رواية أحكام القلوب الفصل السابع 7 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء السابع
رواية أحكام القلوب البارت السابع

رواية أحكام القلوب الحلقة السابعة
“بسم اللّٰه الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد.”💙🦋
أول اسم يلتصق بالقلب يتدفق به اللسان، أول ملاذ لنا، ركننا الأهدئ والأحن، سكن القلب ووطن الروح.
_ محمود..
ومن غيره ترتجي، بكل حزنها وكآبتها، بكل دمعة تغتالها، بكل نفس بها، بكل روحها، تهرب إليه.
وهو لم يحتاج للوقت ليدرك حالتها، ها هي سُكرته عتت عليها قسوة أمها، لم يعد بمقدورها التحامل على ذاتها أكثر، لذا هربت بكلها له.
تشنج جسده وإزداد وهج عينيه، وقد كور قبضته يشد عليها، ورغم ذلك ظل في محله لم يتزحزح، تقف أمام باب الورشة الكبير لا يفصلهما غير عتبة هذا الباب.
تنحنح مصطفى ليكسر تلاقي العيون متمتمًا:
_ أنا هروح أشرب كوباية شاي فـ القهوة.
مر من جوار محمود ليربت على كتفه بقوة، يرسل له نظرات ذات مغزى، يشد أزره.
ما الصديق إلا متكئًا لك عندما تميل، كتفًا يحمل همك بلا كلل.
_ أنتِ عارفة كويس أنتِ بتعملي أي؟
صوته جامد وجسده مازال على تشنجه، لكن قلبه يثور ويصرخ مليًا، يتلوى وجعًا.
_ دا الصح، بعد كل اللي حصل من حقنا نهرب، أو كل حقنا أساسًا.
ثابتة حتى في حديثها، تفرض قرارها بكل قوة ولا رجعة.
أترى من حقها النجاة بحبيب قلبها؟!
تريد النجاة به فقط.
هزته جملتها، ثباتها الأهوج أسر قلبه.
دللها حد الفشل، أعطاها حق مجادلته، فرض رأيها، علمها كيف القوة فلا عجب من قرارها.
_ وبعدين؟
سؤاله لم يلاقي جوابه بعد، تنظر له فقط، وقد تحولت قوتها لتوسل وإستعطاف، لضعف له.
رغم حديثه لم يقترب، ولو قيد أنملة، بقربها يسطو قلبها عليه، يرغمه على موافقتها، وإن كانت ستذهب به للجحيم، لذا حاول إقصاء ذاته عنها متفاديًا خطر قلبها وإغواءه.
بادر هو قاطعًا الصمت مقتربًا أخيرًا خطوتين تجاهها، خطوتين من الجحيم:
_ هدى، الهرب مش لينا، أحنا مش مدانين أو هربانين من جريمة، أحنا اتنين بيحبوا بعض وتقربوا بالحلال..
قصفته بعنف وإنفعال، نفاذ صبر:
_ بس هي مش فاهمة دا، حلفت إنها هتخليك تطلقني، هتطلقني يا محمود.
كلماتها رجت قلبه بعنف ونفرت عروقه في كامل جسده.
ابتلع المسافة المتبقية الفاصلة ليكور وجهها في كفيه يقول بعشق عنيف، نبرة شرسة متملكة:
_ دا عمره ما يحصل يا هدى حتى ولو على جثتي، أنتِ ليا لحد ما أموت.
تأوهت، لا تعلم من ألم جسدها أم من حديثه؟
ولكن ما باتت تعلمه جيدًا أنها بأمان وهي له.
ضيق عينيه بقسوة ملاحظًا بعض الكدمات تغطي وجهها، وهذا هو سبب ألمها، لا.. محال، ألمها أكبر، نابع من قسوة فراقهما..
لم يكن أمامه الوقت الكافي لتفحص وجهها وجسدها والذي من المؤكد لا تقل كدماته عن وجهها.
أمسك كفها بخشونة يجرها خلفه بعد أن بث الإطمئنان بقلبها، كل شيء سيكون على ما يرام معهما.
_ هترجعي بيتك مكرمة وهاجي أخدك زي أي عروسة، مستحيل أقلل منك وأخدك بالشكل دا، لو عملت كدا فعلًا يبقى أنا مستاهلكيش.
متخافيش في وجودي يا هدى.
ربتت حروفه على جرح روحها النازف، وعادت معه طواعية، لتجد والدتها تصرخ وتدور حول نفسها بغضب وقد شرعت في الخروج من بيتها للبحث عنها وهي تتوعد لها بعذاب أمر من الجحيم، ستذيقها الويل والشقاء حتى لا تحط من رأسها مرة أخرى أمام الناس، رغم أن الجميع متعاطف مع هدى وقصتها المذرية مع إعتماد.
حالما رأتها دمدمت بشر وانطلقت رصاصات من الغضب من أعينها. لتتلقفها سريعًا من مرفقها بشراسة وغضناء، كأنها ليست بابنتها، من ربتها في حنان كفيها.
_ أنا هوريكِ أزاي تهربي مني يا بت…
هنا ظهر حمودة بصوته القوى الخشن فأصاب إعتماد لتتجلجل في وقفتها وتخف قبضتها عن مرفقها وحجابها الذي تراخى من شدها له.
_ قسمًا باللّٰه أيدك لو اتمدت عليها تاني هنسى إنك ست وأم هدى، وأنا صادق في قسمي.
لم تنكر خوفها المبالغ فيه وشرار عينيه المتقد بقوة، لكنها لم تهتز عضلة بها، حاولت الثبات لنيل ما تريد، أو بمعنى أدق نهب ما تريد دون وجه حق.
_ وأنا ميهمنيش كلامك دا، أنا بنتي هطلقها منك يا حمودة وغصب عنك.
فقد كل ذرات سيطرته على ذاته تلك اللحظة العصيبة، فتقدم بشراسة كليث جريح ينهال من عدوه، إلا إن قبضة خفيفة التفت حول خصره بتشبث خائف، أصابع ترتعش كخفقات قلب صاحبها، حيث كانت مندسة هدى خلف ظهره بحماية.
تراجع خطوتين يقبض كفيه ببعضهما في غضب عارم.
_ بنتك مراتي يا ست إعتماد، ومش من حق حد يبعدها عني. هي ليا لأخر حياتي.
اعترضت إعتماد بقسوة قلب، لم ترى غير الفراق لهما، تكره تحديه لها.
همهمات متتالية وصارت مرتفعة مستنكرة، ليهتف أحد رجال الحارة، أكبر رجالها شأنًا وسنًا:
_ أي اللي بتقوليه دا يا ست إعتماد! لا حول ولا قوة إلا باللّٰه.
رأت موقفها يضعف تدريجيًا، لذا بررت بكل حماقة وتوتر:
_ لسه مكملش المهر بتاعها…
قطع كلامها حمودة بهدير عال قوٍ:
_ معايا بالكتير لحد الليل والفلوس هتكون قدامك كاملة.
صمت لثواني معدودة ومن ثم هتف بقوة مضنية، سهام أصابت جسدها ليتضعضع فجأة:
_ وبعدها ملكيش دخل بيها خالص، هتقعد ضيفة عندك لحد بعد العيد بأسبوع بس أخلص أموري وأظبطها وهنتجوز، ولو عرفت إنك مديتِ أيدك عليها، أو جرحتيها بكلمة بس، كلمة واحدة مش هفكر لثانية إني أنهي حياتك..
تهديده صريح صارم، هز الأبدان وتصلب جسدها بخوف وشعرت بغصة تقف بحلقها تكاد تخنقها.
تلقف يد هدى من خلفه ليثبتها أمامه يرفع رأسها بكل قوة لديه، قوة يمدها بها، يقول بصوت حنون رغم شدته:
_ هدى حبيبتي، أنتِ هتدخلي دلوقتي، ومحدش هيقدر يكلمك نص كلمة، كلها أسبوعين ومش أكتر، أسبوعين بس وهتكوني فـ بيتي.
:__________________________________
فقدان الأمل كل ما يشعر به الآن، رغم بصيص النور الذي يتلمسه إلا أنه يدرك تمامًا بإنطفائه قريبًا. هذه هي قواعد الحياة نسبية متغيرة، تتأرجح.
يحتاج للمال، أموره لن تصلح بدونه، عمته وعمليتها الجراحية، وأمل وخطبته منها الذي وعدها ووعد ذاته بأنه ستكون له، وها هو يعمل بجد، لا يرتاح إلا القليل ورغم هذا يدرك صعوبة الأمر، وما زاده صعوبة تلك الفراشة التي وقعت في طريقه، للآن لم يسأل أحد عنها، انتظر أن يبحث أهلها عنها ولكن لم يحدث.
وصل البيت قرب آذان المغرب في حالة مذرية مثيرة للشفقة، وصراخ لولو مازاد الطين بلة.
_ في أي يا عمتي صوتكم عالي كدا ليه؟
ردت عمته بتبرم وبوادر عصبية:
_ عاوزة تنزل تلعب فـ الشارع مع الأطفال، وأقنعتها كتير إنه مينفعش وهي مصرة.
صرخت لولو ببكاء حاد:
_ أنا هنزل ألعب شوية بس وهطلع تاني، أنتِ ليه ولية مفترية كدا.
شهقت عفاف بحدة تصك صدرها:
_ أنا ولية ومفترية يا لولو، أخص عليكِ، شايف يا علي.
ما كان من علي إلا الضحك بعدم تصديق، فما زاد ضحكه غير غيظها منه ونظرت له شرزًا.
حاول تهدأت ضحكاته وتقدم من لولو موبخًا برفق. وكيف يجتمع الرفق والتوبيخ معًا!
_ كدا يا لولو، أي الكلام دا وسمعتيه منين؟
ردت بعبوس طفولي تشير ناحية الشرفة:
_ وأنا واقفة فـ البلكونة سمعتها، كان في خناقة فـ الشارع و…
_ بس بس بس.. أي دا كله، لو هتقفي فـ البلكونة وتسمعي الكلام دا يبقى مفيش وقفة تاني.
تغضن وجهها بضيق وإزداد عبوسها وهتفت بنزق:
_ طيب أنا زهقت من القعدة هنا، عاوزة أنزل شوية، هلعب تحت وأطلع تاني..
ضيقها، عبوسها، نبرتها المتوسلة الشجية غزت قلبه كنصل حاد، ولذلك هتف بهدوء ومهادنة:
_ هتطلعي من هنا، بس مش هتلعبي تحت مع العيال فـ الشارع، عمتي هتاخدك معاها عند سحر، تمام.
نظرت له عمته بدهشة مستنكرة ولكنه أكد على حديثه:
_ أيوة يا عمتي، روحي سلمي على سحر جوزها مسافر أساسًا، وكمان لولو تغير جو..
قفزت في سعادة طفولية فرحة وعانقت عفاف تقبل خدها بإمتنان وركضت تجاه علي تفعل المثل لولا تكهن عفاف للأمر فأمسكت بها في أخر لحظة قبل أن تنقض عليه تطوقه.
لوهلة ارتجف جسد علي بعنف وتوترت أوصاله مما كانت ستقدم لولو على فعله، فتداركت عفاف التوتر الدائر لذا هتفت به:
_ أدخل أرتاح شوية يا بني لحد ما المغرب يأذن.
تحرك علي لغرفته فأوقفت لولو تواجهها تقول ببعض الحزم:
_ لولو حبيبتي مينفعش تحضني علي تمام، دا غلط.
قطبت ما بين حاجبيه لتسأل بعدم فهم:
_ ليه يا ماما عفاف؟
توترت عفاف، بما ستجيب؟ بأنها فتاة كبيرة لا يجب أن تحتضنه؟ وكيف ستفهم ذلك بعقلها الطفولي؟
_ علي مش بيحب حد يحضنه..
_ ما أنتِ بتحضنيه عادي.
قطعتها لولو بنزق وضيق، وربما.. غيرة!
_ علي مش بيحب حد يحضنه غيري، تمام.
___________________________________
علمت بوجوده فوق السطح يمارس بعض التدريبات الرياضية، فعزمت أمرها على إخباره، نعم تخبره لن تتوسل وترجوه، أو تخاف حتى، فهو لا يخيفها بالمرة، بل.. بل.. ترتجف حرفيًا عندما تضيق عيناه مقتربًا بوجهه منها رافعًا حاجبه، نظرته فقط ترعبها.
أحضرت كوب من الشاي باللبن كما يحبه، كأنها سترضيه به بكل حماقة، أو ربما رشوة صغيرة.
خطواتها مترددة متعثرة وطريقها إليه يطول ويصعب.
اندفعت بالحديث حتى لا تتهاوت شجاعتها:
_ مساء الخير يسطا مصطفى.
إستدار إليها ببعض الصدمة، ولكنه سيطر على ذهوله يرد تحيتها، وما حلاوة رده!
_ مساء النور يا حنين، أي اللي مطلعك فـ الوقت دا؟
أين فرت شجاعتها؟ ربما لاحقت صوتها.
ولذا صعب عليها الإجابة، وكل هذا من سؤال تلقائي متوقع، فما موقفها مع باقي الحديث؟
_ هو، كنت عاوزة أتكلم معاك شوية.
إذن فالأمر هام، وقوفها أمامه غريب، كنبرتها بالضبط.
_ طيب مش هتديني كوباية الشاي، ولا جايباها تشم هوا.
لم تبتسم حتى على دعابته، بل ارتبكت.
وتقطعت طرق حديثها، اقتربت بضع خطوات مذبذبة، وناولته الكوب.
لم تتمكن من التنعم بملامح وجهه، فضوء تلك اللمبة الصغيرة المعلقة بالسطح تحجب وجهه إلا من عينيه المتوهجة باللون العسلي تشق غسق الليل.
عيناه حكاية أخرى، سطورها الحنان وفحواها الحب، عيناه حياة أخرى توهبها الأمان.
جال بعقلها تلك الذكرى الجميلة المهداه لقلبها تخف أرقه من مرارة حبها.
عندما غرست بين ذراعيه ونبتت نبضات قلبها العاتية، تستنجد منه له، وقعت بمكانها الصحيح له، داخل أضلعه.
تمنت لو تعاد تلك اللحظات بكل دقاتها وعنفوان مشاعرها، بكل تأجج خلية منها تجاهه، تمنت لو بقيت هناك ببواقي عمرها وعمره.
تسائل بعدما ارتشف رشفة صغيرة متلذذة من الكوب،
كما ارتشفت هي ملامحه بكل خجل مخزي خرج عن سيطرتها:
_ كنتِ عاوزة تقولي أي يا حنين.
رغم هدوء نبرته رجت قلبها الواهن بقوة، ولكنها أتت لهنا، كل تلك الأميال التي قطعتها مع عقلها لتتراجع؟
_ بكل هدوء كدا أنا هنزل أشتغل.
لم تكن بالجملة التقريرة التي قصدتها فتحدتها نبرتها لتخرج متوسلة، تستدعي عطفه.
ظل على هدوءه وارتشف رشفة أخرى كبيرة، فقط الشرار المنبعث من حدقيته تنذرها بالخطر الشديد.
