روايات

رواية أحكام القلوب الفصل الثامن عشر 18 بقلم منى عيد

رواية أحكام القلوب الفصل الثامن عشر 18 بقلم منى عيد

رواية أحكام القلوب الجزء الثامن عشر

رواية أحكام القلوب البارت الثامن عشر

أحكام القلوب
أحكام القلوب

رواية أحكام القلوب الحلقة الثامنة عشر

“أستغفر اللّٰه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.”💛🌺
سحبها من كفها وأجلسها على الأريكة وجلس مقابلها، حاول إلتزام الهدوء ولكنه فشل، الأفكار السيئة تعصف به، تكاد تدمر عقله وتجعله كرماد سيجارة محترقة.
_ مين أكرم دا؟
لم ترد، ظلت صامتة شاردة في اللاشيء، فعاد يردد سؤاله بصراخ، وقد فقد سيطرته على أعصابه.
_ قلت مين أكرم دا؟ دا فعلًا حبيبك القديم، ويا ترى هو بقا اللي مسئول عن حالتك دي؟ انطقي ما تسكتيش، حاسس إن عقلي هيفرقع مني، مش قادر أفكر، مين أكرم دا؟
ثقل لسانها، وتجمدت أوصالها، فهي النهاية، نهاية حياتها مع منقذها، الرجل الوحيد الذي تحامل على نفسه لأجلها، وأحبها رغم كل شيء.
ستخسر أجمل ما تملك.
_ أيوة، أنا وأكرم كنا.. كنا..
لم تستطع إكمال جملتها، ستسحق كرامته وقلبه كرجل أحبها وأكرمها في بيته.
فأكمل هو عنها بقلب مضمني، وروح تتجرع العذاب.
_ كنتوا بتحبوا بعض صح.
ابتسم بسخرية وهذر بها في جنون تلبسه، لم يعد قادرًا على الصمود أكثر:
_ وهو السبب فـ حالتك دي صح؟ أنتِ خسرتِ حياتك وعذريتك بسببه صح، وممكن متكنيش مغتصبة أساسًا، ممكن يكون خلي بيكِ بعد ما خد غرضه، رماكِ زي الكلاب..
صرخت هي مقابله بقلب يتلوى وعيون باهتة شاحبة، آخر ما تمتلك حبه لها وتصديقه لها، وهو يشكك في أخلاقها.
_ لا لا واللّٰه ما حصل، واللّٰه ما حصل.
اقترب منها ووضع كفيه على كتفيها يشد عليهما وهدأت نبرته حتى صارت خافتة، يتمسك بآخر أمل له في حل ما بينهما:
_ أنتِ بتحبيه، لسه بتحبي الزفت دا؟
صرخت به، وهي تهز رأسها بعنف رافضة فكرة أن هناك مكان بقلبها يشتاقه:
_ لا، مش بحب حد.
أخذ نفس عميق يهيأ ذاته لما سيقوله:
_ أنا مصدق إنك محترمة، مستحيل تسيبي نفسك لحد، بس قوليلي هو اللي اغتصبك صح؟
ردت ببكاء تنفي حديثه:
_ لا، مش هو، مش أكرم أنا متأكدة.
ابتسم تلك المرة بحزن أوجع قلبه، آخر ذرة أمل قتلتها بنفي التهمة عنه، إذًا فهي لازالت تحبه.
_ أي اللي مخليكِ متأكدة كدا، دا ملوش غير معنى واحد إنك لسه بتحبيه وبتدافعي عنه.
تناسلت قوتها، وتراخت أطرافها فوقعت أرضًا تنتحب بقوة غير قادرة على التفوه بحرف آخر.
فاستطرد أسامة بنبرة ثابتة، وقد أخذ قرار يعلم أنه لا يستطيع الإلتزام به ولكنه مجبر، فقد فاض به.
_ أنا تعبت يا بسمة، خلاص مبقاش فيا قوة أحاول، وأنتِ مش مساعداني خالص، بشد الحبل لوحدي وأنتِ مصرة تقطعيه، فأنا كمان هسيبه.
كان هذا آخر ما أنهى به وثاقهما الذي سحق طاقتهما معًا، وتركها وغادر.
عند نقطة ما ستكتشف أنك كنت تحارب لوحدك من أجل آخرين لا يرونك، تعطي دون أن تأخذ، أشبه بمعركة، وقد فقدت في تلك المعركة قوتك وقلبك، وانتهى الأمر بروح دامية تمتلك شظايا منها، مشوهة.
وقتها فاهرب حتى وإن كان زحفًا.
أقلبه قاسٍ لهذه الدرجة حتى لا يسأل عنها الأيام الماضية، حتى لم يهاتفها ليطمئن؟
ترجت اللّٰه كثيرًا أن يبقى معها لنهاية الطريق وهي بغبائها أضاعته.
تحججت برجوع والديها من السفر وذهبت لهما وبقيت أيام معهما لإشتياقها لهما.
دخلت أمها بعد أن طرقت الباب، فمسحت بسمة دموعها سريعًا وحاولت الإبتسام:
_ تعالي يا ماما.
جلست صفاء بجانبها وربتت على يديها، وهتفت بحنان:
_ مالك يا بسمة يا حبيبتي، مش هترجعي بيت جوزك ولا أي؟
ارتعشت بسمة على شفتيها حزينة ولكنها سرعان ما بدلتها بمرح مصطنع:
_ زهقتِ مني يا صفصف ولا أي؟
أحمق إن ظننت أن كذباتك قد تخيل على من أنجبتك وربتك بين حنان كفيها، تقرأ ما تقوله عيناك، تحس بك قبل أن تتألم.
_ بسمة أنا مش هبلة يا بنتي عشان أشوفك كدا وأسكت واتخدع بكلامك دا، أي اللي بينك وبين أسامة؟ في مشكلة صح؟
_ أسامة هيسبني يا ماما..
قالتها بإنهيار حاد وهي تلقي بذاتها بين ذراعي أمها، وأكملت ببكاء ونحيب:
_ أنا.. أنا حياتي كلها اتبنت عليه، مش هقدر أعيش من غيره ومن غير دعمه ليا وحبه، أنا بقيت أتغذى على حبه يا ماما.
بكت أمها عليها ومررت كفيها على ظهرها تهدأ من بكائها الحاد، ولكنها تزداد بكاء، القلب ملكوم والروح ممزقة، أشلاء من دونه، هو فقط من يسيطر على نوباتها.
_ أنا هكلمه يا بنتي، أسامة مستحيل يسيبك كدا..
انتفضت بجسدها وبعدت عن أمها تهز رأسها بنفي.
_ لا يا ماما بلاش، هو تعب خلاص وشال فوق حمله بكتير.
لم يكن بيديها أي حيلة لفعلها لها، فقط بكائها، كأنها تساندها به.
_________________-_____________-___
كلحن موسيقي يعشقه ويجيد عزفه والتلحن به، لم يمر يوم لم يخبرها بتلك الأسطوانة الفارغة والعقيمة.
_ أنا مش هقدر أقدملك غير الإحترام والمودة يا حنين، لكني مستحيل أعاملك كزوجه ليا، فهماني، فكرة إنك متربية على أيدي صعب مسحها، هنعيش مع بعض بس مش هقدر اعتبرك زوجة فعليه ليا.
من كثر حفظها لرتم حديثه كانت تغمغم به قبل أن ينطقه، يذكر فقط عيشهما معًا كأخوين كما كانا، وتجاهل كونها أنثى، تريد أكثر من إحترام ومودة كما ذكر، تريد حياة زوجية طبيعية، تهنأ بأولاد منها تحملهم وتكرث حياتها لأجلهم، وهذا ما ترجمته في حديثها بتحفظ، تحفظ حيائها:
_ يسطاا مصطفى الحياة مستحيل تمشي كدا، أنت مش حابب تستقر فـ حياتك، تخلف أولاد من صلبك ويشيلوا اسمك، يسندوك لما تكبر.
فغر فاهه بصدمة، أهو فهم حقًا ما تعنيه؟ لا هي فقط تقول كلام محفوظ، يعلم تمامًا من من حفظته، ولذا لم يأخذ حديثها بجدية، فرد بلامبالاة:
_ لسه مش بفكر فـ دا دلوقتي، لما الحياة تتعدل قدامي الأول.
_ طيب حياتنا هتفضل كدا لحد أمتى؟ أنا حابة يكون ليا أولاد وأحس إني أم.
تعصب عندما لمح ما ترمي إليه بحديثها، حنين تقصد أنها لا تطيق البقاء معه لآخر الحياة.
فكرة إنها ستبتعد وتكون لآخر أفقدته ذرات تعقله، لمَ يخفق قلبه بألم، شعور الفقد مؤلم، بل شعور الغيرة عليها.
لمَ هذا الشعور الخائن لعهده مع نفسه، أحس أنه يختنق.
أمسكها من كتفيها يهزها بعنف يهدر بها:
_ أنتِ مجنونة، أنتِ قصدك أي؟ فكرك إني هسيبك مثلًا يا حنين؟ تبقي أكبر غبية.
اغتاظت منه، لا يريدها زوجته، ولا يريد تركها، هي بالأساس لا تريده أن يتركها.
_ أمال هتحرمـ….
أدركت أن ما تقدم عليه سيكون جريئًا، وهي ليست بتلك الوقاحة لتصرح بما تريده، فقط لاذت بالصمت الحانق.
تريده أخذ خطوة تجاهها، إخراجه من قوقعته الكئيبة، تريد قلبه، ليس فقط قربه، لم تفكر يومًا بقربه أو جسده، كل ما أرادته وبشدة قلبه لها.
_ خلاص يسطاا مصطفى، أنا مليش حد غيرك أساسًا.
سكن غضبه عندما أنهت هذا الحوار، وهز رأسه برضا، وتمتم:
_ طيب يلا حضريلي الفطار عشان نازل الشغل.
قوست شفتيها بضيق وتحركت تغمغم بحدة، تلعن بروده وعصبيته، كيف يجمع بينهما لا تعرف!
_ صباح الفل، شكله الجميل رايق.
تهكمت حنين من قول نيرة المرح وتشدقت:
_ تروقي روقتي يا نيرة.
لكزتها نيرة بخصرها وهتفت وهي تلاعب حاجبيها:
_ مش أنتِ وحبيب القلب فـ أوضة واحدة، أي بقا اللي معكر بالك يا حلو.
_ نيرة اللّٰه يسترك، مش أنتِ وأخوكِ عليا، أنا طهقت خلاص.
تركت ما كانت تعده وجلست على كرسي بالمطبخ ووضعت كفيها على وجهها تبكي بنشيج حار، فهلعت نيرة عليها وعانقتها تهدأها:
_ أهدي يا حبيبتي، مالك؟ ليه كل الزعل دا.
ردت بحنق وعصبية، استياء منه ومن حالها:
_ أخوكِ مطلعش لوح تلج، دا طلع جبل جليدي، كل حياته أوامر وأحكام، وأنا قلبي مش متحمل كل الضغط دا، من أمي شوية ومن خوفي ليبعد عني شوية، مش عارفة أعمل أي يا نيرة، تعبت.
لامست كلماتها الحزينة أطراف قلبها، فبكت الأخرى عليها، ولكنها شجعتها، وما الصديق غير عضد لصديقه.
_ بت أنتِ هتيأسي ولا أي؟ شوفي أنتِ كنتِ فين ووصلتِ فين، أنتِ دلوقتي فـ بيته، كل اللي عليكِ تبينيله حبك وافردي وشك اللي يقطع الخميرة من البيت دا، وهو هيقع على قلبه صدقيني.
