الرجال في الجحر .
ومن ثم اتسعت بسمته أكثر وأكثر حتى تحولت البسمة لضحكات، والضحكات لهستيرية غريبة، ختمها بنظرات حادة يحمل غصن من الأرض وهو يخط بعض الكلمات بأعين مظلمة، قبل أن يترك الغصن فجأة وهو يعبث بخصلات شعره التي كان يربطها بربطة بيضاء تحول لونها للأسود من شدة القاذورات التي تراكمت عليها خلال الفترة الاخير، استخرج منها ورقة شبه مهترئة، تكاد تدوب انسجتها بين أنامله، وهو يدور بعيونه عليها يراقب الاسماء التي دونها منذ طفولته .
قائمة الانتقام خاصته لكل من عاداه يومًا، أو آذاه .
نظر حوله بشكل غريب حتى يأس من إيجاد مبتغاه، فهداه عقله لجرح إصبعه ليخط على الورقة اسم إضافي أدخله في انتقامه ” أصلان “.
ومن ثم أخذ يراجع الاسماء بهدوء وجنون وكأنه يمحو من انتهى دوره ليفسح المجال لغيره ممن يريد التخلص منهم .
_ أمي، أبي واخوتي الحمقى جميعهم، الغبي بافل، أرسلان، سالار، إيفان، آزار العجوز، وبارق، توبة الحقيرة، أصلان القذر، واخيًرا أختي العزيزة….زمرد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هبط من حصانه بسرعة الضوء يركض داخل القصر يتجاهل الجثث المترامية حوله والدماء التي لوثت ارضية القصر، والرجال الذين بدأوا يتحركون في المكان للمساعدة في نقل الجرحى للمشفى .
بينما المعتصم يتحدث مع تيم بهدوء شديد:
_ اسحبهم لأي مكان حتى أفكر في أي مقلب نفايات سندفنهم و…
وقبل أن يكمل كلماته كان يبصر جسد أرسلان الذي اندفع بشكل مرعب للداخل ليتحدث له ببسمة صغيرة :
_ مولاي لقد ….
لكن أرسلان لم يتوقف وهو يبعده بسرعة من طريقه دون وعي، ليمسكه تيم بسرعة قبل أن يسقط، ولم يكد يعتدل في وقفته حتى اصطدم بهم إيفان والذي كان يهرول خلفه مرتعبًا على زوجته وشقيقته، ليسقطهم ارضًا بقوة وبشكل كان مثيرًا للضحك بشكل غريب في وسط كل هذه المجازر التي صنعها هؤلاء الرجال منذ ثواني..
تأوه تيم بقوة وهو يدفع المعتصم الذي نفض ثيابه بسرعة يتأكد أن لا أحد رأى ما حدث، ينبث بعدم فهم :
_ ما الذي يحدث هنا، لم يتوقف الملك للسؤال على ما حدث واندفع للداخل بشكل غريب وكأن الحرب كانت بالداخل و….
فجاة توقف عن التحدث برعب وقد اتسعت عيونه بشكل غريب يطلق شهقة مرتفعة جعلت تيم يتراجع للخلف بتفاجؤ، لكن لم ينتبه للصخرة خلفه ليتعرقل بها ويسقط مجددًا، في اللحظة التي همس بها المعتصم باسم زوجته وهو يهرول بشكل مرعب خلف أرسلان وايفان .
كان أرسلان يهرول بين الممرات وهو يبعد خصلاته عن عيونه بضيق يشمر اكمامه يستل سيوفه مستعدًا لقتل أيًا كان من يقابله في هذه اللحظة ويعيقه عن الوصول لزوجته، مرتعبًا أن يكون سوءًا قد مسها، يتمنى أنه أصر عليها لتتعلم المبارزة، يقسم باغلظ الإيمان أنه لن يتركها دون تعليمها كل اساليب القتال هنا، لتحمي نفسها من كل حقير قد تسول له نفسه اذيتها .
وايفان خلفه ربما كان أقل قلقًا يعلم جيدًا مهارات زوجته والتي كادت تقطع رأسه خمس مرات سابقًا في قتال سابق، بالاضافة لشقيقته التي تبحث عن القتال بشغف بين اروقة سفيد، لكن الخوف أن تكون مهاراتهن قد خانتهن وهناك من آذاهم ..
والمسكين المعتصم والذي كانت زوجته أبعد ما تكون عن عالم الثلاث نساء الذين سبق ذكرهم منذ ثواني، فعلى عكس عالمهم الصاخب والرصاصي كانت فاطمة في عالم آخر حيث يسود اللون الوردي ولا تسمع سوى زقزقة العصافير، لذا أي خطر جوارها قد ينتهي بموتها ….
في اللحظة التي كان يهرول بها الثلاثة صوب الغرف مرتعبين ، كان دانيار يركض بين الممرات من الجهة الاخرى بحثًا عن اراضي زوجته سعيًا لإنقاذ ارواح من سقط بين يديها .
هتف أرسلان بقوة وصراخ وهو يراقب الممرات خالية من الرجال :
_ لا حراس هنا، لا حراس هنا، قسمًا بالله إن مسهن سوء لأتناسى أي خطة حقيرة تتضمن أي تأني وصبر، وسأسحب المتبقي من جيشي وأُقسم ذلك المخنث المسمى أصلان لنصفين ولن أتوانى عن ….
فجاة توقف في ركضه وتوقف مع الجميع، يلمحون أحدهم يسير جوارهم بهدوء شديد ملوحًا بيده في الهواء :
_ السلام عليكم.
نظر أرسلان صوب إيفان الذي رفع يده يحاول تهدئة الأخير، بينما المعتصم يراقب بأعين متسعة ما حدث منذ ثواني وقد تعرف على هوية الرجل الذي تحرك من أمامهم الآن يشير له بعدم فهم وصدمة هاتفًا :
_ أليس هذا ….هذا …هذا هو … الأمير نزار ؟؟؟؟
تنفس أرسلان بصوت مرتفع وهو ينظر صوب إيفان الذي رفع كفه يحاول تهدئته مجددًا :
_ استحلفك بالله أن تهدأ لقد ….
لكن أرسلان قطع كلمات إيفان وهو يصرخ بجنون يتحرك بسرعة يسحب نزار من ثوبه صارخًا :
_ نــــــزار أيها القــــــــذر ……

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أسد مشكى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى