رواية أحفاد المعز الفصل العاشر 10 بقلم زينب محروس
رواية أحفاد المعز الجزء العاشر
رواية أحفاد المعز البارت العاشر

رواية أحفاد المعز الحلقة العاشرة
– يعني أروى فعلاً كانت متزوجة من جدنا؟؟
عمر:
– هي متزوجة بس مش جدكم.
طالعوه جميعًا بنظرات مترقبة، ليكمل حديثه قائلاً:
– أروى مدحت خالد صفوان متزوجة من باسل، يعني مراتك أنت يا باسل.
أردف باسل بصدمة:
– نعم!! انت هتخرف!
ألقى عمر بما يحمله من أوراق أمامه قائلًا:
– أنا مش بخرف، كلامي دا بناءًا على الأوراق اللي قدامك دي و جوازك من أروى تم فى الكويت من ٣ سنين و قبل ما تنزل مصر.
كانت نظرات الجميع تنطق حيرة و تعجبًا، في حين أردف حسام قائلًا:
– أنا مبقتش فاهم أي حاجة؟ هو في ايه؟
أضاف فارس قائلًا بحزن:
– أنا كمان مش فاهم حاجة، بس متأكد إننا ارتكبنا ذنب كبير في حق أروى و خالها، باللي حصل من شوية و سمعتها اللي بقت فى الأرض.
تركهم باسل و صعد إلى غرفته، فهتف حسام قائلًا:
– أنت بتهرب من الموقف قبل ما تفهمنا!
تفقد فارس تلك الأوراق التي أحضرها عمر، ثم نظر إلي ذلك الظرف الذي قد نسيه باسل، و قال بحاحب معقود:
– دا ايه؟
أجابه حسام بتذكر قائلًا:
– دي الوصية الأصلية، افتحها بسرعة نشوف فيها ايه؟
تسائلت فداء و قالت:
– وصية ايه؟ مش الوصية خلاص اتفتحت و جدي كاتب كل حاجة لأروى؟!
تشدق حسام مردفًا:
– لاء الوصية الأولى مزيفة، دي الأصلية.
صمت تام خيم على البهو، فى هذه الأثناء التي وقف فيها فارس و بجانبه حسام يتفقدان الوصية، ثم شرع فارس إلي والدته قائلًا:
– مش عارف هنصلح الغلطة دي ازاي؟!
غمغم حسام بنبرة نادمة:
– دا احنا هببنا الدنيا، لو منها و الله مش هعبرني تاني و لا أنا و لا باسل.
هتفت فداء بحنق قائلة:
– ما تقولوا في ايه؟ ايه كلام الألغاز ده!
*******
على صعيد آخر.
دلفت أروى برفقة رمزى فكانت هناك نسخة آخرى لأروى في الملامح، فكانت تلك هي أروى عمتها التي تزوجت من خالها رمزى بعد قصة طويلة من الحب و الفراق، و عندما وجدت زوجة رمزى صغيرتها و ابنة أخيها بقسمات وجهٍ حزينة، و أعين باكية، تحركت إليها بقلقٍ شديد و سألت بلهفة و هي تطوق وجهها بين كفيها:
– مالك يا حبيبتي؟ زعلانة ليه؟ حصل معاكي حاجة؟؟؟
طالعتها الآخرى بنظرات ضائعة، و شفاه ملتصقة لا تقوي على الحديث، ثم رجعت خطوتين للوراء قبل أن تتحرك إلي تلك الغرفة المغلقة، لتقف أمامها قابضة على ذلك المقبض النحاسي بتردد و رغبة في التراجع، و لكنها تجاوزت هذا التخبط و دلفت إلي تلك الغرفة التي تبدو و كأنها غرفة لإحدى المستشفيات، فكانت مجهزة ببعض الأجهزة الطبية اللازمة لتلك السيدة الأربعينية الراقدة في منتصف الفراش لا حول لها و لا قوة.
سارت إليها أروى بخطوات مهزوزة، تزامنًا مع سقوط عبراتها الحارقة و هي تتذكر كيف كانت تعيش حياة هادئة و سعيدة، و تنعم برفقة والديها، فقد انتهت تلك اللحظات منذ ثلاث سنوات.
و ها هي الآن فقدت أبيها إلي الأبد، و من أعطتها الحياة ترقد هكذا منذ سنتين راغبةً في اللحاق بزوجها، و التخلي عن طفتلها التي تدمرت حياتها هي الآخري بزواجها من شاب أحمق، لم يكن يومًا غير دُمية بيد والدته.
جاورت والدتها، جاعلةً من كتفها وسادة لرأسها، لتهمس بصوت مختنق:
– فشلت يا ماما….. رسبت من قبل ما امتحن.
– مش عايز اسمع منك كلمة فشل تاني.
كان هذا صوت «رمزي» و الذي أردف بتحد أكبر:
– احنا مش هنفشل يا أروي، حق والدك راجع يا حبيبتي، و أمنية راشد المُعز هتتحقق يا «أروي» لو مش بالذوق يبقى بالعافية.
استوت على قدميها و تحركت لتقف أمامه قائلة بضعف:
– معتقدش هنقدر…..لاء مش اعتقاد دا مستحيل يا خالي.
– المستحيل إني اسيبك تضعفي يا أروى، غير كدا مفيش مستحيل.
أزالت تلك الدموع عن وجنتيها و سألته بقلة حيلة:
– ازاي يا خالي، الأحفاد مستحيل يخلوني أرجع القصر تاني.
تلوى ثغره باسمًا و قال:
– مستحيل دا لما تكوني ضيفة عندهم، لكن لما تبقى صاحبة القصر و الأملاك محدش هيقدر يعمل معاكي حاجة، متنسيش إن الوصية الحقيقية هي نفسها المزيفة باختلاف الإسم…..كل الفرق دلوقت إنهم عرفوا إنك أروي مدحت خالد صفوان…مش أروى خالد صفوان.
سألته سريعًا:
– طب و لو باسل عرف إني مراته، هنعمل ايه؟
صمت لوهلة مفكرًا و قال:
– معتقدش يا أروى.
– يعني هنعمل ايه دلوقت؟
– دلوقت تدخلي تصلي الفروض اللي فاتتك و تقرأي في المصحف شوية و تنامي، و من الصبح هترجعي تاني للقصر و شركة المُعز، لكن المرة دي ك رئيسة المجموعة، مش مجرد موظفة بدوام جزئي.
و في صباح اليوم التالي، حيث اشرقت الشمس بضوئها الحاني، حاملة معها أحداث لم تُتوقع، فكانت أروي واقفة أمام البوابة الخارجية لمقر شركة المُعز، برفقة رمزي، الذي رفع يده مربتًا على كتفه بتشجيعٍ أظهرته تلك البسمة اللطيفة.
بدالته أروى تلك الابتسامة، و هتفت بصوتٍ حماسي عكس ما بداخلها:
– يلا بينا يا رمزي بيه.
كانت تسير بخطوات واثقة و ثابتة، غير مبالية لتلك الهمهمات السليطة و الاتهامات المصوبة لأخلاقها، حتى وصلت إلى ذلك المكتب الذي صُمم خصيصًا ليناسب الذوق الخاص ب السيد «راشد أحمد المُعز».
استعانت «أروى» بتلك المساعدة ف عرفت منها أن الأحفاد الثلاثة لم يأتي أحد منهم إلى الآن، مما دفعها للقلق حيال تأخرهم و عدم حضورهم إلى الآن.
********
على صعيدٍ آخر.
كانت فداء بصحبة ولاء في المطبخ لتساعدها في تحضير الطعام من أجل وفاء، لتقطع ذلك الصمت بتأفف قائلة:
– هما الشباب هيصحوا امتى بقى! لازم نروح كلنا و نصالح أروى و نرد لها كرامتها اللي هما سففوها التراب امبارح.
أردفت ولاء بهدوء:
– متقلقيش يا بنتي، دلوقت ينزلوا و يروحوا يصلحوا الغلط ده، و الأمور ترجع لمجاريها.
ردت عليها فداء بنبرة من الحيرة:
– عارفة يا طنط، أنا كل اللي هيجنني، إزاي باسل و أروى متجوزين و هو مش يعرفها! و ماما حتى مش راضية تشرحلي تفسير الموضوع دا و تقول صاحبة الشأن لو كانت حابة تقول كانت قالت.
أضافت ولاء بتأييد:
– والدتك معاها حق يا بنتي، و مع الوقت كل حاجة هتبان.
