رواية أحكام القلوب الفصل التاسع عشر 19 بقلم منى عيد
رواية أحكام القلوب الجزء التاسع عشر
رواية أحكام القلوب البارت التاسع عشر

رواية أحكام القلوب الحلقة التاسعة عشر
“يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين” 💛🦋
لم يفهم شيئًا مما تهذي به، فحاول تهدأتها، فيبدو أن الأمر جلل.
_ أهدي يا حبيبتي، أي اللي حصل.
_ أختي سابت جوزها وعيالها وهربت يا حمودة.
قالت بنبرة متقطعة يتخللها البكاء. صدم من ما قالته، لا يصدق أبدًا أن تفعل ذلك، تزوجت بشخص لا تريده نعم، ولكنها استمرت بحياتها.
هز رأسه بعدم تصديق فأكملت هدى بنبرة مختنقة وخزى من فعلة أختها الشنيعة.
_ أحكيلي اللي حصل بالظبط يا هدى، ما ممكن تكون عند واحدة صحبتها مثلًا أو.. أو ممكن اتخطفت…
قطعته وهي تهب باكية، توضح له ما قاله زوج أختها:
_ اتصل بأمي وقالها إنه لما صحي ملقهاش فـ البيت وبعتتله رسالة إنها زهقت من العيشة معاه وهربت مع حبيبها.
ابتسم بسخرية، الحديث لا يدخل عقله أبدًا، كيف لزوجة أن تترك زوجها وأولادها من أجل شخص آخر؟
ما الأسباب التي تؤدي لذلك بالأساس؟
ربما تكرهه، لا تريد إكمال حياتها معه، ولكن أطفالها، ألم تفكر بحالتهم بعدها؟
ولم بتلك الطريقة؟
أسئلة كثيرة لا إجابة لها واضحة.
احتضن زوجته بحنان يهدهدها؛ فهي بحاجته، ولن ينتظر أن تطلب ذلك، فهو الداعم الأول لها، منشأها وملاذها.
_ أهدي يا حبيبتي، متعرفيش أي ظروف أختك وممكن تكون عملت دا ليه، متخافيش هترجع لعقلها وترجع لجوزها.
_ سألته بألم مستنكرة ما يقوله:
_ وهو هيقبلها برضو يا محمود لما ترجعله؟! مش مشكلة هو، المهم سمعتها وسمعة أهلي اللي بقت فـ الأرض، ولاد الحرام نشروا الخبر والناس كلها عرفت.
ربت على ظهرها ونثر قبلات خفيفة على وجهها، يعتذر لها عن ألم لم يتسبب به، ويتألم أكثر منها لعجزه عن رد ألمها.
_ ربك يلطف بينا يا هدى، متخافيش وأنتِ موكلة أمرك للّٰه.
ردت بتضرع وتوجع:
_ لا إله إلا اللّٰه.
___________________________________
هو هنا، ولا مكان يحتاج أن يكون فيه غير هنا، حيثها هي، أدرك في الأيام الماضية أنه وقع بها، وقع بعشقها منذ كانت فراشته تطير ببيته، تنشر زهوها متباهية، قد نشرت الحب بجنبات قلبه، ولعبت على أوتار روحه دون قصد، براءة طفلة اجتذبته.
ما يعني أن تتعلق بأصابعك روح تحبك، أي نبض قلبك في شخص آخر، بل قد أن يكون قلبك بأضلعه، وتتنفس أنفاسه، أي أنك تسكنه ويعيش بك.
رأها تتهادى في خطواتها وسط الأزهار، رغم شحوبها إلا إنها مازالت فراشة تبهر الأعين، نحفت قليلًا، وسكنها الحزن والألم، ولكن عيناها وآه منهما، عيناها ذنب لم يتُب.
عندما أخبرته سُلاف وسامر عن خطة عمها وطبعًا بعدما تأكدا من لهفته عليها أن شيئًا ما يعتمر بقلبه لها، فأخبراه بمكيدة عمها، طلب منهما على وجه السرعة رؤيتها والإطمئنان عليها.
أما هي فأخيرًا عطفت على الحياة بطلتها، فهي دائمًا محتجزة بغرفتها، فمساعدتها استغلت عدم وجود عمها وأخرجتها قليلًا كي تستنشق بعض الهواء النظيف بعيدًا عن جدارن غرفتها الكئيبة.
