روايات

رواية أحكام القلوب الفصل الخامس 5 بقلم منى عيد

رواية أحكام القلوب الفصل الخامس 5 بقلم منى عيد

رواية أحكام القلوب الجزء الخامس

رواية أحكام القلوب البارت الخامس

أحكام القلوب
أحكام القلوب

رواية أحكام القلوب الحلقة الخامسة

“سبحان اللّٰه والحمد للّٰه ولا إله إلا اللّٰه واللّٰه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللّٰه العلي العظيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد.”💙🦋
صدح صوت آذان المغرب مداويًا ندبات القلوب المتعبة، متذوقين حلاوة الماء بعد يوم شاق من العمل والصوم لتنبت الحياة بهم مرة أخرى أكثر إشراقًا لبداية شهر كريم، يزيل الذنوب كما زالت الماء نضب الشفاه.
موائد ترص في الحارة مليئة بأنواع الطعام الشهية، كعادة أول يوم من شهر رمضان في كل عام، تتجمع أهالي الحارة يتناولون طعام الإفطار مع بعضهم في جو يسوده المحبة الطاغية.
_ يلا يا مارينا هاتي كوبايات العصير.
صدح صوت أحدى السيدات، تعجل ابنتها، ولا غرابة في هذا، فهنا كلهم شخص واحد لا فرق بينهم أبدًا.
أحضرت المدعوة مارينا أكواب العصير لتتناولها منها أم سميرة بمحبة وإمتنان، ودعت مارينا لتناول الطعام معهم.
_ يلا يا مارينا يا حبيبتي، أقعدي مع هدى وحنين وباقي البنات، المغرب خلاص أذن.
اعتذرت مارينا بخجل ولكن أصرت عليها أم سميرة وصابرين التي انضمت إليهن:
_ يوه يا مارينا، مكسوفة ولا أي؟ قوليلها كلمة يا أم مارينا.
طرفت لابنتها قائلة برفق:
_ روحي يا مارينا متكسفيش خالتك أم سميرة.
تبسمت مارينا وذهبت للبنات ليجلسوها معهن بفرحة.
فعقبت صابرين:
_ يلا أنتِ كمان معانا يا أم مارينا، اليوم كله كنتِ واقفة فـ المطبخ معانا وتعبتِ.
الرجال على موائد لحالهم والنساء على موائد أخرى بعيدة، تجمع بسيط كل بيت يجود بما عنده وتكاتفوا جميعًا ليستقبلوا أول يوم بتجمع يبرز محبتهم.
___________________________________
بعد أداء صلاة العشاء، وجد قلبه يهفو لرؤيتها، التنعم بحديثها الذي يختلقه ليتشبع من تأملها، كعالم للفلك مولعًا بتأمل الأجرام، هوايته وعمله مراقبة السماء، وهي السماء.
_ السلام عليكم يا خالتي صفاء، أخبارك عاملة أي؟
قالها أسامة الذي دخل لتوه، لتبتسم صفاء وهي ترد ببشاشة:
_ وعليكم السلام يا بني، أنا بخير يا حبيبي فضل ونعمة.
جال بعينيه في المكان فعاد بنظره لخالته صفاء متسائلًا بحرج:
_ أمال فين الأبلة بسمة، مش باينة.
نظرت السيدتان لبعضهما وأعينهما تلتمع بإبتسامة خبيثة فهتفت والدته:
_ بسمة فـ البلكونة، بتقرا كتاب.
ردت صفاء والدة بسمة بإمتقاع:
_ عينيها هتتلحس من كتر القراية واللّٰه..
_ هم كدا المتعلمين ياختـ…
تركهما أسامة بحديثهما الشكاء البكاء وتوجه للشرفة الصغيرة التي تجلس بها بسمته.
وقف على أعتاب الشرفة يتأملها بأعين لهيفة متوهجة بالعشق. تنحنح قبل أن يدخل لتنتبه بسمة له، فعدلت من جلستها وتأكدت من حجابها، فهي على علم بأنه سيأتي مادامت والدته عندهم.
دعته للجلوس بصوت رقيق:
_ اتفضل يا أسامة واقف ليه.
جلس أمامها وعيناه تسترق النظر لها بشوق، حادت عيناه لاسم الكتاب الذي تقرأه فسألها طامعًا في حوار سويًا عله يشفي علته بها.