تنهدت فداء لتتلفظ بفضول:
– أنا على قد ما أنا بحب أروى و متحمسة عشان ترجع القصر، على قد ما عايزة اعرف تفسير اللي بيحصل ده، و ليه هي بالذات جدي كتبلها كل أملاكه، مش طمعًا في حاجة و الله بس عايزة اعرف السبب.
بمرور الوقت كانت تقف أمام غرفة أخيها، تنتظر استجابته لطرق الباب، تأففت بضيق و هي تفتح الباب قائلة:
– كل دا نوم يا فا….رس.
نطقت اسمه بتقطع عندما وجدت فِراشه مُرتبًا و غرفته فارغة، تحركت إلى دورة المياه و هي تنادي عليه، لكنها لم تجده، فعادت مجددًا إلى الأسفل لتقع عينيها على باسل الذي يخطو سريعًا للخروج، فنادت عليه و هي تعدو درجات السلم بتعجل.
التفت إليها ناظرًا لها بأعين بُهتت لقلة النوم، و أجابها بخمول:
– عايزة حاجة يا فداء؟؟؟
سألته بترقب و باستغراب لحالته تلك:
– أنت رايح فين؟
– عند أروى.
ابتسمت سريعًا و قالت:
– طب مش حتى تغير هدومك!
أجابها مختصرًا:
– مش وقته، لازم افهم مين ظالم مين؟ عقلي هيقف من التفكير، لازم امشي دلوقت نتكلم بعدين.
صفقت بيدها بحماس يشبه الأطفال و نطقت قائلة:
– روح يا باسل يا ابن سميرة ربنا يوفقك و يوقفلك ولاد الحلال، روح يا باسل يا ابن سميرة ربنا يروق الوضع بينك و بين مراتك، روح يا باسل يا ابن سميرة ربنا……
قطع وصلة دعواتها ذلك الغبي الفاسد كما تراه في رأيها، حينما قال:
– خلاص يا طنط الراجل مشي، ايه بتشحتي عليه!!
رمقته نظرة ساخرة بطرف عينيه و هتفت في غيظ:
– شحتوا عليك في شارع المُعز يا جدع.
قهقه حسام و قال مشاكسًا:
– مش مشكلة، أهم حاجة يكون في عز و غنى، انتي عارفة لو حد شحت في الشارع اللي أغلبيته سياح ده يعمل ثروة قد ايه؟!!!
ضربت على كفيها بتعجب، و أردفت بحاجب مرفوع قبل أن تغادر:
– لاء دا انت عبيط!
******
كان يقود سيارته بعقل شارد، ليخرج من تفكيره على صوت الهاتف يعلن عن اتصال دولي من والدته، تلك المدعوة سميرة و التي هي اللعنة المقذوفة على عائلة المعز، استقبل تلك المكالمة الحاسمة بالنسبة له، ليأتيه صوتها الماكر تقول:
– ايه يا باسل يا حبيبي، استلمت الورث؟
أغمض حدقتيه بضيق قائلًا:
– لسه يا أمي.
– كل دا و لسه؟ هو جدك ناوي يوزعه امتى؟ انت طولت اوي في مصر!
أردف باسل قائلاً:
– قريب يا أمي.
– طب لما الورث لسه متوزعش رنيت عليا كتير كدا ليه؟
سألها باسل بترقب:
– تعرفي أروي مدحت صفوان؟؟
أجابته بتلعثم:
– اه…. اه يا حبيبي، ما دي البنت اللي كنت انت متجوزها.
سألها مجددًا:
– راحت فين دلوقت؟؟
سكتت لوهلة ترتب كلماتها ثم قالت بنبرة تصطنع فيها الغضب:
– دي طلعت بنت مش كويس و كانت بتسرق فلوس من الخزنة بتاعتي فطردتها من البيت.
ما تقوله والدته بالنسبة له ك كلمات مقدسة لا يمكنه تكذيبها، ف كانت إجابتها ك صاعقة أُنزلت به، مما جعله يتوقف بغتة عن القيادة، كان مصدومًا لدرجة جعلته يغلق الهاتف في وجه والدته دون أن يشعر.
أغلقت ذلك الملف التي لم تعد تعرف ترتيبه الرقمي من بين تلك الملفات التي تستعين ب خالها في فهمهم، و قبل أن يبدأ رمزي في شرح واحد آخر، انفتح الباب ليطل باسل من خلفه ك الطور الثائر، ليتقدم منها جاذبًا إياها و صارخًا في وجهه بغضب قد أعماه:
– أنتي كمان ليكي عين تدخلي الشركة بعد اللي حصل!
حاولت ان تسحب يدها و لكنها لم تقدر و كأنما يده قد ماتت على ذراعها، فهتفت بخوف يشوبه الغضب:
– ابعد عني، مش من حقك تكلمني كدا.
صرخ باسل بنبرة حازمة:
– لاء حقي و حقي أوي كمان.
حاول رمزي أن يبعده عن أروي قائلاً بتحذير:
– ابعد عنها يا باسل، بدل ما اطلب لك الأمن.
ابتسم باسل ساخرًا، ليقول مستخفًا:
– و هتقولهم ايه بقي؟ هتقولهم يبعدوني عنها ليه؟ و لا هيبعدوني ازاي!!!
صرخ في جملته الأخيرة بنظرة يملأها التحدى، قبل أن يتلفظ بترقب و بأعين قد احتجزت أروى بين مقلتيها:
– هتقولهم يبعدوني عن مراتي ازاي!!!!!!!!
******
انتهى فارس من جزئيته التي خُصصت ل حصة اليوم، فكان واقفًا و ظهره يستند على سيارته و يحمل بين يديه بعض الكتب الدينية، فكانت عينيه تجوب الحيز أمام مدخل المركز الخاص بالدروس الخصوصية بحثًا عن دينا التي لما يراها في حصة اليوم.
غادر الجميع و لم يتبقى أحد، فأخرج فارس هاتفه المحمول ليجري اتصالا بها، ثواني معدودة و جاءه الرد بصوت ناعس و هي تقول:
– الو! مين معايا؟
كان صوتها ك حافز لإثارة ضربات قلبه التى تزايدت بعنف، و لكنه لم يهتم بذلك نهائيًا و سألها بنبرة جادة:
– أنا فارس المُعز يا دينا.
استقامت بنصفها العلوي عندما سمعت بإسمه، لتقول بصوت أكثر وضوحًا:
– أهلا يا مستر، في حاجة و لا ايه؟
– كنت جايبلك معايا شوية كتب النهاردة، و لما مشوفتكيش موجودة قولت اتصل.
لم يكن هو مقتنعًا بإجابته، فمن هو ل يهتم بتواجدها كثيرًا هكذا، لن نختلف أنه يرغب في المساعدة و لكن كان يمكنه الانتظار للمرة القادم، ف بماذا ستجدي هذه المكالمة!!!
تنهدت دينا حزنًا و قالت:
– غصب عني يا مستر معرفتش اجي.
غلبه الفضول ليسألها:
– غصب عنك ليه؟؟
أعطته دينا تفسيرًا:
– ماما يا مستر اخدت الفيزا بتاعتي، و كمان اخدت الطقم اللي حضرتك جبته المرة اللي فاتت، و كل اللبس اللي عندي بصراحة مهما حاولت اخليه ساتر، مش هينفع بردو فقولت افضل في البيت النهاردة على ما أعرف هعمل إيه.
– البسي أي حاجة و استنيني في مدخل العمارة بتاعتكم.
أنهى حديثه منهيًا الاتصال قبل أن يسمح لها بالاعتراض، و بمرور الوقت كان واقفًا أمام ذلك المبني حيثما تقطن دينا طالبته المُميزة.
أخرج هاتفه ليطلبها مجددًا و لكنه ما لبث يفتح هاتفه حتي وجدها تقف أمامه، فكانت ترتدي بنطالًا من القماش الواسع و فستانًا من الصوف يصل حتي ركبتيها و فوقهما معطف شتوي بنفس طول الفستان، و تحتجز شعرها بداخل قبعة شتوية.
منحها فارس بسمة لطيفة ليقول:
– طب ما انتي زي الفل أهو!
ألقت على ذاتها نظرة تقيمية قبل أن تتلفظ بضيق:
– لا ء مش حلو كدا، حاسة نفسي مكلكعة كدا و مهلهلة في نفسي، انا عايزة اكون محجبة و مهندمة في لبسي ذي باقي المحجبات مش بالمنظر اللي انا فيه ده.
– من حقك طبعًا.
كان هذا رده عليها و هو يفتح لها الباب الأمامي للسيارة، فسألته بترقب:
– هنروح فين؟
أجابها فارس مختصرًا:
– مشوار ع السريع كدا.