وقف أمامها بخطوات، فانتبهت له، للحظات ظلت جامدة، ولكن قلبها صاخب، يدق بخطر.
تقدم ببطء وعيناه تتوهج كلما اقترب حتى بات لا يفصلهما فاصلة.
فسألته مساعدتها المسنة:
_ أنت مين؟
_ أنا علي، الآنسة لاران كانت قاعدة عندنا.
عرف عن نفسه بإقتضاب سريعًا ليعود بنظراته لها، فتبسمت هي بعفوية، كأنها أدركت الأمان مع سماع اسمه، إمتلأ قلبها بالراحة، ومع تبسمها ود لو يخطفها بعناق قوي يرضي قلبه المتعب، ابتسم عندما تذكر عناقها البريء الذي أفاق قلبه لحبها، ود لو عانقته مرة أخرى، وقتها سينسى العالم بها.
وأي عالم بعد عناقك فراشتي!
لم تتذكره، أو لنقل هي صفحة بيضاء، لا يلوثها شيء، لا ذكريات أبدًا، فقط ألم مجهول المصدر.
_ لولو أنا علي، فاكراني؟
لم تحرك ساكنًا، فقط بسمتها تزين وجهها، شعورها تجاهه لا يفسر إلا إن أحدهم إلتقى بذاته.
لم ييأس، سيحاول وستستجيب يؤمن بقدرة اللّٰه.
_ عفاف، ماما عفاف، وصالح، فراشة.
يدلي بكلمات متفرقة، يساعدها على التذكر، فتنبه عقلها، لتتقدم منه تحاول تطويقه، ضمه لها، ولكنه ابتعد خطوة عنها وأمسك بمرفقيها مبتسمًا بألم.
_ لولو متخافيش أنا معاكِ تمام.
هزت رأسها وأسدلت أهدابها لتسترسل بعض الدمعات وتلوث بشرة خديها، ورغم هذا ابتسامة الإطمئنان لا تفارقها.
_ خدني معاك.
أول ما نطقت به بعد مجيئه.
تلذذ بصوتها الذي أذهب ظمأه، رغم نبرتها المتألمة ابتسم، إن لم تكن تتذكر شخصه، فهي تتذكر أنه ملاذها، مسكنها الآمن.
_ فترة بسيطة بس وهاخدك معايا، وعمري واللّٰه عمري ما أسيبك يا فراشة، دا وعد مني.
تسللت أصابعه لتتمسك بأصابعها بقوة، يخشى الفراق، لا يود تركها، ولكنه مجبر وخاصة مع قول مساعدتها.
_ معلش يا بني أمشي دلوقتي، مدكور بيه لو رجع وشافك هيعمل مشكلة كبيرة.
التفت للمرأة دون ترك كفي لاران، يهتف برجاء صادق:
_ ممكن تاخدي بالك منها وتطمنيني ديمًا عليها لو سمحت، هكلمك ديمًا أعرف أخبارها.
طمأنته المرأة بإبتسامة ودودة بهشاشة وجهها:
_ متخفش يا ابني، أنا مش مستنية حد يطلب مني حمايتها، لاران تعتبر بنتي، بس أنت لازم تمشي دلوقتي عشان ميعاد رجوعه قرب.
وهو يسحب أصابعه من كفيها كأنه يسلخ جسده، ابتعد ولكنه ترك قلبه معها، واتفق عقله عليه فغادره أيضًا، بقى جسد فقط بلحم من دونها.
___________-________-_____________-
_ يعني أي يا بني! حسبي اللّٰه ونعم الوكيل، هو في حد يعمل كدا فـ بنت أخوه.
حديث عمته ما زاده إلا إشتعالًا، ود لو له الحق بأخذها من عمها، يأكل أصابعه كلها ندمًا على تفريطه بها.
_ أنا مستحيل أسيبه يأذيها، أزاي مسمعناش كلام الممرضة اللي قابلتنا فـ المستشفى، أنا هتجن.
بدأ في أوج غضبه وإنفعاله، يشد خصلات شعره وانتفخت أوداجه، لو أمسك بعمها لفتك به فورًا.