ظنت أنه لم يسمعها ولكنه أخيرًا قال بنبرة غامضة:
_ هتشتغلي ليه؟
ازدردت ريقها بخوف جلي، تتمنى لو حجب الضوء الصغير خوفها.
الضوء الخافت ونسمات الليل العليلة التي تنعش القلوب، الهدوء، جو شاعري، ولكنه ليس لوضعهما المتكهرب المتوتر.
_ زهقت من القعدة كدا، مش بلاقي حاجة أعملها فبنقعد أنا ونيرة ننم على الناس.
أخذت نفس عميق تهدأ من روعها، فهي اندفعت بالحديث حتى لا تتقهقر قوتها.
_ بتنموا على مين بقا؟
ربما سؤاله عابث، يقصد تلطيف الموقف، ولكن لم تجد أي صدى لبسمته.
“ليس سواه، أي رجل يشغلها غيره؟”
_ مش حد معين…
انتبهت أنه يبتعد عن طلبها بكلامه عن طلبها الأصلي، لذا زمت شفتيها بضيق وصاحت:
_ هو أنت بتتهرب ليه؟ كل ما بتكلم معاك فـ نفس الموضوع تغير الموضوع كله.
_ ودا ملفتش نظرك لحاجة.
وضع كوب الشاي على السور واتكأ عليه وعقد ذراعيه لصدره، منتظرًا ردها، إلا إنها لم تجد الرد المناسب إطلاقًا، يحاول إضعاف عزيمتها وهذا لن يحدث بتاتًا.
_ وإصراري دا مش موضح حاجة؟ أنا كبرت كفاية واللّٰه عشان أدافع عن نفسي وأخد حقي، هعرف أتعامل مع كل الناس اللي حوليا، وبعدين أنا هشتغل فـ صيدلية قريبة من هنا، المكان مش بعيد..
صمته أقلقها، شرحت له الوضع وتنتظر رده، وكان صادمًا:
_ اعمليلي كوباية شاي تانية دي بردت خلاص.
تغضن وجهها واحمر غضبًا، ودت قتله في هذه اللحظة.
ولكنها بكل طواعية نزلت شقتها وأحضرت كوبًا آخر سريعًا وأعطته له، ولكنها مازالت مصرة:
_ ها؟
أغمض عينيه ولكنه رد على مضض يسحق باطن خده:
_ موافق، بس قبل المغرب تكوني فـ البيت، ولبسك يكون واسع، وبلاش كلام مع حد كتير أو ضحك، لو حد ضايقك تيجي تقوليلي…
يا لفرحة قلبها، يرقص بين أضلعها ويقفز سعادة غير مصدقة، وافق وليس هذا فحسب بل أمطرها ببعض الإلتزامات التي لا توضح إلا شيئًا واحدًا.. إنها تخصه!
___________________________________
أحضر المال لها، ما يسمى بالمهر عند إعتماد متحججة بأنها العادات، سحقًا للعادات إذًا إن كانت مفرقة للحب!
وضع المال على طاولة صغيرة أمامها بعنف جلي قبل أن يقول بقوة لا مثيل لها، قوة خاصة تولد في الدفاع على من نحب:
_ أهي الفلوس اللي موقفة الجوازة عشانها، وبعدها هدى ضيفة عندك، وللضيف حق الضيافة وإحترامه، ولسه عند تهديدي.
ازدردت ريقها بتوتر وإلتهت بعد النقود.
طرف إليها حمودة بإشمئزاز وإزدراء، ليخرج سريعًا من بيتها، إلا إن هدى لحقته تناديه برقة وشجن، بألم يعصف بها، لم تتخطى بعد قسوة أمها، ولن تتخطاها أبدًا.
أكثر ما يؤلم جفاء الأم.
_ حمودة، استنى.
وقف كشموخ الملوك، ينتظرها بحنان جارف يطلي عينيه، لتقف أمامه، باكية متألمة تحتاج لضمه لقلبها، علة قلبها وعلاجه.