ترجل فارس من سيارته أمام إحدى المحلات التجارية الخاصة بملابس النساء، ثوان معدودة كان قد توقف موضعه ينتظر من دينا أن ترافقه و لكنها بقيت كما هي داخل السيارة، ف طرق فارس بخفة على زجاج النافذة، فأعربت الأخرى عن انتباهها بفتح النافذة لتسأله بهدوء:
– محتاج حاجة يا مستر؟!!
ابتسم بدوره قائلًا:
– انزلي عشان ندخل المحل.
اعترضت دينا قائلة:
– طيب ما تدخل يا مستر، أنا مش هدخل.
أشار بيده صوب تلك اللائحة الخاصة بالمحل و هو يتلفظ:
– يا بنتي دا محل ملابس بناتي، ادخل انا لوحدي ازاي، و انتي اللي هتختارى لنفسك.
أشاحت ب رأسها بعيدًا عنه و هي تقول بهدوء:
– اركب يا مستر.
حاول فارس أن يتحدث لكنها اوقفته عندما قالت ب حزم:
– من فضلك تركب يا مستر، انا مش هجيب حاجة، متشكرة جدًا لرغبة حضرتك في المساعدة بس انا هعرف اتصرف لوحدي، حضرتك مش محتاج تصرف عليا.
أضاف فارس موضحًا:
– أنا مش بمن عليكي، اعتبري الفلوس سلف لحد ما والدتك ترجعلك الفيزا.
نظرت إليه مجددًا وقالت بصوت مختنق:
– لو حضرتك مش عايز ترجعني البيت أنا ممكن انزل و ارجع لوحدي.
*****
– يا دادة، يا دادة!
كان هذا صوت حسام الصاخب، الذي يتخطى الدرج هبوطًا و هو يثبت رابطة عنقه، لتخرج إليه فداء و التي زجرته بغيظ قائلة:
– في ايه! صوتك عالي كدا ليه البيت هيتهد!
أجابها حسام مُمازحًا:
– لاء الشركة اللي هتتهد على دماغنا لو أنا مخرجتش دلوقت.
– يكش تتهد على دماغك لوحدك.
كانت نبرتها حادة، ف حدثها بحاجب مرفوع و قال:
– و لما أنتي مش طايقاني بتردي عليا ليه! انا عايز دادة ولاء.
قلبت عينها بملل و قالت:
– أنت صح، بس عمومًا هي خرجت.
– طب أنا جعان و عايز افطر قبل ما أخرج.
تركته و غادرت دون أن تعبأ بحديثه و برغبته في تناول الطعام، و لكنه ما لبث يكف عن ندائها حتى وجد ابنت خاله ميار تدخل إليه و بيدها إحدى حافظات الطعام، لتسأله بحماس و بوجهٍ قد تهللت أساريره:
– فين باسل يا حسام؟
رد عليها باقتضاب:
– مش موجود.
غُمر وجهها بتعابير اليأس، فقالت بشك:
– بتتكلم جد و لا بتهزر؟ دا أنا رنيت عليه قال إنه في البيت.
حرك حسام كتفيه جاهلًا ما تقول، ثم سألها مشيرًا لما معها:
– ايه اللي معاكي ده؟
أجابت بإحباط:
– دي سندوتشات جبتهم عشان نفطر منهم أنا و باسل.
اقترب منها سريعًا ليأخذ الطعام من بين يديها دون سابق إنذار، ثم قال:
– كويس، جيتي في وقتك بالظبط، أفطر بيهم أنا.
شهقت بفزع و قالت بتلعثم:
– لاء… أنت لاء…. مينفعش.
أجابها دون اكتراث:
– كدا كدا باسل مش هنا، و أنا جعان يلا سلام.
أنهي حديثه راكضًا لغرفته، بينما هي كانت على وشك البكاء، لتتلفظ بهمس:
– يا دي النيلة، مش مكتوب لي امشي الأمور زي ما أنا عايزة و لا مرة!
استكمالًا للأحداث على الجهة الأخرى، حيث الصمت السائد و بينما أروى تطالع باسل بأعين تائهة، و عقل يُملي عليها بالكثير من المصائب التي قد تلحق بها لعلمه بأمر زواجهما.
أنهى ذلك الصمت بصوت صارخًا جعلها تنتفض بين يديه:
– ما تنطقي، ساكتة ليه.
