رواية أحكام القلوب الفصل العشرون 20 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء العشرون
رواية أحكام القلوب البارت العشرون

رواية أحكام القلوب الحلقة العشرون
“يا عبدي لو علمت كيف أدبر لك أمورك لعلمت يقينًا أني أرحم بك من أمك وأبيك، ولذاب قلبك محبةً لي.. فقل الحمد للّٰه.”
– ابن القيم.
الحب ليس للحبيب الأول، بل للأحن والألطف، الحب لمن تجد الأمان يستوطن عينيه، لمن يرافقك لنهاية طريقك، من يصر عليك رغم كل رفضك له، يتقبلك كما أنت، بل يحبك لأنك أنت.
اشغلت فكره، استحوذت على كل نبضات قلبه، يخشى العودة لبيته حتى لا يصتدم بها بعد اعترافها بحبها له، لم يكن يتخيل بحياته أنها تحبه، لم يدرك وقتها شعوره، إن كان فرحة أو إستياء، فرحة تملكته بأن فتاة بمثل طيبتها مرحها وحبها تحبه، واستاء من حاله، لم يبقى بقلبه أي ذرة تشي بمشاعر حب قد تتولد داخله.
دوى صوت الطلقات النارية بالمكان، حركة غير طبيعية أثارت ريبته فالتفت لجانبه ينظر من نافذة السيارة الكبيرة التي يقودها، فكان يسلم بعض الأبواب التي أتم عملها لصاحب الفيلا، ولكنه رفضها، رغم إتقانه وصنعها كما يريد وهذا ما أغضبه بشدة وكاد أن يفتعل معه مشكلة كبيرة، تنهد بتوتر وعاد للقيادة.
فلم يرى إلا جسد فتاة يصتدم بالسيارة، ترجل منها بتوجس وجثا على ركبتيه أمام جسد الملقاة أرضًا، لم يتحقق من ملامحها بسبب الظلام الدامس الذي يحف المكان، إلا من إضاءة سيارته، كانت قد أغشي عليها، فحملها بحذر وأدخلها السيارة، واستقلها هو بعدها، أنار إضاءة السيارة وأخرج زجاجة مياه ينثر بعض الماء على وجهها، فارتجف جسدها وفتحت عينيها مهمهمة:
_ أنا فين أي اللي حصل؟
لم تلق إجابة، فتطلعت بوجه من جانبها، فرأته يحدق بها بذهول سرعان ما شاركته ذهوله، فهمست باسمه ذاهلة:
_ مصطفى!
حظها أوقعها مع حب مراهقتها وشبابها، والآن منقذها.
تجاهلت هالة الذهول وهربت منه ومن نظراته وكادت أن تترجل من السيارة لولا يده التي قبضت على مرفقها بقوة يسحبها له.
_ أنتِ بتعملي أي هنا؟ وبتجري كدا ليه؟ وو..
قاطعته بقوة تسحب ذراعها منه:
_ لو سمحت سيبني أنزل.
جذبها مرة أخرى وصاح بها في حدة:
_ فهميني فيه أي؟
_ في ناس عايزين يقتلوني.
نطقتها ببرود كأنها تتحدث عن مقابلة عمل، فأضافت:
_ لو هتساعدني ممكن تطلع من هنا بسرعة.
أخذ ثانيتين ليستوعب الأمر وبعدها قاد بها إلى بيته، ففي الطريق قصت عليه أن رجال لا تعرفهم يلاحقونها، وقتلوا حارسها.
فعرض عليها الإختباء منهم في حارتهم، اعترضت بشدة ولكن لم يكن بيديها حل آخر، فإن عادت للفندق الماكثة به أو أي فندق آخر من السهل التوصل لها.
وصل بها إلى شقته، ركضت حنين عندما دق الباب وهي متأكدة بأنه هو زوجها، فتحت له بابتسامة مفترة صافية وقالت:
_ الحمد للّٰه على السلامة يسطاا مصطفى.
ارتعشت بسمة مضطربة على وجهه، ورد بغمغمة فانزاحت جانبًا ليدخل ودخلت بعده جاكلين بغرور وكبرياء أنثى لن يخبُ أبدًا.
فتاة، بل سيدة فاتنة، أتمت الثلاثين من عمرها من أيام قليلة فازدادت فتنة وجمالًا، ملابسها راقية متناسقة بشكل مبهر، حذائها بكعب عالٍ أنيق باللون الأحمر يناسب فستانها الكلاسيكي الأسود، ومستحضرات التجميل الموضوعة بعناية فائقة، رقتها في الحديث، كل هذا أثار الغيرة بقلب حنين.