ضحكت من بين دموعها وأزاحتهم وهي تقول بذهول:
_ أنتِ جايبة الكلام دا منين يا بت يا نيرو؟
_ من التلفزيون يا أختي والمسلسلات، قومي يلا نجهز الفطار ونعمل نسكافيه ونقعد ندردش فـ البلكونة شوية.
ضحكت حنين بصخب وقالت بمرح:
_ نسكافيه مرة واحدة يا نيرو؟ يا جاحدة.
_ بس جايباه من ورا مصطفى، دا لو عرف هيعلقني على باب الشقة.
تعالت ضحكاتهما الرنانة، فشقت أذنيه ليبتسم على صداقتهما، تبكي واحدة وسرعان ما تضحكها الأخرى وتقلب حزنها لمزاح.
أنهوا إفطارهم ولم تنقطع أحاديث نيرة وحنين ومرحهما، وقف مصطفى بعدما تناول كوب الشاي باللبن كما يحبه من يدي حنين والتي باتت متاحة في أي وقت يريده.
لثم رأس أمه بحنان كعادة متأصلة لديه، ونيرة أيضًا، فانشغلت حنين عمدًا بحمل الأطباق للمطبخ.
تردد هو لبعض الوقت، ولكنه حزم أمره وعندما عادت مرة أخرى من المطبخ سحبها من مرفقها ووضع قبلة سريعة على جبينها وخرج سريعًا، وكأنه يهرب من شيء يجهله.
أم هي فظلت مكانها فاقدة للنطق والحركة، فقط قبلة منه ذبذبت مشاعرها، وصارت أطرافها رخوة كادت أن تقع إن ظلت أنفاسه الساخنة للحظات أخرى.
أتعلم معذبي ما تفعله بقلبي؟
بعدك نار، وقربك حريق.
طيفك يحل بي الربيع.
فارحم قلبي ومن تساقطه كأوراق الخريف.
دفعتها نيرة بجسدها كي تفق من شرودها اللامتناهي.
_ صباح الفل يابا، أعملك لمون.
صمتت تكتم ضحكتها على صديقتها التي فقدت عقلها من قبلة، وتشدقت بمرح:
_ أنا بقول أجيب لمون أحسن، شكل حالتك ميسرش الصراحة..
تمسكت بها حنين بذهول كأنها أدركت لتوها ما حصل.
فضحكت نيرة عليها أكثر لتغيظها هاتفة:
_ دي مكنتش بوسة ياختي على رأسك، أمال لو كان باسك فـ بوقك كنتِ عملتِ أي؟
شهقت حنين من وقاحتها، فدفعتها بغيظ تصرخ بها:
_ أي اللي أنتِ بتقوليه دا؟ دي قلة أدب.
فهذا ما زاد نيرة إلا ضحكًا من حالة صديقتها وحماقتها.
________-_________-_________-_______
توجه إليه بغضب عندما رآه يجلس في المقهى، يشرب أرجيلة باستمتاع وبرود، وهو يبحث عنه من أيام ولم يجده، كأن الأرض ابتلعته بداخلها.
أمسكه من تلابيبه بغتة ورفعه له يهدر به في جنون ويسبه:
_ يابن الكـ*** كدبت عليا وأهو اتجوزها وأنا…
صرخ به خواجة بعنف:
_ يا غبي هتفضحنا، تعالى نتكلم بعيد عن هنا.
لم يتركه سليم وظل ممسكًا به، فاستطرد خواجة محاولًا إقناعه:
_ أنا الفترة اللي فاتت كنت بحاول أحل مشكلتك واللّٰه.
قطعه سليم بغضب وشد من قبضته على ياقته أكثر:
_ لقيت حل يعني.
رد خواجة ببرود:
_ طيب سيب هدومي طيب ونتفاهم.
تركه سليم على مضض بعد تفكير، وسارا معًا بعيدًا عن المقهى حتى لا يسمعهما أحد.