وهل لعلة الحب شفاء!
_ أنتِ بتقرأي بقا ترفيه وإستمتاع ولا ثقافة وتجميع معلومات؟
تركت الكتاب وردت بتحفز لسؤاله:
_ الاتنين.. بقرأ عشان أنمي حصيلتي اللُغوية والمعرفية وكمان بستمتع بكل معلومة جديدة وشيقة تدخل عقلي، فرحة خاصة كدا لما أجمع معلومات مكنتش أعرفها.
برقت مقلتاها بشغف وحماس يرافقها أينما تحدثت عن القراءة والمعلومات، وتباسطت معه بالحديث بفيض أجذله وجعل إبتسامته تتسع بتقبل لحديثها.
_ أكيد بتقرأي روايات كمان.
نفت برأسها وأوضحت وجهة نظرها ببساطة:
_ لا دلوقتي مش أي رواية تجذبني، لازم رواية تكون مفعمة بالمعلومات والأفكار الجديدة المتفردة، لُغوياتها مبتكرة، كلماتها فصيحة ترضي تلهفي للقراءة، مفيهاش إسهاب يقطع سير الأحداث ويفصل إندماجي.
حاولت تغليف حديثها بالبساطة ولكنها فشلت للأسف، فضيقت عينيها محاولة منها لمعرفة كم من حديثها حاز على فهمه.
وجدته يتمعن بها جسده متحفز ليس مرتخيًا وهذا يدل على تفهمه حديثها وإندماجه معها.
فحمدت اللّٰه براحة، ولكنه لم يرحمها فيكيل لها سؤالًا آخر.
_ طيب مش بتفصلي؟ يعني تيجي مثلًا في نص الكتاب تفقدي الشغف.
_ الحب.
ردها آثار فضوله ولاحظت هي هذا فتابعت بتلقائية:
_ الحب اللي بيخليني مفقدش الشغف أو أمل مثلًا في نص الكتاب.
إجابتها لم تقنعه فأضافت:
_ أنت لو بتحب حد وقاعد معاه مثلًا، هتيجي فـ نص القعدة تلاقي نفسك مليت وزهقت منه فتسيبه وتمشي؟ مش هيحصل لأنك بتحبه، أجل إمنياتك إنه يفضل معاك أصلًا، وأنا كدا.
_ مستحيل، مستحيل إني أضيع فرصة زي دي من أيدي، أنا مستعد أقعد عمري كله قربه ولا أعرف لا ملل ولا زهق، اسمع لكلامه وأراقب تصرفاته، بتمنى لو العالم كله يقف عند اللحظة دي..
صوته أجش عميق وعيناه تسرد حبًا مكنونًا بالفؤاد. انتفض جسدها بخفة إثر نظراته المحدقة بها بلمعة وامق.
هبت واقفة تقول بتوتر جلي وجسدها ينتفض بخفة:
_ هروح أعملك قهوة.
أمسك بكفها بين يديه وأجلى حنجرته مستطردًا:
_ لا متتعبيش نفسك، أنا أساسًا رايح المستشفى عندي نبطشية كمان نص ساعة.
سحبت يديها بخجل من يده التي أبت تركها بسهولة وتركها ليذهب لعمله بعدما أخبر والدته بتأخره.
أما بسمة فوقفت ترتعد ونبضات قلبها تأنبها وتثور عليها وقد فقدت بسمة سلطتها عليها.
__________________________________
عاد بعد صلاة الفجر والناس نيامًا، صوت عقله فقط ما يشق صوت خشخشة ورق الزينة المعلق في الشوارع أينما ذهبت، تراكمت الهموم وجثت كصخرة فوق قلبه، كلما يتذكر أمل وأمر الزواج منها غُم قلبه، يريد الزواج منها ويحبها ولكن طريقهما ملبد بالعرقلات، لا يملك المال الكافي للتقدم لها، وأيضًا لا يريد أن تصير علكة بحلق الناس، يجوبون بعرضها؛ لذا دائمًا ما يضع الحدود بينهما.
تذكر غيرتها وما فعلته عندما علمت بوجود فتاة معه.
فلاش باك.
_ مين دي يا علي؟ وبتعمل أي فـ المطبخ يا سي علي؟ بتخوني!
حاول تهدئتها ولكنها لم تستمع له من الأساس ووجهت حديثها الغاضب للفتاة:
_ وأنتِ مين إن شاء اللّٰه، أنتِ أكيد بنت شمال صح، أه أكيد طبعًا بشعرك ولبسك وحلاوتك دي.
أنهت كلامها تتحرك إتجاهها بشراسة وعينيها تلتمع بالشر، فوقف علي يسد بينهما، يحدثها ببعض العصبية:
_ أهدي يا أمل وأنا هفهمك كل حاجة.
أهتاجت بشدة ودفعته في صدره صارخة، فجريمته واضحة، خيانتها:
_ تفهمني أي؟ هتكدب عيني اللي شافتها يعني! ولا هتقولي أختك…
_ دي طفلة.
شهقت بتهكم بعد صمت دام للحظات تستدرك قوله:
_ أنت هتستعبط يا علي! دي طفلة دي؟
تحلى بالهدوء ولا طريق غيره وسط صرخاتها وتزمرها عليه:
_ أهدي وأنا هحكيلك كل حاجة..
سرد عليها ما حدث ولم تتأثر بقوله غافلين عن تلك الفتاة المسكين التي ترتجف خوفًا وقد شحب وجهها وتثاقلت أنفاسها واضطربت نبضات قلبها من الصراخ ومحاولة هجوم أمل عليها.
_ وهتقعد لحد أمتى دي إن شاء اللّٰه، وأنت شاب عزابي قاعد لوحدك…
بترت جملتها لتحل محلها شهقة جزعة عندما انتبهت لحالة لولو، فعادت بوجهها له تحثه على التحرك بفزع:
_ ألحق يا علي، البت شكلها هتموت..
تحرك علي لها وصاح بأمل:
_ ساعديني نطلعها بره.
سندتها أمل لتجلسها على أقرب أريكة قابلتها، ولحقها علي بكوب من الماء أخذته أمل منه وسقتها الماء ورشت القليل على وجهها لترد الحياة به بعد دقائق وعندما لمحت أمل انكمشت بجسدها تنظر لعلي مستنجدة.
هدأها بنظراته وأخذ أمل من جانبها ووقفا معًا أمام باب الشقة.
_ أمل اللّٰه يبارك لك أهدي شوية لأني تعبت، زي ما أنتِ شايفة البنت حالتها صعبة ومعرفش هي مين أساسًا.
كادت أن تنبس بكلمة ولكنه قاطعها:
_ عمتي هتيجي بعد بكرة إن شاء اللّٰه من عند بنتها وكمان أنا الشغل واخد مني كل وقتي.
ردت بحزن وشجن:
_ أنا كمان يا علي واللّٰه تعبت، حابة أننا نكون مع بعض فـ بيت واحد تجمعنا سفرة واحدة وحياة واحدة.
رق قلبه وهذا ما يرجوه مثلها، الاستقرار معها:
_ بصي يا أمل أسبوع واحد بس، وهاجي أخطبك تكون عمتي ارتاحت من سفرها.
هلل وجهها فرحًا وهمست بجذل:
_ حقيقي يا علي؟
_ هو أنا عمري قلت حاجة ورجعت فيها يا أمل؟
وعده صادقًا ولكن أحلامه وطموحه أكبر من الحياة وضيقها على الذي لا يملك مالًا.
يتغنون بسعادة الفقير وإبتسامته، يحسدونه ويقولون المال لا يغني، عفوًا!
المال يغني، ابتسامته لن تبتاع له لحافًا يقيه البرد، سعادته الزائفة لن تزوجه بمن يحب وسط متطلبات الحياة التي تتكاثر، لن تنفعه سعادته إذا مرض ولم يجد حق علاجه.
لا تتفوهوا بما ترونه من مظاهر، غوصوا للقاع، فالقاع مخيفًا سوداويًا، يبتلع السعادة التي تظنونها.
وصل شقته وأوصدها بخفة حتى لا يقلقها، استلقى على الأريكة يأخذ قسطًا من الراحة قبل الصباح والشروع في العمل.
__________________________________
في اليوم الثاني مساءً.
كانت قد عادت عمته عفاف، وفوجئت بوجود لولو ولكنها تقبلتها لطبيعتها الحانية وكذلك لولو أحست بحنانها والأمان الذي حتمًا تشتاق له فقد فقدته لسنوات.
_ لا يا حبيبتي، أنتِ لازم تلبسي طرحة تصلي بيها ولا أي؟
هزت لولو رأسها بعدم فهم، لتشرح لها عفاف بفيض وتمهل:
_ أولًا، لازم تتوضي صح وبعدها تلبسي طرحة تداري شعرك وصلي بيها.
كطفلة تتعلم شيئًا جديدًا أبدت حماسها واتبعت ما تفعله عفاف أمامها لتفعله بعدها بحذر وسعادة.
_ نامت؟
سألها علي لتهز عفاف رأسها مردفة:
_ دي طيبة أوي يا علي، وشكلها أول مرة تعرف يعني أي صلاة، هي صامت يا علي أول يوم وصلت؟
_ أيوة، طبعًا معرفتش أشرحلها، فقلت لها تعمل زي ما بعمل، اتوضيت قدامها وسبتها تتوضى، وبعدها صليت وهي صلت ورايا، والصيام طلبت منها إنها متأكلش ولا تشرب لحد المغرب، وهي للصراحة مطيعة، اللي بقوله بتعمله.
أجابها علي ونظرات الإعجاب والإندهاش تتلألأ بحدقتيه ولم تلحظه عفاف التي قالت:
_ تصبح على خير يا ابني أروح أنام شوية عشان أقدر أصحى على السحور.
_ وأاا نتِ من أهله يا عمتي.
نبرته المترددة زرعت الريبة بقلبها، تعرفه جيدًا فهو تربية يداها.
_ في حاجة يا علي؟
تردد قليلًا قائلًا:
_ مفيش يا عمتي بكرة الصبح نتكلم.
أصرت على الحديث معه فتقدمت منه أخذته من يده وأجلسته على كرسي لتسحب أخر وتجلس مقابله:
_ أحكي يا ابني عاوز تقول أي؟
_ عاوز أخطب أمل..
وبرر سريعًا:
_ مش عاوز حد يتكلم عليها يا عمتي، وأنتِ عارفة إني ميال ليها أزاي.
ابتسمت عمته تكبت عدم قبولها لهذه الفتاة ولكن قلب وليدها الذي حكم، ولا مفر من حكمه.
_ اللي تشوفه يا بني، استنى بس أسبوع كدا ولا حاجة أكون قبضت الجمعية عشان ندخل عليهم بحاجة تليق بعروستك.
تبسم بإمتنان بالغ، لطالما سدت حاجته إلى والديه اللذين توفيا عندما كان صغيرًا.
ربته مع ابنتها وأحبته بصدق ولم تفرق بينهما أبدًا.
__________________________________
قطع وقت إسترخائها قدوم طالبة لديها تهتف بجزع:
_ المدير طالب حضرتك فـ مكتبه يا مس بسمة.
هبت واقفة بخوف وازدردت ريقها مردفة للطالبة:
_ روحي أنتِ يا نور على فصلك وأنا هروح أشوفه.
طلبها المدير أي أن هناك مشكلة ما ستمر بها ولا هوان.
دخلت بأطراف مرتعشة ألقت السلام الذي رده بعصبية معقبًا:
_ أنا مش بحب الإستهتار يا أستاذة بسمة والدلع، لو مش قد الشغل أقعدي فـ بيتكم أحسن، مش ناقصين دلع هنا.
حديثه مهينًا لها، أدعس كرامتها وجعل الدموع تترقرق بمقلتيها، حاولت الرد بصعوبة:
_ هو أي اللي حصل لكل دا يا أستاذ عدوي؟
أجابها متهكمًا طارقًا المكتب بقبضته:
_ في إن حضرتك مش شايفة شغلك كويس، سايبة الفصل يقلب يضرب وحضرتك مريحة فـ أوضة المدرسات.
تلجلجت بمواجهته والدفاع عن نفسها، فهي مرهقة لحد كبير، جسدها بأكمله يؤلمها، الصوم متعبًا لها وخاصة في العمل..
نجدها من توبيخه وأخذ إجراءات مضنية تجاهها دخول أكرم دون طرق الباب حتى، ووجه حديثه للمدير بحدة:
_ أستاذة بسمة ملهاش ذنب.
اعترض المدير كابتًا غضبه:
_ أزاي دا وهي الحصة بتاعتها.
_ الحصة دي أنا واخدها منها، متأخر شوية فـ المنهج وطلبت منها الحصة وهي وافقت، يعني أنا اللي غلطان إنشغلت بالموبايل وسبت الفصل.
صمت عدوي مخفيًا غيظه، يعلم تمامًا كذبه وحيله لإنقاذها من مشكلتها، ولكنه معقود لا يستطيع فعل شيء، فأكرم له اسمه وقوته ولا يقدر عدوي على مواجهته.
أرسل لها نظرات مطمئنة لتقابلها بنظرات إمتنان وعرفان يتخللها بعض الخجل والفرحة.
أشار لهما عدوي بالرحيل بقلة حيلة فخرجا معًا ليقفا خلف الباب بعدما أغلقه أكرم فهمست بسمة بشكر:
_ شكرًا.
قابل همسها بأخر:
_ مفيش بينا شكر.
إلتقت أعينهما في حديث صامت، يحكي الكثير عن عشقهما وتوقهما لبعضهما، فهمس أكرم بتمهل:
_ بحبك.
خجلت بسمة وتهربت من نظراته راكضة للفصل وبسمتها تتسع بإفترار.
___________________________________
صاحت سامية بابنتها حنين التي تجلس بغرفتها بينما هي تقطف ورق الملوخية، لبت حنين ندائها على الفور:
_ أيوة ياما.
ردت والدتها بعدما نظرت لها بإهتمام:
_ خدي طبق كنافة نزليه لأم جرجس تحت، قوليلها أمي بعتهولك تدوقيه.
_ حاضر ياما. هو أنتِ هتعملي ملوخية النهاردة على الفطار.
ردت أمها:
_ إن شاء اللّٰه، مالها الملوخية فضل ونعمة من عند ربنا.
هتفت حنين بنزق:
_ مقولتش حاجة، بس أنتِ عارفة إني مش بأكل الملوخية.
نهرتها سامية ببعض الحزم:
_ هو في حد مش بيحب الملوخية يا حنين، وبعدين أنا هعملهالك بشوربة الأرانب.
رضخت حنين بإمتعاض ولفت طرحتها حول شعرها وأخذت بطبق الكنافة حيث جارتهم أم جرجس.
_ صباح الخير يا ست مريم.
ردت مريم بحبور وترحيب:
_ صباح الفل يا حنين، ادخلي يا حبيبتي، اتفضلي.
رفضت بإحترام وهي تقدم لها الطبق:
_ لا مش هينفع أمي مش فاضية، جبتلكم طبق الكنافة دا تدوقوا عمايل أيديا.
ضحكت مريم مستطردة بإستحسان ومديح:
_ أكيد طبعًا يجنن يا حنين، هو أنتِ بتعملي حاجة وحشة يا بنتي.
طرفت إليها حنين بإمتنان معلقة:
_ تسلمي يا ست مريم.
_ استني يا حنين ثواني وهرجعلك.
بعد ثلاث دقائق عادت مريم بالطبق ولكنه لم يكن فارغ بل مليء بـ “محشي الكرنب”.
_ خدي دا افطري بيه يا حنين.
أخذته حنين بعدما شكرتها وعادت لشقتها، ولكنها في طريقها على السلم، لم تستطع مقاومة رائحة المحشي الشهية التي تخللت أنفها، ازدردت لعابها بجوع وتقلصت عضلات بطنها؛ فهي عاشقة لمحشي الكرنب.
كادت أن تصتدم بمصطفي الآتي عكسها لتصدر شهقة عالية.
ضيق عينيه متسائلًا عندما لاحظ تدقيقها بالطبق:
_ بتعملي أي يا حنين؟
_ محشي كرنب، تاخد واحدة؟
تفوهت به في إرتباك وتلعثم، مما أضحك مصطفى وخاصة على إجابتها التي لا تلائم سؤاله أبدًا.
أراد مضايقتها فهتف:
_ أحنا صايمين يا حنين، ولا أنتِ أي رأيك.
غمزها بمكر لتعي ما قالته ليحمر وجهها خجلًا وتمنت لو ابتلعتها الأرض بجوفها، فردت بصعوبة:
_ أه صايمة طبعًا، هو أنا.. أنا..
رحم توترها وخجلها مفسحًا الطريق لها:
_ اطلعي يا حنين اطلعي اللّٰه يهديكِ.
ضرب كفًا بالأخر وتحرك لوجهته، أما هي فكاد وجهها يشع نارًا من موقفها المخجل.
_ اللّٰه ياخدك يا حنين ويهدك.