نقلت مقلتيها بينه و بين رمزي بأنفاس متهدجة، ف لم يكن خالها بأقل صدمة منها، وفي لحظة عابرة قد تذكرت والدتها أسيرة الفراش، فاستجمعت شتات أمرها و هدأت أعصابها أو لنقل بأنها قد ادعت ذلك حيث نطقت بلهجة غاضبة:
– معنديش كلام ليك، و اتفضل أخرج من مكتبي، و لا اقولك أخرج من الشركة كلها.
كانت جملتها الأخيرة متزامنة مع نفضة قوية لذراعيها، جعلتها تتحرر من قبضتيه، ثانية وصفها الصمت و في التي تاليها بسمة ساخرة قد اعتلت شفيتيه ليقول:
– طبعًا هستنى منك ايه! واحدة زيك أهلها باعوها من ٣ سنين مقابل الفلوس، و رجعت هي باعت نفسها ل راجل قد جدها عشان تاخد أملاكه.
اعتصر قلبها ألمًا لكلماته الجارحة التى وقعت على مسامعها، لكنها لم تسمح لتلك الغيمة في عينها أن تسقط عبراتها لترد عليه بسخرية مُماثلة:
– واضح إنك فعلاً ابن أمك زي ما سمعت عنك!
لم يفهم ما ترمي إليه، حيث أضاف:
– ما طبيعي اكون ابن أمي، هي كل النساء شمال زيك و لا ايه!
كان يشعل فتيل النار بينهما دون أن يدرك، أما أروى فأكملت في دور القوة و قالت:
– حيث كدا بقى يا نن عيون ماما، ارجعلها خليها تكمل حشو في دماغك و تسمم أفكارك اكتر……. و اه صح سلملي على ماما.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة يخلطها الاستفزاز، ثم نظرت إلى ساعتها و قالت و هي تتخطاه خروجًا من المكتب:
– وقت الدوام خلص يا متر، خلينا نرجع البيت.
******
كانت فداء تساعد والدتها على التجول قليلًا في البهو الداخلي للقصر، لتتوقف بغتتة و هي تسأل والدتها بترقب:
– سمعتي صوت حاجة بتتكسر يا ماما؟؟
صمتت وفاء لثواني تنصت باهتمام، قبل أن تجيبها:
– يعني، بس عادي ممكن يكون حد وقع حاجة في المطبخ.
حركت فداء رأسها بنفي و قالت:
– لاء الصوت جاي من فوق، استني هشوف في ايه.
كانت كلما تتجاوز درجة إلى الأعلى، يتناهي إلى سمعها سعال مكتوم، فتتبعت الصوت حتى وصلت إلى غرفة حسام و سرعان ما كانت تقتحم الغرفة دون أن تطرق الباب، لتتفاجئ به جاثيًا على ركبتيه و يستفرغ دمًا.
شهقت بفزع و هي تضع إحدى يديها على رأسها و تضرب فوقها باليد الأخرى مولولة:
– يالهوي …… يالهوي.
شرع برأسه إليها، لتري هي كم الاحمرار في عينيه، أدمعت عينيها لحالته تلك التي يرثى لها، حاول أن يُطمئنها و لكن تلك الدماء التى اندفعت من فمه قتلت الكلمات على شفتيه.
ركضت هي إليه سريعًا و هي تتجنب تلك الأجزاء المِهشمة من المزهرية التي قد سقطت أرضًا إثر دفعها المُتعمد من قبل حسام ليجذب الإنتباه إليه.
جثت أرضًا بجانبه و هي تسألها ب لهفة و خوف:
– مالك يا حسام؟ الدم دا من ايه؟
وضع يده على معدته قائلًا:
– بطني بتتقطع.
مسحت على ظهره بحنان و هي تقول من بين بكائها:
– هتبقى كويس، هنوديك المشفي، قوم معايا.
حرك رأسه معترضًا:
– مش ……قادر….. مش قادر.
ابعدت تلك الدمعة عن وجنتها و قالت:
– طيب أنا هتصرف، متقلقش.
استوت على قدميها و تحركت ركضًا، لتستعن ب العم صالح، لكنها ما كادت تهبط أولى درجات السُلم حتى إلتوت قدميها، و نتيجة لذلك فقدت توازنها و هوي جسدها على الدرج متدرجًا حتى وصلت إلى نهاية السلم، لتُصبح مصدرًا جديدًا للدماء في قصر المُعز……
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أحفاد المعز)