_ أي هو الحل اللي لقيته؟ أوعى تكون بتكدب عليا، وقتها هطلع بروحك.
هدأه خواجة قائلًا بغموض:
_ اللي عملته هيوقع الاتنين مرة واحدة، إنتقام واحد.
لم يهتم سليم كثيرًا بأمر حمودة فما يهمه مصطفى وحبيبته:
_ أهم حاجة عندي ابن *** مصطفى.
ضحك خواجة بشر وهو يقول بحقد وجنون:
_ متخافش، أول واحد هيقع تحت المفرمة، آن الآوان للغايب يرجع.
_________-________-_________-_______
تبسمت بشغف وسعادة، عشق يعانق الآفاق، تحدث صدفة إن اجتمعا، وما أجملها صدفًا.
الحنين يسرد وجعه بينهما، فما عاناه سويًا فوق المحتمل ورغم هذا اجتمعا مرة أخرى.
_ وحشتيني أوي يا سُلاف.
_ أخبارك يا سامر؟
ردت عليه بتوتر متجاهلة ما قاله من ارتباكها وخجلها.
_ كنت خايف أموت من غير ما أشوفك.
جزعت من حديثه فوضعت أصبعها على شفتيه توبخه:
_ متقولش كدا يا سامر، بعيد الشر عنك يا حبيبي.
ابتسم بسعادة على خوفها عليه، فقبل أصبعها الموضوع على شفتيه فابعدته بخجل ونظراتها تفترش الأرض.
بينما هو يتأملها كلوحة كلاسيكة رائعة، يعجز عن وصف جمالها، مؤكد من رسمها استخدم ريشة من الذهب، وتفنن في ألوانها بكل حب وشغف.
كادت أن تنصهر من نظراته التي تتفحصها بلمعة وامق مستهام.
_ ممكن نقعد عشان نخلص الموضوع اللي جاية عشانه.
تغضن وجهه بإحباط وهو يقول:
_ مستعجلة على أي يا سُلاف؟
_ معلش يا سامر، أنا قلت لماما إني مش هتأخر.
أخبرته على ما توصلت له بشأن لاران وخطة خالها الدنيئة.
فهتف سامر:
_ أحنا محتاجين حاجات كتير أوي، وأهم حاجة نثبت إن مرض لاران نفسي مش عقلي، يعني مش مجنونة.
ضغطت على شفتيها لتفكر قليلًا ثم صاحت فجأة:
_ موضوع الإثبات دا سهل، أنا ليا دكتورة صديقة ليا وهخلص الموضوع دا.
ابتسم بتفاؤل وردد بإستحسان:
_ تمام، فاضل بقا نمسك الورق اللي يثبت ورث لاران من أبوها، وعايزه فـ أسرع وقت، وعايز بوسة..
اتسعت مقلتاها وفغر فاها من وقاحته، بماذا يهذي هذا؟
اندفعت بالحديث بعد أن هبت من جلستها:
_ أي اللي أنت بتقوله دا! أنا غلطانة إني جيتلك البيت، بس مكنش في مكان تاني آمن نتكلم فيه بالموضوع دا، بعد إذنك.
كتم ضحكته ولم يتحرك من مكانه، أمسك كفها برفق:
_ أهدي يا سُلاف، أنا واللّٰه ما هقرب منك، مش معنى أني عايز دا فـ هعمله.
_ سامر أنا مش بحب كدا.
رد سريعًا بصدق:
_ ولا أنا واللّٰه، مستحيل أقرب منك تمام، أقعدي بقا.
جلست على مضض وابتعدت عنه بكرسيها، فباشر بحديثه:
_ أمك هي الوحيدة اللي هتقدر تساعدنا يا سُلاف.
رفعت حاجبيها غير مقتنعة بالفكرة وهذا ما وضحته:
_ ماما مستحيل توافق، دا لو عرفت هتحبسني ومش هتقدر تشوفني تاني.
أمها الوحيدة القادرة على مساعدتهم، رغم صعوبة الأمر أولًا وثانيًا والأهم أمها شريكة في الجريمة مع خالها.
_ أمك لو اقتنعت هتبقى أكبر مساعد لينا، هي اللي لازم ترفع قضية التزوير دي.
ضحكت بعدم تصديق، محال أن تساعدها أمها أبدًا.
_ شكلك بتخرف يا سامر، وبعدين أي أمك دي؟ قول مامتك.
قلدها بمرح.
_ قال مامتك قال! المهم هاتيلي رقم الناس اللي كانت قاعدة عندهم، ممكن يساعدونا.
تذكرت رقم عفاف على هاتف أمها.
_ الرقم سهل، هو متسجل أساسًا عند ماما.
___________________________________
تبسمت بسعادة وقفزت من سريرها لتركض إليه تعانقه، دون خوف أو نفور، فقط إشتياق وحب، أيام قليلة أنحرت قلبها، أدركت أنها لا شيء دون أسامة، حياتها لا وجود لها، هو الملجأ والمأمن، هو الوطن، عناقه كوطن الغريب.
تلقتها ذراعيه بحنان يشدها لجسده بعشق ولوعة إشتياق، أتعبه الفراق.
_ أسامة..
همست بها في بكاء وألم جم، تحاوط خصره وتشد عليه، تخشى إبتعاده عنها.
همهم لها فأفاضت بما في قلبها من شوق، تسرد عليه ما تلقته من قسوة فراقه ووجع قلبها، خوفها من بعده عنها والإنفصال:
_ خوفت، خوفت تسبني يا أسامة، أنا من غيرك أموت، صعب تعلقني بيك وتديني كل الحب وبعدها تسبني وتمشي.
ارتعشت بسمة على شفتيه، أبعدها عنه لتنعم بجمال ملامحها التي اشتاقها، فرفضت وتمسكت به أكثر هامسة برفض:
_ متبعدش، مش قد البعد تاني.
رد يطمأن قلبها المضمني ومسد شعرها بحنو:
_ مش هبعد متخافيش.
رفع وجهها له كانت قد هدأت ملامحها الخائفة وتوردت وجنتيها فود لو قطفها، مال إلى شفتيها، فهي بدت لا تمانع من قربه أبدًا، وأخيرًا تحدت ماضيها.
مرر يده على جسدها ببطء متفحص وهو يمهد لها قربه منها وكي تألف لمساته حتى لا تنفر منه، تفاقمت راحة قلبه عندما لاقى منها الهدوء والتقبل، فدنا أكثر، لولا همسها.
_ أسامة.
فاق أسامة على صوت والدته، فانتفض جسده، لم يكن سوى مجرد حلم، أراد لو يتحقق، ولكنها هي بعيدة كل البعد عن ما كانت بأحلامه.
لأول مرة أراد إتمام حلم بهذه القوة، لو طال حلمه لكان حقق آماله وما كان يصبو له.
_____________-__________-__________
فتح باب شقته بسعادة، عاد من عمله مبكرًا على غير عادته، لينعم معها بلحظات دافئة حانية، أراد إظهار اهتمامه بها، فهي لا تستحق منه غير الحب والدلال.
ولكنه أحبط عندما وجدها تبكي بحسرة وقهر، ألقى مفاتيحه وركض تجاهها جاثيًا على ركبتيه يهتف بقلق:
_ هدى حبيبتي، مالك بتعيطي ليه؟
لم تستطع النطق من كثرة بكائها، فهزها بجزع وخوف يعصف بقلبه.
_ أهدي يا حبيبتي، أهدي الأول.
نهض على عقبيه وأحضر كوب من الماء البارد وناولها إياه فارتشفت منه تحاول الهدوء.
_ خدي نفسك براحة واحكيلي.
ما إن حاولت النطق عادت تبكي مرة أخرى فلم يلتقط من كلامها غير كلمتين فقط.
_ أختي… هربت….
قال لها قبل أن يرحل:
لن يقتلني الشوق… فمات.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى