رواية أحكام القلوب الفصل الثاني 2 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء الثاني
رواية أحكام القلوب البارت الثاني

رواية أحكام القلوب الحلقة الثانية
ولئك الذين يتركون كلّ شيء في يد اللّٰه، سوف يرون في النهاية يد اللّٰه في كلّ شيء.”
– محمد متولي الشعراوي.💙🦋
اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد. ♥️
فلطمت وجهها بفزع وخوف وهتفت في نفسها بوجل:
_ يا رب استر يا رب ومتقلوش، دا لو عرف هيقتلني، اللّٰه يسامحك ياما…
حملت الصينية الموضوع كوب الشاي بها وخرجت مهرولة إليهما وقالت بلهفة وصوت مهزوز مع ضحكة مغتصبة قاطعة حديث والدتها:
_ اتفضل الشاي يسطاا مصطفى عشان تلحق تنزل شغلك.
تبسم في وجهها بلطف وأخذ الكوب منها يرتشفه بتلذذ فهو يعشق الشاي باللبن.
ناولته قطعة كيك مردفة:
_ دوق دي وقول لي رأيك بقا.
تذوقها وقال:
_ تسلم أيدك يا ست البنات، هو في حد بيعرف يعمل حلويات غيرك.
كلمات بسيطة غير مقصودة خلقت لها جناحين تطير بهما في الفضاء الواسع، نقلتها في عالم أخر، عالم مكسو بالغرام حسب أحكام القلوب.
_____________________________
دخل مصطفى ورشة الحدادة بوجه بشوش ضاحك بعد صباحه المفعم بالشاي واللبن وقطعة الكيك التي يقسم مصطفى وأهل الحارة بأكملهم لم يتذوقوا أجمل منها قط.
وجد حسن يتلو القرآن بصوته العذب ومخارجه الصحيحة للحروف، دقته في التجويد والأحكام، تعلم مصطفى وحمودة على يديه، ولكن لم يصلا لعذوبة صوته ونقائته.
_ السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته يا معلم حسن.
أغلق مصحفه وقبله ببسمة راضية وتركه مرددًا السلام:
_ وعليكم السلام يا بني، يعني اتأخرت النهاردة؟
هتف مصطفى بينما يخلع قميصه:
_ عديت على الست سامية وبنتها اطمنت عليهم، وكتر خيرهم فطروني.
_ فيهم الخير يا بني، أخبار الحاجة فتحية عاملة أي؟
انطفىء بريق عيناه حزنًا واستطرد:
_ حالتها بتسوء واللّٰه يا معلم حسن، يلا الحمد للّٰه على كل حال.
رد حسن يطمأنه بكلمات مبردة للهيب قلبه المستعر حزنًا على والدته:
_ ربك كريم يا بني، ادعيلها يا مصطفى وربك هيحلها..
دخل عليهما حمودة بوجه مكفهر واجم، لو طال رقبة حماته إعتماد لقطعها إربًا.
سأله مصطفى:
_ مالك يا حمودة، داخل متزنعر كدا ليه؟
صمت يلتقط أنفاسه بغضب، فوقف حسن هاتفًا:
_ أنا هطلع أشرب كوباية شاي خمسينة على القهوة وأنتوا اتكلموا براحتكم.
خرج حسن يترك لولده بعض الحرية للحديث مع مصطفى صديقه منذ الصغر، هكذا يستريح قلبه قليلًا من البوح، فهو لا يحكي له حتى لا يقحمه بمشكلاته أكثر.
نزع حمودة كنزته على عجالة وأخذ المطرقة ليشرع بالعمل قائلًا بهم وغل:
_ ألف وأدور وأقلب قرد عشان أعجب الست إعتماد ومش نافع، وكل شوية تقول نفس البوقين الحمضانين، لو مش قادر على مهرها أجوزها لسيد سيدك، ولية سو مفترية.
