رواية أحكام القلوب الفصل الحادي عشر 11 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء الحادي عشر
رواية أحكام القلوب البارت الحادي عشر

رواية أحكام القلوب الحلقة الحادية عشر
“يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد.”💙🦋
بعد أسبوعين من زواج حمودة وهدى.
دبت الحياة في الحارة ككل يوم، الحركة الدائمة مليئة بالنشاط.
شهقت السيدة صابرين من شرفة شقتها بصوت عالٍ وهتفت بحرج كعادتها أغرقت أحدهم بالماء، رفع الشاب وجهه لها، لتصيح بعدم تصديق مرحبة به:
_ خواجة! أزيك يا خواجة عامل أي؟ ليك وحشة واللّٰه.
ابتسم المدعو خواجة وهتف بإغتباط:
_ فضل ونعمة يا ست صابرين، أخبار الحاج أبو إسماعيل أي؟
سندت الإناء على حافة السور وأجابت ببسمة متسعة:
_ بخير ياخويا، وأي الغيبة الطويلة دي يا خواجة؟
_ كنت فـ سفر يا ست صابرين وأديني رجعت أخيرًا لحتتي وناسها، واللّٰه وليكِ وحشة يا حارة.
ضحكت أم إسماعيل بجذل وهتفت وهي تعيد أدراجها لداخل شقتها:
_ الحمد للّٰه على السلامة ياخويا، نورت الحارة.
___________________________________
استيقظت بكسل تفرك عينيها، فوجدت حمودة خارجًا من الحمام، فهتفت برقة:
_ صباح الخير يا حمودة.
منحها بسمة جميلة عاشقة وهتف وهو يرتدي قميصه:
_ صباح الفل يا سُكر.
ضحكت من لقبه لها والمحبب لقلبها جدًا وتذكرت حلاوة الأيام الماضية التي تشبه السُكر في طعمها، كما أخبرها هو مرارًا، أغدقها بحبه وحنانه، حديثه الحاني، وإهتمامه الجم، من أول أسبوع عاد لعمله ولكنه يعوضها عندما يعود، يروي ظمأ يومها الذي قضاه في عمله.
_ أنت رايح الشغل دلوقتي؟
هز رأسه بنعم فاعتدلت وهي تقول:
_ هروح أحضرلك الفطار بسرعة.
تقدم منها في خطوات سريعة وقال:
_ لا يا حبيبي، خليكِ مرتاحة، أنا هاكل مع مصطفى فـ الورشة.
مال عليها ودمغ شفتيه على وجنتها فاحمرت خجلًا وابتسمت له بحب، ولكنها عارضته وهي تنهض مصرة:
_ لا مينفعش تنزل من غير فطار، خمس دقايق لحد ما تكمل لبس هكون جهزته.
هز رأسه بيأس منها وتركها تفعل ما تريد، أو لنقل ما تحب، فإهتمامها به هو ما تحبه بشدة.
إلتقطت روب قميصها وارتدته وتحركت للمطبخ لتعد فطوره سريعًا، أنهت قلي البيض وساعدها هو في وضع باقي أطباق الطعام على الطاولة الصغيرة التي تتوسط حجرة الجلوس الصغيرة نسبيًا، تناول فطاره وأوصلته لباب الشقة، ووقفت أمامه ترمقه ببسمة صادقة، فجذبها من خصرها فجأة وضمها لجسده لبضع ثوان وتركها ملثمًا جبينها وخرج فجأة كما جذبها فجأة حتى لا تنهار قواه ويترك العمل للجحيم ويتنعم بها.
___________________________________
أسبوعين يحاول فيهما العزوف عن البيت، يذهب إليه متأخرًا ويخرج مبكرًا، مترددًا في إخبار عمته بما يريده، يخشى أن تفهمه خطأ.
فكلما رأها يفتكر تلك اللحظة التي عانقته بها، الخطأ الأكبر عليه هو، فهي بلا عقل، تتصرف بطفولية، ما يخطر على بالها تفعله بلا تفكير، أما هو فانجرف خلف مشاعره الحمقاء، كان ضعيفًا بحاجة لمواساة.
جلس معها بتردد تكهنته عفاف فبادرت هي بالحديث:
_ مالك يا بني؟
_ فين لولو؟
كان من المفترض أن يجيبها ولكن توتره منعه.
لوت شفتيها وأجابت:
_ في البلكونة.
ابتلع ريقه وهتف بقوة مدعية:
_ عمتي ممكن تخلي لولو تلبس طرحة، هي مش صغيرة، وكمان مينفعش تنزل عند الجيران بالشكل دا.