تضع وشاحها دون لفه على شعرها فكشف عن وجنتها الحمراء والتي زادت حمرة وإشتعالًا من نظرته الوامقة المستهامة بها، وقد طفر عشقه لها على ملامحه الشغوفة بها، فرفع كفه ببطء يتلمس وجنتها برفق وحب، كأنها قارورة فضية جميلة، يخشى خدشها.
_ سُكرتي.
همس بها في لوعة لتغزو أحضانه بقوة متمسكة بقميصه من الخلف، تشبث عنيف جراء خوفها وتعبها، إرهاق قلبها.
ابتلت جوانحه أخيرًا، وجفت مآقي القلوب، ليخمد عذاب الروح.
_ متسبنيش.
_ أبدًا، لآخر يوم فـ عمري يا هدى.
___________________________________
لا زالت للتو لا تعرف كيف فعلتها، كانت في موعد معه!
اسطحبها إلى مقهى هادئ، تناولا القهوة سويًا وسط بعض الحوارات الهادئة المرتبكة من جهتها، المتطلبة والكثيرة من جهته.
تتذكر وكأنها تعيش اللحظة، حين دخلت المقهى لتجده جالسًا يرمق ساعة معصمه بتوتر بالغ، كأنه يعد الثواني.
تتهادى في خطواتها ليلحظها سريعًا ينهض بلهفة قلب.
_ فكرة إنك هنا قدامي، وكمان هنقعد مع بعض، حتى ولو لدقايق حاسس إني فـ قصة إسطورية والأميرة حقي تكرمت لمقابلتها.
كلماته الغزلية المنمقة أجفلت قلبها وحناياه، فردت بتملق وجذل:
_ أسعدني إطرائك.
ضحك بملء قلبه ورفرفت السعادة به، لينخرطا بعدها في بعض الأحاديث التي لم تخلُ من كلماته المغازلة وخجلها الصريح.
طردت من أفكارها على يد خفيفة تلامس كفها وما لثبت حتى تمسكت تلك اليد بها بقوة وقسوة تشدها لينسحب جسدها بعدها بقوة، للحظات بدت في عالم أخر، عالم اللاوعي وهي تنظر لما حدث.
رفعت عينيها لتجد أسامة بنظراته القلقة، وسيارة كادت أن تدعس جسدها وهي شاردة.
_ أنتِ بخير يا أبلة بسمة؟
هزت رأسها بخفوت ومازالت تحت صدمتها مما حدث.
_ أي اللي مخليكِ سرحانة كدا يا بسمة، هو في حاجة؟
تنبهت لحديثه لذا رفعت وجهها له تنفي بهزة من رأسها:
_ لا أبدًا، شوية ضغط فـ الشغل.
لم يقتنع بحجتها، ولكنه انتقل ببصره في المكان وعاد يسألها:
_ كنتِ فين يا أبلة بسمة فـ الوقت دا؟
ارتبكت وتوقفت الحروف بحلقها، بما ستجيبه وهي لا تحبذ الكذب مطلقًا!
كله من الحب وأوامره.
_ كنت عند واحدة صحبتي.
_ أي رأيك نأكل لقمة القاضي من عند عم صالح؟
عرضه سخي لا يفوت، فهي الحلوى المفضلة لها ولذا هتفت بحماس تلعق شفتيها، كأنها تتذوقها:
_ يا ريت.
تملكته السعادة وهو يحدجها بحنان وحب، تبدو كزهرة دوار الشمس تتمايل بزهو أمام نسمات الليل العليل.
هيئتها وهي تأكل بشرهٍ تسبي القلب.
تتأرجح بين كفتين، حبها لأكرم وحبه لها، وحنان أسامة وبساطته معها.
لم يخف عليها حبه لها وتودده، وإضافة لهذا تلميحه للزواج بها، وقد ذكرت والدتها أن والدته حدثتها عن أمر زواجهما.
ولكن أين تقف هي من كل هذا؟
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)