_ هتعمل أي طيب يا علي؟
تنهد بضيق انتشر بصدره وأطبق على أنفاسه، يعترف الآن بأنه أحبها، أحبها رغم صعوبة الأمر ومحالته، فهما كالشرق والغرب، فتاة من عائلة مرفهة وهو شاب يكدح لقوت يومه.
“هما كخطين متوازيين إلتقيا في نقطة لتسجل هفوة من هفوات الزمن، لتتبدل قوانين العشق لصالحهما.”
الحب ليس للضعفاء، إن كنت رجلًا تحب فقاتل. وهذا هو منهاجه.
___________-__________-____________-
لا يتبع قوانينًا أو روتينًا خاصًا، يترك كل يوم لمفاجآته، وكل يوم يحمل في طياته درسًا له، مغامرة ومتعة خاصة، هذه حياته التي آلفها، في الأغلب لا يهتم بأحد، ولكنها هي سمرائه، قلبت حياته رأسًا على عقب، شكلته كصلصال في أيديها.
وجد بعض الشباب ملتفون حول بعضهم يتمازحون ويضحكون، ويبدو أن الأمر يخص فتاة ما، وتحديدًا فتاة تعمل بالمحل الذي يمر من أمامه.. يمقت أفعال الشباب المقززة هذه، ويستسخف نظراتهم وحديثهم.
انحنت عيناه دون إرادة منه للداخل، فقط نظرة كفيلة فإمتلاء نظره منها، فتعرف عليها سريعًا، وقد جن جنونه، أتعمل هنا؟
عاد للشباب، يشمر عن ساعديه يظهر بنية جسده القوية، يسير كأحد لاعبي المصارعة الحرة.
صاح بصوته الغليظ يشهر عن أنيابه:
_ هو في حاجة يا رجالة؟ شايفكم متجمعين خير إن شاء اللّٰه.
ارتجت أجساد الشباب فهم يعلمون زلطا وخطره، لا يفكر مرتين قبل أن يستخدم عضلاته، يده تسبق عقله.
تراجعوا جميعًا ليقول أحدهم محاولًا إقتباس الشجاعة:
_ كنا بنشتري حاجات كدا..
قطعه زلطا بعنف وخاصة عندما جال بخاطره أنهم كانوا ينظرون لها، ومؤكد أخرون يفعلون ذلك.
لكمه زلطا لكمة مباغتة، طرحه أرضًا، فتقدم آخر منه يدافع عن صاحبه، فسدد له زلطا لكمة أخرى بمهارة وسرعة.
دمدم بهم في قوة وخشونة:
_ أي اللي هتشتروه من محل أدوات منزلية؟ عيد الأم لسه مجاش يا روح أمك.
تسمر الشباب مكانهمم فهدر بهم في غضب:
_ يلا يابا كل واحد يشوف مصلحته يلا.
انصرف الشباب فدخل هو إليها متنحنحًا حتى تنتبه له، اهتزت حدقتا عينيها وهربت نبضة مضطربة منها، ولكنها هزت رأسها بخفة وأجلت حلقها تقول بعملية:
_ أي خدمة؟
_ أنتِ بتعملي أي هنا يا نورا؟
مع رفع ناظريها له دهشت من وجوده، ارتبكت وتلكأت بالرد عليه، ولكنها ادعت الثبات ورسخت قدميها أرضًا حتى لا تهتز أوصالها، فمنذ تلك المرة يوم وفاة والدها عندما أحاطها ونزع عنها لباس الضعف تولدت بعض المشاعر له، وأولهما رجفة جسدها.
_ شايف أي قدامك؟ بشتغل.
عليها أن تقف شامخة لا تهتز، لا تقبل بالشفقة والعطف، شامخة كالجبال، وهو يحول تلك الجبال سيولًا من نظرة فقط، وهذا ما تجتويه.
_ شغل أي دا كمان، عاجبك العرض اللي كان عليكِ بره ولا أي؟
لطمت المنضدة التي ترص عليها بعض الأدوات بعنف وإنفعال تهدر به:
_ أنا رديت بشكل محترم لكنك مش بتفهم، أنت مالك؟
منذ وفاة والدها وهو يعتني بها وبوالدتها، يحضر ما يحتاجونه من تلقاء نفسه، وهي لم تكن بالضعيفة أبدًا، عودها جزل لا تقبل الكسر أو الذل.
دنا بوجهه منها في عصبية ساحقة ولطم المنضدة مثلها وصاح بهمجية:
_ بت اتعدلي معايا فـ الكلام، وشغلك دا على جثتي أنتِ فاهمة.
تخطى المنضدة وتحرك تجاهها يسحق الأرض سحقًا، فضغط على عضدها بقوة ألمتها:
فتملصت من قبضته وصرخت به:
_ لو كنت فاكر إني يتيمة ومليش ضهر هتستقوى عليا وتتحكم فيا تبقى غلطان، قسمًا باللّٰه لو فكرت بس تتحكم فـ حياتي..
_ اششش.
انبس بها في هدوء وحرر مرفقها ببطء، تقلبت حالته للنقيض فورًا.
فاسترسل:
_ أنا بعمل كل دا مش عشان أتحكم فيكِ، أنا خايف عليكِ ومرضاش ليكِ الذل والبهدلة.
كلماته تقطر هشاشة وحنوًا، الخوف بين بحديثه ولكنها متزمتة، صارمة في قراراتها:
_ لو سمحت ممكن تسيبني أشتغل.
لوى فمه بإحباط وتمددت شفتاه في شبه ابتسامة، واستطرد:
_ خلي بالك من نفسك، وبرضو هتسيبي الشغل.
نطق آخر كلماته بنبرة حازمة مصممة، وغادر، لتتنهد براحة وقد تشكلت بسمة هادئة على ثغرها، إمتنان كبير تحمله له.
قد يأتي لطف اللّٰه وعوضه على هيئة إنسان يغرس ذاته في حياتك، ينبت بك الفرح.
_____________-_____________-______
_ أي يا زلطا، هتشتغل فتوة ولا أي؟
تغاضى زلطا عن عتابه المتخفي، تشدق بمرح ومزاح:
_ أي يسطاا مصطفى، هو في عصفورة غيري، ولا اللي بنعمله فـ الناس هيطلع علينا.
ضحك مصطفى وأردف بينما يرفع بعض الأبواب الحديدية التي أتم إنهائها:
_ مش خايف يتكاتروا عليك يفرطوك تحتهم.
هندم ياقة قميصه بغرور متباهيًا بقوته:
_ وفكرك هيقدروا عليا؟
عبس مصطفى بوجهه وسلك أكثر الطرق صراحة:
_ عاوز أي من البنت إياها يا زلطا؟
تلجلج قليلًا وهذا ظهر واضحًا على ملامحه، ازدرد ريقه وأجاب بعنفوان رجل محب:
_ بحبها، بحبها يسطاا.
دائمًا ما يذكر الحب أمامه فتتقوس شفتاه بسخرية لاذعة مريرة، الكلمة ذاتها تثير به الغضب.
_ يعني أي حب أساسًا، مفيش دا..
قطعه زلطا بحالمية نابعة من ما يعيشه حاليًا، مشاعره التي تستوطن قلبه طفرت على ملامحه وما ينطقه لسانه يتوج بهذه المشاعر.
_ حاجة كدا مش مفهومة يسطاا مصطفى، تحس إنك تايه ودا مش أنت ولا دا طريقك ورغم كدا عاوز تكمل ومش خايف، مبسوط وأنت بتشوف نفسك بتروح منك، بس لحد تاني، بترتاحله وحاسه حاجة منك مسئول عنه.
عند حديثه العميق في معناه رغم التشتت وعدم ترتيب قشرته، دغدغ نقطة بعيدة كل البعد في قلبه، فبرقت صورة حنين أمامه، أحساسه ينطبق عليه فعلًا.
ابتسم بسخرية، فمشاعره ليست حبًا، بل نابعة من حميته وعهده لذاته بتحمل مسئوليتها.
تجاهل كل هذا ودقق على أهم نقطة:
_ بتحبها يعني، تتجوزها.
توسعت بسمة زلطا حتى قاربت الجنون وأومأ برأسه برحابة قلب.
_ وأنت بقا هتصرف عليها وعلى أمها منين يا زلطا وأنت أساسًا بتشتغل وقت ما يبقى ليك مزاج.
تحرج زلطا من ما يرمي إليه مصطفى ومعه كل الحق، فهو لا يعمل إلا ما يحبه فقط، رغم إتقان ما يعمله.
_ هشتغل يسطاا مصطفى، بس هي لا..
قاطعه مصطفى وهو أشد علمًا بحرقة قلبه، فنورا صارت مسئوليته، حملها على عاتقه، كما كانت حنين تمامًا.
_ نورا مش هتسيب شغلها يا زلطا، البنت مش هتقبل شفقة من حد.
اهتاج زلطا ودفع إحدى الأبواب الحديدية الضخمة فوقعت أرضًا محدثة دويًا عاليًا كصخب قلبه ورعده.
_ أنت أكتر واحد يسطاا عارف شغل البنات فـ المحلات وبهدلتهم، وقبل كدا رفضت شغل ست حنين.
_ دا اللي حصل، لكن وضع حنين غير وضع نورا، والفرق فـ السن والمسئولية بينا كبيرة.
لاحظ وجومه وغضبه المطبق على صدره، فأضاف مصطفى يهدأ من لوعته:
_ اشتغل بس وأعمل اللي عليك وأنا هخطبهالك ووقتها هيكون ليك الحق تمنعها براحتك.
____________-____-_________–_
رفيق تقاسمه الدمع والضحكات.❤️
_ لقائلها.
عاد الحادية عشر مساء منهكًا، كي ينهي شغله بأسرع وقت ممكن كما طلب منه، تفاجأ بها تنتظره في الغرفة تقاوم الشعور بالنعاس.
تدفقت العصبية بجسده، لمَ تنتظره بهذا الوقت المتأخر؟
لم يكن هذا ما يشغله، أكثر ما يؤرق راحته أنها تقدم له ما يحتاجه دون مقابل، لم تطلب منه ولو أقل حقوقها عليه.
_ صاحية ليه لحد دلوقتي؟
نبرته كانت هجومية، يشوبها غضبه العرم.
_ كنت مستنياك عادي.
ثغرها الذي يفتر باسمًا تعلقت أنظاره به للحظات، كيف لها أن تبتسم وهي مسلوبة الحقوق؟ كم يحمل قلبها من سماحة ولطف يطوف بالمحيط ومن به؟!
هذا ما يعذبه على عكس ما أراده، أو ما يتحتم عليه أدقًا.
صر على أسنانه وتجاهلها كليًا، يكفي كلما يراها أمامه يزداد لومه لنفسه.
وقفت أمامه تسد طريقه وهتفت بجذل وبشاشة:
_ لحد ما تاخد دوش هكون سخنت الأكل، هدومك فـ الحمام.
انفعل بدون مبرر فأمسك بكتفيها بعصبية طفيفة:
_ ليه؟
قطبت حاجبيها وسألته مستوضحة:
_ ليه أي؟
صرخ بها هذه المرة بعنف، تخنقه باهتمامها، لم يسبق وأن عامله أحد بذلك الرفق والاهتمام، ما يجدر به فعله معها حتى تتوقف عنه وترحم ضميره الذي يتعذب لأجلها.
أي امرأة هذه؟
_ بتعملي كدا، أنا مش عاوز منك تقدميلي أي شيء، أنا بعرف أعمل أكل لنفسي وأحط هدومي، وبلاش تستنيني كل ليلة، تقريبًا من أول يوم لينا وأنتِ بتصحي بدري وتنامي متأخر، مش مطلوب منك كل دا.
حقًا لأول مرة تظنه أحمق لهذه الدرجة!
إن لم تفعل هذا لحبيب قلبها، فمن يستحق إذن؟
أصر على سؤاله، حقيقة لم يكن إصراره على السؤال ذاته وإجابته، بل عصبيته جعلته لا يدري ما يقول.
_ بحبك.
ردت بعنفوان، تخبره ما يشيج بقلبها منذ أن وعت على كلمة حب وأدركت معناها، أحبته ولن تنكر، وقعت وتألمت وقاست جفاءه ولكنها مازالت تحبه وقد تحول للعشق.
استأنفت ببكاء حارق.
_ أيوة حبيتك وبحبك وهفضل أحبك لآخر عمري يا يسطا مصطفى.
أيدرك المرء أنه على شفا حفرة من الحب ويقع؟
لا، لن يقع.
تخشب جسده من اعترافها غير المسبق بمقدمات، ابتلع غصة تشكلت بقلبه وتنهد بحرارة.
حاول إيجاد صوته فتكلم بنبرة واهية ضعيفة:
_ حنين أنتِ بتعذبيني.
هدرت به هذه المرة بإستياء، إلى متى سينكر حبها؟ كل من يحيط بهم يعلم بحبها الكبير له، إلا هو، عند أمر حبها كأن عقله استبدل بخرقة بالية.
_ بعذبك أزاي فهمني؟ الأمر بسيط بحبك وأنت..
_ متطلبيش مني أحبك.
قاطعها بقسوة أدمت قلبها وفرقت فرحته بشجاعتها.
_ مش عاوزة منك تبادلني الحب دا، سيبني أحبك وبس.
_ هتتعبي يا حنين..
قالها ببعض الألم، ألن تفهم أنها تضير بقلبه وتحطمه بإصرارها.
_أنا..
هنا وكفى، لابد لها أن تقف عند حدها هي وحبها الموجع لكليهما.
_ مش عاوز أسمع منك كلمة واحدة، إياك تستنيني تاني، أو تعملي شيء أنا مطلبتوش تمام. هطلع من الحمام ألاقيكِ نمتِ.
رمت بحديثه بالبحر كما يقولون وأحضرت عشائه للغرفة، فخرج بدون قميصه، فقط بنطال رمادي مريح للنوم، ومن إن استدارت ورأته حتى صرخت عاليًا وتفاجأ هو منها.
_ يخربيتك، أهدي شوفتِ عفريت.
_ أنت أنت…
تقطعت الحروف من صدمتها وتاهت حدقيتها في جسده، لأول مرة ترى صدره عاريًا، تنفست بصعوبة ورفعت نظرها من عليه، فذم شفتيه بضيق وهتف:
_ أنت أي؟ أنا مليش ذنب، قلتلك نامي.
وقف مقابلها قليلًا ثم تنحنح مردفًا:
_ تعالي ادهني دراعي بالكريم..
التفتت برأسها له ودققت على ذراعه وقد خلف الحرق أثرًا بالغًا عليه، لتشهق بصدمة وقلق فركضت له وأمسكت بمرفقه.
_ أي اللي حصل؟
_ عادي وأنا بلحم البوابة اتحرقت.
نبرته اللامبالية أغضبتها فهدرت به:
_ مش تاخد بالك؟ وبعدين ليه تتعب نفسك وتقعد للوقت دا؟
اغتاظ من صوتها العالي فصاح بها جاززًا أسنانه:
_ ابقي ارفعي صوتك تاني عليا عشان أقتلك.
ألقى كريم الحروق الملطف لها، فأمسكته بأصابع ترتجف كارتجاف قلبها وقلقه عليه.
تحاول أن تضع طبقة خفيفة من الكريم على موضع الحرق ولكنها لم تستطع من خوفها ووجعها من ألمه.
_ أي من شوية كنتِ عاملة ٧ رجالة فـ بعض، وبتقولي بحبك، أي اللي حصل دلوقتي؟
_ بص ألبس القميص وأنا هحطلك الكريم.
عاندها بالقول رغم إداركه لخجلها وتلعثمها.
_ مش هلبس، يلا اخلصي عشان هنام على نفسي، استني كدا.
وضع كفيه على جانبي خصرها وهي جالسة على السرير، ولفها قليلًا له، ليميل برأسه على حجرها متسقرًا هناك بإرتياح.
أخذت أنفاسها التي كبتتها من ملامسته لجسدها، وارتعش فخذيها عندما استقرت رأسه عليهما، كاد أن ينصهر جسدها مع حركاته الطفيفة عليه.
_ يلا هتبصيلي كتير.
____________________________________________
دوى صوت الطلقات النارية بالمكان، حركة غير طبيعية أثارت ريبته فالتفت لجانبه ينظر من نافذة السيارة الكبيرة التي يقودها، فكان يسلم بعض الأبواب التي أتم عملها لصاحب الفيلا، تنهد بتوتر وعاد للقيادة.
فلم يرى إلا جسد فتاة يصتدم بالسيارة..
شايفين المشهد دا، دا بداية اللعنة. 👆
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحكام القلوب)