تفهمته عمته وهزت رأسها موافقة قراره، فولو فتاة جميلة، بل فاتنة جسدها ممتلئ بشكل مثير يجذب البصر، أين خفي عليها شيئًا كهذا؟!
_ حاضر يابني، أنت معاك حق.
حمد اللّٰه أنها تفهمته دون شرح كثير أو أسئلة تحرجه، انتبه على إضافة عمته:
_ بس هتعذبني أكتر ما هي معذباني، اللي تطلبه لازم يتنفذ يا تزعل وتدخل البلكونة.
خرجت لهما في هذه اللحظة والحزن يطلي مقلتيها الجميلة، فأوقفها علي.
_ مالك يا لولو؟
ردت بنبرة مختنقة طفولية تزم شفتيها:
_ زعلانة..
أخفى إبتسامته وتكلم بلطف:
_ وأي اللي مزعلك بقا يا فراشة؟
إهتمامه بها زاد من دلالها وتمسكها بضيقها حتى يراضيها علي ويهتم بها أكثر.
_ ماما عفاف مضيقاتي أوي، وكل شوية تزعق فيا.
نظر لعمته بضيق وعلت نبرته بعتاب زائف:
_ ليه يا عمتي مزعلة لولو منك ومضيقاها.
شهقت عمته وتمتمت بغيظ:
_ أنا!
ضحكت لولو بإنتصار، ها هو حاميها يوبخ عمته لأجلها.
غمغمت عفاف مع نفسها.
“من الغباء أن تشكو حبيبًا لحبيبه!”
نعم أحبها، آلف عبوسها، عشق ضحكاتها، أحب مشاكستها ومشاكلها.
لكن حبه لم يرتق لأكثر من هذا، لم يصل لمرحلة العشق، فهو يعتبرها أمانة لديه ليجد أهلها، وهو ليس بهذه الخسة حتى يخون الأمانة التي كلف نفسه بها.
أما أمل التي تركته وتزوجت منذ يومين عاجزًا عن تحديد ما يشعر تجاهها، هل أحبها بالفعل أم هي فتاة كانت تناسبه فقط.
_ علفكرة بقا، هي عاوزة تنزل تلعب مع صالح تحت فـ الشارع فأنا رفضت.
هتفت بها عفاف في تشفي ونظرت له بتحد.
طرف للولو وقال:
_ فعلًا دا يا لولو، عاوزة تنزلي تحت؟
أجابته ببراءة تقتله:
_ أيوة، صالح بيقولي تعالي نلعب كورة سوا، وأنا عاوزة ألعب.
ضرب كفًا بالأخر متمتمًا بغضب:
_ اللّٰه يخربيت صالح اللي طالعلي فـ البخت دا.
تنهد يحاول محادثتها بلطف كي لا تتأزم الأمور وتعانده:
_ بصي يا لولو، صالح دا ولد، والبنات مينفعش تلعب مع الأولاد تمام، دا غلط…
قاطعته باكية بصراخ:
_ أنت بتكدب علفكرة، كل البنات تحت بتلعب فـ الشارع.
_ هكلم أهلهم أخليهم ميلعبوش فـ الشارع تاني، حاضر.
_ علفكرة أنت شرير بس.
ألقت بجملتها وركضت لغرفتها ببكاء حاد.
رفع علي حاجبيه وفغر فاهه بزهول من ما قالته وهي غاضبة، كاد أن يهب لملاحقتها، فهتفت عفاف ببرود وتقوست شفتيها بضيق:
_ سيبها يا علي، هتعيط شوية وبعدها هتنسى وتفكر فـ حوارات تاني.
هوى بجسده على الكرسي بتعب، فما كان ينقصه حزنها الآن وبكائها المضني لقلبه.
“وما دخل قلبي ببكائها”
همس بها في نفسه قبل أن يزفر بحدة.
_ قومي اللّٰه يخليكِ يا عمتي راضيها مينفعش تنام معيطة.
طوبى لرجل تكدست هموم الحياة على قلبه، وأشبعته كمدًا، تناسلت قوته ليجاري ركضها، دعسته بمهامها، ورغم هذا لم يفقد رفقه وحنوه، هين لين، يبتسم ويضحك، رحيم لا يضر رغم ضرره البالغ.
___________________________________
وقفت كعادتها تنتظره أمام شقتها، تنتظر طلته المهيبة لقلبها، رائحته التي تسكر روحها، إبتسامته التي يلقيها لها مع تحية الصباح كقبلة الحياة لها.
إبتسامته كحلوى مهداه لها بكل حب.
خاب أملها عندما خرج من شقته وركض للأسفل كأنها طيف فلم يراها، دجا وجهها وأحبط نشاطها هذا الصباح، فكيف ستواصل يومها دون بسمته لها!
أما هو فما سمعه أغلق اليوم في وجهه، ونفرت عروقه في عنقه من شدة الغضب ولنقل الخوف تسلل إليه.
مهمامه في الحياة:أولها أمه ونيرة وحنين، وثانيها: حمودة صديق عمره وثالثها وآخرها: أمه ونيرة وحنين.
هتف حمودة بمزاح وضحك:
_ صباح الخير يسطاا مصطفى، هو أنا العريس ولا أنت؟ صباحيتك كحلي.
لم يبتسم مصطفى كعادته بل هتف بما يفكر به ويشغل عقله:
_ سمعت إن خواجة رجع؟
وقعت المطرقة من يده، وجسده كأنه تخدر تمامًا، ينتظر مصطفى أن يضحك ويخبره أنه يمزح، ولكن مصطفى لا يفضل المزاح وخاصة في أمر كهذا.
_ أي الحل؟
كان هذا صوت مصطفى الخافت، فانتبه له حمودة وهتف بقوة وتوحش، سيحاربه بكل قوة، ليس وبعد أن أصبحت زوجته وفي بيته أخيرًا، بعد أن ذاق حبها وأدمنه، من الصعب عليه تركها، كان جبانًا ولم يتكلم وقتها وكان السبب عدم تأكده من حب هدى له، ولكن الآن..
_ واللّٰه لو فكر بس يبصلها هكون مطلع روحه بأيديا.
كأنه شخص آخر، وحش كاسر يقتحم المعركة يعزم على الفوز أو الموت.
وكأنه يتسابق إلى موته، يحفر قبره بيده.
_ خواجة!
همس بها مصطفى، وتلقفها خواجة سريعًا فرد بسخرية لاذعة، بدا كمن يحارب على قتل نفسه:
_ أيوة خواجة يا صحبي، يا ناكرين الجميل والعشرة.
رمقهما بغضب يندلع من عينيه بنيران الحقد المتأججة بها رغم ثبات إبتسامته على شفتيه.
هتف حمودة بكره، لولا نظرات مصطفى المحذرة لكان قتله في الحال:
_ عاوز أي يا خواجة؟
أردف وما زال على سخريته التي تزداد مرارة:
_ كدا يا حمودة متعزمنيش على فرحك، دا أحنا مكناش صحاب يا جدع.
تجاهل حمودة عتابه المصطنع، وردد بغضب:
_ رجعت ليه؟
صر على أسنانه بغضب بارد وتجاهل هو أيضًا سؤال حمودة:
_ ألف مبروك عرفت تنقي.
_ تشرب أي يا خواجة؟
صاح بها مصطفى عندما وجد الموقف يزداد سوءًا، لم يكن عرض من كرم الضيافة بل كان طردًا بلباقة، من أذى صديقه أذاه هو أضعاف، هذا مبدأه.
_ متشكرين يسطاا مصطفى، عندي مشوار مستعجل، بس أكيد هنشرب متخافش.
فحوى جملته تهديدًا مبطنًا، تفقه حمودة وكذلك مصطفى، وكل منهما أقسم بداخله على المحاربة بكل قوته لإبعاده عن هنا.
وربما هناك قسمًا ثالث، لا دخل له، ولكنها الصحبة التي يقدسها رغم صغر سنه.
_ خواجة كان بيعمل أي هنا يسطاا حمودة؟
التفتا للصوت الغاضب فلم يكن إلا صوت زلطا وغضبه الواضح، قسوة عيناه مخيفة تشع شرًا غير محدود.
ليس هناك شر مطلق، ردود أفعال لما يقتضيه الموقف، ولكن أحدهم قد بالغ فيه.
تنهد حمودة وعاد ليمسك مطرقته يشرع بإكمال عمله ورد بلامبالاة
_ كان بيسلم يا زلطا.
_ أنا معاك يسطاا حمودة، وفـ ضهرك، أديني الإشارة وأنا هبدأ..
انبس بشجاعة، وقوة مخيفة اكتسبها من الحياة حتى يستطيع العيش بها، أي شيء يقابله مستعدًا أن ينقض عليه ويفترسه.
_ شايلك للكبيرة يا زلطا، تسلم.
هتف بها بإمتنان حقيقي، وإحترامه لزلطا يتفاقم بداخله ويزداد في نظره.
-__________________________________
ابتسم في وجهها بلطف حانٍ وحاولت هي رسمها ولكنها عجزت فالتمعت الدموع مكانها، هتف بهدوء وحذر:
_ روحي ارتاحي يا بسمة فـ الأوضة دي..
أشار تجاه الغرفة المقصودة فلمح توترها وانتفاضة جسدها الخفيفة، فأضاف سريعًا:
_ أنا هنام فـ الأوضة التانية، وأنتِ خدي راحتك.
اومأت بصمت فتابع بحزن على حالتها، كم يؤلمه خواء عينيها، تغضن وجهها وتجمع الهالات السوداء حول عينيها، جسدها الهزيل، أصبحت هشة كهشاشة ورق الخريف اليابس.
_ الأكل جاهز على السفرة، لو جعانة..
رفضت بصوت خفيض يشبه الهمس، وتحركت للغرفة المقصودة بقدمين ثقيلتين ورح ميتة.
زفر بتعب وكاد أن يصرخ وجعًا عليها، بعدما أنتهى المأذون ود لو يضمها لجسده يهدئ من مطالبة قلبه بها، وهو يعلم تمام العلم أن قلبه لن يكتفي ويثور أكثر.
زواجهما بهذه السرعة كان غريبًا واعترض والدها في أول الأمر ولكن مع إصرار أمها وافق، أمها أيضًا لم تعجبها الطريقة، كانت تحلم باليوم الذي ترى فيه ابنتها تتهادى بفستان زفافها، تزفها وسط تجمهر أهل الحي بأكمله، تتباهى بها وبجمالها، بنسبها وأخلاقها وشرفها، ولكن ما حدث جعلها تعجل من الزواج وفعلت المستحيل كي تقنع زوجها.
نعم علمت بما حدث، سمعت أسامة وهو يهدئ بسمة عندما إنهارت تلك المرة، وواجهت أسامة لتعلم منه سبب إنهيارها، أخبرها بتحفظ، وطلب منها أن لا تحس بسمة بأنها تعرف ما حدث لها حتى لا تنهار أكثر، ضغطت على ذاتها وكبتت بكائها، صراخها على ابنتها وحالتها، كانت تبكي سرًا وقهرًا على ابنتها الوحيدة، تتعذب كل يوم وهي تراها بهذه الحال، ولكنها أدركت جيدًا بأنها ستكون بخير وترمم جرحها بوجود أسامة.
سمع صوت أنينها الحاد، يصم أذنيه، ولكنه مكبل القوى، لو دخل لها سيزداد الأمر سوءًا، ستخاف وتحاول الهرب أو الإنتحار.
لم يكن بيده إلا أنه سند بظهره على باب غرفتها ودموعه الحارة المتألمة تسلخ خديه، شعوره بالعجز يعذبه أكثر، من دون وعي حفرت أصابعه الأرضية حتى أدميت.
غفى قليلًا ليستيقظ بجزع على صوت آذان الفجر، فتنهد براحة عندما لم يستمع لبكائها علم أنها غطت بالنوم.
توضئ وصلى بخشوع وأطال السجود يدعو لها، بزوال غمتها وفك كربتها، بإنعاش روحها الميتة، ووضع حبه بقلبها.
انتبه لصوت باب غرفتها يفتح بحذر وبطء، خشى أن ينظر لها فتجزع، لذا انشغل بالذكر كأنه لم ينتبه لخروجها.
صلت هي أيضًا وجلست على سجادة الصلاة لدقائق تذكر اللّٰه، فتقدم هو منها بحذر مراع حالتها العصبية.
_ تقبل اللّٰه.
لثوان لمح شبح بسمة على وجهها، فجثا على ركبتيه وقال مبتسمًا:
_ أي رأيك نقعد في البلكونة شوية، الجو دلوقتي جميل ودافي وهيغير من نفسيتك شوية..
كادت أن ترفض وبعد أن هزت رأسها بالنفي عادت تومئ بإلايجاب.
يحاول لأجلها ويحارب، وقررت أخذ أول خطوة لتحاول هي معه.
أحضر كوبين من القهوة ودخل إليها وجدها تشرد بعيدًا، كأنها بعالم آخر، وضع الكوبين على الطاولة وجلس أمامها وهتف برفق:
_ بسمة، القهوة قبل ما تبرد.
نظرت له بضعف وحزن يرسم عينيها، تناولت قهوتها تحتسيها بفقدان شهية، فقدت لذتها.
_ أجبلك كتاب تقرأيه؟
نفت بهزة من رأسها، فهتف يود مشاكستها، أي شيء ترد عليه به.
_ بتعرفي تطبخي يا بسمة، أصل أنا مكدبش عليكِ، عاوز واحدة بريمو فـ الطبخ، من أهم المواصفات اللي بيتمناها الراجل فـ مراته هي الطبخ، أما الحب والجمال كل دا شكليات، ما أهو أنا مش هتجوز الأيلينر يعني، يا رب أكون نطقتها صح.
بدت كميتة، لا تتكلم أو تبتسم، لا حياة تسكن وجهها، أفلت نفسًا من بين شفتيه، وبدا يائسًا من أن ترد عليه، ولكنها خلفت توقعاته وهتفت بهمس بالكاد إلتقطته أذنيه:
_ حاسة بالبرد أوي.
نهض عن كرسيه وجلب لها وشاح ثقيل ووضعه على كتفيها يدثرها به، وأخذ نفسًا عميقًا يستنشق رائحتها وتجرأت كفيه وامتدت لكتفيها فانتفض جسدها بذعر واضح وكادت أن تقف لولا صوته المطمئن وإبتعاده بسرعة:
_ متخافيش يا بسمة، أهدي يا حبيبتي.
كأنه أمر بالعكس فانفجرت بالبكاء الحاد احمر وجهها وجف حلقها وتشكلت غصة مؤلمة به.
ضرب سور الشرفة بغضب من نفسه، كان أول خطوة تسير على ما يرام ولكنه بتسرعه الأحمق أخافها.
___________________________________
يا لسوء حظه، ابتدأ صباحه برؤياها بنفس عجرفتها وخصلات شعرها الظاهرة، كبت سباب لاذع مقيت وتحرك تجاهها هي ووالدتها، تلك المرأة الطيبة العطوفة، يتسائل كيف هي ابنتها.
صباح الخير يا ست وردة، خير إن شاء اللّٰه؟
ابتسمت وردة بحبور وبشاشة قلب وردت تحيته ومن ثم أجابته وقد تشكل الحزن كغمامة على عينيها:
_ الحاج رزق بعافية شوية يابني، ومش قادر يقوم من على السرير، فجيت أوصل نورا لمدرستها.
مروءته تحكمت به فهتف بتملق:
_ خلاص روحي أنتِ يا ست وردة اهتمي بالحاج رزق وأنا هوصل الأبلة نورا.
ردت وردة بإمتنان ونقلت نظراتها لابنتها بتحذير:
_ تسلم يابني، مش عارفة واللّٰه أقولك أي، ولا أرد خدماتك أزاي؟!
“أسدي لي خدمة واحدة فقط، قومي بإقتصاص شعر ابنتك التي تتباهى بنعومته كإعلان لزيت الشعر.”
بعدما ابتعدا عن الحارة بقليل وقفت مقابله كالمرة السابقة تتخصر ونظراتها ازدادت شراسة:
_ أي يا جدع أنت كنت بترضع تلج أنت وصغير، شهم أوي يعني عشان توصلني.
أخرسها بقوله:
_ أي اللي جبرك توافقي إني أوصلك، كان ممكن ترفضي قدام ست وردة.
_ ما هي السبب، لو رفضت هتفتحلي أسطوانة كل يوم، إني بنت والمكان بعيد ميصحش أمشي لوحدي، وأبويا دلوقتي تعبان لو رفضت هيزعل وهيتعب أكتر.
صوتها دوى مرة واحدة، كإنفجار قنبلة، فصرخ بها بنفاذ صبر:
_ بت متعليش صوتك، أتكلمي بهدوء وأنا هسمعك.
ابتسمت بسخرية ومررت نظرها عليه وهتفت بصلف وغرور:
_ واتكلم معاك ليه أصلًا.
تركته وذهبت بطريقها، فظل للحظات يتعجب من قوتها هذه فركض خلفها هاتفًا بصوت مرتفع:
_ بت أقفي وقولي قلتِ أي كدا.
فرت بخوف منه كأنها تسابق الريح، متجاهلة ندائها، ومن حسن حظها وصلت مدرستها قبل أن يصل لها.
_وماذا بعد؟
= حربًا.
_ ولأجلي.
= تسقط الراء.
رأيكم وتوقعاتكم.
خواجة ناوي على أي؟
علي وقراره، وأسامة وطريقته؟
زلطا ونورا.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)