تمتمت بها مع نفسها بسخط.
__________________________________
مساء، فوق سطح إحدى المباني والقمر بدرًا، طقس ملائم للسهر والسمر معًا.
_ يخرب عقلك يا حنين، رايحة تقوليله تاخد واحدة!
صاحت بها هدى في مرح وضحك لتشاركها نيرة الضحك، فهتفت حنين بحنق:
_ كان منظري زبالة أوي وأنا بقوله كدا، يا رتني كنت موت قبلها.
ضحكتا نيرة وهدى بشدة لتزجرهما حنين:
_ خلاص بقا أنتِ وهي، مش فرح العمدة هو.
تناولت طبقًا من الكيك تهتف بحماس:
_ دوقوا بقا الكيك دا وقولوا رأيكم.
عقبت نيرة فيما تمسك بطبق كبير من البشار:
_ وأنا جيبت فشار وعملت نسكافيه.
في حين صاحت هدى بصوت عالٍ:
_ وأنا جبت لحمة.
ضحكت نيرة بينما حنين كممت فمها بكفها.
_ هنسهر ناكل لحمة يا هدى!
ضحكت هدى مجيبة:
_ أمي النهاردة كانت عازمة أختي وجوزها وعيالها، وطبعًا لازم يكون فطار ملوكي عشان البيه جوز أختي ميقولش علينا حاجة، فأمي اتوصت ومخلتش، لحمة كتير زادت ورز وفاصوليا قلت كويس ميضرش.
علقت حنين بمزاح:
_ خلينا نرم عضمنا.
أمسيتهن شيقة، بها بعض المرح والمزاح، والغناء، وبعض الحزن والحنين.
طفرت أحزان قلوبهن على ألسنتهن، كل واحدة تحمل الكثير والكثير ولكنها تتظاهر بالسعادة.
حنين صبية خط الحب لونه في قلبها لمن ترعرعت في كنفه، ودائمًا ما تغنى اسمه في أذنيها.
ليشتد عودها ويشتد معه حبها، ولكنه مغيب عن لمعة عينيها، عن بسمة شفتيها، تردد حديثها ولهفة روحها.. مغيب عنها.
حبها من طرف واحد ضعيف.
هدى وتعنت والدتها الذي يحيل بين زواجها بحمودة، الفراق أكبر مهدد لهما.
أما نيرة فمشكلتها المشينة مرض والدتها ومعاناتها معها.
_ حمودة واحشني أوي يا بنات.
قالتها بشجن وحنين، بوجع يفترس قلبها، تأثرت حنين تواسيها:
_ ربك يسهلها يا هدى.
تحررت أدمعها مع نبرتها الحزينة التي لامست قلب الفتاتين المستمعتين بتأثر:
_ هي ليه بتعمل كدا معانا، مرات بحس إنها مش أمي، الأم بتحب الخير لأولادها بتواجه الدنيا كلها عشانهم، إلا أحنا، أمي كل همها الدنيا، الحياة عندها إني أتجوز واحد غني ومعاه فلوس وبس، مش مهم دا كويس أو ابن ستين كلـ.. ـب.
طوقتها حنين بحنان قائلة بصوت خافت حزين لها:
_ هي شايفة إنها مصلحتكم.
هزت هدى رأسها بعنف:
_ دي مش مصلحتنا، دي مصلحتها هي. فاكرة إنها صح وقرارتنا اللي بتاخدها عننا دي من حقها، بس دا غلط، مش لازم ديمًا تكون هي صح ووجهة نظرها سليمة، هي بتفكر من ناحية الماديات.
أشكي من الحنان والحب والود عادي مش مهم، لكن مينفعش أشكي إني معنديش فلوس، أهم حاجة الفلوس.
نطقت جملتها الأخيرة بقهر يحتل روحها وقد تقلصت أنفاسها ورغم هذا تابعت بألم:
_ يا ترى لما أكون محتاجة لحضن، هحضن فلوسه؟! ولا هستنى الفلوس تقولي بحبك.
زاوية واحدة، بعيدة يركزون عليها، غافلين عن كل الزوايا المحيطة اللازمة، فالأحترام والحب والرحمة والود، كلها أعمدة وأركان تبنى عليها البيوت، وإذا هدم ركن تراخى البيت وآل للسقوط.
___________________________________
ربما أحدهم يعاني من ذات المشكلة!