تحدث مصطفى بهدوء ورزانة:
_ أديك قلتها، بوقين حمضانين، يعني كلام لا هيودي ولا يجيب، هي بس بتحب الفشخرة اللي على الفاضي.
_ ياخي دي حاجة تنرفز، دي مراتي يا عالم، يعني من حقي اتكلم معاها أشوفها، دي مسكت الأيد عملت فرح عليها وكانت هتلم أمة لا إله إلا اللّٰه.
وقف مصطفى أمامه وربت على كتفه بمؤازرة:
_ أنت ليك البنت، حباك ومرتحالك خلاص، أنت مش هتتجوز أمها يعني.
قوس حمودة شفتيه بإمتعاض وأردف:
_ أنا زهقت خلاص، أخلص الموضوع وأخلص من كل الزن والذل دا….
اهتزت حدقتا مصطفى وهتف مستنكرًا:
_ هتسيبها ولا أي؟
ضحك حمودة مجيبًا:
_ أسيبها أي بس، أنا بقول أقتل أمها أحسن، وأهو أريح البشرية من شرها.
ظهرت ضحكة غير مصدقة على محيا مصطفى وهمس:
_ يخرب عقلك يا حمودة.
هتف حمودة بمرح وهذل:
_ اضحك كدا يسطاا مصطفى وفك على الصبح، مش بياعة العلف هي اللي تنكد علينا…
دخل حسن عليهما مذهولًا يضرب كفًا بالأخر متعجبًا:
_ سبحان ما مغير الأحوال، سايبكم فـ حال رجعت لقيتكم بحال تاني.
________________________
_ مصطفى هيزعل يا حنين لما يعرف واللّٰه.
قالتها نيرة تحذرها من غضب أخيها فأردفت حنين:
_ يعني هعمل أي يا نيرة، كفاية عليه علاج أمك لسه كمان هيصرف عليا أنا وأمي!
_ مصطفى ربنا كارمه واللّٰه..
ناولتها كوب الشاي بعدما وضعت به السكر المناسب لها واستأنفت حديثها:
_ يبقى طالع محلتوش حاجة ولما يرجع ربنا بيكون كارمه من وسع واللّٰه.. وبعدين الست سامية دي أمه التانية يا بت يا حنين وأنتِ…
زجرتها بقوة صارخة:
_ متقليش كدا اللّٰه يباركلك، أنا ومصطفى مش أخوات، أمه اسمها فتحية وأمي اسمها سامية، وأبويا محمد وأبوه اسمه سعد. يعني مش أخوات افهموها بقا أنا بحبه.
ضربتها نيرة على رأسها بحدة هادرة:
_ روحي نادي فـ الجامع بالمكرفونات أحسن يا بت محمد.
وصلت ذلك المحل الذي اتفقت مع صاحبه سابقًا بالعمل معه، ألقت التحية عليه بود وإمتنان:
_ صباح الخير يا عم سالم.
_ صباح الخير يا حنين، يلا شوفي شغلك بسرعة الزباين شوية كمان وهتهل على المحل.
_ حاضر يا عم سالم.
قالتها وهي تشرع بالعمل بحيوية وشغف وأمل في الغد، ذلك الأمل الذي اقتسرته على البقاء لتغير حالها لأحسن حال، ولكن الريبة تزورها من بين فينة وأخرى، لو علم مصطفى بعملها فحتمًا لن يرحمها.
____________________________________
مر اليوم سريعًا وعاد مصطفى بعد العصر لشقته، فطرق شقة حنين أولًا يعطيها بعض الفواكه التي أحضرها لها ولوالدتها كعادته، ما يحضره لوالدته وأخته يتقاسمه معهما.
فتحت والدتها سامية مرحبة:
_ أهلًا يا بني اتفضل.
ابتسم بوجهها بحنو قائل:
_ معلش يا ست سامية، أنا بس قلت أطمن عليكم، أمال فين حنين؟
سألها عندما لاحظ هدوء الشقة فهي كتلة نار متقدة لا تنفك عن الشغب.
_ حنين راحت ااا….
تراجعت في الحديث بإرتباك وتذكرت وصية حنين لها أن لا تعلم مصطفى بشأن عملها.
سألها مصطفى بشك عندما لاحظ ترددها بنبرة غليظة بعض الشيء:
_ حنين فين يا ست سامية؟
_ راحت تنام، تعبت فـ شغل الشقة وقلبتها فوقاني تحتاني فنامت من التعب.
هز رأسه دون إقناع وناولها الفواكه التي اعترضت بداية الأمر على أخذها ولكنها أذعنت تحت إصراره.
__________________
في اليوم التالي، صباحًا.
في البناية التي توجد بها شقة أسامة وأيضًا بسمة، حبيبته التي يتمنى من اللّٰه أن يرزقه إياها، ولكنها متمردة على حبه، لا تنفك عن وضع الحواجز والأسوار بينهما.
مر على شقتها هي ووالدها ووالدتها، فوالدتها تقربه من جهة والدته، ابنة عمها.
سأل عنها لتخبره والدتها أنها تحركت من الشقة للتو، فركض ليلحقها، ولسوء حظه لم يلحق بها.
فتحرك قاصدًا عمله فتقابل معها “بالأتوبيس”
دخلت بعده ولم تجد ولا مقعد شاغر فوقف أسامة عندما رأها ووقف لتجلس مكانه ووقف هو بجوار مقعدها، أهدته بسمة شاكرة فقابلها هو ببسمة متيمة تحتل عينيه دائمًا بوجودها أمامه.
اقتلع نظره عنها بصعوبة بالغة حتى لا يلاحظ أحد نظراته لها.
أما هي فاخرجت كتاب تلهي به نفسها حتى لا تشعر بطول الطريق، وصلت أخيرًا لمقصدها فنهضت تدس كتابها بحقيبتها فتحرك الأتوبيس فجأة لتجد ذاتها بين ذراعيه يحاوطها بهما، اختض قلبه فأبعدها سريعًا يبتلع رمقه الذي جف بغتة وأطلق سباب بذيء وصاح بصوت عال:
_ أي يا زفت أنت مش براحة.
أعتذر السائق:
_ لمؤاخذة يا بشمهندز، بس..
هدر به بغضب:
_ بس أي؟ لو ست كانت نازلة دلوقتي ووقعت تقدر تقولي أعتذارك هيفيدها بأي؟
هتفت بسمة بصوت خفيض تهدأه:
_ خلاص يا أسامة محصلش حاجة.
نزلت من الأتوبيس فلحق بها أسامة فوقفت تسأله بحيرة:
_ مالك يا أسامة مرحتش شغلك ليه؟
أجابها بحدة خفيفة أثر غضبه منذ قليل:
_ هطمن عليكِ بالأول يا بسمة.
وقفت تتخصر وسألته رافعة حاجبيها:
_ ودا ليه إن شاء اللّٰه يا أستاذ أسامة؟ أنا هتوه يعني عن المدرسة.
_ أنا قلتها كلمة، هوصلك واطمن عليكِ يا بسمة، وبعدين شيلي أيدك من وسطك.
فتحت فمها لتتحدث فزجرها بنظراته لتنصاع له مجبرة..
سار بجانبها وقلبه يرفرف بكل خطوة تقيدت مع خطواتها، يتنفس من ذات الهواء الذي تتنفسه، عيناه تحيد لملامحها الهادئة بين الفينة والأخرى، وصل للمدرسة التي تعمل بها، وقف أمامها ومال ليصل إليها عيناه تقابل عيناها التي تشبه النجوم في تلألؤها، فقال بصوت رخيم:
_ هتعوزي حاجة يا أبلة بسمة؟
هزت رأسها مرددة:
_ متشكرة يا أسامة.
صعدت إلى المدرسة فشهقت بجزع…
______________________
_ صباح الخير يا نيرة.
ضحكت نيرة عندما رأتها وردت:
_ صباح الفل يا ست حنين، بتجري كدا ليه؟
ردت حنين على عجالة وهي تركض لأسفل:
_ عشان متأخرش عن الشغل ياختي، واستنيت لحد ما مصطفى نزل.
_ خلي بالك من نفسك يا حنين.
صاحت بها نيرة في أثرها، ركضت لأسفل وما كادت أن تخطي باب البناية حتى رأت مصطفى عائدًا، ثبتت أقدامها بالأرض رغم إهتزاز جسدها، ومصطفى يتقدم ولكنه لم يراها بعد.
استدركت حالها واختبئت خلف باب البناية الكبير الضخم، دخل مصطفى وركض لشقته بسرعة، وعندما رأته نيرة توترت وتخلت عنها قوتها.
_ واقفة عندك بتعملي أي يا نيرة؟
اهتزت في وقفتها وفركت كفيها ببعضهما لتجيبه بصوت مهزوز:
_ كنت، كنت عند حنين بصبح عليها.
هز رأسه ودخل لشقته أخذ هاتفه الذي نساه وهو خارجًا.
نزل سريعًا، لم يأخذ الأمر دقائق، وحنين مازالت تختبئ خلف الباب، لو خرجت كان سيلحقها حتمًا.
تتوسل وتدعو اللّٰه أن لا ينكشف أمرها.
_ يا حزن الحزن يا حنين، لو شافك هيعملك بطاطس شبسي.
ولسوء حظها، تعلق كم قميصه بمقبض الباب، فخلعه مصطفى ببعض العنف فأدى إلى إرتطام الباب بجبهة حنين، كتمت صرختها، حتى اختفى من الشارع، وخرجت من خلف الباب تغمغم:
_ أي ذنبه الباب المسكين اللي كان هيتكسر فـ أيده دا.
هرولت إليها نيرة هتفت بتوجس:
_ أي اللي حصل؟ شافك؟
_ لا ياختي، بس كان هيفضيلي رأسي وهو طالع.
قهقهت نيرة بقوة، فزجرتها حنين:
_ أنتِ لسه هتضحكي، أنا هجري بسرعة قبل ما أتأخر.
تمتمت نيرة ضاحكة بمرح:
_ اللّٰه يكون في عونك يا حنين، مصطفى قالب لك عقلك.
________________
_ أكرم!
قالتها بتفاجئ وخوف، فرمقها بنظرة غاضبة متحجرة وهتف بتهكم:
_ أي شوفتي عفريت!
تناسلت حروف كلماتها ونطقت بتردد:
_ لا لا هو.. صباح الخير.
قالتها ببساطة تغير الموضوع، فصاح بها في حدة:
_ مين اللي كان واقف معاكِ تحت يا بسمة؟
رسمت الإستنكار على وجهها ولكنها داخليًا تتراقص على ألحان غيرته فزادها غرورًا.
تسائلت بغباء تعتمده:
_ مين؟
تقدم منها بخطوتين تطيح بالأرض غضبًا فارتدت أضعافهما للخلف بينما هو يزمجر بها:
_ مين اللي لسه موصلك دلوقتي يا بسمة؟
حقًا ارتعبت من غضبه وصوته، فأجابته سريعًا:
_ دا أسامة يعتبر ابن خالتي، كان رايح شغله.
_ ويوصلك ليه؟
ما زال غضبه يغلبه فحاولت إرضائه:
_ زي ما قلت، كان معدي رايح لشغله وصلني، بس واللّٰه مفيش حاجة تاني.
حجم من غضبه وهتف بحب مبتسمًا:
_ بسمة، أنا مش عاوز حد يقربلك أبدًا حتى ولو كان ابن خالتك، تمام؟
تبسمت بإتساع وخفر عرم:
_ حاضر يا أكرم، يلا بقا أحسن حد من الطلاب يشوفونا، هيبقى منظرنا وحش أوي.
____________________
أهلكها العمل، كانت تعتقد أنها أقوى وتستطيع، ولكنها ضعيفة جدًا كما أخبرها مصطفى سابقًا، ستعانده وتعمل لتخبره مع الوقت بأنها على قدر من القوة والنضج للتعامل مع العالم الخارجي.
قطع إنشغالها صوت ذلك الرجل سالم فانتبهت له:
_ كنت بتقول أي يا عم سالم؟
تنحنح وأردف بحرج يحاول مداراته:
_ هو أنتِ مخطوبة يا ست البنات؟
ردت بكلمة يتيمة متعجبة:
_ لا.
عاد بسؤال آخر:
_ طب مرتبطة ولا حد قايل عليكِ.
_ لسه لما ييجي النصيب يا عم سالم.
هذه المرة ردت بحدة بعض الشيء حتى ينفك عن مضايقتها بحديثه، تكفي نظراته التي تزرع الريبة بقلبها وتجعل حواسها متأهبة لأي خطر من جهته.
كاد أن يدلي بسؤال أخر، فقاطعته بنفاد صبر:
_ في بضاعة ناقصة يا عم سالم، هاتها من المخزن، الزباين طالباها كتير.
تحرك سالم بقنوط على وعد بفتح الحديث مرة أخرى، فحنين قد أعجبته بجمالها الطبيعي وقوتها الجالية في أفعالها الناضجة.
أما هي فاشغلت ذاتها مع بعض الزبائن التي دخلت المحل.
_______________________
عاد من عمله مشغول الفكر، تتخبط به الطرقات كسائر بلا طريق أو دليل، كلما تنفرج الحياة من جانب تأتي حماته بكل جلف وإجتواء تعقلها وتعقدها في وجهه.
ما ذنبه أنه أحب هدى “سُكرته”؟ ضحك على اللقب الذي يطلقه عليها، فهي وصغيرة كانت تعشق السكر وتسرقه من وراء أمها لتأكله ولم تجد مكان أفضل للتخبئة إلا في شقته.
شهق بجزع وقفز للخلف عندما سكبت أم إسماعيل الماء عليه من الأعلى دون قصد منها، رفع رأسه لأعلى بسخط، فضحكت “صابرين” مبادرة الحديث بحرج:
_ يوه يقطعني يسطاا حمودة، واللّٰه ما خدت بالي.
زال سخطه وغصب على شفتيه لتتبسم قائلًا:
_ ولا يهمك يا أم إسماعيل، أنا أساسًا كنت رايح استحمى، ربنا يخليكِ للمنطقة وتحميهم.
ضحكت على دعابته ودخلت لشقتها، وتحرك هو في طريقه لتصتدم الكرة برأسه فشاطها بمهارة عالية، ليستدير أسامة ضاحكًا وهتف معتذرًا:
_ معلش يا حمودة، أعذرني أصلي لسه بتعلم اللعب جديد.
قهقه حمودة عاليًا وخلع قميصه ليبقى بكنزة دون أكمام وشرع في اللعب مع أسامة وبعض الأولاد يلعبون بالشارع الفسيح.
تعالى صوته:
_ شوط الكرة هنا يا زلطا.
ودقائق ووصل مصطفى وقف يحدق بهم بزهول فتوقف حمودة ينظر له بحرج يمرر أنامله في خصلات شعره وتحدث:
_ أغووني واللّٰه بلعب الكورة، رجعوني وقت ما كنا عيال.
عقب أسامة:
_ أجمل أيام واللّٰه العظيم.
شمر مصطفى نهايتي بنطاله ونظر لهما بتحد سافر وأردف:
_ كنت ديمًا بغلبكم، جربوا المرادي يكش تكونوا اتعلمتوا.
غرقوا باللعب معًا وقد أخذهم الحنين لأيام الصبا، والبراءة قبل أن تندسهم الحياة بخطاياها، قبل أن يتعرقلوا بمسئولياتها.
_____________________
وقفت تنتظره على باب الشقة رغم خوفها من رؤية والدتها لها لتحذيراتها المكثفة بعدم مقابلته.
وصل إليها ببسمة تتسع مع كل خطوة تجاهها، طرف إليها بلوعة، بتشرب لملامحها التي أحل اللّٰه له النظر لها إلا في شرع حماته، يصير حلالًا إذ فقط أكمل مهرها.
عجبًا لمنطقها الذي تنتهجه!.. منطق المال يسود..
_ وحشتيني يا سُكر.
نبرته الهامسة التي يعتريها الهيام رجت قلبها وكل خلية بجسدها، اغمضت عينيها بخجل تردد كلماته ففتحتهما وهمست بعشق طائف:
_ مش أكتر مني.
تنحنح خوفة أن تأخذهما هالة الحب وتنسيهما المكان والزمان وخاصة إعتماد ووجودها المفاجئ.
انحنت برأسها للخلف تراقب إذا كانت والدتها قادمة، وعادت له لتستدرك بأنه بكنزة بلا أكمام فهدرت به في شراسة:
_ فين قميصك يا حمودة؟ طالع بالفانلة الحمالات يا محمود!
شعور خاص يدغدغ قلبه عندما تغار عليه، تفتعل المشاكل من حبها له، رد مبررًا:
_ اللّٰه يسامحها الست صابرين أم إسماعيل كبت عليا مايه من البلكونة، وبعدين كنت بلعب كورة.
ضحكت بقوة وقالت:
_ هي الولية دي حالفة تحمي كل واحد فـ الحارة ولا أي!
_ أهو كله توفير فـ المايه.
قوست شفتيها متحدثة بنزق:
_ بس برضو مكنش ينفع تقلع القميص.
غير الحديث بمرح وغمزة من عينيه:
_ بس أي رأيك فيا وأنا بلعب.
تشدقت بسخرية:
_ كالعادة طبعًا أسطا مصطفى هو اللي غلبكم.
أستطرد بمراوغة:
_ يا بت يا هبلة، أنا اللي بخسر نفسي قدامه عشان هو أكبر مني ووجب عليا أحترامه.
_ كلك رجولة يا حمودة.
كلمات بسيطة بحروف دقيقة تقرع لها طبول القلوب، تتراقص لها المشاعر زهوًا.
ليست مجرد كلمات، بل حياة سعيدة تُخط.
_________________________
مر الحال كما هو عليه، تخرج حنين سرًا ولا يعلم مصطفى بها لكثرة إنشغاله هذه الفترة.
خوفها يتفاقم من سالم رب عملها ولكنها تتمسك بخيوط شجاعتها وقوتها ببسالة تحسد عليها.
مر زلطة على ورشة الحدادة، فرأه مصطفى فصاح باسمه.
_ أي يا زلطا مش ناوي تشتغل معانا ولا أي؟
رد سريعًا بإحترام وتهذيب:
_ أكيد طبعًا يسطا مصطفى هشتغل.
طلب منه قائلًا:
_ طب ناولني العتلة دي.
ناوله المطرقة بعقل مغيب بلا تركيز، وبخه مصطفى ببعض الرفق:
_ بقولك العتلة يا زلطا مش الشاكوش ركز اللّٰه يباركلك.
بحث عنها بعينيه دون تحرك وعاد بنظره لمصطفى قائلًا:
_ ملقتهاش يسطا.
طرف إليه مصطفى بطرف عينه وتحرك خطوتين ليسحب شيئًا بعينه وأشهره أمام زلطا مستطردًا بإستنكار:
_ دي مش عتلة! مخك فين؟
إرتبك مرددًا:
_ ولا حاجة يسطا، هشتغل أهو.
_ طب هات الحديدة دي.
توقف بمكانه بصمت فتقدم منه مصطفى ووضع كفيه على كتفي زلطا وهتف برفق:
_ مالك يا زلطا أي اللي شاغل بالك؟
_ صراحة كدا يسطا مصطفى، أنا شوفت الست حنين بتشتغل في محل سالم الضبع.
توحشت ملامحه وغامت عيناه بغضب متوعدًا لها وو….
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)