_ مين دي يسطاا مصطفى؟ مش تعرفنا.
رغمًا عنها خرجت غيرتها في حديثها، فقال مصطفى بهدوء متجاهلًا سؤالها غافلًا عن غيرتها المدمرة.
_ فـ الصبح يا حنين هنتكلم، دلوقتي دخليها الأوضة ترتاح شوية.
كادت أن تعترض فزجرها بنظراته، لتتقدم جاكلين قائلة بإمتعاض:
_ اتفضلي معايا.
ناظرتها بإزدراء ناتجًا من غيرتها وهتفت بتزلف مبتذل:
_ خدي راحتك، لو احتاجتِ حاجة قوليلي.
تركت الغرفة لها وخرجت لمصطفى تهب برياحها الموسمية عليه.
_ ممكن أعرف مين دي اللي داخلي بيها آخر الليل يا مصطفى؟
صر على أسنانه وتحرك من أمامها قائلًا بنفاذ صبر:
_ حنين اللّٰه يباركلك، أنا جاي تعبان لوحدي، فاطلعي من دماغي.
شهقت بخوف وقالت بإندفاع:
_ سلامتك يسطا مصطفى، أي اللي تاعبك يا حبيبي.
آخر كلمة قالتها دون قصد ولكنها أثرت بقلبه، وشمته ونفذت شغافه.
أجلسته على الأريكة تتحسس رأسه بيديها وتدلكها له فتراخى جسده وتمدد بطول الأريكة وجلست هي على مقعد آخر بجوار رأسه، تمسدها بحنان وقد تناست كل غيرتها وأسئلتها، ظلت على حالها هذا حتى إستشراق الصباح.
فتح عينيه وتململ فنومته على الأريكة متعبة وجسده منهكًا.
_ أنتِ منمتيش ليه؟
ردت بقلق على حالته، سهرت لأجله كطفلها الصغير أصابته وعكة صحية.
_ خوفت تتعب وأنت نايم وخاصة نومة الكنبة وحشة.
نهضت بتعب تنفض النعاس عنها وأضافت:
_ قوم خد دوش ساخن وأنت هتفوق، أكون أنا جهزتلك الفطار.
_________-____________-___________-_
_ أيوة يا سامر، أنا قدرت أجيب الورق بتاع الوصية، بس مقدرتش أكلم ماما..
استمعت لما قاله لها فعقبت عليه:
_ خلاص يا حبيبي هحاول أروح الفيلا تاني وأجيبلك الورق اللي أنت عايزه، أنا خايفة أوي على لاران، حالتها صعبة أوي يا سامر..
دست الورق في خزانة ملابسها في مكان آمن، وأغلقتها وهي مازالت تتناقش معه، فدفعت أمها الباب بعنف جلي وصرخت بها:
_ ممكن أفهم ورق أي دا اللي بتتكلمي عنه يا ست سُلاف؟
أغلقت سُلاف الهاتف سريعًا وتلجلجت بالحديث.
_ هو يا ماما.
أخذت نفسًا عميقًا، واستطردت مستدعية شجاعتها، فإلى متى ستبقى بهذا الضعف:
_ أنا هرفع قضية على مدكور بيه اللي بيحاول يأكل حق لاران اليتيمة، اللي متستاهلش منكم كل دا.
زمجرت أمها بها في غضب، تحاول وأد إنسانيتها التي تحتم عليها العطف على فتاة يتيمة مثلها وهي الآن تأكل حقها.
_ أحنا مش بناكل حقها ولا حاجة، أبوها هو اللي ظلمنا زمان وكتب كل حاجة لبنته.
تشدقت سُلاف بسخرية وقد علقت بعض الدمعات بأهدابها:
_ برافو، خالو قدر يقنعك بحجته الكدابة.
ضيقت فريدة عينيها واقتربت من وابنتها:
_ قصدك أي؟
_ قصدي يا ماما إن خالو “صادق” مكتبش كل الأملاك باسم بنته زي ما خالو مدكور مفهمك، كاتبلك جزء كبير من الأملاك، بس مدكور بيه أوهمك إنه ضحك عليكوا، وبعد ما تعملوا كل المسرحية دي هيرميلك سوري يا ماما، بس هيرميلك الفتافيت.
صدمت أمها من ما قالته ابنتها، كانت في حالة تيه، أتصدق ما تقوله ابنتها، أو وهم عاشته لسنوات؟
أخرجت لها سُلاف الأوراق التي تثبت ما تقوله والتي توصلت لها بصعوبة وحيلة.
أمسكتهم أمها بأصابع تهتز، حدقتاها تدور ارتباكًا.
_ أي يا ماما أتأكدتِ بنفسك.
هوت أمها بجسدها على السرير، صدمة حلت بها، فلم تقدر قدميها على تحملها.
جلست سُلاف بجانبها، تقول بشفقة:
_ عارفة يا ماما أنتوا كنت هتعملوا أي فـ المسكينة لاران، كنتوا هتاكلوا حقها، وهي ملهاش ذنب، أنتوا كنتوا هتجننوها عشان خطتكم القذرة دي، مخوفتيش يا ماما يترد فيا؟ أنتِ الوحيدة اللي شوفت حالي واللي حصلي بسببه، أنا لحد الآن مش عارفة أعيش حياتي زي ما أنا عايزة، سامر مش عارف يتقدملي عشان مدكور ميأذنيش ويبعدني عنه، أنتِ كمان يا ماما بتساعديني أقابل سامر من وراه، خوف منه، لحد أمتى هنخاف منه ويشكلنا زي ما هو عايز.
حديثها دغدغ مشاعرها الإنسانية بداخلها، حرك قلبها، ما ذنبها لاران حتى تتدهور حياتها لهذا الحد، ألم تعانِ ابنتها قبلها؟ وبسببه أيضًا، أوهمها أن أخيها الأكبر ظلمها وهو أكبر ظالمًا لها.
حسمت أمرها وأخذت قرارها سريعًا، لن تتوان مرة أخرى في إنقاذ لاران.
_ أنا معاكم يا بنتي، وأنا اللي هرفع قضية ضده إنه أكل حقي وبيحاول يأذي لاران وياخد حقها.
ابتسمت سُلاف لها بتشجيع، وقد استمدت القوة من وقوف أمها بجانبها، تساندها في قرارها.
____________-__________-___________
أوجعه الفراق، ونخر أوصال قلبه، تملكته نزعة مضنية إليها.
بعدها عذاب، نار تلتاع وتتوهج تأكل الأخضر واليابس، لم ينفك عن التفكير بها، وجعية قلبه.
ولم تكن هي بأقل حال منه، فألمها البين واصطبغت مآقيها بالحمرة المخلفة من البكاء المتواصل، تتجرع عذاب فراقه ووحدتها من دونه، آلفت السير خلف خطواته، تشكلت حياتها به وارتبطت بحياته، فبعده وفراقه ضعضع أحوالها، وتاهت بجدران حياتها وكأنها لم تكن يومًا بها.
من كثر تفكيرها به وإشتياقها له تتخيله يحفها بطيفه، دائمًا ما يغزو أحلامها، حتى أنها تستيقظ صباحًا وكأنها تشتم رائحته على وسادتها.
عاد من عمله كعادته في الأونة الأخيرة متأخرًا، يفني ذاته بالعمل حتى لا ينشغل بها وجعية قلبه، ورغم ذلك تداعب عقله كل هنيهة.
فتحت صفاء الباب له، وكانت على علم مسبق بمجيئه، فكل ليلة يأتي للإطمئنان عليها ويرحل.
_ مساء الخير يا خالتي صفاء، معلش أنا..
قاطعته بحنو تربت على ذراعه:
_ ولا يهمك يا بني، ادخل لمراتك جوه.
ابتسم لها بإطمئنان وهتف يخبرها بما قرره:
_ أنا هرجعها بكرة بإذن اللّٰه.
ردت عليه بإستغراب من تقلب حاله وقراراته:
_ مش أنت قلت إنك عاوز تسيبها شوية لحد ما تفوق لنفسها وتقف لوحدها.
نعم كان هذا قراره، أن يتركها لحالها كي تقف وتستعيد ذاتها، فهي تعتمد عليه في كل شيء، تتوارى من الناس والماضي به، تحيا لأنه بجانبها تثق أنه لن يتركها، لم تتعالج مطلقًا، ولن تتعالج مادام هو حاجزها مع من حولها، تخشى النور والحياة بدونه، تستكفي فقط به، هذا يسعده طبعًا ولكنه يضرها، يترك بها ندبة لن تندمل، يكبكب شخصيتها ويمحو حياتها، حتى عملها لا تطيقه، تحدثه كل نصف ساعة تطمأن قلبها بأنه حاميها، تنحصر في النقطة الأشد خطرًا.
ابتلع رمقه وتأهب لما سيدلي به:
_ مقدرتش أشوفها بتتعذب لوحدها، عاوز أساعدها ودي الطريقة الصح، بس حبي ليها وأنانيتي إنها متبعدش عني خلاني أغير شوية حاجات فـ قراراتي، هخليها تقف لوحدها، بس وأنا معاها فـ كل خطوة، عارف إن اللي جاي صعب، بس عشانها الأصعب عليا بُعدها.
من لم تراه في محنتك لن تتذكره عندما تتعافى.
ربما يقسو قلبها إن تعافت وهو بعيد عنها، تمحيه من دائرتها، ولذلك سيبقى دائمًا مركز الدائرة لديها، معادلات صعبة ولكن لها حلولها.
جلس على طرف فراشها ومال قليلًا بجسده عليها، يتحسس وجهها برقة حتى لا تستيقظ، ومع استبداد شوقه وإلتعاج قلبه دنا بوجهه أكثر حتى لامس أطراف شعرها ودفن وجهه بخصلاتها يستنشق عبقها الدافئ، كم إشتاق لقربها، للمسها ولتقبيل ثغرها والذي لم يتعدى حرمته من قبل، ولكنه الآن فعلها بكل أنانية قلبه في إقتناص قطعة من الجنة بقربها.
شعر تململها فابتعد قليلًا بتذمر، وما إن استقرت حتى تمدد بجوارها وحرك جسدها قليلًا ليضع ذراعه تحت عنقها يقربها منه بحنان وعشق.
غمغم بحرقة ووله متأجج:
_ ياه لو كل المرار دا كان حلم ونفوق منه كأي زوجين طبيعيين بيحبوا بعض.
تململت وشعرت بجسد دافئ يحفها، شيء يعيق حركتها، ولا سيما أنفاسه الساخنة التي لفحتها، رفرفت بجفونها لتراه نائمًا بجوارها، قريبًا منها كأنه سيبتلعها بجسده.
لم يكن بمقدرتها سوى البكاء فرحة وألمًا، عاد إليها، وإن تأخر عنها ولكنه عاد.
حاولت كتم شهقاتها ولكنها رغمًا عنها افلتت شهقتها، فتح عينيه ليجدها تبكي، كاد أن يتفوه بكلمات تهدهدها ولكنها أسكتته عندما ألقت بجسدها على جسده، تحيط خصره بتملك سافر، كأنه قارب النجاة.
تحاشت خوفها وإرتجافة نفورها من أي جسد يمسها، للآن تخشى الإقتراب الجسدي من أي رجل، رغمًا عنها يصيبها الإرتجاف والنفور، ولكنها إشتاقته للحد الذي أجبرها على خوض خوفها.
تعلقت بسمة مطمئنة على شفتيها قبل أن تغرق بدفء أحضانه وشهقاتها تخفت شيئًا فشيئًا.
صباحًا فتحت عينيها بكسل، وغبطة عندما زاحم عقلها ما حدث ليلًا، وكيف كانت كطائر عاد لعشه الآمن بعد كمد.
وجدته يجلس على كرسي بجوار سريرها يناظرها بغموض، لم تتزحزح نظراته عنها.
_ يلا جهزي نفسك عشان ترجعي معايا شقتك.
عضت باطن خدها تكتم ضحكتها فرحًا، فمثلت عليه الكبرياء والتمنع.
_ شقتي هنا مع بابا وماما.
ضحك بلا مرح وصدح صوته متشدقًا:
_ أنتِ مش صغيرة يا حبيبتي، وأنا مش جاي أتحايل عليكِ، بس أنتِ كبيرة كفاية عشان تعرفي إن قعدتك فـ بيت أهلك كتير هيخلي الناس تتكلم وأحنا أساسًا لسه متجوزين جديد.
أحبطت فرحتها من رده الشظف، فاعتدلت بضيق تضم شفتيها بإستياء.
فكرت بها، الناس لا تترك أحدًا، وفوق كل هذا اشتاقت لحمايته.
_ طيب اطلع، هغير هدومي.
تنهد ناهضًا عن كرسيه وانبس ببرود:
_ دي آخر مرة هطلع وأنتِ بتغيري هدومك، هعديها المرادي، بعد كدا لا.
لعب على أعصابها بكلماته الوقحة، لأول مرة تدرك الجانب الوقح منه.
استأنف بغمزة عابثة:
_ أكيد فاهمة قصدي طبعًا.
ضغطت على شفتيها خجلًا منه وهربت للحمام سريعًا، تحاول تهدأت نبضاتها الشاردة.
استعاد هو جديته وتنهد بضيق، يجهل خطواته القادمة والطريقة التي سيتبعها معها، ولكنه لن يتركها لنفسها لتقتلها.
سيقترب منها في كل فرصة سانحة حتى يقتل خوفها ونفورها منه.
__________________-___________-____
خرجت من الغرفة تتثائب فاصتدمت بنيرة التي صرخت، فخرجت حنين راكضة من المطبخ.
_ أنتِ مين وبتعملي أي فـ أوضة أخويا؟
لوت جاكلين شفتيها بضيق وأجابتها بجدية:
_ اسألي أخوكِ.
خرج مصطفى من الحمام فالتقت نظراته بها، وبهيئتها رغم أنها لم تستيقظ من وقت طويل.
نظراته معاتبة رغم مرور السنون، ما زالت ذاكرته معلقة بأطراف ذكرياتهما معًا، لم ينسها حبيبته، وهي نفسها من اختارت أموال والدها وتركته حبيس الذكريات والماضي يحاصره.
_ دي ضيفة عندنا يا نيرة، يومين وهتمشي.
رد مصطفى بجدية ولم يرفع نظره عنها وهذا ما زرع الريبة بقلب حنين، وغص قلبها.
_ بس دي شكلها خواجاتي أوي. مصرية دي؟
نفى مصطفى برأسه وفي ذلك الوقت دخلت أم حنين والتي تفاجئت كثيرًا عندما رأتها، فقد عرفتها فورًا، فكيف لها أن تنساها وهي من حطمت قلب مصطفى والذي تعتبره أغلى من ابنها على قلبها.
_ أنتِ بتعملي أي هنا؟ بعد ما سبتيه رجعاله تاني ليه؟
صاحت بها في هجوم حاد. هدأها مصطفى بقوله:
_ أهدي يا ست سامية، أي الكلام اللي بتقوليه دا؟ هي هتقعد عندنا يومين وبعدها هتمشي، ولا أي يا جاكلين هانم.
أكد على اسمها مقرنًا إياه بكلمة رسمية، تنفي عنه أي معرفة مقربة بينهما، فهي بالنسبة له ضيفة يوجب إكرامها حتى رحيلها.
هتفت حنين بدورها في تبرم:
_ مين دي ياما، وقصدك أي باللي قولتيه؟
أدركت سامية خطأها هنا، ولكن لابد أن تعرف ابنتها حتى تتقي خطر تلك الحرباء التي عادت لأخذ زوجها منها.
_ دي، دي جاكلين اللي كان بيحبها مصطفى زمان.
_____________-____________-________
اطمئنت على لاران، وقد وجدت حالتها تتحسن بشكل ملحوظ، وهذا يرجع لإعتناء مساعدتها بها وفعلت كما أمرتها سُلاف أن لا تعطيها أي أدوية تضر بحالتها وتوهم مدكور بأنها تعطيها أدويتها كما يأمرها تمامًا.
قامت من جانبها وكادت أن تخرج من غرفتها فسد مدكور عليها الباب بنظرات كريهة وقال بفحيح:
_ أي مستعجلة يعني؟ خليكِ شوية.
توترت سُلاف وعادت للخلف داخل الغرفة وهذا مكن مدكور بأن يدخل هو الآخر وأغلق الباب خلفه.
_ بقى يا بنت *** تستغفليني وتاخدي ورق من مكتبي.
أمسكها من شعرها يجرها منه بقسوة وهو يدمدم بها:
_ فاكرة إني نايم على وداني ومش هعرف إنك دخلتِ مكتبي.
صرخت بتوجع تتلوى كي تفلت شعرها من قبضته المتوحشة.
_ حرام عليك سيب شعري، سيبني.
انكمشت لاران على نفسها بخوف تبكي بصمت، غير قادرة على التحرك.
أما مدكور فمازال ممسكًا بسُلاف:
_ قوليلي فين الورق دا، أحسن أقسم باللّٰه أقتلك وادفنك هنا، انطقي فين الورق دا.
ردت من وسط بكائها وتوجعها:
_ فـ البيت عندنا.
استل هاتفه من جيبه وحدث فريدة التي فتحت سريعًا وقد أكلها القلق على ابنتها، وكيف لها أن تتركها تفعل هذا بمفردها:
_ ألو يا مدكور..
زمجر بها مدكور بصوت كالرعد فارتجفت أوصالها وتقاذفت الظنون السيئة لعقلها.
_ لو عايزة بنتك ترجعلك على رجليها، هاتِ الورق اللي سرقته مني يا فريدة، إلا وقسمًا باللّٰه هتشوفي مني وش تاني.
أنهى المكالمة وعاد بنظراته المتوحشة لسُلاف فدفعها أرضًا بغل وبصق عليها وهو يسبها بأقذع الألفاظ، سيقتلها ويقتل من يقف بطريقه دون أن يرف له جفن.
فريدة من خوفها حدثت سامر تستنجد به وفي هذا الوقت كان علي معه جاء ليسأله عن سير خطتهم.
_ أهدي يا مدام فريدة، سُلاف هترجعلك بخير.
يطمأن أمها عليها وهو في أشد الحاجة لذلك، حبيبته بين أنياب وحش مفترس، قد يضرها بأي لحظة.
علي الآخر قبض قلبه ونهض بعنف، يريد الإطمئنان على لاران فورًا.
_ هنعمل أي؟ أنا خايف على لاران أوي.
_ استنى خلينا نفكر، أكيد في حل.
_______________-____________-______
_ أنتِ مجنونة يا حنين! عاوزة تروحي فين؟
اهتاجت من ضغط الحياة عليها، رضيت بنصيبها، ولم تطلب منه أن يحبها، اكتفت بحبها له، ولكنه يحضر حبيبته ويطلب منها أن تهدأ!
أي رجل أحمق هذا، من يجمع بين حبيبته وزوجته تحت سقف واحد؟!
_ أنا مستحيل أقعد هنا معاها لحظة واحدة، جايبلي حبيبتك وتقولي ضيفة عندنا؟ استنى يعني لحد ما تدخل عليا بيها بفستان الفرح، فاكرني مغفلة! معندكش قلب يحس، أي حجر.
زمجر بها في حدة ولوى كفها الذي تلوح به في وجهه:
_ اخرسي، أنتِ دلوقتي متعصبة ومش عارفة بتقولي أي؟
جابهته بصراخها وقد نفذت طاقتها للتحمل:
_ لا مش هخرس، أنت جبتها ليه يا مصطفى؟ أوعى تقولي لسه بتحبها.
كل هذا وجاكلين تقف كمتفرجة، تشاهد عرضًا مسرحيًا.
هدأته أمها بقولها:
_ خلاص يا بني، سيبها تيجي معايا، أنا هفهمها وأرجعها تاني.
تركها مصطفى على مضض تخرج مع أمها، ود لو يكسر عنقها على ما تفوهت به.
صاحت بوالدتها وصدرها يعلو ويهبط من فرط إنفعالها:
_ بتقوليلي أهدى ياما وهو جايبلي حبيبته القديمة ويقولي ضيفة؟
كأي أم، لا يهون عليها أن يخرب بيتها، تطلب من ابنتها التحمل متغاضية عن ما تحسه من ألم وما تعانيه من معضلات.
_ يا عبيطة خليكِ كدا لحد ما يرجعلها، اركبي دماغك الجزمة دي وهي تلوف عليه لحد ما ترجعه ليها.
بكت حنين بحسرة وقلب قُهِرَ، وهتفت بإستنكار بصوت باكٍ:
_ هي لسه ياما مرجعتهوش ليها؟!
_ مصطفى راجل وكلمته سيف على رقبته، هو قال إنها ضيفة عنده لكن لما أنتِ تعاندي وقتها ممكن هو كمان يعاند معاكِ وهي تلاقيها فرصة كويسة وترجعه ليها.
فكرت حنين بحديث أمها والذي يبدو محقًا ومقنعًا، فهزت رأسها موافقة.
_ طيب يلا بقا أرجعي لبيتك وجوزك، أنتِ ست البيت فيه، متخليهاش تاخد مكانك ولو للحظة.
_ خليني قاعدة شوية.
أردفت بها حنين في تراجع فهدرت بها أمها:
_ بت متعصبنيش، قومي ارجعي بيتك يا أم مخ مهوت أنتِ.
_______________)!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)