_ مين أمل؟
كان هذا سؤالًا من لولو لتجيبها عفاف بينما تمسد خصلات شعرها:
_ دي البنت اللي بيحبها علي.
قاطعتها لولو بإندفاع مستنكرة:
_ البنت اللي بتيجي هنا ديمًا دي.
اومأت لها عفاف لتردف لولو بضيق:
_ يعني أنتوا هتروحوا تعملولها أي؟
ردت عفاف بروية وصبر:
_ هنخطبها لعلي…
خرج علي من غرفته صائحًا بمرح مخفيًا قلقه وعدم إطمئنانه للأمر برمته رغم صلواته المستخيرة:
_ حد جايب فـ سيرتي؟
نهضت وتقدمت منه تزم شفتيها بضيق طفولي:
_ هو أنت قال هتتجوز أمل؟
رد بتنهد يخرج تعبه:
_ أدعيلي يا لولو..
_ بس هي شريرة، ومش بتحبني..
زجرتها عفاف بحزم:
_ عيب يا لولو كدا، في حد يقول كدا على حد.
رفعت سبابتها تقول بغضب سافر:
_ لما في حد يكون شرير ووحش نقول عليه كدا، دي عاوزة علي يسيبنا يا ماما عفاف.
خرجت كلمة ماما منها في عفوية ولكنها أثرت بقلب عفاف لتبتسم بحنو لها مرغمة، وهتفت بهدوء:
_ لما حد يبقى وحش وشرير مينفعش نقول عليه كدا؛ لأن وقتها أحنا اللي هنكون وحشين صح؟
هزت رأسها على مضض وردت بإمتعاض:
_ صح.
سكتت لثواني ومن ثم صاحت:
_ بس برضو أمل شريرة بلاش تتجوزها يا علي.
رغمًا عنه قهقه علي على إصرارها لتشاركه لولو وعلى مضض شاركتهما عفاف.
أقنعا لولو بالمكوث بالشقة وذهبا الاثنين لبيت أمل ووالديها اللذين أبديا رفضهما القاطع وهذا حقهما، لا لوم عليهما بشيء، فالوالدين كل ما يتمنونه حياة كريمة لابنتهما، حياة لا تجوع فيها ولا تعرى، ولكن ظروف علي غير مناسبة بالمرة.
_ معلش يا بني، بس أنت عارف، أنا مش حابب أبهدل بنتي، عاوز أجوزها لواحد يسترها وتكون مرتاحة معاه.
تلوى قلبه ألمًا وقد إنسل الأمل منه، ولكنه حاول بكل ما يستطيع من حب لها:
_ أنا فعلًا يومي بيعدي بالزق والتاكسي مش جايب همه، بس شاري بنتك وحابب إنها تكون شريكة حياتي.
رغم تأثر والدها بحديثه ولكنه أصر على رفضه التام حتى مع محاولة عفاف لإستمالته، ونهى جلستهم بجملة تقليدية، تقال كثيرًا ولكنها حطمت قلبه لأشلاء.
_ الزواج قسمة ونصيب يا بني، ربنا يكتب ليك الخير فـ غيرها.
الخير فيها هي لا غيرها، هي الخير، والحب، هي النصيب الذي جافاه.
لو كان النصيب رجلًا لقتله!
ترك عمته على باب البناية وتوجه بالسيارة الأجرة التي يمتلكها يتسكع بالطرق، بلا هدف وقد ضاع هدفه عندما تحكم الفقر في سير حياته وما يراه مناسبًا.
تنويه:
نقطة حابة أوضحها عشان متتأخدش عليا
بالنسبة لعلي وحمودة:
قلت إن رفض أبو أمل لعلي من حقه، لأنه أب والكل كدا، بيكون عايز لبنته مستقبل مريح ومش تحتاج لحد.
أما إعتماد أظهرتها بصورة مش كويسة لأن في فرق بين الاتنين، حمودة زواجه متوقف على المهر بس، واللي حماته مصممة عليه وديمًا بتذله بيه.
لكن علي فهو الفلوس اللي معاه مش هتساعده وخاصة فـ الوقت الحالي إنه يدخل حد حياته.
وآسفة ع القفلة دي. 🤭
رأيكم وتوقعاتكم؟
شعوركم تجاه بسمة؟ أكرم ولا أسامة؟

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى