رواية أحكام القلوب الفصل الثاني عشر 12 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء الثاني عشر
رواية أحكام القلوب البارت الثاني عشر

رواية أحكام القلوب الحلقة الثانية عشر
“صلوا على أشرف الخلق محمد.”💙🦋
_ متحاوليش يا هدى قلت لا.
رفض بشكل قاطع صارم، ولكنها لن ترضخ لرفضه، تابعته إلى الغرفة وهي تثرثر بإلحاح:
_ نص ساعة بس يا حمودة، نص ساعة وهرجع واللّٰه.
فتح خزانة ملابسه دون أن ينبس بكلمة هذه المرة ووقف حائرًا فيما يرتدي، فمدت هي ذراعها من جانبه وأخرجت له ثيابه المناسبة من وجهة نظرها، فأخذها منها وتوجه للحمام، وهو يقول بذات الرفض:
_ قلت لا، أنا ما صدقت إنك خلاص بقيتِ فـ بيتي تقولي أروح أسلم عليها!
إغتاظت من رفضه المجحف لها والظالم، تعلم خوفه جيدًا ولكنها تشتاقها:
_ دي أمي يا حمودة، بقالنا أربعين يوم متجوزين ما كلمتها حتى مرة واحدة.
_ مش هي دي اللي كانت عاوزة تفرقنا، عاوزة تشوفيها ليه؟
لم تتخيل رده القاسي هذا، طالما شاهدته حنون يعجز أمام إلحاحها.
هذا حقه بعد كل ما مر بهما بسببها من حقه منعها عنها، من حقه إبعاد الخطر عن حبيبته ولو كان أمها ذلك الخطر.
جف حلقها فجأة فترنحت بصدمة جلية، قتل قلبها دون أن يعلم بحديثه.
_ أبعدي عن الباب ولا هتدخلي معايا الحمام؟
ترقرقت الدموع بعينيها، وارتعش كفها، فابتعدت بهدوء وخذلان، خذلها من تركت العالم لأجله، خذلها ملجأها الوحيد.
جلست على طرف الفراش، معلنة حالة الغضب والحزن.
خرج وجفف شعره ووضع عطره، ولاحظ شرودها، يدرك أنه قسى عليها، ألمها، ولكنه أراد تذكيرها بما قاساه معًا، فهي بمجرد رجوعها لها ستشحنها ضده، تملأ عقلها بحقدها.
اجفلت عندما وضع كفه على ذراعها يمسد عليه بحنان، ومال يقبل صدغها بعمق، قبلة إعتذار، ابتعدت بوجهها عنه، فلم ييأس فاقترب أكثر وهمس لها بنبرة هائمة مؤثرة:
_ هدى حبيبتي، أنا مش بظلمك واللّٰه ولا حابسك هنا، أنا خايف عليكِ يا هدى، لما صدقنا اجتمعنا أخيرًا، بحبك يا سُكر.
من همساته ولمساته الشغوفة تأثر جسدها وذاب بين ذراعيه في ضعف محبب، وهم بها فهمست برجاء أخرجه من ذروة مشاعره المتأججة:
_ أمي وحشاني أوي يا حمودة، اسمحلي أروح أشوفها.
فقد كل ذرات تحكمه بذاته، فانتفض عنها بغضب جم، مهما فعل ستظل لعنة إعتماد تلاحقه، ستنغص عليه حياتهما.
هندم ثيابه وترك الشقة صافعًا الباب خلفه بعنف معلنًا غضبه منها.
أما هي فبكت بحزن على حالها، لم تتخيل قط غضبه هذا أو موقفه الصارم تجاه والدتها.
__________
عصرت عقلها عصرًا، تحاول التذكر أي شيء من تلك الليلة المشئومة، تلك الليلة التي فقدت فيها روحها المفعمة بالحياة، فقدت شغفها تجاه كل شيء، لا شيء يثيرها، يجذبها، كل شيء يثير نفورها، حتى أسامة الذي لا ذنب له وقعت عليه نكبتها، تنفر منه، وهو يلتزم بالإبتعاد عنها، يحترم رغبتها في النفور منه.
أطبقت جفونها بقوة حتى أدمعت بحرارة، ولاح في ذاكرتها أحداث مشوهة، لا ملامح تتيقن منها.
تشاجرت مع والدتها عندما رفضت عرض الزواج من أسامة، وخرجت من البيت لتهاتف أكرم وأقلها لمكان بعيد، تحاول تنظيم أنفاسها، تحدثا بأمور شتى وبعدها لم تتذكر أي شيء، فقط وجدت نفسها ملقاة على أول حيهم الذي يقطنونه وأدركت من ملابسها المقطعة والملطخة بالدماء فضلًا عن الطين الذي رميت فيه.
أكرم! يا ترى هو من فعل بها هذا؟ خدعها واستدرجها لفعل فعلته الحقيرة هذه!
لا هي موقنة بحبه لها، كان صادقًا في كل كلمة تنبعث منه، لن يصل به الحال لهذه الدنائة.. أبدًا.
كفكفت دموعها وأجلت حلقها وهاتفت زميلة لها تعمل بنفس المدرسة.
_ أخبارك يا بسوم؟ كدا تتجوزي من غير ما تعزميني.
تحاملت على ذاتها ليبدو صوتها طبيعيًا وأجابت بصوت خرج مهزوزًا رغم عنها.
_ معلش يا ندى، بس الأمر جه بسرعة.
صمتت ولا تعلم كيف تبدأ بالسؤال عنه، فتنحنحت وتابعت بغير إكتراث حاولت إقتباسه:
_ أخبار المدرسة وباقي الزملا، وحشني الشغل أوي.
نجحت في وضع أول لبنة في حوارهما فندى معروفة بالثرثرة ونقل كل حدث بالتفصيل حتى وإن كان لا يخصها.
ملت صراحة من حديثها حيث أنها لم يفلت أحد منها، وللآن لم تعطها ما تريد.
تنهدت أخيرًا عندما جاء ذكره فهتفت بحماس أكبر:
_ نسيت أقولك، أكرم بقا دا أي، بقا فـ عالم تاني، خد أمه وسافر بره.
عقدت حاجبيها وتحاول يائسة أن تهدأ من نبضات قلبها.
_ سافر فين، وأمتى؟
ردت ندى بإفاضة:
_ قدم إستقالته من قبل جوازك بيومين تقريبًا وقال إنه هيسافر إيطاليا وهيشتغل هناك، دا كأنه وقع على كنز علي بابا يا بت يا بسوم، يا بخته واللّٰه!
تعلقت الدموع بأهدابها وتحشرج صوتها، ولذا نهت المكالمة بأصابع ترتعش، ونوبة الصراخ تهددها.
خرجت آه متوجعة بضراوة وقد ضاقت الغرفة عليها كثقب إبرة، أحست بنفسها يتصاعد وقلبها كأن سكين حاد يسدد له الطعنات.
في تلك اللحظة دخل أسامة عندما استمع لصوتها الباكي، الفترة الماضية ابتعد عنها بشكل كبير، ليعطيها وقتها في الحزن والبكاء، ولكن وقتها زاد عن حده.
رفعت نظرها له، وأوقفته بيديها المرتعشة وهمست بنشيج حار:
_ متقربش، متقربش سيبني لوحدي مش عاوزة حد…
هذيت بالكثير دون وعي ولكنه لم يتلقف إلا أول كلمات فقط.
أبسط الحزن غيمه على قلبها، غيم عقيم بلا مطر، يهطل منه جمرًا يحرق أحشائها، وضاقت بها أرضها لتقع بالرقعة الأكثر سوادًا من غيرها.
_ أهدي أهدي يا بسمة، أنا مش هأذيكِ يا حبيبتي.
_ كلكم أذتوني، حياتي راحت، يا رب أموت.
ارتفعت نبرته جراء إنفعاله:
_ لا حول ولا قوة إلا باللّٰه، بسمة أنتِ مؤمنة يا بسمة، موت أي بس اللي بتتكلمي عنه؟
تمتمت بالحوقلة خلفه وقد سكنت شهقاتها، فاستغل هو هدوئها البسيط وتقدم بخطوات غير ملحوظة واستأنف:
_ الحياة لسه بتمدلك فرصها يا بسمة، انسي وعيشي حياتك وحياتك عندي هجبلك حقك، حاولي بس تفتكري أي حاجة تساعدني.
هذرت بإنفعال وبكاء يمزق حلقها:
_ مش فاكرة مش فاكرة.
تكورت على السرير تضم ساقيها لصدرها ولم يصدر منها إلا صوت شهقاتها التي تمزع روحه.
أشعل المذياع على صوت القرآن الكريم، صوت هادئ مؤثر في النفوس، فارتعش جسدها وأخذت تسعل وتنتفض بشدة ملحوظة.
﴿بَلى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ﴾
[البقرة: ١١٢]
صدح صوت الآية مخففة رمد القلوب، سارت رعشة بجسدها تأثرًا بالآية وهدأ بكائها رويدًا رويدًا.
______________________________
_ مكنش العشم برضو يا ست إعتماد.
أغلقت إعتماد الباب خلفه وهي تقول بحرج:
_ اتفضل الأول يا حمودة، نتكلم جوه.
جلس على المقعد لتجلس هي مقابله على أريكة أخرى، وتنهدت بقلة حيلة فهتف حمودة بعتاب وضيق:
_ هو دا الوعد يا ست إعتماد؟
_ معلش يا بني، بس أنت عارف حمودة وشره، آخر مرة حاولت أمنعه كان هيمد أيده عليا.
ضغط على مسندي المقعد بشدة حتى نفرت عروق يده، تحالف الصديقان معًا وغدرا به وأخذا حقه.
ارجع رأسه للخلف مسندًا رأسه، وغامت عيناه بتلك الذكرى الجميلة التي سلبوه إياها.
الجميع كان على علم بحبه لهدى، وقد وعدته إعتماد بأنها ستكون له، وقبل سفره أوصى حمودة صديق عمره عليها، أمنه على حبه وهو خطفها منه بكل خسة.
_ أنا لازم أرجعها، مش خواجة اللي يتاخد منه حاجة بتاعته، يا أنا يا أنت يا حمودة الزفت.
همس بها في شر، وقد عزم إسترجاع حقه ولو بالقوة.
أجلى حلقه وهتف لتنتبه له إعتماد:
_ أحنا لازم نفرق ابن **** دا عن هدى.
مالت بجسدها في تحفز وتلهف وقالت:
_ وهنعمل دا أزاي يا خواجة.
ارتسمت على شفتيه بسمة حاقدة عيون تلمع بشر لا قرار له:
_ أقولك أنا يا ست إعتماد، بس فتحي مخك كدا معايا.
_ معاك ياخويا.
وضع ساقًا فوق الأخرى وانبس بحقد:
_ أول حاجة تستدرجي هدى وتميلي عقلها، عاوزك تقويها عليه.
رجعت بظهرها للخلف وقوست شفتيها في حسرة.
_ وأزاي دا ياخويا وهو أساسًا مش بيخليها تكلمني، وكمان زعلانة مني.
امتعضت ملامحه وسب تحت أنفاسه، وفكر في بديل أخر، ولكن لا بديل.
_ حاولي يا ست إعتماد، دي بنتك برضو ومعتقدش الزعل هيدوم، أنتِ حاولي بس تملي عقلها، وأنا هحاول من جهتي أشوفها.
هزت رأسها في تصميم وأقسمت على تفريقهما.
______________________________
طرقات صاخبة على الباب، تكاد تكسره، ففتح بضيق شديد وود لو قتل الطارق.
_ أي الصداع دا على الصبح.
لم يلحظ أحدًا على مستوى بصره فكاد أن يغلق الباب وهو يشتم بغضب لولا صدور صوت طفل، فنظر لأسفل قليلًا ليجد طفلًا صغيرًا يصيح:
_ أستنى يا عم.
عقد علي حاجبيه وأطرق رأسه له متسائلًا:
_ أنت مين يابني؟ وجاي ليه؟
رد الطفل بإزدراء يناظره بحدة:
_ أنا صالح، وكنت عاوز البنت الطويلة الصغيرة اللي عندكم، تلعب معايا.
_ تلـ.. تلعب أي ياخويا! وأنت هو زفت صالح؟
قالها علي بصدمة، هذا الطفل هو ذاته الذي تعتزلهم لولو بسببه، لأنها تريد اللعب معه.
_ لو سمحت يا عمو، بلاش تغلط، ويلا ناديلي لولو تلعب معايا عشان مستعجل.
لمرة أخرى يثير هذا الطفل إعجابه وتفاجئه، فرد علي بتهكم:
_ ومستعجل على أي ياخويا، خايف تتأخر على السفارة!
سمعت لولو صوته فركضت للخارج مسرعة وكادت تخرج من الباب فسده علي عليها وهو يزجرها بنظراته وجز على أسنانه.
_ وأنتِ رايحة فين يا ست لولو أنتِ كمان.
ردت ببراءة طفلة وصفقت بحماس:
_ هروح ألعب مع صالح.
احتدت نبرته من الغضب وهدر بها:
_ تلعبي فين إن شاء اللّٰه، ادخلي جوه يا لولو.
احتجت وثبتت على موقفها بتمرد:
_ مليش دعوة عاوزة أنزل ألعب معاه.
عقب صالح:
_ أيوة يا عمو، هنلعب ساعة كدا وهنرجع.
أمسكه علي من خلف عنقه يشده من ثيابه وأدخله لغرفة الجلوس ولولو من خلفهما، أوقفه أمام مرآة كبيرة وأوقف لولو بجانبه، فأشار عليهما وهو يتحدث لصالح، فهو لو أقنعه فمن السهل إقناع لولو.
_ بص يا صالح، شايف في فرق كبير بينكم فـ الطول والسن، لولو مش صغيرة زيك صح.
أومأ صالح وردد:
_ صح.
_ يبقى ألعب مع اللي قدك فـ السن، يلا يابني بالسلامة أنت.
جره خلفه فأوقفه صالح، فرمقه علي بإستفهام ليبادر صالح:
_ مش هتخليها تلعب معايا.
اغتاظ علي منه فحمله على كتفه وأنزله خارج الشقة يهدر به:
_ عارف لو جيت هنا تاني أو شوفتك كلمتها من البلكونة هرميك منها، ماشي.
وصفع الباب في وجهه، ولوى شفتيه بضيق، فعليه الآن إسترضاء لولو ومحايلتها.
___________________________________
يومين وهي تتجاهله، كلما يقترب تبتعد بحزن، وهو لا يقدر على حزنها، يشتاق لضحكتها ومشاكستها.
ما الحياة دون عناق دافئ، لمسة حنون على كف خشن تدواي ما جرحته الأيام، ما الحياة دون امرأة تمتلك حضنًا يساع قلبك ومآساته.
جلس على السرير بجانبها يتلمس شعرها ببطء ويخلل أصابعه به، ومال عليها ليطبع قبلة على وجنتها، فاجفل جسدها وازدادت نبضات قلبها صخبًا فابتعدت عنه مشيحة بوجهها للبعيد، فاقترب هو ما ابتعدته ولف ذراعه على خصرها يقربها منه وأنفاسه تلفح صفحة وجهها لتزيد إشتعاله، همس في أذنها بنبرة خشنة ولكنها أثرت بها:
_ هتفضلي قالبة وشك كدا كتير يا سُكر.
ردت بتعنت، فحقًا أوجعها حديثه، خذلها بما فعله:
_ أيوة.
ضحك على نبرتها فاغتاظت أكثر وهبت، تصيح بنفاذ صبر.
_ يا برودك يا شيخ! وكمان بتضحك.
وقف خلفها وحاوط جسدها بجسده بقوة أنت جرائها وهمس بأذنها:
_ طيب أي اللي يرضي حبيبي وأنا أعمله.
_ متخذلنيش تاني.
للحظات خفت قبضة يده، فظنها ستطلب الذهاب لأمها، تتدلل عليه، ولكن جملتها هزته وأثارت إعجابه قبلًا، تطلب كل شيء في طلب واحد مسبق، كأنها تريد منه توقيع عقد يضمن حقها فيه، في أن قلبه لا يقسو عليها أو يضرها بأي شيء.
_ مش قصدي يا حبيبتي، بس أنتِ عارفة خوفي عليكِ.
شدد على جسدها وقبل كتفها وقال:
_ جهزي نفسك هوديك لأمك وأنا هروح أقعد مع أبويا وأمي شوية.
ابتعد عنها ليتحرك فأمسكت بيده تمنعه وقالت بجدية:
_ لا مش هروح النهاردة.
تفاجأ من رفضها، فهي المتسببة في تلك المشكلة عندما رفض ذهابها لأمها، فقطب حاجبيه وهتف:
_ أنتِ عاوزة أي بالظبط يا سُكر؟
ضحكت بإفترار وقالت بمراوغة تروق له:
_ مش عاوزة حاجة، بس تقريبًا أنت اللي عاوز.
غمز بطرف عينه وصاح بحماس:
_ إلعب يا جميل، هو دا الكلام.
______-___________________________
سار أسامة في رواق المشفى بخطى متعبة فاليأس نخر بقلبه وشتت عقله وسار به لطرق محكمة الإغلاق عليه، لم يحدد بعد ما الأصح ليفعله، حالتها كما هي، تخاف منه بشدة بل ترهبه، لم يجد شيء في حالتها كلما اقترب منها تنفر قربه وهو مل هذا، فقرر بطلاقهما وتعود لأهلها فهو لم يعد يتحمل هذا الوضع أكثر.
“نهاية البارت”
رأيكم وتوقعاتكم.
يا ترى خطة خواجة هتنفع وهيقدر يفرقهم؟
حمودة فـ نظركم خاين وغدر بصاحبه؟
وأسامة هيعمل أي؟ يا ترى بسمة تستحق إنه يسيبها؟
لو سابها دا من حقه ولا هو كدا خل بحبه!
أكرم مثلًا؟!
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)